Averroes, Talḫīṣ kitāb al-qiyās (تلخيص كتاب القياس). Averroes D.A.R.E. DARE (RV) 1982 Vatican City Biblioteca Apostolica Vaticana WIP بسم اللّه الرحمن الرحيم تلخيص كتاب انالوطيقى وهو كتاب القياس المقالة الأولى ‑١‑ [المقدمة — الحد القياس — القياس وأنواعه. المقول على الكل والمقول ولا على واحد] قال : ينبغي ان نبتدئ اولاً فنخبر بالشيء الذي عنه الفحص في هذا الكتاب. وبالمنفعة الحاصلة عن الشيء المفحوص عنه، ثم بعد ذلك نخبر بالأشياء التي تتنزل من هذا الكتاب بمنزلة الاصول والمبادئ لسائر ما يتكلم فيه وهي ان نعرف ما هي المقدمة، وما هو الحد، وما هو القياس، وأي القياسات كامل وايّها غير كامل. وما المحمول على كل شيء أو ليس بمحمول على كل الشيء اولا على شيء منه. فنقول : اما الشيء الذي عنه الفحص في هذا الكتاب فهو البرهان لان القياس انما الفحص عنه من اجل الفحص عن البرهان. وأما المنفعة الحاصلة منه فهو حصول العلم البرهاني في جميع الموجودات على اتم ما في طباعها ان يحصل للانسان. القول في تحديد المقدمة وتقسيمها فأما المقدمة فهي قول موجب شيئًا لشيء أو سالب شيئًا عن شيء. و المقدمة لها انقسام من جهة الكيفية وانقسام من جهة الكمية: امّا من جهة الكمية فمنها كلية ومنها جزئية ومنها مهملة؛ وأما من جهة الكيفية فمن قبل ان كل واحدة من هذه اما موجبة واما سالبة: فالكلية الموجبة هي ما أوجب فيها المحمول لكل الموضوع، مثل قولنا. ⟪كل انسان حيوان⟫؛ والسالبة الكلية هي ما سلب فيها المحمول عن كل الموضوع، مثل قولنا: ⟪ولا انسان واحد حجر⟫. والجزئية الموجبة هي ما أوجب فيها المحمول لبعض الموضوع، مثل قولنا: ⟪بعض الحيوان انسان⟫؛ والجزئية السالبة هي: اما سلب المحمول عن بعض الموضوع، مثل قولنا: ⟪بعض الحيوان ليس بانسان⟫، واما سلب الكلية عن الموضوع، مثل قولنا: ⟪ليس كل حيوان انسانًا⟫. فان السالبة الجزئية لها عبارتان: احداهما رفع البعض، والثانية رفع الكل الموجود فيها. والمهملة هي التي لا يقرن بها سور اصلاً لا كلي ولا جزﺋﻲ، مثل قولنا: ⟪العلم بالاضداد واحد⟫ و ⟪اللذة ليست بخير⟫ فهذه هي اقسام المقدمة من جهة الصورة، اعني الاقسام النافعة في معرفة القياس باطلاق. واما انقسام المقدمة من جهة المادة فمنها برهانية ومنها جدلية، الى غير ذلك من الأقسام التي يلحقها من جهة المواد المستعملة في الصنائع المنطقية، على ما سنبيّن بعد من هذه الصناعة. والمقدمة البرهانية والجدلية يفترقان بأشياء احدها ان المقدمة البرهانية هي احد جزﺋﻲ النقيض وهو الصادق؛ واما المقدمة الجدلية فقد تكون كل واحدة من جزﺋﻲ النقيض اذ كانت انما تؤخذ متسلمة من المجيب، والمجيب فقد يجيب بكل واحد من جزﺋﻲ النقيض اذ كان السائل يفوّض اليه في هذه الصناعة عند السؤال ان يجيب بأي جزﺋﻲ النقيض احب. وليس الفرق الذي بين المقدمة البرهانية والمقدمة الجدلية مما له تأثير في وجود القياس عنها، بل ليس بينهما في ذلك فرق اصلاً؛ فان المبرهن والجدلي قد يقيس كل واحد من هؤلاء قياسًا صحيحًا اذا اخذ شيئًا محمولاً على شيء أو غير محمول عليه، اعني اذا وضع مقدمة من المقدمات، فتكون المقدمة القياسية التي هي كالجنس للمقدمة البرهانية و الجدلية، وهي التي ينظر فيها في هذا الكتاب، هي قول موجب شيئًا لشيء أو سالب شيئًا عن شيء. وأما المقدمة البرهانية فهي التي تكون من المعلومات الأول بالطبع؛ واما الجدلية: اما للقايس فمن المشهورات، وأما للسائل فمن المتسلمات المشهورة. والفصول التي تنفصل بها هذه المقدمات بعضها من بعض هي مستوفاة في ⟪كتاب البرهان⟫ و ⟪كتاب الجدل⟪، والنظر فيها من هذه الجهة هو هنالك، وكذلك فصول سائر المقدمات هي مستوفاة في الصنائع الخاصة بها، مثل المقدمات السوفسطائية والخطبية والشعرية. وأما ها هنا فيكفي من معرفة فصول المقدمات هذا القدر الذي ذكر. القول في تحديد الحدّ القياسي وأما الحدّ فانه يدل به في هذا الكتاب على الشيء الذي تنحل اليه المقدمة مما هو جزء ضروري في كونها مقدمة، وهو المحمول والموضوع اللذان هما جزءا المقدمة الضروريان في وجودها، لا الاشياء التي تزاد في المقدمة لموضع الرباط وهي الكلم الوجودية، فان تلك ليست تنحل اليها المقدمة على انها اجزاء ضرورية فيها، اذ كانت قد تكون المقدمة مقدمة بالفعل وان كانت الكلم الوجودية موجودة فيها بالقوة وفي الضمير، على ما جرت عليه العادة عند العرب في الثلاثية، وعلى ما عليه الأمر في الثنائية، اعني من انه ليست بها حاجة الى الكلم الوجودية، وسواء في هذا المعنى المقدمات الموجبة والسالبة. القول في تحديد القياس فأما القياس فهو قول اذا وضعت فيه اشياء اكثر من واحد، لزم من الاضطرار عن تلك الأشياء الموضوعة، بذاتها لا بالعرض، شيء ما آخر غيرها. ⟪فالقول⟫ ها هنا هو جنس القياس وأريد به القول الجازم، وسائر ما أخذ في الحدّ هي فصول تميّز القول القياسي بالحقيقة من غير القياسي. فقوله: ⟪اذا وضعت فيه⟫ يريد به اذا تسلمت واصطلح عليها، وقوله: ⟪أشياء اكثر من واحد⟫ يريد بها المقدمات؛ وانما قال ⟪اكثر من واحد⟫ لأنه سيبيّن بعد انه لا يكون قياس من مقدمة واحدة. وقوله: ⟪شيء ما آخر⟫ يعني به النتيجة، وذلك انه واجب ان تكون النتيجة غير المقدمات فان الشيء لا يوجد في بيان نفسه. وقوله: ⟪لزم من الاضطرار⟫ انما اشترط فيه من الاضطرار من قبل ان اللزوم منه ضروري ومنه غير ضروري، وبهذا الشرط ينفصل القياس من الأقاويل التي يلزم عنها الشيء لزومًا غير ضروري وهي الاستقراء والمثال والمقاييس التي تنتج السلب مرة والايجاب اخرى. وقوله: ⟪بذاتها⟫ أراد به ان يكون القياس تامًا وهو الا ينقصه شيء يكون به قياسًا. وقوله: ⟪لا بالعرض⟫ تحفظًا من الاشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبيّن بعد، مثل الانتاج من موجبتين في الشكل الثاني اذا كانت المحمولات مساوية للموضوعات في الحمل. وبعض ما اخذ في هذا الحدّ هو بيّن بنفسه، اعني وجوده للقياس، وبعضه سيبيّن وجوده، وذلك ان كون القياس قولاً جازمًا هو بيّن بنفسه اذ كان القول الجازم هو الذي يصدق أو يكذب. وكذلك ما قيل فيه من ان يكون اللازم عنه ﺷﻴﺌًﺎ غير المقدمات وان يكون اللزوم ضروريًا هو بيّن بنفسه. وكذلك يكون اللزوم بذاته لا بالعرض هو أيضًا امر بيّن بنفسه، اعني ان القياس يجب ان يكون بهذه الصفة. والذي بقي ان يبيّن هو ان الواجب ان يوضع فيه اكثر من مقدمة واحدة، وذلك سيبيّن فيما بعد اذا تبيّن ان كل قياس فانما يأتلف من مقدمتين لا أكثر ولا أقل. والقياس منه كامل ومنه، كما قلنا، غير كامل. والكامل هو الذي لا يحتاج في ظهور ما يلزم عنه من النتيجة الى استعمال شيء آخر غيره مما يبيٌن به انتاجه. وغير الكامل هو الذي يحتاج في بيان ما يلزم عنه من النتيجة الى استعمال شيء آخر وأشياء اخر مما هو لازم عن المقدمات التي وضعت فيه. وذلك ان القياس بالجملة يجب ان يكون تامًا، وهو الّا ينقصه شيء يكون به قياسًا؛ ثم هذا ينقسم قسمين: فمنه ما ينقصه شيء يبيّن به انه قياس، وهو الذي يخص ها هنا باسم غير الكامل، ومنه ما لا ينقصه شيء يبيّن به انه قياس وهو الكامل. القول في المقول على الكل والمقول ولا على الواحد والفرق بينهما في المقدمة الكلية وأما ⟪المقول على الكل⟫ أو ⟪المقول ولا على واحد⟫ فيعني به اذا لم يوجد شيء في كل الموضوع الا ويحمل عليه المحمول، وذلك بأن يكون المحمول موجودًا لكل الموضوع ولكل ما يتصف بالموضوع ويوجد فيه حتى يكون قولنا: ⟪كل ما هو حيوان فهو جسم⟫، اذا اردنا به معنى ⟪المقول على الكل⟫، ليس معناه كل واحد من الحيوانات فهو جسم، بل كل واحد من الحيوانات وكل ما يتصف بكل واحد منها فهو جسم. وهذا هو الفرق بين المقول على الكل المستعمل مبدأ في هذا الكتاب وبين المقدمة الكلية. وكذلك ⟪المقول ولا على واحد⟫ انما يعني به اذا لم يوجد شيء في كل الموضوع الا ويسلب عنه المحمول حتى يكون المحمول مسلوبًا عن كل الموضوع وعن جميع الأشياء الموجود فيها الموضوع، اعني الأشياء التي يتصف بها الموضوع. فهذه هي الأشياء التي يجب ان تتقدم معرفتها قبل النظر في اصناف المقاييس، أي صنف كان. ‑٢‑ [عكس القضايا المطلقة] القول في تقسيم المقدمة الى الوجودية والاضطرارية والممكنة وكل مقدمة فاما ان تكون مطلقة، اي موجودة بالفعل، واما اضطرارية، وأما ممكنة، ولذلك تنقسم اجزاء المقاييس بانقسام جهات المقدمات. وكل واحدة من هذه: اما موجبة، وأما سالبة، واما كلية، واما جزئية، واما مهملة. ولذلك تتنوع المقاييس الموجودة من قبل هذه الجهات، اعني ان منها ما يكون من مقدمات ضرورية ووجودية وممكنة، كما تتنوع من جهة اختلاف المقدمات في الكمية والكيفية؛ وﺃعني بالكمية اختلافها من قبل الأسوار، وبالكيفية اختلافها من قبل الايجاب والسلب. والجهة الضرورية والممكنة قد عرّفتها من الكتاب المتقدم. وأما الوجودية فيشبه ان يكون اريد بها ها هنا الموجودة بالفعل التي ليست بضرورية، اعني التي يوجد المحمول فيها لكل اشخاص الموضوع، وذلك في أكثر الزمان. وهذا هو الفرق بين الضرورية وبين الموجودة بالفعل، اعني ان الضرورية يوجد المحمرل فيها لكل اشخاص الموضوع في كل الزمان، وأما تلك ففي اكثر الزمان. ويشبه ان يدخل في هذا الصنف من المقدمات التي يجهل من امرها انها ضرورية أو غير ضرورية، لا الموجودة بالفعل، ما دام الموضوع موجودًا أو ما دام المحمول موجودًا، وهو الذي يذهب اليه الاسكندر، لأن هذه شخصية، وان وجد منها كلية ففي الأقل من الزمان وبالعرض. وقد حذّر ارسطو من استعمال امثال هذه المقدمات الوجودية فيما يأتي بعد، وان كان قد يستعملها ارسطو لأمور دعته الى ذلك. ولا هي أيضًا شيء يشمل الضروري والممكن، على ما يذهب اليه ثاوفرسطس وغيره، الاّ ان يريد المعلومة الوجود المجهولة كونها ضرورية أو ممكنة، فان المقصود ها هنا هو قسمة المقدمة الى اقسام الوجود أو الى اقسام المعارف الأول الموجودة لنا بالطبع في المقدمات وسيبيّن هذا من قولنا بعد. القول في العكس وتقسيم المقدمات الموجبة الى ما ينعكس وما لا ينعمس وتحديد العكس وبيان المقدمات المعكوسة وهذه المقدمات الثلاث، اعني المطلقة والضرورية والممكنة، منها ما ينعكس ومنها ما لا ينعكس. وأعني ⟪بالانعكاس⟫ ان يتبدّل ترتيب اجزاء القضية فيصير محمولها موضوعًا وموضوعها محمولاً، ويبقى صدقها و كيفيتها من الايجاب والسلب ايضًا محفوظًا؛ فاما اذا تبدّل الترتيب، ولم يبق الصدق محفوظًا، فهو الذي يسمى في هذه الصناعة: ⟪قلب القضية⟫. القول في انعكاس المقدمات المطلقة فأما المقدمات المطلقة الكلية فان السالبة تنعكس محفوظة الكمية. مثال ذلك: ⟪ان كان ولا شيء من اللذة خير⟫ صادقًا، فقولنا: ⟪ولا شيء من الخير لذة⟫ صادق ايضًا. وأما الموجبة الكلية فانها تنعكس ايضًا لكنها لا تنعكس محفوظة الكمية، اعني كلية، كالحال في السالبة، بل تنعكس جزئية؛ وذلك انه ان كان قولنا: ⟪ان كل لذة خير⟫ صادقًا، فقولنا: ⟪بعض الخير لذة⟫ صادق. وأما المقدمات الجزئية المطلقة فان الموجبة منها تنعكس جزئية، وذلك انه ان كان قولنا: ⟪بعض اللذة خير⟫ صادقًا، فواجب ان يكون قولنا: ⟪بعض الخير لذة⟫ صادقًا ايضًا. وأما السالبة منها فليس تنعكس دائمًا في كل مادة من هذا الصنف. وهو الشيء الذي يشترط في المقدمات المنعكسة؛ وذلك انه ان كان صادقًا قولنا: ⟪بعض الحيوان ليس بانسان⟫، فليس بصادق عكس هذا وهو قولنا: ⟪بعض الانسان ليس بحيوان⟫. فالاستقراء كافٍ في بيان ما لا ينعكس منها مثل السالبة الجزئية؛ وأما بيان ما ينعكس منها فقد يحتاج الى قول. فليكن اولاً مثال السالبة الكلية قولنا: ا ولا في شيء من ب على ان يكون ا مثالاً للمحمول وب مثالاً للموضوع، فان التمثيل بالحروف هو احرى ﻟﺌﻼ يظن بما يبيّن من ذلك انه انما لزم من قبل المادة، اعني من قبل مادة المثال الموضوع فيه لا من قبل الأمر في نفسه، مثل ان نضع بدل ا ⟪حيوانًا⟫ وبدل ب ⟪حجرًا⟫. فأقول انه اذا كان قولنا: ولا شيء من ا ب صادقًا، فانه يجب ضرورة ان يكون: ولا شيء من ب ا صادقًا؛ لأنه ان لم يكن قولنا: ولا شيء من ب ا صادقًا، فنقيضه هو الصادق، على ما تبيّن في الكتاب المتقدم، وهو قولنا: بعض ب ا . فلنفرض ذلك البعض شيئًا محسوسًا، وهو ‍ مثلاً، فتكون ‍ التي هي بعض ب موجودة بالحس في ا ، فهي بعض ا ، فيكون بعض ا ب موجودًا بالحس في ، وقد كنا فرضنا انه: ولا شيء من ا هو ب صادقًا، وذلك خلف لا يمكن. فاذن قولنا: بعض ب ا كاذب، واذا كذب هذا صدق قولنا: ولا شيء من ب ا ، وهو الذي قصدنا بيانه. وأما الموجبة الكلية المطلقة فانها تنعكس، كما قلنا، جزئية. وذلك انه ان كان كل ب ا صادقًا، فأقول انه يجب ضرورة، وفي كل مادة، ان يكون بعض ا ب صادقًا. برهان ذلك انه ان لم يكن قولنا: بعض ا ب صادقًا، فنقيضه هو الصادق وهو قولنا: ولا شيء من ا هو ب . واذا كان هذا صادقًا فعكسه أيضًا صادق على ما تبيّن قبل من ان السالبة الكلية تنعكس، وهو قولنا: ولا شيء من ب ا ، وقد كنا فرضنا ان كل ب ا ، هذا خلف لا يمكن. فاذن قولنا: ولا شيء من ا هو ب هو كاذب، واذا كذب هذا صدق نقيضه وهو قولنا: بعض ب ا . وأما الموجبة الجزئية فأقول أيضًا انها تنعكس جزئية، وذلك انه لما كان بعض ب ا صادقًا، فبعض ا ب صادق ضرورة، لأنه لم يكن صادقًا فنقيضه هو الصادق وهو: ولا شيء من ا ب، واذا صدق هذا فعكسه ايضًا صادق وهو قولنا: ولا شيء من ب ا ، وقد كنا فرضنا بعض ب ا ، هذا خلف لا يمكن. فاذن قولنا: ولا شيء من ا ب كاذب ضرورة، فنقيضه هو الصادق وهو قولنا: بعض اب . وأما الجزئية السالبة فانها لا تنعكس دائمًا. ومثال ذلك ان جعلنا في موضع ب ⟪حيًا⟫ وفي موضع ا ⟪انسانًا⟫، فصدق قولنا: ⟪ليس كل حي انسانًا⟫، لم يصدر عكسه وهو قولنا: ⟪ليس كل انسان حيًا⟫، وهذا كافٍ في الابطال كما قلنا. فهذه هي المقدمات المنعكسة وغير المنعكسة في المادة المطلقة. ‑٣‑ [عكس القضايا ذوات الجهة] القول في انعكاس المقدمات الاضطرارية وأما المقدمات الاضطرارية فان الكلية السالبة منها تنعكس كلية ايضًا، والكلية لموجبة جزئية، وكذلك الجزئية الموجبة كالحال في المطلقة. وبيان ذلك انه ان كان: ولا شيء من ب ا باضطرار صادقًا، فأقول انه يلزم ان يكون: ولا شيء من ا ب باضطرار صادقًا ايضًا. برهان ذلك انه ان لم يكن صادقًا قولنا: ولا شيء من ا ب باضطرار، فنقيضه اذن صادق وهي: اما الموجبة الجزئية التي في المادة الممكنة، التي هي مضادة للمادة الضرورية، وأما الجزئية الموجبة الضرورية، اذ كان ليس ها هنا غير هاتين المادتين؛ فان المطلقة هي من طبيعة الممكن، والمحال الذي يعرض عن فرضهما هو واحد بعينه، اذ كان الممكن هو الذي اذا انزل بالفعل لم يلزم عن انزاله محال. لكن ان انزلناها الجزئية الضرورية، تبيّن بالبيان المتقدم في السالبة المطلقة لزوم المحال عن هذا الفرض؛ وان انزلناها الجزئية الممكنة مثل ان نفرض بعض ا ب بامكان، فهو ظاهر انّا ان انزلنا ان بعض ا ب بالفعل انه ليس يعرض عن ذلك محال، لكن ان انزلنا ان بعض ا ب بالفعل، فبعض ب ا بالفعل، لأن الجزئية المطلقة قد تبيّن انعكاسها، وقد كنا وضعنا انه: ولا شيء من ب ا بالضرورة، هذا خلف لا يمكن. فان الموجود من طبيعة الممكن والممكن مضاد للضروري، واذا كذبت الموجبة الجزئية الضرورية والممكنة، فواجب ان تصدق السالبة الضرورية الكلية، لأن ما ليس موجودًا بامكان ولا بالضرورة فهو مسلوب بالضرورة. وأما الموجبة الكلية الضرورية فانها تنعكس ايضًا جزئية ضرورية، لأنه ان كان كل ب ا باضطرار صادقًا، فأقول انه يجب ان يكون بعض ا ب باضطرار صادقًا لأنه ان كان بعض ا ب بامكان لا باضطرار، وجب ان يكون بعض ب ا بامكان، وذلك ببيان الفرض المتقدم المستعمل في الوجودية. وذلك انّا اذا فرضنا بعض ب، الذي هو موجود في ا بامكان، شيئًا محسوسًا، كان ذلك الشيء بعض ا وبعض ب فيكون اذن بعض ب ا بامكان، وقد كنا وضعنا كل ب ا باضطرار، وهذا خلف لا يمكن. فاذن واجب ان يكون الصادق مع قولنا: كل ب ا باضطرار، ان بعض ا ب باضطرار. وأما الموجبة الجزئية الاضطرارية فانها تنعكس ايضًا جزئية ضرورية، لأنه ان كانت بعض ب ا باضطرار، فواجب ان يكون شيء من ا باضطرار هو ب ، والا لم يكن شيء من ب باضطرار هو ا . فهذه هي المقدمات المنعكسة في المطلقة والاضطرارية، وهذا البيان الذي نسقناه هو البيان الذي اعتمده ارسطو فيها، وبه تنحل الشكوك التي شككها القدماء في هذا الباب عليه. القول في انعكاس المقدمات الممكنة وأما المقدمات الممكنة، اعني التي يقال عليها اسم الممكن بالحقيقة، وهي التي يمكن ان توجد والاّ توجد في الزمان المستقبل, فان الحال في انعكاس الموجبات منها كالحال في انعكاس الموجبات المطلقة والضرورية؛ اعني ان الكلية الممكنة والجزئية تنعكسان جزئية، وذلك بيّن ان كان كل ا ب بامكان، أو بعض ا ب بامكان، فأقول ان ب ا بامكان، لأنه ان لم يكن بامكان بل باضطرار، فبعض ا ب باضطرار على ما تقدم، وقد كان وضع ان كل ا ب بامكان، هذا خلف لا يمكن. وأما المقدمات السوالب التي في هذه المادة فانعكاسها على ضدّ الانعكاس في تلك. وذلك ان الكلية السالبة في هذه المادة لا تنعكس كلية والجزئية تنعكس على ما سيبيّن ذلك عند القول في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة. والسبب ذلك ان السوالب في هذه المادة ليست سوالب بالحقيقة، على ما تبيّن في الكتاب المتقدم، وانما قوتها قوة الموجبات، وذلك ان الجهة فيها نظير الكلمة الوجودية في القضايا التي ليس فيها جهة. وكما ان القضية التي لا يقرن حرف السلب فيها بالكلمة الوجودية وانما يقرن بالمحمول هي موجبة، مثل قولنا: ⟪زيد يوجد لا خير⟫ أو ⟪يوجد لا ابيض⟫، كذلك هذه القضايا لما كان حرف السلب لا يقرن فيها بالجهة وانما يقرن بالمحمول، مثل قولنا: ⟪هذا ممكن الاّ يكون في شيء من هذا⟫ و ⟪ممكن الا يكون في بعض هذا⟫ وسنبيّن هذا فيما بعد بيانًا أكثر. -٤- [تأليف القياس والحدود - القول في الشكل الأ ول] القول في تأليف القياس واذ قد تبيّنت هذه الأشياء، فلنقل من أي شيء يأتلف القياس الذي حدّ قبل، وبماذا يأتلف، وكيف جهة ائتلافه، ومتى يأتلف ائتلافًا يلزم عنه شيء آخر غيره بالضرورة. ثم من بعد ذلك ينبغي ان نتكلم في البرهان لأن القياس اعم من البرهان، اذ كان كل برهان قياسًا وليس كل قياس برهانًا، وذلك اذا كان شكله منتجًا ولم تكن مقدماته صادقة. القول في بيان حدود القياس انها كم كان وبيان مقدماته وانها كم كان فنقول : ان القياس المطلوب في هذا الكتاب انما هو القياس الذي يؤلف على مطلوب محدود مثل قولنا: هل كل ‍ هو ا ، ام ليس شيء من ج‍ ا ؟ وهو بيّن انّا اذا اخذنا شيئًا منسوبًا ‍ ﻟﺟ و ا ، اللذين هما طرفا المطلوب، وهو مثلاً ب، انه يأتلف من ذلك مقدمتان من ثلاثة حدود، متباينتان بحدّين ومشتركتان في حدّ واحد، وانه اذا اخذنا شيئًا مشتركًا لطرفي المطلوب بهذه الصفة، انه يمكن ان يبيّن به المطلوب، اعني ان ج‍ هي ا وان ‍ ليست هي ا أو ليس فيها ا . مثال ذلك ان نقول: ‍ هي ب و ب هي ا ، فيلزم ان تكون ا في ‍ .؛ أو نقول: ‍ هي ب و ب ليست هي ا ، فيلزم الا تكون ا في . فلنسم موضوع المطلوب في المقدمة الواحدة، الذي هو ‍ ، الطرف الأصغر، ومحمول المطلوب في المقدمة الثانية، الذي هو ا ، الطرف الأكبر، والحدّ المشترك بينهما، الذي هو ب ، الحدّ الأوسط؛ ونسمي المقدمة التي فيها الطرف الأصغر الصغرى، والتي فيها الطرف الأكبر الكبرى، ولنسم ترتيب الحدّ الأوسط من الطرفين الشكل . القول في تقسيم الي اشكال ولما كان الحدّ المشترك له من الطرفين أوضاع اربعة: احدها ان يكون موضوعًا للطرفين، أو محمولاً عليهما، أو موضوعًا للأكبر ومحمولاً على الأصغر، أو عكس ذلك، فلننظر في أي ترتيب منها يصح ان تكون الاشكال الطبيعية للقوة الفكرية، اعني التي يقع عليها الناس بالطبع لا بقوة صناعية، فان هذا هو القياس الذي تروم اعطاءه هذه الصناعة، اعني الذي تروم حصر اجناسه وتمييز الاصناف المنتجة في جنس جنس منها من غير المنتجة. ومن هذا الفحص يتبيّن لك ان الاشكال الحملية ثلاثة وان الشكل الرابع، الذي يضعه جالينوس، ليس بشكل طبيعي، وهو ان يكون الحدّ الأوسط محمولاً على الطرف الأعظم، موضوعًا للأصغر، لأنه ليس تعمله فكرة بالطبع، اعني انه لا يوجد في كلام الناس، ولو وجد لكان من جنس الشكل الأول ولم يكن رابعًا. القول في الشكل الأول فنقول : اما اذا رتّب الحدّ الأوسط من الطرفين بأن يكون محمولاً على الاصغر، والأكبر محمولاً عليه مثل ما نقول: كل ج‍ هو ب وكل ب هو ا، فهو من البيّن بنفسه ان هذا الترتيب قياسي وانه يوجد لنا بالطبع، وارسطو يسمي هذا الترتيب: ⟪الشكل الأول⟫. ولما كانت كل مقدمتين: اما ان تكون كلاهما كلية أو جزئية أو مهملة، أو تكون احداهما كلية والأخرى جزئية، أو احداهما كلية والأخرى مهملة، أو احداهما مهملة والأخرى جزئية؛ وكل واحدة من هذه الأصناف الثلاثة تنقسم قسمين: اما ان تكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى أو بالعكس، وكذلك الكلية مع المهملة والجزئية مع المهملة؛ وكل واحد من هذه الاصناف التسعة من التركيب: اما ان تكون موجبتين معًا أو تكون احداهما موجبة والثانية سالبة؛ وهذان ضربان: احدهما ان تكون الصغرى هي السالبة والكبرى هي الموجبة، والضرب الثاني عكس هذا، فهو بيّن انه اذا ضربت هذه الأربعة في تلك التسعة حدث عنها ستة وثلاثون اقترانًا، وارسطو يبيّن المنتج منها من غير المنتج على ما اقوله. الضرب الأول اما متى كانت المقدمتان كليتين موجبتين فانه ينتج موجبة كلية ضرورية. مثال ذلك من الحروف انه متى وضعنا: كل ‍ هو ب ، وكل ب هو ا ، فأقول انه ينتج عن ذلك ان كل ‍ هو ا ، وذلك بالضرورة ودائمًا. ومثال ذلك من المواد انّا متى وضعنا ان كل انسان حيوان، وكل حيوان حساس، فانه يلزم عن ذلك ان يكون كل انسان حساسًا؛ واللزوم ها هنا ظاهر من معنى ⟪المقول على الكل⟫ الذي رسمناه في اول هذا الكتاب. وذلك ان معنى قولنا: كل ب هو ا أو كل حيوان حساس، وهي المقدمة الكبرى في هذا التأليف، انما هو ان كل ما هو ب ويوصف بب بايجاب فهو ا ، فاذا اضفنا الى هذا الوضع ان ‍ يوصف بب ، لزم ضرورة ان يوصف ج‍ با ؛ وكذلك قولنا: كل حيوان حساس انما يريد به: كل ما يوصف بانه حيوان فهو ظاهر انه يجب ان يوصف بالحساس. فهذا هو احد الضروب المنتجة في هذا الشكل. الضرب الثاني وكذلك متى كانت المقدمتان كليتين، وكانت الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فهو ظاهر أيضًا من معنى ⟪المقول ولا على واحد⟫ انه ينتج سالبة كلية. مثال ذلك قولنا: كل ‍ فهو ب ، ولا شيء من ب هو ا ، فيجب عن ذلك: ولا شيء من ج‍ ا ، لأن معنى قولنا: ولا شيء من ب ا ، أي ولا شيء مما يوصف بب بايجاب هو ا ، و ‍ يوصف بب بايجاب، فيجب الا يوصف بشيء من ا . وأما متى كانت المقدمتان الكليتان سالبتين معًا، أو كانت الكبرى موجبة والصغرى سالبة، فانه لا يكون عن ذلك قياس منتج لا كلي ولا جزئي، وذلك ظاهر من انه ينتج في المواد مرة موجبًا صادقًا، ومرة سالبًا صادقًا، ومن انه ايضًا ليس فيه ⟪معنى المقول على الكل⟫ اذ كان شرط ما يقال على الكل انما هو ان تكون ا مسلوبة عن كل ما يوصف بب وصف ايجاب. ولما كانت ج‍ توصف بب وصف سلب، لم يجب منه ان يوصف با وصف سلب، سواء كانت الكبرى موجبة أو سالبة. وأما هذين الضربين ينتجان في المواد مرة موجبة صادقة، ومرة سالبة صادقة، فذلك ظاهر متى جعلنا حدود المقدمتين الكليتين اللتين الكبرى منهما موجبة والصغرى سالبة، مرة: الحي والانسان والفرس، على ان الحى هو الحد الأكبر، والأوسط الانسان، والاصغر الفرس؛ ومرة: الحي والانسان والحجر. فاذا قلنا: ولا فرس واحد انسان، وكل انسان حي، انتج موجبًا كليًا، وهي ان: كل فرس حي؛ واذا قلنا: ولا حجر واحد انسان، وكل انسان حي، انتج سالبًا كليًا، وهي قولنا: ولا حجر واحد حي. واذا كان هذا التركيب مرة ينتج السالب ومرة ينتج الموجب، فليس يلزم عنه شيء آخر من الاضطرار ودائمًا على ما اخذ في حدّ القياس، واذا كان ذلك كذلك فليس بقياس. وكذلك الحدود التي تنتج الموجب في المقدمتين السالبتين الكليتين هي: النطق والفرس والانسان، والتي تنتج السالب هي: النطق والفرس والحمار. وذلك انه: ولا انسان واحد فرس، ولا فرس واحد ناطق، ينتج: كل انسان ناطق؛ وأيضًا: ولا حمار واحد فرس، ولا فرس واحد ناطق، ينتج: ولا حمار واحد ناطق. فاذن هذا التأليف مرة ينتج الموجب ومرة السالب، فليس بتأليف قياسي. فهذه حال المقاييس التي تأتلف من مقدمتين كليتين في هذا الشكل، اعني ان اثنين منها منتج واثنين غير منتج. الاّ انه ينبغي ان نعلم ان الذي من كليتين سالبتين في هذا الشكل ليس ينتج اصلاً شيئًا من الأشياء، لا بقياس صناعي ولا بقياس طبيعي، وهو الذي تأتي به الفكرة من غير رويّة. وأما التي الصغرى فيه سالبة فقد يظن به انه ينتج سالبة جزئية اذا عكسنا المقدمات، لكن هذا النوع من الانتاج ليس هو عن قياس تقع عليه الفكرة بالطبع، وانما كان يكون منتجًا لو كان هذا النوع من الشكل الأول قياسًا طبيعيًا، والمقصود ها هنا كما قلنا انما هو احصاء المقاييس التي تقع عليها افكار الناس بالطبع. الضرب الثالث وأما متى كانت احدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فانه متى كانت الكلية هي الكبرى، موجبة كانت أو سالبة، وكانت الجزئية هي الصغرى وكانت موجبة، فانه يكون عن ذلك قياس منتج كامل. مثال ذلك انه متى وضعنا ان بعض ‍ هو ب ، وكل ب هو ا ، فانه يجب ان يكون بعض هو ا ؛ وذلك بيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫ لأن معنى قولنا: كل ب هو ا ، كما قلناه غير ما مرة، هو كل ما يوصف بب وصف ايجاب فهو ا ، وبعض ‍ وضع موصوفًا بب ، فواجب ان يكون ذلك البعض موصوفًا بكل ا . الضرب الرابع وكذلك متى وضعنا ان بعض ‍ هو ب ، ولا شيء من ب ا ، فانه يجب عن ذلك ان بعض ‍ ليس ا . وذلك ايضًا بيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫ السالب، وعلى هذا النحو يلزم الأمر متى جعل عوض الجزئية في هذين الصنفين مهملة، لأن المهملة قوتها قوة الجزئية، اذ كانت المهملة لا تنفك من ان تكون جزئية، وذلك هو الدائم الضروري الوجود فيها، وأما كونها دالة على المعنى الكلي فليس بلازم لها ولذلك جعلوا قوتها قوة الجزئية. وأما اذا كانت المقدمة الكلية هي الصغرى، موجبة كانت أو سالبة، وكانت المقدمة الكبرى غير كلية، اما مهملة وأما جزئية، سالبة كانت أو موجبة، فانه لا يكون عن ذلك قياس. وذلك ظاهر من انه ليس يوجد فيها معنى ⟪المقول على الكل⟫، وظاهر ايضًا من المواد، اعني انها توجد تنتج في المواد مرة موجبًا ومرة سالبًا. ومثال ذلك متى وضعنا ان كل ‍ هو ب ، و ا موجودة في بعض ب أو غير موجودة في بعض ب ، فانه ليس يلزم عنه ان تكون ا مسلوبة عن بعض أو موجودة في بعض ‍ ، وذلك انه نقص ها هنا من شرط ⟪المقول على الكل⟫ الكلية الموجودة فيه، اذ كان معنى ⟪المقول على الكل⟫ ان تكون ا محمولة بايجاب أو بسلب على كل ما يوصف بب بايجاب فقط، و ا ها هنا انما هي مقولة علي بعض ب لا على كلها. ومثال الحدود التي تنتج الموجب الصادق، في التي الصغرى منها كلية موجبة والكبرى جزئية موجبة، الخير والقنية والحكمة. وذلك ان: كل حكمة قنية، وبعض القنية خير، والنتيجة: فكل حكمة خير؛ والتي تنتج السالب: الخير والقنية والجهل الذي على طريق الملكة اعني المكتسب، وذلك: ان كل جهل قنية، وبعض القنية خير، ولا جهل واحد خير. وهذا هو أيضًا غير منتج بالطريق الطبيعي. وكذلك متى وضعنا انه ولا شيء من ‍ هو ب ، وبعض ب ا أو بعض ب ليس هو ا ، فانه لا ينتج نتيجة محفوظة الكيفية؛ وذلك بيّن ايضًا من معنى ⟪المقول على الكل⟫ ومن المواد. فمثال حدود المقدمات التي تنتج الموجب، مما الكبرى فيه موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية، الأبيض والفرس والققنس؛ وذلك انه: ولا ققنس واحد فرس، وبعض الفرس ابيض، ينتج: كل ققنس ابيض؛ والحدود التي تنتج سالبة صادقة: الأبيض والفرس والغراب، وذلك انه: ولا غراب واحد فرس، وبعض الفرس ابيض، ينتج: ولا غراب واحد ابيض، وهو سالب صادق. واذا تبيّن في امثال هذه المقاييس انها تنتج الموجب الكلي مرة والسالب الكلى مرة، فبيّن انه ليس ينتج سالبًا جزئية ولا موجبًا جزئيًا؛ وذلك ان من جهة انها قد تنتج الموجب الكلي فليس يمكن فيها ان تنتج دائمًا سالبًا جزئيًا، ومن جهة انها تنتج السالب الكلي فليس يمكن فيها ان تنتج دائمًا لا موجبًا كليًا ولا جزئيا. وهذه ليست مقاييس بالاضافة الى ما ينتج بطريق طبيعي. وكذلك يلفى الأمر ان اخذ ها هنا بدل الجزئية مهملة اذ كانت قوتهما واحدة. وكذلك ايضًا متى كانت المقدمة الكبرى كلية موجبة كانت أو سالبة، وكانت المقدمة الصغرى جزئية سالبة، فانه لا يكون أيضًا قياس ينتج المطلوب بطريق طبيعى، لأن الطرف الأصغر لما كان ليس يوجد فيه الحدّ الأوسط، أعني ليس هو محمولاً عليه بايجاب على الشريطة المفروضة في ⟪المقول على الكل⟫، امكن ان يوجد الطرف الأكبر فيه والاّ يوجد في شيء منه. ومثال ذلك انّا اذا وضعنا ان بعض ‍ غير موجودة لشيء من ب ، وكل ب ا ، فانه يمكن ان ينتج ان ا موجودة مرة لبعض ومرة غير موجودة. ومثال حدود ذلك من المواد: الحي والانسان والأبيض؛ وذلك ان: بعض الأبيض ليس بإنسان، وكل انسان حي، فان كان قولنا: بعض الأبيض ليس بانسان، وهي السالبة الجزئية تصدق مع السالبة الكلية، وهي قولنا: ولا واحد من الأبيض انسان، كان القياس مؤتلفًا من مقدمتين صغراهما سالبة كلية وكبراهما موجبة كلية. وقد تبيّن ان هذا غير منتج من جهة الحدود التي تنتج المتضادين. وان كانت لا تصدق مع قولنا: بعض الأبيض ليس بانسان السالبة الكلية، فيكون بعض الأبيض ضرورة هو انسان وبعضه ليس بانسان. فاذن لا يوجد في هذا الوضع حدود تنتج المتضادين، اعني السالب والموجب اذ كان يجب ان يكون بعض ‍ هو ا ، لأنه اذا صدق مع قولنا: بعض الأبيض ليس بانسان قولنا ان بعض الأبيض انسان، كان اللازم عن هذا التأليف تأليفًا منتجًا، وهو الذي يكون من موجبة صغرى جزئية وكبرى كلية، وقد تبيّن انه ينتج ولا بد موجبة جزئية. فلذلك لا يصح ان يوجد في مثل هذه المادة سالب كلي لأنه نقيض للموجب الجزئي، لكن يبيّن في مثل هذه المادة، اعني اذا كانت المقدمة الجزئية السالبة صادقة مع الموجبة الجزئية، وهي التي تسمى جزئية بالطبع، ان هذا التأليف غير منتج. فانه يمكن ان نجد في ذلك البعض، الذي سلب عنه الانسان، ما يصدق عليه الحيوان وما يكذب عليه، وذلك ان بعض الأبيض الذي ليس بانسان. اذا فرضنا انه الثلج مثلاً، صدق قولنا: ولا ثلج واحد حيوان، واذا فرضناه الققنس مثلاً، صدق قولنا: ان كل ققنس حيوان. فمن هذه الجهة قد يظهر لنا ان هذا التأليف مرة ينتج موجبًا كليًا صادقًا، ومرة سالبًا كليًا صادقًا وهما المتضادان. وقد يمكن ايضًا ان يقال ان هذا الشكل غير منتج من جهة انه انما يطلب ها هنا المنتج دائمًا لا بحسب مادة من المواد. القول في بيان الجزﺋية بالطبع والجزﺋية بالوضع ولما كان هذا التأليف، ان سلمنا انه ينتج موجبة جزئية، فانما ينتجها في الموضع الذي تكون الجزئية السالبة فيه جزئية بالطبع، اعني في المادة التي تصدق معها الموجبة الجزئية، لا في الموضع الذي تصدق معها السالبة الكلية، وهي التي تسمى جزئية بالوضع، وكان المطلوب من التأليفات انما هو المنتج بالذات، وهو المنتج في كل مادة، لم يعدً هذا التأليف في التأليفات المنتجة، كما لا يعدً الذي من موجبتين في الشكل الثاني منتجًا وان كان قد ينتج في بعض المواد، لأن المواد التي يتأتى فيها الانتاج من التي لا يتأتى فيها الانتاج قد تكون مجهولة. وكذلك فبيّن أيضًا ان التأليف الذي تكون المقدمة الكبرى فيه سالبة كلية والصغرى سالبة جزئية، انه غير منتج بمثل هذا البيان بعينه. وحدود ذلك من المواد: غير النامي والانسان والأبيض. وذلك ان: بعض الأبيض ليس بانسان، ولا انسان واحد غير نام، فان اخذنا من ذلك البعض الثلج وققنس، انتج لنا ان الثلج غير نام، وان ققنس الذي هو الطائر نام، فنجد هذا التأليف ينتج المتقابلين معًا. واذا كانت المقدمتان المأخوذتان في هذا الشكل كلتاهما جزئية أو مهملة، أو احداهما مهملة والثانية جزئية، فانه لا يكون من ذلك قياس، موجبتان كانتا معًا أو سالبتان معًا، أو احداهما موجبة والأخرى سالبة؛ وذلك بيّن من انه ليس يوجد فيها معنى ⟪المقول على الكل⟫ اذ كان ذلك يقتضي شرطين: احدهما ان تكون الكبرى كلية كيف ما كانت في كيفيتها، اعني موجبة أو سالبة، والثانية ان تكون الصغرى موجبة ولا بد كيف ما كانت في كميتها، اعني كلية أو جزئية. وقد تبيّن انه غير منتج من الحدود التي تنتج المتضادات في جميع هذه التأليفات والحدود العامة لها. اما فيما ينتج الموجب الكلي: فالحي والأبيض والانسان، اعني ان يكون الحي هو الطرف الاعظم، والأبيض الأوسط، والانسان الاصغر؛ وذلك انك تجد في هذه الحدود جميع اصناف تلك التأليفات، وكلها تنتج موجبًا. وذلك: ان بعض الانسان ابيض، وبعض الأبيض حي، وبعض الانسان ليس بأبيض، وبعض الأبيض ليس بحي. وكلها يلزم عنها ان الانسان حي. واما الحدود العامة لها التي ينتج فيها السالب الكلي فالحي والأبيض والحجر، اعني ان يكون الحي هو الأكبر، والأبيض الأوسط، والأصغر الحجر. فقد تبيّن المنتج في هذا الشكل من غير المنتج، وان المنتج منها اربعة فقط، وهو الذي يكون من موجبتين كليتين، ومن موجبة كلية كبرى وموجبة جزئية صغرى، ومن كلية سالبة كبرى وجزئية موجبة صغرى، ومن كلية سالبة كبرى وكلية موجبة صغرى؛ وانه ينتج اصناف القضايا، اعني انه ينتج موجبة كلية، وموجبة جزئية، وسالبة كلية، وسالبه جزئية؛ وان المقاييس المنتجة في هذا الشكل كاملة، ولذلك سمي بالشكل الأول. وما ظن القدماء من ان الثلاثة الاصناف التي في هذا الشكل قد تنتج نتيجتين، اعني ان الصنف الذي ينتج السالبة الكلية قد ينتج عكسها، وكذلك الذي ينتج الموجبة الجزئية والذي ينتج الموجبة الكلية، اعني انهما ينتجان ايضًا عكسيهما وهي موجبة جزئية، فذلك جهل بغرض ارسطو ها هنا، وذلك ان ارسطو انما قصد أن يعدّد ها هنا اصناف النتائج الموجودة بالذات وأولأ للمقاييس الطبيعية، لا الموجودة بالقصد الثاني وعلى غير مجرى الطبع القياسي. -٥- القول في الشكل الثاني وأما متى حمل الحدّ الأوسط على الطرفين جميعًا، اعني على موضوع المطلوب وعلى محموله، وذلك اما بأن يكون محمولاً عليهما بايجاب أو سلب، أو محمولاً على احدهما بايجاب وعلى الثاني بسلب، كان الحمل في كليهما كليًا أو جزئيًا، أو في احدهما كليًا وفي الآخر جزئيًا أو مهملاً، فانه بيّن ان مثل هذا التأليف هو تأليف قياسي، وان الفكرة الانسانية تقع عليه بالطبع لا بطريق صناعي. مثال ذلك انه قد يقول القائل: هذا السقط ليس بحي، فيقال له: ولمَ ذلك؟ فيقول: لأن الحي يستهل صارخًا. فانه من البيّن ان هذا القول قد حذف منه قائله المقدمة الصغرى لبيانها، وهي ان هذا الطفل لم يستهل صارخًا، وهذا هو اخذ المستهل صارخًا الذي هو الحدّ الأوسط محمولاً على الطرفين. فلنسمّ مثل هذا التأليف ⟪الشكل الثاني⟫، ولنسمّ الحدّ المحمول عليهما ايضًا الأوسط، وموضوع المطلوب الأصغر، ومحمول المطلوب الأكبر، والمقدمة التي موضوعها موضوع المطلوب المقدمة الصغرى، والتي موضوعها محمول المطلوب المقدمة الكبرى. ولنفرض الأول في القول هو الطرف الأصغر، ثم يليه الأوسط، ثم يليه الأعظم، ليتميّز لنا الطرف الأكبر من الأصغر، لأنهما في هذا الشكل لا يتميّزان الا بالاضافة الى المطلوب. وهذا الشكل ليس يوجد فيه قياس كامل، وتوجد فيه قياسات منتجة، اذا كانت المقدمات كلية وغير كلية. فأما اذا كانت كلية فان القياس انما يوجد فيه اذا كان الأوسط محمولاً على احد الطرفين، ايهما كان بايجاب، وكان محمولاً على الآخر بسلب؛ وأما اذا كان محمولاً عليهما بايجاب فلن يكون فيه قياس منتج. الضرب الاول فلنضع أولاً مقدمتين كليتين، احداهما سالبة والأخرى موجبة، ولتكن الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة، فأقول انها تنتج سالبة كلية. مثال ذلك: كل هو ب ، ولا شيء من ا هو ب ، فأقول انه يلزم عن ذلك: ولا شيء من هو ا لأنه اذا عكسنا السالبة الكلية، وهي قولنا: ولا شيء من ا هو ب ، فقلنا: ولا شيء من ب هو ا ، وقد كان معنا ان كل ‍ هو ب ، انتجنا في الصنف الثاني من الشكل الأول، على ما تبيّن، انه: ولا شيء من ﺟ ا . الضرب الثاني ولنضع السالبة أيضًا هي الصغرى، والموجبة هي الكبرى، فأقول ان هذا التأليف ينتج أيضًا سالبة كلية. مثال ذلك قولنا: ولا شيء من ‍ هو ب ، وكل ا هو ب ، فهذا ينتج انه: ولا شيء من ‍ هو ا . برهان ذلك انّا نعكس المقدمة السالبة فيكون معنا ولا شيء من ب هو ‍ ، وقد كان معنا ان كل ا هو ب ، فينتج لنا في الصنف الثاني من الشكل الأول انه: ولا شيء من ا هو ‍ ، ثم نعكس هذه النتيجة فيكون معنا: ولا شيء من ‍ هو ا ؛ وهذه النتيجة بعينها كانت نتيجة القياس الأول من هذا الشكل. وأما اذا كانت المقدمتان الكليتان موجبتين أو سالبتين معًا، فانه لا يكون عن ذلك قياس منتج. ومثال ذلك انه اذا وضعنا كل ‍ هو ب ، وكل ا هو ب ، فأقول انه ليس يلزم عن ذلك ان يكون كل ‍ هو ا ، ولا بعض ‍ هو ا ، وذلك بيّن من المواد التي تنتج المتضادات. فمثال الحدود التي تنتج الموجب من المواد: الانسان والجوهر والحي، على ان نأخذ الجوهر هو الحدّ الأوسط، وذلك ان: كل انسان جوهر، وكل حي جوهر، وهذا ينتج في هذه المادة ان كل انسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب من المواد: الحجر والجوهر والحي؛ وذلك ان: كل حجر جوهر، وكل حي جوهر، ولا حجر واحد حي. وكذلك متى وضعنا انه: ولا شيء من ‍ هو ب ، ولا شيء من ا هو ب ، فانه يوجد هذا التأليف أيضًا في المواد ينتج المتضادين معًا. ومثال الحدود التي تنتج الموجب: الانسان والخط والحي. وذلك انه ولا انسان واحد خط، ولا حي واحد خط، وكل انسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب الكلي: الحجر والخط والحي. وذلك انه: ولا حجر واحد خط، ولا حي واحد خط، ينتج ولا حجر واحد حي. فيوجد هذان التأليفان مرة ينتجان الموجب، ومرة ينتجان السالب فليسا بقياس. فقد تبيّن من هذا القول، اذا كانت المقدمتان كليتين متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون، وان القياسات المنتجة في هذا الشكل ليست بكاملة اذ كانت انما تبيّن 2انها منتجة بغيرها لا بنفسها. الضرب الثالث فأما اذا كانت احدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فانه اذا كانت الكبرى كلية والصغرى جزئية، وكانت احداهما مخالفة للأخرى في الكيفية، اعني ان كانت احداهما سالبة كانت الأخرى موجبة، فانه يكون من ذلك قياسات منتجة. فلتكن أولاً الكبرى سالبة كلية والصغرى موجبة جزئية. ومثال ذلك ان يكون بعض ‍ هو ب ، ولا شيء من ا هو ب ، فأقول انه من الاضطرار ان يكون بعض ‍ ليس هو ا ، لأنه ينعكس ولا شيء من ا هو ب ، فيكون معنا: بعض ‍ هو ب ، ولا شيء من ب ا ، فيرجع هذا الى الشكل الأول، وقد تبيّن انه يلزم في هذا الشكل ان يكون بعض ‍ ليس فيه شيء من ا . الضرب الرابع ولتكن أيضًا المقدمة الكبرى الكلية الموجبة والصغرى السالبة الجزئية. مثال ذلك ان يكون بعض ‍ ليس ب ، وكل ا هو ب ، فأقول انه يلزم عنه جزئية سالبة وهي ان بعض ‍ ليس هو ا . برهان ذلك انه ان لم يكن قولنا ان بعض ‍ ليس هو ا صادقًا، فليكن الصادق نقيضه وهو ان كل ‍ هو ا ، ونضيف اليها المقدمة الثانية التي وضعنا وهي قولنا: وكل ا ب ، فيلزم عنه في الشكل الأول ان يكون كل هو ب ، وقد وضعنا ان بعض ‍ ليس ب ، هذا خلف لا يمكن. وما لزم عنه الكذب فهو كذب، والكذب انما لزم عن وضعنا ان كل ج‍ ا ، فقولنا:كل ﺟ ا كذب، فنقيضه اذن صادق وهو قولنا: بعض ‍ ليس ا ، وذلك ما اردنا بيانه . وأما اذا كانت المقدمة الكبرى في هذا الشكل هي الجزئية والصغرى هي الكلية، وكانت احداهما مخالفة في الكيفية للثانية، فانه لا يكون ايضًا عن ذلك قياس. فلتكن اولاً الكبرى جزئية سالبة والصغرى موجبة كلية. مثال ذلك ان يكون كل ‍ هو ب ، وبعض ا ليس هو ب . وبيان ذلك انها توجد تنتج في المواد المختلفة المتضادين معًا. فالحدود التي تنتج الموجب: الغراب والحي والجوهر، والغراب هو الأصغر، والحي هو الأوسط؛ فان كل غراب حي، وبعض الجوهر ليس بحي، فينتج: كل غراب جوهر، وهو موجب صادق. وأما الحدود التي تنتج السالب فهي: الغراب والحي والأبيض؛ وذلك ان كل غراب حي، وبعض الأبيض ليس بحي، فينتج: ولا غراب واحد ابيض، وذلك صادق. وكذلك أيضًا لا يكون قياس اذا كانت الكبرى موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية. ومثال ذلك من الحروف: ولا شيء من ‍ هو ب ، وبعض ا هو ب . والحدود التي تنتج الموجب في هذا التأليف هي: الحجر والحي والجوهر، والحجر هو الأصغر، والحي هو الأوسط؛ وذلك انه ولا حجر واحد حي، وبعض الجوهر حي، تكون النتيجة: كل حجر جوهر. والحدود التي تنتج السالب هي: العلم والحي والجوهر، والعلم هو الأصغر بحسب ترتيبنا، والحي هو الأوسط، وذلك ان العلم ليس بحياة وبعض الجواهر حية، والنتيجة: العلم ليس بجوهر. فقد تبيّن، اذا كانت المقدمة الكلية في هذا الشكل مخالفة للجزئية في كيفيتها، متى يكون قياس ومتى لا يكون. وأما اذا كانت الكلية والجزئية متوافقتين في الكيفية، اعني اما سالبتين معًا أو موجبتين معًا، فلا يكون منهما قياس البتة. فلتكن أولاً سالبتين، ولتكن الكلية هي المقدمة الكبرى والجزئية الصغرى. ومثال ذلك ان تكون ب ليست في كل ‍ ، ولا شيء من ا هو ب . وبرهان ذلك ان قولنا: ب ليست في كل هو غير محدود، فقد تصدق معه السالبة الكلية، وقد تصدق معه الموجبة الجزئية. فاذا صدقت معه السالبة الكلية لم يكن منتجًا على ما تبيّن، ووجدت حدود تنتج الحدود الموجبة، واذا صدقت معها الموجبة الجزئية، لم توجد حدود تنتج موجبة كلية. وذلك انه لو وجدت حدود تنتج ان كل ‍ هو ا ، وقد كان معنا: ولا شيء من ا هو ب ، لقد كان يجب ان يكون: ولا شيء من ‍ هو ب، فتكون الجزئية السالبة سالبة بالوضع لا بالطبع، وقد كنا فرضناها سالبة بالطبع، وهي التي يصدق معها: بعض ج‍ هو ب، هذا خلف لا يمكن. لكن بيّن ان هذا التأليف غير منتج من قبل ان تلك السالبة الجزئية غير محدودة، اعني انها مرة تكون جزئية بالطبع ومرة بالوضع، فتكون مرة تنتج ومرة لا تنتج؛ وما كان مرة ينتج ومرة لا ينتج، لم يعدّ قياسًا، اذ القياس هو الذي ينتج نتيجة واحدة دائمًا وباضطرار. وقد يمكن ان يستعمل في هذا البيان المتقدم الذي استعمل في نظير هذا من الشكل الأول، بأن يؤخذ من ذلك البعض شيء يصدق عليه محمول المطلوب، وشيء يكذب عليه. مثال ذلك ان نقول: بعض الأبيض ليس بحي، ولا حجر واحد حي؛ ثم نأخذ من بعض الأبيض ما يكذب عليه الحجر، وهو الثياب البيض مثلاً، وما يصدق عليه الحجر هو الرخام. ولكن هذا البيان قوته قوة النقل الى السالبة الصغرى الكلية، وذلك ما يظن ان ارسطو اضرب ها هنا عنه. ولتكونا أيضًا موجبتين، وتكون الكلية هي الكبرى والجزئية الصغرى، مثل ان يكون: بعض ج‍ ب ، وكل ا ب ، فانه أيضًا لا يكون عن ذلك قياس. وذلك انه ان صدقت مع الموجبة الجزئية الموجبة الكلية، كان ذلك غير منتج على ما تبيّن، ووجدت حدود تنتج الموجب فيها والسالب؛ وان صدقت معها السالبة الجزئية لم توجد هنالك حدود تنتج الموجب الكلي للسبب الذي قلناه في الذي يكون من سالبتين، لكن بيّن انه غير منتج بذلك الوجه بعينه الذي تبيّن به ذلك. وأما ان كانتا جميعًا سالبتين، وكانت المقدمة الكلية هي الصغرى والكبرى هي الجزئية، مثل ان يكون: ولا شيء من ج‍ ب ، وبعض ا ليس ب ، فانه لا يكون عن ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب الكلي فيه هي: الغراب والأبيض والحي، والغراب هو الأصغر، والأبيض هو الأوسط، والحدّ الأكبر هو الحيّ؛ والتي تنتج السالب: الغراب والأبيض والحجر، والغراب هو الأصغر، والأبيض الأوسط، والحجر الأكبر. وكذلك لا يكون قياس وان كانتا موجبتين معًا، وتكون المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى، لأنه ينتج المتضادتين . فمثال الحدود التي تنتج الموجب: الققنس والأبيض والحي، والققنس هو الأصغر، والأبيض الأوسط؛ وذلك ان كل ققنس ابيض، وبعض الحي ابيض، والنتيجة: كل ققنس حي؛ والتي تنتج السالب الكلي: الثلج والأبيض والحي؛ وذلك ان كل ثلج ابيض، وبعض الحي ابيض، والنتيجة: ولا ثلج واحد حي. فقد تبيّن انه اذا كانت المقدمتان متشابهتين في الكيفية ومختلفتين في الكمية، انه لا يكون في هذا الشكل قياس. واما اذا كانت كلتاهما جزئية او مهملة، او احداهما جزئية والثانية مهملة، فانه لا يكون ايضًا منهما قياس، كانتا موجبتين معًا او سالبتين معًا، او احداهما موجبة والثانية سالبة، لأن جميعها تنتج في المواد المختلفة الموجبة تارة والسالبة تارة. والحدود العامة التي تنتج الموجب في جميعها هي: الانسان والابيض والحي، والانسان هو الاصغر، والابيض الأوسط، والحي الاكبر، ولن يخى عليك تأليفها، وكلها تنتج ان الانسان حي. والحدود العامة لجميعها التي تنتج السالب: غير النامي والابيض الحي، والاصغر هو غير النامي، والأوسط الأبيض، وكلها تنتج ان غير النامي ليس بحي. فقد تبيّن من هذا القول انه اذا وجد في هذا الشكل قياس منتج، فمن الاضطرار ان تكون المقدمات على ما وضعنا، اعني ان تكون الكبرى كلية، والثانية مخالفة لها في الكيفية؛ وانه اذا وجدت المقدمات بهذه الصفة، من الاضطرار ان يكون في هذا الشكل قياس. وتبيّن مع هذا ان كل قياس يكون في هذا الشكل فهو غير كامل، اذ كان انما يبيّن فيه انه قياس اذا زيد فيه اشياء اخر: اما من الأمور اللاحقة باضطرار لمقدماتها، مثل انعكاسها ورجوعها الى الشكل الأول؛ وأما باستعمال بيان الخلف في ذلك. وهو بيّن انه لا يكون في هذا الشكل نتيجة موجبة، وانما تكون سالبة كلية أو جزئية. -٦- القول في الشكل الثالث واذا كان الحدّ الأوسط موضوعًا لطرفي المطلوب، والطرفان محمولان عليه، فانه يسمّى هذا الشكل: ⟪الشكل الثالث⟫، مثل ان تكون ا و ‍ محمولتين على ب . وهو بيّن ان هذا الشكل أيضًا شكل طبيعي، وذلك انه قد يقول القائل ان : هي ا لكون ب هي ‍ وهي ا ؛ ومن المواد: الجسم محدث لأن الحائط جسم ولأن الحائط محدث. والمقدمة التي فيها موضوع المطلوب تسمى الصغرى، وهو الذي يسمّى الحدّ الأصغر، والتي فيها محمول المطلوب، الذي هو الطرف الأكبر، تسمى الكبرى. وليكن مثال الطرف الأصغر ‍ ، والأوسط ب ، والأكبر ا . ويكون ترتبيها في القول بأن نبدأ اولاً بالحدّ الأوسط، ثم يليه الأصغر، ثم يليه الأكبر. وليس يكون أيضًا في هذا الشكل قياس كامل، وقد يمكن ان يكون فيه قياس اذا كانت مقدمتاه كليتين، أو احداهما كلية والأخرى جزئية، وقد يمكن الاّ يكون فيهما قياس. الضرب الأول فلتكن أولاً المقدمتان كليتين ولتكن موجبتين. مثال ذلك قولنا: كل ب هو ، وكل ب هو ا ، فأقول انه ينتج بعض ‍ هو ا ، لأنه تنعكس الصغرى الكلية وهي قولنا: كل ب هو ‍ جزئية، فيصير بعض ‍ هو ب ، ومعنا ان كل ب هو ا ، فينتج في الشكل الأول ان بعض ‍ هو ا على ما تبيّن هنالك، وقد تبيّن هذا بالخلف وبالافتراض. اما بالخلف فبأن نأخذ نقيض النتيجة ونضيف اليها احدى المقدمتين، فيلزم عنهما نقيض المقدمة الثانية، وما لزم عنه الكذب فهو كذب؛ وأما بالافتراض فبأن نفرض بعض ب هو ز ، ولأن ‍ في كل ب ، ز و هو جزء من ب ، ﻓ ز ضرورة جزء من ‍ ؛ ولأن ا في كل ب ، و ز جزء من ب ، ﻓ ز ضرورة جزء من ا ، وقد كانت جزءًا من ‍ ، فبعض ‍ هو ا . الضرب الثاني وكذلك متى كانت المقدمة الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فانه يكون أيضًا قياس. مثال ذلك قولنا: كل ب هو ‍ ، ولا شيء من ب هو ا ، فأقول انه ينتج: بعض ‍ ليس هو ا ، أعني سالبة جزئية، لأنه اذا عكسنا الموجبة الكلية جزئية، ائتلف القول هكذا: بعض ‍ هو ب ، ولا شيء من ب ا ، فبعض ليس هو ا ، وذلك في الشكل الأول. وأما اذا كانت الكلية السالبة هي الصغرى والكلية الموجبة هي الكبرى، مثل قولنا: ولا شيء من ب هو ‍ ، وكل ب هو ا ، فانه لا يكون في ذلك قياس ينتج المطلوب لأنه ينتج المتضادين عند استعماله في المواد. فمثال الحدود التي تنتج الموجب: الفرس والانسان والحي، والأصغر هو الفرس، والأوسط هو الانسان؛ وذلك انه: ولا انسان واحد فرس، وكل انسان حي، ينتج: وكل فرس حي، وهو موجب صادق. والحدود التي تنتج السالب: غير النامي والانسان الحي؛ فالانسان ليس بغير نام، والانسان حي، وينتج ان غير الناس ليس بحي. وأما اذا كانت المقدمتان الكليتان، سالبتين فانه لا يكون قياس اصلاً. فالحدود التي ينتج فيها الموجب: الفرس وغير النامي والحي، والفرس هو الأصغر، وغير النامي الأوسط؛ وذلك ان غير النامي ليس بفرس، وغير النامي ليس بانسان، والفرس ليس بانسان. فقد تبيّن متى يكون قياس هذا الشكل اذا كانت المقدمتان كليتين، ومتى لا يكون، وذلك انه اذا كانتا موجبتين كان قياس ينتج موجبًا جزئيًا، وكذلك متى كانت الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة، كان قياس ينتج سالبًا جزئيًا؛ وأما اذا كانتا سالبتين، أو كانت الصغرى الكلية هي السالبة والكبرى هي الموجبة، فانه لا يكون قياس. الضرب الثالث وأما اذا كانت احداهما كلية والأخرى جزئية، ايهما اتفق، وكانتا موجبتين، فانه يكون قياس ينتج جزئية. مثال ذلك انه اذا وضعنا ان: كل ب هو ، ‍ وبعض ب هو ا ، فأقول ان بعض ‍ هو ا ، أعني اذا كانت الصغرى هي الكلية والكبرى الجزئية وذلك انه ينعكس بعض ب هو ا ، فيكون معنا: بعض ا هو ب ، وكل ب هو ‍ ، فينتج في الشكل الأول ان بعض ا هو ‍ ؛ ثم نعكس هذه النتيجة فينتج المطلوب، وهو ان بعض ‍ هو ا ، وهذا ينتج بعكسين. الضرب الرابع وكذلك أيضًا ان كانت الجزئية هي الصغرى والكلية هي الكبرى، فانه يكون قياس منتج. ومثال ذلك ان نضع ان بعض ب هو ‍ ، وكل ب هو ا ، فأقول انه ينتج ان بعض ‍ هو ا . وذلك انه تنعكس هذه الجزئية فيكون معنا: بعض ‍ هو ب ، وكل ب هو ا ، فينتج في الشكل الأول ان بعض ‍ هو ا ، وقد تبيّن هذا بالافتراض؛ وذلك انّا اذا فرضنا بعض ب مثلاً هو ز ، كان كل ز هي ‍، وكل ز هي ا ، ورجع الى الذي من كليتين موجبتين في هذا الشكل، اعني انه ينتج: بعض ‍ هي ا . وقد يبيّن بسياقة الكلام الى المحال، وهو الذي يسمى بالخلف؛ وذلك بأن نأخذ نقيض النتيجة فنضيف اليها احدى المقدمتين، فيلزم ان تكذب الثانية. مثال ذلك ان نأخذ: ولا شيء من ‍ هو ا ، الذي هو نقيض النتيجة، ونضيف اليها المقدمة الصغرى وهي قولنا: بعض ب هي ‍ ، فينتج لنا في الشكل الأول ان بعض ب ليست ا ، وهو نقيض المقدمة الكبرى التي وضعنا، وهو ان كل ب هو ا ، فقد ساق الكلام بوضع نقيض تلك النتيجة فيه الى المحال . فذلك النقيض اذن محال، فالنتيجة صادقة. الضرب الخامس فأما اذا كانت احداهما موجبة والثانية سالبة، وكانت المقدمة السالبة هي الكبرى والموجبة هي الصغرى، فقد يكون قياس. مثال ذلك انّا نفرض أولأ ان السالبة الكبرى هي الجزئية، والموجبة الصغرى هي الكلية، مثل ان يكون: كل ب هو ‍ ، وبعض ب ليس ا ، فأقول انه ينتج ان بعض ‍ ليس هو ا ، وذلك بسياقة الكلام الى المحال؛ وذلك ان لم يكن صادقًا قولنا: بعض ‍ ليس ا ، فليكن الصادق نقيضه وهو كل ‍ هو ا ، فاذا اضفنا الى هذه المقدمة الصغرى وهي ان كل ‍ ب ﺟ ، انتج لنا ان كل ب هو ا ، وذلك محال لأنه نقيض المقدمة الكبرى، لأنّا قد كنا وضعنا ان بعض ب ليس ا ، فنقيضه هو الصادق وهو ان بعض ‍ ليس ا . وقد يبيّن ذلك بالفرض اذا فرض ب شيئًا محسوسًا، وليكن مثلاً ز ، فيكون معنا: ولا شيء من ز هو ا ، وكل ز هو ‍ ، لأن ز جزء من ب ، فيعود الى الصنف المنتج من هذا الشكل، اعني الذي من كليتين: الكبرى سالبة والصغرى موجبة، وينتج بعض ‍ ليس ا . وهذا الصنف ليس يتبيّن بالانعكاس. الضرب السادس وكذلك اذا كانت السالبة الكبرى هي الكلية والموجبة الصغرى هي الجزئية، فانه يكون أيضًا قياس منتج. ومثال ذلك: بعض ب هو ‍ ، ولا شيء من ب هو ا ، فينتج: بعض ‍ ليس هو ا . وذلك انّا اذا عكسنا الموجبة الصغرى منه رجع الى الشكل الأول. وأما ان كانت المقدمة الكبرى هي الموجبة والصغرى هي السالبة، فانه لا يكون في ذلك قياس على المطلوب. وهذا صنفان، كما الاول، احدهما ان تكون الكبرى هي الكلية والصغرى هي الجزئية، والصنف الثاني عكس هذا. فلنضع أولاً الكبرى هي الكلية والصغرى هي الجزئية. مثال ذلك قولنا: بعض ب ليس هو ‍ ، وكل ب هو ا . فأقول ان هذا غير منتج، وذلك انه ينتج في المواد المختلفة المتضادين معًا. فمثال المواد التي ينتج فيها الموجب الانسان والحي والنامي، والانسان هو الأصغر، والحي هو الأوسط، والنامي هو الأكبر؛ وذلك ان بعض الحي ليس بانسان، وكل حي نام، وكل انسان نام. وأما الحدود التي تنتج السالب فليس توجد، اذ كان قد يصدق مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية، فيكون بعض ب هو ، وكل ب هو ا ، فبعض ‍ اذن هو ا . فاذن ليس يصدق ولا شيء من ‍ هو ا . لكن هذا الصنف يعدّ في غير المنتج من قبل انه انما ينتج في بعض المواد، وهي المادة التي تصدق فيها مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية. وكذلك اذا كانت الصغرى هى الكلية والكبرى هي الجزئية. مثال ذلك ان يكون: ولا شيء من ب هو ‍ ، وبعض ب هو ا ، فأقول انه غير منتج. فالحدود التي تنتج الموجب: المائي والانسان والحي؛ وذلك انه: ولا مائي واحد انسان، وبعض المائي حي، وكل انسان حي، وهي النتيجة. والحدود التي تنتج السالبة: المائي والعلم والحي؛ وذلك انه: ولا مائي واحد له علم، وبعض المائي له حياة فلا علم واحد حياة. وكذلك أيضًا لا يكون قياس اذا كانتا سالبتين معًا، اعني الكلية والجزئية. ومثال الحدود التي تنتج السالب، اذا كانت الصغرى هي الكلية، النامي والعلم والحي، والنامي هو الأوسط، والعلم هو الأصغر، والحي الأعظم؛ وذلك ان النمو ليس بعلم، وبعض النمو ليس بحياة، والعلم ليس بحياة، وهي النتيجة: ومثال الحدود التي تنتج الموجب: المائي والانسان والحي؛ وذلك ان المائي ليس بانسان، وبعض المائي ليس بحيوان، وكل انسان حيوان، وهي النتيجة. والحدود التي تنتج السالب، اذا كانت المقدمة الكبرى هي الكلية، البياض والثلج والغراب؛ وذلك ان بعض الأبيض ليس بثلج، ولا ابيض واحد غراب، والنتيجة: لا ثلج واحد غراب. وأما الحدود التي تنتج الموجب فيه فليس يوجد للعلة التي تقدمت، اعني لأنه قد يصدق فيه مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية؛ وذلك انه ان كان كل ‍ هو ا ، وقد كان معنا بعض ب هو ‍ ، انتج لنا ان بعض ب هو ا ، وقد وضعنا في مقدمات هذا القياس: ولا شيء من ب ا ، هذا خلف لا يمكن. فاذن لا يمكن في هذا الصنف ان ينتج موجبًا اصلاً، لكن يعلم انه ليس بقياس لأنه ليس ينتج نتيجة واحدة دائمًا، وذلك انه لا يدرى الموضع الذي يصدق فيه مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية، من الموضع الذي يصدق فيه معها السالبة الكلية. وأما اذا كانت المقدمتان في هذا القياس جزئيتين أو مهملتين، أو احداهما جزئية والأخرى مهملة، موجبتين كانتا معًا أو سالبتين معًا، أو احداهما موجبة والأخرى سالبة، فانه لن يكون في ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب، العامة لهذه الضروب كلها، البياض والانسان والحي؛ والتي تنتج السالب: الأبيض وغير النامي والحي، والأبيض هو الحدّ الأوسط فيهما، والحي هو الأكبر. شرط انتاج الشكل الثالث فقد تبيّن من هذا القول: متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون، وانه اذا كانت الصغرى في هذا القياس موجبة، وكانت فيه مقدمة كلية، اما الصغرى وأما غيرها، انه يكون قياس منتج، وانه اذا كان قياس منتج فمن الاضطرار ان تكون المقدمات بهذه الصفة. وتبيّن أيضًا ان القياسات في هذا الشكل غير كاملة، وان منها ما تبيّن بالانعكاس والافتراض والخلف، ومنها ما تبيّن بالافتراض والخلف، وانه ليس يوجد في هذا الشكل نتيجة كلية، لا سالبة ولا موجبة. -٧- [الضروب غير المباشرة في الأشكال الثلاثة - در الاقيسة] وانه يعمّ الاشكال كلها انه لا ينتج فيها من سالبتين، ولا من جزئيتين، ولا من مهملتين، ولا من مهملة وجزئية اذ كانت المهملات قوتها قوة الجزئيات. وتبيّن انه اذا كان في كل واحد من اصناف المقاييس مقدمتان، احداهما كلية سالبة والأخرى موجبة، انه قد يكون قياس منتج دائمًا، اعني انه ينتج مطلوبًا مفروضًا وغير مفروض. اما المطلوب المفروض فمتى كانت السالبة الكلية هي الكبرى في الشكل الأول، وأما غير المفروض فمتى كانت الصغرى هي الكلية السالبة. وكذلك الحال في الشكل الذي تكون فيه الصغرى كلية والكبرى جزئية، وفي الشكل الثالث الذي تكون الصغرى فيه سالبة؛ وذلك انه اذا كان: ولا شيء من ‍ هو ب ، وكل ب هو ا ، فانه اذا عكست هاتان المقدمتان فقيل: بعض ا هو ب ، ولا شيء من ب هو ‍ ، فانه ينتج: بعض ا ليس هو ‍. القول في ان الشكل الرابع ليس بقياس طبيعي لكن لم تعدّ امثال هذه المقاييس في المقاييس المقصورة ها هنا، اذ كان المطلوب ها هنا انما هو القياس الذي تقع عليه الفكرة بالطبع بالاضافة الى المطلوب المحدود. فأما القياس الذي ينتج غير المطلوب فليس تعتمده القوة الفكرية بالطبع ولا تؤلفه اصلاً. لأنه مثلاً اذا طلبنا؛ هل ا في ‍ ؟ فقلنا: ا في ‍ لأن ا في ب ، و ب في ‍ ، كان ذلك قياسًا طبيعيًا موجودًا في كلام الناس كثيرًا، وهذا هو الشكل الأول؛ وكذلك اذا قلنا: ا في ‍ لأن ب في ‍ وفي ا ، فهو بيّن ان هذا التأليف موجود لنا بالطبع، وهذا هو الشكل الثاني، وهو موجود كثيرًا في كلام الناس بالطبع؛ وكذلك اذا قلنا: ا في لأن ا و ج‍ في ب ، هذا ايضًا قياس موجود لنا بالطبع، وهذا هو الشكل الثالث. وأما ان نقول ان: ا في ‍ لأن ‍ في ب و ب في ا ، فهو شيء لا يفعله بالطبع احد، لأن الذي يلزم منه هو غير المطلوب وهو ان ‍ في ا ، فكان هذا بمنزلة من قال: ا في ‍ لأن ا في ب و ب في ، وهذا شيء لا تفعله الفكرة بالطبع. ومن هنا يبيّن ان الشكل الرابع الذي يذكره جالينوس ليس بقياس تقع عليه الفكرة بالطبع. وذلك انه اذا طلبنا: هل ‍ فيها ا ؟ فقلنا: ‍ فيها ا لأن ب في ا و في ب ، فنحن بين احد امرين: اما ان نلحظ اللازم عن هذا التأليف ونطرح ذلك المطلوب بالجملة، وهو ان ا في ، وذلك خلاف ما طلبنا؛ واما ان يكون، عندما نأتي بهذا التأليف، يبقى المطلوب في اذهاننا على ما كان عليه عند الطلب، وهو ان يكون الموضوع فيه موضوعًا والمحمول محمولاً. وذلك ان كل مطلوب واحد فالموضوع فيه موضوع بالطبع، والمحمول فيه محمول بالطبع؛ فاذا بقي الموضوع موضوعًا عندنا في المطلوب والمحمول محمولاً، وذلك موجود في اذهاننا بهذه الصفة ما دام المطلوب مطلوبًا، ثم اتينا بحدّ اوسط يكون محمولاً على محمول المطلوب وموضوعًا لموضوع المطلوب، على ما يرى جالينوس ان هذا شكل رابع بالاضافة الى المطلوب. والا فما ها هنا شكل رابع وانما ها هنا شكل اول: اما على المطلوب. وأما على عكسه. لكن لننزل ها هنا ان هذا الشكل الرابع انما نتصوره على هذه الجهة، اعني بالاضافة الى المطلوب المحدود الذي الموضوع فيه موضوع بالطبع والمحمول محمول بالطبع، فانه ليس يتصور شكل رابع الا على هذا الوجه. فمتى طلبنا وجود شيء في شيء، وأخذنا حدًّا اوسط فحملناه مرة على محمول المطلوب ومرة حملنا عليه موضوع المطلوب، عاد المطلوب موضوعًا والموضوع مطلوبًا فانعكس الطلب والقياس وانتج العكس، وذلك في غاية الاستكراه. فهذا هو السبب في ان لم تؤلفه فكرة بالطبع على مطلوب محدود حتى يكون ها هنا قياس ينتج المطلوب المحدود بعكسين كما يراه جالينوس في الشكل الرابع على ما يقال. والفرق بين هذا العكس والعكس الذي يستعمل ارسطو في رد كثير من اصناف الشكل الثاني والثالث الى الأول، ان ذلك العكس هو في تبيّن الانتاج في مقاييس طبيعية، وهذا عكس في تبيّن الانتاج في قياس صناعي لا طبيعي. وانما لم يلتفت ارسطو الى المقاييس الصناعية لانها غير محاكية للوجود، وتكاد ان تكون غير متناهية. ولذلك ظنّ قوم انه توجد نتائج كثيرة في كل واحد من الأشكال غير النتائج التي ذكرها ارسطو، وذلك اما جزئياتها واما عكوسها، وتلك ان جعلت مطلوبات ثم انتجت بتوسط النتائج الأول، فذلك انتاج بطريق غير طبيعي بل صناعي. وارسطو يبيّن ان الصنفين الكليين من الشكل الأول، اعني اللذين ينتجان نتيجة كلية، اكمل الأشكال كلها، لأن جميع اصناف المقاييس المنتجة التي في الشكل الثاني ترجع الكلية منها الى الكلية في هذا الشكل، وترجع الجزئية التي فيه الى الجزئية؛ وجميع اصناف الشكل الثالث الى الجزئية التي في الشكل الأول وذلك ان جميع أصناف الشكل الثالث إنما تنتج جزئية. والجزئية التي في الشكل الأول يمكن فيها ان تبيّن عن طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني، التي تبيّن بالكلية التي في الشكل الأول. فيكون هذا الصنفان من الشكل الأول اكمل من جميع اصناف المقاييس المنتجة، اذ كلها يمكن ان تبيّن بهذين الصنفين. وأما كيف تبيّن الجزئية التي في الشكل الأول على طريق الخلف، بالكلية التي في الشكل الثاني، فعلى ما أقول. وذلك انه ان كانت ا موجودة في كل ب ، و ب في بعض ‍ ، فأقول ان ا موجودة في بعض ، فان لم يكن ذلك فنقيضه هو الصادق، وهو انه ولا شيء من ا في ، ‍وقد كان معنا ان ا موجودة في كل ب ، فينتج في الشكل الثاني ان ب غير موجودة في شيء من ‍ ، وقد كنا فرضناها في بعض ‍ ، هذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا يبيّن انتاج السالب الجزئى في الشكل الأول بالكلي السالب من الشكل الثاني على طريق الخلف. فقد تبيّن من هذا القول اصناف القياسات المطلقة التي توجب اثبات شيء وابطاله. -٨- القول في القياسات الاضطرارية ابتداء القول في المختلفات قال : ولأن المقدمات المطلقة والاضطرارية والممكنة تخالف بعضها بعضًا في الجهة وفي المادة التي تدل عليها الجهة، وذلك ان ها هنا اشياء كثيرة موجودة بالفعل من غير ان يكون وجودها باضطرار، وهذه هي المطلقة، وأشياء ليست بمضطرة ان تكون ولا هي موجودة بالفعل بل هي ممكنة ان توجد في المستقبل والاّ توجد، وهذه هي الممكنة، وأشياء هي موجودة دائمًا، وهذه هي المضطرة، فهو بيّن انه يجب ان تكون المقاييس المؤلفة من صنف صنف من هذه مختلفة من قبل اختلاف مقدماتها. فيكون القياس الاضطراري مؤلفًا من مقدمات اضطرارية، والقياس المطلق من مقدمات مطلقة، والممكن من مقدمات ممكنة. فأما المقاييس التي تأتلف من المقدمات الاضطرارية فقريبة من المقاييس التي تأتلف من المقدمات المطلقة. وذلك ان الأشياء التي تشترط في المنتجة من المطلقة هي بعينها تشترط في المنتجة من الضرورية، والأشياء التي هي سبب عدم الانتاج في غير المنتج منها هي بعينها سبب عدم الانتاج في الضرورية، اذ كان لا فرق بينهما الا زيادة الاضطرار فقط. ولذلك كانت الاصناف المنتجة من المطلقة وغير المنتجة، على عدد المنتجة وغير المنتجة من الضرورية؛ وانما الفرق بينهما في ان المطلقة تقال على ما كان موجودًا بالفعل من غير ان يشترط في ذلك وجود ضرورة، اعني في جميع الزمان. وذلك ان المطلقة هي التي توجب ان يوجد المحمول فيها في كل الموضوع موضوعًا موصوفًا بصفة من الصفات التي يمكن ان تفارقه؛ والضرورية هي التي يوجد فيها في كل الموضوع، من جهة ما الموضوع موصوفًا بصفة لا تفارقه. فمثال المطلقة الأول قولنا: كل ماش متحرّك، ومثال الضرورية: كل انسان ناطق. وليست المطلقة ما يحكى عن الاسكندر، ولا ما حكي عن ثافرسطس، وقد بيّنا ذلك في مقالة افردناها لذلك، وان الضرورية تقال على ما كان موجودًا بالفعل ومشترطًا فيه هذه الزيادة. الفرق بين ⟪المقول علي الكل⟫ المستعمل في المادة الضرورية والممكنة وجهة البيان فيما يأتلف من المنتج في الشكل الأول من الاضطرارية، هو بعينه جهة البيان فيما يأتلف من المطلقة. وذلك انه لا فرق بين ⟪المقول على الكل⟫ أو ⟪المقول ولا على شيء⟫، وهو الشرط الذي به يكون القياس في الشكل الأول منتجًا في المادة المطلقة أو الضرورية؛ وذلك ان معنى ⟪المقول على الكل⟫ فيهما انما هو ان تكون مقولة بايجاب أو سلب على كل ما هو بالفعل ب ، سواء كان ما هو بالفعل موجودًا بزيادة شرط الضرورة أو بغير زيادة ذلك. واما شرط ⟪المقول على الكل⟫ المستعمل في المادة الممكنة فمخالف لشرط ⟪المقول على الكل⟫ المستعمل في هاتين المادتين، وهذا هو ظاهر كلام ارسطو وهو الحق في نفسه على ما سيبيّن بعد. وكذلك جهة البيان فيما يأتلف من المنتج في الشكل الثاني والثالث من المقدمات الاضطرارية، هي بعينها جهة البيان فيما يأتلف من ذلك في الشكل الثاني والثالث من المقدمات المطلقة، وذلك فيما كان منها يتبيّن برجوعه الى الشكل الأول بعكس احدى مقدمتيه؛ وذلك ان وجود العكس في المقدمات المطلقة والضرورية هو واحد، وكذلك ما كان منها يتبيّن بالفرض. وأما ما كان تبيّن منها بالخلف، وهي متى كانت المقدمة الكلية موجبة والجزئية سالبة، فليس الأمر فيه واحدًا؛ وذلك ان القياس الذي يؤدّي الى الاستحالة يكون مؤلفًا من احدى مقدمتي القياس ومن نقيض النتيجة في الجهة والسلب، فيكون مختلطًا من مقدمة ضرورية ومطلقة أو ممكنة، ولم يتبيّن بعد جهة النتيجة اللازمة عن هذا التأليف. ولكن الذي تبيّن بالخلف هناك، يبيّن ها هنا بالافتراض بأن نفرض البعض المسلوب عنه شيئًا مشارًا اليه، ويكون المحمول مسلوبًا عن جميعه، فيرجع الى الصنف الذي يكون في ذلك الشكل من كليتين، احداهما موجبة والثانية سالبة. -٩- القول في المقاييس المختلطة من الضرورية والوجودية [في الشكل الأول] والمقاييس المنتجة في هذه المختلطة هي بعينها المقاييس المنتجة في غير المختلطة، الا انها ضعفها، وذلك ان الصنف الواحد بعينه يكون صنفين. مثال ذلك ان الذي من كليتين مثلاً في الشكل الأول يكون صنفين: احدهما ان تكون الكبرى هي الضرورية والصغرى الوجودية، والصنف الثاني عكس هذا. فتكون المقاييس المنتجة في كل شكل ها هنا ضعف المنتجة في كل شكل من الضرورية، والشيء الذي به يتبيّن المنتج من غير المنتج هناك هو الذي به يتبيّن ها هنا، اعني في المختلطة. وانما الذي بقي ان ننظر فيه ها هنا من امر هذه المختلطة هو جهة نتائجها، اعني لأي جهة تكون تابعة من جهتي المقدمتين. القول في اختلاط الضرورية مع الممكنة أو المطلقة في الضرب الأول والثاني من الشكل الأول وارسطوطاليس يقول: انه اذا كانت المقدمة الكبرى في الشكل الأول ضرورية فان النتيجة تكون ضرورية، وان لم تكن ضرورية لم تكن النتيجة ضرورية. فليكن كل ما هو ‍ فهو ب بالفعل، وكل ما هو ب فهو ا بالضرورة أو ليس ا بالضرورة، فأقول: ان هذين الصنفين من الشكل الأول ينتج احدهما ان ا بالضرورة في كل ‍ والآخر ولا شيء من ‍ بالضرورة هو ا . برهان ذلك ان ‍ هي جزء من ب ، اذ كان من شرط الشكل الأول ان تكون الصغرى فيه موجبة، ومن شرط هذا الاختلاط ان تكون جزءًا من ب بالفعل، و ب كلا ‍ ﻟﺠ بالفعل لا بالامكان، كالحال في المقاييس الممكنة. واذا 

حمل شيء على الكل فهو يحمل على الجزء ضرورة بالجهة التي بها حمل على الكل، وذلك بيّن بنفسه، فان الجزء منطو في الكل وداخل تحته. وأما ان كانت الكبرى ليست ضرورية، لكن كانت الضرورية الصغرى، فانه ليس تكون النتيجة ضرورية. مثال ذلك قولنا: كل ‍ فهو ب باضطرار، وكل ب فهو ا بالفعل، أو لا شيء من ا ب بالفعل، فأقول انه ليس ينتج في هذا التأليف ان كل ‍ فهو ا باضطرار أو ليس ا باضطرار. برهان ذلك انه ان كان ذلك ممكنًا فلنضع ان كل ‍ هو ا باضطرار، وقد فرضنا ان كل ‍ هو ب باضطرار، فينتج لنا في الشكل الأول والثالث ان بعض ب هو ا باضطرار، وقد وضعنا ان كل ب هو ا لا باضطرار، وهذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا تبيّن اذا وضعنا المقدمة الكبرى سالبة ليست بضرورية، وقد تبيّن ايضًا ذلك من ان هي جزء من ب ، فاذا كانت امحمولة على كل ما هو جزء لب ، التي هي الكل بغير ضرورة، فهي محمولة على بغير ضرورة اذ كانت جزءًا من ب . وهو ايضًا بيّن من الحدود ان النتيجة ليست ضرورية. مثال ذلك ان نضع عوض ا متحركًا، وعوض ب حيًا، وعوض ‍ انسانًا، فنقول: كل انسان حي باضطرار، وكل حي متحرك لا بالضرورة، فتكون النتيجة: كل انسان متحرك لا بالضرورة. الا ان الحدود انما تعطي انها ليست تنتج ضرورية دائمًا، لا انها ليست تنتج ضرورية اصلاً، كما يعطي ذلك قياس الخلف ومعنى ⟪المقول على الكل⟫. القول في تأليف الاضطرارية مع الممكنة والمطلقة في الضرب الثالث والرابع من الشكل الأول وأما المقاييس الجزئية في هذا الشكل، اعني التي تنتج نتائج جزئية، فانه اذا كانت المقدمة الكلية اضطرارية، وهي الكبرى، فالنتيجة اضطرارية؛ وان كانت الجزئية، وهي الصغرى، اضطرارية، والكبرى ليست باضطرارية، فليست النتيجة اضطرارية، موجبة كانت الكبرى أو سالبة. والبرهان على ذلك هو البرهان على المقاييس الكلية، اعني ⟪من جهة المقول على الكل⟫ ومن جهة الخلف ومن جهة المواد. وذلك اذا وضعنا بدل ا متحركًا، وبدل ب حيا، وبدل ‍ ابيض، فيأتلف القياس هكذا: بعض الأبيض حي بالضرورة وكل حي متحرك لا بالضرورة، فينتج بعض الأبيض متحرك لا بالضرورة. القول في ان جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرﯼ لا لأخس الجهتين كما يرﯼ بعضهم فارسطو بيّن من امره انه يرى في هذا الصنف ان جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى: ان كانت المقدمة الكبرى مطلقة فالنتيجة مطلقة، وان كانت ضرورية فالنتيجة ضرورية. وثاوفرسطس واوديموس من قدماء المشائين، وثامسطيوس من متأخريهم ومن تبعهم، يرون ان جهة النتيجة تابعة لاخسّ الجهتين، اعني انها توجد ابدًا في مثال هذا التأليف تابعة للمقدمة المطلقة، فان الوجود المطلق اخس من الوجود الضروري. ومن اقوى ما يتمسكون به في ذلك انهم يرون ان كل شيء كان فيه شيء يجري مجرى الجزء والكل؛ فانه متى حمل شيء حملاً ما على الكل بجهة فيجب ان يحمل على الجزء بتلك الجهة بعينها. ومتى حمل ايضًا الجزء على شيء ما حملاً بجهة ما فيجب ان يحمل الكل على ذلك الشيء بتلك الجهة بعينها. ولما كان كل قياس فيه شيء يجري مجرى الكل ومجرى الجزء، فمتى كانت احدى المقدمتين مطلقة والأخرى ضرورية، فلا يخلو ذلك من ان تكون الضرورية هي الصغرى والمطلقة الكبرﯼ، أو الضرورية هي الكبرى والمطلقة هي الصغرى. قالوا : فان كانت الضرورية هي الصغرى، ففيها شيء يجري مجرى الكل وفيها شيء يجرى مجرى الجزء. اما الذي يجري مجرى الكل فالحدّ الأوسط، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحدّ الاصغر؛ فيجب متى حمل شيء بجهة ما على الكل، الذي هو الحدّ الأوسط، ان تكون تلك الجهة بعينها تحمل على الجزء الذي هو الطرف الاصغر. ومتى كانت الضرورية هي المقدمة الكبرى، كان الكل والجزء موجودًا فيها ايضًا. واما الذي يجري مجرى الكل فالطرف الأكبر، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحدّ الأوسط؛ فيجب متى حمل الجزء، الذي هو الحدّ الأوسط، على الطرف الأصغر بجهة ما، ان تكون تلك الجهة بعينها هي جهة حمل الكل، الذي هو الطرف الأكبر، عليه. قالوا : فكيف ما كان يجب ان تكون جهة الحمل في النتيجة تابعة لجهة المقدمة المطلقة. وهذا القول الاختلال فيه بيّن، وذلك ان اعتبار الكل والجزء في القياس، من جهة ما هو قياس، منتج في الشكل الأول بحسب ⟪المقول على الكل⟫، انما هو في المقدمة الصغرى، ولذلك اشترط فيها ان تكون موجبة، واشترط في الكبرى ان تكون كلية ولم يشترط فيها ان تكون موجبة. واذا كان ذلك كذلك فلا اعتبار بالكل والجزء الموجود في المقدمة الكبرى ان وجد، سواء كان ضروريًا أو لم يكن، بل الواجب اعتبار الكل والجزء في الموضع الذي هو شرط في وجود القياس، وهو الكل والجزء الموجود في المقدمة الصغرى. واذا كان ذلك كذلك فتكون جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى، على ما يراه ارسطو. ولو سلّمنا لهم ان الجزء والكل يُعتبر في كل واحدة من المقدمتين، لم يكن لنا ان نجعل في موضع الاعتبار بالجزء والكل الذي يكون في المقدمة الصغرى، وفي موضع الاعتبار بالجزء والكل الموجود في الكبرى، حتى يتحكم على القياس هذا التحكم. وأيضًا فمتى اعتبرنا الجزء والكل في المقدمة الكبرى، ولم نعتبره في الصغرى، لم يكن قياس الا بالعرض، لأنه ليس يجب ان يكون الطرف الأصغر منطويًا في الحمل تحت المقدمة الكبرى، وذلك بيّن بنفسه. وأما ما يحتجون به أيضًا من انه يجب ان تكون جهة النتيجة تابعة لاخسّ جهتي المقدمتين، كالحال في الايجاب والسلب، اعني انه متى كانت احدى المقدمتين موجبة والأخرى سالبة، ان النتيجة تتبع السالبة التي هي اخسّ، فان هذا قياس شبهي؛ وذلك ان النتيجة ليس تتبع المقدمة السالبة دون الموجبة، من جهة ان السالبة اخسّ من الموجبة، بل من جهة ما هي سالبة؛ والمطلقة وان كانت اخسّ فهي موجبة لا سالبة، واختلال هذا القول ظاهر بنفسه. وأما ما يحتجون به أيضًا من انه قد يوجد في بعض المواد ما ينتج المطلق، وهو مؤلف من مطلقة صغرى وضرورية كبرى، مثال ذلك قولنا: كل انسان يمشي اي بالفعل، وكل ماشٍ متحرك باضطرار، فكل انسان متحرك لا باضطرار، فان وجه التغليظ في ذلك ان الماشي ليس هو متحركًا باضطرار من جهة ما هو انسان، وانما هو من جهة ما هو ماشٍ. فاذا اشترط هذا الشرط المأخوذ في المقدمة الكبرى في النتيجة كانت ضرورية، وهو ان كل انسان متحرك باضطرار من جهة ما هو ماش. القول في المقول علی الكل المستعمل في ذوات الجهات وبيان شروط استعمالها وليس ينبغي ان يجاب في هذا بأن يقال: انما عرض في هذا التأليف ان تكون النتيجة مطلقة والكبرى ضرورية، من اجل ان هذه المقدمة الضرورية ليس يوجد فيها شرط ⟪المقول على الكل⟫ الذي استعمله ارسطو على العموم في هذا الكتاب، وهو ان تكون ا محمولة بالضرورة على كل ما يوصف بب بايجاب، سواء كان موصوفًا بب بالفعل أو بالضرورة أو بامكان فانه لا فائدة في هذا الاشتراط اذا لم يكن صادقًا في جميع المواد، وانما ينبغي ان يشترط الشيء الصادق في جميع المواد. ونحن اذا استقرينا المواد ظهر لنا ان قولنا: كل ما هو ب هو ا بالضرورة أو هو ا باطلاق، ان في بعض المواد معناه كل ما هو ب بالفعل فهو ا باضطرار، مثل قولنا: كل ماشٍ متحرّك باضطرار، وفي بعض المواد معناه كل ما هو ب بالقوة أو بالفعل فهو ا باضطرار، مثل قولنا: كل متحرك جسم، وكذلك الأمر في القضية المطلقة. واذا كان الأمر هكذا، فاذن ⟪المقول على الكل⟫ الصادق في كل مادة، في المقدمة الضرورية والمطلقة، هو ان تكون ا موجودة بالضرورة أو باطلاق على كل ما هو بالفعل ب، اذ كان في بعض المواد يصدق على كل ما هو بالقوة والفعل ب ، وفي بعضها على ما هو بالفعل فقط، لأن ا اذا صدقت على كل ما هو بالقوة ب، فهي تصدق على ما هو بالفعل. وليس ينعكس هذا، اعني انه ليس اذا صدقت على كل ما هو بالفعل ب فهي تصدق على كل ما هو بالقوة ب . ولهذا ما يجب ان يكون شرط ⟪المقول على الكل⟫ في الضرورية والمطلقة ان يكون الطرف الأكبر محمولاً على كل ما هو الحدّ الأوسط بالفعل، اعني على كل ما يحمل عليه الحدّ الأوسط بالفعل لا بالامكان. ولذلك متى كانت المقدمة الصغرى ممكنة والكبرى ضرورية أو مطلقة، لم يكن القياس منتجًا بحسب ⟪المقول على الكل⟫ في كل مادة، على ما صرّح به ارسطو بعد، لأنه انما يكون منتجًا بحسب ⟪المقول على الكل⟫ في بعض المواد، وهي التي يصدق فيها ان ا باطلاق أو بالضرورة على كل ما هو ب بالفعل أو بالقوة. وما يكون من قبل المواد فغير معتبر ها هنا. فتأمل هذا فان ابا نصر قد وهم على ارسطو فيه. القول في ان الكبرﯼ المكنة تنتج ممكنة في كل ضرب من الأشكال وان الحكم في اختلاط الضروري مع المطلقة للمقدمة الكبرﯼ في الشكل الأول وأما المقدمة الممكنة الكبرى فانه يوجد فيها في جميع المواد الشرط الذي ظن به ابو نصر انه شرط ارسطو في ⟪المقول على الكل⟫ في جميع اصناف المقدمات؛ وذلك ان قولنا: كل ما هو ب فهو ا بامكان يصدق على ما كان بالقوة أو بالفعل ب . ولذلك متى كانت الكبرى ممكنة كانت النتيجة ممكنة، في اي ضرب كان من الاختلاط، على ما سيبيّن بعد. فليس اذن شرط ⟪المقول على الكل⟫ في جميع المقدمات الثلاث، اعني المطلقة والضرورية والممكنة، هو واحد، على ما ظن ابو نصر، من ان يكون المحمول باطلاق أو بالضرورة أو بامكان على كل ما هو ب ، بأي واحد كان من هذه الاصناف الثلاثة، اعني بامكان أو باضطرار أو بالفعل؛ ولا هو أيضًا ما ذكره عن الاسكندر من ان شرط ⟪المقول على الكل⟫، المستعمل في هذا الكتاب، هو ان تكون ا محمولة باضطرار أو بامكان أو بالفعل على كل ما هو بالفعل ب فقط؛ فانه لو كان الأمر هكذا لم تنتج التي من الممكنتين بحسب ⟪المقول على الكل⟫، وهذا واضح فتدبره. والاستقراء شاهد لمذهب ارسطو، فانه لا فائدة في شرط لا يطابق المواد، على ما ذهب اليه ابو نصر، ولا في شرط لا يعم جميع اصناف المقدمات، على ما ذهب اليه الاسكندر. وبهذا تنحل الحيرة التي عرضت للناس في مذهب ارسطو، في اختلاط الممكن مع الوجودي والضروري، على ما سيبيّن من قولنا اذا وصلنا الى ذلك الموضع ان شاء اللّه. فقد تبيّن ان الحكم في اختلاف الضرورية مع المطلقة للمقدمة الكبرى في الشكل الأول. -١٠- القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الشكل الثاني وأما الشكل الثاني فانه متى كانت المقدمة السالبة فيه هي الضرورية، فان النتيجة ضرورية. وان كانت الموجبة اضطرارية فليست النتيجة اضطرارية. القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الضرب الأول من الشكل الثاني فلتكن اولاً السالبة الكلية الكبرى اضطرارية، والموجبة الكلية الصغرى مطلقة. مثال ذلك قولنا: كل ‍ هو بالفعل ب ، ولا شيء من ا هو ب بالضرورة؛ فلأن السالبة تنعكس، يرجع هذا الضرب الى الصنف من الشكل الأول الذي كبراه سالبة ضرورية وصغراه مطلقة، فالنتيجة لا محالة ضرورية على ما تبيّن. وكذلك يعرض هذا بعينه ان صيّرت السالبة الكلية الاضطرارية صغرى والمطلقة كبرى، لأنه ينعكس قولنا: ولا شيء من ‍ هو ب ، فيصير معنا: ولا شيء من ب هو بالضرورة، وكل ا هو ب باطلاق، فينتج في الشكل الأول: ولا شيء من ا هو بالضرورة على ما تبيّن قبل، فاذا انعكست هذه النتيجة حصل المطلوب. القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الضرب الثاني من الشكل الثاني فان كانت المقدمة الموجبة هي الاضطرارية، وكانت السالبة هي المطلقة، انتجت مطلقة، لأن السالبة المطلقة هي التي تكون اذا انعكست كبرى في الشكل الأول، وقد تبيّن انه اذا كانت الكبرى في الشكل الأول غير ضرورية، ان النتيجة تكون غير ضرورية بل مطلقة. وقد تبيّن بطريق الخلف ان النتيجة ليست ضرورية بل مطلقة متى كانت الموجبة هي الضرورية. وذلك انه ان وضع ان نتيجة هذا القياس هي: ولا شيء من ‍ هو ا بالضرورة، وقد كان معنا في مقدمات هذا القياس ان كل ‍ هو ب بالضرورة، فاذا عكسنا الموجبة الكلية كان معنا: بعض ب هو ‍ ، ولا شيء من ‍ هو ا بالضرورة، فالنتيجة على ما تبيّن في الشكل الأول ان بعض ب هو ، ولا شيء من ليس هو ا بالضرورة؛ وقد كان معنا ان ا ليس هو ب باطلاق فاذن عكسها صادق ايضًا وهو ان ب ليس هو ا بإطلاق؛ واذا كانت ب ليست هي ا باطلاق، فقد يمكن ان يكون كل ب هو ا باطلاق، لأن المطلق من طبيعة الممكن، وقد كانت النتيجة ان بعض ب ليست ا بالضرورة، هذا خلف لا يمكن. وبهذا البيان بعينه تبيّن ذلك متى كانت الاضطرارية الموجبة هي الكبرى والسالبة المطلقة الصغرى، وهو الذي ينتج بعكسين. وكذلك تبيّن أضًا من الحدود ان النتيجة في هذين الصنفين ليست اضطرارية. فليكن بدل ا ابيض، وبدل ب حي، وبدل ‍ انسان، فيأتلف القياس هكذا: كل انسان بالضرورة حي، ولا ابيض واحد بالفعل حي، فينتج: ولا انسان واحد ابيض، وذلك ليس بضروري لأنه قد يمكن الانسان ان يكون ابيض والا يكون. القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الرب الثالث والرابع من الشكل الثاني وكذلك توجد جهة النتيجة في القياسين الجزئيين من هذا الشكل تابعة لجهة المقدمة السالبة، وبيان ذلك بهذا الطريق بعينها، اعني بالعكس وبالخلف في الموضع الذي استعمل فيه الخلف في القياسين الكليين من هذا الشكل وبتلك الحدود بأعيانها. -١١- القول في تأليف الوجودى والاضطراري في الشكل الثالث القول في القانون التي جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة المنعكسة في الشكل الثاني وغير المنعكسة في الشكل الثالث وأما الشكل الثالث فان جهة النتيجة تكون فيه ابدًا تابعة لجهة المقدمة التي لا تنعكس، لأن تلك المقدمة هي بالقوة المقدمة الكبرى في الشكل الأول. وقد تبيّن ان جهة النتيجة في الشكل الأول تابعة للمقدمة الكبرى بخلاف ما عليه الأمر في الشكل الثاني، اعني ان جهة النتيجة فيه تابعة لجهة المقدمة المنعكسة. اذ كانت المنعكسة في هذا الشكل هي الكبرى في الشكل الأول بالقوة. وذلك ان الصغرى في الشكل الثاني هي بعينها كما هي في الشكل الأول، والكبرى هي التي تنعكس فيه، والكبرى في الشكل الثالث هي بعينها كما هي في الشكل الأول، والصغرى هي التي تنعكس فيه. وهذا القانون مطرد فيما تبيّن منها انتاجه بالعكس وما تبيّن بالافتراض، فان الاصناف التي تتبيّن بالافتراض ايضًا قوتها قوة الاصناف التي تتبيّن بالعكس. القول في اختلاط الطلقة والمضرورية في الضرب الأول من الشكل الثالث فاذا صحَت لنا هذه الجملة، فانه متى كانت المقدمتان في هذا الشكل، كما يقول ارسطو، كلية وموجبة، فأيها كانت ضرورية فان النتيجة تكون ضرورية، وذلك بتعمد عكسنا المطلقة الكلية جزئية، فيصير في الشكل الأول ما كبراه كلية ضرورية وصغراه مطلقة جزئية، ينتج نتيجة جزئية ضرورية على ما تبيّن. فان كانت التي عكسنا هي الصغرى من هذا الشكل، وذلك اذا كانت الضرورية هي الكبرى منه، فالأمر في ذلك بيّن، اعني انه ينتج من غير عكسنا للنتيجة. وان عكسنا الكبرى لكونها مطلقة، فكانت الكلية الضرورية في هذا الشكل هي الصغرى، تبيّن ذلك بعكسين: عكس المقدمة وعكس النتيجة على ما تبيّن. القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الضرب الثاني من الشكل الثالث وان كانت احدى الكليتين موجبة والأخرى سالبة، فجهة النتيجة تابعة ضرورة لجهة السالبة، لأن العكس انما يكون في الموجبة، فتصير السالبة كبرى في الشكل الأول؛ فان كانت ضرورية كانت النتيجة ضرورية على ما تبيّن، وان كانت مطلقة فمطلقة. القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الضرب الثالث والرابع من الشكل الثالث وان كانت احدى المقدمتين في هذا الشكل، اعني في المنتج منها، كلية والأخرى جزئية، وكانتا موجبتين، فان النتيجة تابعة للكلية منهما لانها التي لا تنعكس في هذا الشكل، لأنها ان انعكست كان القياس من جزئيتين، وقد تبيّن انه غير منتج، واذا لم تنعكس فهي التي تكون كبرى في الشكل الأول. القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الضرب الخامس والسادس من الشكل الثالث وان كانت احداهما موجبة والأخرى سالبة، فان جهة النتيجة تابعة لجهة السالبة. لأن السالبة: ان كانت في هذا الشكل هي الكلية فهي الكبرى في الشكل الأول، اذ كانت الصغرى لا يمكن ان تكون في الشكل الأول سالبة، وان كانت الجزئية فقوتها، عند البيان بالافتراض، قوة السالبة الكلية على ما تبيّن من الافتراض. -١٢- القول في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة قال : وينبغي الآن ان يقال متى يكون القياس من مقدمات ممكنة، وكيف يكون، وبماذا يكون. القول في تحديد الممكن والممكن بالجملة هو الذي ليس بالضروري، ومتى وضع موجودًا لم يعرض من ذلك محال. ويعنى بالذى الدي ها هنا ما يشتمل الشيء الموجود بالفعل والمعدوم، وبالضروري جميع اصناف ما يقال عليه الضروري، اعني الضروري المطلق والضروري بالاضافة الى وقت ما: اما في الماضي، وأما في الحاضر، وأما في المستقبل، الموجب من كل هذه والسالب، لا ما يقال عليه الضروري باشتراك الاسم، وهو الممكن الذي قصدنا حدّه ها هنا. فأما ان هذا هو حدّ الممكن، فذلك يظهر من انه ليس يمكن ان تصدق المتناقضان معًا، لأن القول بأن الشيء لا يمكن ان يكون، ومحال ان يكون، وباضطرار الاّ يكون، يناقضه قولنا: يمكن ان يكون، وليس بمحال ان يكون، ولا باضطرار الاّ يكون؛ وذلك ان هذه يلزم بعضها بعضًا، اعني انه يلزم قولنا: لا يمكن ان يكون، قولنا: محال ان يكون، وقولنا: باضطرار الاّ يكون؛ كما يلزم قولنا: ممكن ان يكون، ليس بمحال ان يكون، ولا ضروري الاّ يكون. واذا كان ذلك كذلك، وكان كل واحد من الأشياء واجبًا اما ان تصدق عليه السالبة أو الموجبة، فاذن قولنا: ممكن ان يكون، واجب ان يصدق عليه قولنا: ليس بالضرورة لا يكون، اذ كان يكذب عليه قولنا: بالضرورة لا يكون. ولذلك ينعكس هذا حتى نقول: كل ممكن بضروري ان يكون والاّ يكون، وما ليس بضروري ان يكون والاّ يكون فهو ممكن. ولذلك يشبه ان يكون جنس هذا الحدّ ما يدلّ عليه لفظ ⟪الذي⟫ وهو الشيء الذي يشمل الموجود والمعدوم كما قلنا، وفصله قولنا: ⟪ليس بضروري⟫، اذ كان نفي الدائم الوجود والدائم العدم، ويكون ما زيد فيه من انه اذا وضع موجودًا لم يلزم عنه محال خاصة من خواص الممكن لا فصلاً من فصوله. وهذا هو مذهب ابي نصر في هذا الحدّ. ويحتمل ان يكون هذا القول هو الفصل الأخير في الحدّ، ويكون المفهوم من قوله: ⟪ليس بضروري⟫ أي ليس وجوده في المستقبل بالضرورة مثل كسوف القمر، ولأن قولنا: ⟪ليس وجوده بالضرورة⟫ يصدق على الممتنع، زيد فيه، ومتى انزل موجودًا لم يعرض عنه محال. فيكون على هذا جنس الممكن هو المعدوم، والفصل الذي يخصه هو اذا وضع موجودًا لم يلزم عنه محال. وهذا هو مذهب جلّ المفسرين من المشائين. القول في بيان خاصة الممكن ومما يخص المقدمات الممكنة ان الموجبة منها تلزم السالبة، والسالبة تلزم الموجبة، اعني السالبة الممكنة لا سالبة الممكن، وهي التي توجب الامكان وتسلب الوجود لا التي تسلب الامكان، لأن تلك هي المناقضة للممكنة على ما تبيّن في ⟪باري ‌ارميناس⟫. وذلك انه يلزم قولنا: ممكن ان يكون، قولنا: ممكن الاّ يكون، اذ كانت هذه هي طبيعة الممكن، اعني انه يتهيأ ان يوجد الشيء والاّ يوجد. وهذا اللزوم موجود في جميع اصناف المتقابلة الموجودة في هذه المادة، وذلك انه يلزم قولنا: يمكن ان يكون في كل الشيء ممكن الاّ يكون في شيء منه، وقولنا: يمكن ان يكون في كله، قولنا: يمكن الاّ يكون في بعضه وعكس هذين. والبرهان على ذلك هو ان الممكن هو ما ليس بضروري الوجود، وما ليس بضروري الوجود فيمكن الاّ يوجد؛ فاذن ما يمكن ان يوجد يمكن الاّ يوجد، وما يمكن الاّ يوجد يمكن ان يوجد اذ كان ليس بضروري الاّ يوجد. وهذه المقدمات التي تعدّ ها هنا سوالب هي في الحقيقة موجبات معدولة، على ما تبيّن في ⟪باري ‌ارميناس⟫، اذ كان حرف ⟪لا⟫ لا يقرن فيها بالجهة وانما بالكلمة الوجودية وذلك مثل ما يقرن بالموضوع في القضايا التي ليست بذات جهة. القول في تنسيم معنی الممكن والممكن يقال على ثلاثة اضرب: احدها: الممكن على الأكثر، مثل ان يشيب الانسان في سن الشيخوخة وينمى في سن الشباب؛ والثاني: الممكن على الأقل وهو الذي يقابل الممكن على الأكثر، مثل الاّ يشيب الانسان في سن الاكتهال ولا ينمى في سن الشباب؛ والثالث: الممكن على التساوي وهو الذي يمكن ان يكون والاّ يكون على التساوي، مثل تمزق هذا الثوب أو لا تمزقه. فأما الممكن الذي على التساوي فانه تلزم الموجبة منه السالبة، والسالبة منه الموجبة على التساوي؛ وأما الذي علی الأكثر فانه تلزم الموجبة منه السالبة، والسالبة الموجبة على الأقل. وأما الذي على الأقل فانه تلزم الموجبة منه السالبة والسالبة منه الموجبة على الأكثر، وذلك انه ان كان يمكن ان يشيب الانسان على الأكثر في سن الاكتهال، فيمكن الاّ يشيب على الأقل. والممكن الذي على الأقل وعلى التساوي فليس تستعمله صناعة البرهان، وقد تستعمله صنائع كثيرة مثل الخطابة فانها قد تستعمل الممكن على التساوي؛ واما الزجر والتكهّن فانها قد تستعمل الذي على الأقل. والغرض ها هنا انما هو القول في تعريف متى يكون قياس ومتى لا يكون من المقدمات الممكنة باطلاق، اي من جهة ما هي ممكنة، سواء كانت في الأكثر أو في الذي على التساوي أو في الأقل، اذ كان هذا الكتاب انما ينظر فيه صورة القياس لا في مادته. واذ قد تقرّر هذا، فلنقل في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة في الشكل الأول. -١٣- القول في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة في الشكل الأول ولنبدأ من هذه أولاً بالصرفة ثم بالمختلطة فنقول : ان عدد المقاييس الكاملة المنتجة في هذه المادة هي باعيانها عدد المقابيس المنتجة في المادة المطلقة والضرورية. القول في تأليف الممكنتين في الضرب الأول والثاني من الشكل الأول وذلك انه ان كان كل ما هو ‍ فهو ب بامكان وكل ما هو ب فهو ا بامكان، فواجب ان يكون كل هو ا بامكان. وذلك بيّن ايضًا من معنى ⟪المقول على الكل⟫ أو ⟪المسلوب عن الكل⟫، وذلك ان معنى قولنا: كل ب ا بامكان، أي كل ما يوصف بب بامكان أو بالفعل، أي كل ما هو ب بالفعل أو بالقوة فانه ا بامكان، أي بأن ا بب محمولة عليه بامكان. فاذا وضعنا ان ‍ موصوفة بامكان، فيجب ان تكون ‍ هي ا بامكان. وكذلك ان كانت المقدمة الكبرى كلية سالبة، والصغرى موجبة كلية، مثل قولنا: كل ‍ هو ب بامكان، ولا شيء من ب هو ا بامكان، فانه يجب ايضًا، من جهة ان ‍ جزء بامكان لب ، ان تكون ا مسلوبة عن كل ‍ بامكان. القول في انتاج القياسات المؤلفة من سالبة صفرﻯ الممكنة أو السالبتين الممكنتين وشروطها وانها ينتفع بها في الجدل وأما اذا كانت الموجبة، من المقدمتين الكليتين، الكبرى، والسالبة الصغرى، فانه لا يكون قياس اذ كان لا يوجد فيها شرط ⟪المقول على الكل⟫، وهو ان يكون الطرف الاصغر متصفًا بالأوسط، اعني متصفًا بالأوسط وصف ايجاب على ما قيل. وأما من جهة لزوم المقدمة الموجبة في هذه المادة عن السالبة، فقد يكون قياس الا انه غير تام اذ كان تبيّن بشيء زائد على معنى ⟪المقول على الكل⟫ وهو اللزوم الذي يسميه ارسطو في هذه المادة عكسًا. وذلك انه اذا وضعنا بدل المقدمة السالبة اللازم عنها، وهي الموجبة، كان واجبًا ان يكون من ذلك الصنف الأول في هذا الشكل، وهو الذي يكون من موجبتين كليتين. وأكثر ما ينتفع بمثل هذا القياس اذا كانت السالبة الكلية اقلية، فانها تنعكس الى الاكثرية وهي المستعملة اكثر ذلك. وكذلك اذا كانت المقدمتان الكليتان في هذا الشكل سالبتين، فلن يكون قياس تام اذ كان ليس يوجد فيها معنى ⟫المقول على الكل⟪. وقد يكون قياس غير تام اذا عكسنا السالبتين الى الموجبتين اللازمتين لها، أو عكسنا السالبة الصغرﻯ الى الموجبة اللازمة لها. وأكثر ما ينتفع بهذا العكس اذا كانت السوالب اقلية، فان امثال هذه المقاييس هي نافعة في الجدل، وهي حيلة جيدة في تلك الصناعة؛ وذلك ان السائل قد يقصد ان يتسلّم مقدمات موجبة أكثرية لينتج منها موجبة اكثرية، فيخاف ان هو صرّح بالسؤال عن المقدمات التي تنتج له تلك النتيجة الاّ يسلّمها له المجيب، فيسئل عن سوالبها الأقلية، فلا يشعر المجيب بما يلزم عن ذلك فيسلّمها. القول في تأليف الممكنتين في الضرب الثالث والرابع من الشكل الأول وأما اذا كانت احدى المقدمتين في هذه المادة كلية، والثانية جزئية، وكانت الكلية هي الكبرى والصغرى هي الجزئية، فانه اذا كانت الصغرى موجبة يكون قياس تام، كانت الكلية الكبرى سالبة او موجبة. وذلك بيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫. وأما اذا كانت الصغرى سالبة فانه لا يكون قياس تام لكن يكون غير تام، اذا عكست الصغرى الى الموجبة اللازمة عنها. وأما اذا كانت المقدمة الكبرى جزئية والصغرى كلية، فانه لا يكون قياس بتة لا تام ولا غير تام، موجبتين كانتا معًا أو سالبتين، أو احداهما موجبة والأخرى سالبة، وذلك انه لا يوجد فيها معنى ⟪المقول على الكل⟫ لا بانعكاس ولا من نفس المقدمات. وذلك انه اذا قلنا: كل ‍ هو ب ، وبعض ب هو ا ، لم يمنع ان تكون ‍ داخلة تحت البعض الذي تفضل به ب على ا ، أعني الذي يسلب ا سلبًا ضروريًا، فلا يلزم لذلك ان يكون كل ‍ هو ا بامكان، ولا الا يكون في شيء منها بامكان، لأنه اذا لم يكن كل ج‍ ا بامكان. فليس يصدق كل ‍ ليس هو ا بامكان؛ وكذلك اذا لم يصدق ايضًا ان يكون بعض ‍ ا بامكان، فلن يصدق أيضًا ان بعض ليس هو ا بامكان. وقد تبيّن في جميع هذه الاصناف انها غير منتجة، جزئيتين كانتا معًا، أو الكبرى جزئية والصغرى كلية، من الحدود، لأنها تنتج الموجب تارة والسالب تارة، اعني السالب الضروري والموجب الضروري. فالحدود التي تنتج الموجب مثل: الانسان والأبيض والحي، ذلك ان بعض الناس ابيض بامكان، وبعض الأبيض حي بامكان وبعض الناس وهي النتيجة، حي بالضرورة. والتي تنتج السالب: الثوب والأبيض والحي، وذلك ان بعض الثياب ابيض بامكان، وبعض الأبيض حي بامكان، ولا ثوب واحد حي بالضرورة، وهي النتيجة. وكذلك يعرض متى اخذنا الصغرى كلية، مثل ان نقول: كل انسان ممكن ان يكون ابيض، وبعض الابيض ممكن ان يكون حيًا. فكل انسان حي؛ وكل ثوب ممكن ان يكون ابيض، وبعض الأبيض حي بامكان، ولا ثوب واحد حي، وهي النتيجة. وكون الحدود المأخوذة في هذا التأليف تنتج مرة ضرورية موجبة ومرة سالبة ضرورية، يدل ان هذا التأليف ليس بقياس اصلاً لنتيجة من النتائج، من أي مادة كانت، اعني مطلقة فرضت أو ضرورية أو ممكنة؛ وذلك ان بانتاجه السالب الضروري تارة، والموجب الضروري تارة، يدل على انه ليس تنتج نتيجة واحدة ضرورية، وبكونه ينتج الضروري، يدل على انه ليس ينتج لا نتيجة مطلقة ولا ممكنة، لأن المطلقة والممكنة ليست بضرورية. فتكون المقاييس المنتجة في هذا الشكل في هذه المادة ثمانية اصناف، اذا لم تعدّ المهملة غير الجزئية، اربعة تامة، وهي التي تنتج في المواد الاخر، وأربعة غير تامة، وهي الخاصة بهذه المادة. وما يقوله ثامسطيوس في ان هذه الأربعة الغير تامة لا غناء لها اصلاً، لأنه ان كانت السوالب التي وضعت أولاً اكثرية انعكست الى الاقلية، وتلك لا تستعمل في صناعة اصلاً، وان كانت اقلية فتلك مقدمات غير ﻣﺴﺆول عنها في صناعة من الصنائع التي تضع المقدمات بالسؤال، ولا موضوعة ايضًا ابتداء في الصنائع التي لا تستعمل السؤال، فهو قول باطل، لانّا قد بيّنا الوجه الذي به تستعمل وينتفع بها في صناعة الجدل هذا ان سلّمنا ان المقدمات الاقلية لا تستعملها صناعة، فانه يشبه ان يكون الذي يفحص عن هذه الطبيعة يحتاج الى استعمالها، وذلك هو صاحب العلم الالهي. -١٤- القول في تأليف الممكن والوجودي في الشكل الأول ونقول انه اذا كانت احدى المقدمتين مطلقة والثانية ممكنة، فان كانت المقدمة الكبرى هي الممكنة والصغرى هي المطلقة، فان اصناف المقاييس التي توجد في هذا التركيب تكون تامة، اي بيّنة الانتاج بحسب ⟪المقول على الكل⟫؛ وهي اربعة اصناف، اعني التي تنتج الموجب الكلي، والسالب الكلي، والجزئي السالبي، والجزئي الموجب، وتكون نتائجها ممكنة حقيقة. واما اذا كانت الكبرى هي المطلقة والصغرى هي الممكنة، فان المقاييس المنتجة في هذا النوع من الاختلاط تكون في هذا الشكل غير تامة، وتكون النتيجة الموجبة منها ممكنة، كانت كلية أو جزئية، والسالبة اما ممكنة واما ضرورية، جزئية كانت أو كلية. القول في تأليف الممكن والوجودي في الضرب الأول من الشكل الأول فلتكن اولاً الكبرى هي الممكنة، والصغرى هي المطلقة، ولتكونا كليتين، فأقول انها تنتج نتيجة ممكنة. مثال ذلك ان يكون كل ‍ هو ب بالفعل، وكل ما هو ب فهو ا بامكان، فهذا ينتج ان كل هو ا بامكان؛ وذلك ان معنى قولنا: كل ما هو ب فهو ا بامكان، ان كل ما هو ب بالقوة أو بالفعل فهو ا بامكان. القول في الفرق بين شرط المقول علي الكل المستعمل في المقدمة الممكنة والمقدمة الضرورية والمطلقة الكبرى وذلك ان هذا هو شرط ⟪المقول على الكل⟫ المأخوذ في المقدمة الكبرى الممكنة، بخلاف شرط ⟪المقول على الكل⟫ المأخوذ في الكبرى الوجودية أو الاضطرارية. وذلك انه متى قلنا ان كل ب هو ا بالفعل أو بالضرورة، فهو بيّن ان في كثير من المواد انما تصدق هذه المقدمات على ما هو بالفعل فقط، مثل قولنا: كل انسان يمشي، وكل انسان ناطق، فان هاتين المقدمتين انما تصدقان على ما هو انسان بالفعل لا على ما هو انسان بالقوة، وفي كثير منها يصدق على الأمرين جميعًا، اعني على كل ما بالقوة وما هو بالفعل، وبخاصة الضرورية، مثل قولنا: كل متحرك جسم، فانه يصدق على المتحرك بالفعل والمتحرك بالقوة. فاذا كان الامر كذلك، فالعام في كل مادة في هاتين المقدمتين، اعني الضرورية والمطلقة، انما هو ان يكون المحمول موجودًا لما هو بالفعل الحدّ الأوسط، اعني ان تكون ا موجودة بالضرورة أو بالفعل لكل ما هو ب بالفعل. فاذن ليس في هذا التأليف ⟪مقول على الكل⟫، لأن المقول على الكل هو الذي يوجد دائمًا في كل مادة من التأليف الواحد بعينه؛ فقول ابي نصر انه قد يوجد في هذا التأليف ⟪مقول على الكل⟫ لا معنى له. ولذلك ما يقول ارسطو في هذا الاختلاط، انه متى كانت الكبرى مطلقة والصغرى ممكنة، ان القياسات تكون غير تامة، لأن الصغرى اذا كانت ممكنة والكبرى مطلقة أو ضرورية لم يتضمنها شرط ⟪المقول على الكل⟫ العام في كل مادة، فوجب ان يتجنب ما ينتج بحسب بعض المواد كما يتجنب انتاج الموجبتين في الشكل الثاني، وان كانت قد تنتج في بعض المواد. وأما المقدمة الممكنة فالأمر فيها بخلاف ذلك، اعني انه في كل مادة يصدق فيها ان ا مقولة بامكان على كل ما هو ب بالقوة أو بالفعل، وذلك ان قولنا: كل ما هو انسان فهو ممكن ان يمشي يصدق على كل ما هو انسان بالقوة وانسان بالفعل، وكذلك الأمر في سائر المواد. وهذا امر ظاهر بنفسه من استقراء المواد، ولا ادري كيف خفي هذا على المفسّرين، والأمر في ذلك في غاية البيان. واذ تقرّر هذا فنقول : انه متى كان معنى قولنا: ان كل ب هو ا بامكان، أي ان كل ما هو ب بالفعل أو بالقوة ان ا محمولة عليه بامكان، ثم وضعنا ان ‍ هو ب بالفعل، فظاهر ان ا تكون مقولة على ‍ بامكان. القول في اختلاط الممكن والوجودي في الضرب الثاني من الشكل الأول وكذلك يبيّن الأمر متى كانت الكلية الممكنة سالبة والصغرى المطلقة موجبة كلية، ان النتيجة تكون سالبة ممكنة من معنى ⟪المقول على الكل⟫ بعينه المشترط في المقدمة الكبرى السالبة الممكنة. وذلك ان معنى قولنا: انه ولا شيء من ب هو ا بامكان اي ولا شيء من ما هو ب ، بالقوة كان أو بالفعل، هو ا بامكان، ثم نضع ان هي ب بالفعل، فيجب ان يكون ‍ ليس شيئًا من ا بامكان. وأما اذا كانت الكبرى هي المطلقة والصغرى هي الممكنة فانه لا يكون قياس تام، لأن شرط الحمل المطلق الصادق في كل مادة كما قلنا هو ان يكون على اشياء موجودة بالفعل لا بالقوة. فمتى وضعنا ان كل ب هو ا بالفعل، أي كل ما هو ب بالفعل فهو ا بالفعل، واضفنا الى ذلك ان ‍ هو ب بالامكان، فبيّن ان ‍ ليست داخلة تحت شرط ⟪المقول على الكل⟫، وان هذا النوع من المقاييس غير بيّن الانتاج بنفسه، اعني من المقدمات انفسها، بل من شيء آخر، ولكن هو مأخوذ من المقدمات الموضوعة فيه، وهذا هو شرط القياسات الغير كاملة. فلذلك ما قال ارسطو في اصناف المقاييس التي تكون الكبرى فيها في هذا الاختلاط مطلقة، والصغرى ممكنة، انها مقاييس غير تامة، ورام بيانها بالخلف. وهو يوطئ لبيان انتاج هذه المقاييس الغير تامة ان الكذب المحال ليس يلزم عن الكذب الممكن. وهو أيضًا يوطئ اولاً لبيان هذا المعنى انه متى كان شيئا يلزم وجود احدهما عن الآخر، أي الثاني عن الأول، مثل لزوم النتيجة عن القياس، اعني انه يجب ضرورة متى وجدت المقدمات ان توجد النتيجة، فانه يلزم في ذلك الشيئين اذا وجد الأول منهما بالضرورة، الذي هو متبوع، فان الثاني يوجد، الذي هو تابع بالضرورة؛ واذا وجد الأول بامكان فان اللازم يوجد ايضًا بامكان، اعني بالامكان العام، وهو الذي يقابل الممتنع. مثال ذلك انه اذا فرضنا انه متى كانت ا موجودة فان ب تكون موجودة بالذات عن وجود ا ، وتوهمنا بدل ا مثلاً القياس المنتج، وبدل ب النتيجة، فأقول انه متى كان وجود ا ضروريًا كان وجود ب ضروريًا، ومتى كان وجود ا ممكنًا كان وجود ب ممكنًا. فلتكن ا اولاً ممكنة، فأقول ان ب اللازم وجودها عن وجود ا تكون ممكنة. برهان ذلك انه ان كانت ب غير ممكنة، وأعني ها هنا بغير ممكنة رفع جميع المعاني التي يدل عليها اسم الممكن، وهو السالب الذي يصدق على الممتنع وكان الممكن في وقت ما هو ممكن، هو الذي يجوز ان يخرج الى الفعل، وغير الممكن الذي لا يجوز ان يخرج الى الفعل. فان ا اذا فرضناها ممكنة و ب غير ممكنة، فانه قد يمكن ان توجد ا وتخرج الى الفعل من غير ان توجد ب ؛ وقد كنا وضعنا انه اذا وجدت ا وجدت ب ، فيجب ان تكون ب موجودة وغير موجودة معًا، هذا خلف لا يمكن. فاذن واجب متى كانت ا ممكنة ان تكون ب ممكنة، اعني اي نوع اتفق مما يقال عليه اسم الممكن. واذا تقرّر هذا فأقول انه ليس يلزم عن الكذب الممكن كذب مستحيل. ومثال ذلك اذا فرضنا وجود ا كاذبًا ممكنًا، وهو الممكن الذي ينزل موجودًا في الوقت الذي هو غير موجود، فأقول ان وجود ب يكون كاذبًا ممكنًا لا كاذبًا ممتنعًا، وهو الدائم الكذب. ومثل ذلك ان تكون مقدمات القياس أو احداهها كاذبة ممكنة، فانه ليس يمكن ان تكون النتيجة كاذبة مستحيل؛ وذلك ان ا اذا كانت كاذبة فهي في وقت كذبها ممكنة حقيقية. وقد كنا فرضنا ان ا اذا كانت ممكنة حقيقية ان ب تكون ممكنة، والممكن ليس بكاذب مستحيل، فتكون ب ممكنة غير ممكنة معًا، وذلك خلف لا يمكن. فاذن متى كانت احدى مقدمات القياس أو كلتاهما كاذبة ممكنة، فليس تكون النتيجة كاذبة مستحيلة بل كاذبة ممكنة. فاذا تقرّر هذا فلنضع مقدمتين كليتين، كبراهما موجبة مطلقة وصغراهما موجبة ممكنة، مثل ان تكون كل ‍ هي ب بامكان، وكل ب هي ا بالفعل، فأقول ان هذا التأليف ينتج دائمًا ان ‍ ممكنة ان تكون ا . برهان ذلك انه ان لم تكن كل ‍ ممكنة ان تكون ا ، فليكن نقيضها وهي قولنا: ليس يمكن ان يكون كل ج‍ ا ، ومعنا ان كل ممكنة ان تكون ب . فاذا انزلنا هذه المقدمة موجودة بالفعل، وهي ان كل ‍ هي ب بالفعل، كانت كذبًا غير محال؛ فاذا اضفناها الى اللازم عن قولنا: ليس يمكن ان يكون كل ج‍ ا ، انتج لنا في الشكل الثالث ان بعض ب بالضرورة ليست في ا، لأن قولنا: ليس يمكن ان يكون كل ﺟ‍ ا ، يصدق معه قولنا: بعض ‍ليس ا بالضرورة. فيكون معنا في الشكل الثالث مقدمتان: احداهما وجودية موجبة، والثانية سالبة ضرورية جزئية، فهي تنتج ضرورة سالبة ضرورية جزئية على ما تقدم وهو: بعض ب ليس ا بالضرورة؛ لكن قد كان موضوعًا لنا ان كل ب هو ا بالفعل، وهو نقيض النتيجة، هذا خلف لا يمكن. فالكذب المحال انما لزم ضرورة عن المقدمة التي اضفناها الى المقدمة الكاذبة الممكنة وهي قولنا: ليس يمكن ان يكون كل هو ا باضطرار، اذ كان الكاذب الممكن لا يلزم عنه كاذب مستحيل على ما تبيّن، وما لزم عنه محال فهو محال. واذا كذب قولنا: بعض ‍ ليس ا باضطرار، اللازم عن قولنا: ليس يمكن ان يكون كل ج‍ ا ، فقولنا: انه ليس يمكن ان يكون كل ج‍ ا كاذب؛ واذا كان هذا كاذبًا فنقيضه هو الصادق وهو قولنا: كل ‍ ممكنة ان تكون ا . فقد تبيّن من هذا ان نتيجة هذا القياس هي ممكنة. القول في بيان المطلقة الحقيقية والفرق بينها وبين الضرورية وانه لا يتألف قياس من المطلقة الأقلية وانما يعرض لهذا التأليف ان يكون منتجًا بهذه الجهة، اعني الاّ ينتج مرة الايجاب الضروري ومرة السلب الضروري، كالحال في المقاييس الغير منتجة متى اخذت المطلقة الحقيقية وهي التي يصحّ فيها الحمل الكلي المطلق، اعني التي يشاهد بالحس وجود المحمول فيها لجميع الموضوع في جميع الزمان أو في اكثره. وهذه هي المقدمات التي تنشأ عن الاستقراء الذي يستوفي فيه جميع الجزئيات، مثل ان كل غراب اسود وكل ثلج ابيض. والفرق بينها وبين الضرورية ان هذه يخطر بالبال امكان عدمها في الأقل من الزمان المستقبل، والضرورية لا يخطر ذلك فيها بالبال لأن الذهن يشعر فيها بالنسبة الذاتية التي بين المحمول والموضوع. ومن هذه المطلقة، كما يقول ارسطو، تعمل اكثر المقاييس. واما المطلقة التي توجد في الأقل من الزمان، مثل ان كل متحرك انسان، فهو بيّن انه لا يعمل منها قياس، وبخاصة مع الممكنة، كما لا يعمل في الممكنة الاقلية قياس. وهذه المطلقة، اعني التي لا يصحّ فيها الحمل الكلي الا في زمان معيّن، متى اخذت الكبرى والصغرى ممكنة، فانها توجد مرة تنتج الموجب ومرة تنتج السالب. والسبب في ذلك ان هذه المطلقة انما تصدق الكلية فيها في الزمان الحاضر، والمقدمة الصغرى من جهة ما هي ممكنة ليست بمنطوية تحت الكبرى، اذ كان الممكن هو الموجود في الزمان المستقبل. فهذا هو عندي معنى ايصاء ارسطو ان تكون المقدمات الكلية المأخوذة صادقة على الأزمنة الثلاثة، لا ما يظنه ابو نصر من ان هذه الوصية هي في معنى ⟪المقول على الكل⟫، فانه ليس يمكن ان يوجد ⟪المقول على الكل⟫ في المقدمة الكبرى الوجودية الحقيقية عامًا، في الأزمنة الثلاثة، الا في بعض المواد، وهي التي يصدق فيها ان ا موجودة بالفعل لكل ما هو ب بالقوة أو بالفعل. واذا وجد الأمر بهذه الصفة، فالتأليف من ذلك يكون منتجًا بحسب ⟪المقول على الكل⟫. فان كان ارسطو وصى الاّ تستعمل المقدمات المطلقة الا في هذه المادة، فما باله قد قال انها غير منتجة بحسب ⟪المقول على الكل⟫، اعني المطلقة اذا اختلطت مع الممكنة، وبيّن انتاجها بالخلف؟ وما باله قد قال فيها انها تنتج الموجب مرة والسالب اخرى؟ فاذن واجب ان تكون هذه المطلقة هي غير المطلقة التي بيّن انها تنتج بطريق الخلف، ويكون السبب عن اعراضه عن المنتج منها بحسب ⟪المقول على الكل⟫ العام، صدقه في بعض المواد لا في كلها. وليس هذه الوصية ايضًا مما يفهم منها ان المقدمة الوجودية عنده هى التي تشمل الضروري والممكن، كما فهم ذلك عنه تامسطيوس؛ فان هذه المقدمة، اعني المطلقة التي بهذه الصفة، ليس لها وجود خارج الذهن. والقصد ها هنا انما هو احصاء جهات المقدمات المطابقة لاصناف الوجود او للمعارف للاول. فاما ان كان قصد ارسطو بالجهات احصاء فصول المقدمات من جهة الوجود والمعرفة، فليس ينتفع بالمطلقة على رأي ثاوفرسطس وتامسطيوس؛ وان كان اراد احصاءها من جهة المعارف الاول التي لنا بالطبع فقد ينتفع بها، فانّا كثيرًا ما نعلم ان المحمول موجود للموضوع، ونجهل هل هو موجود بامكان او باضطرار. ويشبه ان يكون قصد بالمطلقة الامرين جميعًا،اعني المطلقة بحسب المعرفة والطلقة بحسب الوجود والمعرفة، وهي التي حددنا لا التي يذكرها الاسكندر، فان تلك لا يأتلف منها قياس الا بالعرض أي في وقت ما مخصوص، واذا خلطت مع الممكن فليس يأتلف منها قياس اصلاً، اعني ان تكون الصغرى ممكنة. فعلى هذا التأويل تنحل الشكوك الواردة على كلام هذا الرجل، مع انه التأويل الحق اللائق بمذهبه في هذه الصناعة. وارسطو يبيّن من الحدود المأخوذة من المواد انه اذا اخذت في مثل هذا الاختلاط المطلقة الموجودة في زمان معيّن بالفعل انه لا يكون قياس منتج اصلاً لانه ينتج جنسًا سالبًا ضروريًا وجنسًا موجبًا ضروريًا. والحدود التي تنتج السالب هي: الانسان والمتحرك والفرس، والاصغر هو الانسان، والاوسط هو المتحرك، والاكبر هو الفرس؛ وذلك ان كل انسان يمكن ان يكون متحركًا، وكل متحرك قد يكون في وقت ما فرسًا اذا لم يوجد شيء متحرك الا فرس، والنتيجة سالبة ضرورية وهي: ولا انسان واحد فرس. والحدود التي تنتج الموجب: الانسان والمتحرك والحي. فان كل انسان يمكن ان يكون متحركًا، وكل متحرك في وقت ما قد يكون حيًا اذا توهمنا انه لا يتحرك في ذلك الوقت شيء الا الحيوان، والنتيجة موجبة ضرورية وهو ان كل انسان حي. القول في ان القياس المنتج مع اختلاف الجهة غير كامل ايضًا واذا كان الامر هكذا فلتكن المطلقة المأخوذة ها هنا هي التي لا تختص بزمان دون زمان ، ولتكن المقدمة الكلية الكبرى سالبة مطلقة، والصغرى الكلية موجبة ممكنة، فاقول انه ينتج سالبة مطلقة باشتراك الاسم، اعني التي تقال على الممكنة واضرورية. ومعنى قولنا في امثال هذه المقاييس انها منتجة، اي ليس تنتج الموجب مرة والسالب مرة بل انما تنتج اما الموجب فقط واما السالب فقط؛ لكن السالب والموجب فيها هو مقول على اكثر من معنى واحد. فهذا هو احد الأسباب التي من اجله قيل فيها انها غير تامة. مثال ذلك قولنا: كل فهو ب بامكان، ولا شيء من ب هو ا باطلاق، فاقول انه ينتج هذا انه ولا شيء من هو ا بامكان؛ فمرة تكون النتيجة: ولا شيء من ‍ هو ا بالضرورة، ومرة تكون: ولا شيء من ﺟ هو ا بامكان. برهان ذلك انه ان لم يكن الصادق قولنا انه يمكن ان يكون ولا شيء من هو ا ، فليكن نقيضه هو الصادق وهو انه ليس يمكن ولا شيء من ‍ هو ا ؛ واذا لم يمكن ان يكون ولا شيء من ‍ هو ا فبعض ‍، هو ا بالضرورة، وذلك بيّن اللزوم بنفسه. فاذا كان معنا ان بعض ‍ هو ا بالضرورة، وان كل ‍هو ب بالفعل، وذلك بنقل المقدمة الممكنة في هذا الشكل الى الوجودية، كان معنا قياس في الشكل الثالث من مقدمتين موجبتين: احداهما جزئية ضرورية كبرى، والثانية كلية مطلقة صغرى، وقد تبيّن ان هذا قد ينتج جزئية ضرورية بالافتراض وذلك انه يرجع من موجبتين كليتين في الشكل الثالث، كبراهما ضرورية وهي ان بعض ب هي ا باضطرار وقد كان موضوعًا لنا في القياس انه ولا شيء من ب ا ، هذا خلف لا يمكن. والخلف لم يلزم عن الكذب الممكن، وانما لزم عن وضعنا ان بعض ﺟ ا بالضرورة. لكن اذا كذب هذا فنقيضه هو الصادق وهو قولنا: ليس بالضرورة بعض ‍ هو ا وهذا يصدق معه ان يكون ‍ ليس ، ا بامكان وليس ا بالضرورة. فلذلك تكون نتيجة هذا القياس مرة سالبة ضرورية ومرة سالبة ممكنة. وقد يبيّن هذا المعنى من الحدود. فليكن بدل ‍ انسان وبدل ب مفكر، وبدل ا غراب، فيأتلف هكذا: كل انسان يمكن ان يكون مفكرًا، ولا مفكر واحد غراب، ينتج: ولا انسان واحد غراب، وهي سالبة ضرورية. وليكن ايضًا انسانًا، و ب عالمًا، و ا متحركًا، فيأتلف القياس هكذا: كل انسان يمكن ان يكون عالمًا، ولا عالم واحد متحرك بعلمه، فتكون النتيجة: كل انسان يمكن الاّ يكون متحركًا بعلمه، وهي سالبة ممكنة.وينبغي اذا اريد ان يحصل من هذا يقين، او ما يقارب اليقين، ان يستقرأ الامر في هذا التأليف في اكثر من مادة واحدة، فانه سيوجد الامر فيه هكذا،اعني انه ينتج مرة سالبة ضرورية ومرة سالبة ممكنة. وقد شك ابو نصر في هذا المثال لما اعتقد ان الوجودية هي التي يوجد المحمول فيها لكل الموضوع في زمان مشار اليه، مثل ما حكاه وقال: ان قولك: ولا مفكر واحد هو ضروري لا وجودي الا ان يريد بالتفكر التخيل. وهذا كله لعدم التفاته الى الفرق بين المطلقة والضرورية عند ارسطو لان الضروري عند ارسطو هو الذاتي، وليس امتناع الفكرة من الغراب من الواجب الضروري عند جميع الناس مثل سلب الانسان عن الغراب. والوجودية هي الصادقة عنده فقط، والصادق ايضًا هو غير الضروري عنده. وبالجملة اذا اخذ الفكر بالفعل، كانت المقدمة ضرورية بالعرض، مطلقة بالذات. فان كانت الصغرى في هذا الشكل سالبة ممكنة فانه لا يكون قياس تام، اذ كان من شرط الانتاج في هذا الشكل ان تكون الصغرى موجبة. لكن اذا عكست السالبة الممكنة الى موجبة ممكنة كان القياس الذي تقدم. وكذلك يعرض متى كانت المقدمتان في هذا الاختلاط سالبتين، وكانت الصغرى هي الممكنة، اعني انه لا ينتج شيئًا حتى تعكس الممكنة الى موجبة. فان كانت الصغرى في هذا الشكل سالبة مطلقة، فانه لن يكون قياس منتج، كانت الكبرى سالبة ممكنة او موجبة ممكنة. والحدود التي تنتج الموجب الضروري هي: الثلج والحي والابيض، وذلك انه ولا ثلج واحد حي، وكل حي يمكن ان يكون ابيض، والنتيجة: كل ثلج ابيض، وهي موجبة ضرورية. والحدود التي تنتج السالب هي: القار والحي والابيض؛ وذلك ان كل قار ليس بحي، وكل حي يمكن ان يكون ابيض، والنتيجة: ولا قار واحد يمكن ان يكون ابيض، وهي سالبة ضرورية. فقد تبيّن اذا كانت المقدمتان كليتين في هذا الاختلاط متى يكون قياس منتج ومتى لا يكون؛ واذا كان فما منه تام وما منه غير تام. وتبيّن ما يكون بيّن الانتاج من غير التام بقياس الخلف، وما يكون بيّنًا بالانعكاس. القول في اختلاط الممكنة والوجودية في الضرب الثالث والرابع من الشكل الاول فاما اذا كانت احدى المقدمتين من هذا الاختلاط كلية والاخرى جزئية، وكانت المقدمة الكبرى ممكنة كلية، سالبة كانت او موجبة، والصغرى الجزئية موجبة، فانه يكون قياس تام على نحو ما كان الامر اذا كانت المقدمتان كليتين، وكانت الكبرى ممكنة والصغرى مطلقة؛ وتكون جهة النتيجة هي جهة تلك النتيجة بعينها، اعني ممكنة، الاّ ان هذه جزئية وتلك كلية. وذلك بيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫ كما ان الامر في تلك. فان كانت المقدمة الكبرى كلية مطلقة غير ممكنة، وكانت المقدمة الصغرى جزئية ممكنة، كانت المقدمتان موجبتين، او احداهما موجبة والاخرى سالبة، فانه يكون عن ذلك قياسات منتجة غير تامة: فمنها ما يبيّن بالخلف، وهي نظير ما بان بالخلف في هذا الاختلاط الذي فيه المقدمتان كليتان، ومنها ما يبيّن بالعكس، وهي متى كانت الصغرى الجزئية سالبة ممكنة كالحال فيها اذا كانت سالبة كلية. واما اذا كانت الصغرى سالبة مطلقة، فانه لن يكون قياس. والحدود التي تنتج الموجب هي: الثلج والحي الابيض، وذلك ان بعض الثلج ليس بحي، وكل حي يمكن ان يكون ابيض، والنتيجة: بعض الثلج ابيض؛ والتي تنتج السالب فالقار والحي والابيض، وذلك ان بعض القار ليس بحي، وكل حي يمكن ان يكون ابيض، والنتيجة: بعض القار ليس بابيض، وهي سالبة ضرورية جزئية. القول في اختلاط المطلقة والممكنة في المهملات ومراعات المعنى الذي ينبغي ان يؤخذ عامة للجزﺋية والمهملة واذا اخذت هذه الحدود مهملة، قامت مقام الجزئية ولم توهم ما توهم الجزئية في مثل قولنا: بعض الثلج ليس بحي. وان بعض الثلج حي، وهذا شيء ينبغي ان يعتمد في الحدود التي تؤخذ عامة للجزئية والمهملة. فان كانت المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى، سالبة كانت او موجبة، ممكنة او مطلقة، فانه ليس يكون من ذلك قياس. وكذلك اذا كانت المقدمتان جزئيتين او مهملتين، فانه لا يكون قياس، كانت الكبرى المطلقة والصغرى الممكنة او بالعكس. والبرهان على ذلك هو البرهان المتقدم على هذه الاصناف في المواد الغير مختلطة. والحدود التي تنتج الموجبة الضرورية في هذه، اذا كانت الكبرى جزئية، الانسان والابيض والحي، والاصغر هو الانسان، والابيض الاوسط، والحي الاكبر. واما التي تنتج السالب فالثوب والابيض والحي. فقد تبيّن من هذا ما المنتج في هذا النوع من الاختلاط في هذا الشكل، اعني الاول، وما غير المنتج، وما كان من المنتج تامًا وما لم يكن تامًا. -١٥- القول في تأليف الضروري والممكن في الشكل الاول واذا كانت احدى مقدمتي القياس ممكنة والثانية اضطرارية، فان انواع المقاييس المنتجة تكون على عدد المقاييس المنتجة في المختلطة من الممكن والوجودي، التامة منها وغير التامة. والتامة تكون ها هنا اذا كانت المقدمة الكبرى هي الممكنة، كما كانت هنالك؛ وغير التامة اذا كانت الكبرى هي الضرورية والصغرى هي الممكنة. واما النتائج ها هنا فتكون، اذا كانت المقدمتان موجبتين، ممكنة، تامة كانت المقاييس او غير تامة، كلية كانت النتائج او جزئية؛ واما ان كانت احدى المقدمتين موجبة والاخرى سالبة، وكانت الموجبة اضطرارية والسالبة ممكنة، فانه تكون النتيجة ممكنة. فان كانت المقدمة السالبة اضطرارية، تكون النتيجة مرة سالبة ممكنة ومرة سالبة مطلقة؛ كما انه اذا كانت السالبة في اختلاط الممكن والوجودي وجودية، كانت النتيجة مرة سالبة ضرورية ومرة سالبة ممكنة. وهذا كله سواء كانت المقدمتان كليتين او احداهما كلية. والاخرى جزئية، اعني اذا كانت الكلية هي الكبرى والجزئية الصغرى، فانه اذا كانت الجزئية هي الكبرى لم يكن منتجًا اصلاً. ولم يقل ان ها هنا قياسًا ينتج سالبة ضرورية لان ذلك جزﺋﻲ وفي بعض المواد، وان كان يوجد قياس ينتج سالبة الاضطرار، فان سالبة الاضطرار غير السالبة الاضطرارية؛ كما انه لم يقل ان ها هنا قياسًا ينتج موجبة ضرورية، فان ذلك ايضًا جزئى وفي بعض المواد، كالحال في انتاج الشكل الثاﺋﻲ موجبة. القول في اختلاط الضرورية والممكنة في الضرب الاول من الشكل الاول فلتكن المقدمتان موجبتين كليتين، ولتكن الكبرى هي الضرورية والصغرى هي الممكنة، فاقول انه ينتج ينتيجة ممكنة لا ضرورية، وان القياس في ذلك يكون غير تام. مثال ذلك قولنا: كل ‍ هو ب بامكان، وكل ب هو ا بالضرورة، فاقول انه ينتج: كل ‍ هي ا بامكان، وانه قياس غير تام، لان شرط ⟪المقول على الكل⟫ في المقدمة الضرورية ان تكون ا محمولة على ما هو ب بالفعل لا بالقوة. فاما ما به يتبيّن ان النتيجة ممكنة فبقياس الخلف، على النحو الذي بان في نظير هذا من الاختلاط الآخر؛ وذلك بأن نأخذ نقيض النتيجة، وهي سالبة ضرورية، لان غير الممكن يصدق على السالبة الضرورية، ونضيف اليها المقدمة الممكنة من القياس، وهي الصغرى، بعد ان ننقلها الى الوجود، فيلزم عنه نقيض المقدمة الكبرى، وهي السالبة الضرورية، لان الكبرى كانت موجبة ضرورية. القول في اختلاط الممكنة والاضطرارية في الضرب الثاني من الشكل الاول فاما اذا كانت الكبرى هي الممكنة والصغرى الضرورية، فانه يكون في ذلك قياس تام، وذلك بيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫، على ما تقدم، وتكون النتيجة ممكنة. فان كانت احدى المقدمتين الكليتين موجبة والاخرى سالبة، وكانت السالبة اضطرارية وكبرى، والصغرى ممكنة، فانه يكون قياس منتج غير تام ينتج نتيجتين: احداهما سالبة مطلقة، والثانية سالبة ممكنة، ولم يقل انه ينتج سالبة ضرورية، اذ ذلك انما يمكن اذا كان الطرف الاصغر داخلاً بالقوة تحت الأوسط، وذلك لا يصدق الا في بعض المواد، ولكن يبيّن ايضًا بقياس الخلف انه ينتج نتيجة مطلقة سالبة وممكنة. فليكن معنا ان كل ‍ هو ب بامكان، وانه ولا شيء من ب هو ا بالضرورة، فاقول انه ينتج: ولا شيء من ‍ هو ا بالفعل او بامكان. برهان ذلك انه ان لم تكن هذه النتيجة صادقة، فليكن نقيضها هو الصادق، وهو ان بعض ‍ هي ا باضطرار، وذلك ان هذه هي المناقضة للنتيجة في الكيفية والكمية والجهة. ولنضف اليها المقدمة السالبة الكلية الضرورية من القياس وهو ان ب ليس ا بالضرورة، فينتج في الشكل الثاني ان ب غير ممكنة ان تكون في بعض ‍، وقد كان موضوعًا لنا ان كل ‍ هو ب بامكان، هذا خلف لا يمكن. واذا كذبت الموجبة الضرورية صدق نقيضها وهي السالبة المطلقة؛ فاذا صدقت السالبة الوجودية امكن ان تصدق معها السالبة الممكنة، اذ المطلق ممكن الوجود. فان كان المقدمة الكبرى سالبة ممكنة، والصغرى موجبة اضطرارية، فانه يكون قياس تام وتكون النتيجة ممكنة على ما تبيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫. وارسطو يقول انه ليس يمكن ان يتبيّن بقياس الخلف انه ينتج مطلقة. فان كانت المقدمة السالبة صغرى وكانت ممكنة، فانه لا يكون قياس تام، لكن يكون قياس غير تام بعكس السالبة الممكنة الى الموجبة، على ما تقدم. فان كانت الصغرى السالبة اضطرارية، لم يكن قياس؛ ولا اذا كانتا جميعًا سالبتين وكانت الصغرى الاضطرارية. والحدود التي تنتج الموجب: الثلج والحي والابيض؛ وذلك انه: ولا ثلج واحد حي، والحي ابيض بامكان، والنتيجة موجبة ضرورية وهي ان كل ثلج ابيض. والحدود التي تنتج السالب: القار والحي والابيض، وذلك ان النتيجة: ولا قار واحد ابيض، وهي سالبة. وكذلك اذا اخذنا سالبتين، وذلك ان القار ليس بحي، والحي ليس بابيض، والقار ليس بأبيض؛ و ايضًا فان الثلج ليس بحي، والحي ليس بابيض بامكان، والثلج ابيض. القول في اخلاط الضرورية والممكنة في الضرب الرابع من الشكل الاول واما اذا كانت احدى المقدمتين جزئية، وكانت الكبرى ضرورية سالبة، فان النتيجة تكون سالبة مطلقة وسالبة ممكنة، كما كانت الحال اذا كانتا كليتين الكبرى سالبة، وتبيّن ذلك بالخلف، كما بان ذلك في الكليتين. االقول في دلك الاختلاط ايضًا في الضرب الثالث من الشكل الاول واما اذا كانت الصغرى جزئية موجبة وضرورية، وكانت الكبرى سالبة ممكنة، فان النتيجة تكون ممكنة جزئية، وذلك بيّن من معنى ⟪المقول على الكل⟫. واما اذا كانتا موجبتين، وكانت الكبرى كلية وضرورية، فان النتيجة تكون ممكنة. والبرهان على ذلك هو البرهان الذي تقدم اذا كانتا معًا كليتين. فان كانت المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى، وكانت الجزئية اضطرارية والكلية ممكنة، موجبة كانت او سالبة، فانه لا يكون قياس. والحدود التي تنتج الموجب: الانسان والابيض والحي؛ وذلك ان كل انسان يمكن ان يكون ابيض، وبعض ابيض ليس بحي، والانسان حي بالضرورة. والانسان يمكن الّا يكون ايضًا ابيض، وبعض البيض حي، فالانسان حي بالضرورة. واما الحدود التي تنتج السالب فالثوب والابيض والحي؛ وذلك ان الثوب يمكن ان يكون ابيض، وبعض الابيض ليس بحي، والثوب ليس بحي؛ وايضًا فان الثوب يمكن الاّ يكون ابيض، وبعض الابيض حي، والثوب لا يمكن ان يكون حيًا. سواء كانت الصغرى سالبة او موجبة، اذا كانت كلية وممكنة، فانها غير منتجة. وكذلك اذا كانت الصغرى كلية واضطرارية، سالبة كانت او موجبة، والكبرى ممكنة جزئية، فانه لا ينتج اصلاً. والحدود التي تنتج الموجب اذا كانت سالبة: الغراب والابيض والحي؛ وذلك ان الغراب ليس بابيض بالضرورة، وبعض الابيض حي بامكان، والغراب حي بالضرورة، وهي النتيجة. واما الحدود التي تنتج السالب فالقار والحي والابيض؛ وذلك ان القار ليس بابيض، وبعض الابيض حي، والقار ليس بحي. واما الحدود التي تنتج الموجب اذا كانت الصغرى كلية موجبة واضطرارية فهي الققنس والابيض والحي؛ وذلك ان كل ققنس ابيض بالضرورة، وبعض الابيض حي، والنتيجة: وكل ققنس حي، وهي ضرورية؛ والتي تنتج السالب فالثلج والابيض والحي، وذلك ان الثلج ابيض، وبعض الابيض حي، والثلج ليس بحي بالضرورة، وهي النتيجة. وكذلك لا يكون في هذا الصنف ايضًا قياس اذا كانت المقدمتان مهملتين او جزئيتين او احداهما مهملة والاخرى جزئية، كانت الكبرى هي الممكنة والصغرى هي الضرورية او بالعكس. والحدود العامة لهذه الاصناف كلها: اما التي تنتج الموجب فالانسان والابيض والحي، واما التي تنتج السالب فالغير المتنفس والابيض والحي، وتركيبها قريب على من تأملها. فقد تبيّن من هذا القول ان اصناف المقاييس المركبة في هذا الشكل من اختلاط الممكن والمطلق هي مساوية لاصناف المقاييس المركبة من الممكن والضروري، المنتج منها للمنتج وغير المنتج لغير المنتج، والمنتج التام للمنتج التام والمنتج غير التام لغير التام. والطريق الذي يبيّن به غير التام هو فيهما واحد بعينه. وتبيّن ان النتائج منها في الموجبات ممكنة، وكذلك في السوالب اذا كانت المقدمات الكبرى منها هي الممكنة؛ واما اذا كانت الضرورية او الوجودية فانها تكون: اما في المختلطة من الممكنة والوجودية فسالبة ضرورية او ممكنة، واما في المختلطة من الممكنة والضرورية فسالبة مطلقة او سالبة ممكنة. -١٦- القول في تأليف الممكن في الشكل الثاني واذا كانت كلتا المقدمتين ممكنة في الشكل الثاني، فانه لن يكون قياس منتج، موجبتين كانتا ام سالبتين، ام احداهما موجبة والثانية سالبة، كليتين كانتا او جزئيتين معًا، او احداها كلية والاخرى جزئية. واما اذا كانت إحداهما مطلقة والاخرى ممكنة، فانه ان كانت الموجبة هي المطلقة والسالبة هي الممكنة، فانه لا يكون قياس منتج. واما اذا كانت السالبة المطلقة وكانت كلية، فانه يكون قياس منتج. ومثل هذا يعرض اذا كانت احدى المقدمتين ايضًا ضرورية والاخرى ممكنة. والممكن ها هنا ينبغي ان يفهم في نتائج هذه المقاييس على نحو ما فهم فيما تقدم. القول في ان السالبة الكلية لا تنعكس كنفسها اي ممكنة وينبغي ان نبيّن ها هنا اولاً ان الكلية السالبة الممكنة لا تنعكس محفوظة الكمية والكيفية، كما تنعكس السالبة الضرورية والسالبة المطلقة. فلنضع اولاً ان كل ‍يمكن الاّ يكون شيئًا من ا ، فاقول انه ليس يلزم عن هذا ان تكون كل ا ممكنة الاّ تكون شيئًا من ‍. برهان ذلك انه ان امكن ذلك فستصدق معها الموجبة الممكنة الكلية وهي قولنا: كل ا يمكن ان يكون ‍ ، لان الموجبات الممكنة ترجع على سوالبها الكلية للكلية والجزئية للجزئية. وذلك ان قولنا: كل ‍ يمكن الاّ يكون شيئًا من ا تصدق معها الموجبة المضادة لها وهي قولنا: كل ‍ يمكن ان يكون ا ؛ فاذن يصدق مع قولنا: كل ‍ يمكن ان ان يكون ا ، قولنا: كل ا يمكن ان يكون ‍، فالموجبة الممكنة الكلية تنعكس كلية، وقد تبيّن انها لا تنعكس، هذا خلف لا يمكن. وايضًا فان كونها لا تنعكس دائمًا يظهر من المواد، وذلك انه اذا كان كل يمكن الاّ يكون شيئًا من ا ، فقد يمكن ان يكون بعض ا ليس هو ‍ بالضرورة. مثال ذلك ان كل انسان يمكن الاّ يكون ابيض، وبعض الابيض ليس هو انسان بالضرورة مثل الثلج وققنس؛ واذا امكن ان يكون بعض ا بالضرورة ليس هو ‍ ، فليس يصدق مع ذلك ان كل ا يمكن الاّ يكون ‍ ، لان بعضه واجب وضروري الا يكون. قال : وقد يظن ان السالبة الممكنة قد يبيّن انعكاسها بطريق الخلف. ومثال ذلك ان يقول قائل ان قول القائل: كل ا يمكن الاّ يكون شيئًا من ب ينعكس صادقًا، وهو ان كل ب يمكن الا يكون شيئًا من ا . برهان ذلك انه ان لم يكن صادقًا قولنا: كل ب يمكن الا يكون ا، فنقيضه اذن هو الصادق وهو: كل ب غير ممكن الاّ يكون ا . ولما كان قولنا: كل ب غير ممكن الاّ يكون ا يلزمه ان بعض ب بالضرورة ا ، وكان هذا قد تبيّن انه ينعكس اذ كانت جزئية ضرورية، فبعض ا ب بالضرورة؛ وقد كنا فرضنا ان كل ا يمكن الاّ يكون ب ، هذا خلف لا يمكن. لكن في هذا القول مغالطة، وذلك انه ليس اللازم عن قولنا: كل ب غير ممكن الاّ يكون في شيء من ا ، فقولنا: ان بعضف ب بالضرورة ا ، بل وقد يلزمه ان بعض ب بالضرورة ليست ا ، لانه يناقض قولنا: كل ب يمكن الاّ يكون ا ، قولنا: بعض ب بالضرورة ليست ا ، كما يناقض قولنا: بعض ب بالضرورة ا ، قولنا: كل ب يمكن ان يكون ا . ولما كان قولنا ان كل ب ممكن ان يكون ا ، يلزمه ان كل ب ممكن الاّ يكون ا ، وكان قولنا: كل ب ممكن ان يكون ا يناقضه قولنا: بعض ب بالضرورة ا ؛ وقولنا كل ب يمكن الاّ يكون ا . يناقضه قولنا: بعض ب بالضرورة ليست ا ، فاذن قولنا: كل ب ممكن ان يكون ا ، يناقضه قولنا: بعض ب بالضرورة ا ، وبعض ب بالضرورة ليست ا . وكذلك يناقض هاتين الجزئيتين المقدمة السالبة الممكنة وهي قولنا: كل ب يمكن الاّ يكون ا والذي يناقض هذا يلزم نقيضه، فاذن قولنا: كل ب يمكن الاّ يكون يناقضه شيئان: احدهما بعض ب بالضرورة ليست ا ، والثاني بعض ب بالضرورة هو ا . فقولنا في قياس الخلف: كل ب غير ممكن الاّ يكون ا قد يلزمه مرة ان بعض ب بالضرورة ا ، ومرة ان بعض ب بالضرورة ليست ا . فان كان اللازم هو السالبة الجزئية الضرورية لم يفض القول الى محال لانه ليس تنعكس السالبة الضرورية، بل قد يكون كل ا ممكن الاّ يكون ب ، وبعض ب ليس بالضرورة ا . مثل قولنا: كل انسان يمكن ان يكون ابيض، وبعض الابيض ليس هو انسانًا بالضرورة، مثل الثلج وققنس. فاذ قد تبيّن ان السوالب الممكنة لا تنعكس، فلنضع مقدمتين كليتين ممكنتين، احداهما موجبة والاخرى سالبة في الشكل الثاني، مثل قولنا: كل هو ب بامكان، وكل ا يمكن الاّ يكون ب . فاقول ان هذا التأليف لا ينتج شيئًا لانه لا يمكن ان تنعكس السالبة الممكنة، كما امكن ذلك في المادة المطلقة والضرورية. ولا بقياس الخلف يبيّن ايضًا انه يكون قياس، لانه ان اخذنا نقيض النتيجة الممكنة الحقيقية، لم يعرض عن ذلك محال اذا كانتا متلازمتين، اعني الموجبة الممكنة والممكنة السالبة. وكذلك ان اخذنا النقيض جزئية ضرورية موجبة او سالبة. وبالجملة ان كان عن هذا التأليف قياس فانه انما ينتج بالذات نتيجة ممكنة، اذ كانت المقدمتان ممكنتين، لا نتيجة مطلقة ولا ضرورية، اذ كان ليس في هذا القياس مقدمة بهذه الصفة. فان كان ينتج نتيجة ممكنة: فاما ان تكون سالبة ممكنة، واما موجبة ممكنة. لكن تبيّن من الحدود انها تنتج مرة سالبة ضرورية، ومرة موجبة ضرورية؛ وبكل واحدة من هاتين النتيجتين يبطل ان تنتج سالبة ممكنة او موجبة ممكنة، وذلك ان السالبة الضرورية تناقض الممكنة الموجبة والسالبة الممكنة، وكذلك الموجبة الضرورية تناقض كليهما. فالحدود التي تنتج في هذه المادة سالبة: الانسان والابيض والفرس، والابيض هو الحدّ الاوسط، والانسان الاصغر. ويأتلف القياس هكذا: كل انسان يمكن ان يكون ابيض، وكل فرس يمكن الاّ يكون ابيض، والنتيجة: ولا انسان واحد فرس، وهي سالبة ضرورية. واذا كانت ا مسلوبة عن ‍ باضطرار، لم يصدق ان كل ا ممكنة ان تكون في ، ‍ولا كل ا ممكنة الاّ تكون في ‍ ، لانها تنعكس على الموجبة. فمن ها هنا يبيّن ان هذا التأليف ليس بمنتج نتيجة ممكنة، لا سالبة ولا موجبة. ـ وقد تبيّن ذلك ايضًا من انه ينتج في بعض المواد موجبة ضرورية، وذلك اذا اخذنا بدل الفرس الحي، وذلك انه ينتج كل انسان حي وهي موجبة ضرورية، وليس يمكن ان يصدق معها لا الموجبة الممكنة ولا السالبة الممكنة؛ وذلك ان مناقضتها للسالبة الممكنة بيّن بنفسه، ومناقضتها للموجبة الممكنة من اجل لزومها للسالبة الممكنة. وكذلك تبيّن انه لا يكون قياس في هذا الشكل وان غيّر مكان السالبة، اعني ان جعلت صغرى بعد ان كانت كبرى او بالعكس. وكذلك تبيّن انه لا يكون قياس وان اخذت كلتا المقدمتين موجبتين او سالبتين، والبرهان على ذلك بهذه الحدود باعيانها ولن يعسر ذلك على من تأملها. -١٧- القول في تأليف الوجودي والممكن في الشكل الثاني واذا كانت احدى المقدمتين في هذا الشكل مطلقة والاخرى ممكنة، وكانت السالبة هي الممكنة، فانه لا يكون عن ذلك قياس اصلاً، كلية كانت كلتا المقدمتين ام جزئية. والبرهان على ذلك هو البرهان الذي استعمل اذا كانتا معًا ممكنتين وبتلك الحدود بعينها، اعني انها توجد مرة تنتج سالبة ضرورية ومرة موجبة ضرورية. القول في اختلاط الممكن والوجودي في الضرب الاول والثاني من الشكل الثاني فان كانت المقدمة السالبة هي المطلقة والموجبة هي الممكنة، وكانتا معًا كليتين، فانه يكون قياس، وذلك ان السالبة المطلقة تنعكس فيكون الشكل الاول على ما تقدم، وسواء كانت السالبة هي الكبرى او الصغرى؛ لكن اذا كانت الصغرى تبيّن ذلك بعكسين: عكس المقدمة وعكس النتيجة على ما سلف. فان كانت كلتاهما،اعني الكليتين سالبتين، وكانت احداهما ممكنة والاخرى مطلقة، فانه يكون قياس غير تام اذا انعكست السالبة الممكنة الى الموجبة التي تلزمها، لانه يكون مؤتلفًا من مقدمتين مطلقة سالبة وممكنة موجبة. وان كانت كلتا المقدمتين موجبتين فانه لن يكون قياس، وذلك بيّن من انها تنتج مرة موجبة ومرة سالبة. واما الحدود التي تنتج الموجب فهي: الانسان والصحة والحي؛ وذلك ان كل انسان يمكن ان يكون صحيحًا، وكل حي هو صحيح، وكل انسان حي باضطرار، وهي النتيجة؛ واما التي تنتج السالب فالانسان والصحة والفرس، وذلك ان كل انسان يمكن ان يكون صحيحًا، وكل فرس هو صحيح، والنتيجة ولا انسان واحد فرس، وهي سالبة ضرورية. القول في اختلاط الممكن والوجودي في الضرب الثالث والرابع من الشكل الثاني واذا كانت احدى المقدمتين كلية والاخرى جزئية، فانه يعرض في ذلك مثل ما عرض فيها اذا كانت كليتين معًا، اعني ان شرط المنتج فيها هو شرط المنتج في تلك، وغير المنتج فيها هو غير المنتج في هذه. وذلك انه متى كانت الموجبة هي المطلقة، الكلية كانت او الجزئية، فانه لن يكون في ذلك قياس، وذلك بيّن كما تبيّن ذلك اذا كانتا كليتين وبتلك الحدود بأعيانها. واما اذا كانت الكلية هي المطلقة وكانت سالبة، فانه يكون قياس بالعكس الى الشكل الاول. وان كانت كلتاها سالبتين، وكانت احداهما مطلقة، فانه يكون ايضًا قياس غير تام اذا انعكست السالبة الممكنة الى الموجبة الممكنة على ما تبيّن. فان كانت السالبة المطلقة جزئية فانه لا يكون قياس، موجبة كانت المقدمة الاخرى ام سالبة. وكذلك لا يكون قياس اذا كانت كلتا المقدمتين مهملتين او جزئيتين، او احداهما مهملة والثانية جزئية، موجبتين كانتا معًا ام سالبتين؛ والبرهان على ذلك هو البرهان المتقدم وبحدود واحدة باعيانها. -١٨- القول في تأليف الممكن والاضطراري في الشكل الثاني القول في اختلاط الممكن والاضطراري في الضرب الاول والثاني من الشكل الثاني واذا كانت احدى المقدمتين في هذا الشكل ممكنة والثانية اضطرارية وكانتا كليتين معًا، وكانت السالبة هي الضرورية، فانه يكون قياس بعكس السالبة الى الشكل الاول الذي كبراه سالبة ضرورية وصغراه موجبة ممكنة. وقد تبيّن ان هذا ينتج سالبة مطلقة وممكنة سالبة، وسواء كانت السالبة الضرورية هي الكبرى او الصغرى. فاما اذا كانت الموجبة هي الضرورية فانه لا يكون قياس. وبيان ذلك من الحدود ان يفرض الطرف الاصغر انسانًا، والاوسط ابيض، والاكبر ققنس؛ وذلك ان كل انسان يمكن الاّ يكون ابيض، وكل ققنس فهو ابيض بالضرورة، والنتيجة انه ولا انسان واحد ققنس، وهي سالبة ضرورية، وما ينتج سالبة ضرورية فليس يمكن ان ينتج دائمًا ممكنة لا موجبة ولا سالبة. وهو بيّن ايضًا انه لا ينتج نتيجة سالبة ضرورية دائما لان الضرورية انما تكون عن مقدمتين ضروريتين، او عن قياس تكون الضرورية فيه سالبة والموجبة وجودية لا ممكنة على ما تبيّن. وكذلك تبيّن ايضًا انه لا ينتج مطلقة لان المطلقة من طبيعة الممكن. وقد يظهر ايضًا من الحدود انه لا ينتج سالبة ضرورية، فانه مرة تنتج سالبة ضرورية ومرة موجبة ضرورية. فالحدود التي تنتج سالبة ضرورية هي التي تقدمت، واما التي تنتج موجبة ضرورية فهو اليقظان والمتحرك والحي؛ وذلك ان كل يقظان متحرك بالضرورة، وكل حي ممكن الاّ يكون متحركًا، وكل يقظان حي بالضرورة. فاذن لا يكون في هذا التأليف قياس منتج اصلاً، وسواء كانت الموجبة الضرورية هي الصغرى او الكبرى. فان كانت المقدمتان متشابهتين في الكيفية، فانهما ان كانتا سالبتين فانه يكون قياس، اذا انعكست السالبة الممكنة الى الموجبة التي تلزمها، لانه يكون تأليفًا من مقدمتين: الموجبة ممكنة والسالبة ضرورية، وقد تبيّن ان هذا منتج وسواء كانت السالبة هي الصغرى او الكبرى. فان كانت المقدمتان الكليتان موجبتين فانه لن يكون قياس، لانه بيّن ان النتيجة ليس يمكن ان تكون سالبة لا مطلقة ولا اضطرارية، لانه لم يؤخذ في القياس مقدمة سالبة لا اضطرارية ولا مطلقة، ولا ايضا سالبة ممكنة ولا موجبة اضطرارية، لانه تبيّن من الحدود انها تنتج سالبة ضرورية، وما ينتج سالبة ضرورية فليس يمكن ان ينتج دائمًا لا موجبة ضرورية ولا ممكنة ولا مطلقة، وكذلك لا يمكن ان ينتج سالبة ممكنة. فاما الحدود التي تنتج السالب الضروري فالانسان والابيض والققنس؛ فان كل انسان يمكن ان يكون ابيض، وكل ققنس ابيض، والنتيجة: ولا انسان واحد ققنس. فهذه هي الضروب المنتجة في هذا الشكل في هذا الضرب من الاختلاط، وغير المنتجة اذا كانت المقدمتان كليتين. القول في اختلاط الممكنة والضرورية في الضرب الثالث والرابع من الشكل الثاني فان كانت احداهما كلية والاخرى جزئية، فانه ان كانت المقدمة السالبة هي كلية واضطرارية فانه يكون قياس ينتج اما سالبة ممكنة واما سالبة مطلقة، لان السالبة الاضطرارية تنعكس فترجع الى الشكل الاول الذي يأتلف من موجبة ممكنة صغرى، وسالبة كبرى ضرورية؛ واما اذا كانت الموجبة هي الاضطرارية فانه لا يكون قياس البتة. والبرهان على ذلك هو البرهان بعينه اذا كانتا كليتين، وبتلك الحدود باعيانها التي سلفت. وكذلك لا يكون قياس اذا كانتا كلتاهما موجبتين، والبيان في ذلك هو البيان الذي تقدم اذا كانتا كليتين. فان كانت كلتا المقدمتين، اعني الكلية والجزئية سالبتين، وكانت احداهما كلية اضطرارية، فانه يكون في ذلك قياس غير تام؛ وذلك انه اذا انعكست الممكنة السالبة الى الموجبة فانه يكون قياس، كما يكون اذا كانتا كليتين على ما تقدم. وكذلك لا يكون قياس اذا كانت المقدمتان مهملتين او جزئيتين، والبرهان على ذلك هو البرهان الذي استعمل فيما تقدم وبتلك الحدود باعيانها. فقد تبين انه متى وضعت المقدمة السالبة الكلية اضطرارية انه يكون ضرورة قياس ينتج اما سالبة مطلقة واما سالبة ممكنة، وانه متى وضعت الموجبة اضطرارية انه لا يكون قياس. وهو بيّن ان بترتيب واحد للحدود في المقاييس المطلقة والضرورية يكون قياس او لا يكون، وهو بيّن ان هذه المقاييس كلها غير تامة. -١٩- القول في تأليف الممكن في الشكل الثالث القول في تأليف الممكن في ضرب الاول والثاني من الشكل الثالث واذا كانت المقدمتان في هذا الشكل ممكنتين كليتين فانه يكون قياس وتكون النتيجة جزئية ممكنة، على نحو ما تكون في المطلقة الصرف والضرورية الصرف، اعني بتلك الشروط باعيانها، والبرهان على ذلك هو البرهان على تلك. ويخص هذه المادة انه متى كانتا سالبتين فانه يكون من جميعها قياس غير تام، اذا انعكست احدى السالبتين الى الموجبة اللازمة لها، لانه يعود من ممكنتين احداهما موجبة والثانية سالبة. القول في تأليف الممكن في ضروب الاربعة الباقية المنتجة من الشكل الثالث فان كانت احداهما كلية والاخرى جزئية، فان المقاييس المنتجة منها وغير المنتجة تكون كما كانت في المادة المطلقة والضرورية، وبتلك الشروط باعيانها. ويخص هذا انه اذا كانتا معًا سالبتين كان قياس بالانعكاس، اعني بانعكاس السالبة الى الموجبة اللازمة لها، لانه لا يكون قياس من سالبتين في شيء من التأليفات لا البسيطة ولا المركبة. واما اذا اخذت المقدمتان مهملتين او جزئيتين فانه لا يكون ايضًا قياس، لانه ينتج مرة موجبة ضرورية ومرة سالبة ضرورية. اما الحدود التي تنتج الموجبة فانسان وابيض وحي، وذلك ان بعض الابيض يمكن ان يكون انسانًا، والابيض يمكن ان يكون حيًا، والانسان بالضرورة حي؛ والتي تنتج السالبة: الانسان والابيض والفرس، وذلك ان الابيض يمكن ان يكون انسانًا، والابيض يمكن ان يكون فرسًا، والنتيجة: ولا انسان واحد فرس. وبهذه الحدود باعيانها يتبيّن ذلك اذا كانتا سالبتين، او احداهما موجبة والاخرى سالبة، لانها يمكن ان تؤلف هذا التأليف. -٢٠- القول في تأليف الممكن والوجودي في الشكل الثالث القول في تأليف الممكن والوجودي في الضرب الاول من الشكل الثالث واذا كانت احدى المقدمتين في هذا الشكل مطلقة والثانية ممكنة، وكلاهما موجبتان كليتان، فان النتيجة تكون ممكنة جزئية. وذلك يتبيّن بانعكاس الصغرى، فان كانت هي الممكنة عادت من الشكل الاول الى ما صغراه ممكنة وكبراه مطلقة، وقد تبيّن فيما سلف ان نتيجته ممكنة. فان كانت الصغرى هي المطلقة عادت الى ما صغراه في الشكل الاول مطلقة وكبراه ممكنة، وقد تبيّن ان هذا ايضًا ينتج ممكنة. القول في اختلاط الممكن والوجودي في الضرب الثاني من ذلك الشكل فان كانت احداهما موجبة والاخرى سالبة وكان ايّهما اتفق مطلقة، اعني الكبرى والصغرى، وكانت السالبة هي الكبرى، فان النتيجة تكون ممكنة. فان كانت السالبة هي الممكنة كانت النتيجة ممكنة حقيقية، وان كانت السالبة هي المطلقة كانت النتيجة سالبة ممكنة باشتراك الاسم، اعني انه ينتج نتيجتين: سالبة ضرورية وسالبة ممكنة. فان كانت السالبة هي الصغرى وكانت ممكنة، او كانت جميعًا سالبتين، فانه لا يكون قياس، الا اذا انعكست الممكنة السالبة الى الممكنة اللازمة عنها لانه يعود الى ما هو من موجبتين، او الى ما كبراه سالبة وصغراه موجبة. القول في اختلاط الممكنة والمطلقة في الضرب الثالث والرابع والسادس منه ايضًا واما اذا كانت احدى المقدمتين كلية والاخرى جزئية، وكان كلاهما موجبتين، او كانت الكلية هي السالبة الكبرى والجزئية الموجبة، فانه يكون قياس برجوعها الى الشكل الاول بانعكاس الجزئية الموجبة على ما تبيّن، ونتيجته تكون على نحو ما كانت نتيجة المقدمتين الكليتين. القول في اختلاط الممكن والوجودي في الضرب الخامس من الشكل الثالث فان كانت الموجبة هي الكلية والسالبة الجزئية، وكانت الصغرى هي المطلقة الموجبة والكبرى السالبة الجزئية الممكنة، فانه يكون قياس، وبيان ذلك يكون بقياس الخلف. فليكن كل ب فهو ،‍ وبعض ب ليس هو ا بامكان، فاقول ان بعض ‍ ممكن الاّ يكون ا ؛ لانه ان لم يكن هذا صادقًا فنقيضه هو الصادق وهو ان كل ‍ هو ا بالضرورة لان هذه هي المناقضة في الجهة والكمية، وقد كان معنا ان كل ب فهو ‍ باطلاق. فاذن ينتج في الشكل الاول ان كل ب هو ا بالضرورة، وقد كان معنا ان بعض ب ليس هو ا بامكان، هذا خلف لا يمكن. واما ان كانت الكبرى الجزئية هي الوجودية والصغرى هي الممكنة، فانه يكون قياس يبيّن بالافتراض. فان كانت الصغرى هي السالبة وكانت مطلقة، فانه لا يكون قياس لان خاصة الشكل الثالث الاّ تكون صغراه سالبة؛ وان كانت ممكنة فانه يكون قياس اذا انعكست الى الموجبة على ما سلف. واذا كانت كلتا المقدمتين مهملتين او جزئيتين، فانه لا يكون قياس. وبرهان ذلك هو البرهان المستعمل في الاصناف الكلية في هذا الباب، اعني في الممكن الصرف وبتلك الحدود باعيانها. -٢١- القول في تأليف الممكن والاضطراري في الشكل الثالث القول في اختلاط الممكن والاضطراري في ضرب الاول من الشكل الثالث واذا كانت كلتا المقدمتين كليتين، وكانت احداهما اضطرارية والاخرى ممكنة، وكانتا معًا موجبتين، فانه يكون عن ذلك قياس ينتج نتيجة ممكنة، وذلك بيّن بالانعكاس الى الشكل الاول. الضرب الثاني في ذلك الاختلاط منه ايضًا فان كانت احداهما موجبة والاخرى سالبة، وكانت الموجبة هي الضرورية وهي الصغرى، فان النتيجة تكون سالبة ممكنة، وذلك بانعكاس الموجبة ورجوع التأليف في الشكل الاول الى ما كبراه سالبة ممكنة وصغراه جزئية ضرورية. فان كانت السالبة هي الاضطرارية الكبرى، فان النتيجة تكون سالبة ممكنة وسالبة مطلقة برجوعها بالعكس الى ما كبراه في الشكل الاول سالبة ضرورية وصغراه موجبة ممكنة. فان كانت الصغرى سالبة ممكنة والكبرى موجبة ضرورية، فانه لا يكون قياس الا بعكس السالبة الممكنة الى الموجبة الممكنة؛ وان كانت الصغرى سالبة ضرورية فانه لا يكون قياس. فالحدود التي تنتج الموجب هي الانسان والنائم والفرس؛ وذلك انه ولا انسان واحد فرس، وكل انسان يمكن ان يكون نائمًا، والنتيجة: فكل فرس يمكن ان يكون نائمًا. والحدود التي تنتج السالب: الانسان اليقظان والنائم والفرس؛ وذلك انه لا فرس واحد انسان يقظان، وكل فرس يمكن ان يكون نائمًا، والنتيجة: ولا انسان واحد يقظان هو نائم. الضرب الثالث والرابع فان كانت احدى المقدمتين كلية والثانية جزئية، وكانت كلتاهما موجبتين، فانه يكون قياس بالرجوع الى الشكل الاول، وتكون النتيجة ممكنة كحالها في الاصناف التي يرجع اليها من الشكل الاول. الضرب الخامس والسادس فان كانت احدى المقدمتين سالبة والاخرى موجبة، وكانت السالبة هي الكبرى، فانه ان كانت اضطرارية فان النتيجة تكون مطلقة او ممكنة لانها ترجع بالعكس الى الصنف الثاني من الشكل الاول الذي ينتج هاتين النتيجتين: ان كانت كلية وان كانت جزئية فبالافتراض والخلف، وان كانت السالبة هي الممكنة فانه تكون النتيجة ممكنة حقيقية كحالها في الصنف من القياس الذي ترجع اليه في الشكل الاول. فاما ان كانت السالبة هي الصغرى، فانه ان كانت ممكنة كان قياس بعكسها الى الموجبة الممكنة، وان كانت هي الضرورية لم يكن قياس، وذلك بيّن على نحو ما تبيّن اذا كانتا كليتان وبتلك الحدود باعيانها. فقد تبيّن متى يكون في هذا الضرب قياس وكيف يكون، واي نتيجة تنتج اي قياس، وايّها تامة وغير تامة، كالحال في الاصناف التي تكون في هذا الشكل. وهنا انقضى القول في جميع القاييس الحملية. الفصل الاول -٢٢- [تطبيق الكلية على الاشكال الثلاثة - الرد الى المقاييس الكلية في الشكل الاول] قال : ويتبيّن بنحو ما قيل في الاشكال الوجودية ان جميع المقاييس التي في هذه الاشكال ايضًا ترتقي الى الشكل الاول الذي فيها. فاما ان جميع اجناس المقاييس الموجودة على الاطلاق ترجع كلها بأسرها الى الشكل الاول فذلك يبيّن اذا تبيّن ان جميع اجناس المقاييس الحملية هي هذه الثلاثة فقط، وان ما عداها من المقاييس التي ليست بحملية فكلها مضطرة الى الحملية. فنقول : ان كل قياس بالجملة فهو انما يبيّن اما ان الشيء موجود واما انه غير موجود، وكل واحد من هذين اما ان يكون كليًّا واما جزئيًا؛ وكل ما يبيًن ان الشيء موجود او غير موجود: فاما ان يبيّنه على جهة الحمل، واما ان يبيّنه على جهة الاشتراط، واما ان يبيّنه بقياس مركب من هذين وهو الذي يدعى بقياس الخلف. القول في ان كل قياس حملي يؤلف من مقدمتين وثلثة حدود لا اقل ولا اكثر والغرض الآن انما هو التكلم في المقاييس الحملية وشروط المنتج منها من غير المنتج على الاطلاق، فانه اذا تبيّنت هذه تبيّنت المقاييس المضطرة الى هذه في الانتاج وهو قياس الخلف والقياس الذي يكون بشريطة. فنقول : انه متى احتجنا ان نبيّن ان شيئًا موجود في شيء، مثل ان نحتاج ان نبيّن ان ا محمولة علي ب ، اما على جهة السلب واما على جهة الايجاب، فهو من الظاهر انه يجب ان نأخذ في بيان ذلك على جهة الحمل ان شيئًا موجود لشيء ومحمول على شيء. فان اخذنا في ذلك ان ا محمولة على ب ، فمن البيّن انّا قد اخذنا الشيء في بيان نفسه وذلك مستحيل وغير مفيد علمًا زائدًا في المطلوب. وكذلك ايضًا ان اخذنا في ذلك قضية مباينة بالمحمول والموضوع للمطلوب، فهو بيّن ايضًا انه ليس يلزم عنه شيء في المطلوب لا ايجاب ولا سلب، مثل قولنا ان ا محمولة على ب لان ‍ محمولة على د . واذا امتنع هذان الوجهان، فلم يبق الا ان يكون القول المأخوذ في بيان ان ا موجودة في ب : اما قول مشارك له في احد الطرفين، او مشارك لهما معًا. ثم ان كان مشاركًا لاحد الطرفين فلا يخلو: ان يكون محموله هو محمول المطلوب بعينه وموضوعه غيره، او يكون موضوعه موضوع المطلوب ومحموله غيره، او يكون محمول المطلوب هو موضوعه، او موضوع المطلوب هو محموله، فانه لا يخلو القول المشارك لاحد الطرفين من هذه الاقسام. ثم لا يخلو ايضًا هذا المشارك: اما ان يوجد حكمًا واحدًا بنفسه من غير ان يشاركه حكم آخر، او قضية اخرى، واما ان يوجد مشاركًا لقضية اخرى وذلك من غير ان يتصل بالمطلوب. فان اخذ المشارك لاحد طرفي المطلوب الذي هو ا وب قضية واحدة فقط، مثل ان نأخذ ان ا مشاركة ل ‍يحمل احدهما على صاحبه، فهو بيّن انه ليس يلزم عن ذلك ان تكون ا مشاركة ل ب ، اي محمولة بايجاب او بسلب على ب ، ما لم يشارك ﺟ‍ ب ، وان اخذنا ا مشاركة ل و ‍ مشاركة ل د يحمل بعضها على بعض، فهو بيّن ايضًا انه يكون عن ذلك قياس، الا انه يكون قياس على المطلوب الذي طلب، اعني على وجود ا في ب او سلبها عنه. ولو اخذنا الامور المشاركة لاحد الطرفين الى غير نهاية من غير ان يشارك الطرف الآخر، مثل ان نأخذ ان ا مشاركة لل ‍ ، وال وال د ، الد لل ه ، فانه ليس يلزم عن ذلك ان تكون ا مشاركة ل ب ، اما بحمل ايجاب او سلب، ما لم يكن المشارك لل الف مشاركًا لل ب . فان القياس غير المحدود انما يكون عن مقدمات غير محدودة، اعني ان القياس يكون على غير مطلوب محدود. واما القياس المحدود، اعني الذي يكون على مطلوب محدود، فانه يجب ان يأتلف من مقدمات محدودة مشاركة لطرفي المطلوب. ولذلك ما يجب ان يكون اقل القياس المحدود انما يأتلف من مقدمتين تشتركان بحدّ اوسط وتختلفان بطرفي المطلوب، والا لم يمكن ان يبيّن ان شيئًا محمول على شيء من اجل حمل شيء على شيء، مثل ان تكون ا مشاركة لل ،‍ واﳉ مشاركة لل ب ، فحينئذٍ يجب ان تكون ا مشاركة لل ب . فقد تبيّن من هذا ان كل قياس فانه يكون من مقدمتين وثلاثة حدود: حدّ اصغر واوسط واكبر. القول في انحصار قياس الحملي في الاشكال الثلثة وان الشكل الرابع ليس بشكل طبيعي واما ان كل قياس حملي مؤلف على مطلوب محدود فانه يكون احد هذه الثلاثة الاصناف من المقاييس الحملية، اعني الشكل الاول والثاني والثالث، وانه ليس يوجد شكل رابع. فهو ظاهر من ان الحدّ الاوسط الذي يؤخذ مشاركًا للطرفين، مثل ان نأخذ ال ﺟ مشاركة لل ب واﻝالف اللذين هما طرفا المطلوب، لا يخلو من ثلاثة احوال: اما ان يكون موضوعًا للطرف الاكبر محمولاً للاصغر، مثل ان تكون ا مقولة على و مقولة على ب ، وهذا هو الشكل الاول؛ او يكون محمولاً عليهما جميعًا، وهذا هو الشكل الثاني؛ او يكون موضوعًا لهما، وهذا هو الشكل الثالث. واما ان يؤخذ محمولاً على الاكبر موضوعًا للاصغر فليس يمكن لان المحمول على الاكبر محمول على الاصغر، اذ كان الاكبر محمولاً في الطلب بالطبع على الاصغر، فيكون الشيء بعينه محمولاً على نفسه وذلك مستحيل. هذا اذا اعتبر الحدّ الاوسط بحسب المطلوب المفروض؛ واما اذا اعتبر بحسب المشاركة فانه ينتج غير المطلوب الذي هو عكسه، فهو بهذه الجهة ان عدّ هذا التأليف شكلاً رابعًا، كما يضعه ⟪جالينوس⟫، فانما يكون صنفًا من اصناف الشكل الاول على مطلوب غير مفروض لا شكلاً رابعًا، ولذلك ليس تقع عليه فكرة بالطبع، ولا يوجد في كلام قياسي ولا برهاني ولا ظني. فقد تبيّن من هذا القول ان كل قياس حملي فانه انما يكون ضرورة احد هذه الاصناف الثلاثة، وان كان المطلوب الواحد بعينه يتبيّن باوساط كثيرة، مثل ان يبيّن ان اﻝالف موجودة في ال ب بوجود ا في ال وال في ال د وال د في ال ه ‍وال ‍ ه في ال ب ؛ فهو قياس مركب من واحد من هذه الاشكال الثلاثة او من اثنين منها او ثلاثة. القول في بيان اجزاء قياس الخلف واحتباجه ال‏ى القياس الشرطي والى القياس الحملي اضطرارًا واما ان قياس الخلف ايضًا مركب من واحد من هذه الاشكال الثلاثة ومن القياس الشرطي، فذلك يبيّن من ان قياس الخلف انما يكون بسياقة الكلام فيه الى المحال بقياس حملي ومن ان المطلوب فيه الاول انما يلزم ويبيّن بقياس شرطي. مثل ان نقول ان القطر اما ان يكون مشاركًا لضلع المربع او مباينًا له، ثم نبيّن المستثنى من هذا القياس الشرطي وهو انه لا يكون مشاركًا بقياس حملي يؤدى الى المحال، وذلك بأن نقول: لانه ان كان مشاركًا كانت نسبة مربع احدهما الى الآخر نسبة عدد مربع الى عدد مربع، فيلزم عن ذلك ان تكون نسبة مربع الضلع الى مربع القطر نسبة عدد مربع الى عدد مربع، وقد تبيّن في العاشر من كتاب الاسطقسات ان نسبة المربعين احدهما الى الآخر ليست كنسبة عدد مربع الى عدد مربع وهي نسبة الاثنين الى الواحد، هذا خلف لا يمكن؛ فاذا تبيّن انه غير مشارك استثنيناه من القياس الشرطي الذي استعملناه اولاً، وهو قولنا: القطر اما مباين واما مشارك، فقلنا: لكنه غير مشارك، فهو ضرورة مباين. وهذا هو القياس الشرطي المنفصل الذي يأتلف من المتعاندات التامة العناد، الذي متى استثنينا احدهما انتج مقابل الثاني على ما قيل في المقاييس الشرطية. فالمحال، كما قلنا في هذا القياس، يبيّن بقياس حملي، والمطلوب يبيّن بقياس شرطي. القول في بيان احتياج قياسات الشرطية الى الحملية اضطرارًا واما القياس الشرطي فانه تبيّن ايضًا من امره انه لا يستغني عن القياس الحملي، وذلك ان القياس الشرطي جنسان اولان: احدهما ⟪القياس المتصل⟫ وهو الذي يتركب من المتلازمات ويرتبط بحروف الشرط التي تعطي الاتصال، مثل قولنا: ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. والشيء الذي يلزم عنه الشيء يسمى المقدم، واللازم التالي. وهو صنفان: احدهما يستثنى فيه المقدم بعينه فينتج التالي بعينه، مثل قولنا: لكن الشمس طالعة فالنهار موجود؛ والثاني يستثنى فيه مقابل التالي فينتج مقابل المقدم، مثل قولنا: لكن النهار غير موجود فالشمس ليست بطالعة. والجنس الثاني ⟪الشرطي المنفصل⟫، وهو يتركب من المعاندة التامة العناد وتقرن به حروف الشرط التي تدل على الانفصال، مثل قولنا: هذا الوقت اما ليل واما نهار. وهذه اربعة اصناف وذلك انه: يستثنى فيه المقدم بعينه فينتج مقابل التالي، ويستثنى فيه التالي بعينه فينتج مقابل المقدم، ويستثنى فيه مقابل المقدم فينتج التالي، ويستثنى فيه مقابل التالي فينتج المقدم؛ وذلك انّا قد نقول: لكنه ليس بليل فهو نهار، او لكنه ليس بنهار فهو ليل، او لكنه ليل فليس نهارًا، او لكنه نهار فليس بليل. واذا كانت اجناس القياسات الشرطية الاول هي هذان الجنسان، فكلاهما اذا تؤمل الامر فيهما ظهر ان المطلوب فيهما هو الذي تبيّن فيهما بجهة الشرط، واما المستثنى فانه يحتاج الى ان يبيّن بقياس حملي في الشرطي المنفصل والمتصل اذا كان التعاند والاتصال فيها بيّنا بنفسه. وذلك انه اذا كان الاتصال فيها بيّنا بنفسه والمستثنى بيّنا بنفسه، كان اللازم بيّنا بنفسه، وذلك ظاهر جدًا في الشرطي المنفصل. فانه اذا كان التعاند بيّنا بنفسه والمستثنى بيّنا بنفسه فالمطلوب بيّن بنفسه؛ لانه ان كان بيّنا ان العالم لا يخلو ان يكون اما محدثًا واما قديمًا، وكان بيّنا بنفسه انه ليس بقديم، فكونه محدثًا بيّن بنفسه ضرورة. ويشبه ان يكون الامر كذلك في الشرطي المتصل، فانه اذا كان وجود الحركة بيّنا بنفسه. ووجودها عن الطبيعة بيّنا بنفسه من غير وسط، فوجود الطبيعة بيّن، وكذلك ان كانت افعال النفس بيّنة الوجود بنفسها، وبيّنة الوجود عن النفس، فالنفس بيّنة الوجود بنفسها؛ وكذلك ان كانت الحركة معلومة الوجود، ومعلوم بنفسه وجودها عن محرك، فالمحرك معلوم الوجود بنفسه، وان كان عدم الحركة في شيء ما بيّن الوجود بنفسه فعدم المحرك هنالك بيّن الوجود بنفسه. وبالجملة فانت اذا تأملت البراهين التي تخرج مخرج الشرط في العلوم، وذلك في المطلوب بالطبع، وجدت ⟪اما⟫ الاتصال فيها بيّنا بوسط و⟪اما⟫ الاستثناء، وهذا انما يلزم في المقاييس الشرطية التي ليست هي حملية بالقوة وهي الشرطية الحقيقية؛ واما التي هي بالقوة حملية فتلك حملية اخرجت مخرج الشرط، ولذلك امكن في هذه ان يبيّن بها المطلوب بذاتها ومفردة بزيادة مقدمة. وهذا النوع من الشرطيات هو الذي يشارك المقدم التالى بحدّ واحد، وقد تقصّينا ذلك في قول افردناه لذلك. واما اذا كان الامران في القياس الشرطي معلومين بانفسهما فانه لا يستعمل اصلاً في بيان شيء مجهول بالطبع، وان كانت قد تستعمل في بيان ما هو اقل خفاء من المجهول بالطبع مثل استعمال الاستقراء وما اشبهه. وليس لقائل ان يقول انه كما قد تكون المقدمتان في القياس الحملي معلومتين بانفسهما والنتيجة مجهولة، كذلك قد يتفق ان يكون الامر في القياس الشرطي، اعني ان تكون المقدمتان معلومتين بانفسهما اعني الشرطية والمستثناة، وتكون النتيجة مجهولة. فانه انما اتفق ان كانت المقدمتان في القياس الحملي معلومتين والنتيجة مجهولة لان المقدمتين لم تأتلفا بعد في الذهن التأليف الذي يلزم عنه النتيجة. واما المقدمتان في القياس الشرطي فانها ليست محتاجة الى التأليف في لزوم ما يلزم عنها لان اللزوم هو احد المقدمات، ولذلك لا يدخل تحت حدّ القياس كما ظن ابو نصر اذ اللزوم في القياس الحملي يتولّد عن المقدمتين وهو في القياس الشرطي احد ما يوضع. فما قاله ابو نصر من انه يدخل تحت حدّ القياس لكونه من مقدمتين احداهما المقدم والثاني اللزوم ليس بصحيح لان اللزوم ليس هو جزءا من القياس وانما هو تابع؛ ولو كان القياس الشرطي قياسًا لكان يوجد قياس من مقدمة واحدة لان اللزوم هو فعل القياس. فهكذا ينبغي ان يفهم هذا الموضع من ارسطو، لا على ما يقوله في ذلك ابو نصر، ولا على ما يتشكك في ذلك عليه ابن سينا. وبالجملة فبالاستقراء الذي ارشدنا اليه يظهر ما يقوله ارسطو في هذا الامر ظهورًا بيّنًا، لانه قد تبيّن من قولنا ان كثيرًا من الاشياء المعلومة بانفسها، مثل وجود النفس وغيرها، انما علمناها بهذا النحو من البيان، ومحال ان يكون طريق واحد بعينه يستعمل في الوقوف على المعلوم بنفسه والمجهول بالطبع. وكذلك المقاييس التي نسميها ⟪الاقترانية⟫ وهي المؤتلفة من مقدمتين شرطيتين تشتركان بحدّ اوسط وهي مقاييس حمليه في الحقيقة اخرجت مخرج الشرط، وقد بيّنا ذلك في غير هذا الموضع. فقد تبيّن ان جميع اجناس المقاييس انما يتم بالشكل الاول، وانها تنحلّ الى الكلية منها على ما سلف، وذلك ان ما عدا الحملية تتم بالحملية والحملية تتم بالشكل الاول، والجزئية التي في الشكل الاول بالمقاييس الكلية التي فيه على ما تبيّن . -٢٣- [وضع الكيفية والكمية في المقدمات] القول في شروط الاشكال الحملية الثلثة وبيّن انه واجب ان يكون في كل قياس منتج مقدمة موجبة كيف كانت في كميتها، ومقدمة كلية كيف ما كانت في كيفيتها. وذلك انه اذا لم يكن هنالك مقدمة كلية: فاما الاّ يكون هنالك قياس، واما ان يكون على غير المطلوب، واما ان تكون المقدمة نفسها هي المطلوب. مثال ذلك ان كان المطلوب: هل اللذة بالموسيقى خير؟ فان ما يمكن ان يوجد في بيان هذا المطلوب لا يخلو من ان يكون المطلوب نفسه او غيره؛ ثم ان كان غيره فانه لا يخلو من ثلاثة احوال: اما ان تكون المقدمة المأخوذة في ذلك مهملة وهي ان اللذة خير، او تكون جزئية وهي ان بعض اللذات خير، او تكون كلية وهي ان كل لذة خير. فان اخذت المقدمة مهملة، وهو ان اللذة خير، لم تأمن ان تكون هذه المهملة تصدق من اللذات على غير اللذة الموسيقية فلا يتضمن المطلوب وهو ان اللذة الموسقية خير. وكذلك ان صرّحنا ايضًا فيها بالسور الجزﺋﻲ فقلنا: بعض اللذات خير. ولذلك ان انتجت امثال هذه دائمًا فغير المطلوب، مثل ان يكون قولنا: بعض اللذات خير صادقًا على لذة العلم، وكذلك المهملة ينتج عن ذلك ان لذة العلم خير الا انه ليس هي المطلوب. واما ان اخذ المطلوب نفسه فهو بيّن انه ليس يكون قياس. فلا بدّ في القياس المنتج من ان يكون الطرف الاصغر منطويًا تحت الاوسط انطواء الجزﺋﻲ في الكلي حتى تكون نسبة احداهما الى الآخر هي نسبة الجزء الى الكل، وذلك بالفعل في الشكل الاول، وبالقوة في الشكل الثاني والثالث. ومن هنا تبيّن انه واجب ان تكون المقدمة المنطوية تحت المقدمة الكلية موجبة، لانها ان كانت سالبة لم تنطو تحتها ولا وجدت فيها هذه النسبة. ولذلك كان معنى ⟪المقول على الكل⟫ الذي يتضمن هذه النسبة موجودًا بالفعل في الشكل الاول وفي الثاني والثالث بالقوة. فقد تبيّن من هذا القول ان كل قياس فواجب ان تكون فيه مقدمة كلية وموجبة، وان النتيجة الكلية انما تبيّن عن مقدمات كلية، وان النتيجة الجزئية قد تبيّن عن مقدمتين احداهما جزئية، وذلك في الشكل الاول والثاني، وقد تبيّن عن مقدمتين كليتين وذلك في الشكل الثالث. واذا كان ذلك كذلك فالنتيجة الكلية لا تبيّن ضرورة الا عن مقدمتين كليتين. واما النتائج الجزئية فقد تبيّن عن الصنفين جميعًا، اعني عن الكليتين وعن الكلية والجزئية. وهو بيّن ايضًا انه واجب ان تكون كلتا المقدمتين او احداهما شبيهة في جهتها وكيفيتها بالنتيجة، اعني انه ان كانت النتيجة ضرورية او ممكنة او مطلقة فانه اما ان تكون كلتا المقدمتين بتلك الجهة او احداهما، وذلك في المقاييس التي تنتج نتيجة واحدة وهي المنتجة بما تتضمن من معنى ⟪المقول على الكل⟫. وهو بيّن ايضًا مما قيل متى يكون قياس منتج ومتى يكون غير منتج، والمنتج ايضًا متى يكون ناقصًا ومتى يكون تامًا، وانه متى كان قياس حملي فبالضرورة ان تكون الحدود فيه مرتبة احد تلك الانحاء الثلاثة التي وصفنا. -٢٤- [تعيين عدد الحدود والمقدمات والنتائج] القول في ان القياس الحملي اﺋﺘﻠﻒ من مقدمتين وثلثة حدود لا اكثر من ذلك ولا اقل وهو بيّن ايضًا ان كل نتيجة فانها تكون بثلاثة حدود لا اقل من ذلك ولا اكثر ان لم تكن النتيجة الواحدة بعينها تتبيّن بمقاييس كثيرة. وذلك يكون على ضربين: احدهما ان تكون النتيجة الواحدة بعينها تتبيّن بمقاييس كثيرة كل واحد منها كاف في انتاج النتيجة اعني مفردًا وبذاته. ولتعلم ان ذلك ممكن بنحوين، احدهما مثل ان تبيّن نتيجة ‍ مثلا بمقدمتي ا ب على حدة وبمقدمتي ج‍ د على حدة، او بمقدمتي ا ب على حدة وبمقدمتي ا ك على حدة او ب ل على حدة. والضرب الثاني ان تكون المقدمتان المنتجتان للنتيجة المفروضة نتائج عن مقدمات اخر اما كلاهما واما احداهما. مثال ذلك ان تكون نتيجة ‍ منتجة بمقدمتي ا و ب ، وتكون مقدمة ا منتجة بمقدمتي د ﻫ ، ومقدمة ب منتجة بمقدمتي و ز ، او تكون مقدمة ا منتجة بمقدمتي ‍ د ﻫ وتكون مقدمة ب مبيّنة بالاستقراء او بيّنة بنفسها من اول الامر. فعلى الجهة الاولى تكون المقاييس كثيرة والنتيجة واحدة، وعلى هذه الجهة تكون المقاييس كثيرة والنتائج كثيرة لانها في هذا المثال ثلاثة وهي: ‍ التي هي النتيجة الاخيرة، و ا و ب اللذان هما مقدمتا نتيجة ‍ ونتيجتا مقدمتي ‍ د ﻫ و ز و . فاما متى لم تكن مقاييس كثيرة لنتيجة واحدة وانما هو قياس واحد، فانه لا يمكن ان تكون نتيجة واحدة عن اكثر من حدود ثلاثة لانه تبيّن ها هنا انه لا يكون قياس عن اقل من مقدمتين. فلننزل انه يكون عن قياس واحد نتيجة واحدة من اربع مقدمات وستة حدود، مثل ان ننزل ان ‍ مثلاً منتجة عن مقدمتي ا ب ومقدمتي ﺟ‍ د ، ولأنه قد تبيّن ان كان مزمعًا ان يكون عن مقدمتي ا ب قياس ان تكون نسبة احداهما الى الاخرى نسبة الجزء الى الكل، فان كانت نسبة احداهما الى الاخرى نسبة الجزء الى الكل فانه يكون عنهما ضرورة نتيجة. فان كانت عنهما نتيجة، فلا تخلو من ثلاثة احوال: اما ان يكون عنهما نتيجة المفروضة، واما ان تكون النتيجة احدى مقدمتي ﺟ‍ د ، واما ان تكون النتيجة شيئًا آخر غير هذين. ثم في كل واحد من هذه الاقوال الثلاثة لمقدمتي ا ب لا تخلو ايضًا مقدمتا ج‍ د من ان تكون نسبة احداهما الى الاخرى نسبة الكل الى الجزء او لا تكون؛ فان كانت فتحدث عنهما ضرورة نتيجة، ثم هذه النتيجة ايضًا لا تخلو من تلك الاحوال الثلاثة: اما ان تكون نتيجة ‍ المطلوبة، واما ان تكون النتيجة احدى مقدمتي ا ب ، واما ان تكون النتيجة شيئًا آخر غير هذين. فان كانت النتيجة الحادثة عن مقدمتي ا ب هي نتيجة المطلوبة، وكانت عن مقدمتي ﺟ د نتيجة ما بأن تكون نسبة احداهما الى الاخرى نسبة الكل الى الجزء، فانه ان كانت تلك النتيجة هي نتيجة ‍ او هي احدى مقدمتي ا ب ، فانه تكون قياسات كثيرة على نتيجة واحدة وذلك شيء غير ممتنع. وان كانت نتيجة مقدمتي ﺟ‍ د غير نتيجة وغير احدى مقدمتي ا ب ، فانه تكون مقاييس كثيرة على مطالب كثيرة غير متصل بعضها ببعض. واما ان لم تكن نسبة مقدمتي ج‍ د احداهما الى الاخرى نسبة الكل الى الجزء فانه ليس يكون لها غناء في نتيجة ﻫ الا ان تؤخذ على جهة الاستقراء لتصحيح مقدمتي القياس، او لستر النتيجة واخفائها، او لغير ذلك من الاشياء التي تؤخذ له المقدمات التي ليست ضرورية في الانتاج، على ما تبيّن في ⟪الثامنة من الجدل⟫. فهذا ما يلزم متى فرضنا ان نتيجة مقدمتي ا ب هي ‍. واما ان كانت نتيجة مقدمتي ا ب غير ال ‍ ، وغير احدى مقدمتي ﺟ‍ د ، فانه ايضًا لا يخلو ان تكون نتيجة مقدمتي ﺟ‍ د : اما نتيجة ‍ ، واما احدى مقدمتي ا ب ، واما اشياء اخر غير هذين، واما ان تكون مقدمتا ﺟ‍ د غير منتجة اصلاً. فان كانت نتيجة مقدمتي ا ب غير ال ‍ وغير احدى مقدمتي د ، وكانت نتيجة مقدمتي ﺟ‍ د غير ال ‍ وغير احدى مقدمتي ا ب ، فانه ليس يكون قياس على مطلوب واحد فضلاً على المطلوب بعينه وتكون مقاييس كثيرة. وان كانت نتيجة مقدمتي ﺟ‍ د هي ال ‍ فانه ايضًا تكون مقاييس كثيرة على مطالب كثيرة. وان كانت مقدمتي ﺟ‍ د احدى مقدمتي ا ب فانه تكون ايضًا مقاييس كثيرة على مطلوب واحد الا انه غير المطلوب. وان كانت مقدمتا ﺟ د غير منتجة فانه لا يكون لها غنا في نتيجة مقدمتي ا ب مع ان نتيجة مقدمتي ا ب هي غير المطلوب. واما ان كانت نتيجة مقدمتي ا ب احدى مقدمتي ﺟ‍ د فان مقدمتي ﺟ‍ د لا تخلو ايضًا من تلك الثلاثة احوال: اما ان تكون نتيجة ل ، واما لاحدى مقدمتي ا ب ، واما لشيء آخر غيرها. فان كانت نتيجتها ‍ فانه تكون مقاييس كثيرة على المطلوب الواحد وقد تبيّن ان ذلك غير ممتنع، وان كانت نتيجتهما احدى مقدمتي ا ب فانه يكون البيان دورًا ولا يكون هنالك قياس على المطلوب. وان كانت نتيجتهما، اعني مقدمتي ﺟ‍ د ، غير ال ‍ وغير احدى مقدمتي ا ب ، فانه تكون ايضًا مقاييس كثيرة على مطلوب واحد الا انه غير المطلوب. واما ان كانت مقدمتا ﺟ‍ د غير منتجة اصلاً فانه ليس يكون لها غنا في الانتاج ويكون باطلاً، ويكون هنالك قياس واحد لكن على غير المطلوب. فقد تبيّن ان جميع الوجوه التي يمكن ان يتصور بها ان مطلوبًا واحدًا يبيّن عن قياس واحد مركب من اكثر من مقدمتين مستحيل. وبهذا بعينه تبيّن انه لا يمكن ان يبيّن مطلب واحد بقياس واحد هو مركب من اكثر من ثلاثة حدود، وذلك ما قصدنا بيانه. واذ تبيّن ان كل قياس بسيط فانه لا يكون من اكثر من ثلاثة حدود، وكانت الثلاثة حدود هي مقدمتان فقط، فكل قياس لا يكون باكثر من مقدمتين وثلاثة حدود، وقد كان تبيّن انه لا يكون بأقل. فكل قياس بسيط فلا يكون باكثر من ثلاثة حدود ولا باقل. القول في القياس الموصول وبيان خاصته واذا تبيّن هذا فهو بيّن ايضًا ان كل قياس بسيط، او مركب من مقاييس بسيطة، تام التركيب غير ناقص منه مقدمة من المقدمات الضرورية في النتيجة الاخيرة، فهو مؤلف من مقدمات ازواج وحدود افراد لان الحدود اكثر من المقدمات بواحد، وان اي قياس كان بهذه الصفة ولم تكن مقدماته ازواجًا فانه غير منتج، الا ان يكون اخذ فيه مقدمة ليست ضرورية في الانتاج او حذف منه بعض المقدمات الضرورية. وخاصة هذا القياس ان تكون النتائج فيه نصف المقدمات لان عن كل مقدمتين نتيجة. والقياس المركب الذي بهذه الصفة يسمى ⟪الموصول⟫ وهو الذي يصرح فيه كما قلنا بجميع المقدمات الضرورية في انتاج المطلوب ويصرح فيه بالمقدمات الوسط مرتين: مرة من حيث هي نتائج، ومرة من حيث هي مقدمات. واعني بالوسائط المقدمات التي بين المطلوب الاول وبين المقدمات الاول التي ائتلفت منها الاقيسة البسائط التي اليها ينحل القياس المركب وهي المعروفة بنفسها. مثل ان نبيّن ان ا موجودة في ب بمقدمتي ‍ و د ، ونبيّن كل واحدة من هاتين المقدمتين بمقدمتين ايضًا. مثال ذلك ان نبيّن مقدمة ‍ بمقدمتي ﻫ‍ ز ، ومقدمة د بمقدمتي ﺣ ك ، وتكون مقدمات ﻫ ز ﺣ ك الاربعة بيّنة بنفسها. فتكون جميع مقدمات هذا القياس، ما خلا هذه الاربع: مرة هي نتائج، ومرة هي مقدمات، اعني نتائج بالاضافة الى ما تحتها، مقدمات بالاضافة الى ما فوقها. القول في القياس المفصول وبيان خاصته واما القياس المركب الذي يسمى ⟪المفصول⟫، وهو الذي انما يصرّح فيه: اما بجميع المقدمات فقط دون النتائج اللازمة عنها، واما ببعض المقدمات. فانه من جهة انه ليس يصرح فيه بجميع المقدمات تكون خاصته ان الحدود التي فيه تزيد ابدًا على المقدمات بواحد؛ الا انه ليس تكون المقدمات ابدًا ازواجًا والحدود افرادًا كما كانت في القياس المركب الموصول، بل خاصة هذا انه متى كانت المقدمات ازواجًا كانت الحدود افرادًا ومتى كانت المقدمات افرادًا كانت الحدود ازواجًا، لان هذه هي خاصة الاعداد التي يزيد احدهما على الآخر بواحد. فمتى كانت المقدمات افرادًا والحدود ازواجًا وزيد هنالك فرد آخر، انعكس الامر فصارت المقدمات ازواجًا والحدود افرادًا. ولما كان يلحق هذا القياس ان المقدمات فيه يتصل بعضها ببعض اذ ليس تحول بينهما النتائج التي يصرح بها في القياس الموصول بل تحذف ها هنا حذفًا، وجب ان تحفذ فيه مع كل ثلاثة حدود نتيجة، فمنها ما لها غنا في انتاج المطلوب، ومنها ما ليس لها غنا وهي النتائج المسماة ⟪فوائد⟫. واذا كان هذا هكذا كانت النتائج الحادثة في هذا القياس اكثر كثيرًا من الحدود والمقدمات، اعني متى كانت الحدود اكثر من اربعة، ومتى زيد حدّ واحد، تزيد نتائج اقل من الحدود التي زيد عليها الحدّ بواحد، لانه لا يجتمع من الحدّ المزيد ومن الحدّ الذي يليه نتيجة، وانما يجتمع منه ومن الحدّ الثالث ثم منه ومن الرابع وهكذا الى آخر الحدود. وسواءً كان الحدّ المزيد في الطرف الاسفل وهو ان يكون موضوعًا للموضوع الاول، او في الطرف الاعلى وهو ان يكون محمولاً على المحمول الاخير، او كان ايضًا مزيدًا في الوسط، وذلك انه اذا كان في الوسط عمل ايضًا مع الحدود التي فوقه والتي تحته نتائج ما خلا الحّدين اللذين يليانه اللذين احدهما من فوق والآخر من اسفل. مثال ذلك انه اذا كانت معه حدود اربعة، وهي حدود ا ب ﺟ‍ د ، فانه يكون عن هذه الحدود ثلاث نتائج: نتيجة لحدود ا ب ، ونتيجة لحدود ا ﺟ‍ د ، ونتيجة لحدود ب ﺟ‍ د ، فان زيد عليها حدّ واحد وهو مثلاً ‍ ، حدثت ثلاث نتائج: نتيجة لحدود ‍ ﻫ‍ د ج ، ونتيجة لحدود ﻫ‍ ﺟ‍ ب ، ونتيجة ايضًا لحدود ﻫ‍ د ا فتكون اكثر من الحدود، وتكون النتائج الحادثة عن الحدّ المزيد اقل من الحدود التي اضيف اليها الحدّ المزيد بواحد. فبهذه السبارات يمكن ان يوقف على معرفة نوعي القياس المركب الموصول والمفصول. فانه اذا لم تلف فيه هذه الخواص، ولم تكن هنالك مقدمات زيدت لغرض من الاغراض التي تزاد فيه المقدمات التي ليس لها غناء في انتاج المطلوب، فهو بيّن ان القول ليس بقياس مركب اصلاً لا موصولاً ولا مفصولاً، وما وجدت فيه خواص الموصول فهو موصول، وما وجدت فيه خواص المفصول فهو مفصول. فصل -٢٥- انواع القضايا التي تثبت او تبطل في كل شكل القول في ان اي المطلوبات عليه الاستدلال اصعب وايّها اسهل ولان ضروب النتائج التي تكون عن المقاييس عندنا معلومة، وفي كم من شكل تكون النتيجة الواحدة بعينها، وفي كم من صنف في ذلك الشكل، يكون قد ظهر لنا من ذلك اي ضرب من ضروب النتائج والمطلوبات يكون وجود القياس عليه اصعب، واي ضرب من ضروب النتائج يكون وجود القياس عليه اسهل. لانه من البيّن ان الضرب الذي يتبيّن عن مقاييس اكثر اشكالاً واكثر اصنافًا من اصناف الشكل الواحد بعينه، اسهل من التي تتبيًن عن مقاييس اقل اشكالاً واقل اصنافًا. فاما الموجب الكلي فقد تبيّن انه لا يتبيّن الا في الشكل الاول وذلك في صنف واحد منه؛ واما السالب الكلي فقد تبيّن ايضًا انه يتبيّن في شكلين: في الاول وفي الثاني، ويتبيّن في الاول في صنف واحد فقط، وفي الثاني في صنفين اثنين. واما الموجب الجزﺋﻲ فقد تبيّن ايضًا انه ينتج في الشكل الاول والثالث: اما في الشكل الاول ففي صنف واحد منه، واما في الثالث ففي ثلاثة اصناف منه؛ وكذلك تبيّن ان السالب الجزﺋﻲ ينتج في الاشكال كلها: اما في الاول ففي صنف واحد، واما في الثاني ففي صنفين، واما في الثالث ففي ثلاثة اصناف. واذا كان هذا كله كما وصفنا فان اعسرها اثباتًا هو الموجب الكلي اذ كان يثبت بطريق واحد، وانه اسهلها كلها ابطالاً اذ كان يبطل باثبات السالب الجزﺋﻲ، والسالب الجزﺋﻲ اسهلها اثباتا اذ كان يثبت باكثرها طرقًا، وايضًا فانه يثبت بالسالب الكلي. وبالجملة فابطال الكلي اسهل من اثباته اذ كان يبطل بثبوت نقيضه وهو الجزئي، وبثبوت مضاده وهو الكلي. والسالب الكلي يثبت في شكلين ويبطل في شكلين، الا ان ابطاله اسهل من اثباته وذلك انه يبطل باثبات الجزئي الموجب والكلي الموجب ويثبت بجهة واحدة وهو انتاجه نفسه. واما المطلوبات الجزئية فاثباتها اسهل من ابطالها، وذلك انها تثبت من جهتها انفسها. وهي تتبيّن باشكال كثيرة وفي اصناف كثيرة ومن جهة اثبات الكلي الذي يشتمل عليها، وتبطل من جهة الكلي المناقض لها فقط. ولذلك كان اعسرها ابطالاً هو السالب الجزئي اذ كان انما يبطل باعسرها اثباتًا وهو الموجب الكلي. وبالجملة فاثبات الموجب اعسر من اثبات السالب، وذلك ان السالب الجزئي يتبيّن بطرق اكثر من الطرق التي يتبيّن بها الموجب الجزئي. وكذلك السالب الكلي يتبيّن بطرق اكثر من الاي يتبيّن بها الموجب الكلي، ولان اثبات السلب هو ابطال الوجود. فعلى هذه الجهة قد يصح ان يقال ان الابطال اسهل من الاثبات، واما اذا اخذ الاثبات والابطال للكلي والجزئي، كان ابطال الكلي اسهل من اثباته والجزئي بالعكس. فقد تبيّن مما قيل كيف يكون ترتيب الحدود في المقاييس، ومن كم من حدود، ومن كم من مقدمة تكون، وكيف ينبغي ان تكون نسبة المقدمات بعضها الى بعض، واي مطلوب يتبيّن في اي شكل، وما يتبيّن منها في اشكال قليلة وما يبيّن منها في اشكال كثيرة. وهنا انقضى الفصل الاول من هذه المقالة. الفصل الثاني -٢٦- [قواعد عامة لا كتساب الاقيسة الحملية] القول في القوانين التي يستنبط بها القياس ومقدماته قال : وقد ينبغي ان نعلم كيف يستنبط القياس، على كل مطلوب تقصد معرفته، وبأي سبيل نأخذ مقدمات كل قياس. فانه ليس ينبغي لنا ان نكون عالمين بالقياس فقط، بل وان تكون عندنا قوانين نقدر بها على ان نكون بها عاملين للقياس؛ وذلك يتم بمعرفة صنفين من القوانين: احدهما معرفة القوانين التي بها يستنبط القياس، والثاني معرفة القوانين التي بها تستخرج مقدمات القياس. فنقول : ان الاشياء الموجودة: منها ما لا يحمل على شيء البتة الا بالعرض وعلى غير المجرى الطبيعي، ويحمل عليها غيرها، وهي اشخاص الجواهر المحسوسة مثل زيد وعمرو وخالد، فانا قد نقول ان زيدًا هذا هو انسان وهو حيوان فنحمل عليه غيره ولا نحمله على غيره الا بالعرض، مثل ان نقول ان هذا الابيض هو زيد. ومنها ما يحمل عليها شيء وتحمل هي على شيء، وهذه هي مثل حملنا الانواع على الاشخاص وحمل الاجناس على الانواع، مثال ذلك حمل الحيوان على الانسان، وحمل الانسان على زيد وعمرو. وهذان الصنفان بيّن وجودهما بنفسه. ومنها صنف ثالث وهي الاشياء التي تحمل على شيء ولا يحمل عليها شيء اصلاً وذلك على المجرى الطبيعي. وسنبيّن وجود هذا الصنف من المحمولات في ⟪كتاب البرهان⟫، فان هنالك يبيّن ان الأشياء المحمولة بعضها على بعض تنتهي بالجملة الى محمول آخر يحمل عليه محمول اصلاً. واذا تقرر هذا، وكان بيّنًا على اكثر الفحص والطلب انما هو في الاشياء المتوسطة بين هذين الطرفين، اعني التي تحمل على شيء ويحمل عليها شيء، فهو بيّن ان كل مطلوب يكون في هذا الجنس ان المحمول فيه والموضوع يلحقه انه يحمل كل واحد منهما على شيء ويحمل عليه شيء. القول في القوالين التي نحصّل بها مقدمات القياس واذا تقرر هذا ايضًا فالسبيل التي بها نصل في الجملة الى مقدمات كل مطلوب يكون داخلاً في هذا الجنس من الموجودات، اعني المتوسطة، تكون: بأن نقسم اولاً المطلوب الى حدّيه اللذين هما المحمول والموضوع اذ كل مطلوب ينقسم الى هذين الحدّين؛ ثم ننظر في الاشياء التي توجد لكل واحد من هذين الحدّين، اعني الاشياء التي توجب لمحمول المطلوب والتي توجب لموضوعه، وتلك هي الحدود والاجناس والفصول والخواص والاعراض اللاحقة للشيء؛ وفي الاشياء ايضًا التي يوجد لها كل واحد من جزئي المطلوب، اعني الاشياء التي يوجب لها موضوع المطلوب والاشياء التي يوجب لها محموله؛ وفي الاشياء ايضًا التي تسلب عن كل واحد من هذين الحدين، وهي باعيانها الاشياء التي يسلب عنها كل واحد من هذين الحدين اذ كانت السوالب قد تبيّن انها تنعكس. وينبغي عندما نفعل هذا ان نميز ايّ من هذه المحمولات هي حدود لاحد الحدّين او لكليهما، وايّ هي اجناس، وايّ هي خواص، وايّ هي اعراض لاحقة. وكذلك ينبغي ان نميّز ايضًا ايّ من هذه هو حدّ بالحقيقة، او جنس، او خاصة، او عرض، وايّ منها هو حدّ بحسب الرأي المشهور، او جنس، او خاصة، او عرض، لنستعمل من ذلك اللائق بصناعة صناعة. فما كان من ذلك بالحقيقة استعمل في صناعة البرهان، وما كان من ذلك بحسب الرأي المشهور استعمل في صناعة الجدل. وبالجملة فكلما اكثرنا من اكتساب انواع المقدمات كان اسرع لوجود المطلوب. وينبغي الاّ يؤخذ من اللواحق الا اللواحق العامة لكلى الحدين وهي المحمولة على كل واحد منهما، لا اللواحق الخاصة وهي الجزئية، اعني المحمولة على بعضها. مثال ذلك انه ان كان المطلوب: هل الانسان كذا؟ فانه ليس ينبغي ان نختار ما هو لاحق لانسان ما، بل ما هو لاحق لكل انسان، لانه لا يكون قياس الا من المقدمات الكلية كما تبيّن. وكذلك لا ينبغي ان تؤخذ المقدمات مهملة لان المهملة قوتها قوة الجزئية على ما تبيّن، وليس يبيّن من امرها هل هي كلية ام ليست بكلية. وكذلك ينبغي ان نختار من الاشياء التي يلحقها كل واحد من الحدّين الاشياء الكلية. مثال ذلك ان نختار ما يلحقه الانسان كله لا بعضه، والسور ابدًا يجب ان يقرن بموضوع المقدمة المستنبطة لا بمحمولها، لأنه اذا قرن بمحمولها كان اما مستحيلاً واما غير نافع في القياس، على ما تبيّن في الكتاب المتقدم. واذا كان احد الحدّين من المطلوب الذي نلتمس اخذ لاحقه محاطًا بأمر كلي، فلا فرق في هذا الموضع بين ان نلتمس لاحقه نفسه او لاحق ذلك الكلي المحيط به. مثال ذلك انه اذا التمسنا لواحق الانسان مثل الحي، وقد علمنا ان الحي محيط بالانسان، لم يكن في هذا الموضع فرق بين ان نجد لاحقًا من لواحق الانسان او لا حقًا من لواحق الحي، لان كل ما لحق المحيط بالانسان فقد يلحق الانسان. وكذلك ايضًا متى التمسنا لاحق احد الحدّين، وكان الحدّ الذي التمس لاحقه محيطًا بموضوعات ما، فليس ينبغي ايضًا ها هنا ان نشتغل بتصحيح ان ما هو لا حق لذلك الحدّ فهو لاحق لموضوعه، اذ كان معلومًا ان ما لحق الشيء فهو لاحق لما يحيط به ذلك الشيء، وانما ينبغي ان نصحح ان ذلك الحدّ الذي اخذ لاحقه محيط بذلك الموضوع. مثال ذلك انه اذا كان الحي لاحقًا للانسان ومحيطًا به فهو بيّن انه لاحق لكل ما يحيط به الانسان، وانما الذي ينبغي ان نصحح ان هذا الشيء يحيط به الانسان او ليس يحيط به. وينبغي ان نختار من هذه اللواحق اللواحق المناسبة للمطلوب. فان كان المطلوب في الممكن الاكثرى اخذنا من اللواحق الممكنة الاكثرية لان قياس المطالب التي تكون في الممكنة الاكثرية انما تكون من مقدمات اكثرية، كما ان قياس المطالب التي تكون في المادة الضرورية انما تكون من مقدمات ضرورية. فهذه هي القوانين التي بها نلتمس اكتساب المقدمات في كل قياس نقصد عمله. -٢٧- [قواعد خاصد لا كتساب الحدّ الاوسط في الاقيسة الحملية] القول في القوانين التي بها نحصّل القياس ونصححه واما القوانين التي يلتمس بها القياس نفسه، اعني صورته، فهي على ما اقوله. وذلك ان كل مطلوب يلتمس القياس عليه: فاما ان يكون موجبًا كليًا، او سالبًا كليًا، او موجبًا جزئيًا، او سالبًا جزئيًا. فان كان المطلوب موجبًا كليًا واردنا انتاجه، فانه ينبغي ان ننظر في موضوعات محموله ومحمولات موضوعه، فان الفينا بعض موضوعات المحمول فيه هي باعيانها بعض محمولات موضوعة فبالضرورة ما يكون المحمول منه في كل الموضوع. وذلك بيّن من ان هذا الوضع بعينه هو وضع الشكل الاول اذ كان الموجب الكلي انما ينتج في هذا الشكل. ومثال ذلك ان يكون مطلوبنا: هل جزء من اجزاء العالم محدث؟ فنجد العالم موصوفًا بالمؤلف ونجد المؤلف موضوعًا للمحدث، فيأتلف القياس هكذا: كل جزء من اجزاء العالم مؤلف، وكل مؤلف محدث، فكل جزء من اجزاء العالم محدث. فان اردنا ان ننتج موجبة جزئية من مقدمات كلية فان ذلك يمكننا بأن نأخذ موضوعات الحدين معًا، فان الفينا شيئًا واحدًا بعينه موضوعًا لكليهما فبالضرورة ما يجب ان يكون المحمول منه موجودًا لبعض الموضوع، وذلك بيّن من وضع الشكل الثالث. مثال ذلك ان يكون مطلوبنا: هل حركة ما ازلية؟ فنجد شيئًا واحدًا موضوعًا لهذين الحدين وهو الجرم السماوي، فيأتلف القياس هكذا: الجرم السماوي متحرك، والجرم السماوي ازلي، ينتج: بعض المتحرك ازلي. وقد يتفق ذلك في الشكل الاول متى الفينا احد موضوعات المحمول هو بعينه احد المحمولات على بعض موضوع المطلوب. فان اردنا ان ننتج سالبًا كليًا فان ذلك يتفق بأحد وجهين: اما بأن ننظر في لواحق موضوع المطلوب وفيما لا يمكن ان يكون موضوعًا لمحمول المطلوب، فان الفينا لاحق موضوع المطلوب هو بعينه الموضوع الذي لا يمكن ان يوضع للمحمول انتج لنا ذلك في الشكل الاول ان محمول المطلوب ليس يمكن ان يوجد في شيء من موضوع المطلوب. مثال ذلك ان يكون مطلوبنا: هل النفس غير مائتة؟ فنجد المتحرك من تلقائه لاحقًا من لواحق موضوع هذا المطلوب وهو بعينه الموضوع الذي لا يمكن ان يوجد منه محمول هذا المطلوب، فيأتلف القياس هكذا: كل نفس متحركة من ذاتها، ولا شيء متحرك من ذاته مائت، ينتج عن ذلك ان كل نفس غير مائتة. والوجه الثاني ان ننظر في لواحق الحدّ المحمول فان الفينا فيها ما هو مسلوب عن الموضوع انتج لنا عن ذلك في الشكل الثاني ان المحمول مسلوب عن جميع الموضوع. مثال ذلك ان يكون مطلوبنا: هل الخلاء احد الموجودات الطبيعية؟ فنجد الموجود المحسوس موجبًا للموجودات الطبيعية ومسلوبًا عن الخلاء، فيأتلف القياس هكذا: الخلاء ليس بمحسوس، والموجودات الطبيعية محسوسة، النتيجة: فالخلاء ليس واحدًا من الموجودات الطبيعية. فان اردنا ان ننتج سالبة جزئية فان ذلك يتفق على وجوه ثلاثة اذ قد تبيّن ان هذا المطلوب ينتج في الاشكال الثلاثة: احدها ان ننظر في لواحق الموضوع وفيما لا يمكن ان يكون في المحمول، فان كان بعض اللواحق هو بعينه ما لا يمكن في المحمول فانه ينتج في الشكل الثاني ان المحمول ليس في بعض الموضوع. مثال ذلك ان يكون مطلوبنا: هل بعض الانفس غير مائتة؟ فنجد بعض الانفس يلحقها ان يكون فعلها جوهرها والمائت ليس فعله جوهره، فيأتلف القياس في الشكل الثاني هكذا: بعض الانفس فعله جوهره، وكل مائت ليس فعله جوهره، فيرجع الى الشكل الاول بعكس السالبة فينتج فيه ان بعض الانفس غير مائتة. وقد تبيّن ذلك في الشكل الثالث بأن نأخذ موضوعات موضوع المطلوب والاشياء التي يسلب عنها المحمول، فان وجدنا من هذه شيئًا هو واحد بعينه انتج لنا في الشكل الثالث ان المحمول مسلوب عن بعض الموضوع. وقد يتفق هذا في الشكل الاول بأن نجد لواحق الموضوع هي بعينها ما لا يمكن ان يوجد فيها المحمول الا انه ينتج هذا المطلوب بمقدمات كلية في الشكل الثالث فقط، وقد كانت الوصية ها هنا ان نتخير المقدمات الكلية. وينبغي ان نختار من اللواحق للطرفين والموضوعات لها ما هو اكثر عموما واكثر كلية، لانه اذا وجد القياس من امثال هذه المقدمات فقد وجد القياس لما هو اقل عمومًا منها اذ هو منطو فيها؛ واذا لم يوجد القياس مما هو اكثر عمومًا فقد يمكن ان يوجد مما هو اقل عمومًا وقد يمكن الاّ يوجد. مثال ذلك انه اذا وجدنا القياس على الانسان مركب من الاضداد من جهة انه متغذ فقد وجدنا القياس على ذلك من جهة انه حساس، اذ كان الحساس اخص من المتغذي ومنطويًا فيه، ومتى وجدنا الاضداد في المتغذي فقد وجدناها في الحساس، ومتى وجدنا المتغذي في الحساس فقد وجدنا المتغذي في الانسان. فاذن متى وجدنا الاضداد في الانسان بتوسط المتغذي فقد وجدناها فيه بتوسط الحساس؛ وان لم نجد القياس على ذلك من انه متغذ فقد يمكن ان نجد القياس على ذلك من جهة انه حساس وقد يمكن الاّ نجد. وهو بيّن ان هذا النظر ليس يتجاوز ان يكون بمقدمتين وثلاثة حدود على ما تبيّن من امر القياس، وانه لا يكون قياس الا في الاشكال الثلاثة التي ذكرت ومن هذه في المنتجة منها. ولذلك ما ينبغي ان يتجنب في اكتساب المقدمات واخذ اللواحق والموضوعات ما يأتلف منه شكل غير منتج. مثل انه ليس ينبغي ان نأخذ اللاحق للطرفين اذا كانا امرًا واحدًا بعينه لانه لا يكون من ذلك موجبتان في الشكل الثاني، وقد تبيّن انه غير منتج. وكذلك لا ينبغي ان نأخذ ما هو مسلوب عن الطرفين لانه قد تبيّن انه لا ينتج من سالبتين. وكذلك اذا كان موضوع محمول المطلوب وما يسلب عن موضوع المطلوب شيئًا واحدًا فليس ينبغي ان نأخذه لانه تكون المقدمة الصغرى سالبة في الشكل الاول، وقد تبيّن ان ذلك غير منتج. وهو بيّن انه انما يكون قياس اذا اخذ شيء واحد مكررًا مرتين، اعني اذا نسب الى الحدين نسبة حمل او وضع وهو الحدّ الاوسط، وانه ان كان الحدّ الاوسط شيئين انه لا يكون قياس يوجب احد الطرفين موجود للآخر او مسلوب عنه. القول في رفع الشبهة التي مثل ان القياس يمكن ان يؤلف من اربعة حدود اذا كان واحد من الحدود الماخوذة والقياس اضدادًا. واما ما يظن انه قد يكون قياس اذا اخذ شيئان للطرفين مختلفان كالاضداد، وبالجملة ما لا يمكن ان يجتمعا في شيء واحد، فان ذلك راجع الى ان قوة ذلك قوة اخذ شيء واحد موجب لاحدهما ومسلوب عن الآخر ولولا ذلك لم يكن منتجًا. مثال ذلك ان يبيّن مبيّن ان اللذة ليست بغاية انسانية من قبل ان اللذة شر والغاية الانسانية خير، فانه انما ينتج من هذا ان اللذة ليست بغاية انسانية من جهة انه ينتج اولاً ان اللذة ليست بخير من جهة انها شر، فاذا اضاف الى هذه النتيجة ان الغاية الانسانية خير انتج له ان اللذة ليست بغاية انسانية. فاذن امثال هذه المقاييس هي اقيسة مركبة من اكثر من شكل واحد، لا انها قياس رابع بسيط. فمن اعتقد في مثل هذا انه قياس واحد فهو بمنزلة من اعتقد فيما هو مركب انه بسيط، ومن اعتقد ذلك لم يعرف ما هو القياس البسيط، ومن لم يعرف ما هو القياس البسيط لم يعرف القياس باطلاق. -٢٨- [كيفية اكتساب الحدّ الأوسط في المقاييس التي ترفع الى المحال وفي المقاييس الشرطية والمقاييس ذات الجهة] واقيسة الخلف انما تكون بهذا النحو من النظر، اعني بالاشياء التي تنسب الى كل واحد من الحدين، وهي ثلاثة كما قلنا: اما اشياء توضع له، واما اشياء تجمل عليه، واما اشياء تسلب عنه اما على جهة الحمل واما على جهة الوضع، اذ كان ذلك غير مختلف في السلب على ما قيل. وذلك ظاهر من ان كل مطلوب يبيّن بقياس حملي يمكن ان يبيّن بتلك الحدود باعيانها بقياس الخلف؛ وكذلك كل مطلوب يبيّن بقياس الخلف فيمكن ان يبيّن بتلك الحدود باعيانها بقياس حملي. مثال ذلك انه اذا كان عندنا ان ب موجودة في كل ا ، وغير موجودة في شيء من ، واردنا ان نبيّن بهاتين المقدمتين ان ا غير موجودة في شيء من ‍ بطريق الخلف قلنا: ان ا غير موجودة لشيء من ‍ ، والا فلتكن ا موجودة لبعض ، وقد كان معنا ان ب موجودة في كل ا ، فينتج لنا ان ب موجودة في بعض ‍ ، وقد كانت غير موجودة في شيء من ‍ ، هذا خلف لا يمكن. وان اردنا ان ننتج ذلك على طريق الحمل قلنا: ان ا غير موجودة في شيء من لان ب غير موجودة في شيء من ‍وموجودة في كل ا . وكذلك يبيّن الامر في جميع المطالب، وذلك ان كلا القياسين، اعني الجزمي والسائق الى المحال، انما يكتسبان بأخذ لواحق الطرفين او بموضوعاتهما وبأخذ شيء واحد يكرر فيهما. وانما الفرق بينهما ان القياس السائق الى المحال يأتلف من مقدمتين: احداهما المقدمة الحق والاخرى كذب فينتج نقيض المقدمة الحق الثانية؛ والقياس الحملي يأتلف من المقدمتين الحق لا غير، فلا بدّ في كل قياس منهما من الاعتراف بمقدمتين، وذلك يكون بالطرق التي وصفنا، فان اكتفي بهما كان القياس حمليًّا، وان اخذ نقيض المطلوب واضيف اليه احدهما كان قياس خلف. وسيبيّن ذلك اكثر اذا تبيّنت انواع المقاييس الحملية الواقعة في قياس الخلف. وكذلك المقاييس الشرطية مضطرة الى هذا النحو من النظر اذ قد تبيّن انه لا يبيّن مطلوب بالطبع بقياس شرطي دون ان يقترن به قياس حملي، وهو الذي يبيّن به اما صحة المستثنى واما صحة الاتصال. فهذا النحو من النظر يبيّن كل مطلوب كان في مادة ضرورية او في مادة ممكنة. وهو بيّن انه ليس فقط بهذه السبيل يمكن ان يستخرج كل قياس، بل وانه ليس يمكن ان يستخرج قياس بغير هذه السبيل، لانه قد تبيّن ان كل قياس انما يكون بواحد من الاشكال الثلاثة، وان هذه الاشكال الثلاثة انما تكون من الامور المحمولة على الطرفين والموضوعة للطرفين. فاذن ليس يمكن ان يوجد قياس الا من النظر في هذه الاشياء، اعني اللاحقة والموضوعة. فان كان ايضًا بيّنا ان كل قياس انما يكون من النظر في هذه الاشياء فهو بيّن من ذلك ان كل قياس انما يكون بواحد من الاشكال الثلاثة وفي مقدمتين وثلاثة حدود. -٢٩- [كيفية اكتساب الحدّ الاوسط في الفلسفة وسائر العلوم والصناعات] وهذا الطريق في اكتساب المقدمات والمقاييس على المطلوبات هو عام في جميع الصنائع وفي كل تعليم كان حقيقيًا او مشهورًا، لانه توجد اللواحق والموضوعات في الحقيقي حقيقية وفي المشهور مشهورة. وبيّن ان هذا الطريق نافع لنا معرفته في اكتساب المقدمات في جميع المطالب، والا كنا جُدُرًا متى لم تكن عندنا هذه الطريق ان نقصد في استنباط اي مطلوب اتفق الى اي شيء اتفق من المقدمات والى مقدمات واحدة بعينها في المطلوبات الموجبة والمطلوبات السالبة؛ وليس هذا فقط بل وكان يمكن ان يعرض لنا ان نروم استنباط جميع انواع المطالب الاربعة، اعني الايجاب الكلي والسالب الكلي والموجب الجزئي والسالب الجزئي، بطريق واحد من مقدمات واحدة باعيانها. واما متى كان عندنا هذا الطريق كان قصدنا في مطلوب مطلوب من اشياء محدودة معروفة قليلة العدد. القول في بيان المقدمات المناسبة المستعملة في كل علم وكل مطلوب وينبغي اذا استعملنا هذا الطريق ان نختار في كل مطلوب المقدمات الخاصة بالجنس الذي فيه ذلك المطلوب المناسبة له. مثل انه ان كان المطلوب عمليًا ان نختار المقدمات المناسبة للامور الارادية، وان كان علميًا أخترنا الاشياء المناسبة للامور النظرية الخاصة بذلك الجنس الذي تنظر فيه تلك الصناعة النظرية، ولذلك ما يحتاج في معرفة المقدمات الاوائل في كل جنس، اعني الخاصة به، المناسبة له الى التجربة. مثال ذلك انه يحتاج في معرفة علم النجوم، اعني علم الهيئة، الى التجربة الموقفة على حركات النجوم؛ ولذلك لما علمت بالتجربة والرصد حركات الكواكب المتحيرة امكن ان توجد البراهين على معرفة افلاكها. وكذلك الامر في كل صناعة وفي كل علم الحاجة فيه الى التجربة ضرورية. فانه اذا اكتسبنا بالتجربة جميع الأوائل والمقدمات الموجودة في ذلك الجنس، امكننا بسهولة ان نجد البراهين على جميع الاشياء المطلوبة في ذلك الجنس، وان نعرف ما يمكن ان يبرهن في ذلك الجنس مما لا يمكن. فقد قلنا على العموم كيف ينبغي ان نكتسب المقاييس والمقدمات؛ واما القول على الاستقصاء والخصوص بجنس جنس من اجناس المطالب فسيقال فيه في ⟪كتاب الجدل⟫. -٣٠- [القول في ان القسمة ليست قياسًا] قال : واما طريق القسمة فانه جزء صغير من هذا النحو من النظر لانه قد يعين في اكتساب المقدمات التي تكون من الفصول اللاحقة. والسبب في انه جزء صغير كون القسمة كأنها قياس ضعيف لا قياس حقيقي، لان الذي يقيس بطريق القسمة يضع فيها ما ينبغي ان يبرهن بالقياس وينتج فيها ابدًا شيئًا خارجًا عن المقدمات غير منطو فيها، وذلك بخلاف ما عليه الامر في القياس. قال : والقدماء لما كانوا يظنون بطريق القسمة انه قياس تبرهن به حدود الاشياء، كان غلطهم في طريق القسمة في موضعين: احدهما في ظنهم ان الحدّ يبرهن، والثاني في ظنهم ان طريق القسمة قياس. فاذن لم يعلموا ما يمكن ان يبرهن مما لا يمكن ان يبرهن، ولا علموا ان ما تبيّن بالقياس فانما تبيّن بهذه المقاييس التي ذكرناها. وانما كانت القسمة ليست قياسًا في الحقيقة لان الحدّ الاوسط في القياس يكون ابدًا اخص من الطرف الاول، والطرف الاول الذي هو محمول المطلوب اعم منه؛ وفي القسمة الامر بالعكس، اعني ان الحدّ الاوسط اعم من الطرف الاعظم الذي هو محمول المطلوب. مثال ذلك اذا كان عندنا مجهولاً ان الانسان مائت او غير مائت، وكان معلومًا عندنا بمقدمتين: احداهما ان الانسان حيوان، والمقدمة الثانية ان الحيوان اما مائت او غير مائت، واردنا ان نبيّن من هاتين المقدمتين ان الانسان اما حيوان واما غير مائت، اعني احد هذين المتقابلين، ليحصل لنا من ذلك حدّه وهو انه حيوان مائت او غير مائت، فألّفنا القول هكذا: الانسان حيوان، والحيوان اما مائت او غير مائت، فالذي يلزم عن هاتين المقدمتين هو ان الانسان اما مائت او غير مائت، لا انه احدهما على التحصيل الذي كان مطلوبًا لنا الا ان كان بينًا بنفسه او معلومًا بقياس من الاقيسة المذكورة. فاذن الحدّ الاوسط في هذا القياس، الذي هو الحيوان، اعم من المطلوب الذي هو المائت او غير المائت. وكذلك ان كان معلومًا عندنا ان الانسان حيوان مائت، وان المائت منه ذو رجلين ومنه ذو ارجل كثيرة، واردنا ان نعرف ايّ هو الانسان من هذين، لم نستفد ذلك من طريق القسمة بوجه من الوجوه. فاذن القسمة ليست قياسًا بوجه من الوجوه لا في مطلوب مطلق مثل ان الشيء موجود او غير موجود، ولا في مطلوب مفيد هل الشيء عرض او جنس او خاصة او حدّ، ولكنها نافعة في القياس. فقد قيل من اي شيء تكتسب المقاييس، والى اي شيء ينبغي ان نقصد في كل نوع من انواع المطالب. الفصل الثالث -٣١- [قواعد لاختيار المقدمات والحدود والحد الأوسط والشكل لرد المقاييس الى الاشكل] قال : وقد بقي علينا بعد ذلك ان نقول كيف تكون لنا قدرة على رد المقاييس المستعملة في الكتب والمخاطبات الى هذه الأشكال وتحليلها اليها اذ كانت ليست تستعمل في الكتب والمخاطبات على الطريق الذي ذكرناه، لان هذا هو الامر الثالث الذي بقي علينا ان ننظر فيه من امر المقاييس. لانه اذا عرفنا انواع المقاييس، وكانت لنا قدرة على عملها وقدرة على ان نردّ جميع ما يقع منها في الكلام والمخاطبة الى الاشكال التي ذكرناها، فقد تمّ لنا غرضنا الاول من مقدمة القياس، مع انه يعرض لنا عندما نتكلم في حل المقاييس الى الاشكال التي ذكرنا ان نزداد يقينًا بما قيل من ان كل قياس انما يكون بواحد من الاشكال المتقدمة. لانه اذا وجدنا جميع المقاييس المستعملة في الكتب والمخاطبات ترجع الى هذه الاشكال حصل لنا بضرب من الاستقراء ان هذه الاشكال هي اسطقسات جميع المقاييس، وهذا هو شأن الشيء الذي يقوم عليه البرهان، اعني ان يوجد حقًّا من كل وجه يتأمل منه ومتفقًا من كل جهة من جهاته، فان الحق كما يقول ارسطو شاهد لنفسه ومتفق من كل جهة، يعني انه تشهد منه جهة لجهة. فأول ما ينبغي ان يفعله من يريد حل المقاييس الى هذه الاشكال ان يروم وجود المقدمتين في ذلك القول القياسي، فان المقدمتين هي اعظم اجزاء القياس، وقسمة الشيء الى اعظم اجزائه اسهل من قسمته الى اصغر اجزائه. ثم من بعد ذلك فينبغي ان يعلم ايّمًا هي المقدمة الكبرى وايّ هي الصغرى، وذلك بيّن من طرفي المطلوب، وهل صرّح بهما معًا في ذلك الكلام القياسي ام انما صرّح بالواحدة منهما؛ وان كان صرّح بواحدة وسكت عن واحدة فايّ هي المسكوت عنها المحذوفة: هل الكبرى او الصغرى؟ فانه كثيرًا ما يعرض في الكلام المتلو والمقرو ان يصرّحوا بالكبرى ويحذفوا الصغرى، او يصرّحوا بالصغرى ويحذفوا الكبرى، وكثيرًا ايضًا ما يضعون في القياس مقدمات ليست نافعة لا في اثبات النتيجة ولا في ابطالها، وذلك اما للايضاح واما للاقناع واما لغير ذلك من الوجوه التي عددت في الثامنة من الجدل. فينبغي لذلك ان نفحص هل اخذ في ذلك القول القياسي مقدمة زائدة او نقص منه مقدمة ضرورية لنرفض الزائد ونضع الناقص حتي نجد المقدمتين اللتين منهما ائتلف القياس، لانه متى لم نجد المقدمتين لم يمكن ان نردّ القول القياسي الى احد الاشكال المتقدمة. القول في استخلاص مقدمتي القياس من المقدمات الزائدة واستخراج المقدمات الناقصة وان ما لزم بالاضطرار عن مقدمتين نسبة احدهما الى الأخرى نسبة الكل الى الجزء فهو قياس وما يلزم ليس كذلك ليس بقياس ومن الكلام القياسي ما تسهل معرفة ما فيه من الزيادة والنقصان، ومنه ما يعسر، ومنه ما يظن انه قياس ما من جهة انه يلزم عنه شيء باضطرار وليس بقياس، اذ ليس كل ما يلزم عن شيء باضطرار فهو لازم لزومًا قياسيًا بل ما لزم باضطرار عن مقدمتين نسبة احداهما الى الاخرى نسبة الكل الى الجزء فهو قياس. فمثال ما هو ناقص ويعسر معرفة ما نقص منه قول من قدم لانتاج ان اجزاء الجوهر جوهر، ان ببطلان غير الجوهر ليس يبطل الجوهر وببطلان اجزاء الجوهر يبطل الجوهر، فان هذه النتيجة هي لازمة عن هذا القول، لاكن تنقصه المقدمة الكبرى وهي ان ما يبطل الجوهر ببطلانه فهو جوهر؛ وهذه المقدمة هي لازمة عن المقدمة التي صرّح بها في هذا القول وهو ان ما ليس بجوهر فليس يبطل الجوهر ببطلانه. وذلك انه اذا صحّت لنا هذه المقدمة صحّ لنا عكس نقيضها وهو ان ما يبطل الجوهر ببطلانه فهو جوهر، فاذا اضفنا الى هذه الصغرى وهو ان اجزاء الجوهر يبطل ببطلانها الجوهر، انتج لنا في الشكل الاول ان اجزاء الجوهر جوهر . وقد يمكن ان يحل هذا القول الى غير هذا الشكل، مثل ان يقال: اجزاء الجوهر ببطلانها يبطل الجوهر، وما هو غير جوهر فلا يبطل ببطلانه الجوهر، فينتج في الشكل الثاني ان اجزاء الجوهر ليست غير جوهر، ثم يضاف الى هذا: وما ليس هو غير جوهر فهو جوهر، فينتج ان اجزاء الجوهر جوهر. ومثال ما نقص منه بعض المقدمات ومعرفة ذلك سهل قولنا: ان كان الانسان موجودًا فالحي موجود، وان كان الحي موجودًا فالجوهر موجود، فان كان الانسان موجودًا فالجوهر موجود؛ وذلك انه نقص من هذا: و كل انسان حي، وكل حي جوهر. وسبب الغلط في هذا هو ان يظن بما لزم باضطرار انه لازم لزومًا قياسيًا. فاذن متى وجدنا شيئًا قد لزم عن شيء فليس ينبغي ان نتوهمه قياسًا تامًا الا اذا وجدنا فيه المقدمتين معًا؛ فاذا وجدنا فيه مقدمتي القياس بهذا الفعل فينبغي ان نقسم المقدمتين ايضًا الى الثلاثة حدود ونميز الحدّ الاوسط الذي هو الحدّ المشترك للحدين اللذين هما طرفا المطلوب، فانه لا بد في كل قياس من حدّ اوسط. فان الفينا الحدّ الاوسط محمولاً على الاصغر وموضوعًا للاكبر، او محمولا على الاصغر مسلوبًا عن الاكبر، فانه يكون الشكل الاول؛ فان كان الحد الاوسط محمولاً في احدهما مسلوبًا عن الآخر على جهة الحمل لا على جهة الوضع، فانه يكون الشكل الثاني؛ وان كان الحدّ الاوسط موضوعًا للطرفين اما على طريق الايجاب، او لاحدهما على طريق الايجاب وللثاني على طريق السلب، فانه يكون الشكل الثالث؛ لانه قد نبرهن انه ليس ها هنا نسبة رابعة للحدّ الاوسط الى الطرفين والطرفان على المجرى الطبيعي في الحمل. وسواء كانت المقدمتان كلية، او كانت احداهما كلية والثانية جزئية، ما لم تقع الجزئية كبرى في الشكل الاول والثاني، فان الحد الاوسط وضعه في ذلك واحد. واذا كان هذا هكذا فهو بيّن ان اي قول لم يوجد فيه شيء واحد مكرر مرتين، ان ذلك القول ليس بقياس، لانه اذا لم يوجد فيه حدّ واحد مكرر مرتين فليس فيه حدّ اوسط، واذا لم يكن هنالك حدّ اوسط فليس هنالك قياس. ولانه قد تبيّن انه ليس يبيّن كل مطلوب في كل شكل، وان منها ما يبيّن في شكل واحد، وهو الكلي الموجب، ومنها ما يبيّن في شكلين وهو السالب الكلي والموجب الجزئي، ومنها ما يبيّن في الثلاثة الاشكال وهو السالب الجزئي، فهو بيّن انه ليس ينبغي ان نلتمس المطلوب في اي شكل اتفق لكن في الشكل الخاص به. فكل ما كان من المطلوبات يتبيّن باكثر من شكل واحد، فانما يعرف الشكل الذي به يبيّن بوضع الحدّ الاوسط فيه من الطرفين؛ وكل ما كان انما تبيّن في شكل مخصوص فقد يعرف الشكل الذي يبيّن به من المطلوب نفسه، كما نعرفه عن وضع الحدّ الاوسط؛ وما كان منها يتبيّن في شكلين فانّا نلتمس فيه ان نجد وضع الحدّ الاوسط فيه الوضع الذي يكون في ذلك الشكلين فقط. فهذه هي التي منها يمكن ان نقف على شكل القياس الذي به انتج المطلوب في القول القياسي المكتوب او المتلو. -٣٢- [وضع الكم في المقدملت] القول في الاشياء التي تعرض للاقوال ونظن انها قياس وليست بقياس وقد يعرض لنا مرارًا كثيرة الغلط والخدعة بأن نظن عند تحليل القول فيما ليس بقياس انه قياس وعكس ذلك لاسباب شتى: احدها اذا ظننا ان المقدمات كلية وليست في الحقيقة كلية، وذلك يعرض اذا اخذت مهملة فان شكل القياس يغلّطنا في ذلك. مثال ذلك ان نأخذ ان الانسان حيوان، وان الحيوان غير كائن ولا فاسد، فيظن انه يلزم عن ذلك ان الانسان غير كائن ولا فاسد، وذلك كذب؛ والمقدمة الصغرى صادقة بالكل وهو ان الانسان حيوان، واما الكبرى فانما هي صادقة بالجزء لا بالكل، وذلك انه ليس كل حيوان هو غير كائن ولا فاسد، وانما يصدق ذلك على الحيوان الكلي المعقول لا على كل واحد من اشخاص الحيوان. -٣٣- [وضع الحدود الجردة والحدود العينية في المقدمات] القول في الاشياء التي تعرض للاقيسة ويظن بها انها ليست بقياس وحل الشبهة التي مثل ان الاشكال الثلثة غير منتجة وقد يعرض الكذب والخدعة من قبل فساد نسبة الحدود بعضها الى بعض في الوضع حتى يظن فيما هو قياس انه ليس بقياس، وذلك بأن تؤخذ على الجهة التي هي بها غير صادقة. مثال ذلك ان يقول قائل ان كل انسان قابل للمرض، والمرض ليس يمكن ان يقبل الصحة، فالانسان ليس يمكن ان يقبل الصحة، وذلك كذب. وسبب ذلك ان الحدود في هذه المقدمات لم تؤخذ في الحمل على ما ينبغي، وذلك انه اخذ بدل موضوع الصحة والمرض الصحة والمرض نفسه، اعني انه اخذ بدل قولنا ⟪صحيح⟫، صحة، وبدل قولنا ⟪مريض⟫، ⟪مرض⟫؛ ولذلك اذا غيّرنا ذلك فقلنا: الانسان يمكن ان يكون مريضًا، والمريض يمكن ان يصحّ، انتج لنا امرًا صادقًا وهو ان الانسان يمكن ان يصحّ. فمتى لم يتحفظ بهذا في امثال هذه المقدمات فلن يكون قياس. فانه اذا اخذت الاحوال والملكات بدل القابل للملكات، فليس يظن انه ليس قياسًا في الشكل الاول فقط بل ولا في الثلاثة الاشكال؛ لانه قد يقول قائل: الانسان يمكن ان يقبل الصحة، والمرض ليس يمكن ان يقبل الصحة، وهذا تأليف في الشكل الثاني غير منتج اذ كان ينتج كذبًا وهو ان الانسان ليس يمكن ان يقبل المرض. وكذلك يمكن الاّ يوجد لهذا التأليف نتيجة في الشكل الثالث، وذلك ان المرض والصحة والعلم والجهل يوجدان في شيء واحد وليس يوجد احدهما في الثاني، وهذا تأليف الشكل الثالث. فلذلك يظن لهذه العلة ان الاشكال الثلاثة غير منتجة. والسبب في ذلك انه اخذ بدل الموضوع للملكات والاحوال الاحوال نفسها والملكات. ولذلك كان واجبًا في امثال هذه المقدمات ان نأخذ القابل للحال مع الحال، وحينئذ نصيّره حدًا موضوعًا او محمولاً. -٣٤- [وضع الحدود المفردة والحدود الموكبة في المقدمات] والحدود التي ينحل اليها القياس، وبخاصة الحد الاوسط، فليس ينبغي ان نطلبها ابدًا من حيث يدلّ عليها اسم مفرد لان كثيرًا ما يدلّ عليها بقول مركب، وبخاصة اذا كان ذلك الحد ليس له اسم مفرد. ولذلك قد يعسر ان تردّ امثال هذه الاقاويل الى الاشكال المتقدمة، ويغلط في ذلك فيظن انه قد يكون قياس من غير حد اوسط. مثال ذلك قولنا: انما صار المثلث زواياه مساوية لقائمتين لان الخارجة منه مساوية للداخلتين. فلذلك ما ينبغي الّا نطلب الحدّ الاوسط في كل قياس قولاً ولا لفظًا مفردًا، بل احيانًا يكون قولاً واحيانًا يكون لفظًا مفردًا. -٣٥- [وضع الحدود المختلف نحويًا في المقدمات] وايضًا ليس يجب ان نطلب للحدود الموجودة في القياس، اذا حمل بعضها على بعض اما على جهة السلب واما على جهة الايجاب، نسبة واحدة من الحمل. مثل انه اذا اخذنا ان الطرف الاكبر موجود في الاوسط، والاوسط في الأخير، فانه ليس ينبغي ان يفهم من ذلك في كل موضع ان الاول صفة للاوسط، والاوسط صفة للاخير، وان الاول في الاخير ايضًا صفة. وكذلك متى سلبنا حدًّا عن حدّ، فليس ينبغي ان يفهم منه سلبه على انه صفة وموصوف، بل انما ينبغي ان يفهم من ذلك واحدًا من انحاء النسب التي بها نوجب شيئًا لشيء، او نسلب شيئًا عن شيء، او اكثر من نحو واحد منها ان كان يوجد منها اكثر من نحو واحد من انحاء النسب. مثال ذلك انه يصدق قولنا: للاضداد علم واحد، وقولنا: الاضداد علمها واحد، وليس يصدق قولنا: الاضداد علم واحد. وقد يتفق ان يكون الطرف الاول صفة للاوسط، ولا يكون الاوسط صفة للثالث. مثال ذلك قولنا: الحكمة علم، والحكمة للفاضل، والنتيجة ان العلم للفاضل. وقد يكون عكس هذا، اعني ان يكون الحدّ الاوسط صفة للاخير، والاول غير صفة للاوسط. مثل انه ان وضعنا في كل ضد علمًا، والخير ضد، فان النتيجة تكون ان في الخير علمًا. وقد يتفق الا يكون الاول صفة للاوسط، ولا الاوسط للاخير، ويكون الاول صفة للاخير وهي النتيجة. مثال ذلك ان في الخير علمًا، والعلم له جنس، والخير جنس. وعلى هذا ينبغي ان يفهم الامر في السلب، فانه ليس متى سلب شيء عن شيء يدل على ان هذا هو غير هذا، بل احيانًا على ان هذا ليس لهذا او ليس في هذا، وما اشبه ذلك من ضروب النسب. مثال ذلك انه يصدق قولنا: ليس للحركة حركة، ولا يصدق قولنا: الحركة ليست هي حركة؛ وكذلك نقول الكون ليس له كون، ولا نقول: الكون ليس هو كونًا، فاذا اضفنا الى هذا ان اللذة كون، انتج انه ليس للذة كون لا ان اللذة ليست كونًا. قال : بالجملة وبالقول الكلي اما الحدود الموضوعة فينبغي ان تؤخذ بالجهة التي بها تؤخذ مفردة، يريد بالرفع، لانه بهذه الجهة يستدل على المقدمات منها؛ واما المقدمات فينبغي ان تؤخذ على النحو الذي تكون به صادقة، سواءً كانت مرفوعة او غير مرفوعة، فغير مرفوعة مثل قولنا: العشرة ضعف للخمسة والثوب من كتان. -٣٦- [وضع انواع الحمل المختلفة في المقدمات] والحدود الموجبة للشيء ليست تكون ابدًا مفردة ولا مطلقة، بل قد تكون مركبة كما تكون مقيدة. فينبغي ان يؤخذ كل على النحو الذي هو به صادق من تركيب او افراد او اطلاق او تقييد. وكذلك الحدود المحمولة على جهة السلب. -٣٧- [وضع الحدود التي تكرر في المقدنات] فأما الحدود التي تكرر في المقدمات في بعض المواضع ثلاث مرات، فينبغي ان تكرر الثالثة مع الحدّ الاكبر لا مع الحدّ الاوسط. مثال ذلك قولنا: الانسان محسوس، والمحسوس يتلف من جهة ما هو محسوس، فالانسان يتلف من جهة ما هو محسوس؛ فانه ان كررنا قولنا: ⟪من جهة ما هو محسوس⟫ مع الحدّ الاوسط فقلنا: الانسان محسوس من جهة ما هو محسوس، كان ذلك كذبًا؛ وكذلك قولنا: العدل خير، والخير يعلم من جهة انه خير، فالعدل يعلم من جهة انه خير، فان وضعناه مع الحد الاوسط فقلنا: العدل خير من جهة انه خير، كان كذبًا وغير مفهوم. وانما يحتاج الى هذا التكرير لان به تكون المقدمة صادقة، لانه متى قلنا ان الانسان يتلف ولم يشترط من جهة ما هو محسوس، كان كذبًا. القول في بيان معنى ⟪ما⟫ المشدودة ومعنى ادات التعريف والفرق بين الحدود المستعملة بحرف التعريف والمستعملة بدونها قال : وليس وضع الحدود في مقدمات القياس التي نتيجته مطلقة مثل وضعها في القياس الذي نتيجته مقيدة ومشترط فيها شرط ما. مثال ذلك انه اذا بيّن مبيّن ان الخير معلوم، او انه معلوم ما بواسطة انه موجود، فينبغي ان نبيّن انه معلوم ما بأن نأخذ في بيان ذلك انه موجود ما لا موجود على الاطلاق؛ وان كان قصده ان يبيّن انه معلوم على الاطلاق اخذ في بيان ذلك انه موجود على الاطلاق، وذلك انه متى قلنا: الخير موجود ما، وذلك الموجود معلوم، كانت النتيجة ان الخير معلوم ما، اي يخصه. وذلك ان ⟪ما⟫ المشددة انما تدل على الذات الخاصيّة بالشيء؛ ومتى قلنا ان الخير موجود، والموجود معلوم، فانما ينتج لنا ان الخير معلوم من جهة انه موجود لا من جهة ما يخصّه. -٣٨- [استبدال الاقوال المتكافئة المعنى في المقدمات] وينبغي ان تبدل الاسماء في الحدود اذا كانت غير واضحة بأسماء اوضح منها. وكذلك يبدل القول المركب بالقول المركب الذي هو اوضح منه اذا كان يدل عليها بقول مركب؛ واذا كان الحدّ الذي يدل عليه بقول مركب له اسم، فينبغي ان نأخذ اسمه مكان ذلك القول لأنه اسهل واخص. مثال ذلك انه اذا كان لا فرق بين قولنا ان المتوهم ليس جنسه المظنون، وبين قولنا: ان المتوهم ليس هو مظنونًا، فينبغي ان نستعمل في القياس قولنا: المتوهم ليس هو مظنونًا بدل قولنا: المتوهم ليس جنسه المظنون. -٣٩- [استعمال اداة التعريف في المقدمات] وبالجملة فينبغي ان نتحفظ بأن تكون العبارة في المقدمات على النحو الذي يكون في النتيجة، اعني الا يزاد في النتيجة حرف ليس يؤخذ في المقدمات، ولا ينقص منها حرف قد اخذ في المقدمات. وذلك انه ان كانت النتيجة ان اللذة هي الخير فينبغي ان يؤخذ الخير في المقدمات التي تنتج هذه النتيجة معرّفًا بالالف واللام؛ وان كانت النتيجة ان اللذة هي خير بغير تعريف، فينبغي ان يؤخذ الخير في المقدمات على هذا النحو لان بونا كثيرًا بين قولنا: اللذة خير، وقولنا: اللذة هي الخير، وذلك ان القول الاول يدل على ان اللذة من الخير، والقول الثاني يدل على ان اللذة وحدها هي الخير. -٤٠- [وضع عبارة ⟪المقول على الكل⟫ في المقدمات] واذا اخذت الحدود محمولة بعضها على بعض، فينبغي ان نتحفظ فيها ⟪بالمقول على الكل⟫ وذلك انه فرق كبير بين ان نقول في المقدمة الكبرى ان الذي يوجد فيه الباء يوجد الالف في كله او بين ان نقول ان الالف توجد في كل ما توجد فيه الباء. فانه اذا اضفنا الى قولنا: ان الالف توجد في كل ما فيه الباء، ان الباء موجودة في كل الجيم، انتج لنا بالضرورة ان الالف موجودة في كل الجيم. واما متى اضفنا الى قولنا ان الذي توجد فيه الباء توجد الالف في كله، ان الباء توجد في كل الجيم، لم يلزم عن ذلك ان تكون الالف موجودة في كل الجيم، اذ كان الشرط انما هو ان الشيء الذي توجد فيه الباء توجد الالف في كله، فقد يكون ذلك الشيء بعض ما توجد فيه الباء لا كله، فليس يلزم عن ذلك ان تكون الالف موجودة في كل الجيم اذ قد يمكن ان تكون الجيم من البعض الذي يتصف بالباء ولا توجد فيه الالف. وكذلك متى كانت الكبرى سالبة، اعني انه فرق كبير بين ان نقول ان ا مسلوبة عن كل الشيء الذي توجد فيه الباء، وبين ان نقول ان ا مسلوبة عن كل ما فيه الباء. فهو بيّن انه اذا اخذ في الحدود ان الف مقولة على كل الشيء الذي تقال عليه الباء، وان الباء مقولة على كل الجيم، انه ليس يلزم ان تكون الف مقولة على كل الجيم، وان اخذ ان الالف مقولة على كل ما تقال عليه الباء لزم ان تكون الالف مقولة على كل الجيم. القول في حلّ المقاييس بأخذ معنى ⟪المقول على الكل⟫ في الكمقدمات قال: وليس ينبغي ان يتوهم انّا نحيل في قولنا ان الالف هي الباء، والباء هي الجيم، اي نأتي في ذلك بقول مستحيل؛ فانّا لسنا نستعمل هذه الحروف على انها الشيء المشار اليه المطلوب بيانه وانما نأخذها بدل المواد، كما يأخذ المهندس الخط الذي يرسمه بدل الخط الذي يقصد البرهان عليه، ولذلك قد يضع المهندس ان هذا الخط طول مقدار قدم، وان هذا الخط طول لا عرض له وليس كذلك في الحس. ولذلك وان كانت الالف المكتوبة ليست هي الباء ولا الباء هي الالف، فلسنا نريد بقولنا انه متى لم تكن ا مقولة على كل ما هو ب ، وكانت الجيم موضوعة للباء، انه ليس يلزم ان تكون الالف مقولة على كل الجيم. الا انه اذا لم يكن شيء نسبته الى آخر كنسبة الكل الى الجزء، وآخر نسبته الى هذا كنسبة الكل الى الجزء، فانه لا يكون عن ذلك قياس؛ لكن أخذنا بدل الامثلة الداخلة تحت هذا القول الحروف لانه اسهل في التعليم، اذ كان اعطاء المثال ضروريًا في التعليم. -٤١- [بيان حلّ القياس الشرطي وقياس الخلف] قال : فبهذا النحو من النظر يمكننا ان نحل المقاييس، وليس ينبغي ان نطلب على هذا النحو حلّ القياس الشرطي، لانه ليس يمكن ان نحلّ القياس الذي يبيّن على جهة الشرط لان ذلك انما يكون على جهة الوضع والاصطلاح بين المتكلمين. مثل انه ان وضع واضع على جهة الاصطلاح انه متى كانت توجد قوة واحدة غير قابلة للاضداد فانه ليس يكون للاضداد علم واحد، ثم تبيّن انه توجد قوة واحدة غير قابلة للاضداد، فيلزم عنه الاّ يكون للاضداد علم واحد. فالذي يمكن ان يحلّ من هذا القول ليس هو ما وضع على جهة الشرط، وهو قولنا انه ليس للاضداد علم واحد، لكن الذي يمكن ان يحلّ هو الشيء الذي يبيّن على جهة القياس الحملي وهو قولنا انه توجد قوة واحدة قابلة للاضداد، لانه قد كان على ذلك قياس وهو قولنا: المرض والصحة اضداد، والمرض والصحة ليست قوتهما واحدة، فيجب عن ذلك في الشكل الثالث ان ليس كل الاضداد قوتها واحدة، لانه لو وجد ذلك لوجد الشيء صحيحًا مريضًا معًا. وانما كان ذلك لان القياس الشرطي انما يتبيّن فيه المستثنى بقياس حملي. وكذلك قياس الخلف ليس يحلّ منه الا القياس الحملي الذي يسوق الى المحال، لا القياس الشرطي، لانه قد تبيّن انه مركب من النوعين من القياس. -٤٢- [رد الاقيسة من شكل الى آخر] وهو ايضًا بيّن ان ما كان من المطالب يبيّن في اكثر من شكل واحد، انه قد يمكن ان يحلّ القول الذي استعمل في بيان ذلك المطلوب الى اكثر من شكل واحد. القول في القانون الذي يردّ بعض المقاييس من بعض الاشكال الى شكل آخر وحلّها في ذلك الشكل والقانون في ذلك ان ما كان من اصناف القياسات التي في الشكل الثاني والثالث التي تشارك الشكل الاول في بيان بعض انواع المطالب، مثل مشاركة الصنف الاول والثاني من الشكل الثاني للصنف الثاني من الشكل الاول في انتاج السالب الكلي، ومثل مشاركة الاصناف التي تنتج الجزئي السالب في الشكل الثاني، والثالث للذى ينتج السالب الجزﺋﻲ في الشكل الاول؛ فما كان من هذه الاصناف في الشكل الثاني والثالث مما يبيّّن انتاجه بالعكس، سواء كان بعكسين او بعكس واحد، فقد يمكن ما يكون منه في الشكل الثاني والثالث ان يردّ الى الاول، وما كان من ذلك في الاول فقد يمكن ان يردّ الى الثاني والثال. واما ما يبيّن انتاجه من هذه الاصناف في الشكل الثاني او الثالث بطريق الخلف او الافتراض، فانه لا يمكن رجوع ذلك القول الى الشكل الاول، مثل الضرب الرابع من الشكل الثاني الذي ينتج السالب الجزﺋﻲ، فليس يمكن رجوعه الى الصنف من الشكل الاول الذي ينتج السالب الجزﺋﻲ. ولذلك ما نرى ان ما كان من سالب كلي فيمكن فيه ان يحل القول المنتج له الى الشكل الثاني والى الشكل الاول. واما السالب الجزﺋﻲ الذي ينتج في الشكل الثاني وفي الثالث فليس يرجع منه شيء الى الشكل الاول، ولا ما كان في الشكل الاول منه يرجع الى هذين الا في التي لا يبيّن انتاجها بالافتراض؛ واما التي يبيّن انتاجها بالافتراض في الشكلين فلا يمكن ذلك فيها. واما رجوع ما كان في الشكل الثاني الى الثالث، اعني من التي تنتج السالب، ورجوع ما كان من ذلك في الثالث الى الثاني، فانما يمكن ذلك في الاصناف التي يمكن فيها عكس المقدمتين معًا؛ وذلك يكون متى كانت المقدمة السالبة كلية، اعني ان كل واحد منهما يرجع الى صاحبه لان السالبة الكلية تنعكس والموجبة الجزئية تنعكس. واما متى كانت السالبة في الشكل الثاني جزئية، فان الجزئية السالبة لا تنعكس والكلية ايضًا ان انعكست تكون جزئية. وكذلك التي في الشكل الثالث اذا كانت السالبة هي الكلية، امكن رجوع مقدماتها الى الشكل الاول لان السالبة الكلية تنعكس والموجبة تنعكس جزئية، كانت كلية او جزئية. وان كانت السالبة هي الجزئية فان القياس لا ينحل الى الشكل الثاني لان السالبة الجزئية لا تنعكس. فقد تبيّن من هذا القول اي اصناف القياسات التي تشترك في مطلوب واحد من الاجناس الثلاثة من اجناس القياس يمكن فيها ان ينحل بعضها الى بعض وايّها لا يمكن ذلك فيها. -٤٣- [الحدود المحصلة والحدود غير المحصلة في القياسات] القور في الفرق بين مواضع السالبة والمعدولة ورفع الاشتباه بينهما في مواضع التي يمكن الاشتباة ببيان تقابلها وتلازمها. وقد يوقع خدعة في القياس ان يظن بالقضية المعدولة انها والسالبة قضية واحدة بعينها، وذلك انه يعرض من ذلك احد امرين: اما ان يظن بالمنتج انه غير منتج، وذلك اذا وقعت القضية المعدولة في الموضع الذي اذا وقعت فيه السالبة يمنع القياس ان يكون قياسًا، وظن بالمعدولة انها سالبة، فانه يظن فيما هو قياس انه ليس بقياس، واما ان يظن بالنتيجة المعدولة انها سالبة وهي في الحقيقة معدولة، وذلك اذا وقعت المقدمة المعدولة التي ظن بها انها سالبة في موضع لا يمنع القياس ان يكون منتجًا. والذي يرفع هذه الخدعة ان يعلم ان قولنا في الشيء انه ⟪لا ابيض⟫ وانه ⟪ليس بابيض⟫ ليس يدلان منه على معنى واحد، وانه ليس سالبة قولنا: ⟪زيد ابيض⟫ قولنا: ⟪زيد لا ابيض⟫، بل قولنا: ⟪زيد ليس بابيض⟫؛ وذلك ان نسبة قولنا: ⟪زيد ابيض⟫ الى قولنا: ⟪زيد لا ابيض⟫، هي نسبة قولنا: ⟪زيد يمكن ان يمشي⟫ الى قولنا: ⟪زيد يمكن الا يمشي⟫. ونسبة قولنا: ⟪زيد يوجد ابيض⟫ الى قولنا: ⟪زيد ليس يوجد ابي⟫، هي نسبة قولنا: ⟪زيد يمكن ان يمشي⟫ الى قولنا: ⟪زيد ليس يمكن ان يمشي⟫. فكما ان الممكنين قضيتان موجبتان على ما تبيّن في الكتاب المتقدم، كذلك قولنا: ⟪زيد ابيض⟫، ⟪زيد لا ابيض⟫؛ فان كان قولنا: ⟪زيد لا ابيض⟫ بمنزلة قولنا: ⟪زيد ليس بابيض⟫، فيجب ان يكون كل شيء اما ابيض واما ليس بابيض. وهو بيّن ان الاشياء المعدومة وكثيرة من الاشياء الموجودة لا يصدق عليها انها بيض ولا انها لا بيض، واما انها بيض او ليست ببيض يفيصدق على جميع الاشياء. وايضًا لو كان قولنا: ⟪زيد هو قادر الاّ يمشى⟫ بمنزلة قولنا: ⟪زيد ليس هو قادر ان يمشي⟫، لكان الايجاب والسلب يجتمعان في شيء واحد بعينه؛ لانه كما ان قولنا في زيد انه قادر ان يمشي والاّ يمشي يصدقان معًا، كذلك كان يجب ان يكون قولنا فيه انه قادر وانه ليس بقادر، اعني لو كان معنى السلب في ذلك هو معنى العدل، وبيّن ان قولنا قادر وليس بقادر لا يجتمعان معًا في شيء واحد بعينه. فالقضية المعدولة تفارق السلب: اما حينًا فبأنها توجد هي ومقابلتها معًا في شيء واحد، واما حينًا فبأنها قد يخلو الموضوع من كل واحد منهما. واما القضية السالبة والموجبة فيخصهما انهما لا يجتمعان في شيء واحد، ولا يخلو من احدهما شيء من الأشياء. ولذلك كان قولنا في سقراط انه عادل وانه لا عادل كاذبين معًا اذا كان سقراط ميتًا، وقولنا انه عادل او ليس بعادل يقتسمان الصدق والكذب، اعني انه ليس يخلو سقراط من ان يوصف بواحد منهما كان ميتًا او حيًا. وكذلك قولنا في زيد انه يقدر ان يمشي ويقدر الا يمشي المتقابلان صادقان معًا فيه، وقولنا فيه انه يقدر ان يمشي وليس يقدر ان يمشي، احدهما صادق والآخر كاذب. واذا كانت القضايا المعدولة موجبات فلها سوالب، واذا قيست القضايا البسيطة والمعدولة، الموجبات فيها والسوالب، ظهر لبعضها الى بعض نسبتان: نسبة تقابل ونسبة لزوم. فلنفرض بدل الموجبة البسيطة، وهي قولنا: ⟪زيد خيّر⟫ حرف ا، وبدل سالبتها وهي قولنا: ⟪زيد ليس بخيّر⟫ حرف ،البا ، وبدل الموجبة المعدولة، وهي قولنا: ⟪زيد لا خير⟫، حرف الدال ، وبدل سالبتها، وهي قولنا: ⟪زيد ليس هو لا خيّر⟫ حرف الجيم . ولنضع تحت ‍ الالف ﺟ وتحت البا د . فكل شيء اما ان يوجد فيه ا واما ب ، وليس يمكن ان يجتمعا في شيء واحد اذ كانت احداهما موجبة والثانية سالبة، وكذلك حال ‍ مع د اذ كانت احداهما ايضًا موجبة والاخرى سالبة. وهو بيّن ايضًا ان كل ما يوجد فيه د فبالضرورة يوجد في كله ب ، لانه ان كان قولنا في زيد انه ⟪لا خيّر⟫ صدقا فواجب ان يكون قولنا فيه انه ⟪ليس بخيّر⟫ ايضًا صدقا، لانه واجب ان يصدق عليه قولنا انه خيّر وانه ليس بخيّر. واذا كذب عليه انه خيّر فواجب ان يصدق عليه انه ليس بخيّر. فلأن كل ما يوجد فيه د يوجد فيه ب ، فب لا حقة لد وموجودة حيث وجدت. وليس ينعكس هذا حتى تكون د موجودة في كل ما يوجد فيه ب ، لانه اذا كان زيد معدومًا صدق عليه انه ليس بخير ولم يصدق عليه انه لا خيّر. فهذه حال د مع ب في اللزوم. واما حال ا مع ‍ فبعكس هذا، اعني ان ‍ لاحقة للالف وموجودة حيث وجدت، وليس ينعكس ذلك حتى تكون ا لا حقة ﻟﺟ وموجودة حيث وجدت، لان ما يصدق عليه قولنا انه خيّر يصدق عليه انه ليس لا خيّر، لانه اما ان يصدق عليه قولنا انه ليس لا خيّر او انه لا خيّر، وليس ينعكس هذا حتى يكون ما يصدق عليه قولنا انه ليس لا خيّر يصدق عليه قولنا انه خير؛ فان زيدًا المعدوم يصدق عليه قولنا: ليس لا خير اذ كان لا بد ان يصدق عليه قولنا انه لا خيّر وانه ليس لا خيّر، لان هذين القولين احدهما موجب والآخر سالب، وليس يخلو من احدهما شيء ولا يجتمعان في شيء واحد. واذا كان هذا هكذا فبيّن انه ليس يمكن في وهي السالبة المعدولة وفي وهي الموجبة المعدولة ان يجتمعا في شيء واحد، لأن ما يصدق عليه ا يصدق عليه ‍ وما صدق عليه جيم كذب عليه د، اذ احداهما موجبة والأخرى سالبة. واما جيم وهي السالبة المعدولة، و ب وهي السالبة البسيطة، فقد يجتمعان في شيء واحد لأنه ليس يلزم وجود د فيما توجد فيه ب وانما الأمر بالعكس، اعني ان ب توجد فيما توجد فيه د . وقد يمكن ان نغلط في هذا الترتيب حتى نظن ان ا متى كانت موجودة، اعني الموجبة البسيطة، ان السالبة المعدولة موجودة، وانه متى كانت السالبة المعدولة موجودة ان الموجبة البسيطة موجودة؛ وكذلك الامر في السالبة البسيطة مع المعدولة. وذلك انما يعرض متى غلطنا فظننا ان المعدولة سالبة، مثل ان يظن فيما هو خير انه مقابل ما هو لا خير على جهة الايجاب والسلب لا على جهة العدل. وذلك انه متى اخذنا ا و ب موجبة وسالبة، واخذنا ايضًا ا و د المعدولة موجبة وسالبة، عرض ضرورة ان يكون متى وجدت ا وجدت ‍ ومتى وجدت ‍ وجدت ا ، وكذلك متى وجدت ب وجدت د ومتى وجدت د وجدت ب ، وذلك خلاف الترتيب الذي تبيّن. فأما كيف يعرض ذلك فلانه اذا وضعنا ا و ب يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات، ووضعنا ان ا و د ، وهي المعدولة، هي بهذه الصفة، لزم ضرورة متى وجدنا ب ان توجد د ، ومتى وجدنا د ان توجد ب ، لان ا و ب و ا و د لما كانا يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات لزم متى كذبت ا ان تصدق ب و د لان ا و ب متقابلان على جهة الايجاب، والسلب وكذلك ا و د . فاذن متى وجدت ب وجدت د ، ومتى وجدت د وجدت ب ، وكذلك يلزم في ا مع . وهذا اللزوم المظنون من هذه الاربعة الحدود التي هي ا و ‍ و ب و د ليس هو في الوجود فقط، بل في الوجود والارتفاع، اعني انهما متلازمان في الوجود والارتفاع، وذلك خلاف ما تبيّن. والسبب في هذا الغلط ان ظن بالمعدولة انها سالبة تقتسم الصدق والكذب، واذا تقرر ان الموجبة البسيطة ليست كالموجبة المعدولة. مثال ذلك انه ليس سلب قولنا: ⟪كل انسان ابيض⟫ قولنا: ⟪كل انسان لا ابيض⟫، بل قولنا: ⟪ليس كل انسان ابيض⟫، وكانت العلة في ذلك هي العلة التي ذكرنا. وذلك ان قولنا: ⟪كل انسان ابيض⟫ و⟪كل انسان لا ابيض⟫ يكذبان معًا وليس يوجد احدهما بالضرورة في اي شيء كان من الاشياء، كالحال في قولنا: ⟪كل انسان ابيض⟫، ⟫ليس كل انسان بابيض⟪. فاذن القياس الذي ينتج به قولنا:⟪كل انسان لا ابيض⟫ هو غير القياس الذي ينتج به انه ⟪ولا انسان واحد ابيض⟫. وذلك ان قولنا: ⟪كل انسان لا ابيض⟫ هي موجبة، وقد تبيّن انها لا تنتج الا في الشكل الاول، وقولنا: ⟪ولا انسان واحد ابيض⟫ هي سالبة كلية وهي تنتج في الاول والثاني، وذلك في صنف واحد من الاول وفي صنفين من الثاني، فهي تنتج في ثلاثة اصناف من المقاييس. وكذلك متى كانت المقدمة الصغرى في الشكل الاول معدولة، فليس ينبغي ان يظن به انه غير منتج كحالها اذا كانت سالبة، ولا متى كانت المقدمتان معدولتين كحالها اذا كانتا سالبتين. والمقدمة المعدولة تتميز من السالبة بأن حرف العدل هو جزء من المقدمة، ولذلك يدخل ايضًا عليه حرف السلب، وليس حرف السلب جزءًا من المقدمة؛ ولذلك محمول الموجبة وموضوعها هو بعينه محمول السالبة وموضوعها. وهنا انقضت المعاني التي تضمنتها هذه المقالة الاولى. يتلوه المقالة الثانية من انالوطيقل الاول وهو ⟪كتاب القياس⟫ والحمد اللّه وحده، وهو المعين لا رب غيره. المقالة الثانية من كتاب انالوطيقى الاولى ا بسم اللّه الرحمن الرحيم صلى اللّه على محمد وآله المقالة الثانية من انالوطيقى الاول وهو ⟪كتاب القياس⟫ ‑١‑ [تعدد النتاﺋﺞ في الاقيسة] قال : واذ قد بيّنا في كم شكل تكون الأقاويل القياسية، وباي صنف من اصناف المقدمات تكون، وهي المقدمات التي فيها معنى المقول على الكل، وبكم مقدمة يكون، وانهما اثنتان، ومتى يكون منهما قياس ومتى لا يكون وذلك اذا لم يلف بينهما حد مشترك؛ وقلنا في كيفية شكل شكل من الاشكال الثلاثة الذي هو ترتيب الحدّ الاوسط بين الطرفين، وقلنا مع ذلك اي شكل من الاشكال نلتمسه في مطلوب مطلوب من المطالب الاربعة، اعني الموجب الكلي والسالب الكلي والموجب الجزئي والسالب الجزئي. واخبرنا بعد ذلك عن كيفية البحث عن المطلوب على الاطلاق، في اي صناعة كانت، وبأي سبيل نأخذ مقدمات القياس نعلمها، وكيف نحلّ كل قول قياسي الى القياس الذي تركب منه. فنقول الآن انه لما كانت المقاييس منها ما ينتج نتائج كلية، ومنها ما ينتج نتائج جزئية، فان المقاييس التي تنتج نتائج كلية قد يلحقها ويعرض لها ان تنتج سوى النتيجة الاولى نتائج كثيرة، واما المقاييس التي تنتج نتائج جزئية فان التي ينتج منها الموجبة الجزئية قد يعرض لها ان تنتج مع النتيجة الاولى نتائج كثيرة، واما التي تنتج سالبة جزئية فليس تنتج غير النتيجة الاولى؛ والسبب في ذلك ان النتائج الكلية والجزئية الموجبة تنعكس، والسالبة الجزئية ليس تنعكس. والقياس الذي ينتج نتيجة كلية موجبة يعرض له ان ينتج الجزئية المنطوية تحت تلك الكلية، والجزئية التي تنعكس اليها الكلية الموجبة؛ والذي ينتج سالبة كلية يعرض له ان ينتج عكسها والسالبة الجزئية المنطوية تحتها؛ والذي ينتج الموجبة الجزئية يعرض له ان ينتج عكسها، واما الذي ينتج السالبة الجزئية فليس يعرض له ان ينتج غيرها اذ كانت غير منعكسة ولا محيطة بغيرها. فمن هذه الجهة يعرض للقياس الواحد بعينه ان ينتج اكثر من نتيجة واحدة، الا ان الذي ينتج بالذات واولاً هي واحدة، وسائر ما ينتجه انما ينتجه من جهة انه يلحق النتيجة الاولى وبوساطتها فكأنها نتائج بالعرض. ولذلك لم يعدد امثال هذه في نتائج المقاييس في المقالة الأولى، وغلط في ذلك قدماء المفسرين فعددوها. وقد يمكن ان يظن انه قد يكون عن القياس الواحد بعينه نتيجة اكثر من واحدة على جهة اخرى، الا ان ذلك في الظن لا في الحقيقة. وذلك اما في الشكل الاول فانه يعرض ذلك على وجهين: احدهما متى بيّنا ان محمولاً ما يوجد لموضوع ما، وكان ظاهرًا عندنا ان شيئًا ما موضوع لموضوع المطلوب، فقد يظن انه اذا تبيّن ان محمول المطلوب موجود في موضوعه، انه قد تبيّن مع ذلك انه موجود في موضوع الموضوع. مثال ذلك ان يكون المطلوب: هل العالم محدث؟ فانه اذا تبيّن لنا ان العالم محدث، تبيّن لنا ان السماء محدثة وذلك انه ظاهر بنفسه ان السماء جزء من اجزاء العالم. فهذا احد ما يظن به انه قد يكون عن قياس واحد بهذه الجهة اكثر من نتيجة واحدة، وليس ذلك حقيقيًا، فان قولنا السماء محدثة في هذا المثال انما انتج بمقدمتين: احداهما ان السماء جزء من اجزاء العالم، والثانية ان جميع اجزاء العالم محدث، فيلزم ان السماء محدثة. والوجه الآخر انه متى بيّنّا ان شيئًا ما موجود لموضوع بمقدمتين، وكان ظاهرًا بنفسه ان الحدّ الاوسط في المقدمتين منطو تحته موضوع آخر مع موضوع المطلوب، فقد يظن انه ينتج عن ذلك نتائج اكثر من واحدة: احداها النتيجة المطلوبة، والاخرى التي موضوعها منطو تحت الحدّ الاوسط مع موضوع المطلوب. مثال ذلك ان يبيّن ان العالم محدث بمقدمتين: احداهما ان العالم مؤلف، والثانية ان المؤلف محدث؛ فانه قد يظن انه ينتج لنا من هاتين المقدمتين نتيجتان: احداهما ان العالم محدث، والثانية ان الجسم محدث، لانه ظاهر بنفسه ان الجسم منطو تحت المؤلف على مثال انطواء العالم تحته. واكثر ما يعرض هذا اذا كانت الكبرى بيّنة عن قياس. وهما في الحقيقة قياسان يشتركان في المقدمة الكبرى ويفترقان في الصغرى؛ وهذا بعينه يعرض في الشكل الاول الذي ينتج السوالب الكلية. كما يعرض في الذي ينتج الموجبة الكلية. واما الذي ينتج الجزئية فليس يعرض فيه الصنف من النتائج الذي يكون من قبل انطواء موضوعها تحت موضوع النتيجة لكون النتيجة جزئية، ويعرض فيه الصنف الثاني لكون المقدمة الكبرى كلية في جميع اصناف المقاييس في هذا الشكل، الكلية والجزئية. واما الشكل الثاني فانه يعرض في الاصناف الكلية منه ان يظن به انه ينتج نتيجة وما هو منطو تحت موضوع النتيجة لغرب ذلك في بادئ الراي، وفي الحقيقة انما هي نتيجة قياس في الشكل الاول، اعني وجود الطرف الاعظم لموضوع موضوعه، وليس يظن فيه انه ينتج مع نتيجته ما هو موضوع للحدّ الاوسط لان ذلك ان انتج فانما ينتج بترتيب الشكل الثاني، والفكرة لا تقع بالطبع على شعور الانتاج في الشكل الثاني كوقوعها على ذلك في الشكل الاول. فلذلك يظهر ان وجود الطرف الاعظم لما هو موضوع للحدّ الاوسط في الشكل الثاني هو بقياس ثان، وليس يظن به انه ينتج بالقياس الاول بخلاف ما هو موضوع لموضوع النتيجة. مثال ذلك قولنا: الجسم السماوي ليس بمحدث، والجسم المركب محدث. فانه يلزم عن هذا القياس ان الجسم السماوي ليس بمركب، وان فلك الكواكب الثابتة غير مركب اذ كان انطواؤه تحت الجسم السماوي ظاهرًا بنفسه. واما ان يظن انه يلزم عن هذا القياس وجود الطرف الاعظم لما هو موضوع للحدّ الاوسط فيه. مثل ان يكون بينّا بنفسه ان الاسطقسات ليست بمحدثة، فانه ليس يلزم عن ذلك ان الاسطقسات ليست بمركبة الا بقياس هو غير القياس الذي لزم به ان الجسم السماوي ليس بمركب، وذلك في الحقيقة وفي بادئ الراي. وكذلك الحال في الشكل الثالث، اعني انه ليس يظن به انه ينتج مع نتيجتة الا وجود الطرف الاكبر لما هو موضوع للطرف الاصغر فقط لا لما هو موضوع للحد الاوسط، ولذلك ليس يظن بالمقاييس الجزئية منها انها تنتج غير نتيجتها اذ موضوع المطلوب فيه جزئي. فصل ‑٢‑ في انه قد يمكن ان يكون من المقدمات الكاذبة نتيجة صادقة ومتى يكون ذلك وكيف [في الشكل الاول] والمقدمتان اللتان يكون منهما القياس قد تكونان معًا صادقتين وقد تكونان معًا كاذبتين، وقد تكون احداهما صادقة والاخرى كاذبة؛ والكاذبة ربما كانت كاذبة بالكل، وهي التي يصدق ضدها، وربما كانت كاذبة بالجزء. واما النتيجة فتكون اما صادقة باضطرار واما كاذبة. فاما المقدمتان الصادقتان او المقدمات الصادقة فليس يمكن ان يكون عنها نتيجة كاذبة؛ واما المقدمات الكاذبة فقد يمكن ان يكون عنهما نتيجة صادقة، لكن ليس يعرض ذلك من قبل المقدمات بل ذلك لعلة اخرى ستبيّن بعد. فاما انه لا يمكن ان يكون عن مقدمات صادقة نتيجة كاذبة، فذلك يبيّن على هذا الوجه. لنأخذ بدل المقدمتين الصادقتين ا ، ونأخذ بدل النتيجة ب ، وهو بيّن من حدّ القياس انه اذا وضعت ا موجودة ان ب تكون موجودة، لان ا تكون بمنزلة المقدم في القياس الشرطي المتصل، و ب بمنزلة التالي؛ وهو بيّن انه اذا وجد المقدم وجد التالي، وانه اذا ارتفع التالي ارتفع المقدم، والا لزم ان يوجد المقدم دون وجود التالي وقد فرض انه اذا وجد المقدم وجد التالي، فيلزم ان يكون التالي موجودًا وغير موجود معًا، هذا خلف لا يمكن. فاذن ان كانت ا صادقة فباضطرار ان تكون ب صادقة، لانه ان كانت غير صادقة عرض ان تكون ب غير موجودة و ا موجودة وقد تبيٌن استحالة ذلك. و ا ليس ينبغي ان يتوهم هنا شيئًا واحدًا، وانما اخذت بدل المقدمتين الصادقتين التي نسبة احداهما الى الاخرى كنسبة الكل الى الجزء؛ وذلك انه اذا كان قولنا: ا مقولة على كل ب صادقًا، وب مقولة على كل ‍ صادقًا ايضًا، فباضطرار ان يكون قولنا ا مقولة على كل ‍ صادقًا ايضًا والا عرض ان يكون الصادق غير صادق. ولما كان ليس يلزم عن ارتفاع المقدم ارتفاع التالي، لم يلزم اذا كانت ا كاذبة ان تكون ب ، التي هي النتيجة، كاذبة، لأن لزوم النتيجة عن القياس ليس لزومًا متكافئًا اعني منعكسًا. وهذا البرهان بعينه هو عام للقياس الذي ينتج السالب او الموجب، اعني انه لا يمكن ان يكون فيه من مقدمات صادقة نتيجة كاذبة. القول في المقدمات الكاذبة التي تنتج صادقة في الشكل الاول وغيرها. واما اذا كانت المقدمات في القياس كذبًا فقد يمكن ان يكون عنهما نتيجة صادقة، الا انه ليس يعرض ذلك من ايهما اتفق ان تكون الكاذبة، ولا بأي نوع اتفق من نوعي الكذب، اعني الكلي والجزئي. ولكن متى اخذت الكبرى وحدها كاذبة بالكلية، فانه ليس يكون عن القياس الذي هذا شأنه نتيجة صادقة اصلاً. واما متى اخذت كاذبة بالجزء، او اخذت كلتا المقدمتين كاذبة، او اخذت الصغرى كاذبة فقط، فقد يمكن ان يكون عنهما نتيجة صادقة. فلتكن اولاً المقدمتان كاذبتين بالكلية، فاقول انه يظهر من المواد انها تنتج نتيجة صادقة. وذلك انه ليس يمنع مانع من ان تكون مثلاً، التي هي الطرف الاعظم، محمولة حمل صدق على ‍ التي هي الطرف الاصغر، وتكون ا غير موجودة لب ، و ب ايضًا، التي هي الحدّ الاوسط، غير موجودة ﻟ ‍ الذي هو الطرف الاصغر. فاذا اخذ ان ا محمولة على كل ب ، و ب محمولة على كل ، كانت المقدمتان كاذبتين وكانت النتيجة صادقة، وهي ان ا محمولة على كل . مثال ذلك قولنا: كل انسان حجر، وكل حجر حيوان، فكل انسان حيوان. فهاتان مقدمتان كاذبتان بالكلية ونتيجة صادقة. ومثال هذا بعينه يعرض في القياس الكلي الذي ينتج السالب في الشكل الاول، لانه قد يجوز ان تكون ا غير موجودة لشيء من ‍ الذي هو الطرف الاصغر، وتكون ا موجودة ﻟ ب الذي هو الاوسط، و ب غير موجودة ﻟ ‍ ؛ فاذا اخذ ان ا غير موجودة لشيء من ب ، و ب موجودة لكل ‍ ، كانتا كاذبتين الا انه ينتج ان ا غير موجودة ل ‍ وهو صدق. مثال ذلك قولنا: كل انسان حجر، ولا حجر واحد صنم، فولا انسان واحد صنم. وكذلك يبيّن متى اخذت المقدمتان كلتاهما كاذبتين بالجزء. فان كانت المقدمة الواحدة كذبًا وكانت المقدمة العظمى، وكانت كاذبة بالكل، فاقول ان النتيجة لا تكون صدقًا. وبيان ذلك ان تكون ا غير موجودة في شيء من ب و ب موجودة في كل ‍ ، فانّا ان اخذنا ان ا موجودة في كل ب وذلك كذب، واخذنا ان ب موجودة في كل ‍ وهو صدق، فمحال ان تكون ا موجودة في كل ‍ ، اعني ان يكون قولنا ا في كل ‍ صدقًا؛ وذلك انه قد كان الصادق ان ا ليست توجد في شيء مما هو موضوع ﻟ ب ، و ‍ موضوعة ﻟ ب . فاذن ليس يمكن ان يكون حمل ا على ‍ صادقًا، وذلك بيّن بنفسه من معنى ⟪المقول على الكل⟫، وسواءً كانت المقدمة الكبرى اذا اخذت كاذبة بالكل سالبة او موجبة. واما اذا كانت المقدمة الكبرى كاذبة بالجزء فقد تكون النتيجة صادقة لانه يمكن ان تكون ا موجودة في كل ‍ وفي بعض ب ، وتكون ب في كل ‍ ؛ فاذا اخذت ا محمولة على كل ب ، و ب على كل ‍ ، كان حمل ا على كل ب كاذبًا بالجزء، وحمل ب على ‍ صادق بالكل والنتيجة صادقة بالكل. مثال ذلك قولنا: كل ققنس ابيض، وكل ابيض حي, فكل ققنس حي، والنتيجة صادقة، والكبرى كاذبة بالجزء و هي قولنا: كل ابيض حي. وكذلك يعرض متى كانت المقدمة الكبرى سالبة، اعني الكلية، واخذت كاذبة بالجزء. مثال ذلك كل ثلج ابيض، ولا ابيض واحد حي، النتيجة: ولا ثلج واحد حي، وهي صدق. فان اخذت المقدمة الصغرى كلها كاذبة، والكبرى كلها صادقة، فان النتيجة قد تكون صدقًا لانه ليس شيء يمنع ان تكن ا موجودة في كل واحدة من ب و ‍ ، وتكون ب غير موجودة في شيء من ‍ . فان اخذت ا موجودة في كل ب ، و ب موجودة في كل ‍ ، ينتج ان ا موجودة في كل ‍ ، وهي صدق، والصغرى كاذبة وهي قولنا: ب موجودة في كل ‍ . وهذا يعرض في النوعين اللذين تحت جنس واحد، اعني ان الجنس يحمل عليهما جميعًا ولا يحمل احدهما على الثاني؛ فمتى اخذ ان الجنس موجود في احدهما بوجوده في الثاني، ووجود الثاني في الذي اخذ ان الجنس فيه اولاً موجود، فقد اخذت نتيجة صدق من مقدمتين: كبراهما صدق، وصغراهما كاذبة بالكلية. مثال ذلك قولنا: كل انسان فرس، وكل فرس حي، فكل انسان حي. وكذلك يعرض متى كانت المقدمة الكبرى سالبة. وهذا يعرض في الجنس مع الانواع التي تحت جنس آخر، اعني ان يكون الجنس مسلوبًا عن كل واحد من النوعين، وكل واحد من النوعين مسلوب عن صاحبه، فاذا اخذ احدهما موجودًا في الثاني واخذ الجنس غير موجود فيه، انتج ان الجنس مسلوب عن الذي اخذ عنه مسلوبًا من اجل سلبه عن الثاني. مثال ذلك قولنا: كل موسيقى طب، ولا طب واحد حيوان، ولا موسيقى واحدة حيوان. وكذلك ان كانت المقدمة الصغرى كاذبة بالجزء، فان النتيجة ايضًا قد تكون صادقة لانه قد يمكن ان تكون ا موجودة في كل واحد من ب و ‍ ، وتكون ب موجودة في بعض ‍ ، او تكون ا غير موجودة في شيء من ب و ‍ ، وتكون ب ايضًا موجودة في بعض ‍ . فاذا اخذ ان ب موجودة في كل ،‍ و ا موجودة في كل ب ، انتج ان ا موجودة في كل ‍ ، وتلك نتيجة صادقة من مقدمتين: كبراهما صادقة بالكل والاخرى كاذبة بالجزء. وهذا يعرض للجنس الذي يوجد في النوع وفي الفصل، كالحي فانه موجود في كل انسان وفي كل مشاء، والانسان موجود في بعض المشاء لا في كله؛ فاذا قيل: كل مشاء انسان، وكل انسان حي، لزم عن ذلك نتيجة صادقة وهو ان كل مشاء حي. ويعرض ان تكون ا غير موجودة في شيء من ب و ‍ و ب في بعض ‍ ، كالحال في الجنس مع الفصل والنوع الذي تحت جنس آخر كالنبات، فانه ليس في شيء من الانسان ولا في شيء من المتخيل، وبعض المتخيل انسان؛ فاذا قلنا: كل متخيل انسان، ولا انسان واحد نبات، انتج لنا: ولا متخيل واحد نبات. فهذا ما يعرض للنتيجة مع المقدمات الكاذبة في الصنفين الكليين من الشكل الاول. واما في الصنفين الجزئيين منه فقد يمكن اذا كانت المقدمة الكبرى كلها كذبًا، والاخرى كلها صدقًا، ان تكون النتيجة صادقًا، وذلك خلاف ما عرض للاصناف الكلية من هذا الشكل. وقد يمكن ذلك ايضًا اذا كانت كاذبة بالجزء، او كانت كلتاهما كاذبتين اما بالكل واما بالجزء. اما كون النتيجة صادقة مع ان الكبرى كاذبة بالكل فذلك ممكن لانه ليس يمتنع ان تكون ا غير موجودة في ب وموجودة في بعض ‍ ، وتكون ب موجودة في بعض ‍ ، كالحي فانه غير موجود في شيء من الثلج، وموجود في بعض الابيض، والثلج موجود في بعض الابيض، فاذا قيل: بعض الابيض ثلج، وكل ثلج حي، انتج ان بعض الابيض حي، وذلك نتيجة صادقة عن مقدمتين: كبراهما كاذبة بالكل، وصغراهما صادقة. وكذلك يعرض اذا كانت المقدمة الكبرى سالبة، فانه يمكن ان تكون ا موجودة في كل ب وغير موجودة في بعض ‍ ، وتكون ب موجودة في بعض ‍ ، مثل الحي فانه موجود في كل انسان، وغير موجود في بعض الابيض، واما الانسان فموجود في بعض الابيض؛ فاذا قيل: بعض الابيض انسان، ولا انسان واحد حي، انتج ان بعض الابيض ليس بحي، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين: كبراهما كاذبة بالكل، وصغراهما صادقة. وكذلك يعرض ان كانت المقدمة الكبرى كاذبة بالجزء، لانه ليس يمنع مانع ان تكون ا في بعض ب وفي بعض ‍ ، وتكون ب موجودة في بعض ‍ . مثال ذلك الحي فانه موجود في بعض الجيّد وفي بعض الكبير، والجيّد في بعض الكبير؛ فاذا قيل: بعض الكبير جيّد، وكل جيّد حي، انتج ان بعض الكبير حي، وهي نتيجة صادقة عن مقدمتين: كبراهما بالجزء وصغراهما صادقة. وكذلك يعرض اذا كانت المقدمة الكبرى سالبة، وذلك بيّن بهذه الحدود بعينها بأن نقول: بعض الكبير جيّد، ولا جيّد واحد حي، فينتج لنا: بعض الكبير ليس بحي، وذلك صدق عن مقدمتين: كبراهما كاذبة بالجزء وصغراهما صادقة. وكذلك ان كانت الكاذبة هي المقدمة الصغرى، فقد يكون عن ذلك نتيجة صادقة، لانه يمكن ان تكون ا موجودة في كل ب وموجودة في بعض ‍ ، وتكون ب غير موجودة في شيء من ‍ . مثال ذلك الحي فانه موجود في كل ققنس وفي بعض الاسود، والققنس غير موجود في شيء من الاسود؛ فاذا قيل: بعض الاسود ققنس، وكل ققنس حي، انتج ان بعض الاسود حي، وذلك صدق عن مقدمتين: صغراهما كاذبة وكبراهما صادقة. وكذلك يعرض اذا كانت الكبرى سالبة، قد يمكن ان تكون ا غير موجودة في شيء من ب وغير موجودة في بعض ، وتكون ب غير موجودة في شيء من ‍ ، مثل الجنس ينسب الى نوع من جنس آخر والى العرض الموجود في انواع ذلك الجنس المنسوب. مثال ذلك الحي فانه غير موجود في شيء من العدد وغير موجود في بعض الابيض، والعدد غير موجود في شيء من الابيض، فاذا قيل: بعض الابيض عدد، ولا عدد واحد حي، انتج ان بعض الابيض ليس بحي، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين: كبراهما صادقة وصغراهما كاذبة. وكذلك يعرض ان تكون النتيجة صادقة ان كانت المقدمة الكبرى كاذبة بالجزء والصغرى كاذبة بالكل، لانه يمكن ان تكون ا موجودة في بعض ب وفي بعض ‍ ، وتكون ب غير موجودة في شيء من ‍ ، وذلك يعرض اذا كانت ب ضد اﻟ ‍ وكانا جميعًا عرضين في جنس واحد؛ مثل الحي فانه في بعض الابيض وفي بعض الاسود، والابيض غير موجود في شيء من الاسود. فاذا قيل: بعض الابيض اسود، وكل اسود حي، انتج ان بعض الابيض حي، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين كبراهما كاذبة بالجزء. وكذلك يعرض ان كانت المقدمة الكبرى سالبة، وذلك يبيّن من هذه الحدود بعينها؛ وذلك انه اذا اخذ: بعض الابيض اسود، ولا اسود واحد حي، انتج ان بعض الابيض ليس بحي، وذلك صدق. وكذلك اذا كانت المقدمتان كاذبتين، وكانت الكبرى كاذبة بالكل، فقد يعرض ان تكون النتيجة صادقة، لانه قد يمكن ان تكون ا غير موجودة في شيء من ب وموجودة في بعض ‍ ، وتكون ب غير موجودة في شيء من ‍ ، مثل الجنس فانه غير موجود في النوع الذي من جنس آخر، وهو موجود في العرض الذي يوجد لانواعه، وذلك العرض غير موجود في النوع. مثال ذلك قولنا: بعض الابيض عدد، وكل عدد حي، فبعض الابيض حي، وذلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين. وكذلك يعرض اذا كانت المقدمة الكبرى سالبة. مثال ذلك قولنا: بعض الاسود ققنس، ولا ققنس واحد حي، فانه ينتج ان بعض الاسود حي، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين. فهذه هي اصناف ما ينتج في الشكل الاول من مقدمات كاذبة نتيجة صادقة. ‑٣‑ القول في الشكل الثاني قال : واما في الشكل الثاني فقد يمكن ان تكون نتيجة صادقة عن مقدمات كاذبة، كانت كل واحدة من المقدمتين كاذبة، وذلك اما بالكل واما بالجزء، واما احداهما بالكل والاخرى بالجزء، او كانت احداهما كاذبة والاخرى صادقة، كانت الكاذبة بالكل او كانت بالجزء؛ وذلك يكون فيه في القياسات التي تنتج الكلي والجزئي. وذلك انه قد تكون ب مثلاً، التي هي الحدّ الاوسط، غير موجودة في شيء من ا ، الذي هو الطرف الاعظم، وموجودة في كل ‍ ، الذي هو الطرف الاصغر، فتكون ا غير موجودة في شيء من على ما تبيّن. مثال ذلك قولنا: كل انسان حي، ولا حجر واحد حي، فولا انسان واحد حجر. فان وضعت هذه المقدمات على ضد ما هي بأن تؤخذ ب موجودة في ككل ا ، اعني بأن يؤخذ ان كل حجر حي، وغير موجودة في شيء من ‍ ، اعني بأن يؤخذ انه ولا انسان واحد حي، فانه ينتج عن هاتين المقدمتين الكاذبتين النتيجة بعينها التي كانت عنها اذا وضعت صادقتين. وكذلك يعرض اذا كان الصادق ان ب موجودة في كل ا وغير موجودة في شيء من ‍ ، اعني انه اذا قلبت هذه ايضًا الى ضدها انتجت ما كان ينتج قبل القلب الى الكذب وهو ان ا ليس في شيء من ‍. وكذلك يعرض اذا كانت المقدمة الواحدة كذبًا كلها والاخرى صدق ان تنتج ايضًا نتيجة صادقة، لانه يمكن ان تكون ب مثلاً، التي هي الحدّ الاوسط، موجودة في كل واحد من ا و ‍ ، اللذين هما طرفا المطلوب، وتكون ا غير موجودة في شيء من ‍ . وذلك يعرض للجنس مع الانواع القسيمة التي تحته، مثل الحي فانه موجود في كل انسان وفي كل فرس، والفرس غير موجود في واحد من الناس. فمتى اخذ ان الحي موجود في الواحد وغير موجود في الآخر، فان المقدمة الواحدة تكون كلها كذبًا والاخرى كلها صدقًا، وتكون النتيجة كلها صدقًا في اي ناحية صيّرت السالبة، اعني كبرى او صغرى. مثال ذلك قولنا: ولا فرس واحد حي، وكل انسان حي، فانه ينتج انه ولا فرس واحد انسان، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين: احداهما كاذبة والاخرى صادقة. وكذلك يعرض اذا كانت بعض المقدمة الواحدة كذبًا، وكانت الاخرى كلها صدقًا، لانه ايضًا قد يمكن ان تكون ب موجودة في بعض ا وفي كل ، وتكون ا غير موجودة في شيء من ‍، كالحي فانه موجود في بعض الابيض وفي كل غراب، والابيض غير موجود في واحد الغربان. فاذا اخذ انه ولا ابيض واحد حي، وكل غراب حي، فانه ينتج: ولا غراب واحد ابيض، وهذه نتيجة صدق عن مقدمتين: احداهما كاذبة بالجزء وهي قولنا: ولا ابيض واحد حي، والثانية صادقة بالكل وهي قولنا: كل غراب حي. وكذلك يعرض ان كانت الكاذبة بالجزء هي الموجبة، وكانت السالبة صادقة بالكل، مثل قولنا: كل ابيض حي، ولا زفت واحد حي، فانه ينتج: ولا ابيض واحد زفت، وهي نتيجة صادقة عن مقدمتين: احداهما موجبة كاذبة بالجزء وهي قولنا: كل ابيض حي، والثانية سالبة صادقة بالكل وهي قولنا: ولا زفت واحد حي. وكذلك يعرض ان تكون النتيجة صادقة اذا كانت كلتا المقدمتين كاذبتين بالجزء. مثال ذلك قولنا: كل ابيض حي، ولا اسود واحد حي، فانه ينتج عن هذا: ولا ابيض واحد اسود، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين بالجزء، وذلك ان بعض الابيض حي وبعض الاسود حي. وسواءً فرضت السالبة هي الكبرى او الصغرى بأن نقول: ولا ابيض واحد حي، وكل اسود حي، اعني في انه تكون النتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين بالجزء. فهذه حال المقاييس الكلية مع المقدمات الكاذبة في هذا الشكل. واما المقاييس الجزئية فانه قد يعرض ايضًا فيها مثل ما عرض في الكلية. وذلك انه قد تكون الكبرى كاذبة بالكل والجزئية صادقة، فتكون النتيجة صادقة. مثال ذلك قولنا: بعض الابيض حي، ولا انسان واحد حي، فينتج عن ذلك ان بعض الابيض ليس بانسان، وهي صدق عن مقدمتين: الجزئية صادقة والكلية كاذبة بالكل. وكذلك يعرض ان صيّرت الكلية الكاذبة هي الموجبة. مثال ذلك قولنا: بعض الابيض ليس بحي، وكل غير متنفس حي، فينتج عن ذلك ان بعض الابيض غير متنفس، وهو صدق عن جزئية سالبة صادقة وموجبة كلية كاذبة. وكذلك يعرض ان وضعت المقدمة الصادقة هي الكلية والكاذبة الجزئية. مثال ذلك قولنا: بعض غير المتنفس حي، ولا عدد واحد حي، فانه ينتج عن ذلك ان بعض غير المتنفس ليس بعدد، وهو صدق عن جزئية كاذبة وكلية سالبة صادقة. وكذلك يعرض اذا اخذت الكلية الصادقة موجبة والجزئية الكاذبة سالبة. وذلك شيء يعرض للجنس مع الانواع الموجودة فيه وفصول تلك الانواع، وذلك انه لا يصدق ان نقول: بعض المشاء ليس بحي، وكل انسان حي، فينتج عن ذلك ان بعض المشاء ليس بانسان، وذلك صدق عن مقدمة صادقة كلية وكاذبة جزئية. وكذلك اذا كانت المقدمتان كلتاهما كاذبة: الجزئية والكلية، فانه قد يكون عن ذلك نتيجة صادقة، سواءً كانت السالبة هي الجزئية او الكلية. مثال ذلك قولنا: كل علم هو قوة حيوانية، وبعض الانسان ليس له قوة حيوانية، فانه ينتج عن ذلك ان بعض الانسان ليس له علم، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين. وكذلك يعرض ان كانت السالبة هي الكلية والجزئية الموجبة، مثل ان نقول: ولا انسان واحد له قوة حيوانية، وبعض العلم هو قوة حيوانية، فانه ينتج عن ذلك ان بعض الناس ليس بعالم او ليس له علم. ‑٤‑ القول في الشكل الثالث وقد يتفق ايضًا في هذا الشكل ان تكون النتيجة صادقة وكلتا المقدمتين كاذبتان، اما بالكل واما بالجزء، واما احداهما بالكل والثانية بالجزء؛ وكذلك اذا كانت احداهما صادقة والاخرى كاذبة، بالكل كانت او بالجزء. وذلك انه ليس يمنع مانع من ان يكون شيئان غير موجودين في شيء آخر واحدهما موجود في الثاني، فمتى اخذ ان كل واحد منهما موجود في ذلك الشيء لآخر حدث هناك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين بالكل. مثال ذلك قولنا: كل غير متنفس مشاء، وكل غير متنفس انسان، فانه ينتج في هذا الشكل ان بعض المشاء انسان، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين بالكل. ومثال ذلك يعرض اذا كانت الواحدة سالبة والاخرى موجبة، لانه قد يمكن ان تكون ج‍، التي هي مثال الاصغر، غير موجودة في شيء من ب ، الذي هو الاوسط، وتكون ا ، التي هي الحدّ الاكبر، موجودة في كل ب وغير موجودة في بعض ‍ . فاذا اخذنا ان موجودة في كل ب ، و ا غير موجودة في شيء من ب ، انتج لنا ان ا غير موجودة في بعض ‍ . مثال ذلك قولنا: كل ققنس اسود، ولا ققنس واحد حي، فانه ينتج ان بعض الاسود ليس بحي، وهو صدق عن مقدمتين كاذبتين بالكل. وكذلك اذا كانت كل واحدة من المقدمتين كاذبتين بالجزء فقد يمكن ان تكون النتيجة منهما صادقة، لانه يمكن ان تكون ا و ‍ موجودتين في بعض ب ، وتكون ا موجودة في بعض ‍ ، كالابيض والجيّد فانهما موجودان في بعض الحي والجيّد موجود في بعض الابيض. فاذا وضعنا كلتا ا و ‍ موجودتين في كل ب ، فانه ، يعرض ان تكون ا في بعض ‍ ، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين بالجزء. مثال ذلك قولنا: كل حي ابيض، وكل حي جيّد، فانه ينتج ان بعض الابيض جيّد، وهو صدق. وكذلك يعرض اذا كانت الكبرى سالبة وهي مقدمة ا ب ، لانه لا شيء ايضًا يمنع ان تكون ا غير موجودة في بعض ب ، وتكون ‍ موجودة في بعض ب ، وتكون ا غير موجودة في بعض التي هي النتيجة. مثال ذلك قولنا: ولا حي جيّد، وكل حي ابيض، فانه ينتج عن ذلك ان بعض الابيض ليس بجيّد، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين بالجزء. وكذلك قد تكون النتيجة صادقة اذا كانت احدى المقدمتين كاذبة بالكل والاخرى صادقة لانه قد يمكن ان تكون كلتا ا و ‍ موجودتين في ب ، ا وتكون غير موجودة في بعض ‍ . فاذا اخذنا ا غير موجودة في شيء من ب ، و موجودة في كل ب ، انتج لنا ان ا غير موجودة في بعض ‍ ، وذلك صدق عن مقدمتين احداهما كاذبة. مثال ذلك قولنا: كل ققنس حي، ولا ققنس واحد ابيض، فانه ينتج عن ذلك ان بعض الحي ليس بابيض، وذلك صدق عن مقدمتين احداهما كاذبة. وكذلك يعرض اذا كانت مقدمة ‍ ﺑﺠ ، التي هي الصغرى، كاذبة، ومقدمة ا ب ، التي هي الكبرى، صادقة. والحدود التي تبيّن ذلك منها هي الاسود وققنس وغير المتنفس؛ وذلك انه اذا وضعنا ان كل ققنس اسود، ولا ققنس واحد غير متنفس، انتج لنا ان بعض الاسود غير متنفس، وذلك صدق عن مقدمتين صغراهما كاذبة بالكل. وكذلك يعرض اذا اخذت كلتا المقدمتين موجبتين، اعني الصادقة والكاذبة. والحدود التي يتبيّن منها ذلك هي الحي والققنس والاسود؛ وذلك انّا نقول: كل ققنس اسود، وكل ققنس حي، فينتج لنا عن ذلك ان بعض الاسود حي، وهو صدق عن مقدمتين موجبتين احداهما كاذبة، وسواءً كانت الصادقة هي الكبرى او الصغرى. والبرهان على ذلك هو بهذه الحدود باعيانها. وكذلك قد تكون النتيجة صادقة اذا كانت احدى المقدمتين صادقة والاخرى كاذبة بالجزء، لأنه قد يمكن ان تكون ‍ موجودة في كل ب ، وتكون ا موجودة في بعض ب ، وتكون ا موجودة في بعض ‍ التي هي النتيجة. مثال ذلك ذو الرجلين فانه موجود في كل انسان، والجيّد غير موجود في كل انسان، والجيّد موجود في بعض ذي الرجلين. فان اخذت ا و ‍ موجودتين في كل ب ، فان مقدمة ‍ ب ﺟ تكون صادقة كلها وبعض مقدمة ا ب كاذبة، والنتيجة صادقة. مثال ذلك قولنا: كل انسان ذو رجلين، وكل انسان جيّد، والنتيجة ان بعض ذي الرجلين جيّد. وكذلك يعرض ان اخذت مقدمة ا ب ، اعني الكبرى، صادقة، ومقدمة ب ﺟ ‍، اعني الصغرى، كاذبة بالجزء. وبيان ذلك هو بهذه الحدود باعيانها اذا صيّرنا الطرف اكبر وفرضنا مطلوبنا المنتج عكس الاول وهو ان بعض الجيّد ذو رجلين. وكذلك يعرض ان اخذت المقدمة الواحدة سالبة والاخرى موجبة، فانه قد تبيّن في الشكل الثالث انه اذا كانت ‍ في كل ب ، و ا غير موجودة في بعض ب ، ا غير موجودة في بعض ‍ ؛ فان اخذت ‍ في كل ب ، و ا غير موجودة في شيء من ب ، فانه يعرض ان تكون المقدمة السالبة كذبًا، وتكون الاخرى كلها صدقًا، وتبقى النتيجة صادقة بعينها. وكذلك يعرض ان كان الكذب الجزئي في الموجبة، وذلك انه قد تبيّن في الشكل الثالث انه اذا كانت ا غير موجودة في شيء من ب و ‍ موجودة في بعض ب ، ان ا غير موجودة في بعض ‍ . فاذا عرض ان نأخد ان ا غير موجودة في شيء من ب ، و ‍ موجودة في كل ب ، بقيت النتيجة بعينها صادقة وهي ان ا غير موجودة في بعض ‍ ، فتكون النتيجة صادقة عن مقدمتين: احداهما صادقة بالكل، وهي السالبة، والاخرى كاذبة بالجزء وهي الموجبة. وهذا الذي قلنا انه يعرض في القياسات الكلية من هذا الشكل، هو بعينه يعرض في القياسات الجزئية. وبيان ذلك يكون بتلك الحدود التي بيّنا الامر بها في المقاييس الكلية، وذلك بأن نستعمل في السالبة من هذه ما استعملناه في السالبة من تلك، وفي الموجبة من هذه ما استعملناه في الموجبة، لأن المقدمة الكلية الكاذبة بالكل هي كاذبة بالجزء، سواء كانت موجبة او سالبة. فاذا استعملنا تلك المقدمات الكلية الكاذبة التي تمثلنا بها هنالك كلية، جزئية في هذا الموضع تبيّن بها ها هنا ما تبيّن هنالك. القول في لزوم كذب النتيجة كذب المقدمات وعدم لزوم صدق النتيجة صدق المقدمات وبيان سبب ذلك واذ قد تبيّن هذا، فهو بيّن انه اذا كانت النتيجة كاذبة فباضطرار ان تكون في المقدمات مقدمة كاذبة، والا كان ليس يحصل عن المقدمات الصادقة نتيجة صادقة، وذلك خلاف ما اخذ في حدّ القياس وما تبرهن من حاله. واما اذا كانت النتيجة صادقة فليس يجب لا محالة ان تكون المقدمات صادقة. والسبب في ذلك ان الصادق اعم من الصادق الذي تبيّن على طريق القياس؛ والصادق الذي تبيّن على طريق القياس تبيّن عن اكثر من قياس واحد. ولذلك ليس يلزم متى ارتفع القياس ان ترتفع النتيجة، اعني اذا كذبت المقدمات ان تكذب النتيجة، ويلزم اذا ارتفعت النتيجة، اي كذبت، ان يرتفع القياس، اي تكذب المقدمات، او يكون شكل القياس فاسدًا. وهذه هي حال اللازم مع الشيء الذي يلزمه اذا لم يكن لزومهما متكافئًا، مثل وجود الحيوان والانسان، فان الانسان لما كان اخص من الحيوان، لزم متى وجد الانسان ان يوجد الحيوان، ومتى ارتفع الانسان الاّ يرتفع الحيوان، ومتى ارتفع الحيوان ان يرتفع الانسان، والانسان ها هنا هو مكان القياس والحيوان هو مكان النتيجة. وكذلك يظهر ايضًا انه ليس يجب ولا بد اذا كذبت المقدمات ان تكذب النتيجة ولا ان تصدق، والبرهان على هذا ما اقوله. لنفرض شيئين: احدهما اول والآخر ثان، ونفرض ان الثاني يلزم عن الاول، اعني انه متى وجد الاول وجد الثاني، وليكن على الاول علامة ا ، وعلى الثاني علامة ب ، مثل ان يكون ا ابيض و ب عظيمًا، فنقول انه متى كان من شأن ا اذا وجد ان توجد ب ، فانه ليس يلزم متى ارتفع ا ان توجد ب ، وذلك انه قد تبيّن انه متى ارتفعت ب فواجب ان ترتفع ا ؛ وذلك انه ان لم ترتفع ا فلتكن موجودة، واذا كانت ا موجودة فانّا قد فرضنا ان ب تكون موجودة، فتكون ب اذا ارتفعت لزم ان توجد ب وذلك خلف لا يمكن. واذا تقرر هذا الاصل فنقول: انه متى كانت ثلاثة حدود: اول وثانٍ وثالث، وكان الثاني يلزم الاول، والثالث يلزم الثاني، فان الثالث يلزم الاول. واذا تقرر هذا فنقول انه ليس يلزم ان ترتفع ا وتوجد ب ، وذلك انه قد تبيّن ان ب لما كانت لازمة عن ا ان ب متى ارتفعت ارتفع ا ؛ فان انزلنا ان ا اذا ارتفعت وجدت ب ، وقد كان معنا ان ب اذا ارتفعت ارتفع ا ، فيلزم اذا ارتفعت الباء ان توجد الباء ، وذلك خلف لا يمكن. فلذلك ليس يلزم اذا كذبت المقدمتان ان تصدق النتيجة، بل الصدق لها انما هو بضرب من العرض، وذلك ما اردنا بيانه. وكذلك يظهر ايضًا انه ليس يلزم عن ارتفاع ا ان ترتفع ب ، لانه يلزم ان يكون وجود ا لازمًا عن وجود ب ، وقد كانت ب لازمة عن وجود ا ، فيكون اللزوم متكافئًا ومنعكسًا، وذلك مستحيل. فلذلك ليس يلزم اذا كذبت المقدمات ان تكذب النتيجة، فاما اذا كذبت النتيجة فانه تكذب المقدمات لانه اذا ارتفعت ب ارتفعت ا . فصل ‑٥‑ القول في البيان بالدور [في الشكل الاول] يعرض للقياس ان يقع فيه البيان بالدور، وهو ان تؤخذ نتيجته وعكس احدى مقدمتيه فيبيّن بها المقدمة الثانية. مثال ذلك انه اذا انتج انسان ان ا موجودة في كل ‍ بوساطة ب ، بأن يضع ا في كل ب ، و ب في كل ‍ ، فينتج له عن ذلك ان ا موجودة في كل ‍ ؛ فاراد ان يبيّن بهذه النتيجة التي هي ا في كل ‍ ، ان ا في كل ب ، فانه يأخذ ان ا في كل ‍ ، و ‍ في كل ب ، وهو عكس المقدمة الثانية، فينتج له من ذلك ان ا في كل ب ، وهي المقدمة الثانية التي قصد تبيينها. وكذلك يعرض له اذا اراد ان ينتج بهذه النتيجة بعينها المقدمة الاخرى التي هي ب في كل ‍ ، اعني انه يأخذ النتيجة التي هي ا في كل ‍ ، ويضيف اليها عكس المقدمة الاخرى التي هي ا في كل ب ، فيكون معه ، ب في كل ا و ا في كل ‍، فتكون النتيجة ب في كل ‍ وهي المقدمة المقصود انتاجها من مقدمتي القياس. ويبيّن انه ليس يمكن ان تبيّن المقدمات من النتائج بجهة غير هذه الجهة، لانه متى اخذ احد مقدمة غريبة فأضافها الى النتيجة، وذلك بأن يأخذ حدًا اوسط ليس هو واحدًا من الحدود التي في المقدمات، لم ينتج له من ذلك شيء من المقدمات المأخوذة في تلك النتيجة. مثال ذلك انه ان اضاف الى النتيجة التي هي ا في كل ‍ ، ان ‍ في كل ‍ ، لم ينتج له من ذلك الا ان ا في كل ‍ ، وذلك غير قولنا: ا في كل ب ، او ب في كل ‍ ، اللتان هما مقدمتا هذه النتيجة. واذا لم يمكن ان تؤخذ مع النتيجة مقدمة غريبة، فقد بقي ان نأخذ معها احدى مقدمتي القياس، لانه ان اخذنا المقدمتين بعينها عادت النتيجة التي كنا وضعناها مقدمة. لكن متى اخذنا ايضًا احدى مقدمتي القياس على ما هي عليه مع النتيجة، لم ينتج لنا ايضًا عن تلك المقدمة الاخرى. وذلك انه ان اضفنا الى النتيجة التي هي قولنا: ا على كل ‍ ، قولنا: ا على كل ب وهي المقدمة الكبرى لهذه النتيجة، فانه يأتي القول من موجبتين في الشكل الثاني، وذلك غير منتج. وان اضفنا اليها الصغرى وهي قولنا: ب على كل ‍ ، اتى من ذلك قياس من موجبتين في الشكل الثالث ينتج ان ا في بعض ب . فلذلك يجب ان نأخذ المقدمة التي نضيفها الى النتيجة معكوسة، مثل ان نضيف كما قلناه الى نتيجة ا في كل ‍ ، ب في كل ا ، فينتج لنا الصغرى وهي ب في كل ‍ . وكذلك ان اضفنا اليها عكس الصغرى انتجت المقدمة الكبرى. ولذلك ما يظهر ان هذا النوع من البيان انما يمكن في المقدمات المنعكسة. فمتى كانت المقدمتان منعكستين والنتيجة منعكسة، كان هنالك ست مقدمات: مقدمتا القياس وعكسهما، والنتيجة وعكسها، وامكن ان يبرهن كل واحد من هذه المقدمات بأنفسها بعضها من بعض، حتى لا يبقى فيها شيء الا يتبيّن بقياس مأخوذ منها انفسها، فيتولد هنالك ستة مقاييس تنتج ستة اصناف من النتائج. مثال ذلك حدود ا ب ج‍ الثلاثة منعكسة بعضها على بعض وكذلك النتيجة المتولدة عنها. مثال ذلك ان تكون كل ا ب وكل ب ا ، وكذلك كل ب ﺟ وكل ج‍ ب ، وكذلك كل ‍ ا ﺟ وكل ج‍ ا . فانه اذا برهنا ان ا موجودة في ، فأخذنا ا في كل ب و ب في كل ،‍ فانه يمكن ان نبرهن ايضًا مقدمة ا في كل ب وهي الكبرى بالنتيجة، وعكس مقدمة ‍ ب ﺟ وهي الصغرى بأن نقول ا : في كل ‍ ، و ‍ في كل ب ، فينتج لنا ان ا في كل ب وهي الكبرى من هذا القياس. وكذلك نبيّن مقدمة ‍ ب ﺟ التي هي الصغرى بالنتيجة بعينها وعكس المقدمة الكبرى. واذا كان هذا هكذا فقد امكننا ان نبرهن كل واحدة من مقدمتي هذا القياس. والذي بقي لنا ان نبرهن مما اخذناه في برهان هاتين المقدمتين، هو عكس كل واحدة من المقدمتين لان النتيجة هي التي قد تبرهنت من اول الامر، وذلك يتفق لنا بأن نعكس النتيجة ونضيف اليها المقدمة الاخرى. اعني انه ان اردنا ان نبرهن عكس الكبرى، وهي ان ب في كل ا ، اخذنا عكس النتيجة والمقدمة الصغرى بعينها فقلنا: ب موجودة في كل ‍ وهي الصغرى، و ‍ في كل ا وهو عكس النتيجة، انتج لنا من ذلك ان ب موجودة في كل ا وهو عكس الكبرى الذي استعملناه آنفًا غير مبرهن. وكذلك متى اخذنا عكس النتيجة، واضفنا اليها المقدمة الكبرى، انتج لنا عكس الصغرى وهو الذي اخذناه قبل غير مبرهن بأن نقول: ‍ في كل ا وهي عكس النتيجة، و ا في كل ب ، فينتج لنا من ذلك ‍ في كل ب ، وهو العكس الذي استعملناه غير مبرهن. فاذن لم يبق في هذه المقدمات شيء لم نبرهنه الا عكس النتيجة وهو القياس السادس، وذلك يبيّن بعكس المقدمتين اللتين انتجناها من اول الامر. مثال ذلك ان نقول: ‍ هو ب ، وكل ب هو ا ، فكل ‍ هو ا وهذا هو عكس النتيجة. فاذن لم يبق لنا من هذه المقدمات شيء مأخوذ الا قد برهنا عليه. وهو بيّن ان هذا كما قلناه انما يعرض في المقدمات المنعكسة بعضها على بعض، الا ان هذا النحو من البيان، اعني اخذ الشيء في بيان نفسه، هو نوع من المصادرة، ولذلك لا يستعمل في البراهين الا ان يكون ذلك مستعملاً بجهتين، وذلك بأن تكون المقدمات اعرف من النتيجة بجهة والنتيجة اعرف منها بجهة اخرى، مثل ان تكون المقدمات اعرف من جهة معرفة الوجود والنتيجة اعرف من جهة معرفة السبب. والذي يختص بهذا النحو من البيان هي صناعة السفسطة. فهكذا يعرض البيان بالدور كما قلنا في الصنف الاول من الشكل الاول، و هو الذي ينتج الموجب الكلي. واما الصنف السالب منه فانه قد يمكن ايضًا ان يعرض فيه هذا النحو من البيان. فلتكن ا غير موجودة في شيء من ب ، و ب موجودة في كل ‍ ، فتكون النتيجة في الشكل الاول ان ا غير موجودة في شيء من ‍ . فاذا اردنا ان نبيّن في هذا الصنف المقدمة الكبرى بالنتيجة وعكس الصغرى، فانّا نأخذ ان ا غير موجودة في شيء من ،‍ و ‍ في كل ب ، فينتج لنا ا غير موجودة في شيء من ب وهي المقدمة الكبرى. واما اذا اردنا ان تنتج الصغرى من النتيجة وعكس المقدمة الكبرى فانه ليس يتأتى لنا ذلك من المقدمات انفسها، وذلك انه ليس يكون قياس من سالبتين ولو كان لم ينتج الا سالبة، والذي يطلب انتاجه هي الصغرى وهي موجبة. فلذلك اذا اردنا ان نبيّن المقدمة الصغرى من النتيجة نفسها ومن عكس المقدمة الكبرى، فانّا نضع النتيجة على حيالها من غير ان نغيّرها وهي قولنا: ا غير موجودة في شيء من ‍ ، ثم نأخذ المقدمة الكبرى وهي قولنا: غير موجودة في شيء من ب ، فنجد يلزم عنها ان تكون ا غير موجودة في كل ما فيه ب موجودة، فنضع عكس هذا وهو ان تكون ب موجودة في كل ما ليس ا فيه موجودة. فاذا كان معنا ان ب موجودة في كل ما ليس توجد فيه ا ، واضفنا الى هذه المقدمة ان ا مسلوبة عن ‍ ، فهو بيّن انه ينتج لنا عن ذلك ان ب موجودة في كل ‍ ، وهي المقدمة الصغرى التي قصدنا انتاجها. وليس هذا اصلاً ثانيًا من ⟪المقول على الكل⟫ غير الاصل الذي استعمل في اول هذا الكتاب، كما نجد ابا نصر يومئ الى ذلك. وذلك انه يقول ان هذا الاصل مناقض لذلك الاصل الاول، وانه اذا استعمل هذا الاصل وجد الغير المنتج بحسب ذلك الاصل منتجًا بحسب هذا الاصل؛ وذلك ان هذا الاصل هو ان نضع مثلاً ان ا موجودة لكل ما سلب عنه ب ، وان ا مسلوبة عن كل ما يسلب عنه ب ، بخلاف ما وضعنا في الاصل الاول وهو ان تكون ا موجودة او مسلوبة عن كل ما هو ب . وعلى هذا ينتج ما صغراه سالبة في الشكل الاول، وينتج ايضًا ما هو من سالبتين، وذلك ان الاصل الذي استعمل في هذا الكتاب ليس هو بالوضع وانما هو مفهوم المقدمة الكلية بعينها ودلالتها الطبيعية، اعني قولنا: كل كذا هو كذا او ليس كذا. واما هذا للاصل الثاني فهو شيء لازم عن المقدمة الكليبة السالبة، فلذلك ليس ينتفع به في الانتاج من سالبتين، اعني اذا وضعنا مقدمتين سالبتين، وانما كان ينتفع به لو لزم عن قولنا: ا ولا في شيء من ب ان تكون ، ا موجودة في كل ما ليس هو ب ولا بد وذلك شيء غير لازم، كما انه ليس يلزم ايضًا هذا العكس الذي وضعه ها هنا، اعني انه ليس يلزم في كل مادة اذا كانت ا مسلوبة عن كل ما هو ب ان تكون ب موجودة لكل ما ليس هو ا ، فان الابيض مسلوب عن كل ما هو اسود، وليس الاسود موجودًا لكل ما ليس بابيض. وانما يلزم هذا العكس في الاشياء المتقابلة التي ليس يخلو من احدهما موجود من الموجودات، لكن انما استعمل هذا العكس ها هنا ارسطو وان كان جزئيًا، كما استعمل عكس الموجبة الكلية كلية؛ فلذلك لم يخرج في هذا المعنى عن اصله، وذلك ان عكس اللازم هو بقوة عكس المقدمة، فكأنه لم يخرج عما اخذ في بيان الدور من انه يكون بالنتيجة وعكس احدى المقدمتين، لان قوة عكس اللازم قوة عكس المقدمة. فهكذا يكون بيان الدور في الاصناف القياسية الكلية من الشكل الاول. واما القياسات الجزئية التي في هذا الشكل، فانه ليس يمكن فيها ان تبرهن على طريق الدور المقدمة الكلية من النتيجة والمقدمة الجزئية، لان القضية الكلية انما تبيّن بمقدمات كلية لا جزئية. وايضًا فانه لا يكون قياس من جزئيتين اذا كان البرهان بالدور من النتيجة وعكس احدى المقدمتين. واما المقدمة الصغرى فقد يمكن ان تبرهن على طريق الدور. فلتكن ا موجودة في كل ب ، و ب موجودة في بعض ، والنتيجة ا موجودة في بعض ، فاذا اردنا ان نبرهن وجود ب في بعض على طريق الدور، فانّا نأخذ ا موجودة في بعض ‍ وهي النتيجة، وعكس المقدمة الكبرى الكلية وهو قولنا: ب في كل ا ، فينتج لنا في الشكل الاول ان ب في بعض ،‍ ويكون الحدّ الاوسط فيه ا . وكذلك اذا كان القياس الجزئي سالبًا فليس يمكن ان نبرهن المقدمة الكلية للعلة التي قلنا؛ واما الجزئية فقد يمكن ان تبرهن على طريق الدور اذا فعلنا في المقدمة السالبة الكلية ما فعلنا في القياس السالب الكلي، اعني ان نبيّن انه يلزم عن قولنا: ا ولا في شيء من ب ، ان تكون ب موجودة لكل ما يسلب عنه ا ، فاذا اضفنا الى هذه المقدمة وهي ان ا مسلوبة عن بعض ، انتج لنا ان ب موجودة لذلك البعض فهذا هو وجه البيان المستعمل بالدور في الشكل الاول. ‑٦‑ البيان بالدور في الشكل الثاني واما الشكل الثاني فليس يمكن ان يبرهن بجهة الدور فيه المقدمة لانه لا ينتج الا سالبًا، واما السالبة فيمكن ان تبرهن على هذه الجهة. فلتكن ا موجودة في كل ب ،و ا غير موجودة في شيء من ،‍ فالنتيجة في الشكل الثاني ان ب غير موجودة في شيء من ‍ ، على ان الحدّ الاوسط هوا. فان اضفت الى هذا ان ب موجودة في كل ا ، وهي عكس الكبرى، فانه ينتج عن ذلك في الشكل الثاني ان ا غير موجودة في شيء من ، وهي الصغرى في القياس الاول، والحدّ الاوسط في هذا القياس هو ب وكان في الشكل الاول ا . فان اخذنا المقدمة الكلية الكبرى في الشكل الثاني سالبة فانه يمكن بيانها بالدور لكن في الشكل الاول؛ لانه اذا قلنا ان ا غير موجودة في شيء من ب ، و ا موجودة في كل ،‍ فبيّن انه ينتج لنا في الشكل الثاني ان ب غير موجودة في شيء من اذا كان ا هو الحدّ الاوسط. فاذا اضفنا الى قولنا: ب غير موجودة في شيء من وهي النتيجة، قولنا: ‍ موجودة في كل ا وهي عكس الصغرى، انتج لنا في الشكل الأول ان ب غير موجودة في شيء من ا لان ‍ هو الحدّ الاوسط، فاذا عكسنا هذه النتيجة حصل لنا: ا ولا في شيء من ب وهي المقدمة الكبرى السالبة في الشكل الاول. ولذلك يخص البيان بالدور في هذا الصنف من الشكل الاّ يتحفظ فيه هذا الشكل بعينه بل يعود الى الشكل الأول. وقد يمكن ان تبيّن المقدمة الموجبة في هذا الشكل اذا كانت هي الصغرى بطريق الدور اذا استعملنا الاصل المتقدم وهو عكس لازم السالبة، واما اذا كانت كبرى فليس يمكن الا بعكس النتيجة وذلك خارج عن طريق البيان بالدور. واما المقاييس التي تنتج الجزئية في هذا الشكل فليس يمكن ان تبرهن فيها المقدمة الكلية على جهة الدور اذ كانت انما تنتج ابدًا جزئية. واما المقدمة الجزئية فيمكن ان تبرهن اذا كانت الكلية موجبة والجزئية هي السالبة. مثال ذلك ان نفرض ان ا موجودة في كل ب ، و ا غير موجودة في بعض ، فتكون النتيجة ان ب غير موجودة في بعض ‍ ؛ فاذا اضفنا الى ذلك عكس المقدمة الكبرى وهو قولنا: ب موجودة في كل ا ، حصل معنا: ب غير موجودة في بعض ‍ ، و ب موجودة في كل ا ، فينتج لنا ان ا غير موجودة في بعض ‍ ، وذلك في هذا الشكل بعينه اذا كان ب هو الحدّ الاوسط، وهو محمول في هذا التأليف على الطرفين جميعًا. فان كانت المقدمة الكلية هي السالبة وهي مقدمة ا ب ، فانه لا يمكن ان تبرهن الصغرى الموجبة التي هي مقدمة ‍ ا ﺟ اذا انعكست مقدمة ا ب ، لانه لا ينتج نتيجة موجبة عن مقدمتين سالبتين او احداهما سالبة، ولكن قد يمكن اذا استعمل الاصل المتقدم ان تنتج الموجبة الجزئية. وذلك انه اذا كان معنا ان ب غير موجودة في بعض ‍ وهي النتيجة، وكان معنا ا ولا في شيء من ب ، ثم عكسنا هكذا فكان معنا ب ولا في شيء من ا ، واخذنا اللازم عن هذا وهو ان كل ما فيه ا فليس فيه ب ، ثم عكسنا هذا وهو ان كل ما ليس فيه ب فيه ا ، فيكون معنا ا موجودة في كل ما ليس فيه ب ، فاذا اضفنا الى هذا ان ب غير موجودة في بعض ‍ انتج لنا ان ا موجودة في بعض ‍. فهكذا يكون بيان الدور في الشكل الثاني. ‑٧‑ [البيان بالدور في الشكل الثالث] واما البيان بالدور في الشكل الثالث فانه اذا كانت كلتا المقدمتين كليتين، فليس يمكن ان تبرهن بالنتيجة احدى المقدمتين في هذا الشكل لان النتيجة تكون جزئية والمقدمة التي يقصد برهانها كلية. فان كانت المقدمة الواحدة كلية والأخرى جزئية، فاحيانًا يمكن ان تبرهن الجزئية واحيانًا لا يمكن ان تبرهن. وذلك اذا كانت المقدمتان موجبتين وكانت الصغرى هي الكلية فانه يمكن ان تبرهن على طريق الدور؛ واما اذا كانت الكبرى هي الكلية فانه لا يمكن ان تبرهن على طريق الدور. مثال ذلك ان تكون ا موجودة في كل ‍ التي هي الكبرى، و ب في بعض ‍ التي هي الصغرى، فتكون النتيجة ا في بعض ب ؛ فاذا اضيف اليها عكس المقدمة الكبرى وهي ان ‍ موجودة في كل ا ، انتج لنا من ذلك ان موجودة في بعض ب ، وذلك لم يكن مطلوبنا وانما كان مطلوبنا عكس هذا وهو ب في بعض ‍ ، وهو شيء وان كان لازمًا ضرورة، اذ قد تبيّن ان الجزئية الموجبة تنعكس، فليس هو الذي يتبيّن بطريق الدور بذاته بل ان كان فبتوسط العكس، اذ كان البيان بالدور كما قيل هو ان تبيّن المقدمة الواحدة بالنتيجة وعكس الثانية. فان كانت الكلية هي الصغرى، مثل ان تكون ب موجودة في كل ،‍ و ا في بعض ‍ ، فانه يتبيّن انه يمكن على طريق الدور ان يبيّن ان ا موجودة في بعض ‍ وهي المقدمة الجزئية الكبرى؛ وذلك ان نتيجة هذا القياس هي ا في بعض ب ، فاذا اضفنا اليها عكس الصغرى وهي قولنا: ‍ في كل ب ، فانه بيّن انه يلزم ان تكون ا في بعض ‍ اذ كانت ب هي الحدّ الأوسط، وهي موضوعة للطرفين جميعًا. واما اذا كانت احدى المقدمتين موجبة والأخرى سالبة، وكانت الموجبة الكلية والسالبة جزئية، فانه يتأتى لنا برهان الجزئية. ومثال ذلك ان تكون ب موجودة في كل ‍ و ا غير موجودة في بعض ‍ ، فان النتيجة تكون ا غير موجودة في بعض ب ؛ فاذا اضفنا الى هذه النتيجة ان ‍ موجودة في كل ب ، فانه يلزم ضرورة ان تكون ا غير موجودة في بعض ‍ على ما تبيّن في الشكل الثالث، اذ كانت الباء هي الحدّ الأوسط. واما اذا كانت السالبة هي الكلية، فان الجزئية الموجبة لا تتبرهن على طريق الدور الا ان استعمل ذلك الأصل الآخر. مثال ذلك ان تكون ا غير موجودة في شيء من ‍ ، و ب في بعض ،‍ وتكون النتيجة ان ا غير موجودة في بعض ب . فاذا اخذنا بدل قولنا: ا غير موجودة في شيء من ‍ ، ان ‍ موجودة في كل ما ليس فيه ا ، واضفنا الى هذا ان ا ليس في بعض ب ، فهو بيّن ان ب يجب ان تكون في بعض ‍ وهي المقدمة الجزئية الموجبة. فقد تبيّن ان البيان الذي يكون بالدور: اما في الشكل الاول فيكون الشكل الاول ويكون بشيء يشبه الشكل الثالث، وهو اذا استعملنا ذلك الأصل المتقدم، اعني ان نأخذ بدل قولنا: ا ولا على شيء من ب ان اﻟ ب موجودة في كل ما ليس فيه ا . ووجه شبهه بالشكل الثالث ان ا و ب محمولان على شيء واحد احدهما بايجاب والآخر بسلب، وهذا الوضع هو وضع الحدّ الاوسط في الشكل الثالث من الطرفين. فعلى هذه الجهة قال ارسطو في هذا انه شكل ثالث، لا على انه شكل ثالث في الحقيقة. واما البيان بالدور في الشكل الثاني فيكون ايضًا بالشكل الثاني نفسه، ويكون بالاول، ويكون بالبيان الذي يشبه الشكل الثالث. وكذلك البيان الذي بالدور في الشكل الثالث يكون بالاول، والثالث، والاصل الذي يشبه الثالث. وهو بيّن ان المقدمات التي قلنا انها لا تبيّن على طريق الدور، وذلك في الشكل الثاني والثالث، ان قولنا ذلك فيها: اما من قبل انه لا يمكن في بعضها ان يبيّن على طريق الدور، واما من قبل ان فيها ما يمكن ان يبيّن بطريق الدور، لكن نوعًا من طريق الدور ناقصًا . ‑٨‑ القول في القياس المنعكس [في الشكل الاول] والعكس يقال في هذه الصناعة على ضروب شتى، والذي يراد به ها هنا ان تبطل بمقابل النتيجة واحدى المقدمتين المقدمة الاخرى من القياس، وكأنه ضد البيان بالدور. وذلك انه يجب ضرورة اذا اخذ نقيض النتيجة واضيف الى احدى مقدمتي القياس ان تبطل المقدمة الثانية ضرورة، لانها ان لم تبطل فلم تبطل النتيجة لان المقدمات اذا لم تبطل فلم تبطل النتيجة على ما تبيّن، لكن النتيجة قد بطلت بوضع نقيضها، هذا خلف لا يمكن. والابطال الذي يكون لاحدى المقدمتين بمقابل النتيجة يختلف اذا كان المقابل المأخوذ ضدًا او نقيضًا على ما تبيّن بعد. والمتناقضات كما قيل هي ⟪كل⟫ و⟪لا كل⟫، و⟪بعض⟫ و⟪لا واحد⟫، والمتضادة هى قولنا: و⟪لا واحد⟫ و⟪بعض⟫ و⟪لا بعض⟫. فليكن معنا في الشكل الاول ان ا على كل ب ، و ب على كل ‍ ، فالنتيجة ان ا على كل ‍ ؛ فان اخذنا المضاد لهذه النتيجة وهو ان ا ولا على شيء من ، واضفنا اليها المقدمة الكبرى من القياس وهي ان ا على كل ب ، فهو بيّن انه ينتج في الشكل الثاني ان ب ولا في شيء من ‍ وهو ضد المقدمة الصغرى المأخوذة في القياس. وكذلك ان اضفنا الى ضد هذه النتيجة بعينها المقدمة الصغرى فانه ينتج نقيض المقدمة الكبرى. وذلك انه يكون معنا ا ولا في شيء من ‍ الذي هو ضد النتيجة، فاذا اضفنا اليها الصغرى وهي قولنا: ب في كل ‍ ، فهو بيّن انه ينتج في الشكل الثالث ا ليست في بعض ب وهي نقيض المقدمة الكبرى لا ضدها، والشكل الثالث لا يمكن ان ينتج كلية، والمقاومة بالضد هي كلية. فالمقدمة الكبرى في الصنف الاول من الشكل الاول انما تقاوم مقاومة جزئية لا كلية بهذا الطريق، اعني بأخذ ضد النتيجة؛ واما الصغرى فتقاوم مقاومة كلية. ومثل هذا بعينه يعرض في الصنف الثاني من الشكل الاول وهو الذي ينتج سالبًا كليًا، اعني انه اذا اخذ ضد النتيجة امكن ان تقاوم الصغرى مقاومة كلية، واما الكبرى فانما يمكن ان تقاوم مقاومة جزئية لانه يأتلف القياس عند مقاومة هذه في الشكل الثالث. واما اذا اخذ نقيض النتيجة في هذين الصنفين من الشكل، فانه لا يمكن ان تقاوم كل واحدة من مقدمتي القياس الا مقاومة جزئية لان احدى مقدمتي القياس المقاوم‍ة تكون جزئية اذ كان النقيض جزئيًا. ولذلك يجب ان تكون النتيجة جزئية فتكون المقاومة جزئية. فلنعدّ ذلك الصنف الاول من القياس وهو ان تكون ا في كل ب ، و ب في كل ‍ ، فتكون النتيجة ا في كل ‍ . فان اخذنا نقيض هذه النتيجة وهو ا غير موجودة في بعض ‍ ، واضفنا اليها المقدمة الكبرى وهي ان ا موجودة في كل ب ، فبيّن انه ينتج عن ذلك في الشكل الثاني ان ب غير موجودة في بعض ‍ ، وذلك نقيض المقدمة الصغرى لا ضدها. وكذلك ان اضفنا الى قولنا ا غير موجودة في بعض ‍ المقدمة الصغرى وهي ان ب موجودة في كل ‍ ، فانه ينتج عن ذلك ان ا غير موجودة في بعض ب وهو نقيض الكبرى. فاذن متى اخذ النقيض لم تكن المقاومة كلية بل جزئية. ومثل هذا يعرض بعينه في الصنف السالب الكلي من هذا الشكل، لانه اذا اخذنا نقيض نتيجته وهو قولنا: ا موجودة في بعض ‍ ، واضفنا اليها المقدمة السالبة الكلية وهي ان ا غير موجودة في شيء من ب ، فانه ينتج لنا ان ب غير موجودة في بعض ‍ . وكذلك يعرض ان اضفنا اليها الموجبة مثل ان تكون ا في بعض ،‍ و ب في كل ‍ ، فانه يلزم عنه ان تكون ا في بعض ب ، وذلك نقيض السالبة الكلية. واما في الصنفين الجزئيين من هذا الشكل فانه اذا اخذ فيهما نقيض النتيجة امكن ان تبطل المقدمتان فيهما جميعًا، واما اذا اخذ الضد فانه ليس يمكن ان تبطل ولا واحدة منهما بهذا الطريق. فلتكن النتيجة ان ا موجودة في بعض بتوسط ب ، فان اخذ نقيضها وهو ان ا غير موجودة في شيء من ‍ ، واضيف اليها المقدمة الصغرى وهي ان ب موجودة في بعض ‍ ، فانه ينتج عن ذلك في الشكل الثالث ان ا غير موجودة في بعض ب وهي نقيض الكبرى؛ وان اضفنا الى قولنا: ا غير موجودة في شيء من ‍ المقدمة الكبرى وهي ان ا موجودة في كل ب ، فانه ينتج لنا ان ب غير موجودة في شيء من ‍ ، وذلك نقيض الصغرى. فاذن كلتا المقدمتين تبطلان اذا عكستا الى النقيض، وان عكسناهما الى الضد فانه ليس تبطل ولا واحدة من المقدمتين. لانه ان كان عكس النتيجة الموجبة الجزئية ان ا غير موجودة في بعض ،‍ واضفنا اليها الكبرى وهي ان ا موجودة في كل ب ، فانه ينتج لنا من ذلك ان ب غير موجودة في بعض ‍ ؛ لكن قولنا: ب موجودة في بعض ‍ وغير موجودة في بعض ‍ قد يمكن ان يصدقا معًا. فلذلك ليس تبطل ولا بدّ بهذا الفعل المقدمة الصغرى. فان اضفنا الى هذا العكس الذي هو قولنا: ا غير موجودة في بعض ‍ المقدمة الجزئية الصغرى وهي قولنا: ب موجودة في بعض ، لم يكن عن ذلك قياس لانه يكون من جزئيتين، وذلك غير منتج في الاشكال الثلاثة. ومثل هذا يعرض في الصنف الجزﺋﻲ الذي ينتج السالب من هذا الشكل، اعني انه ان عكست النتيجة الى النقيض امكن ان تبطل المقدمتان جميعًا، وان عكست الى الضد فانه ليس تبطل واحدة منهما. وبيان ذلك هو البيان الذي تقدم في الجزﺋﻲ الموجب. ‑٩‑ القول في انعكاس الشكل الثاني واما في الشكل الثاني فانه لا يمكن ان تبطل المقدمة الكبرى منه ابطالاً كليًا لا بأخذ مضادة النتيجة، ولا بأخذ نقيضها. اما بأخذ نقيضها فبيّن، واما بأخذ الضد فان القياس يأتلف في الشكل الثالث فتكون النتيجة جزئية. واما المقدمة الصغرى فيمكن ابطالها على النحوين، اعني ان عكست النتيجة الى الضد وان عكست الى النقيض. وبيان ذلك ان تكون ا موجودة في كل ب وغير موجودة في شيء من ‍، فتكون النتيجة ان ب غير موجودة في شيء من ‍ . فان اخذنا ضدها وهو ان ب موجودة في كل ‍ ، واضيف اليها المقدمة الكبرى وهي ان ا في كل ب ، فهو بيّن انه يلزم عن ذلك في الشكل الاول ان ا موجودة في كل ‍ وذلك ضد المقدمة الصغرى. فان استعملنا هذا العكس بعينه في ابطال المقدمة الكبرى بأن نأخذ ان ب موجودة في كل ‍ وهو ضد النتيجة، ونضيف اليها ا ولا في شيء من ‍ وهي الصغرى، فان تأليف القول يأتى في الشكل الثالث وينتج ان ا ليست موجودة في بعض ب وذلك نقيض المقدمة الكبرى لا ضدها، فيكون الابطال لها غير كلي. فان عكست نتيجة ‍ ب ﺟ الى النقيض فان المقدمات تبطل بالنقيض، اعني ابطالاً جزئيًا. وذلك انه ان اخذنا نقيض نتيجة الصنف من القياس المتقدم وهي قولنا ب : موجودة في بعض ‍ ، واضفنا اليها المقدمة الصغرى وهي ان ا ليست في شيء من ، فبيّن انه ينتج في الشكل الثالث ان ا ليست بموجودة في بعض ب وذلك نقيض المقدمة الكبرى. وايضًا ان اخذنا هذا النقيض بعينه وهو قولنا: ب موجودة في بعض ، واضفنا اليها المقدمة الكبرى وهي قولنا: ا في كل ب ، فهو بيّن انه ينتج في الشكل الاول ان ا في بعض ‍ وذلك نقيض الصغرى. فقد تبيّن بهذا القول ان المقاييس التي تستعمل في ابطال مقدمات هذا الصنف من الشكل الثاني هي كلها جزئية، وابطالها ابطال جزئي ما عدا المقدمة الصغرى فانه يمكن ان تبطل كليًا وجزئيًا. وبمثل هذا يبيّن ذلك في الصنف الكلي الآخر من الشكل الثاني، اعني الذي كبراه سالبة كلية وصغراه موجبة كلية. واما الصنفان الجزئيان من هذا الشكل فانه اذا عكست النتيجة فيهما الى الضد، لم يكن بذلك ابطال ولا واحدة من المقدمتين. والسبب في ذلك هو السبب بعينه الذي من اجله عرض ذلك في الشكل الاول، فان عكست النتيجة الى المناقض فانه يتأتى بذلك ابطال كل واحدة من المقدمتين. وبيان ذلك ان نضع ا ليست بموجودة في شيء من ب ، وان ا ايضًا موجودة في بعض ‍ ، فتكون النتيجة ان ب ليست في بعض ‍ . فان وضع مضادها وهو ان ب في بعض ‍ ، واضيف الى ذلك المقدمة الكبرى وهي ا ولا في شيء من ب ، فانه تكون النتيجة في الشكل الاول ان ا ليست موجودة في بعض ‍ ، ولكن هذا ليس يناقض المقدمة الثانية وهي ان ا في بعض ، اذ قد يمكن ان تكون ا موجودة في بعض ‍ وغير موجودة في بعض آخر؛ وان اضفنا الى هذه المقدمة الجزئية فانه لا يكون قياس لانه تكون المقدمتان كلتاهما جزئيتين. فمن هذا يتبيّن انه متى عكست النتيجة الى الضد فانه لا يمكن ابطال واحدة من المقدمتين، فاما اذا عكست الى النقيض فانه قد تبطل كل واحدة من المقدمتين. فلنأخذ نقيض النتيجة وهي ان ب موجودة في كل ‍ ، فمتى اضفنا اليها ا ليست في شيء من ب ، انتج في الشكل الاول ان ا ليست موجودة في شيء من ‍ ، وهي نقيض قولنا: ا موجودة في بعض ‍ التي هي المقدمة الصغرى؛ وان اضفنا اليها المقدمة الصغرى وهي قولنا: ا موجودة في بعض ‍ ، كان معنا ب موجودة في كل ‍ ، و ا موجودة في بعض ‍ ، فانتج لنا في الشكل الثالث ان ا موجودة في بعض ب ، وهي نقيض قولنا: ا ولا في شيء من ب التي هي المقدمة الكبرى. بهذه بعينه يبيّن هذا في الصنف الذي كبراه كلية موجودة، اعني الصنف الجزﺋﻲ الثاني من الشكل الثاني. ‑١٠‑ القول في انعكاس الشكل الثالث واما في الشكل الثالث فانه اذا عكست نتيجته الى الضد لم يمكن ان تبطل بذلك ولا واحدة من مقدمتيه، وذلك في جميع الاصناف التي في هذا الشكل. واما اذا عكست الى النقيض فانه يمكن ان تبطل بذلك كل واحدة من مقدمتي القياس باضافة جزئيتها الى العكس، وذلك في جميع اصناف هذا الشكل. فلتكن اولاً ا موجودة في كل ‍ ، و ب موجودة ايضًا في كل ‍ ، فهو بيّن انه ينتج عن ذلك ان ا موجودة في بعض ب وذلك ان هذا هو الصنف الاول من الشكل الثالث. فان اخذنا ضد هذه النتيجة وهو قولنا: ا غير موجودة في بعض ب ، واضفنا اليها المقدمة الصغرى وهي قولنا: ب في كل فان ذلك يكون غير منتج لان الكبرى تكون جزئية في الشكل الاول. ولا ايضًا ان اضفنا اليها المقدمة الكبرى وهي قولنا: ا في كل ‍ ، لانه يكون قياس في الشكل الثاني كبراه جزئية، وذلك ان يكون معنا ا غير موجودة في بعض ب ، و ا موجودة في كل ‍ . وبمثل هذا يبيّن اذا كانت احدى المقدمتين الموجبتين جزئية، اعني انه لا يمكن ان تبطل فيها واحدة من المقدمتين بعكس النتيجة الى الضد. وذلك انه ان ريم ابطال المقدمة الكلية، كان القياس من جزئيتين، وان ريم ابطال الجزئية اتت الكبرى جزئية. وعلى هذا لا يكون قياس في الشكل الاول ولا الثاني، وهما الشكلان اللذان بهما تبطل مقدمات هذا القياس. فقد تبيّن انه متى عكست النتيجة الى الضد في الاصناف الموجبة من هذا القياس انه ليس يمكن ان تبطل بذلك ولا واحدة من المقدمتين. فاما ان عكست النتيجة الى النقيض فانه يمكن ان تبطل كل واحدة من المقدمتين بالمقدمة الثانية والعكس. وبيان ذلك انّا اذا عكسنا قولنا: ا موجودة في بعض ب ، وهي التي فرضناها نتيجة الصنف الاول من هذا الشكل اعني الثالث، الى نقيضها وهي قولنا: ا ولا في شيء من ب ، فانه متى اضفنا اليها قولنا: ب في كل ‍ وهي احدى مقدمتي القياس فانه ينتج عن ذلك في الشكل الاول ان ا غير موجودة في شيء من ‍ ، وذلك نقيض قولنا: ا موجودة في كل ‍ التي هي المقدمة الثانية من القياس المفروض. وكذلك ان اضفنا الى قولنا: ا غير موجودة في شيء من ب المقدمة الثانية وهي قولنا: ا موجودة في كل ‍ ، فهو بيّن انه ينتج في الشكل الثاني ان ب ولا شيء من ‍ ، وذلك نقيض قولنا: ب في كل ‍ التي هي المقدمة الصغرى. ومثل هذا يعرض اذا كانت احدى المقدمتين الموجبتين جزئية؛ لانه ان كانت ا غير موجودة في شيء من ب هي ضد النتيجة، واضفنا اليها ب موجودة في بعض ‍ التي هي المقدمة الجزئية، انتج لنا في الشكل الاول ان ا غير موجودة في بعض ‍ . فان اضفنا الى هذه النتيجة المقدمة الكلية كان معنا ا ولا في شيء من ب ، و ا موجودة في كل ‍ ، وذلك ينتج في الشكل الثاني ان ب غير موجودة في شيء من ‍ ، وذلك نقيض المقدمة الموضوعة الجزئية. وكذلك يعرض في القياس الكلي السالب من هذا الشكل، اعني الذي يكون من مقدمتين كليتين احداهما سالبة، وفي القياس الجزئي السالب، اعني القياس الذي احدى مقدمتيه جزئية والثانية كلية واحداهما سالبة، مثل ما عرض بعينه في الموجب الكلي والجزئي، اعني انه متى عكست النتيجة فيها الى الضد لم يمكن ان تبطل بذلك ولا واحدة من المقدمتين، وان عكست الى النقيض امكن ان تبطل بذلك كل واحدة من المقدمتين. والسبب في ذلك بعينه هو السبب في الصنف الموجب الكلي والجزﺋﻲ، والبرهان على ذلك هو ذلك البرهان بعينه. فقد تبيّن مما قيل كيف يكون القياس في كل شكل اذا عكست النتيجة الى الضد والى النقيض، ومتى يكون ابطال ومتى لا يكون، واذا كان فمتى يكون كليًا ومتى يكون جزئيًا؛ وان المقاييس المبطلة لكل واحدة من مقدمتي الشكل الاول اذا انعكست نتيجته فتكون في الشكل الثاني والثالث: اما الذي يبطل منه بالشكل الثاني فالمقدمة الصغرى، واما الذي يبطل منه بالشكل الثالث فالمقدمة الكبرى. وكذلك تبيّن ان المقاييس التي تبطل كل واحدة من مقدمتي الشكل الثاني اذا انعكست نتيجته تكون في الشكل الاول والثالث: اما ابطال الصغرى فبالشكل الاول، واما ابطال الكبرى فبالشكل الثالث. وان المقاييس ايضًا المبطلة لمقدمتي القياس التي في الشكل الثالث اذا انعكست نتيجته تكون في الشكل الاول والثاني: اما الكبرى فتبطل بالشكل الاول، واما الصغرى فبالشكل الثاني. ‑١١‑ القول في قياس الخلف [في الشكل الاول] واما قياس الخلف فانه يكون اذا وضعنا نقيض النتيجة المقصود بيانها، واضفنا الى ذلك مقدمة اخرى معترفًا بها، فانتج لنا امرًا مستحيلاً. وهذا النوع من القياس قد تبيّن انه مركب من شرطي وحملي وهو السائق الى المحال. وهذا القياس يقع في قياس الخلف في الاشكال الثلاثة كلها. وقياس الخلف شبيه بعكس القياس لان كليهما يبطل بهما؛ وانما الفرق بينهما ان القياس المنعكس يكون من اخذ النقيض فيه والمقدمة المضافة اليه بعد وجود القياس حتى يكون النقيض هو نقيض نتيجة ذلك القياس، والمقدمة المضافة هي احدى مقدمتي ذلك القياس. واما القياس على طريق الخلف فانما نأخذ نقيض المقصود بيانه لا نقيض نتيجة قياس، ونضيف اليه مقدمة صادقة لا مقدمة قياس مفروض. وايضًا فان عكس القياس انما يتأتى به ابطال الشيء الكاذب بأن يتسلّم نقيض المحال الذي هو الصادق، وفي قياس الخلف انما تتبيّن النتيجة بوضع المحال نفسه. وكل ما تبيّن بقياس حملي، وهو الذي يسمى ⟪المستقيم⟫، يمكن ان يبيٌن بتلك المقدمات بعينها بقياس الخلف، وحينئذٍ يكون قياس الخلف اشبه شيء بالقياس المنعكس وذلك ان صورته تكون تلك الصورة بعينها؛ وسبب ذلك ان القياس المستقيم اذا ردّ الى الخلف تكون الحدود والمقدمات فيها واحدًا بعينه. مثال ذلك ان نفرض ان ا موجودة في كل ب بقياس مستقيم بأن تكون ا موجودة في كل ،‍ و ، موجودة في كل ب ، فينتج لنا ان ا موجودة في كل ب . فان اردنا بيان هذه النتيجة بالخلف قلنا: ان ا ان لم تكن في كل ب ، فليكن عكسها الى النقيض صادقًا وهو ان ا ليست في بعض ب ، ولنضف اليها ان ا موجودة في كل ‍ ، فيلزم عن ذلك ضرورة في الشكل الثاني ان تكون ‍ غير موجودة في كل ب ، وذلك نقيض المقدمة الصغرى وهو محال. فاذن الموضوع وهو نقيض النتيجة او ضدها محال، واذا كذب نقيض الموضوع صدق نقيضه وهي النتيجة وهذا بعينه هو صنعة عكس القياس. وكذلك يعرض في سائر الاشكال لان كل قياس يقبل الانعكاس يقبل بيان نتيجته على طريق الخلف. وجميع المطالب الاربعة تبيّن بالخلف في كل الاشكال ما خلا الموجبة الكلية فانها لا تبيّن بالشكل الاول وتبيّن بالثاني والثالث. فاما انه لا تبيّن الموجبة الكلية في قياس الخلف بالشكل الاول فذلك يظهر هكذا. لننزل ان المقدمة التي نريد بيانها هي ان ا في كل ب ، فاذا رمنا بيان ذلك بطريق الخلف فان ذلك يكون ان كان: اما بأن نأخذ نقيضها وهو ان ا غير موجودة في كل ب ، او ضدها وهو ان ا غير موجودة في شيء من ب ؛ ثم اذا اضفنا الى احد هذين المتقابلين مقدمة اخرى يكون تأليفها مع مقابل النتيجة تأليف الشكل الاول فانه يجب ان تكون: اما محمولة على ا ، واما ان تكون موضوعة ﻟﻠ ب ، مثل ان نقول: ‍ على كل ا ، او على كل ب ، فان كان المقابل للموضوع نقيضًا وهو ان ا ب ليست في كل ، فهو بيّن انه ليس يكون قياس في الشكل الاول الى اي الطرفين وضعت المقدمة الاخرى. وذلك انه ان كانت الصادقة ان ‍ في كل ا ، كان معنا ‍ في كل ا و ا ليست في كل ب ، وذلك غير منتج في الشكل الاول لان الصغرى سالبة؛ وان وضعناها من ناحية ب يكون معنا: ا ليست في كل ب ، و ب في كل ‍ ، وهذا ايضًا غير منتج في الشكل الاول لان الكبرى فيه جزئية، وقد قيل ان ذلك غير منتج. فان اخذنا ضد الموجبة التي رمنا اثباتها، واضفنا اليها المقدمة المعروف صدقها من ناحية اﻟ ب ، مثل ان نضع ا ولا في شيء من ب ، و ب في كل ، فانه ينتج في الشكل الاول ان ا ولا في شيء من ‍ وذلك محال. فاذن ما وضعنا محال وهو قولنا: ا ولا في شيء من ب . الا انه ليس يلزم متى كذب قولنا: ا ولا في شيء من ب ان يصدق ضدها وهو قولنا: ا في كل ب الذي كان مطلوبنا، اذ كان المتضادان يكذبان معًا كما سلف في الكتاب المتقدم. فان اضيفت المقدمة الصادقة من ناحية ا لم يحدث قياس لانه تكون الصغرى سالبة في الشكل الاول. فهو بيّن ان كل قياس على طريق الخلف فانما يكون بأخذ الضد او بأخذ النقيض، وباضافة مقدمة صادقة الى احداهما؛ وكان قد تبيّن انه اذا اخذ نقيض الموجبة الكلية واضيف اليها مقدمة كلية صادقة، انه لا يكون قياس، وانه اذا اخذ الضد: فاما الاّ يكون قياس، واما ان يكون قياس لكنه لا ينتج محالاً يلزم عن كذبه صدق الموجبة الكلية المطلوب بيانها. فاذن ليس يمكن ان تبيّن الموجبة الكلية بقياس خلف يكون الحملي السائق فيه الى المحال في الشكل الاول. واما الجزئية الموجبة فانه يمكن بيانها بالخلف في الشكل الاول اذا اخذنا المقابل لها السالبة الكلية الذي هو النقيض، لا السالبة الجزئية التي هي ضدها، وذلك ايضًا متى كانت المقدمة الصادقة من ناحية ب لا من ناحية ا . فلنضع ان ا لم يكن صادقًا وجوده في بعض ب ، فلا شيء من ا ب ، ثم نضيف الى هذا ان كل ب ﺟ ، فينتج ان ا ولا في شيء من ‍ وذلك كذب. فاذن الذي لزم عنه الكاذب كاذب وهو قولنا: ا ولا في شيء من ب ، واذا كذب هذا صدق نقيضه وهو قولنا: ا في بعض ب ، وذلك ما قصدنا بيانه. واما متى اخذت المقدمة الصادقة من ناحية ا فانه تكون الصغرى سالبة في الشكل الاول، فلا يكون قياس. وكذلك ان اخذ الضد لا يكون قياس، لانه ان وضعت المقدمة الصادقة الموجبة من ناحية ا كانت الصغرى سالبة، وان وضعت من جهة ب كانت الكبرى جزئية، وكلاهما غير منتج في الشكل الاول. فان اردنا ان نبيّن بقياس الخلف السالبة الكلية، فان موضوعنا المقابل لها ينبغي ان يكون الموجبة الجزئية وهي النقيض، وهو قولنا: ا في بعض ب ، فاذا اضفنا اليها ان ‍ في كل ا انتج المحال وهو ان ‍ في بعض ب . فاذن قولنا: ا في بعض ب كاذب، واذا كذب هذا صدق ا ولا في شيء من ب ، وهو المطلوب. وكذلك يعرض ان كانت المقدمة الصادقة الكلية سالبة. فان وضعنا المقدمة الصادقة من جهة ب لم يحدث قياس لان الكبرى تكون جزئية في الشكل الاول، وان اخذنا مكان النقيض الضد حدث قياس ينتج المحال الى اي ناحية وضعنا المقدمة الصادقة من طرفي النقيض، الا انه لا ينتج محالاً يلزم عن كذبه صدق مقابله الذي هو المطلوب. القول في بيان قاعدة شاملة في قياس الخلف لخميع الاشكال فاذن في قياس الخلف متى اردنا ان ننتج محالاً لا يلزم عن كذبه صدق مقابله الذي هو المطلوب، فينبغي ان نأخذ النقيض لا الضد، وذلك عام في جميع اشكال الخلف من اي شكل من الاشكال الحملية تركب. فاذا اردنا ان نبيّن السالبة الجزئية بطريق الخلف في هذا الشكل فانه ينبغي ان يكون موضوعنا المقابل الموجبة الكلية، لانه اذا كان موضوعنا المقابل ان ا في كل ب ، واضفنا اليها ان ‍ موجودة في كل ا على انها الصادقة، فانه ينتج محالاً ان ‍ في كل ب . فاذن قولنا: ا في كل ب محال، واذا كذب هذا صدق قولنا: ا ليست في كل ب ، وذلك هو المطلوب. وكذلك يعرض ان كانت هذه السالبة، وكذلك ان اضفنا اليها ب في كل ‍ ، او ب في بعض ‍ ذانه ينتج المحال في الشكل الاول، واما ان اضفنا اليها ان ‍ في بعض ا فانه لا يكون قياس لان الكبرى تكون جزئية في الشكل الاول؛ وكذلك ان كانت هذه سالبة. فقد تبيّن ان جميع المطالب تبيّن بالخلف في الشكل الاول ما عدا الموجب الكلي، وان الذي ينتفع به في كل مادة في قياس الخلف هو أخذ نقيض ما يرام بيانه لا اخذ ضده، لانه اذا كذب احد الضدين على ما تبيّن في الكتاب المتقدم لم يلزم ان يصدق الضد الآخر، ولا هو ايضًا من المشهور ان الضد اذا كذب صدق ضده. ‑١٢‑ [القول في فياس الخلف في الشكل الثاني] فاما الموجبة الكلية فتبيّن في الشكل الثاني والثالث. وبيان ذلك انه اذا اردنا ان نبيّن ان ا موجودة في كل ب في الشكل الثاني، فلنأخذ نقيضها وهي ان ا ليست في كل ب ، فاذا اضفنا الى هذا النقيض ان ا موجودة في كل ‍ فانه يجب عن ذلك في الشكل الثاني ان تكون ‍ غير موجود في كل ب . فاذا كان هذا محالاً، وكانت المقدمة المقرونة بالنقيض صادقة، فواجب ان يكون الكذب عرض عن النقيض وهو قولنا: ا ليست في كل ب ؛ واذا كذب هذا صدق نقيضه وهو ان ا في كل ب . وان اخذ بدل النقيض الضد لم ينتفع به في كل مادة. واذا اردنا ان نبيّن في هذا الشكل الموجبة الجزئية وهي قولنا: ا موجودة في بعض ب ، فانه ينبغي ان نأخذ نقيضها وهو ا ولا في شيء من ب ، ثم نضيف اليه ا موجودة في كل ‍ ، فينتج لنا ان ‍ ولا في شيء من ب ، وذلك محال لازم عن وضعنا ا ولا في شيء من ب ، فنقيضه اذن صادق وهو قولنا: ا في بعض ب . فان اخذنا بدل النقيض الضد عرض من ذلك ما عرض في الشكل الاول، اعني ان ينتج المحال، لكن لا يبيّن بذلك صدق المقابل الموضوع في كل مادة. فان اردنا ان نبيّن السالبة الكلية بهذا الشكل، فانّا نأخذ نقيضها وهي ان ا موجودة في بعض ب ، ونضيف اليها ما لا يشك في صدقه وهو ان ا غير موجودة في شيء من ‍ ، فيلزم ضرورة ان تكون ‍ غير موجودة في بعض ب في الشكل الثاني. فان اردنا ان نبيّن السالبة الجزئية، فانّا نأخذ نقيضها وهو ا في كل ب ، ونضيف اليها ا غير موجودة في شيء من ‍ ، فيلزم المحال وهو ان ‍ غير موجودة في شيء من ب . فنقيض ما لزم عنه المحال صادق وهو قولنا: ا ليست في بعض ب الذي قصدنا بيانه. فقد تبيّن من هذا ان جميع المطالب تبيّن بالخلف في الشكل الثاني. ‑١٣‑ [القول في قياس الخلف في الشكل الثالث] وكذلك يعرض ان تبيّن جميعها بالشكل الثالث. وبيان ذلك انّا اذا اردنا بيان الموجبة الكلية اخذنا نقيضها وهو قولنا: ا غير موجودة في بعض ب ، وان اضفنا اليها ‍ موجودة في كل ب ، فينتج في الشكل الثالث ان ا غير موجودة في بعض لان الحدّ الاوسط الذي هو ب هو موضوع للطرفين. واذا كانت النتيجة محالاً فنقيض ما لزم عنه المحال صادق وهو قولنا: ا في كل ب المقصود انتاجه. فان وضعنا الضد عوض النقيض انتج محالاً، لكن لا يلزم عنه ضرورة صدق المطلوب مثل ما عرض في سائر الاشكال. فان اردنا ان نبيّن ان ا موجودة في بعض ب ، وهي الموجبة الجزئية، فانّا نضع ان ا ولا في شيء من ب وهي نقيضها، ونضيف اليها ‍ موجودة في بعض ب ، فينتج في هذا الشكل ان ا غير موجودة في بعض ‍ . فان كان ذلك كاذبًا فما لزم عنه الكذب، وهو قولنا: ا ولا في شيء من ب ، كاذب. واذا كذب هذا صدق نقيضه وهو المطلوب الذي هو ا في بعض ب . فاذا اردنا ان نبيّن السالبة الكلية، مثل ان نريد ان نبيّن ان ا ولا في شيء من ب ، فانّا نأخذ نقيض ذلك وهو قولنا: ا في بعض ب ، ونضيف اليها ‍ موجودة في كل ب ، فاذن يلزم في هذا الشكل ان تكون ‍ موجودة في بعض ا . فاذا كان ذلك كذبًا، فالكذب انما لزم عن النقيض الموضوع اذ كانت مقدمة ‍ ب ﺟ لا يشك في صدقها. فاذا كذب النقيض الذي هو الموجبة الجزئية صدقت السالبة الكلية وهي قولنا: ا ولا في شيء من ب . فان اخذ الضد عرض في ذلك ما يعرض في سائر الاشكال. فان اردنا ان نبيّن السالبة الجزئية فانّا نضع نقيضها الذي هو الموجبة الكلية، مثل ان نضع ا في كل ب ، ونضيف اليها ان ‍ موجودة في كل ب وهي التي لا يشك في صدقها، فينتج لنا ان ‍ موجودة في بعض ا . فان كان ذلك كذبًا فالنقيض الذي هو الموجبة الكلية المشكوك فيه كذب، واذا كذبت الموجبة الكلية صدقت السالبة الجزئية. فقد تبيّن من قياس الخلف ها هنا امران غير الذي سلف: احدهما انه انما يكون دائمًا منتفعًا به في كل مادة بأخذ النقيض لا بأخذ الضد، والثاني ان جميع المطالب تتأتى به في الشكل الثاني والثالث، وان الشكل الاول لا يتأتى فيه الموجب الكلي فقط، وتتأتى فيه باقي المطالب الثلاثة. فصل ‑١٤‑ [الفرق بين القياس المستقيم وقياس الخلف] قال : والفرق بين القياس المستقيم وقياس الخلف اذا انتجا مطلوبًا واحدًا بعينه من مقدمات واحدة بعينها، ان القياس الذي بالخلف نضع اولاً ما نريد بطلانه وهو نقيض ما نروم بيانه ليسوق القول الى كذب معترف به انه كذب؛ واما القياس المستقيم فانه يبتدئ من مقدمات معترف بها. وكلا القياسين يكون من مقدمات معترف بها، الا ان القياس المستقيم يكون من المقدمتين اللتين يكون عنهما القياس، واما الذي بالخلف فاحدى مقدمتيه فقط هي من مقدمتي القياس المستقيم والثانية نقيض النتيجة المشكوك فيها. وفي المستقيم ليس يجب ضرورة ان تكون النتيجة معروفة قبل كون القياس؛ واما الذي بالخلف فقد يجب ان تكون معروفة لنضع نقيضها، ولا فرق في ذلك بين ان تكون النتيجة موجبة او سالبة. وكل مطلوب يبيّن بقياس مستقيم فقد يمكن ان يبيّن بتلك المقدمات باعيانها بقياس الخلف، وكل ما تبيّن بقياس الخلف فقد يمكن ان يبيّن بتلك الحدود والمقدمات بقياس مستقيم. واذا كان القياس الحملي الذي في الخلف في الشكل الاول، فان القياس المستقيم الذي يكون على ذلك المطلوب وبتلك المقدمات باعيانها يكون في الشكل الثاني والثالث: اما السالب الكلي ففي الشكل الثاني، واما الموجب الجزئي ففي الشكل الثالث، والسالب الجزئي في الشكلين معًا اذا كانت الصادقة موجبة، واما اذا كانت سالبة ففي الثاني. فاذا كان القياس الحملي الذي بالخلف في الشكل الثاني، فان القياس المستقيم يكون في الشكل الاول وذلك في جميع المطالب. واذا كان القياس الذي بالخلف في الشكل الثالث فان قياسه المستقيم يكون في الشكل الاول والثاني: اما الموجبات ففي الشكل الاول، واما السوالب ففي الثاني. [القول في الشكل الاول] وبيان ذلك انه اذا بيّنا بقياس الخلف في الشكل الاول ان ا ليست بموجودة في شيء من ب ، فوضعنا نقيض ذلك وهو ان ا موجودة في بعض ب ، واضافنا الى هذا النقيض مقدمة صادقة، ينتج في الشكل الاول نتيجة كاذبة. واذا كان الامر كذلك فبيّن ان المقدمة الصادقة انما نضيفها من جهة ا لا من جهة ب حتى تكون الصادقة هي الكبرى، اذ ليس يمكن ان تكون الجزئية كبرى في هذا الشكل. فلتكن المقدمة الصادقة ان ‍ موجودة في كل ا ، فيكون معنا ‍ في كل ا ، و ا في بعض ب ، ينتج لنا في الشكل الاول ان ‍ في بعض ب وهو الكاذب. ولان رد قياس الخلف الى المستقيم يكون بأن نأخذ نقيض النتيجة الكاذبة ونضيف اليها المقدمة الصادقة التي كانت في قياس الخلف، فبيّن ان المقدمة الصادقة التي هي في كل ا ، ونقيض النتيجة الكاذبة التي هي ‍ ولا في شيء من ب ، انهما انما يشتركان في ‍ الذي هو الطرف الاكبر من النتيجة التي كانت في الشكل الاول الذي انتج المحال في قياس الخلف، وكل مقدمتين اشتركتا في الطرف الاكبر من المطلوب فتأليفهما في الشكل الثاني. فيأتي القياس المستقيم هكذا: ‍ في كل ا ، ولا ولا في شيء من ب، ينتج: ا ولا في شيء من ب ، وهو المنتج بقياس الخلف. وكذلك يعرض ان بيّنا بطريق الخلف في الشكل الاول ان ا غير موجودة في كل ب ، اعني السالبة الجزئية بوضعنا نقيضها وهو ان ا موجودة في كل ب ، واضافتنا اليها مقدمة صادقة كلية من جهة ا وهو ان ‍ موجودة في كل ا ؛ فاذا انتج ان ‍ موجودة في كل ب وهي الكاذبة، اخذنا نقيضها وهو ان ‍ ليست في بعض ب ، واضفنا اليها المقدمة الكبرى الصادقة، فانه يأتلف القياس المستقيم على الامر المبيٌن بقياس الخلف هكذا: ‍ موجودة في كل ا ، و ‍ ليست في كل ب ، ﻓ ا ليست في كل ب ، وهي نتيجة قياس الخلف. وقد يتأتى هذا في الشكل الثالث اذا وضعنا المقدمة الصادقة المضافة الى النقيض صغرى في الشكل الاول، فان النقيض لما كان ها هنا موجبًا كليًا امكن ان تكون مقدمة صغرى في الشكل الاول، فتكون النتيجة الكاذبة ا في كل ‍ . فاذا اخذنا نقيضها وهو ان ا ليست في بعض ‍، واضفنا اليها المقدمة الصادقة وهي ان كل ب في كل ‍ ، فبيّن ان المقدمتين انما يشتركان في الطرف الاصغر من نتيجة الشكل الاول، فيكون القياس في الشكل الثالث وينتج ان ا ليست في بعض ب ، وذلك هو الشيء المبيّن بطريق الخلف في الشكل الاول. ويعرض ان اخذت المقدمة الصادقة من جهة ا سالبة ان يكون قياسه المستقيم في الشكل الثاني فقط. وليكن منتجًا لنا في الشكل الاول بقياس الخلف ان ا موجودة في بعض ب بوضعنا ان ا غير موجودة في شيء من ب الذي هو النقيض، واضافتنا الى ذلك ان ب في كل ‍ ، وهي الصادقة لانه ليس يمكن ان نضيفها من جهة ا لان الصغرى لا تكون سالبة في الشكل الاول، فينتج لنا ان ا غير موجودة في شيء من ‍ وهو المحال. فاذا اخذنا نقيض هذا المحال وهو ان ا في بعض ‍ ، واضفنا اليها المقدمة الصادقة وهي قولنا: ب في كل ‍ ، فبيّن انه ينتج لنا في الشكل الثالث ان ا في بعض ب لان ‍ هو الحد المشترك لنقيض المحال والمقدمة الصادقة وهو موضوع للطرفين. وكذلك يعرض اذا كانت المقدمة الصادقة المضافة الى النقيض جزئية، اعني مقدمة ب ﺟ ‍. فهذه حال جميع ما تبيّن بالخلف في الشكل الاول، فانه قد تبيّن انه لا يتبيّن فيه الموجب الكلي. القول في قياس الخلف في الشكل الثاني واما الشكل الثاني فلننزل انه يتبيّن فيه بالخلف موجبة كلية وهو ان ا موجودة في كل ب ، بوضعنا نقيضها وهو ان ا ليست في كل ب ، واضافتنا اليها مقدمة صادقة تأتلف معها في الشكل الثاني وهي ان ا في كل ، فينتج لنا الكذب عن ذلك وهو ان ‍ ليست في كل ب . فنقول ان قياس هذا المطلوب يكون في الشكل الاول؛ وذلك انه اذا اخذنا نقيض النتيجة الكاذبة وهو ان ‍ في كل ب ، واضفنا اليها قولنا: ا في كل ‍ وهي الصادقة، فبيّن انه ينتج لنا في الشكل الاول فقط ا في كل ب وهي موجبة كلية. وذلك ان هاتين المقدمتين الصادقتين اللتين احداهما نقيض الكاذبة والاخرى الصادقة الموضوعة في قياس الخلف، لم يشتركا: لا في المحمول فتكون في الشكل الثاني، ولا في الموضوع فتكون في الثالث، بل الذي اشتركت فيه هو موضوع للطرف الاكبر في المطلوب ومحمول على الاصغر، وذلك هو تركيب الشكل الاول. وليكن مبرهنًا عندنا في الشكل الثاني بالخلف موجبة جزئية وهو ان ا في بعض ب ، بوضعنا ان ا ولا في شيء من ب الذي هو المقابل، واضافتنا الى ذلك ان ا موجودة في كل ‍ حتى يلزم ذلك ان ليست في شيء من ب الذي هو الكاذب، فاقول ان قياسه المستقيم يكون في الشكل الاول. وذلك انه اذا اخذنا ا موجودة في كل ‍ وهي الصادقة الموضوعة في قياس الخلف، و ‍ في بعض البا وهي نقيض النتيجة الكاذبة، فبيٌن انه ينتج في الشكل الاول ان ا في بعض ب . فان كان الذي يبيّن بالخلف سالبًا كليًا في الشكل الثاني بوضعنا نقيضه وهو ان ا موجودة في بعض ب ، واضافتنا الى ذلك ان ا غير موجودة في شيء من ‍ حتى تكون النتيجة الكاذبة ان ‍ ليست في بعض ب ، فان قياسه المستقيم يكون في الشكل الاول. وذلك انّا اذا اخذنا نقيض النتيجة الكاذب وهو قولنا ان ‍ في كل ب ، واضفنا اليها ا ولا في شيء من ‍ وهي الصادقة، فانه ينتج لنا في الشكل الاول ان ا ولا في شيء من ب . وكذلك ان برهنا بالشكل الثاني في قياس الخلف سالبة جزئية وهو ان ا غير موجودة في بعض ب ، بوضعنا نقيضها وهو ان ا موجودة في كل ب ، واضافتنا الى ذلك ان ا غير موجودة في شيء من ‍ ، فيلزم عن ذلك ان ‍ غير موجودة في شيء من ب وهي الكاذبة. فان قياسه المستقيم يكون بأن نأخذ ‍ في بعض ب وهو نقيض النتيجة الكاذبة، ونضيف اليها المقدمة الصادقة وهو قولنا: ا ولا في شيء من ‍ ، فيلزم عنه ا ليست في بعض ب . فقد تبيّن من هذا ان ما تبيّن بالخلف في الشكل الثاني فان قياسه المستقيم يكون في الشكل الاول، وذلك في جميع المطالب. القول في الشكل الثالث وايضًا لنبيٌن في الشكل الثالث بطريق الخلف موجبة كلية وهو قولنا: ا موجودة في كل ب بوضعنا نقيضها وهو ان ا ليست في بعض ب ، واضافتنا الى ذلك ان في كل ب ، حتى يكون الكاذب اللازم ان ا ليست في بعض ‍ ، فاقول ان قياسه المستقيم يكون في الشكل الاول. وذلك انه اذا اخذنا نقيض المنتج الكاذب وهو قولنا: ا في كل ‍ ، واضفنا الى ذلك ‍ في كل ب الصادقة، انتج لنا في الشكل الاول ان ا في كل ب وهو الذي تبيّن بالخلف، لان ا و ب لا يمكن فيهما ان يشتركا الا بشيء ثالث يكون موضوعًا للألف ومحمولاً على ب اللذان هما طرفا المطلوب. وكذلك ان برهنا بالخلف موجبة جزئية في الشكل الثالث وهو قولنا ا : في بعض ب ، بوضعنا نقيضها وهو قولنا: ا ولا في شيء من ب واضافتنا الى ذلك ان ‍ في بعض ب ، حتى يكون الكاذب المنتج ان ا ليست في بعض ‍ ، فان قياسه المستقيم يكون في الشكل الاول. وذلك اذا اخذنا نقيض الكاذب، اعني النتيجة، وهو قولنا: ا في كل ‍ ، واضفنا الى ذلك ‍ في بعض ب ، اعني مقدمة القياس الصادقة، فينتج لنا ان ا في بعض ب . وكذلك ان بيّنا بالخلف سالبة كلية في الشكل الثالث بوضعنا نقيضها وهو قولنا: ا في بعض ب ، واضافتنا الى ذلك ‍ في كل ب ، حتى ينتج لنا من ذلك ‍ في بعض ا الذي هو الكاذب، فاقول ان قياسه المستقيم يكون في الشكل الثاني. وذلك انّا نأخذ نقيض النتيجة الكاذبة والمقدمة الصادقة التي استعملت في بيان الخلف، فيكون معنا ‍ ولا في شيء من ا ، و ‍ في كل ب ، ينتج لنا: ا ولا في شيء من ب ، وهو الشيء المبيّن بطريق الحلف. وكذلك يعرض ان بيّنا بطريق الخلف السالب الجزئي بأن نأخذ نقيضه وهو الموجب الكلي، مثل ان نأخذ ا في كل ب ، ونضيف اليه ‍ في بعض ب ، فينتج لنا ان ‍ في بعض ا وهو المحال، فاقول ان قياسه ايضًا المستقيم يكون في الشكل الثاني. وذلك انّا نأخذ نقيض النتيجة والمقدمة الصادقة على العادة، فيكون معنا ‍ ولا في شيء من ا ، و ‍ في بعض ب ، ينتج لنا: ا ليست في كل ب او ليست في بعض ب . فقد تبيّن ان جميع المسائل التي تتبيّن بقياس الخلف في جميع العلوم يمكن ان تبرهن بقياسات مستقيمة، وان تردّ اليها بتلك المقدمات باعيانها وبتلك الحدود ايضًا باعيانها، وان ردّ القياس المستقيم الى الخلف هو بعينه القياس الذي يسمى ⟪المنعكس⟫. وكذلك تبيّن مما تقدم انه اذا ردّت المقاييس المستقيمة الى الخلف لايّ قياسات ترجع في الخلف. وكذلك اذا ردّت قياسات الخلف الى المستقيمات لايّ قياسات ترجع، وتبيّن ان كل مطلوب يمكن ان يبيّن بالخلف وعلى الاستقامة. ‑١٥‑ القول في قياسات المركبة من المتقابلات قال : واما في اي شكل يمكن ان يأتلف القياس من مقدمتين متقابلتين، وفي اي شكل لا يمكن، فذلك يبيّن مما نضعه. اما اولا فقد قيل ان المتقابلات بالحقيقة على جهة الايجاب والسلب هي اثنان: المتناقضان والمتضادان . واذا تقرر هذا فاقول : انه ليس يمكن ان يأتلف قياس في الشكل الاول لا من متضادات ولا من متناقضات، لا قياس ينتج موجبًا ولا قياس ينتج سالبًا. اما موجبًا فمن قبل انه ينبغي ان يكون القياس المنتج للموجب من مقدمتين موجبتين، والقياس الذي يأتلف من المتقابلات على طريق التناقض او التضاد احدى مقدمتيه سالبة والاخرى موجبة؛ واما سالبًا فانه ايضًا ليس يمكن ذلك من قبل ان المحمول والموضوع في الموجبة والسالبة، هو واحد بعينه على ما تبيّن في الكتاب المتقدم. والقياس الذي يكون في الشكل الاول مقدمتاه ليس المحمول فيهما واحدًا ولا الموضوع واحدًا اذ كان الحدّ الاوسط فيه هو موضوع في احدى المقدمتين محمول في الاخرى. واما الشكل الثاني فانه يمكن ان يكون فيه قياس من مقدمتين متقابلتين: اما على طريق التضاد، واما على طريق التناقض. ومثال ذلك قولنا: كل علم فاضل، ولا واحد من العلوم فاضل، ينتج لنا: ولا واحد من العلوم هو علم، وذلك غاية الشناعة. وكذلك يعرض ان وضعنا كل علم فاضل، والطب ليس بفاضل، وذلك ان سلب الفضل عن الطب هو سلب له عن بعض العلوم، فكأنّا وضعنا: كل علم فاضل، بعض العلوم ليس بفاضل، فينتج لنا: بعض العلوم ليس بعلم. والسبب في امكان هذا في الشكل الثاني ان المحمول في المقدمتين فيه هو واحد بعينه؛ وهكذا الامر في المتقابلات، وسواء فرضنا الموجبة هي الكبرى والسالبة هي الصغرى او كان الامر بالعكس، الامر في ذلك واحد بعينه. وليس يمكن ان ينتج المتقابلات بالحقيقة في هذا الا بأن تؤخذ الموجبة والسالبة بعينها، مثل ان نقول: كل علم فاضل، ليس كل علم فاضلاً؛ او نأخذ ما هو جزء لاحدى المقدمتين ومنطو تحتها بدل المقدمة نفسها الموجبة والسالبة، مثل ان نأخذ بدل كل علم ليس بفاضل، الطب ليس بفاضل، او بدل قولنا: كل علم فاضل، قولنا: الطب فاضل، ثم نقرن به: ولا علم واحد فاضل، فانه لا فرق بين ان نقرنه بالمقدمة المقابلة نفسها او بما هو منطو تحتها. ومتى لم تؤخذ المقدمتان بإحدى هاتين الجهتين، لم تكن متقابلة ولا كانت قوتها قوة المتقابلة: لا في التي تتقابل على طريق التضاد، ولا في التي تتقابل على طريق التناقض. واما في الشكل الثالث فانه لا يمكن في الاصناف الموجبة منه ان يكون القياس يأتلف من المتقابلات، احداهما موجبة والاخرى سالبة. وتلك هي العلة بعينها التي عرضت في الشكل الاول. واما اذا كان القياس سالبًا فانه قد يمكن ان يأتلف فيه قياس من مقدمات اذا كانت المقدمات كلية او جزئية. مثال ذلك قولنا: كل طب علم، ولا شيء من الطب علم، فانه يجب من هذا ان يكون بعض العلم ليس بعلم. وكذلك يعرض ان اخذت احدى المقدمتين جزئية مثل ان نقول: بعض الطب علم، ولا شيء من الطب علم، فانه يلزم عنه ان يكون بعض العلم ليس بعلم. واذا كانت احدى المقدمتين في هذين القياسين جزئية والاخرى كلية، فان القياس يأتلف من المتناقضة لا من المتضادة اذ كان المتضادان كليين. وينبغي ان تعلم ان المقاييس التي تأتلف في هذين الشكلين من الموجبة والسالبة ائتلافًا اوليًا، اعني التي سائر ما يأتلف مما يعدّ في هذا الباب، هي تابعة لها، هي اثنا عشر قياسًا، ستة في كل شكل. وذلك انه لما كانت المتقابلات ثلاثة ازواج: احدها قولنا: ⟪كل⟫، ⟪ولا واحد⟫، وهي المتقابلات على طريق التضاد، والاثنان متقابلان على طريق التناقض: احداهما ان تكون الموجبة هي الكلية والسالبة الجزئية، والثانية عكس هذا، فبيّن انه يأتلف منها في كل واحد من الشكلين ثلاثة اقيسة. ولان المقدمتين المتقابلتين لهما وضعان في الشكل الواحد: احدهما ان تكون الموجبة هي الصغرى والسالبة الكبرى، والوضع الآخر عكس هذا، لزم عن ذلك ان تكون اصناف المقاييس ستة في كل شكل منها؛ ولا يبالى في هذا الوضع كانت الصغرى في الشكل الثالث سالبة او موجبة، لانه انما منع ان تكون سالبة فيما سلف بالاضافة الى مطلوب محدود. والغرض ها هنا بهذه المقاييس المركبة انما هو التغليط وانتاج المحال، سواءً كان المحال هو النتيجة او عكسها. فقد تبيّن من هذا القول في اي الاشكال يمكن ان تأتلف المقاييس التي من مقدمات متقابلة، وكم عدد الاوائل التي تجري فيها مجرى الاسطقسات. وهو بيّن انه قد يمكن ان تنتج من المقاييس التي فيها مقدمات كاذبة نتيجة صادقة، ما عدا هذا الصنف من المقاييس، لان النتيجة فيها ابدًا تكون مقابلة للشيء المفروض وهو ان الشيء الموجود غير موجود. مثل ان الحي ليس بحي، وما يوصف بكذا فليس كذا، وسواءً كان ذلك موجودًا خارج الذهن او غير موجود. مثل ان ينتج ما هو عنزايل فليس بعنزايل من مقدمتين متقابلتين مثل قولنا: الانسان عنزايل، الانسان ليس بعنزايل فانه يلزم عنه ان عنزايل ليس بعنزايل، وذلك قول متناقض في نفسه وان لم يكن عنزايل موجودًا. فان صدق ايجابنا الشيء بعينه وسلبه معًا مستحيل، سواءً كان الشيء موجودًا او غير موجود. وانما لزم هذا في هذه المقاييس من قبل ان المقدمتين متناقضتان: اما بأن المحمول والموضوع فيهما واحد بعينه، واما بأن احدهما جزء للآخر. وهو ظاهر من هذا ان المقاييس الفاسدة التي في الصنائع من قبل فساد مقدماتها قد يمكن ان تنطوي في المقاييس الصحيحة التي في تلك الصناعة نقائض المقدمات الفاسدة، من غير ان يشعر بذلك الذي اعتقد في تلك المقاييس الفاسدة انها صحيحة، وذلك اما انطواء جزئيًا او لازمًا فيلزم صاحب الصناعة التبكيت من نفس ما يضعه في تلك الصناعة ويسلمه. مثل ان يضع واضع ان الجرم السماي غير متناه، ويضع من ذلك انه كري الشكل، فانه يلزم عنه ان يكون المتناهي غير متناه. وكثيرًا ما ينتفع بهذا في مقاومة الاقاويل الفاسدة في الصنائع. وينبغي ان تعلم انه لا يمكن الانسان ان يغلط فيضع مقدمتين متقابلتين في قياس واحد بسيط بعينه. وكذلك لا يمكن السائل ان يغلّط المجيب حتى يسلّم له مقدمتين معًا متناقضتين في قياس واحد بسيط، ولا ان يسلمها اذا سُئل عنها بجهة واحدة، مثل ان يسلّم ان هذا الشيء خير وانه ليس بخير، وانما يمكن ذلك اذا سُئل عنها بجهة واحدة ووضعت لجهة او وضعت جزءًا من مقاييس مركبة. اما وضعها بجهة والسؤال عنها بجهة فمثل ان ﻧَﺴﺌَﻞ: اليس الحي الابيض ليس بابيض؟ فانه يمكن ان يسلّم لنا هذا لان الحي الابيض هو مجموع شيئين وليس هو ابيض وحده فقط. فعلى هذا المفهوم يمكن المجيب ان يسلّم لنا هذه المقدمة عند سؤالنا اياه عنها، فاذا سألناه بعد: اليس الانسان حي ابيض؟ امكن ايضًا ان يسلّم لنا هذه الاخرى فينتج عليه المحال وهو ان بعض ما هو ابيض ليس بابيض. وكذلك يمكن ايضًا ان يسلّم لنا المتقابلتين اذا وضعنا احداهما جزءًا من قياس بسيط نحو نتيجة محدودة، ووضعنا الاخرى ايضًا جزءًا من قياس آخر بسيط نحو ايضًا نتيجة اخرى. وبهذا بعينه يمكن الانسان ان يغلط فيضع في المقاييس المركبة مقدمات متناقضة، مثل ان يسلّم لنا ان كل طب علم، وكل علم طب، من غير ان يصرّح باللازم عن ذلك وهو قولنا: كل طب ظن، ثم يسلّم لنا مقدمة ثانية وهي قولنا: ولا شيء من الطب طب، فيكون قد سلّم لنا في هذه المقدمات الثلاث مقدمتين متقابلتين وهو ان كل الطب ظن، ولا شيء من الطب ظن، فيلزم عنه انه ولا شيء من الطب طب. واكثر ما يعرض هذا متى سألنا عن لازم المقابل لا عن المقابل نفسه، فانه يخفى ويسلّم لنا وبخاصة متى كان اللازم بعيدًا، مثل ان ﻧَﺴﺌَﻞ عن ايجاب محمول لموضوع فيسلّم لنا، ثم ﻧَﺴﺌَﻞ عن سلب ذلك المحمول عن جنس ذلك الموضوع عن نوعه او شخصه فيسلّم لنا، فيلزم عنه سلب ذلك المحمول بعينه عن جميع ذلك الموضوع الذي اوجب له. ‑١٦‑ القول في وضع المطلوب الاول نفسه في القياس وهو الذي يسمى ⟪مصادرة⟫ قال : ووضع المطلوب الاول، اعني الذي يقصد بيانه لنفسه لا من اجل غيره، جزءًا من القياس المنتج له هو من جنس الاقاويل التي لا يمكن ان يبرهن منها الشيء الذي قصد برهانه. والمطلوب يعرض له الا يتبرهن من القول الذي قصد به برهانه على جهات اربع: احدها ان يكون ذلك القول لا يلزم عنه النتيجة التي قصد به ان تلزم عنه: اما لانه منتج اصلاً لشيء من الاشياء، واما لانه غير منتج للشيء الذي قصد انتاجه. والجهة الثانية ان تكون المقدمات اخفى من النتيجة، فان من شرط المقدمات ان تكون اعرف من النتيجة. والجهة الثالثة ان تكون المقدمات والنتيجة في مرتبة واحدة من الخفاء. والجهة الرابعة ان تكون النتيجة هي السبب في معرفة المقدمات، فان من شرط المقدمات ان تكون اعرف من النتيجة، وان تكون هي السبب في معرفتها. وبهذا ينفصل هذا القسم من القسم الثاني. واذا تقرر هذا فليس وضع المطلوب الاول جزء قياسه، وهو الذي يسمى ⟪المصادرة⟫، هو القول الذي لا يبرهن به المطلوب اذ كان هذا يقال على جهات، بل القول الذي لا يتبرهن به المطلوب احرى ان يجري منه مجرى الجنس. وهذا النوع من القول الذي يسمى ⟪مصادرة⟫ هو ان يروم انسان ان يبيّن شيئًا مجهولاً بذلك الشيء نفسه، واعني بالشيء المجهول ما لا يمكن ان يبيّن الا بغيره. فان الاشياء المعلومة صنفان: اما معلومة بانفسها وهي المقدمات الاول، واما معلومة بغيرها وهي التي تعلم بالمقدمات الاول. فمتى رام انسان ان يبيّن شيئًا مما يعلم بغيره نفسه، فهو الذي يسمى في هذه الصناعة ⟪مصادرة⟫، وهو وضع المطلوب الاول. وهذا الفعل من الغالط او المغالط يقع على وجهين: احدهما ان يضع المطلوب نفسه مقدمة في بيان نفسه، وذلك يعرض اذا كان المحمول او الموضوع في المطلوب اسمين مترادفين على ما سيأتي بعد. والوجه الثاني ان يبيّن نتيجة ما بمقاييس كثيرة مركبة من مقدمات كثيرة، سبيل احدى تلك المقدّمات ان الاّ تتبيّن اذا استعملت تلك النتيجة مقدمة في القياس المنتج لها. مثل ان يبيّن انسان ان ا موجودة في ،‍ بأن يأخذ ان ا موجودة في ب ، و ب في ؛ ثم يبيّن وجود ب في ‍ بوجود ب في ‍ و ‍ في ‍ ، ثم يبيّن وجود ا في ب بوجود ا في ‍ التي هي النتيجة، ووجود ‍ في ب . فانه لا فرق بين هذا الصنف والصنف الاول، الا ان الصنف الاول انتج فيه الشيء المقصود انتاجه من الشيء نفسه، وهذا الصنف انتج فيه الشيء المقصود انتاجه باكثر من واسطة واحدة. والغلط في هذا الصنف الثاني يقع كثيرًا لموضع النسيان، مثل ما يعرض لمن يبرهن انه اذا وضع خط مستقيم على خطين مستقيمين فصيّر الزاويتين اللتين في جهة واحدة مساويتين لقائمتين، ان الخطين متوازيان بانهما إن لم يكونا متوازيين فانهما اذا اخرجا على استقامة التقيا في احدى الجهتين فيكون هنالك مثلث تكون زواياه اكبر من قائمتين، وذلك خلف لا يمكن، فان كون المثلث ذا زاويتين قائمتين انما يبيّن بالخطوط المتوازية. وبالجملة يعرض لمن يستعمل هذا النوع من البيان من الشناعة ما يلحق من يقيس فيقول: ان كان هذا الشيء موجودًا فهذا الشيء موجود، وعلى هذه الجهة تكون الاشياء كلها معلومة بانفسها وغنية عن ان تعلم بغيرها. فمتى كان عندنا شيء مجهول الوجود لشيئين مختلفين، وكان وجود احد ذينك الشيئين معلومًا بنفسه، ورمنا ان نبيٌن وجود ذلك الشيء المجهول لاحد ذينك الشيئين بوجود للشيء الآخر، فقد بينّا المجهول بمجهول؛ لكن ليس يلزم ان يكون مثل هذا البيان هو البيان الذي يعرف ⟪بالمصادرة⟫. مثل ان يكون عندنا مجهول وجود ا في ب وفي ، ووجود ب في ‍ بيّنا بنفسه، فنريد ان نبيّن وجود ا في ‍ بوجوده في ب . وانما يجب ان يكون مثل هذا البيان مصادرة: اما في الحقيقة فمتى كان الشيئان شيئًا واحدًا بعينه بالحقيقة، اعني ‍ و ب ، وانما يختلفان بالاسماء وذلك اذا كان لهما اسمان مترادفان، واما في الظن المحمود فاذا ظن ﺑ ب و ‍ انهما شيء واحد من غير ان يكونا في الحقيقة شيئًا واحدًا بالعدد، وذلك يعرض اذا كان كل واحد منهما منعكسًا على صاحبه، مثل ان يكون احدهما خاصة للآخر، او حدًّا، او رسمًا، او كان احدهما يلزم الآخر؛ وان لم يكن منعكسًا مثل لزوم الحيوان عن وجود الانسان، لكن هذه هي مصادرة في المشهور لا في الحقيقة. واما اذا كانا مختلفين في الاسم فقط فهي مصادرة حقيقية، مثل ان يبيّن انسان في هذا الشيء المشار اليه انه بصير لانه جمل. وكذلك متى كان عندنا شيئان مجهولا الوجود لشيء آخر، وكلاهما معلوم الوجود للآخر، واردنا ان نبيّن وجود احدهما لذلك المجهول بوجود الآخر له، فانه ليس تكون هذه مصادرة على المطلوب ما لم يكن ذانك الشيئان المعلوم وجود احدهما للآخر هما في الحقيقة شيء واحد ويظن بهما انهما شيء واحد: اما لمكان ان كل واحد منهما منعكس على صاحبه، واما لانه يلزمه. مثل ان يكون عندنا ا و ب مجهولي الوجود في ،‍ ويكون وجود اب معلومًا، فانه ليس يكون ذلك مصادرة على المطلوب ما لم يظن ان ا و ب شيء واحد بعينه، او يكونا شيئًا واحدًا بعينه. القول في الفرق بين المصادرة والقياس بطريق الدور والفرق بين المصادرة والبيان الدائر ان الحدود الثلاثة يجب في البيان الدائر ان تكون منعكسة بعضها على بعض على ما تبّين، اعني ا و ب و ،‍ واما ها هنا فليس يشترط العكس الا في ب و ‍ ، اعني في حدّين من حدود القياس. واذا كان البيان المسمى ⟪مصادرة⟫ و⟪وضع المطلوب⟫ انما هو ان يبيّن الشيء المجهول الوجود بنفسه من جهة ما يعرض للشيء الواحد ان يظن به شيئان، وذلك اما محمول المطلوب والحدّ الاوسط واما موضوعه والحدّ الاوسط، فبيّن ان قياس المصادرة يأتلف من مقدمتين: احداهما معلومة وهي وجود احد ذينك الشيئين للآخر، اعني اللذين هما في الحقيقة واحد او في المشهور، والثانية مجهولة وهي وجود الطرف المجهول من المطلوب لاحدهما: اما الاكبر للاوسط ان كانت المعلومة هي الصغرى، واما وجود الاوسط للاصغر ان كانت المعلومة هي الكبرى. مثل ان يكون ب و ‍ اسمين مترادفين، ونريد ان نبيّن وجود ا في ج‍ بتوسط ب ، اعني بأن نأخذ ا في ب و ب في ‍ ، فان وجود ا في ب يكون المقدمة المجهولة، ووجود ب في ‍ يكون المقدمة المعلومة اذ كانا اسمين مترادفين او ما يظن بهما انهما كذلك. وكذلك يعرض ان كان ا و ب هما الاسمان المترادفان، اعني ان يكون وجود ا في ب هو المعلوم، ويكون وجود ب في ‍ هو المجهول. واذا كان هذا هكذا فهو ظاهر ان اصناف الاقاويل المركبة هذا التركيب المسمى ⟪مصادرة⟫ يكون في كل شكل من الاشكال الثلاثة، وانه اذا كان القياس من مقدمتين موجبتين فانه تكون الاصناف المؤتلفة من هذا الجنس في الشكل الثالث والاول ضعف الاصناف المنتجة في واحد واحد منهما: اما كونها في كل شكل فلأن حدودها منعكسة بعضها على بعض، اعني المقدمة المعلومة، واما كونها ضعف المنتجة في الموجبات فلأن كل صنف منها ينقسم الى قسمين: أحدهما ان تكون الصغرى هي المجهولة، والكبرى هي المعلومة، والصنف الثاني عكس هذا وهو ان تكون الصغرى هى المعلومة والكبرى هى المجهولة. واما اذا كان القياس سالبًا، اعني من مقدمتين احداهما موجبة والاخرى سالبة، فليس يتفق ان تتضاعف هذه الاصناف لان المجهولة انما تكون ابدًا السالبة اذ لا يصح ان تكون المقدمة المنعكسة المعلومة سالبة لانها ابدًا: اما شيء هو في الحقيقة واحد، واما ما يظن به انه واحد. واذا كان البيان على جهة المصادرة صنفين: اما مصادرة حقيقية وهي التي تكون المقدمة المنعكسة فيها اسمين مترادفين، واما مصادرة بحسب الظن الجميل المشهور، وهي المقدمة التي يظن بها من قبل انعكاسها على نفسها انها واحدة، او من قبل انطواء احد الحدّين تحت الآخر انها واحدة، فبيّن ان صناعة البرهان انما ترفض المعنى الحقيقي منها، وان صناعة الجدل ترفض منها الصنفين جميعًا، اعني ما هو مصادرة حقيقية وما هو مصادرة بحسب المشهور. واما صناعة السوفسطائية فهذا البيان خاص بها، وكذلك يشبه ان تكون الخطابة لا ترفض واحدًا من صنفي هذا البيان. فقد تبيّن من هذا ما هو البيان المسمى ⟪مصادرة⟫ وكم اصنافه. ‑١٧‑ القول في اخذ ما ليس بسبب للنتيجة الكاذبة على انه سبب قال : واما اذا انتج السائل على المجيب الكذب من وضعه، وهو الموضع الذي يراجعه المجيب فيه بأن يقول له ان الكذب لم يعرض من قبل الامر الذي وضعته ايها السائل وانما عرض عن امر آخر في هذا القول الذي رمت به ان تبيّن ان الكذب عرض عن الوضع الذي تضمنت انا حفظه او سلمته، فان ذلك انما يعرض في القياس الذي بالخلف اذا عرض ان يكون الكذب فيه لازمًا من غير ان يكون في ذلك تأثير للاصل الموضوع. وذلك انما يعرض في قياس الخلف متى كانت احدى مقدمتيه صادقة، والتي لزم عنها بالكذب مشكوكًا فيها واضيف اليها الوضع على انه امر زائد على المقدمتين. فانه متى كانت مقدمتا القياس الذي بالخلف مشكوكًا فيها، فانتج منها السائل الكذب بعد ان ادخل في جملتها الوضع ليوهم ان الكذب انما لزم عن الوضع، فقد يكتفي المجيب ها هنا ان يقول ان الكذب انما لزم عن الكذب الذي في القياس دون ان يحتاج ان يقول انه ليس من قبل الموضوع عرض الكذب، لانه انما يحتاج الى هذا القول اذا كانت احدى مقدمتي قياس الخلف صادقة والاخرى مشكوكًا فيها. وكذلك ايضًا يظهر انه ليس يكون هذا القول من المجيب اذا كان الابطال الذي وجّهه السائل عليه مؤلفًا من قياس مستقيم، وذلك ان القياس المستقيم ليس يضع احد فيه ما يروم ابطاله وانما يعرض ذلك في قياس الخلف. واذا كان بيّنًا ان هذا القول العادي من المجيب انما يكون عندما يأتي السائل بقياس الخلف لا بالقياس المستقيم، فهو بيّن انه انما يعرض في قياس الخلف اذا كان المحال لازمًا، وجد الموضوع الذي يفرضه المجيب او ارتفع، لانه حينئذٍ يسوّغ للمجيب ان يقول للسائل انه ليس من قبل الوضع الذي فرضته انا وسلّمته لزم المحال في هذا القياس الذي زعمت ان من قبله لزم المحال. وهذا يعرض على ضربين في قياس الخلف: ابينهما وهو الذي ليس يخفى على احد ولا يمكن ان يغالط به او يغلط فيه الا قليل من الناس، هو الاّ يكون الموضوع مشاركًا ولا بواحد من جزﺋﻴﻪ، اعني المحمول والموضوع لحدود المقدمات التي لزم عنها المحال. مثال ذلك ان يكون الاصل الموضوع الذي نروم ابطاله ا في كل ب ، فنقول: ان كان ا في كل ب ، وكان في كل د ، و د في كل ، فانه يلزم ان يكون ‍ في كل ‍ ، وذلك محال؛ فالمحال انما لزم عن وضعنا ا في كل ب ، فاذن ا في كل ب محال. فانه ظاهر انه ليس لكون ا في ب في هذا القول تأثير في وجود ب في الذي هو المحال. ومثال هذا كما يقوله ارسطو من المواد من قال ان القطر لا يشارك الضلع لانه ان شاركه وكان المتحرك انما يقطع المسافة المتناهية بعد ان يقطع نصفها، ولا يقطع نصفها الا بعد ان يقطع نصف ذلك النصف، وكان يوجد في العظم انصاف لا نهاية لها، فواجب ان كانت الحركة موجودة ان يكون المتحرك قد قطع مسافة غير متناهية في زمان متناه، وذلك محال؛ والمحال انما لزم عن قولنا ان القطر مشارك للضلع. فانه بيّن ان هذا القول الذي لزم عنه المحال، الذي هو شك ⟪زينن⟫ في الحركة، ليس بمتصل بجزء من اجزاء الموضوع الذي ريم بهذا القول ابطاله. ولذلك قلّ ما يستعمل هذا. والنحو الثاني الذي هو اخفي من الاول ان يكون الوضع الذي ريم ابطاله مشاركًا بأحد جزأيه: اما للمقدمات التي انتجت الكذب دون النتيجة، واما للنتيجة الكاذبة والذي تكون مشاركته للنتيجة هو اخفى وهو الذي ذكره ارسطو. واذا كان مشاركًا للنتيجة فاما ان يكون مشاركًا بالمحمول او بالموضوع؛ ثم اذا كان مشاركًا بواحد من هذين فاما ان يشاركها على ان يكون محمولاً، اعني في النتيجة، واما ان يشاركها على انه موضوع قيها. فيأتلف من ذلك اربعة اضرب: وذلك انه اذا شارك النتيجة شارك المقدمات واذا شارك المقدمات في الشكل الاول فاما ان يشاركها من فوق وذلك بأن يكون احد طرفي الموضوع محمولاً على الطرف المحمول الاول في المقدمات اما المحمول منه واما الموضوع، فيكون احد طرفي الموضوع محمولاً في النتيجة الكاذبة. مثال ذلك ان يكون الموضوع الذي نريد ان يلزم ان الكذب لزم عنه، ان ا في كل ب ، وتكون المقدمات المرتبة في الشكل الاول الذي بوساطتها انتج الكذب ‍ على د ، و د على ‍ . فاذا اخذنا مثلاً ا على ب ، و ب على كل ، و .‍ على كل د ، و د على كل و ، ثم انتجنا عن ذلك محالاً وهو ان ب مقولة على كل ، ‍فهو بيّن ان هذا المحال لازم دون مقدمة ا ب الذي هو الاصل الموضوع، وان هذه المشاركة هي الموضوع الاصل المقصود ابطاله فقط، على ان موضوع الاصل هو محمول في النتيجة الكاذبة. وان وضعنا القياس هكذا فقلنا ا : في كل ب ، و ا في كل ‍ ، و‍ في كل د ، و د ، في كل ‍ ، ثم انتجنا عن ذلك محالاً وهو ان ا في كل ‍ ، فهو بيّن ان هذا المحال انما شارك الاصل الموضوع الذي قصد ابطاله في المحمول فقط الذي هو ا على انه محمول في النتيجة، وانه اذا. رفعت مقدمة ا ب التي هي الاصل الموضوع بقي المحال كما كان. وكذلك ان وضع الاصل الموضوع مشاركًا لهذه المقدمات بأحد طرفيه من جهة اسفل، اعني بأن يوضع موضوعًا لموضوع المقدمة الاخيرة من المقدمات التي انتجت الكذب. مثال ذلك ان نضع ‍ على كل د ، و د على كل ،‍ و‍ على كل ا ، و ا على كل ب الذي هو الموضوع، ويكون المحال اللازم ‍ على كل ا ، فهو بيّن ان الموضوع يشارك النتيجة الكاذبة بجزء المحمول على انه موضوع لها، وكذلك ان وضعنا ‍ على كل د ، و د على كل ،‍ و‍ على كل ب ، و ا على كل ب ، وكان المحال ان على كل ب ، فهو بيّن ايضًا ان النتيجة الكاذبة شاركت الاصل الموضوع بموضوعه على انه موضوع فيها. فهذه كما نرى اربعة اصناف تحدث عن مشاركة المقدمات في الشكل الاول لاحد طرفي الاصل الموضوع، وكلها يسوغ الجواب فيها بأن يقال انه ليس من قبل الاصل الموضوع لزم الكذب لان الاصل الموضوع الذي هو مقدمة ا ب يرتفع في جميعها ويبقى المحال بعينه. وكذلك يعرض مثل هذا في جميع ضروب الشكل الاول وفي الشكل الثاني والثالث. والوقوف على ذلك قريب. فقد تبيّن من هذا انه قد يكون الموضوع متصلاً بالمقدمات الوسط التي انتجت النتيجة الكاذبة، ولا يكون الكذب لازمًا عن الموضوع، وعلى كم جهة يعرض ذلك. ولذلك ليس يكتفى في كون المحال لازمًا عن الاصل الموضوع بأن يكون مشاركًا للمقدمات التي انتجت المحال. بل وان يكون مع هذا اذا رفع ارتفع الكذب. فانه اذا اجتمع هذان الامران للموضوع علم ان الكذب لازم عنه، اعني ان يكون مشاركًا للنتيجة الكاذبة. وان يكون اذا ارتفع ولم تخلفه مقدمة ثانية مشاركة ارتفع الكذب لانه قد يمكن اذا ارتفع الاصل الموضوع وخلفته مقدمة ثانية مشاركة له ان ينتج ذلك الكذب بعينه. فانه قد يمكن ان ينتج شيء واحد باوساط مختلفة واما ان ينتج نتيجة واحدة بمقاييس مختلفة الحدود بأسرها فليس يمكن، الا ان يكون الاختلاف في الحدود الوسط فقط دون الاطراف. ولذلك ليس يمكن ان نقول انه اذا ارتفع الاصل الموضوع وبقي المحال، ان ذلك المحال قد يمكن ان يلزم عن ذلك الاصل الموضوع بمقاييس مباينة بجميع حدودها للقياس الذي انتج المحال دون الموضوع. واذا رفعنا الموضوع المشارك وبقي المحال، فبيّن انه يجب ان يكون في المقدمات الوسط بين المحال والموضوع مقدمة كاذبة، فان النتيجة الكاذبة لا يمكن وجودها عن مقدمات صادقة على ما تبيّن. -١٨- [كذب نتيجة القياس سببه كذب مقدماته] فان كان القياس الذي اضيف الوضع اليه، ورام السائل ان يبطل به الوضع، قياسًا بسيطًا، اعني من مقدمتين فقط، فان كون المحال لازمًا مع رفع الوضع يكون بيّنا بنفسه او كونه لازمًا عن الاصل الموضوع. واما ان كانت المقاييس التي تصل بين المحال اكثر من قياس واحد، فان ذلك يكون غير بيّن لكن يعلم انه قد انطوى في القياس كذب، فاذا حلّلت تلك المقاييس كلها الى القياس الاول الذي ترتبت عنه وبيّنت نتيجته فانه يظهر هنالك هل يوجد الكذب مع ارتفاع الوضع او لا يوجد. والمقاييس التي بهذه الصفة، اعني المركبة، هي التي تؤلف اولاً عن مقدمتين: احداهما صادقة، والاخرى مشكوك فيها، ولكن تكون النتيجة غير بيّن فيها انها كذب. فاذا اضيف اليها مقدمة صادقة ربما كانت النتيجة الحاصلة ايضًا مجهول من امرها انها كاذبة ايضًا، فيضاف اليها ايضًا مقدمة صادقة وتعتبر نتيجتها الى ان تنتهي الى نتيجة بيّن من امرها انها كذب، فيعلم حينئذٍ ان تلك النتائج كلها كاذبة؛ فاذا حلّت الى القياس الاول، واعتبر القياس الاول مع الاصل الموضوع، عرف بهذا القانون هل المحال لازم عنه ام لا. فصل -١٩- [القياس المضاد] قال : وقد ينبغي للمجيب في صناعة الجدل اذا تضمن حفظ وضع ما، والسائل يقصد ابطاله بالمقدمات التي يتسلمها منه، ان يتحفظ الاّ يسلّم له حدًا واحدًا في المقدمات التي يَسئَل عنها مرتين فاكثر، وذلك اذا كان السؤال بالمقدمات فقط دون النتيجة. فانه اذا لم يسلّم حدًّا واحدًا مرتين في المقدمات لم يكن هنالك حدّ اوسط، واذا لم يكن في المقدمات التي يسلّمها حدّ تشترك فيه فليس يتأتى منها قياس فضلاً عن ان يتأتى له منها قياس يبطل الوضع؛ وان سلّم له حدًّا واحدًا مرتين في المقدمات، فقد يتأتى له ان يمانعه عن تلك النتيجة التي هي نقيض وضعه من جهة كيفية ترتيب الحدّ الاوسط عند نوع نوع من انواع النتائج الاربعة التي قيلت، اعني اذا لم يرتبه الترتيب الذي ينبغي. وهذه القوة تكون للمجيب بمعرفة اي نتيجة في اي شكل من الاشكال الثلاثة، اعني ما كان منها خاصًا بشكل واحد او مشتركًا لاثنين منها او للثلاثة باسرها، وذلك شيء قد تقدم. قال : والذي نأمر متقلد الجواب بألاّ يذهب عليه من ان يسلّم ما يعود بابطال وضعه، هو الذي نأمر السائل بأن يستعمله على اخفى ما يكون حتى يذهب ذلك على المجيب. وذكر في ذلك وصايا ثلاثة خاصة بهذا الكتاب: احداها الاّ يَسئَل عن المقدمات مع النتائج بل تحذف النتائج سواءً كانت المقدمات قريبة او بعيدة، وذلك يعرض في القياس المركب اذا كانت المقدمات اللتان تنتج النقيض احداهما نتيجة والثانية مأخوذة بالسؤال، وتكون ايضًا تلك النتيجة تلزم عن مقدمتين كلاهما مأخوذة بالسؤال، فهنا يجب ان يَسئَل عن ثلاث مقدمات ويترك المقدمة الرابعة التي هي نتيجة. والوصية الثانية ان يَسئَل عن المقدمات البعيدة ويترك السؤال عن القريبة، وذلك يتفق ايضًا في القياس المركب اذا كانت المقدمات المنتجة للنقيض نتيجتين عن قياس كل واحد من ذينك القياسين يأتلف عن مقدمتين، فيكون ها هنا ست مقدمات: اربع بعيدة وهي المقدمات التي ليست نتائج، واثنتان قريبة وهي النتائج، فيَسئَل عن الاربع ويترك الاثنين. والفرق بين هذه الوصية والاولى، وان كان كلا الوضعين حذفت منه النتائج، ان هنالك حذفت النتائج بما هي نتائج وهنا بما هي قريبة. والوصية الثالثة ان يغيّر ترتيب المقدمات في السؤال، فيَسئَل عنها على غير النظام الذي تأتلف عليه في القول. مثال ذلك اذا رام ان ينتج عليه ان ا موجودة في ز بتوسط وجود ا في ب ، و ب في د و د في ،‍ و‍ في ز ، فليس ينبغي ان يَسئَل هل ا موجودة في ب ، ثم هل ب موجودة في د ، ولكن ينبغي ان يَسئَل اولاً: هل ‍ موجودة في ز ، ثم بعد ذلك هل ب موجودة في د ، وعلى هذا النحو يفعل في السؤال عن الباقية من عدم الترتيب الموجود لها عند الانتاج، فان بذلك يخفي الامر على المجيب. فهذا ما يجب ان يفعله السائل من الاخفاء في القياس المركب. واما في القياس البسيط الذي يكون من مقدمتين فقط وبحدّ اوسط واحد فانه ينبغي ان يبتدئ بالسؤال اولاً عن المقدمة الكبرى، ثم حينئذٍ يَسئَل عن الصغرى، لانه على هذه الجهة تخفى النتيجة جدًا على المجيب، وذلك انه يتشكل في ذهنه خلاف التشكيل المنتج. -٢٠- [التبكيت] ولان السائل العارف بما في هذا الكتاب، وهو الذي تتوجه اليه هذه الوصايا خاصة، قد عرف متى يكون قياس منتج في القول ومتى لا يكون وكيف يكون، فهو بيّن انه لا يخفى عليه متى اجتمع له من المقدمات التي يتسلمها من المجيب تبكيت له ومتى لا يجتمع ذلك. لانه قد علمنا انه متى اقرّ المجيب بمقدمات موجبة، او كان فيها الموجب والسالب، انه قد يمكن ان يكون تبكيت، لانه قد تبيّن انه لا يكون قياس الا بأن تكون مقدمتاه معًا موجبتين او تكون احداهما موجبة والاخرى سالبة. فان اجتمع مع هذا ان تكون النتيجة نقيض الوضع الذي تضمن المجيب حفظه فقد كان تبكيت بالضرورة، لان التبكيت هو قياس منتج نقيض الوضع الذي تضمن البحيب حفظه. فاما متى لم يقرّ المجيب بمقدمة موجبة، فانه من المحال ان يكون تبكيت لانه قد تبيّن انه لا يكون قياس من مقدمات سالبة، واذا لم يكن قياس لم يكن تبكيت؛ واما اذا كان تبكيت فقد يجب ان يكون قياس، واما اذا كان قياس فليس يجب ان يكون تبكيت، وذلك ان هذه هي حال الأخص مع الأعم، مثل حال الحيوان مع الانسان، وحال القياس المطلق مع القياس المبكت. وكذلك بيّن ايضًا انه لا يكون قياس اذا لم يقرّ بمقدمة كلية، لان القياس المنتج قد تبيّن ان من شرطه ان تكون احدى مقدمتيه كلية والثانية موجبة. فصل -٢١- [اسباب الغلط والخدعة قي النتائج] القول قي انه متى يمكن ان يعرض الغلط والخدعة على النتائج التي هي نتيجة عن المقدّمات البيّنة الاولية ومتى لا يمكن قال : وكما يعرض الغلط والانخداع في المقدمات حتى يعرض فيما هو معلوم لنا بعلم اول انه كذا او يظن به انه ليس بكذا، كذلك يعرض لنا هذا بعينه في النتائج، اعني ان يظن بما هو معلوم عندنا انه كذا انه ليس بكذا او بالعكس. وقد يظن ان هذا غير ممكن ان يعرض لنا في النتائج، اعني ان نعلمها بعلم يقين، وان نظن بها خلاف ما علمنا. مثل ان يكون شيء واحد نعلم وجوده في شيئين بلا توسط، ويكون ذلك الشيئان يعلم وجودهما ايضًا في شيء اخر بلا توسط. مثل ان تكون ا موجودة في ب و ‍ ، وب و‍ موجودتان في د بلا توسط؛ فانه من علم ان ا موجودة في كل ب ، و ب في كل د وعلم ايضًا ان ‍ موجودة في كل د ، فانه ليس يمكن ان يظن ولا ان يتوهم ان ا غير موجودة في شيء من د ، لانه يعرض من ذلك ان يعلم الشيء بعينه ويجهله من جهة واحدة. وذلك انه انما يقع للانسان بالشيء ظن من جهة الجهل المتقدم له في ذلك الشيء؛ فان كان عنده في ذلك الشيء علم عرض ان يعلم الشيء ويجهله معًا، وذلك مستحيل. وكما يظن ان هذا ممتنع في المقاييس المختلفة الحدود الوسط مثل هذين القياسين اللذين تمثلنا بهما، كذلك يظن ايضًا انه ممتنع في المقاييس التي تحمل حدودها الوسطى بعضها على بعض. مثل انه ان علم احد ان ا موجودة في كل ب ، و ب في ،‍ و‍ في د ، فانه ليس يمكن ان يتوهم ولا ان يظن ان ا موجودة في ب ، و ب في ،‍ و ‍في د ، وان ا غير موجودة في شيء من د ، لانه يكون عنده علم بالشيء الواحد بعينه وجهل معًا، وذلك محال. الا ان هذا اذا تؤمل ظهر ان الوجه الاول، وهو الذي لا تقال فيه الحدود المتوسطة بعضها على بعض، ليس يمكن ان يعرض لنا في المقدمة الكبرى من احد القياسين ظن كاذب مع العلم بالمقدمة الكبرى من القياس الآخر والمقدمتين الصغريين من القياسين كليهما. ومثال ذلك انه متى كان عندنا ان ا في كل ب ، و ب في كل د ، و‍ في كل د ، فانه ليس يمكن ان يغلط فيظن ان ا ليست في شيء من ‍ ، لانه يعرض من ذلك ان تكون مقدمتا القياسين الكبريان منها متضادتين في الاعتقاد، او قوتهما قوة المتضادة في الاعتقاد وذلك شيء لا يمكن، اعني ان تحصل لنا معرفة متضادة في الشيء الواحد بعينه، وانما يلزم ذلك لانه اذا علم الانسان بعلم يقين ان ا موجودة في كل ما توجد فيه ب ، وعلم ان ب في د فانه يعلم ان ا في د . فان توهم ان ا غير موجودة في شيء مما توجد فيه ،‍ مع علمه ان ‍ في كل د ، فقد توهم ان ا غير موجودة في بعض ما فيه ب ، مع توهمه ان ا موجودة في كل ما توجد فيه ب لأن د جزء من ب ، او قد توهم ان ا موجودة في د مع توهمه ان ا غير موجودة في د ؛ وكلا الوجهين محال لانه يكون: اما توهمًا متضادًا واما توهمًا قوته قوة التوهم المتضاد وذلك مستحيل، اعني ان يكون الانسان يظن الايجاب والسلب في شيء واحد بعينه من جهة واحدة. واما ان يغلط الانسان في احدى هاتين المقدمتين الكبرين اذا لم يكن عنده علم بالمقدمة الاخرى فذلك ممكن. فهذه هي حال الظن والعلم في القياسات التي الحدود الوسط فيها مختلفة. واما في القياس الواحد او القياسات المحمولة حدودها الوسط بعضها على بعض فقد يمكن ان يكون عند الانسان علم وظن في النتيجة، لكن لا من جهة واحدة بل من جهتين مختلفتين. مثال ذلك انه يمكن ان يكون معلوم عندنا ان ا في كل ب ، و ب في كل ،‍ وتكون النتيجة مجهولة عندنا وهي ان ا في كل ، ‍فنخدع فنظن ان ا ولا في شيء من ‍ لانه ليس من علم المقدمتين فقد علم النتيجة، اذ كانت النتيجة معلومة بالقوة في المقدمتين لا بالفعل على جهة ما يعرض للجزﺋﻲ ان لا يكون معروفًا عند من عرف الكلي. مثال ذلك انه من علم ان ا موجودة في كل ما توجد فيه ب ، وكانت ب موجودة في كل ﺟ ،‍ فقد علم ان ا موجودة في كل ‍ ، الا انه علم ذلك من قبل العلم الكلي وجهلها من قبل الجزئي. وذلك ليس يمتنع من جهة الجهل ان يعرض له فيها ظن من قياس آخر فاسد مضاد لعلمه. ومثال ذلك من المواد انه من علم ان كل مثلث فزواياه مساوية لقائمتين، فقد علم المثلث المشار اليه المحسوس انه بهذه الحال بالقوة لا بالفعل، ولذلك قد يمكن ان يغلط فيه فيظن به انه ليس بمثلث ولا زواياه مساوية لقائمتين، وذلك انه عرفه من جهة الامر الكلي وجهله من جهة الامر الجزﺋﻲ الخاص به. وبهذه المناسبة يجب ان يحل شك ⟪مانن⟫ الذي قيل فيه ان المتعلم ان كان يجهل المطلوب فمن اين يعلم انه قد علم اذا علم، او كيف يعلم المجهول من المعلوم، وان كان يعلم قبل ان يتعلم فالتعلم فضل. وذلك ان الجواب في هذا ان يقال ان المطلوب هو مجهول من جهة انه خاص ومعلوم من جهة ما هو عام، لا ما جاوب به افلاطون من ان يسلّم ان التعلم تذكر. لانه اذا كان عندنا ان كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين، وكنا نجهل هذا المثلث المخفي المشار اليه انه مثلث، فعندما ظهر لنا بالحس انه مثلث علمنا ان زواياه مساوية لقائمتين، فليس يمكنهم ان يقولوا ان ما حصل من العلم عند ظهور المثلث بأن زواياه مساوية لقائمتين هو تذكر، فانهم يسلّمون ان ما حصل عن الحس ليس تذكرًا. وكما ان الجهل الذي يكون لنا بالجزئي ليس يضاد العلم الذي لنا بالكلي، كذلك العلم بالمقدمتين ليس يضاد الجهل بالنتيجة لان المقدمتين معلومة بالفعل والنتيجة بالقوة. وذلك ان المعرفة تقال على اربعة ضروب: اما معرفة عامة، واما خاصة واما بالقوة، واما بالفعل، وعلى هذه الجهات الاربع ليس يمتنع ان يوجد لنا في الشيء الواحد جهل وعلم معًا، فيعرض لنا فيه ظن وعلم، اي من جهتين مختلفتين، وذلك شيء موجود بالحس. فانّا نجد كثيرًا من الناس تكون عنده مقدمتان معلومتان فينخدع في النتيجة، كما يكون عنده العلم الكلي فينخدع في الجزئي. ومثال ذلك انه قد يكون عند انسان ما ان كل بغلة عاقر، وان هذه المشار اليها بغلة، ويظن بها انها حاملة لمكان انتفاخ يراه في جوفها، فيكون عنده ظن وعلم بالشيء الواحد بعينه: اما علم فمن قبل مقدمتيه الصادقتين اللتين عنده، واما ظن فمن قبل قياس فاسد حدث له في ذلك الشيء. وذلك ان من شأن الظن الذي يحدث لنا في امثال هذه المواضع في مقابلة العلم ان ينشأ عن قياس فاسد، فمتى علم المقدمتين وجهل النتيجة، فقد علم شيئًا واحدًا وجهله، لكن علمه من جهة القوة وجهله من جهة الفعل؛ ومتى علم المقدمة الكبرى من القياس فقط فقد جهل الصغرى من جهة وعلمها من جهة، لكن علمها من جهة الامر الكلي وجهلها من جهة الخاص الجزئي؛ ومتى علم الصغرى فقد علم الكبرى من جهة وجهلها من جهة، لكن علمها من جهة الجزئي وجهلها من جهة العلم الكلي. فقد تبيّن من هذا على اي جهة يمكن ان يحصل لنا في النتائج علم وظن معًا، اعني لانسان واحد، وعلى اي جهة لا يمكن ذلك، وان الجهة التي لا يمكن في انسان واحد هي ممكنة في انسانين. فصل في اشياء من الاستدلالات قوتها قوة المقاييس قال : ويعرض للذين يتوهمون ان الاضداد شيء واحد مثل الذين يتوهمون ان الخير والشر شيء واحد، انه يلزمهم عن هذا التوهم ان يكون الشر يحمل على الخير والخير يحمل على الشر حتى يعرض عن ذلك ان يحمل الشيء على نفسه، وذلك انهم سيقرّون ان الخير هو شر وان الشر هو خير، فيأتلف هذا القول على مثل ائتلاف الشكل الاول، ويلزمهم ان يكون الخير خيرًا، كمثل ما يأتلف القول لو كانت هذه المقدمات صادقة. وكذلك يلزم من يقول ان جميع الموجودات واحدة، اعني ان يكون الشيء يحمل على نفسه، لانه ان كانت ‍ و ب شيئًا واحدًا، و ب و ا شيئًا واحدًا، الزمهم ان يعترفوا ان ‍ هو ب ، وان ب هو ا ، وان هو ا ، مع انها شيء واحد. فالنتيجة تكون ضرورة في امثال هذه الاقاويل لكن نتيجة كاذبة عن مقدمات كاذبة، وذلك انه ليس يمكن ان يكون خير شرًا الا بالعرض، فاما بالذات فلا. وتوهم الاضداد انها واحدة بهذا السبب يكون وضروب كثيرة من التوهمات، كما عرض ذلك للقدماء. وانواع هذه التبكيتات التي تستعمل مع امثال اصحاب هذه الآراء اذا استقصي امرها وجدت معادة لانواع المتقابلات ولانواع الاشياء التي يقال عليها اسم الواحد والكثرة. -٢٢- [قواعد لعكس الحدود والمقايسة بين المرغوب قيها والمهروب منها] قال : واذا كان معنا حدود ثلاثة مرتبة ترتيب الشكل الاول، مثل ان تكون ا موجودة في كل ب ، و ب موجودة في كل ، ‍فانه متى انعكست النتيجة فان المقدمتين منعكستان. وذلك انه ان صدق ان ‍ موجودة كل ا ، فواجب ان تكون ‍موجودة في كل ب ، و ب في كل ا ، لانه ان اخذنا ان ‍ في كل ا ، واضفنا اليها المقدمة الكبرى وهو ان ا في كل ب ، انتج عكس الصغرى وهي ان ‍ في كل ب . وكذلك ايضًا متى اخذنا عكس النتيجة وهي قولنا: ‍ في كل ا ، واضفنا اليها المقدمة الصغرى، انتج عكس الكبرى؛ وذلك انه يكون معنا: ب في كل ‍ وهي الصغرى، و‍ في كل ا وهي عكس النتيجة، ينتج لنا: ب في كل ا وهي عكس المقدمة الكبرى. واما القياس السالب الكلي من هذا الشكل، فانه يعرض له اذا انعكست المقدمة الكبرى منه ان النتيجة ايضًا تنعكس. ومثال ذلك انّا اذا فرضنا ا ولا في شيء من ب ، و ب في كل ‍ ، انتج لنا: ا ولا في شيء من ‍ ؛ فان عكسنا الكبرى انعكست النتيجة، وذلك انه يكون معنا: ب ولا في شيء من ا ، و ب في كل ‍ ، فينتج لنا في الشكل الثاني: ‍ ولا في شيء من ا وهو عكس النتيجة، هذا ان كان عكس السالبة الكلية عندنا غير معلوم او على انه امر لم يتبيّن لنا بعد، فنستعمله في هذا الموضع. وكذلك متى عكسنا منه الصغرى الموجبة انعكست النتيجة ايضًا، لأنه يكون معنا: كل ‍ هو ب ، ولا شيء من ا ب ، فينتج لنا في الشكل الثاني ان ‍ ولا في شيء من ا . واذا انعكست النتيجة في هذا الصنف وانعكست الصغرى، انعكست الكبرى، لانه يكون معنا: ‍ ولا في شيء آخر من ا ، و‍ في كل ب ، ينتج في الشكل الثاني ب ولا في شيء من ا . وبهذه الجهة فقط يمكن ان تنعكس المقدمة بعكس النتيجة، كما امكن ذلك في الصنف الموجب، وان كان لا بدّ ها هنا من عكس المقدمة الصغرى مع عكس النتيجة، وحينئذٍ يبيّن انعكاس الكبرى. واما انعكاس النتيجة عن انعكاس احدى المقدمتين، فليس يمكن في الصنف الموجب كما امكن ذلك ها هنا، لانه لا ينتج من موجبتين في الشكل الثاني. فصل قال : واذا كان حدّان ينعكس كل واحد منهما على صاحبه، مثل ان يكون كل ا هو ب ، وكل ب هو ا ، وكان ايضًا حدّان آخران ينعكس كل واحد منهما على صاحبه، مثل ان يكون كل ‍ هو د وكل د هو ، ‍وكان ا و‍ متقابلين و ب و د ايضًا متقابلين فانه ان كان الزوجان المتقابلان لا يخلو من احدهما موضوع ما، فان الزوج الثاني من المتقابلين الآخرين لا يخلو ذلك الموضوع منهما. مثال ذلك انه كان ا و‍ لا يخلو من احدهما ك، فان ب و د لا يخلو من احدهما ك ، لانه ان كان كل ما توجد فيه ا ف ب توجد فيه، وكل ما توجد فيه ‍ فتوجد فيه د ، وكان ك اما ان توجد فيه ا واما ، فظاهر ان ك اما ان توجد فيه ب واما د ، ولانه يأتلف القياس المركب هكذا: ك اما ان توجد فيه ا واما ،‍ وكل ما يوجد فيه ا ففيه ب ، وكل ما يوجد فيه ‍ ففيه د ، فك اما ان توجد فيه ب ضرورة واما د . وكذلك يبيّن عكس هذا، اعني ان فرضنا ان ك لا يخلو من د او ب فانه يلزم ان لا تخلو اما من ا واما من ‍ . ومثال ذلك من المواد اذا اخذنا بدل ا مكوّنًا، وبدل ب فاسدًا، وبدل ‍ غير مكوّن، وبدل د غير فاسد، وكان كل مكوّن فاسدًا وكل فاسد مكوّنًا، وكذلك كل غير مكوّن غير فاسد وكل غير فاسد غير مكوّن، فاقول انه ان كان كل شيء اما مكوّنًا واما غير مكوّن، فواجب ان يكون كل شيء اما فاسدًا واما غير فاسد، لانه ان كان كل ما هو مكوّن فاسدًا وما هو غير مكوّن غير فاسد، وكان كل شيء لا يخلو من ان يكون اما كائنًا واما غير كائن، فبيّن ان كل شيء لا يخلو ان يكون اما فاسدًا واما غير فاسد. واقول ايضًا انه اذا وضعنا ان الموضوع الواحد بعينه لا يخلو من ان يوجد فيه احد الزوجين المتقابلين، وفرضنا ان احد جزئي المتقابلين ينعكس على الجزء الآخر من المقابل الآخر، فاقول ان الجزء الباقي من احد الزوجين المتقابلين ينعكس على الجزء الآخر من المقابل الآخر. مثال ذلك انه اذا كان كل شيء اما مكوّنًا واما غير مكوّن، واما فاسدًا واما غير فاسد، وكان كل مكوّن فاسدًا وكل فاسد مكوّنًا، فاقول ان كل غير مكوّن غير فاسد، وكل غير فاسد غير مكوّن. برهان ذلك ان لم يكن غير المكوّن غير فاسد فليكن فاسدًا، ولان كل شيء قد وضع انه اما فاسدًا واما غير فاسد، فان كان غير المكوّن فاسدًا، وكان قد وضع ان الفاسد ينعكس على المكوّن، اي ان كل فاسد مكوّن، فانه يلزم عن ذلك ان يكون غير المكون مكوّنًا، وذلك خلف لا يمكن لانه يأتلف القياس هكذا: غير المكوّن فاسد، وكل فاسد مكوّن، النتيجة: فكل غير مكوّن مكوّن. وبمثل هذا يبيّن ان غير الفاسد ينعكس على غير المكوّن. فصل القول في اﺋﺘﻼف الشكل الثاني من الموجبتين بشرط شمول الاوسط للطرفين وخاصياتهما. وايضًا اذا ائتلفت موجبتان كليتان في الشكل الثاني، وكان الحدّ الاوسط لا يوجد في غير الطرفين، وكان الطرف الاعظم يوجد في كل الاصغر، فانه يجب ان يوجد الاعظم في كل الاوسط، اعني ان ينعكس عليه. مثل ان تكون ا موجودة في كل ب وفي كل لا في غيرهما، وتكون ب موجودة في كل ، فاقول انه يجب ان تكون ب موجودة في كل ا ؛ وذلك انه اذا كانت ب توجد في كل ﺟ‍ وفي جميع جزئياتها، وكانت ا لا توجد الا في كل جزئيات ‍ وفي كل ب ، فظاهر ان كل ما توجد فيه ا فان ب توجد فيه، فاذن كل ما هو ا فهو ب . وايضًا اذا ائتلفت موجبتان في الشكل الثالث، وكان الحدّ الاوسط ينعكس على الطرف الاصغر، فانه يجب ان يكون الطرف الاكبر في كل الاصغر، اعني ان ينتج موجبة كلية. مثال ذلك ان تكون ا و ب تقال على كل ،‍ و‍ مقولة على كل ب ، فاقول انه يجب ضرورة ان تكون ا مقولة على كل ب لانه تكون ا مقولة على ، و مقولة على كل ب ، فتكون ا ضرورة في كل ب لانه يرجع التأليف الى الشكل الاول. فصل واذا كان شيئان متقابلان مثل ا و ب ، وكانت ا امرًا مؤثرًا عندنا و ب مجتنبًا، وكان ايضًا شيئان آخران متقابلين مثل ‍ و د ، وكانت ‍ ايضًا متجنبًا و د مؤثرًا ومطلوبًا، فانه ان كان كلا ‍ ا ﺟ افضل من كلي ب د ، فان ا افضل من د وآثر لانه لما كان ا و ب متقابلين، وكانت ا مطلوبة و ب متجنبة، كان ا ب مطلوًبا مثل ما متجنبة، وذلك ان كل مقابل فهما في غاية واحدة من المتقابل. واذا كان هذا هكذا فانّا نقول ان ا تكون ضرورة افضل وآثر من د ، لانها ان لم تكن آثر فهي: اما مساوية لها، واما ان تكون د آثر منها؛ فان كانت ا و د بالسوية مطلوبين، فهو بيّن ان ‍ و ب بالسوية مهروب منهما لان ب مساوية في الهرب منها للالف في الطلب و‍ في الهرب منها لد في الطلب لها. واذا كان ذلك كذلك فان كلي ا ﺟ مساويان في الطلب لكلى ب د ، وقد كنا فرضنا ان ا و‍ آثر، هذا خلف لا يمكن. وان فرضنا د آثر من ا لزم ان تكون ب اقل في باب الهرب من ، وذلك ان ما هو اقل هربًا هو المقابل لما هو اقل طلبًا، والاكثر هربًا هو المقابل لما هو اكثر طلبًا. واذا كان د اكثر طلبًا من ا ، ﻓ ا‍كثر هربًا من ب ، فتكون د و ب اكثر طلبًا واقل هربًا من ا و . والأكثر طلبًا والأقل هربًا هو آثر، فد و ب مجموعان آثر من ا و‍ مجموعين، وذلك نقيض ما وضعنا، هذا خلف لا يمكن. فواجب متى فرضنا ا و آثر من ب و د ، ان تكون ا آثر من د . ومثال ذلك من المواد ان نبيّن لمن ابتلى بمحبة ان الأفضل له ان يختار ان لا يؤاتيه محبوبه من ان يؤاتيه؛ وذلك انه لما كان من الظاهر ان الأفضل له ان يختار ان يؤاتيه مع الا يؤاتيه، من ان يؤانيه مع الاّ يختار ان يؤاتيه فيجب بحسب ما قدّمنا ان يختار ان لا يؤاتيه افضل من ان يؤاتيه. وبهذا بيّن افلاطون ان الافضل للمحب الاّ يجامع لأن الجماع مؤاتاه يرتفع معها اختيار ان ﻳﺆاتيه، واذا لم يجامع اختار ان يؤاتيه. فالمحبة اذن، كما يقول ارسطو، اما ان لا يكون من فعلها الجماع، واما ان يكون الجماع انما هو شهوة مقترنة بالمحبة، والمنزل الطبيعي اولاً انما يلتئم من المحبة وهذه الشهوة، وحينئذٍ يكمل فعله. فان كثيرًا من الشهوات اذا اقترنت بالصنائع والاخلاق تممت افعال تلك الصناعة او تلك الخلق اذا استعملها الانسان مقدرة بحسب فعل تلك الصناعة؛ وذلك مثل الشجاعة الطبيعية اذا اقترنت بالفروسية يكون فعل الفروسية على التمام. فقد تبيّن من هذا كيف حال الحدود المنعكسة بعضها على بعض، وكيف يقايس بين الآثر والافضل بهذا النوع من الاستدلال. ويشبه ان يكون ارسطو انما خصّ هذا الموضع بالذكر ها هنا دون سائر مواضع الآثر والافضل لقرب هذا من طبيعة القياس، اعني في عمومه. فصل -٢٣- في ان الاستقراء والضمير وسائر المقاييس المستعملة قوتها قوة ما تقدم قال : وينبغي ان يبيّن الآن ان سائر المقاييس التي تستعمل في الخطابة والفقه والمشورة راجعة الى المقاييس التي سلفت. وبذلك يصح لنا ان جميع المقاييس تكون بالاشكال التي سلفت ليس البرهانية فقط ولا الجدلية بل وجميع المقاييس الفكرية، وبالجملة كل تصديق يقع في كل صناعة. وذلك بيّن من ان كل تصديق: اما يكون بالقياس وما يجانس القياس وهو المسمى ⟪ضميرًا⟫، واما بالاستقراء وما يجانس الاستقراء وهو المسمى ⟪تمثيلا⟫. فاما الاستقراء فانه انما يبيّن فيه ابدًا وجود ما شأنه ان يكون طرفًا اكبر في القياس فيما شانه ان يكون حدًّا اوسط في القياس بما شأنه ان يكون فيه طرفًا اصغر، وبهذه الجهة يكون اللازم عنه واجبًا ضرورة. مثال ذلك ان يكون الحدّ الاوسط بين ا و‍ من جهة ما الحمل فيها على المجرى الطبيعي حرف ب، فيكون ا هو الحدّ الاكبر بالطبع، وب الاوسط بالطبع، و الاصغر، فيتبيّن بحرف وجود ا في ب لا وجود ا في ‍ بحرف ب على جهة ما يكون عليه البيان في القياس. ومثال ذلك من المواد ان نأخذ بدل ا الحيوان الطويل العمر، وعوض ب الحيوان الصغير المرارة، وعوض البغل والفرس والانسان، فنبيّن ان كل حيوان صغير المرارة فهو طويل العمر بأن نستقرئ جميع اصناف الحيوانات الصغيرة المرارة الطويلة العمر مثل البغل والحمار والفرس، فنبيّن منها ان كل حيوان صغير المرارة فهو طويل العمر، واذا كان الاستقراء هو هذا، فهو بيّن ان الطويل العمر هو الحدّ الاكبر ها هنا، والاوسط الصغير المرارة، والاصغر الحيوانات، ونحن انما بيّنا وجود الاكبر في الاوسط بوجوده في الاصغر. وانما يكون هذا البيان لازمًا عن الاستقراء لزومًا صحيحًا، اعني مناسبًا للزوم النتيجة عن القياس الصحيح الشكل، متى استقرينا جميع الاصناف الصغيرة المرارة فوجدنا جميعها طويل العمر ولانه حينئذٍ يجب اذا كان ا و ب موجودتين في كل اي الطويل العمر والصغير المرارة في البغل والفرس والحمار والانسان، ان تكون ا موجودة في كل ب كما تبيّن قبل هذا. وذلك انه اذا استقرينا جميع الحيوانات الجزئية التي اخذنا عوضها حرف ، انعكس حرف ب على حرف ‍ في العمل، فلزم عن ذلك ان تكون في كل ب على ما تبيّن قبل هذا. فلهذا ما يجب ان يكون اللازم عن الاستقراء لازمًا صحيحًا اذا استوفيت فيه جميع الجزئيات، لانه يأتلف القياس هكذا: كل صغير المرارة فهو اما بغل واما فرس واما حمار واما انسان، وكل واحد من هذه طويل العمر. فكل قليل المرارة طويل العمر ضرورة. واما اذا لم تستوف فيه جميع الجزئيات فليس يلزم عنه شيء بالضرورة. القول في الفرق بين الاستقراء المطلق والاستقراء البرهاني وشرطه وليس اشتراط هذا في الاستقراء مما ينقله من الاستقراء المستعمل في الجدل الى الاستقراء المستعمل في البرهان كما ظن قوم؛ فان الاستقراء المستعمل في البرهان التصديق به انما يكون من خارج وبحصول شيء لنا لا يفيده الاستقراء بالذات، وان استوفيت فيه جميع الجزئيات وهو كون المحمول ذاتيًا للموضوع. فبهذا ينفصل هذا الاستقراء من الاستقراء البرهاني. واما ان هذا الاستقراء يجب ان يكون خاصًا بالجدل وبالجملة جدليًا. فذلك يظهر من ان من شرط صناعة الجدل ان يكون القياس فيها صحيح الشكل. واذا كان ذلك كذلك فواجب ان يكون الاستقراء مستعملاً فيها بجهة يلزم عنها الشيء الذي يقصد بيانه به ضرورة، ثم ينفصل من الاستقراء المستعمل في البرهان: اما بالذي قلناه من الحمل الذاتي، واما بأن يكون الاستقراء المستعمل في الجدل استوفيت فيه جميع الجزئيات التي هي جميع في المشهورة، لا التي هي جميع في الحقيقة. فعلى هذا ينبغي ان يفهم الامر عن ارسطو ها هنا، وبه تنحل جميع الشكوك التي يتردد فيها ابو نصر. فاما هل تستعمل صناعة الجدل النوع من الاستقراء الذي لا يستوفى فيه جميع الجزئيات بل اكثرها، وهل هو استقراء او قوته قوة مثال، فذلك شيء يفحص عنه في ⟪كتاب الجدل⟫. .القول في الفرق بين الاستقراء والقياس وجهة اشتراكهما قال : والاستقراء انما تبيّن به ابدًا ما ليس شأنه ان يبيّن بحدّ اوسط، ولا هو ايضًا ظاهر بنفسه، لان ما من شأنه ان يبيّن بحدّ اوسط فليس يمكن ان يبيّن الا به، وما هو ظاهر بنفسه فاستعمال الاستقراء فيه فضل، وهذا احد ما يخالف فيه الاستقراء القياس. والاستقراء كما قلنا يشارك القياس في انه يكون بثلاثة حدود، ويخالفه ايضًا في ان القياس يبيّن به وجود الطرف الاكبر للاصغر بالحدّ الاوسط، واما الاستقراء فتبيّن فيه وجود الطرف الاكبر في الحدّ الاوسط بوجوده في الطرف الاصغر، اعني فيما شأنه ان يكون في القياس طرفًا اكبر وحدًّا اوسط وطرفًا اصغر، لا ان الذي يبيّن به المطلوب في الاستقراء هو فيه حدّ اصغر، ولا ان الذي به يبيّن وجود المطلوب فيه هو فيه حدّ اوسط. ويخالفه ايضًا القياس في انه اقدم بالطبع والاستقراء اقدم في المعرفة. فهذه الثلاثة الاشياء هي التي بها يخالف القياس الاستقراء التام لا غير ذلك. -٢٤- القول في المثال قال : واما المثال فهو ان نبيّن وجود الطرف الاكبر في الاصغر، بأن نبيّن وجود الاكبر في الاوسط بوجود الاكبر في الشبيه بالاصغر، اذا كان وجود الاوسط في الاصغر والاكبر في الشبيه بالطرف الاصغر ابين من الذي تريد ان نبيّنه وهو وجود الاكبر في الاصغر. ومثال ذلك ان يكون الطرف الاكبر ا ، والاصغر ، والاوسط ب ، والشبيه ﺑﺟ ، ويكون وجود ب في ،‍ و ا في ، اعرف من وجود ا في ‍ . ومثال ذلك من المواد ان نأخذ بدل ا جور، وبدال قتل عثمان، وبدل ب قتل الخلفاء، وبدل ‍ قتل عمر رضي اللّه عنه. فاذا اردنا ان نبيّن ان قتل عثمان جور فانما تقدم لذلك ان قتل الخلفاء جور، ونبيّن ذلك بأن قتل عمر رضي اللّه عنه جور. فاذا تبيّن ذلك قلنا قتل عثمان هو قتل الخلفاء، وقتل الخلفاء جور، فقتل عثمان جور. وهو بيّن ان كون عثمان خليفة، وان قتل عمر جور، اعرف عندنا من ان قتل عثمان رضي اللّه عنه جور. وهو بيّن انّا انما بيّنا ان الطرف الاكبر موجود في الاوسط وهو قولنا: قتل الخلفاء جور، بوجوده في الشبيه بالطرف الاصغر الذي هو قتل عمر الشبيه بعثمان في الخلافة والصحبة. وكذلك يعرض ان كان تبيّن وجود الطرف الاكبر في الواسطة بوجوده في اشياء كثيرة ما لم تستوف فيه جميع الجزئيات، فيكون الاستقراء المتقدم. ويبيّن من هذا ان المثال هو البيان الذي يكون المصيّر فيه من جزﺋﻲ اعرف الى جزﺋﻲ اخفى لان المتشابهين ليس احدهما تحت الآخر، وان الاستقراء هو مصيّر من جزئيات اعرف الى كلي اخفي، والقياس من كلي اعرف الى جزئي اخفي، وهي النتيجة الداخلة تحت المقدمة الكبرى. الفرق بين الاستقراء والمثال والفرق بين المثال والاستقراء المذكور ها هنا ان الاستقراء من جميع الجزئيات الداخلة تحت الحدّ الاوسط يبيّن ان الحدّ الاكبر موجود للاوسط، واما المثال فليس من جميع الجزئيات يبيّن وجود الطرف الاكبر في الواسطة. -٢٥- [القول في البيان الذي يكون بالاستقراء] واما البيان الذي يكون بالاستقراء فانما ينتفع به في ان يؤخذ جزء قياس اذا جعلت المقدمة التي تبيّن بالاستقراء مقدمة صغرى في القياس من الشكل الاول، وكانت الكبرى بيّنة بنفسها، وذلك ايضًا اذا كان وجود الحدّ الاوسط اقل خفاءً من النتيجة او مساويًا لها في الخفاء. اما كونه مقدمة صغرى فلانه اذا استعمل في بيان المقدمة الكبرى، واستوفيت جميع الجزئيات على الشرط المذكور فيه، فقد تبيّنت النتيجة بنفس الاستقراء، فلم يكن ما تبيّن به ينتفع به في ان يحصل جزء قياس بل يكون ذلك بيّنًا بالاستقراء وحده من غير ان يضاف الى الاستقراء قياس. واما كونها اقل خفاءً من النتيجة او مساوية لها في الخفاء، فلانه اذا كانت هي اخفى من النتيجة لم يمكن ان تبيّن الا بحد اوسط لا باستقراء. وذلك ان خفاء ما يبيّن بالاستقراء واجب ان يكون دون خفاء ما يبيّن بالقياس، والا كانت قوة القياس والاستقراء واحدة. وانما يعرض ان يكون خفاء المقدمة التي تبيّن بالاستقراء مساوية للتي تبيّن بالقياس، اعني النتيجة، اذا كانت النتيجة انما يجهل منها المعنى الذي يجهل من المقدمة الصغرى وهو كونها كلية. مثال ذلك ان يكون المطلوب: هل كل فضيلة متعلمة، فنروم بيان ذلك بمقدمتين: احداهما ان كل فضيلة علم، والثانية ان كل علم متعلم؛ فتكون الكبرى معلومة بنفسها وهي قولنا ان كل علم متعلم، وتكون الصغرى مجهولة الكلية بمثل جهل النتيجة، لأن من المعلوم لنا ان بعض الفضائل وهي الحكمة علم ومتعلمة، وانما المطلوب هل كل فضيلة علم ومتعلمة. فاذا صحّ لنا بالاستقراء ان جميع الفضائل علم، فيكون قد صحّ لنا المقدمة الصغرى وهي ان كل فضيلة علم بعد ان كان جهلنا بهما على وتيرة واحدة، اعني بالمقدمة الصغرى وبالنتيجة، وذلك من جهة ان الوجود فيهما كان معلومًا، وانما كان المجهول بالكلية. واما اذا كانت النتيجة مجهولة الوجود بالجزء والكل، اي على الاطلاق، وكانت الكبرى معلومة بنفسها، والصغرى مما شأنها ان تبيّن بالاستقراء، فانه يجب ضرورة ان تكون المعرفة بها اكثر من المعرفة بالنتيجة. وذلك يعرض اذا كانت الجزئيات المستعملة في الاستقراء محدودة العدد، مثل ما كان عرض للمهندس القديم حين اراد ان يبيّن ان الدائرة يوجد لها شكل مربع يساويها، بأن وضع مقدمة كبرى وهو ان كل شكل مستقيم الخطوط فيوجد مربع يساويه، وذلك معروف عند المهندسين؛ ثم رام ان يبيّن ان كل دائرة فانها مساوية لشكل مستقيم الخطوط بأن قسّم الدائرة الى اشكال يسيرة العدد، مساوية للاشكال المستقيمة الخطوط، وهي الأشكال الهلالية. فانه لو كانت الدائرة تنقسم كلها الى الاشكال الهلالية حتى تفنيها، لقد كان ما عمل من الاستقراء في هذا الموضع يجري مجرى ما كانت المقدمة الصغرى فيه اقل خفاء من النتيجة. واما متى لم تكن الأوساط محدودة، فان امثال هذه المقدمات ليس تبيّن بالاستقراء وانما تبيّن بالقياس. ولذلك يقول ارسطو في امثال هذه انه ليس يسمى البيان المستعمل فيها استقراء، لان البيان الواقع في مثل هذه المقدمة: اما ان يكون بقياس، واما بمثال، واما باستقراء لم تستوف فيه جميع الجزئيات. وقد صرّح هو في هذا الموضع ان هذا النوع من الاستقراء هو مثال. وكما انه اذا كانت وسائط المقدمة الصغرى كثيرة لم يسمّ البيان المستعمل في ذلك استقراءً، كذلك ايضًا ولا اذا كانت المقدمة الصغرى معلومة بنفسها؛ فالمقدمة التي تبيّن بالاستقراء من خاصتها ان تكون صغرى، وتكون اقل خفاء من النتيجة او مساوية لها، وان تكون غير معلومة بنفسها. -٢٦- القول في المعاندة قال : واما المعاندة فهو الاتيان بمقدمة تضاد المقدمة التي يقصد ابطالها بالعناد. والفرق بين المقدمتين ان المقدمة التي يقصد ابطالها تكون ابدًا كلية لانها هي التي بابطالها تبطل النتيجة في القياس الذي احدى مقدمتيه جزئية والثانية كلية؛ واما المقدمة المضادة بالقوة لهذه المقدمة فقد تكون كلية اذا كانت اعم من المقدمة المناقضة للمقدمة التي يقصد ابطالها، وقد تكون جزئية اذا كانت اخص من المقدمة المناقضة للمقدمة التي يقصد ابطالها. والمعاندة تكون بالطبع واولاً في شكلين: الشكل الأول والشكل الثالث، وذلك ان النتيجة التي يقصد بها ابطال المقدمة الكلية من القياس: اما ان تكون كلية اذا قصد الابطال الكلي، واما جزئية اذا قصد الابطال الجزئي. والجزئية انما يتأتي انتاجها عند المقاومة انتاجًا اوليًا في الشكل الثالث، والكلية في الشكل الأول. وسواءً كانت المقدمة المقصود ابطالها سالبة كلية او موجبة كلية؛ لأنه اذا كانت كلية موجبة نوقضت اما بسالبة كلية واما بسالبة جزئية، وان كانت سالبة كلية نوقضت اما بموجبة كلية واما بجزئية. وتبيّن ان المقاومة للمقدمات الكبر تكون اذا كانت كلية في الشكل الاول، واذا كانت جزئية في الشكل الثالث من المواد انفسها. مثال ذلك انه اذا وضع واضع ان ا موجودة في كل ب ، واردنا ان نقاوم هذه الكلية بنتيجة كلية سالبة، فانّا نضع ان ا مسلوبة عن كل ما يحيط بب ويحمل على ب ، وليكن مثلاً ، فتكون ب موضوعة بالطبع لجيم، و‍ موضوعة للالف، وذلك هو تأليف الشكل الأول ضرورة. وان قاومناها مقاومة جزئية اخذنا ان ا مسلوبة عن بعض ب . وليكن ذلك البعض د ، فيأتي د موضوعة بالطبع للطرفين، وذلك هو تأليف الشكل الثالث، وتكون كلتا المقدمتين الموضوعتين للمناقضة مقابلة بالقوة للمقدمة التي يقصد ابطالها: اما من جهة انها اعم، واما من جهة انها اخص. وكذلك يفعل اذا كانت المقدمة التي يرام ابطالها كلية سالبة. ومثال ذلك من المواد ان يقصد الى مقاومة قول القائل: كل زوج من الاضداد علمها واحد، فاذا اردنا ان نقاومها بمقدمة كلية سالبة، اخذنا سالبة تحيط بها وهي قولنا: ولا زوج واحد من المتقابلات علمها واحد، ولكون الاضداد التي هي موضوع المقدمة التي قصد لابطالها داخلة تحت المتقابلات. فيأتلف القياس في الشكل الأول وهو ان الاضداد متقابلات، ولا زوج من المتقابلات علمها واحد، فولا واحد من الاضداد علمها واحد. وان قاومنا هذه المقدمة الكلية بمقدمة جزئية، اخذنا المحمول فيها مسلوبًا عن بعض الاضداد، وليكن مثلاً ان المجهول والمعلوم ليس علمها واحدًا، فيأتي الحدّ الاوسط موضوعًا للطرفين، ويأتلف القياس هكذا: المجهول والمعلوم ليس علمها واحدًا، والمجهول والمعلوم اضداد، فاذن بعض الاضداد ليس علمها واحدًا. وكذلك يعرض اذا كانت المقدمة التي يقصد مقاومتها سالبة كلية، اعني ان المقاومة لها ان كانت كلية كانت في الشكل الأول، وان كانت جزئية كانت في الثالث. ولما كان بيّنا انه يجب ان يؤلف القياس تأليفًا يكون مطابقًا للموجود، اعني ان تكون فيه المحمولات في الذهن على ما هي عليه بالطبع خارج الذهن، وهو الذي يعرف بالحمل على المجرى الطبيعي، فبيّن ان المقاومة انما تأتلف في الشكل الأول والثالث لأن مادة المقدمة التي نأخذها مناقضة بالقوة تقتضي هذا، لانها ان كانت كلية كما قلنا كان الشكل الاول، وان كانت جزئية كان الشكل الثالث. فاما المقاومة بالشكل الثاني فانه انما يتأتي ذلك لا بأن نضع المقدمة التي هي بالقوة مناقضة للمقدمة المقصود ابطالها من اول الامر على انها بينة بنفسها، بل بأن نضع عكسها اولاً على انه بيّن بنفسه، ثم نضع انها منعكسة. ولذلك يحتاج المناقض كما يقول ارسطو، بالشكل الثاني، الى عمل كثير. ومثال ذلك انه اذا اراد ان يناقض قولنا: ا في كل ب مناقضة كلية في الشكل الثاني، فانه يضع اولاً على انه بيّن بنفسه ان ‍ المحيطة بب ليست في شيء من ا ، ثم يضع ان هذا ينعكس حتى تعود ولا في شيء من ‍ ، هذا كله تكلف خارج عن الطبع، مع انه يكون حملاً على غير المجرى الطبيعي. وكذلك الحال في المقاومة الجزئية التي تكون في الشكل الاول. فهذه هي اصناف المقاومات التي تكون بالأشكال الحملية. وهنا ايضًا مقاومات مأخوذة من الضد ومن الشبيه ومن الرأي المقبول عن واحد مرتضى او نفر مرتضين. والمقاومة من الضد ومن الشبيه تكون في المقاييس الشرطية. مثال المقاومة من الضد ان يضع واضع ان الخيّز هو الذي يحسن الى جميع اخوانه، فيقاومه بأن يقول: لو كان الخيّر هو الذي يحسن الى جميع اخوانه، لكان الشرير يسيء الى جميع اخوانه. ومثال المقاومة بالشبيه ان يضع واضع ان الابصار يكون بأن يخرج من البصر شيء الى المبصر، فيقول انه لو كان ذلك لوجب ان يكون السمع بشيء يخرج من السمع الى المسموع. ومثال المقاومة التي تكون من الرأي المقبول قول القائل: ليس ينبغي ان يعذر السكارى فيما جنوا لان مالكًا كان يعذرهم وكان يلزمهم الجنايات. -٢٧- القول في العلامة والضمير القول في قياس العلامة والضمير والفرق بينهما قال : واما الضمير والعلامة فليس هما شيئًا واحدًا لان الضمير يكون من المقدمات المحمودة، وهي التي تكون من الممكنة على الأكثر، اعني الامر الذي يكون اولاً يكون على الاكثر ويوجد او لا يوجد. وذلك مثل قول القائل بان الحسّاد يبغضون وان المحبيّن يحبّون. واما العلامة فتكون من المقدمات التي هي دلائل على وجود الشيء وكونه، وهذه الدلائل: اما ان تكون اضطرارية، واما مشهورة. والعلامة التي تدل على وجود الشيء تحمل على ثلاث جهات، على مثال ما تحمل الحدود الوسط في الاشكال، اعني: اما ان تكون محمولة على الاصغر موضوعة للاكبر، فتأتلف العلامة في الشكل الاول؛ واما ان تكون محمولة عليهما فتأتلف في الشكل الثاني؛ واما ان تكون موضوعة للطرفين فتأتلف في الشكل الثالث. مثال ذلك في الشكل الاول قول القائل: هذه المرأة قد ولدت لانها ذات لبن، فانه يأتلف القياس هكذا: المرأة ذات لبن، وكل ذات لبن والدة، فهذه المرأة والدة وهي النتيجة. ومثال ائتلافه العلامة في الشكل الثالث قول القائل: الحكماء فضلاء لأن سقراط فاضل، فيأتلف القياس هكذا: سقراط حكيم، وسقراط فاضل، فالحكيم اذن فاضل. ومثال ائتلاف العلامة في الشكل الثاني قول القائل: هذه المرأة قد ولدت لأنها مصفرّة، فيأتلف القياس هكذا: هذه المرأة مصفرّة، والوالدة مصفرّة، فينتج في بادئ الرأي ان هذه المرأة والدة. فاذا صرّح في جميع هذه الاصناف الثلاثة بالمقدمتين جميعًا سمّيت اقيسة، واذا اضمرت احدى المقدمتين اما لبيانها او لكذبها سمّيت علامة. والعلامة التي تكون في الشكل الأول لا تنقض من قبل صحة لزوم النتيجة عنها؛ واما التي في الشكل الثالث فتنقض من قبل ان النتيجة تؤخذ كلية وهي في الحقيقة جزئية؛ واما التي في الشكل الثاني فتنقض من قبل ان الشكل نفسه لا يكون فيه قياس من مقدمتين موجبتين، لانه ليس اذا كانت المرأة الوالدة في وقت ما تلد صفراء، وكانت هذه المرأة صفراء، يجب ان تكون والدة. فيعمّ جميع هذه العلامات الثلاث ان مقدماتها تكون صادقة، وتنفصل بعضها ببعض بالاشكال التي تأتلف فيها. فالمسمى من هذه علامة بالحقيقة هو ما ائتلف في الشكل الثاني والثالث، وهو ما كانت العلامة فيه اخص من الطرفين وأعم من الطرفين، اعني طرفي المطلوب: فاذا كانتا اعم ائتلف في الشكل الثاني، واذا كانتا اخص ائتلف في الثالث. واما العلامة التي تأتلف في الشكل الاول فهي اصدق العلامات واحمدها، وهي التي تخصّ باسم الدليل. القول في قياس الفراسة قال : واما قياس الفراسة فانما يكون وجوده ممكنًا عند من يسلّم ان عوارض النفس الطبيعية مثل الغضب والشجاعة تتأثر عنها النفس والبدن في اصل الخلقة، لأنه معلوم ان العوارض الغير طبيعية لا يتأثر عنها البدن وان تأثرت النفس. مثل انه من تعلم صناعة الموسيقى فقد تأثرت نفسه لكنه لم يتأثر عن ذلك بدنه، واما من خلق شجاعًا من الحيوان بالطبع او جبانًا بالطبع فان لقائل ان يقول انه توجد ابدان هذه الانواع من الحيوانات متأثرة عن هذه العوارض الطبيعية الموجودة في نفوسها. فاذا سلّم هذا وسلّم انه يوجد لنوع نوع من انواع الحيوانات عارض عارض من العوارض النفسانية الطبيعية، لزم ان يوجد لواحد واحد منها علامة واغراض خاصة لعارض عارض من عوارض انفسها الطبيعية، واذا كان الامر كذلك امكن ان يوجد قياس الفراسة. مثال ذلك انه لما كانت قد توجد الشجاعة للاسد فقد يجب ان يكون في خلقته علامة تدل على الشجاعة، لانه قد وضعنا ان النفس والبدن يتأثران عن العوارض النفسانية الطبيعية. فلتكن تلك العلامة مثلاً عظم الاطراف العالية فيكون واجبًا ان يوجد عظم الاطراف في كل نوع من انواع الحيوان يكون شجاعًا، لانه يجب ان تكون هذه العلامة هي خاصة بالشجاعة اذ قد وضعنا ان لكل عارض من عوارض النفس علامة خاصية، والشجاعة قد توجد في غير الاسد، وذلك ان الانسان وغيره شجاع. فيجب متى حصلنا العلامات الدالة في نوع نوع من انواع الحيوانات على العوارض النفسانية التي يختص بها نوع واحد او اكثر من نوع واحد، كان ذلك الذي يوجد في ذلك الحيوان الواحد منها هو عارض واحد او اكثر من عارض واحد. مثل ان يكون الاسد الشجاعة والسخاء، ولكل واحد من هذه علامة قد عرفناها ان نستعمل الفراسة، فنحكم على ما يوجد له من الاشخاص تلك العلامة انه يوجد له ذلك العارض من عوارض النفس. وقياس الفراسة يكون اذا انعكس الحدّ الاوسط على الطرف الاكبر، ولم ينعكس عليه الطرف الاصغر؛ لانه متى كان الحدّ الاوسط غير منعكس على الاكبر، لم تكن العلامة خاصة بذلك الاثر فلم تدل عليه. مثال ذلك انه ان لم يكن صادقًا قولنا ان كل عظيم الاطراف شجاع، لم ينتفع بذلك في بيان ان هذا الانسان شجاع لانه عظيم الاطراف؛ وذلك انه انما كان معنا ان الشجاع عظيم الاطراف، وعظيم الاطراف هو الحدّ الاوسط، والشجاع هو الطرف الاكبر، فمتى لم يصحّ عكس الطرف الواحد، وهو العظيم الاطراف، على الاكبر وهو الشجاع، لم يمكن ان يبيّن منه ان زيدًا هذا شجاع لانه عظيم الاطراف، لان هذا يبيّن بمقدمتين: احداهما ان زيدًا هذا عظيم الاطراف، وكل عظيم الاطراف شجاع، فزيد هذا شجاع؛ وانما كان من شرطه الاّ ينعكس الطرف الاصغر على الاوسط لانه لو انعكس لكان كل عظيم الاطراف اسدًا. وذلك ان ها هنا ثلاثة حدود: الاسد والشجاع والعظيم الاطراف، والعظيم الاطراف هو الاوسط، والاسد الاصغر، والشجاع الاكبر؛ فلو صدق انعكاس الطرف الاصغر على الاوسط، وهو ان كل عظيم الاطراف اسد، ان لم يمكن ان يوجد عظم الاطراف لغير الاسد، فلم يكن يمكن ان يبيّن بذلك في غير الاسد انه شجاع، كما انه لو لم ينعكس الاوسط على الاكبر لم يكن عظم الاطراف علامة خاصيّة بالشجاعة. وهنا انقضى تلخيص المعاني التي تضمنها هذا الكتاب وهو ⟪كتاب القياس⟫ مجمد اللّه يتلوه تلخيص ⟪كتاب انالوطيقى الثانية⟫ وهو ⟪كتاب البرهان⟫ ان شاء اللّه عزّ وجلّ