[Back to Page][Download]

DARE.fulltext: FT18

Averroes, Talḫīṣ kitāb al-ʿibāra (تلخيص كتاب العبارة) .

[Page 57]

الفصل الأول

[1] قال: وينبغى أن نقول أولا ما هو الاسم وما هى الكلمة . ثم نقول
بعد ذلك ما هو الإيجاب والسلب وبالجملة ما هو الحكم والقول الذى هو جنس
الإيجاب و السلب .
[2] فنقول : إن الألفاظ التي ينطق بها هى دالة أولا على المعاني التي فى
النفس ، والحروف التى تكتب هى دالة اولا على هذه الألفاظ . وكما أن
الحروف المكتوبة - أعنى الخط - ليس هو واحدا بعينه لجميع الأمم كذلك
الألفاظ التى يعبر بها عن المعانى ليست واحدة بعينها عند جميع الأمم . ولذلك
كانت دلالة هذين بتواطؤ لا بالطبع . وأما المعانى التى فى النفس ، فهى
واحدة بعينها للجميع كما أن الموجودات التى المعانى التى فى النفس أمثلة لها ودالة
عليها هى واحدة وموجودة بالطبع للجميع . ولكن القول فى جهة دلالة المعانى التى

[Page 58] في النفس على الموجودات خارج النفس هو من غير هذا العلم . وقد تكلم فيه
فى كتاب النفس .
[3] والألفاظ تشبه المعانى المعقولة فى أنه كما أن الشىء ربما كان
معقولا من غير أن يتصف بالصدق والكذب، كذلك اللفظ ربما كان مفهوما
من غير أن يتصف بصدق ولا كذب. وكما أنه ربما كان المعقول / من الشىء
يتصف بالصدق والكذب ، كذلك اللفظ قد يكون ما يفهم منه يتصف
بالصدق والكذب . والصدق والكذب إنما يلحق المعانى المعقولة والألفاظ
الدالة عليها متى ركب بعضها إلى بعض أو فصل بعضها من بعض . وأما متى
أخذت مفردة ، فإنه ليس تدل على صدق ولا كذب . والاسم والكلمة يشبهان
المعانى المفردة التى لا تصدق ولا تكذب ، وهى التى تؤخذ من غير تركيب
ولا تفصيل . مثال ذلك قولنا إنسان وبياض ، فانه متى لم يقترن به يوجد أو
ليس يوجد فليس هو بعد لا صادقا ولا كاذبا ، بل إنما يدل على الشىء المشار
إليه من غير أن يتصف ذلك الشىء بصدق ولا كذب. ولذلك كان قولنا عنز
أيل وعنقاء مغرب ليس يتصف بصدق ولا كذب وما لم يقترن بذلك يوجد
أو ليس يوجد إما مطلقا وإما فى زمان فنقول عنز أيل موجود عنز أيل غير موجود
أو عنز أيل يوجد أو لا يوجد .

[Page 59]

القول فى الاسم

[4] والاسم هو لفظ دال بتواطؤ على معنى مجرد من الزمان من غير أن
يدل واحد من أجزائه إذا أفرد على جزء من ذلك المعنى سواء كان الاسم المفرد ‎
بسيطا – مثل زيد او عمرو – أو مركبا – مثل عبد الملك الذى هو اسم ‎
لرجل . وذلك أن عبد الملك الذى هو اسم لرجل إذا أفرد عنه عبد أو الملك لم ‎
يدل على جزء من المعنى الذى دل عليه مجموعهما كما يدل عليه فى قولنا عبد الملك ‎
إذا أردنا أنه عبد الملك. فإن عبدا يدل هاهنا على جزء من المعنى الذى دل عليه ‎
قولنا عبد الملك، وكذلك الملك يدل على جزء من المعنى . والفرق بين الأسماء ‎
البسيطة والأسماء المركبة – مثل عبد قيس و بعل بك – أن الجزء من الاسم ‎ ‎
البسيط – وهو المقطع الواحد من المقاطع التى تركب منها الاسم – ليس يدل ‎ ‎
على شىء أصلا لا بالذات ولا بالعرض – مثل الزاى من زيد . وأما الجزء من ‎
الاسم المركب ، فليس يدل إذا أفرد إلا بالعرض – مثل أن يتفق لمن اسمه ‎
عبد الملك أن يكون عبدا لملك . ‎
[5] وإنما زيد فى حد الاسم بتواطؤ من قبل أن الألفاظ التى ينطق ‎
بها الناس ليست دالة بالطبع – مثل كثير من الأصوات التى تنطق بها

[Page 60] الحيوانات وهى الأصوات التى لا تكتب . فإن الأصوات التى ينغم بها كثير ‎
من الحيوان مؤلفة من المقاطع التى تؤلف منها الألفاظ التى ينطق بها الإنسان ‎
أو من مقاطع مؤلفة من حروف تقاربها فى المخرج وهى دالة على معان فى أنفسها ‎
عند الحيوان. ‎
[6] /والاسم منه محصل وغير محصل . فأما المحصل فهو الاسم الدال ‎
على الملكات – مثل إنسان وفرس . وأما غير المحصل فهو الاسم الذى يركب ‎
من اسم الملكة وحرف لا فى الألسنة التى يستعمل فيها هذا النوع من الاسم – ‎
مثل قولنا لا إنسان ولا حيوان . وهذا الصنف من الأسماء إنما سمى اسما غير ‎
محصل لأنه لا يستحق أن يسمى اسما بإطلاق إذ كان لا يدل على ملكة ولا هو ‎
أيضا قول سالب لأن دلالته دلالة الاسم المفرد وإن كان مركبا . ولذلك قد ‎
يلحقه السلب كما يلحق الاسم المحصل . ‎
[7] والاسم أيضا إذا نصب أو خفض أو غير تغييرا آخر مما أشبه ذلك ‎
لم يقل فيه إنه اسم بإطلاق بل اسما مصرفا . فتكون الأسماء أيضا منها

[Page 61] مصرفة ومنها غير مصرفة . والحد الذى حد به الاسم يشملها جميعا ، إلا أن الفرق ‎
بين المصرف وغير المصرف – وهو المرفوع فى كلام العرب – أنه إذا أضيف ‎
إلى الأسماء المصرفة – وهى التى تسمى المائلة أيضا مثل كان أو يكون ‎
أو هو الآن فقيل زيدا كان بالنصب أو زيد يكون بالخفض – لم يصدق ولم ‎
يكذب . والاسم الغير مصرف – هو المسمى المستقيم – إذا أضيف إليه واحد ‎
من هذه، كان صادقا أو كاذبا – مثل قولنا زيد كان أو زيد وجد بالرفع .
[8] ‎ فهذا هو ما ذكره من حد الاسم وأصنافه .

القول فى الكلمة

[9] والكلمة – وهى التى تسمى عند نحويى العرب الفعل – هى ‎
لفظ دال على معنى وعلى زمان ذلك المعنى المحصل بأحد الأزمان الثلاثة التى هى ‎
الماضى أو الحاضر أو المستقبل ، وليس واحد من أجزائه يدل أيضا على انفراده ‎
وذلك بالذات . وخاصة الكلمة أنها تكون أبدا خبرا لا مخبرا عنه ومحمولا لا موضوعا. ‎
ولذلك تدل أبدا على معنى شأنه أن يحمل على غيره ، وذلك إما بأن تكون بصيغتها ‎
تدل على المعنى المحمول وعلى ارتباط المحمول بالموضوع وذلك حيث تكون خبرا
‎بنفسها – مثل قولك زيد يصح وزيد يمشى - وإما أن تكون بصيغتها تدل
‎على ارتباط المحمول بالموضوع إذا كان المحمول اسما من الأسماء – مثل قولك زيد

[Page 62] ‎يوجد حيوانا . والمحمول الذى/ يدل على ارتباطه بالموضوع، إما أن
‎يكون مما يقال فى موضوع – وذلك إذا كان عرضا فى الموضوع – وإما أن
‎يكون مما يقال على موضوع إذا كان المحمول جزءا من الموضوع . وما زيد ‎
في حد الكلمة من أنها تدل مع دلالتها على المعنى على زمان ذلك المعنى هو الفصل
‎الذى به تفارق الكلمة الاسم. وذلك أن قولنا يصح – وهو كلمة – يدل ‎
على ما يدل عليه قولنا صحة – وهو اسم – وعلى الزمان الحاضر أو المستقبل الذى
فيه توجد الصحة .
[10] والكلية أيضا منها محصلة ومنها غير محصلة . والمحصلة هى التى تدل
على المعنى الذى يدل عليه الاسم المحصل وعلى زمان ذلك المعنى . والغير محصلة هى
التى تدل على ما يدل عليه الاسم الغير محصل وعلى زمان ذلك المعنى . وذلك هو
عدم ما يدل عليه الاسم المحصل – أعنى العدم الذى حد فى كتاب المقولات ،
مثل قولنا لاصح فإنه يدل على ما يدل عليه قولنا لاصحة وعلى زمان ذلك المعنى .
والكلمة الغير محصلة هى نوع من أنواع الكلمة ، إذ كانت داخلة تحت الحد
المتقدم للكلمة بإطلاق وموجود لها الخاصة المتقدمة للكلمة – وهو أنها أبدا إنما

[Page 63] تدل على ما شأنه أن يحمل على غيره إما حمل الشئ على الموضوع وإما فى
الموضوع . وإنما سمى هذا الصنف كلمة غير محصلة لأنها مشتقة من اسم غير
محصل . وهذا النوع من الكلم غير موجود فى لسان العرب ، كما كان الاسم غير
المحصل غير موجود .
[11] والكلمة منها المصرفة ومنها غير المصرفة – وهى التى يقال اسم
الكلمة عليها بإطلاق . والكلمة الغير مصرفة هى التى تدل فى لسان كثير من الأمم
على الزمان الحاضر ، والمصرفة هى التى تدل على الزمان الذى يوجد كأنه دائر حول
الزمان الحاضر – وهو الزمان الماضى والمستقبل . وليس للزمان الحاضر صيغة
خاصة فى لسان العرب . وإنما الصيغة التى توجد له فى كلام العرب مشتركة بين
الحاضر/ والمستقبل – مثل قولنا يصح ويمشى . ولذلك قال نحويو العرب
إنهم إذا أرادوا أن يخلصوها للاستقبال أدخلوا عليها السين أو سوف فقالوا
سيصح أو سيمشى . والزمان الحاضر هو الذى يأخذه الذهن موجودا بالفعل
ومشارا إليه – مثل قولنا هذه الساعة وهذا الوقت . ولذلك قيل اسم الزمان على
هذا بإطلاق ، إذ كان هو الأعرف عند الجمهور وكان بالإضافة إليه يفهم الزمان
الماضى والمستقبل . فإن الماضى هو المتقدم لهذا الزمان والمستقبل هو المتأخر

[Page 64] عنه . وأما هل ما يتخيله من الزمان الحاضر هو موجود على نحو ما يتخيله أو
ليس بموجود ، فذلك ليس مما يحتاج إليه فى هذا الموضع .
[12] والكلمة تشبه الاسم وتشاركه فى أنها إذا قيلت مفردة فهم منها
معنى مستقل بذاته كما يفهم ذلك من الاسم إذا قيل مفردا بذاته . ولذلك إذا
سمعها السامع قنع بها ، إلا أنه لا يفهم من المعنى المدرك منها أن الشئ بعد
موجود أو غير موجود – مثل قولنا كان أو يكون – هذا إذا كانت هذه
الكلم أخبارا بذاتها . وأما إذا كانت روابط ، فإنه لا يفهم منها معنى مستقل
بنفسه – كالحال فى الحرف – لأنها إنما تدل حينئذ على تركيب المحمول
مع الموضوع ولا سبيل إلى فهم التركيب دون فهم الأشياء المركبة . وذلك يكون
عند التصريح بها – مثل قولك زيد يوجد عالما أو ليس يوجد عالما . فيكون
الكلم صنفين صنف يفهم بذاته – وهى الكلم التى تكون بنفسها خبرا
وصنف لا يفهم بذاته – وهى الكلم الروابط التى تسمى الوجودية .

[Page 65] [13] فهذا ما قاله فى حد الاسم والفعل ومعرفة أصنافها الضرورية هاهنا .
وهى التى تختلف القضايا باختلافها . وأما الحروف ، فهو يذكرها فى كتاب
الشعر .

الكلام فى القول

[14] والقول هو لفظ دال . الواحد من أجزائه الأول – أى البسيطة ‎
– يدل على انفراده من جهة أنه لفظ على أنه جزء مفرد لا على أنه إيجاب أو سلب
– مثل قولنا الإنسان حيوان . فإن لفظ الإنسان الذى هو جزء أول من هذا القول
يدل على شئ مفرد لا على جهة أن ذلك الشئ موجود أو غير موجود
وكذلك لفظ الحيوان الذى هو الجزء الثانى من هذا القول . وهذا الذى أخذ
فى حد القول من أن الواحد من أجزائه الأول يدل على معنى مفرد هو الفصل
الذى به يفارق القول الاسم . فإن الاسم البسيط ليس يدل الجزء منه – وهو
المقطع – على شئ أصلا ، والاسم المركب أيضا ليس يدل الجزء منه على شئ
إلا بالعرض – مثل أن يعرض لإنسان اسمه عبد الملك أن يكون عبدا لملك.

[Page 66] [15] والقول إنما يدل على طريق التواطؤ لا بالطبع ولا على طريق أن
لكل معنى مركب لفظا / مركبا يدل عليه بالطبع من غير أن توجد تلك
الدلالة فى لفظ آخر غيره كما لا يوجد فعل الآلة فى غير الآلة . فإن قوما يرون أن
الألفاظ هكذا دلالتها ، وقوم أخر يرون أن الألفاظ تدل بالطبع من غير أن
يكون لنا اختيار فيها أصلا – لا اختيار تركيب وضعى ولا اختيار تركيب
طبيعى – وهو رأى من يرى أن هاهنا تراكيب للألفاظ تدل بالطبع على معنى
معنى . وقد يمكن أن يقال : إنما قال أرسطو فى حد الاسم لفظ يدل بتواطؤ
لهذا المعنى . وقد يمكن أن يكون أراد بلفظ صوتا ، إن قيل ، أن اللفظ الذى
يشترك فيه الإنسان والحيوان هو باشتراك الاسم ، وهذا هو الصحيح .
[16] والقول منه تام وغير تام . والتام منه الجازم ومنه غير الجازم – مثل
الأمر والنهى . والقصد هاهنا إنما هو التكلم فى القول الجازم . وأما ما عداه
من الأقاويل التامة فهو يتكلم فيها فى كتاب الخطابة والشعر كما أن
أصناف الأقاويل الغير تامة – وهى الحدودالرسوم – سيتكلم فيها فى
كتاب البرهان .

[Page 67] [17] والقول الجازم هو الذى يتصف بالصدق أو الكذب . وهو صنفان ،
بسيط ومركب . والبسيط هو ماركب من محمول واحد وموضوع واحد
لا من محمول أكثر من واحد وموضوع أكثر من واحد . وهذا نوعان ، النوع
الأول المتقدم الإيجاب ، والثانى المتأخر السلب .
[18] وقد يقال فى القول إنه واحد إذا كان حدا لشئ واحد –
مثل قولنا فى الإنسان حيوان ناطق ، إلا أن هذا من معنى القول الواحد خارج
عما قصدنا له فى هذا الكتاب . والقول البسيط يكون واحدا متى كان
الموضوع فيه دالا على معنى واحد وكذلك المحمول . ويكون القول الجازم
أيضا كثيرا متى كان المحمول فيه يدل على معان كثيرة أو الموضوع
أو كلاهما . والقول المركب يكون واحدا برباط يربطه ويكون كثيرا / إذا لم
يكن له رباط يربطه . فلذلك كل قول إما أن يكون واحدا أو كثيرا . فإن كان
واحدا، فإما أن يكون واحدا من قبل أن الموضوع فيه والمحمول يدل كل
واحد منهما على معنى واحد ، وإما أن يكون واحدا من قبل الرباط الذى
يربطها – وهى الأقاويل التى يوجد فيها أكثر من موضوع واحد ومحمول واحد
مثل المقاييس الشرطية والحملية . فإن الشرطية هى واحدة بالرباط الذى هو

[Page 68] الحرف الشرطى – مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود . فإن
الفاء هى التى صيرت هذين القولين البسيطين – وهو قولنا الشمس طالعة والنهار
موجود – قولا واحدا . وأما الحملية فهى واحدة بالرباط الذى هو الحد
الأوسط – مثل قولنا الإنسان حيوان والحيوان جسم على ما سيأتى بعد .
وإن كان القول كثيرا فإما أن يكون كثيرا من قبل أن المحمول فيه أو الموضوع
أو كليهما يدلان على معان كثيرة وإما من قبل أنه ليس لها رباط يربطها . [19] وكل قول جازم فلا بد فيه من كلمة – أعنى فعلا –
أو ما يقوم مقام الكلمة فى رباط المحمول بالموضوع . وذلك أن القول الجازم
الذى الموضوع فيه اسم والمحمول اسم لا بد فيه من كلمة أو ما يقوم مقام الكلمة
يدل على ارتباط المحمول بالموضوع . وذلك إما بالفعل ومصرحا به كما يوجد
الأمر فيما عدا لسان العرب وإما بالقوة ومضمرا كما يوجد الأمر فى الأكثر
فى لسان العرب . فإنه لما كان هاهنا ثلاثة معان – موضوع ومحمول ونسبة
تربط بين المحمول والموضوع – وجب أن يكون هاهنا ثلاثة ألفاظ – لفظ
يدل على الموضوع ولفظ يدل على المحمول ولفظ يدل على النسبة . واللفظ الذى
يدل على ارتباط المحمول بالموضوع ربما دل على ارتباطه فى الزمان الماضى
أو المستقبل أو الحال – كقولك زيد يوجد الآن عالما أو زيد وجد عالما
أو زيد سيوجد عالما – وربما دل على ارتباط غير مقيد بزمان . وهذا هو

[Page 69] الحمل الضرورى ، وذلك مثل قول القائل المثلث موجود زواياه مساوية
لقائمتين . وليس فى لسان العرب لفظ يدل على هذا النحو من الرباط وهو
موجود فى سائر الألسنة . وأقرب الألفاظ شبها بها فى لسان العرب هو ما يدل
عليه لفظ هو – فى مثل قولنا زيد هو حيوان – أو موجود – فى مثل قولنا
زيد موجود حيوانا .
[20] والاسم والكلمة ليس بصدق ولا كذب . وأماالقول ، فإنه
الذى يصدق أو يكذب . والقول الذى يصدق أو يكذب يسمى الجازم ويسمى
الحكم . والحكم البسيط يشبه الإيجاب منه جعل شئ على شئ والسلب وانتزاع
شئ من شئ . / والمؤلف من هذا هو القول المركب . وقد يرسم أيضا الحكم
البسيط بأنه لفظ يدل على أن الشئ موجود أو غير موجود ، وذلك إما فى الزمان
الماضى وإما فى المستقبل وإما فى الحاضر وإما بإطلاق .
[21] وأما الإيجاب فإنه الحكم بإثبات شئ لشئ والسلب هو الحكم
بنفى شئ عن شئ . ولما كان قد يمكن أن يحكم بالقول من جهة ما هو فى
النفس على ما هو موجود خارج النفس أنه غير موجود وعلى ما ليس هو موجودا
خارج النفس أنه موجود وعلى ما هو موجود أنه موجود وعلى ما ليس
بموجود أنه ليس بموجود ، وذلك إما حكما مطلقا وإما فى أحد الأزمنة الثلاثة
– التى هى الحاضر أو الماضى أو المستقبل – فقد يمكن فى كل ما أوجبه

[Page 70] موجب أن يسلبه سالب وفى كل ما سلبه سالب أن يوجبه موجب . وإذا
كان ذلك كذلك ، فلكل إيجاب سلب يقابله ولكل سلب إيجاب يقابله .
وذلك من حيث السلب والإيجاب موجودان فى النفس لا خارج النفس ، فإنه
ليس يوجد للأشياء الموجبة من حيث هى خارج النفس سلب يقابلها ولا للأشياء
المسلوبة من حيث هى خارج النفس إيجاب يقابلها . لكن النظر فى الإيجاب
والسلب هو من حيث هما فى النفس . والسلب والإيجاب إنما يكونان / متقابلين
بالحقيقة متى كان المعنى المحمول فيهما واحدا من جميع الجهات وكذلك المعنى
الموضوع . وأما متى لم يكن واحدا إما من قبل اشتراك الاسم أو من قبل سائر
الأشياء التى حفظ منها فى كتاب السفسطة فليسا بإيجاب ولا سلب متقابلين .

الفصل الثانى

[22] ‎والمعانى صنفان إما كلية وإما جزئية – أى شخصية . وأعنى بالكلى
‎الذى من شأنه أن يحمل على أكثر من واحد – مثل حمل الحيوان على الإنسان
‎والفرس وسائر أنواع الحيوان – وبالجزئى ما ليس ذلك من شأنه – أعنى أن
‎يحمل على أكثر من واحد ، مثل زيد وعمرو المشار إليه . وإذا كان الأمر

[Page 71] ‎كذلك فواجب ضرورة متى حكمنا بإيجاب أو سلب لشئ أن يكون ذلك الحكم ‎
إما لمعنى من المعانى الشخصية وإما لمعنى من المعانى الكلية . ثم إذا كان لمعنى
‎من المعانى الكلية ، فلا بد من أن يكون إما مأخوذا بغير سور أو مأخوذا بسور – ‎
وأعنى بالسور لفظ كل وبعض . ثم إذا كان مأخوذا بسور ، فلا يخلو أن يكون ‎
مأخوذا بسور كلى أو جزئى .
[23] ‎فالمتقابلة بالإيجاب والسلب التى موضوعها معنى من المعانى الشخصية
‎تسمى الشخصية – مثل قولنا زيد منطلق زيد ليس بمنطلق . والمتقابلات التى
‎موضوعها معنى كلى مأخوذ بغير سور- أى ليس يحمل على ذلك المعنى الكلى
‎ولا على بعضه بل يكون الحمل مطلقا تسمى المهملة – مثل قولنا الإنسان
‎أبيض الإنسان ليس بأبيض . والمتقابلة التى موضوعها معنى كلى مأخوذ مع سور
‎هى ثلاثة ، إما أن يكون كل واحد من المتقابلين يقرن به سور كلى ، وإما أن
‎يكون كل واحد منهما يقرن به سور جزئى ، وإما أن يكون يقرن بأحدهما سور
‎جزئى وبالآخر كلى . أما التى يقرن بكل واحدة منهما سور كلى فتسمى
‎المتضادة – مثل قولنا كل إنسان أبيض ولا إنسان واحد أبيض . وأما التى
‎يقرن بأحدهما سور كلى وبالآخر سور جزئى ، فتسمى المتناقضة . وهذه صنفان ،
‎إما أن يكون الكلى مقرونا بالإيجاب والجزئى مقرونا بالسلب - مثل قولنا كل إنسان
‎أبيض ليس كل إنسان أبيض أو بعض الناس ليس بأبيض فإن السالب الجزئى

[Page 72] ‎يعبر عنه بهاتين العبارتين – وإما أن يكون عكس هذا– أعنى أن يقرن السور الكلى
‎بالسلب والجزئى بالإيجاب مثل قول القائل إنسان ما أبيض ولا إنسان واحد
‎أبيض . وأما التى يقرن بكل واحد منهما سور جزئى ، فتسمى ما تحت المتضادة
‎– مثل قولنا إنسان ما أبيض إنسان ما ليس بأبيض . فتكون أصناف المتقابلات
‎بالإيجاب والسلب ستة – شخصية ، ومهملة ، ومتناقضة وهذه صنفان ،
‎ومتضادة ، وما تحت المتضادة . وليس للقضايا قسمة من جهة اقتران السور
‎بالمحمول ما عدا هذه الأقسام لأن السور متى قرن بالمحمول كان إما كذبا
‎وإما فضلا . أما الكذب ففى مثل قولنا كل إنسان هو كل حيوان . وأما
‎الفضل فمثل قولنا كل إنسان هو بعض الحيوان أو كل إنسان هو كل ضحاك .
[24] ‎وإذا تقررت أصناف القضايا ، فنقول : أما الشخصية فإنها تقتسم
‎الصدق والكذب دائما – أعنى أنه متى كذبت إحداهما صدقت الأخرى ومتى
‎صدقت إحداهما كذبت الأخرى – وليس يمكن أن يجتمعا معا لا على صدق
‎ولا على كذب – مثل قولك زيد خرج زيد لم يخرج / - وذلك بين بنفسه ‎
عند التأمل . وكذلك المتناقضات تقتسم الصدق والكذب فى جميع المواد. وأما

[Page 73] المتضادة فلا يمكن أن يصدقا معا . وأما ما تحت المتضادة فيمكن ‎
‎فيهما الصدق معا . وأما المهملات فقد يمكن فيها أن يكون حكمها حكم
‎المتضادة وحكم ما تحت المتضادة ، والسبب فى ذلك أن الألف واللام وما قام ‎
مقامهما فى سائر الألسنة مرة تدل على ما تدل / عليه الأسوار الكلية ومرة تدل
‎على ما تدل عليه الأسوار الجزئية . فإذا دلت على ما تدل عليه الأسوار الكلية كانت
‎قوتها قوة المتضادة ، ومتى دلت على ما تدل عليه الأسوار الجزئية كانت قوتها ‎
قوة ما تحت المتضادة ، وذلك أنه قد يمكن أن يصدقا معا – كقولنا
‎الإنسان أبيض الإنسان ليس بأبيض – متى كان ما يدل عليه الألف واللام هو

[Page 74] ‎ما يدل عليه البعض . وقد يمكن أن يكونا معا كاذبين متى كان ما يدل عليه الألف ‎
واللام هو ما يدل عليه السور الكلى . [25] ‎وإنما يمكن أن توجد أصناف هذه المتقابلات بالأحوال التى
‎وصفت من اقتسام بعضها الصدق والكذب دائما وصدق بعضها معا وكذب
‎بعضها معا متى تحفظ فيها بأن يؤخذ للإيجاب الواحد منها سلب واحد وللسلب
‎الواحد إيجاب واحد مع سائر الشروط التى قيلت ، لا متى أخذ للإيجاب الواحد
‎أكثر من سالب واحد – مثل أن يؤخذ للموجب الكلى سالب كلى وسالب
‎جزئى مثل أن يؤخذ مقابل قولنا كل إنسان أبيض ولا إنسان واحد أبيض
‎وليس كل إنسان أبيض – أو يؤخذ للسالب الكلى موجب جزئى وموجب
‎كلى – مثل أن يؤخذ مقابل قولنا ولا إنسان واحد أبيض إنسان ما أبيض
‎كل إنسان أبيض . وإنما كان ذلك كذلك لأن السلب الواحد إنما يكون
‎سلبا لإيجاب واحد . وكذلك الإيجاب الواحد إنما هو إيجاب لسلب واحد .
‎والدليل على ذلك أن السالب إنما يسلب المعنى المحمول بعينه الذى أوجبه الموجب
‎عن الشئ الموضوع بعينه الذى أوجبه له الموجب سواء كان ذلك الموضوع من
‎المعانى الشخصية أو من المعانى الكلية قرن به سور كلى أو سور جزئى .
‎فإنه إن كان المحمول فى الإيجاب غير المحمول فى السلب أو الموضوع فيه غير
‎الموضوع فى السلب كان لذلك الإيجاب سلب آخر ولذلك السلب إيجاب آخر .

[Page 75] ‎والإيجاب أو السلب يكون واحدا متى كان ما يدل عليه لفظ المحمول والموضوع
‎فيهما معنى واحدا سواء كان الموضوع معنى جزئيا أو كليا قرن بالمعنى الكلى
‎سور كلى أو لم يقرن به – مثل قولنا : ‎إذا وضعنا أن الإنسان والأبيض يدلان على معنى واحد .
[26] ‎فأما إذا كان لفظ الموضوع فيهما أو المحمول ليس يدل على معنى
‎واحدا فليس الإيجاب واحدا ولا السلب واحدا . مثال ذلك إن وضع واضع
‎للإنسان والفرس اسما واحدا – وهو ثوب مثلا – فقال الثوب أبيض الثوب
‎ليس بأبيض ، لم يكن هذا الإيجاب إيجابا واحدا ولا هذا السلب سلبا واحدا ،
‎وذلك أن قولنا حينئذ الثوب أبيض يدل على إيجابين لأنه يدل على ما يدل عليه
‎قولنا الإنسان أبيض والفرس أبيض ، وهما قضيتان لا واحدة . وكذلك قولنا
‎الثوب ليس بأبيض يدل على سلبين – وهو قولنا الفرس ليس بأبيض والإنسان
‎ليس بأبيض . وإنما كان ذلك كذلك لمكان اللفظ المشترك الذى هو قولنا
‎الثوب . وكذلك القضية التى يكون محمولها أو موضوعها أو كلاهما اسما
‎مشتركا ليست واحدة ، بل قضايا كثيرة عدتها على عدة المعانى التى يدل عليها الاسم
‎المشترك . وإذا كان ذلك كذلك ، فالمتقابلات التى تكون من أمثال هذا القضايا

[Page 76] ‎المشتركة الأسماء – أعنى المتناقضة والشخصية – ليس يجب أن يكون أحدهما
‎صادقا والآخر كاذبا . وسيقال فيما يستأنف متى تكون القضايا التى موضوعها
‎أو محمولها معان كثيرة قضية واحدة ومتى لا تكون .
[27] ‎/ فها هنا إذن ثلاثة أحوال ينبغى أن تشترط فى المتقابلات وحينئذ
‎تؤخذ فى التقابل على ما وصفنا . أحدها أن يكون المحمول والموضوع
‎فيهما واحدا من جميع الجهات لا أن يكون فى أحدهما مأخوذا بجهة وفى
‎الآخر بغير تلك الجهة . والثانى أن يكون الإيجاب فيهما واحدا والسلب واحدا .
‎والثالث أن يجعل المقابل للإيجاب الواحد سلبا واحدا . فقد تبين من هذا متى ‎
تكون المتقابلة متقابلة وكم أصناف المتقابلات وكيف أحوالها فى التقابل . [28] ‎ونقول : إن ما يقتسم من هذه المتقابلات الصدق والكذب دائما
‎فى جميع المواد هى الشخصية / والمتناقضة . أما فى الأمور الموجودة فى الزمان الحاضر
‎والموجودة فيما مضى ، فواجب ضرورة أن يكون إقتسامها للصدق والكذب على
‎أن أحدهما فى نفسه هو الصادق والآخر هو الكاذب سواء عرفنا نحن الصادق
‎من الكاذب أو لم نعرفه . وذلك أن كون زيد موجودا الآن أو غير موجود من
‎البين بنفسه أن أحد هذين القولين ضرورة هو صادق والآخر كاذب سواء
‎تحصل لنا الصادق من الكاذب أو لم يتحصل لنا ، إذ هو محصل الوجود فى

[Page 77] ‎نفسه . وكذلك الأمر فى الأشياء السالفة وفى الأمور الضرورية التى ليس يشترط
‎فى وجودها زمان .
[29] ‎وأما الأمور الموجودة فى الزمان المستقبل – وهى الأشياء الممكنة
‎ – فليس اقتسامها الصدق والكذب على التحصيل فى نفسه . وذلك أن الأمر فى
‎هذه المتقابلات فى هذه المادة لا يخلو من أقسام ، إما أن تكون مقتسمة للصدق
‎والكذب ، أو لا تكون . ثم إن كانت مقتسمة للصدق والكذب فإما أن
‎يكون ذلك على التحصيل أو على غير التحصيل . وإن كانت غير مقتسمة للصدق
‎والكذب ، فإما أن تكون صادقتين معا ، أو كاذبتين معا أو يوجد فيهما
‎الأمران معا .
[30] ‎فإن كان كل إيجاب وسلب يقتسم الصدق والكذب على التحصيل
‎فى نفسه فواجب فى كل شئ أن يكون إما موجودا وإما غير موجود ، فيجب
‎على هذا متى قال إنسان فى شئ من الأشياء المستقبلة إنه سيكون وقال آخر إنه
‎لا يكون ، أن يكون أحد هذين القولين هو الصادق والآخر هو الكاذب . وذلك
‎أنه لا يمكن أن يوجد الأمران معا – أعنى الكون ولا كون . وإنما كانت
‎طبيعة الموجود تابعة للقول الصادق والقول الصادق تابع لها ، لأنه إن قال
‎إنسان فى شئ ما إنه أبيض وكان صادقا فواجب أن يكون خارج النفس أبيض ،
‎وإن كان كاذبا فواجب أن يكون خارج النفس غير أبيض . وإن قلنا

[Page 78] ‎إنه غير أبيض وكان صادقا فواجب أن يكون خارج النفس غير أبيض ، وإن
‎كان كاذبا فواجب أن يكون خارج النفس أبيض . وكذلك عكس هذا وهو
‎أنه إن كان الشئ خارج النفس أبيض فواجب أن يكون القول الصادق فيه
‎إنه أبيض والكاذب إنه ليس بأبيض ، وإن كان خارج النفس غير أبيض
‎فالقول الصادق فيه هو إنه ليس بأبيض والكاذب إنه أبيض .
[31] ‎فإن كان الإيجاب والسلب المتقابلان يقتسمان الصدق والكذب
‎فى الأمور المستقبلة على أن أحدهما محصل الوجود فى نفسه ، فالأمور المستقبلة
‎ضرورية فى وجودها وليس يكون هاهنا شئ يوجد بالاتفاق وعن غير سبب محصل ،
‎ولا يوجد شئ يقال فيه إنه ممكن أن يكون وأن لا يكون ، بل يكون كون
‎الشئ أولا كونه ضرورة . وذلك واجب لكون الصدق والكذب فى أحد المتقابلين
‎محصلا فى نفسه ، وذلك أنه ليس يجوز أن يخرج منهما إلى الوجود غير الصادق
‎من إيجاب كان أو سلب لأنه لو جاز ذلك لما كان الصدق فى أحد المتقابلين
‎محصل الوجود فى نفسه . وإذا لم يكن الصدق والكذب فى المتقابلين محصل
‎الوجود فى نفسه ، كان إمكان كون الشئ ولا كونه على مثال واحد كما أنه إذا
‎كان إمكان كون الشئ أو لا كونه على مثال واحد لم يكن الصدق والكذب فى
‎المتقابلين / المقولين عليه محصل الوجود فى نفسه ، ولا كان الشئ بالإيجاب
‎أولى منه بالسلب ولا بالسلب أولى منه بالإيجاب ولا يصير كذلك من أجل
‎أن موجبا أوجبه أو سالبا سلبه .

[Page 79] [32] ويجب على هذا إن صار شئ من الأشياء أبيض فى وقت من الأوقات ‎
أن يكون القول فيه من قبل أن يصير أبيض إنه سيصير أبيض قولا صادقا ‎
وضروريا . وكذلك يكون القول فى كل شئ يكون قبل أن يتكون بأنه سيكون ‎
قولا صادقا ، كما كان فيه فى حين تكونه حتى يكون صدق القول بأنه موجود
‎فى الموجود الحاضر كصدق القول بانه سيوجد فى المستقبل . فإذا كان ذلك
‎كذلك فليس يمكن فى الشئ الممكن – الذى هو غير موجود الآن ويقال فيه إنه
‎سيوجد – أن لا يوجد . وما كان لا يمكن أن لا يوجد فمن المحال أن لا يوجد . ‎
والشئ الذى من المحال أن لا يوجد فواجب أن يوجد . وما هو واجب فهو
‎ضرورى الوجود . فجميع الأشياء إذن ضرورية الوجود . وإذا كان ذلك كذلك
‎فليس هاهنا شئ يحدث بالاتفاق ولا شئ هو معد أن يكون وأن لا يكون .
‎وذلك أن ما يحدث بالاتفاق هو بهذه الصفة – أعنى أن كونه ليس واجبا ضرورة ‎
– كما أن ما كونه أولا كونه واجب ضرورة فليس يحدث عن الاتفاق .
[33] وأيضا فإنه ليس يجوز أن تقول إن السلب والإيجاب / يجتمعان ‎
فى الأمور المستقبلة حتى يكونا صادقين معا ولا يرتفعان عنها حتى يكونا كاذبين ‎
معا – مثل أن يكون قولنا فى الشئ إنه يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون ‎
صادقين معا أو كاذبين معا . فإنهما إن كانا كاذبين جميعا لزم عنه أن لا يكون
‎المتناقضان يقتسمان الصدق والكذب فى جميع المواد ، وذلك شئ قد تبين خلافه

[Page 80] ‎وكذلك يلزم إن كانا صادقين معا . وأيضا فإنه يلزم إن كان صادقين معا أن
‎يكون الشئ موجودا معدودا معا ، وذلك محال مع أنه ترتفع أيضا طبيعة ‎
الممكن ، وإن كانا كاذبين لزم أن يكون الشئ لا موجودا ولا معدوما .
[34] ‎فهذا ما يلزم من المحال إن فرضنا المتقابلات التى تقتسم الصدق والكذب
‎فى جميع المواد تقتسمها على التحصيل فى الأمور المستقبلة أو لا تقتسمها بأن يصدقا
‎معا أو يكذبا معا . وهو ظاهرا أنه يلزم شناعات كثيرة لرفعنا طبيعة الممكن
‎وإنزالنا أن الأمور المستقبلة كلها ضرورية . أولها أنها تبطل الروية والإستعداد
‎لدفع شر يتوقع أو التأهب لخير يحصل . فيكون ما يراه الإنسان من أنه إن فعل
‎ما يجب كان ما يجب وإن لم يفعل ما يجب لم يكن ما يجب أمرا باطلا واعتقادا
‎فاسدا – حتى إنه يلزم هذا من الشنعة أنه لو روى إنسان ما فى حادث ما ‎
وقطع على أنه يحدث فى عشرة آلاف سنة مثلا وأخذ فى إعداد الأسباب
‎الموجبة لحدوثه وكونه فى هذه المدة الطويلة لو عمرها إنسان وروى آخر فى هذه
‎المدة بعينها فى منع حدوثه ونظر فى إعداد الأسباب التى تمنع حدوثه ، لكان

[Page 81] ‎فعل كل واحد منهما باطلا وعبثا ورويته ساقطة لا معنى لها . وذلك أن الصادق
‎منهما فى نفسه يجب ضرورة أن يكون هو الموجود سواء روى أحدهما فى إبطاله
‎والآخر فى وجوده أو لم يرو واحد منهما فى ذلك . فانه يجب على هذا أن لا تكون
‎الإرادة سببا لحدوث شئ من الأشياء بل تكون جميع الأشياء تجرى مجراها بالطبع
‎وعلى ما لها من أحد المتناقضين و إن لم يرو مرو فى إيجاد شئ من ذلك أو منع ‎
‎وجوده . ويكون حكم من روى فى الشئ عشرة آلاف سنة مثل حكم من
‎روى فيه زمانا يسيرا – أى زمان كان – بل يكون حكمه حكم من لم يرو
‎فيه أصل . [35] ‎وهذه الأشياء كلها فى غاية الشناعة وخلاف ما فطرنا عليه . وذلك
‎أنا نرى أن هاهنا أشياء مبدأ حدوثها الروية وأخذ الأهبة لها. وقد يظهر أيضا
‎فى الأمور التى لا تفعل أن فيها أشياء هى بطبعها معدة لأن يكون عنها الشئ
‎ومقابله على السواء – أعنى أنها ممكنة / أن يكون عنها الشئ أو لا يكون على
‎السواء . ومثال ذلك أن الثوب قد يمكن فيه أن يتمزق قبل أن يسبق إليه البلى
‎وقد يمكن فيه أن لا يتمزق بل يبلى . وذلك أن إمكان هذين المعنين فى الثوب هو

[Page 82] على السواء ، وكذلك يجرى الأمر فى جميع الأمور المتكونة فى هذه المادة التى
‎فيها هذا النوع من الإمكان والقوة .
[36] ‎ ‎وإذا كان هذا هكذا فظاهر أنه ليس جميع الأشياء ضرورية بل
‎يظهر أن الأشياء صنفان ، إما ضرورية وإما ممكنة ، وأن الممكنة ثلاثة
‎أصناف . إما ممكنة على التساوى ، وهى التى لا يكون فيها وجود الشئ أحرى من
‎عدمه ولا عدمه أحرى من وجوده . وإما ممكنة على الأكثر ، وهى التى يكون
‎فيها أحد المتقابلين أحرى من الثانى بالوجود ويكون حدوث الثانى على الأقل .
‎وفى هذا الجنس يوجد النوعان جميعا من الممكن – أعنى الذى على الأكثر والذى
‎على الأقل .
[37] ‎ ‎وأما الضرورية فمنها ضرورية بإطلاق ، وهى الأشياء التى
‎وجودها دائما أو عدمها دائما . ومنها ضرورية لا بإطلاق ، وهى الأشياء
‎التى وجودها ضرورى فى الوقت الذى هى فيه موجودة أو أشياء عدمها ضرورى
‎ فى الوقت الذى هى فيه معدومة . وهذه ضربان ، إما أشياء محمولاتها ضرورية
‎الوجود لموضوعاتها مادامت موضوعاتها موجودة – مثل وجود النطق لإنسان ما
‎إذا وجد ذلك الإنسان – أو أشياء معدومة مادامت موضوعاتها غير موجودة ،
‎وإما أشياء موجودة مادامت هى موجودة – مثل وجود الإنسان مادام موجودا .

[Page 83] [38] ‎وإذا كانت هذه هى أقسام طبيعة الوجود وكان واجبا أن تكون
‎جهة اقتسام السلب والإيجاب للصدق والكذب مطابقا لما عليه الموجود
‎خارج النفس ، فظاهر أن المتقابلين اللذين يقتسمان الصدق والكذب فى جميع المواد
‎أنهما يقتسمان الصدق والكذب فى أصناف الأمورالضروريات على التحصيل فى
‎نفسه – أعنى على أن الصادق منهما والكاذب محصل فى نفسه – خارج النفس
‎وإن لم تتحصل / لنا معرفته وجهلنا كيف الأمر فيه . وأما فى المادة الممكنة
‎فى الأمور المستقبلة ، فإنهما أيضا يقتسمان الصدق والكذب . وذلك أنه
‎واجب أن يوجد أحد المتناقضين فيما يستقبل لكن لا على التحصيل فى أنفسهما
‎بل على أنهما فى طبيعتهما من عدم التحصيل مثل ماهما عندنا . ولذلك لا يمكن أن
‎يحصل فى هذا الجنس معرفة ، إذ كان الأمر فى نفسه مجهولا . لكن ما كان من
‎الممكن على الأكثر لا على التساوى فإن أحد المتقابلين فيه أحرى بالصدق من
‎الثانى ، إذا كان وجوده أحرى من لا وجوده . وفى هذا الجنس يمكن أن تحصل
‎المعرفة بحدوث الحادث منها قبل حدوثه – أعنى بحدوث ما شأنه أن يحدث على
‎الأكثر – فيعم كل متقابلين من شأنهما أن يقتسما الصدق والكذب أنها يقتسمان ‎
‎الصدق والكذب فى الأمور المستقبلة فى المادة الممكنة لا على التحصيل . لكن
‎أما فى الممكن الذى على التساوى فليس أحد المتقابلين فيه أحرى بالصدق من

[Page 84] ‎الآخر . وأما فى الممكنة الأكثرية فأحد المتقابلين فيها أحرى بالصدق من
‎الآخر . وأما فى الممكن على الأقل فإن كذب أحد المتقابلين فيها أحرى
‎بالكذب من الثانى.
[39] ‎فقد تبين من هذا كيف اقتسام المتقابلين الصدق والكذب فى
‎جميع الأمور . وذلك فيما شأنه منهما أن يقتسم الصدق والكذب دائما وهى
‎المتناقضات والشخصيات .

الفصل الثالث

[40] ‎ولما كانت القضايا منها ثنائية – وهى التى محمولها كلمة
‎ومنها ثلاثية – وهى التى محمولها اسم – وإنما سميت التى محمولها كلمة ثنائية
‎لأنها مؤلفة من محمول وموضوع فقط وسميت التى محمولها اسم ثلاثية لأنها مؤلفة
‎من موضوع وكلمة رابطة ومحمول ، وكان الاسم والكلمة التى تؤلف منهما القضايا
‎إما إن يكونا محصلين أو غير محصلين ، فظاهر أن كل قضية ثنائية هى مؤلفة
‎إما من اسم محصل وكلمة محصلة – مثل قولنا / الإنسان يوجد – وإما من اسم غير
‎محصل وكلمة غير محصلة – مثل قولنا لا إنسان لا يوجد – وإما من اسم محصل
‎وكلمة غير محصلة – مثل قولنا الإنسان لا يوجد – وإما من اسم غير محصل

[Page 85] ‎وكلمة محصلة – مثل قولنا لا إنسان يوجد – لكن الكلمة الغير محصلة لم تجر
‎العادة باستعمالها فى أمثال هذه القضايا – أعنى الثنائية . وذلك أنه ليس يتميز
‎فيها موضع حرف السلب من حرف العدل ، إذ كان موضع حرف السلب فيها
‎هو بعينه موضع حرف العدل . فلذلك ليس توجد فى الألسنة التى تستعمل ‎
‎فيها المعدولة قضية ثنائية تكون الكلمة فيها معدولة . ولذلك يسقط من أصناف
‎هذه القضايا الأربع صنفان – الصنف الذى اسم المحمول والموضوع فيه غير محصل،
‎والصنف الذى اسم المحمول فيه غير محصل – ويبقى صنفان . فتكون
‎المتقابلات التى فيها اثنين والمقدمات أربعا . فإذا ضربنا هذين الزوج
‎من المتقابلات في الستة الأزواج من المتقابلات التى تقدمت تكون
‎المتقابلة فى القضايا الثنائية اثنى عشر والقضايا أربعا وعشرين . ولأن
‎كل واحدة من القضايا الثنائية إما أن تكون الكلمة فيها دالة على الزمان الحاضر
‎وإما أن تكون دالة على الزمان المستقبل وإما أن تكون دالة على الزمان الماضى
‎فإذا ضربنا هذه الثلاثة فى الأربع وعشرين قضية ، تكون القضايا

[Page 86] ‎الموجودة فى هذا الجنس اثنين وسبعين قضية وستا وثلاثين مقابلة . فإن
‎ضربناها فى المواد الثلاث – الذى هو الممكن والضرورى والممتنع – كانت
‎القضايا المجتمعة من هذه مائتى قضية وست عشرة قضية .
[41] ‎وأما القضايا الثلاثية فإنها ضعف القضايا الثنائية ، ومقابلاتها
‎ضعف مقابلاتها . وذلك أنه تتأتى فيها الأصناف الأربعة من المتقابلات – ‎
أعنى الصنف الذى يكون فيه اسم الموضوع واسم المحمول محصلا وهى التى تعرف
‎بالبسيطة مثل قولنا الإنسان يوجد عدلا الإنسان ليس يوجد عدلا ، والصنف
‎الذى يكون فيه أسماؤهما غير محصلين مثل قولنا لا إنسان يوجد لا عدلا
‎لا إنسان ليس يوجد لا عدلا ، والصنفان الباقيان أعنى الذى يكون أحدهما
‎محصلا والآخر غير محصل وذلك إما المحمول وإما الموضوع ومقابلاتها .
[42] ‎والقضايا الثلاثية التى موضوعها اسم محصل ومحمولها إما اسم
‎محصل وإما اسم غير محصل إذا وضعت مع مقابلاتها فى شكل ذى أربعة أضلاع
‎ووضعت المتقابلات على الضلعين اللذين فى عرض الصفح والغير متقابلة
‎على الضلعين اللذين فى طول الصفح على أن تكون الموجبة من البسيطة مع السالبة
‎من المعدولة على ضلع واحد والسالبة من / البسيطة مع الموجبة من المعدولة على
‎ضلع واحد أيضا ، وجدت حال القضايا المعدولة مع البسيطة فى التلازم كحال

[Page 87] ‎القضايا العدمية مع البسيطة فى التلازم أيضا . وليس توجد حال العدميات
‎من المعدولة كحال المعدولة من البسيطة ، وذلك فى جميع أصناف المتقابلات الستة .
‎وأعنى بالقضايا العدمية هاهنا القضايا التى يدل اسم محمولها إما على العدم الذى
‎تقدم رسمه – مثل قولنا الإنسان جاهل – وإما على أخس الضدين – مثل
‎قولنا الإنسان جائر . فلننظر من ذلك أولا فى المهملات ولنضعها فى شكل ذى
‎أربعة أضلاع على ما شرطنا ونضع أيضا العدميات تحت المعدولة على مثل
‎ما وضعنا المعدولة مع البسيطة ، وذلك بأن نضيف إلى الشكل ذى الأربعة
‎الأضلاع شكلا آخر يشارك الشكل الأول فى أحد أضلاعه . مثال ذلك أنا نضع ‎
شكل آَ بٓ ﺠٓ دٓ ، ونضع الشكل المتصل به شكل ﺠٓ دٓ ھٓ زٓ .ونضع على
ضلع آ بٓ الموجبة البسيطة ومقابلتها – وهى / الإنسان يوجد عادلا الإنسان
ليس يوجد عادلا- وعلى ضلع ﺠٓ دٓ السالبة المعدولة ومقابلتها – وهى الإنسان
ليس يوجد لا عادلا الإنسان يوجد لا عادلا – وعلى ضلع ھٓ زٓ السالبة العدمية

[Page 88] ‎ومقابلتها – وهى الإنسان ليس يوجد جائرا الإنسان يوجد جائرا فإذا تؤملت
‎هذه القضايا على هذا الوضع : ‎
‎وجدت التى على الأضلاع منها فى عرض الصفح لا تتلازم لأنها متقابلة .
‎وقد عرفت فيما تقدم حالها فى التقابل .
[43] ‎وإذا تأملت التى على الضلع منها فى طول الصفح وجدت السالبة
‎المعدولة تلزم فى الصدق عن الموجبة البسيطة وليس ينعكس الأمر فيها . وذلك
‎أنه إذا صدق قولنا الإنسان يوجد عادلا ، صدق قولنا الإنسان ليس يوجد لا
‎عادلا . وليس يلزم إذا صدق قولنا الإنسان ليس يوجد لا عادلا أن يصدق قولنا
‎الإنسان يوجد عادلا ، لأن قولنا الإنسان ليس يوجد لا عادلا يصدق على الإنسان
‎العادل وعلى الإنسان الذى لا يتصف لا بالعدل ولا بالجور – وهو الصغير
‎وعلى الإنسان الذى ليس بمدنى . فإذن السالبة المعدولة أعم صدقا من الموجبة
‎البسيطة ، لأنها تصدق على ثلاثة والموجبة البسيطة على واحد . وإذا وجد العام ،
‎ليس يلزم أن يوجد الخاص كما يلزم عن وجود الخاص وجود العام . مثال ذلك

[Page 89] ‎الحيوان والإنسان ، فإنه إذا وجد الإنسان وجد الحيوان وليس يلزم إذا وجد
‎الحيوان أن يوجد الإنسان . [44] ‎وأما السالبة البسيطة مع الموجبة المعدولة فإنها توجد فى الصدق
‎بعكس هذا- أعنى أن السالبة البسيطة تلزم عن الموجبة المعدولة وليس ينعكس .
‎وذلك أن السالبة البسيطة أعم صدقا من الموجبة المعدولة ، إذ كان قولنا الإنسان
‎ليس يوجد عادلا يصدق على الإنسان الجائر وعلى الإنسان الذى ليس بجائر ولا
‎عادل – وهو الغير مدنى – وعلى الطفل . وقولنا الإنسان يوجد لا عادلا إنما
‎يصدق على الجائر فقط ، لأن قولنا لا عادل يدل على العدم والعدم هو رفع الشئ
‎عما شأنه أن يوجد فيه فى الوقت الذى شأنه أن يوجد فيه على ما حد قبل .
‎فالموجبة المعدولة تصدق على واحد والسالبة البسيطة على ثلاثة .
[45] ‎وأما إذا نظر تلازمها فى الكذب فيوجد الأمر بعكس هذا – أعنى
‎أن الموجبة البسيطة تلزم عن السالبة المعدولة . وذلك أن السالبة المعدولة أخص
‎كذبا من الموجبة البسيطة ، لأن قولنا الإنسان يوجد عادلا يكذب على الجائر وعلى
‎الإنسان الذى ليس بعادل ولا جائر ، وقولنا الإنسان ليس يوجد لا عادلا إنما
‎يكذب على الجائر فقط . وكذلك يلفى الحال فى تلازم السالبة البسيطة مع الموجبة
‎المعدولة فى الكذب بعكس تلازمها فى الصدق – أعنى أن اللازم فيها يعود ملزوما
‎عنه .
[46] ‎وإذا تؤملت العدمية مع البسيطة فى هذا التلازم وجد حالها فى
‎الصدق والكذب كحال المعدولة مع البسيطة . وأما التى على القطر منها – وهو

[Page 90] ‎قطر آ دٓ – فهى متضادة من جهة المواد . وستعرف حالها فيما يستقبل .
[47] ‎وإذا وضعت سائر أصناف المتقابلات هذا الوضع وجدت حالها
‎فى التلازم حالا واحدة – أعنى المتناقضات والشخصيات / والمتضادة وما تحت
‎المتضادة . وأما حال ما كان منها على الأقطار فى صنف صنف فيختلف ، وذلك أن
‎منها ما يمكن أن يصدقا معا ومنها ما يمكن أن يكذبا معا . وأرسطو لم يذكر من
‎هذه إلا التى ذكرناها فقط ، وأرجأ الأمر فيها إلى كتاب القياس . والقانون
‎العام فى تعرف / هذه المتلازمات أن كل مقدمتين من هذه اتفقتا فى الكمية – وهو
‎السور – واختلفنا فى الكيفية – وهو السلب والإيجاب والعدل وعدم العدل
‎ – فهى متلازمة – أعنى أن الأعم منها يلزم الأخص . وأما التى لا تتلازم فهى
‎المتقابلات على جهة التضاد وعلى جهة التناقض كما قيل .
[48] ‎والقضايا الثلاثية إذا أخذ موضوعها باسم غير محصل ومحمولها مرة
‎باسم محصل ومرة باسم غير محصل حدث فى هذا الجنس بسائط ومعدولات
‎موجبات وسوالب غير التى سلفت . فتكون البسائط فيها ما كان محمولها اسما
‎محصلا – كما كان ذلك فى الصنف الأول من البسائط – والمعدولات التى
‎محمولها اسم غير محصل . وذلك أن اعتبار القضية فى كونها بسيطة أو معدولة هو
‎من جهة المحمول ، لا من جهة الموضوع . فتكون البسيطة الموجبة فى هذا الجنس

[Page 91] ‎مثل قولنا لا إنسان يوجد عادلا ، وسالبتها لا إنسان ليس يوجد عادلا وتكون
‎معدولتها الموجبة قولنا لا إنسان يوجد لا عادلا ، وسالبتها لا إنسان ليس يوجد
‎لا عادلا . وهو بين أن هاتين المتقابلتين اللتين تحدث فى هذا الجنس من الثلاثية –
‎أعنى التى موضوعها اسم غير محصل – غير المتقابلتين اللتين تحدثان فى الصنف
‎من القضايا التى موضوعها اسم محصل ، فإن موضوع هذه هو عدم موضوع تلك .
‎وقد لخصت أصناف العدم الذى يدل عليها الاسم الغير محصل فى غير هذا الموضع . [49] ‎وهذا الصنف من القضايا إذا عمل منها سوالب فليس يقوم حرف
‎السلب مقام حرف العدل فيها ولا يجزى أحدهما عن صاحبه ، بل ينبغى أن يرتب
‎حرف السلب فيها . أما فى ذوات الأسوار فمع السور كالحال فى الصنف الأول
‎من القضايا الثلاثية ، وأما فى المهملات والشخصية فمع الكلمة الوجودية . وأما
‎حرف العدل ، فيرتب فيها أبدا مع الموضوع حتى يكون أما فى القضايا البسيطة
‎السالبة من هذا الجنس فيؤتى فيه بحرف السلب مرتين – وذلك مع السور فى
‎القضايا المسورة ومع الموضوع ، ومع الكلمة الوجودية ومع الموضوع فى المهملات
‎والشخصيات . وأما فى المعدولة فثلاث مرات ، مرة مع السور أو الكلمة الوجودية
‎وثانية مع الموضوع وثالثة مع المحمول . وليس يجزى أحد حرفى السلب فيها عن
‎الأخر- أعنى ليس يقوم حرف العدل مقام حرف السلب فى الحقيقة – وإن

[Page 92] ‎كان كلاهما سلبا ، لكن حرف العدل إذا قرن بموضوعه ليس يصدق ولا يكذب
‎وحرف السلب إذا قرن بموضوعه صدق أو كذب . مثال ذلك أن سلب قولنا
‎كل إنسان يوجد عادلا قولنا ليس كل لا إنسان يوجد عادلا لا قولنا ليس كل
‎إنسان يوجد عادلا . وسلب قولنا كل لا إنسان يوجد لا عادلا قولنا ليس كل
‎لا إنسان يوجد لا عادلا ، وذلك بأن نأتى بحرف السلب فى ثلاثة مواضع لا بأن
‎نأتى به فى موضعين – مثل أن نقول ليس كل إنسان يوجد لا عادلا .
[50] ‎وكذلك الحال فى الثنائية التى فى هذا الجنس – أعنى فى البسيطة
‎منها ، فإنه قد قلنا إنه لا يوجد منها معدولة بحسب دلالات الألسنة المتعارفة .
‎فإن حرف السلب فى هذه أيضا ينبغى أن يرتب فيها مرتين ، مرة مع
‎الموضوع ، ومرة مع السور فى ذوات السور أو مع الكلمة نفسها فى الشخصية
‎والمهملات ولا يكتفى بأحدهما أيضا دون الثانى . مثال ذلك أنه كما أن سلب
‎قولنا كل إنسان يمشى – وهى التى موضوعها اسم محصل – هو قولنا ليس كل
‎إنسان يمشى كذلك سلب قولنا كل لا إنسان يمشى قولنا ليس كل لا
‎إنسان يمشى ، لا قولنا ليس كل إنسان يمشى ولا ليس كل إنسان لا يمشى . فإن
‎حرف السلب ليس يقوم مقام حرف العدل ولا حرف العدل يقوم مقامه ، إذ كل
‎واحد منهما يرفع عن القضية شيئا غير الذى يرفعه الآخر . وذلك أن حرف السلب

[Page 93] ‎فى ذوات الأسوار إنما يرفع الحكم الكلى الذى تضمنه السور الكلى أو الحكم
‎الجزئى الذى تضمنه السور / الجزئى . وأما حرف العدل فإنما يرفع / الموضوع
‎الكلى أو المحمول الكلى لا الحكم الكلى . وذلك أن السور الكلى المقرون بالقضية
‎ليس يدل على أن المعنى الموضوع كلى فيكون رفعه رفعا للمعنى الكلى الموضوع ،
‎بل إنما يدل على أن الحكم على المعنى الكلى كلى . وذلك بين فى المهملات ،
‎فإنه ليس كونها غير ذوات أسوار مما لا يوجب أن تكون المعانى الموضوعة فيها
‎كلية إذ كانت دلالات الألفاظ عليها دلالة كلية – مثل قولنا الإنسان عادل ،
‎الإنسان ليس بعادل ، فإن لفظ الإنسان يدل على معنى كلى وإن لم يقرن به لفظ
‎كل . ولو كانت لفظة كل هى التى تدل على أن المعنى كلى ، لكانت لفظة الإنسان
‎لا تدل على معنى كلى إلا إذا قرن بها كل . ولذلك ما يجب أن يقرن حرف
‎السلب فى القضايا المسورة التى موضوعاتها أسماء غير محصلة – متلازمة كانت
‎أو متعاندة – مع السور ويعاد حرف السلب ثانية مع الموضوع . فإن كانت
‎معدولة أعيد ثالثة مع المحمول . وإن كانت غير معدولة اكتفى بإعادته مع
‎الموضوع . وقد تأتى مواضع فى المادة الممكنة يكون فيها حرف العدل قوته قوة
‎حرف السلب فى اقتسام الصدق والكذب فى جميع المواد وتأتى مواضع ليس
‎يلزم ذلك فيها .
[51] ‎فأما الموضع الذى قوة حرف العدل فيه قوة حرف السلب ، فهى ‎
القضايا الشخصية إذا أخذت موضوعاتها موجودة فى الوقت الذى من شأنها

[Page 94] ‎أن تتصف بالملكة أو العدم المقابل لها . مثال ذلك إذا سأل سائل عن
‎سقراط هل هو عدل أو ليس بعدل فكان الجواب الصادق فيه أنه ليس بعدل
‎فأجاب السائل مكان قوله إنه ليس بعدل إنه لا عدل . فإن قوة قولنا هاهنا
‎لا عدل هو قوة قولنا ليس بعدل ، إذ كان قولنا سقراط عدل أو لا عدل إذا اتفق
‎أن وجد فيه الشرطان المتقدمان يقتسمان الصدق والكذب على مثل ما يقتسمه
‎قولنا سقراط عدل أو ليس بعدل .
[52] ‎وقد يمكن فى هذا الموضع كما يقول المفسرون إذا كان قصد السائل
‎أن يتسلم من المجيب مقدمة موجبة فأجابه بالسالبة ، أن يأخذ بدل السالبة
‎معدولتها فينتفع بها إذا وضعها من القياس فى الموضع الذى إنما ينتفع فيه بالموجبة
‎لا بالسالبة – مثل الصغرى من الشكل الأول . فإن الصغرى متى كانت سالبة
‎فى الشكل الأول لم ينتفع بها فى الإنتاج على ما سيبين فى كتاب القياس . وقد
‎ينتفع السائل بهذه الوصية أيضا إذا أراد أن ينتج عن السالب شيئا مناقضا . لكن
‎ما فسرنا نحن به الموضع هو أليق بغرض هذا الكتاب . [53] ‎وأما الموضع الذى لا يكون فيه قوة حرف العدل إذا قرن مع الملكة
‎قوة حرف السلب فى اقتسام الصدق والكذب ، فهى القضايا الكلية فى هذه

[Page 95] ‎المادة – مثل أن يسأل سائل هل كل إنسان حكيم ، أو ليس كل إنسان حكيما
‎فيجيب المجيب بدل قوله ليس كل إنسان حكيما كل إنسان لا حكيم . وذلك أن
‎الذى يقابل قولنا كل إنسان حكيم مقابلة يقتسمان الصدق والكذب دائما بها هو
‎قولنا ليس كل إنسان حكيما لا قولنا كل إنسان لا حكيم ، إذ كان قولنا حكيم
‎ولا حكيم قوته قوة المتضادين – وهو قولنا كل إنسان حكيم ولا إنسان واحد
‎حكيم . والمتضادان قد يكذبان معا فى هذه المادة كما تبين قبل .
[54] ‎والتقابل الذى بين الاسم المحصل والاسم غير المحصل والكلمة المحصلة
‎والغير محصلة ليس هو من جنس مقابلة الإيجاب للسلب . فإنه ليس قولنا
‎لا إنسان يدل فى الألسنة التى تستعمل فيها أمثال هذه الأسماء على ما يدل عليه
‎قولنا ليس بإنسان . فإن قولنا ليس بإنسان يدل على موضوع سلب عنه الإنسانية
‎وإن لم يصرح به فى هذا القول ، فهو لذلك قول مركب . وكذلك يدل عليه
‎قولنا ليس بصحيح . وأما قولنا لا إنسان ولا صح ، فإنه لا يدل دلالة السلب
‎إذا قيل من غير أن يقرن باسم ولا كلمة مصرح بها ، بل إنما يدل قولنا لا إنسان
‎على عدم الإنسانية وقولنا لاصح على عدم الصحة وهو المعنى المفرد الذى يدل
‎عليه قولنا مرض . ويظهر أنه ليس دلالتها دلالة السلب من أن / السلب
‎يصدق أو يكذب . وأما قولنا لا إنسان ، فليس هو لا صادقا ولا كاذبا . وذلك
‎أنه إذا كان قولنا إنسان ليس بصادق ولا كاذب مالم يقرن به خبر مع أنه يدل

[Page 96] ‎على ملكة وصورة موجودة ، فأحرى أن يكون قولنا لا إنسان لا يدل على صدق
‎أو كذب إذ كان ليس يدل على وجود محصل وإنما يدل على وجود غير محصل .
[55] ‎والقضايا التى موضوعها اسم غير محصل توجد حال البسيطة منها
‎والمعدولات متلازمة كحال البسيطة مع المعدولة فى القضايا التى موضوعها اسم
‎محصل . وذلك أن قولنا كل لا إنسان يوجد لا عادلا – وهى الموجبة
‎/ المعدولة فى هذا الجنس – تدل على ما يدل عليه قولنا ليس يوجد شئ مما هو
‎لا إنسان عادلا – وهى السالبة البسيطة . وليس بين هذا الصنف من القضايا –
‎أعنى التى موضوعها اسم غير محصل – وبين الصنف من القضايا التى موضوعها ‎
‎اسم محصل تلازم ولا تقابل.
[56]
‎وإذا تبدل ترتيب اسم المحمول أو الموضوع أو الكلمة الرابطة فى
‎القضايا الثلاثية أو اسم الموضوع أو المحمول – أعنى الكلمة – فى الثنائية
‎– أعنى مثل أن يقدم منها ما شأنه أن يؤتى به أخيرا أو يؤتى أولا بما شأنه
‎منها أن يؤتى به ثانيا أو يؤتى متأخرا بما شأنه منها أن يؤتى به متقدما وبالجملة أن ‎
يغير ترتيبها ويبقى المحمول فيها محمولا والموضوع موضوعا – فإن القضية تبقى
‎واحدة بعينها محفوظة الصدق إن كانت صادقة ، أو الكذب إن كانت كاذبة .
‎ومثال ذلك قولنا يوجد الإنسان عدلا يوجد عدلا الإنسان ، فإن هذه القضية هى
‎واحدة بعينها وكذلك قولنا زيد قام وقام زيد . فإنه لو لم تكن القضايا التى

[Page 97] ‎لا تختلف إلا فى ترتيب أجزائها من التقدم والتأخر قضية واحدة ، للزم أن يكون
‎لقضية واحدة أكثر من سالب واحد . وقد تبين أنه ليس للموجب الواحد إلا
‎سالب واحد . وذلك أنه إن لم يكن قولنا يوجد الإنسان عدلا وقولنا يوجد ‎
عدلا الإنسان قضية واحدة بل قضيتين مختلفتى المعنى ، وكان سلب قولنا يوجد
‎الإنسان عدلا قولنا ليس يوجد الإنسان عدلا وسلب قولنا يوجد عدلا الإنسان
‎ليس يوجد عدلا الإنسان ، وكان قولنا أيضا ليس يوجد عدلا الإنسان بين أنه
‎سلب لقولنا يوجد الإنسان عدلا للزم أن يوجد لقولنا يوجد الإنسان عدلا
‎سلبان ، أحدهما قولنا ليس يوجد الإنسان عدلا ، والآخر ليس يوجد عدلا الإنسان
‎ – وهو سلب القضية التى وضعنا أنها مغايرة فى المعنى لقولنا يوجد الإنسان عدلا
‎وهو قولنا يوجد عدلا الإنسان . فإنه أعرف أن هذين السلبين هو سلب واحد
‎من أن هاتين الموجبتين موجبة واحدة . فقد بان أن الأسماء والكلم التى هى
‎أجزاء القضايا متى بيها فى القول عن العادة الجارية فى ذلك اللسان – أعنى
‎عن الترتيب الذى هو الأفصح – وبقى المحمول محمولا والموضوع موضوعا ، أنها
‎تبقى تلك القضية بعينها . [57] ‎وإذا أوجب اسم واحد لأسماء كثيرة أو أوجبت أسماء كثيرة
‎لاسم واحد أو سلب اسم واحد عن أسماء كثيرة أو سلبت أسماء كثيرة عن اسم

[Page 98] ‎واحد ، فليس يكون ذلك الإيجاب إيجابا واحدا ولا ذلك السلب سلبا واحدا ،
‎كما أنه إذا أوجب اسم واحد لاسم واحد أو سلب عنه لا يكون إيجابا واحدا
‎ولا سلبا واحدا مالم يكن المعنى الذى يدل ذلك اللفظ الواحد عليه واحدا – على
‎ما قيل فيما سلف – إلا أن تكون تلك الأسماء الكثيرة تدل على معنى واحد .
‎وذلك إما بأن تكون تلك الأسماء الكثيرة مترادفة – وهى التى يدل كل واحد منهما
‎على معنى واحد – أو يكون ما تدل عليه الأسماء الكثيرة أجزاء حد أو رسم لشئ
‎واحد – مثل قولنا الإنسان حيوان والإنسان ناطق ، فإن المجتمع من هذين المحمولين
‎هو حد للإنسان ، وذلك أن الإنسان حيوان ناطق . وكذلك إن كان أيضا رسما
‎له – مثل قولنا إن الإنسان حيوان والإنسان ذو رجلين – فإن المجتمع هو رسم
‎للإنسان وهو أنه حيوان ذو رجلين . ولفظ الإنسان يدل دلالة مجملة على ما يدل
‎عليه كل واحد من هذين القولين منفصلا . فأما إن كانت المحمولات الكثيرة ليس
‎المجتمع منها واحدا فليس الإيجاب / لها إيجابا واحدا ولا السلب لها سلبا واحدا .
‎وكذلك إن كانت موضوعات كثيرة يحمل عليها محمول واحد فليس ذلك إيجابا واحدا
‎ولا سلبا واحدا . ومثال ذلك حملنا على الإنسان أنه أبيض وأنه يمشى ، فإن هذين
‎إذا حملا مجموعين على الإنسان فقيل الإنسان أبيض يمشى لم يدل على معنى واحد إلا
‎بالعرض . والحال فى هذه كالحال فى المحمول الذى هو لفظ مشترك يدل على أكثر
‎من معنى واحد إذا حمل على موضوع واحد ، أو كالموضوع الذى هو لفظ مشترك

[Page 99] ‎إذا حمل عليه محمول واحد يدل على معنى واحد – أعنى أنه كما أن القضية التى
‎المحمول لها لفظ مشترك ليست قضية واحدة ولا القضية التى فيها الموضوع بهذه
‎الصفة قضية واحدة كذلك الحال فى القضية التى توجب فيها معان كثيرة بأسما ء
‎متباينة لموضوع واحد أو التى يوجب فيها محمول واحد لموضوعات كثيرة يدل عليها
‎بأسماء متباينة ، إذا لم يكن المجتمع من تلك المحمولات أو الموضوعات الكثيرة
‎معنى واحدا .
[58] ‎والقضايا التى محمولها أو موضوعها اسم مشترك ، لما كانت قضايا
‎كثيرة لم يكن ينبغى / أن يكون السؤال الجدلى عنها سؤالا واحدا ولا الجواب
‎الجدلى جوابا واحدا ، وإن كانت جميع المعانى التى يدل عليها الاسم المشترك
‎الموضوع يصدق عليها المحمول الواحد ، أو كانت جميع المعانى التى يدل عليها
‎الاسم المشترك المحمول تصدق على الموضوع الواحد ، أو كان لفظ المحمول
‎والموضوع يدل كل واحد منهما على معان كثيرة إلا أن جميع المعانى التى يدل
‎عليها لفظ المحمول صادقة على جميع المعانى التى يدل عليها لفظ الموضوع على ما تبين

[Page 100] ‎فى كتاب الجدل . فإن المجيب على طريق الجدل ليس عليه أن يصلح على
‎السائل سؤاله بأن يفهمه تلك المعانى التى يقال عليها ذلك الاسم المشترك ، إذ كان
‎المجيب والسائل فى مرتبة واحدة من معرفة الشئ الذى فيه يتناظران . وإنما
‎قصد السائل على طريق الجدل أن يتسلم من المجيب أحد جزءى النقيض الذى
‎يريد أن يضعه مقدمة يبطل بها وضع المجيب . فمتى سأل السائل المجيب فى الجدل
‎بالمقدمة المشتركة اللفظ فسلم له المجيب أحد جزءى النقيض فوضع السائل من
‎احد تلك المعانى مقدمة يروم أن ينتج منها ماقصد إبطاله على المجيب ، كان
‎للمجيب حينئذ أن يقول لم أسلم هذا المعنى وإنما الذى سلمت معنى كذا وكذا ،
‎فلا ينتفع السائل حينئذ بتسليم المجيب له أحد جزءى النقيض . [59] ‎وأما السؤال على طريق التعليم فقد يكون بالإسم المشترك لأن على
‎المعلم إصلاح السؤال بتفصيل ما يدل ذلك الاسم المشترك عليه . ولذلك لم يكن
‎هذا السؤال سؤالا جدليا لأن هذا النوع من السؤال قد يقتضى تفصيل ما يدل
‎عليه الاسم المشترك – مثل أن يسأل سائل ما هو العين ، فإن المجيب له يقول إنه
‎يدل على معان شتى ، على الجارحة وعلى عين الماء وعلى عين الشمس وغير ذلك . ‎
‎وأما السؤال الجدلى فلما كان إنما يسأل السائل فيه بجزءى النقيض ليسلم له
‎أحدهما – مثل أن يسأل هل كذا كذا أو ليس بكذا – فقد ينبغى أن يكون

[Page 101] ‎السؤال محدودا ليكون الجواب الذى يقع عليه محدودا ، وذلك إنما يكون إذا
‎كان السؤال بالاسم المتواطئ .
[60] ‎ولما كانت المحمولات الكثيرة التى تحمل على موضوع واحد توجد
‎بأربعة أحوال – إما محمولات إذا أفردت صدقت وإذا جمعت صدقت وكان
‎المجتمع منها محمولا واحدا وهو الذى قلنا إن المجتمع منها يكون قضية واحدة ،
‎وإما محمولات إذا أفردت صدقت وإذا جمعت صدقت إلا أن المجتمع منها ليس
‎يكون محمولا واحدا إلا بالعرض ، وإما محمولات إذا أفردت صدقت وإذا جمعت
‎كان الكلام هذرا وفضلا ، وإما محمولات إذا أفردت صدقت وإذا جمعت
‎كذبت – فقد ينبغى أن نعطى القانون الذى به تبين هذه المحمولات بعضها من
‎بعض بعد أن نبين أنه ليس واجبا أن يكون ما يصدق مفردا يصدق مجموعا من
‎غير أن ينطوى فى ذلك كذب ولا فضل .
[61] ‎فنقول : إنه ليس يلزم أن تكون جميع المحمولات التى تصدق فرادى
‎تصدق مجموعة من غير أن يكون الكلام هذرا وفضلا . وذلك بين من قبل المواد
‎/ ومما يلحق هذا الوضع إن سلمناه من الشناعة . أما من قبل المواد ، فإنه قد
‎يصدق على زيد أنه طبيب ويصدق عليه أنه بصير – أى حاذق – وليس يلزم
‎أن يصدق عليه الأمران جميعا حتى نقول فيه إنه طبيب بصير . وأما الشناعة التى
‎تلحق من قال إن كل ما يصدق فرادى يصدق مجموعا من غير أن يلحق القول
‎هذر ، فأحدها أنه إن كان قولنا فى زيد إنه إنسان حقا وإنه أبيض حقا فيجب

[Page 102] ‎أن يكون القول بإجماعهما حقا – أعنى أن يكون زيد إنسانا أبيض . وإن ‎
‎كان حملنا عليه أيضا أنه إنسان أبيض وأنه أبيض على أنهما محمولان مفردان ،
‎فقد يجب أن يصدق عليه أنه إنسان أبيض أبيض . وكذلك إذا أخذنا هذا القول
‎بمنزلة محمول واحد مفرد وأخذنا القول الأول بمنزلة محمول مفرد ، صدق عليه أنه
‎إنسان أبيض إنسان أبيض أبيض من غير أن يكون فى الكلام هذر ولا فضل
‎وإن مر الأمر إلى غير نهاية ، وذلك شنيع . وأيضا فإنه إذا حملت عليه مفردات
‎كثيرة لزم أن تصدق عليه جميع التراكيب التى تعرض من تلك المفردات –
‎أعنى إذا ركب بعضها إلى بعض – وهى غير متناهية فيصدق على الموضوع الواحد
‎أشياء غير متناهية – مثل أنه إن صدق عليه أنه إنسان وأنه أبيض وأنه يمشى فيجب
‎أن يصدق عليه أنه إنسان أبيض يمشى وأنه إنسان إنسان أبيض يمشى وأنه إنسان
‎إنسان إنسان أبيض يمشى . وكذلك أنه أبيض أبيض ويمشى يمشى ، فتكون ‎
‎المحمولات الصادقة عليه غير متناهية . فقد تبين من هذا أنه ليس كل ما يصدق
‎فرادى يصدق مجموعا على ما كان يرى كثير من القدما ء . [62] ‎وإذ قد تبين هذا فلننظر متى يكون من المعانى الكثيرة التى تحمل على
‎معنى / واحد ومن المعنى الواحد الذى يحمل على معان كثيرة قضية واحدة –
‎وذلك بأن يكون المجتمع من تلك المعانى الكثيرة معنى واحدا وصادقا – ومتى لا
‎يكون . فنقول : إنه متى لم يكن حمل تلك المعانى الكثيرة على الموضوع حملا

[Page 103] ‎بالعرض ولا كان أحدهما منطويا فى الآخر ومنحصرا فيه – أعنى أن يكون
‎الشرط منحصرا فى ذى الشرط و أحرى بذلك أن يكون الشرط هو بعينه ذو
‎الشرط ، مثل أن نقول إن زيدا الأبيض أبيض ما لم يكن ذلك على جهة التأكيد
‎– فأن المجموع من تلك المعانى يكون معنى واحدا . فأما متى كان حملها بالعرض
‎– مثل قولنا فى زيد إنه أبيض وإنه يمشى – فإنه ليس المجموع منها معنى
‎واحدا ، وكذلك متى كان الثانى محصورا فى الأول لأن الكلام حينئذ يكون
‎فضلا – مثل قولنا فى زيد إنه إنسان حى على جهة تقييد الإنسان بالحى ، فإن
‎لفظ الإنسان قد انطوى فيه الحى ولذلك كان تقييدنا إياه بالحى هذرا بخلاف تقييد
‎الجنس بالفصل . فمتى عريت المحمولات المفردة من هاتين الصفتين – أعنى من
‎الحمل الذى بالعرض ومن أن يكون أحدهما منحصرا فى الآخر – فالقضية تكون
‎واحدة – مثل قولنا فى الإنسان إنه حيوان وإنه ذو رجلين .
[63] ‎وأما الأشياء التى تصدق مجموعة فى الحمل على شئ ما إذا قيد بعضها
‎ببعض ، فمنها ما تصدق إذا أفردت ومنها ما ليس يصدق . والصادقة منها هى
‎التى يجتمع فيها شيئان . أحدهما أن لا ينحصر فى الشئ المشترط فى القول شئ هو
‎مقابل للشئ الذى اشترط فيه وقيد به ، وذلك بأى نحو اتفق من أنحاء التقابل

[Page 104] ‎الأربعة ، كان ظهور ذلك المقابل له بحسب ما يدل عليه اسمه – مثل قولنا
‎حيوان ميت ، فإن الميت ضد الحيوان من جهة دلالة هذا الاسم عليه ، أعنى اسم
‎الحيوان – أو كان ظهور ذلك لا من جهة دلالة الاسم بل من جهة دلالة الحد
‎أو الرسم – مثل قولنا إنسان ميت ، فإن الإنسان إنما يظهر أنه مقابل للميت من جهة
‎حده الذى يقال فيه إنه حيوان ناطق . فمتى انحصر التقابل فى أمثال هذه المقيدات
‎كذبت إذا أفردت ، فإنه يصدق على الميت أنه إنسان ميت وليس يصدق عليه
‎أنه إنسان . والشرط الثانى أن لا يكون حمل المقيد على الموضوع بالعرض – أى
‎من أجل غيره – / بل بالذات – أى من أجل ذاته فإنه إذا كان محمولا بالعرض
‎على هذه الجهة كذب إذا أفرد – مثل قولنا امرؤ القيس موجود شاعر أو موجود
‎متوهما ، فإنه إذا أفرد هذا فقيل امرؤ القيس موجود كان كذبا إذ هو الآن
‎معدوم . والسبب فى ذلك أن لفظ قولنا موجود هو محمول على امرئ القيس من
‎جهة أنه متوهم أو شاعر لا حملا أولا من أجل ذاته – أى بإطلاق – وقولنا
‎فيه إنه موجود من جهة ما هو فى الذهن متوهما هو قول صادق . ولذلك أمكن
‎فيها إذا أخذت بهذه الجهة لفظة الموجود أن تصدق على المعدوم ، كما أن لفظة
‎غير الموجود إذا حملت على الشئ من أجل غيره صدقت على الشئ الموجود وليس
‎تصدق عليه إذا حملت عليه من أجله – مثل قولنا فى زيد المشار إليه إنه غير
‎موجود حائكا ، فإنه ليس يصدق عليه أنه غير موجود بإطلاق كما ليس يصدق
‎على المعدوم أنه موجود بإطلاق . فإذن متى لم ينحصر فى الشرط أو القيد مقابل

[Page 105] للشئ المقيد متى دل على الشئ المقيد بحده أو اسمه ولا كان هنالك محمولا من
‎أجل غيره فإنه واجب متى أفردت أمثال هذه فى الحمل أن تصدق فرادى كما صدقت
‎مجموعة .

الفصل الرابع

[64] ‎ولما كانت القضايا منها ذوات جهات ومنها ما هى غير ذوات
‎جهات ، والجهة هى اللفظة التى تدل على كيفية وجود المحمول للموضوع –
‎مثل قولنا الإنسان واجب أن يكون حيوانا أو ممكن أن يكون فيلسوفا – وكانت
‎أجناس ألفاظ الجهات جهتين ، إحداهما الضرورى وما يتبعه على جهة اللزوم
‎ويعد معه وهو الواجب والممتنع الذى هو أيضا أحد قسميه إذ كان الضرورى
‎إما ضرورى الوجود وإما ضرورى العدم وهو الممتنع ، والثانية الممكن وما يتبعه
‎على جهة اللزوم ويعد معه – مثل قولنا محتمل – فقد ينبغى أن ننظر فى
‎المتقابلات فى هذا الجنس أى هى وفى المتلازمة أيضا منها . وذلك فى المعدولة
‎منها أيضا والبسيطة . وإنما صارت ألفاظ الجهات جهتين لأنه إنما قصد بها
‎أن تكون دلالتها مطابقة للموجود ، والموجود قسمان إما بالقوة وإما بالفعل ،
‎والضرورى يقال على ما بالفعل ، والممكن يقال على ما بالقوة . فلننظر فى المتقابلة
‎منها أولا ، ثم فى المتلازمة .

[Page 106] [65] ‎فنقول : إنه قد يظهر فى بادئ الرأى أن حرف السلب ينبغى
‎أن يوضع فى أمثال هذه القضايا مع اللفظة الوجودية التى هى الرابطة
‎لا مع المحمول كالحال فى القضايا غير ذوات الجهات ، وذلك أن سلب
‎قولنا الإنسان يوجد عادلا هو قولنا الإنسان ليس يوجد عادلا لا قولنا
‎الإنسان يوجد لا عدلا . وذلك أنه لما كان الإيجاب / والسلب يقتسمان
‎الصدق والكذب على جميع الأشياء ، فإن وضعنا أن سالب قولنا
‎يوجد الإنسان عدلا قولنا يوجد الإنسان لا عدلا وجب مثلا فى هذين
‎القولين أن يقتسما الصدق والكذب على جميع الأشياء حتى يجب إن كان قولنا فى
‎الخشبة مثلا إنها توجد إنسانا عدلا كاذبا أن يكون الصادق عليها أنها
‎توجد إنسانا لا عادلا .
[66] ‎وإذا كان حرف السلب إنما يوضع فى القضايا الثلاثية أو الثنائية
‎مع الكلمة الوجودية فقد يظن أن الحال فى القضايا ذوات الجهات هى هذه

[Page 107] ‎الحال ، فيكون على هذا سلب قولنا فى الشئ إنه يمكن أن يوجد قولنا إنه
‎يمكن أن لا يوجد . غير أنه قد يظهر أنه يصدق على الشئ بعينه أن يقال فيه إنه
‎يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد . ومثال ذلك أن ما هو ممكن أن
‎ينقطع فهو ممكن أن لا ينقطع وما هو ممكن أن يمشى فهو ممكن أن لا يمشى ،
‎وذلك أن الممكن هو ما ليس بضرورى الوجود . ولذلك قد يمكن فيه أن يوجد
‎وأن لا يوجد ، ولما كان المتقابلان ليس يمكن فيهما أن يجتمعا على الصدق فى
‎شئ واحد فبين أنه ليس سلب قولنا يمكن أن يوجد قولنا يمكن أن لا يوجد .
[67] ‎فإذ قد تبين أن حرف السلب فى هذه القضايا – أعنى ذوات
‎الجهات – لاينبغى أن يوضع / لا مع المحمول ولا مع الكلمة الوجودية ، فقد
‎يجب أن يوضع مع الجهة . فيكون سلب قولنا فى الشئ إنه يمكن أن يوجد قولنا
‎إنه ليس يمكن أن يوجد . وهكذا الأمر فى جميع الجهات التى عددناها ، وذلك
‎واجب . فإنه كما أن فى القضايا التى ليست بذات جهة إنما كنا نقرن حرف
‎السلب بالشئ الذى يتنزل فى الحمل منزلة الصورة – وهى الكلمة الوجودية –
‎لا بالشئ الذى يتنزل منزلة المادة – وهو المحمول – كذلك هاهنا إنما
‎بوضع حرف السلب فى الشئ الذى يتنزل من الكلمة الوجودية منزلة الكلمة
‎الوجودية فى غير ذوات الجهات من المحمول – وهى الجهة . وذلك أن الكلمة
‎الوجودية لما كانت فى القضايا التى ليست بذات جهة تدل على كيفية حال

[Page 108] ‎المحمول من الموضوع ، صارت الكلمة الوجودية نسبتها الى المحمول فى هذه
‎القضايا نسبة الصورة إلى المادة . ولما كانت هذه النسبة بعينها هى نسبة الجهة
‎إلى الكلمة الوجودية – وذلك أنها تدل على كيفية وجود المحمول للموضوع
‎– كانت نسبتها أيضا إلى الكلمة الوجودية نسبة الصورة إلى المادة . وإذا
‎كانت النسبتان واحدة وكان حرف السلب هنالك يوضع مع الكلمة ، فواجب
‎أن يوضع هاهنا مع الجهة .
[68] ‎وبالجملة فهو ظاهر بنفسه أن سلب قولنا يمكن أن يوجد قولنا
‎ليس يمكن أن يوجد ، إذ كان هذان يقتسمان الصدق والكذب دائما . وأما
‎قولنا يمكن أن يوجد وأن لا يوجد ، فليست متناقضات بل متلازمات . وكذلك
‎سلب قولنا يمكن أن لا يوجد – وهى المعدولة الممكنة – هو قولنا ليس يمكن
‎أن لا يوجد . وسلب قولنا واجب أن يوجد قولنا ليس واجبا أن يوجد . وسلب
‎قولنا واجب أن لا يوجد – وهى المعدولة الواجبة – قولنا ليس واجبا أن
‎لا يوجد . وكذلك سلب قولنا ممتنع أن يوجد قولنا ليس ممتنعا أن يوجد .
‎وسلب قولنا ممتنع أن لا يوجد قولنا لا ممتنع أن لا يوجد فهذه هى القضايا
‎المتقابلة فى هذا الجنس . [69] متلازمة فعلى ما أقوله : أما الموجبة الممكنة البسيطة – وهى
‎قولنا ممكن أن يوجد – فإنه يلزمها اثنتان ، السالبة الممتنعة – مثل قولنا

[Page 109] ‎ليس ممتنعا – وسالبة الواجب – وهى قولنا ليس واجبا أن يوجد .
‎وأما الموجبة الممكنة المعدولة –مثل قولنا ممكن أن لا يوجد – فإنه
‎يلزمها بحسب الأشهر والأعرف اثنتان إحداهما سالبة الواجب المعدولة –
‎وهو قولنا ليس واجبا أن لا يوجد – والثانية سالبة الممتنع المعدولة – وهى
‎قولنا ليس ممتنعا أن لا يوجد . وأما سالبة الممكن البسيطة – وهى قولنا ليس
‎يمكن أن يوجد – فإنه يلزمها اثنتان أيضا ، إحداهما موجبة الواجب
‎المعدولة – وهو قولنا واجب أن لا يوجد – والثانية موجبة الممتنع البسيطة –
‎وهو قولنا ممتنع أن يوجد . وأما سالبة الممكن المعدولة – مثل قولنا ليس
‎يمكن أن لا يوجد – فإنه يلزمها اثنتان ، إحداهما موجبة الواجب
‎البسيطة – وهى قولنا واجب أن يوجد – والثانية موجبة الممتنع المعدولة –
‎وهى قولنا ممتنع أن لا يوجد .
[70] ‎فلنضع المتقابلات منها فى عرض الصفح والمتلازمات بعضها تحت
‎بعض فيأتى ذلك على هذا الرسم :

[Page 110] [71] ‎فإذا تأملنا هذا اللزوم المشهور وتعقبناه / وجدنا قولنا ممتنع وقولنا
‎ليس بممتنع يلزمان قولنا ممكن وليس بممكن – أعنى أن النقيض منها يلزم
‎النقيض ، أى الموجب فيها يلزم السالب – إلا أن ذلك على القلب – أعنى أن
‎السالب من الممتنع يلزم الموجب من الممكن والموجب من الممتنع يلزم السالب من
‎الممكن .
[72] ‎فأما القضايا الواجبة ، فإن اللازمة / منها للممكنة ليس هو النقيض ‎
بل الضد – أعنى ضد الموجبة الواجبة التى تناقض السالبة الواجبة ، وهى ‎
قولنا واجب أن لا يوجد – وذلك أنه ليس سلب هذه المقدمة – التى هى ‎
قولنا واجب أن لا يوجد اللازم عن قولنا ليس ممكنا أن يوجد – قولنا ليس ‎
واجبا أن يوجد – الذى هو لازم عن قولنا ممكن أن يوجد على ماوضع .

[Page 111] ‎وذلك أنهما قد يمكن أن يصدقا على شئ واحد بعينه ، فإن ماهو واجب أن
‎لا يوجد يصدق عليه ليس واجبا أن يوجد . بل قولنا واجب أن لا يوجد ضد قولنا
‎واجب أن يوجد – الذى هو نقيض قولنا ليس واجبا أن يوجد . وإذا
‎كان هذا هكذا فلم يلزم هاهنا النقيض للنقيض . وإنما لزم النقيض ضد النقيض
‎– أعنى أنه لم يلزم عن سالبة الممكن موجبة الواجب التى هى نقيض سالبة الواجب
‎التى وضعناها لازمة لموجبة الممكن . وإنما لزم عن سالبة الممكن ضد الواجبة –
‎وهى قولنا واجب أن لا يوجد .
[73] ‎والسبب فى أن لزم الممكنة السالبة البسيطة موجبة الواجب
‎المعدولة ولزم سالبة الممكن المعدولة موجبة الواجب البسيطة أن الممتنع هو ضد
‎الواجب الوجود ، وإن كانت قوتهما فى الضرورية قوة واحدة فلما كانت
‎السالبة الممكنة البسيطة تلزمها الممتنعة الموجبة البسيطة وكانت الممتنعة الموجبة
‎البسيطة ضد الموجبة الواجبة البسيطة ، لزم ضرورة أن يتبعها ضد الموجبة الواجبة
‎البسيطة – وهى الموجبة الواجبة المعدولة . ولما كانت السالبة الممكنة المعدولة
‎تلزمها الممتنعة المعدولة الموجبة وكانت الممتنعة المعدولة الموجبة ضد الواجبة
‎المعدولة الموجبة وجب أن يلزمها من الواجب ضد الواجبة المعدولة الموجبة
‎– وهى الواجبة البسيطة الموجبة .

[Page 112] [74] ‎لكن إذا تعقب هذا فقد يظن أن الحال فيما يلزم الممكن من الواجب
‎كالحال فيما يلزمه من الممتنع – أعنى أن النقيض منها يلزم النقيض لكن على غير
‎الجهة الأولى التى تبين وهيها . فيكون اللازم عن قولنا يمكن أن يوجد قولنا ليس
‎واجبا أن لا يوجد – الذى هو نقيض قولنا واجب أن لا يوجد اللازم عن قولنا
‎ليس يمكن أن يوجد – لا قولنا ليس واجبا أن يوجد . ويكون اللازم عن قولنا
‎ممكن أن لا يوجد من الواجب قولنا ليس واجبا أن يوجد لا قولنا ليس واجبا
‎أن لا يوجد كما فرضناه فى الوضع الأول .
[75] ‎فأما كيف يظهر أن اللازم عن قولنا ممكن أن يوجد قولنا ليس
‎بواجب أن لا يوجد لا قولنا ليس بواجب أن يوجد ، فإنه يترتب على بيان أن
‎قولنا ممكن أن يوجد هو لازم عن قولنا واجب أن يوجد . فأما كيف يتبين هذا
‎"فمما أقوله" : وذلك أن قولنا واجب أن يوجد إما أن يصدق عليه قولنا ممكن
‎أن يوجد أو قولنا ليس ممكنا أن يوجد لأن قولنا ممكن أن يوجد وليس ممكنا
‎أن يوجد متناقضان والمتناقضان يقتسمان الصدق والكذب على جميع الأشياء . فإن
‎لم يصدق عليه قولنا ممكن أن يوجد فسيصدق عليه قولنا ليس بممكن أن يوجد ،
‎لكن إن صدق عليه قولنا ليس بممكن أن يوجد صدق عليه قولنا ممتنع أن يوجد
‎إذ كان هذا يلزم قولنا ليس يمكن أن يوجد . وإذا صدق عليه قولنا ممتنع أن
‎يوجد لزم عن ذلك أن يكون ما هو واجب أن يوجد ممتنعا أن يوجد ، وذلك

[Page 113] خلف لا يمكن . فإذن الصادق على قولنا واجب أن يوجد قولنا ممكن أن يوجد ،
لأنه إذا كذب أحد النقيضين صدق الآخر .
[76] ‎وإذا تقرر أن قولنا ممكن أن يوجد يلزم قولنا واجب أن يوجد ، ‎
فأقول : إن اللازم عن قولنا ممكن أن يوجد من مقدمات الواجب هى السالبة ‎
المعدولة التى هى قولنا ليس واجبا أن لا يوجد . برهان ذلك أنه لا يخلو أن يكون ‎
اللازم من ذلك – أعنى من الممكنة البسيطة الموجبة – سالبة الواجب البسيطة
‎أو موجبة الواجب البسيطة أو موجبة الواجب المعدولة أو سالبة الواجب
‎المعدولة . فإن كانت سالبة الواجب البسيطة على ما وضعنا – وهى قولنا ليس
‎بواجب أن يوجد – وقد كانت الموجبة البسيطة الموجبة لازمة عن الواجبة
‎البسيطة ، لزم أن يلزم عن الواجبة البسيطة نقيضها – وهى السالبة البسيطة – ‎
لأنه يأتى القول هكذا ما كان واجبا أن يوجد فممكن أن يوجد وماهو ممكن أن
‎يوجد فليس واجبا أن يوجد . فإذن ما كان واجبا أن / يوجد فليس واجبا أن يوجد ، ‎
هذا خلف لا يمكن . فان النقيضين / لا يمكن فيهما أن يصدقا معا . ‎
[77] ‎وإذا لم يلزم عنها السالبة الواجبة البسيطة ، فلم يبق أن يلزم عنها ‎
إلا موجبة الواجب البسيطة أو المعدولة أو سالبة الواجب المعدولة . لكن
‎موجبة الواجب البسيطة أو المعدولة ليس تصدق واحدة منهما مع الموجبة

[Page 114] ‎الممكنة . وذلك أن ما هو ممكن أن يوجد فهو ممكن أن يوجد وأن لا يوجد .
‎وما هو ممكن أن يوجد وأن لا يوجد فليس هو واجبا أن يوجد ولا واجب أن
‎لا يوجد . وذلك بين بنفسه فإذا كان واجبا أن يلزم واحد من قضايا الواجب ‎
‎الأربعة الممكنة البسيطة وقد تبين أن الثلاثة منها ليس تلزمها ، فلم يبق أن
‎تكون اللازمة لها إلا قولنا ليس بواجب أن لا يوجد – وهى سالبة الواجب
‎المعدولة . وذلك واجب أيضا لأنه لا يعرض عنه المحال العارض فيما تقدم من
‎وضعنا أن غير الممكن يلزم الواجب ، فإنه قد يلزم قولنا واجب أن يوجد
‎قولنا ليس واجبا أن لا يوجد إذ كانا يصدقان معا على شئ واحد .
[78] ‎لكن قد يعرض شك فيما بينا أن قولنا ممكن أن يوجد يلزم عن
‎قولنا واجب أن يوجد . وذلك أنه إن لم يكن يلزمه فنقيضه يلزمه .
‎ونقيضه إما أن يكون قولنا ليس ممكنا أن يوجد وإما قولنا يمكن أن لا يوجد .
‎لكن إن لزمه قولنا ليس ممكنا أن يوجد ، لزم المحال المتقدم الذى فرغنا من ‎
ذكره ، وإن لزمه قولنا ممكن أن لا يوجد لزم أن يكون ما هو واجب أن
‎يوجد يمكن أن لا يوجد ، وذلك خلف لا يمكن . فهذا القول يجب عنه أن يكون

[Page 115] ‎اللازم عن قولنا واجب أن يوجد قولنا ممكن أن يوجد ، لكن إذا فرضنا
‎أن اللازم عنه قولنا ممكن أن يوجد وكان الشئ الذى يمكن فيه أن يوجد يمكن
‎فيه أن لا يوجد فقد يلزم أن يكون ماهو واجب أن يوجد يمكن أن يوجد وأن
‎لا يوجد ، وذلك خلف لا يمكن . وإذا كان القول الأول يوجب أن يكون اللازم
‎عن قولنا واجب أن يوجد قولنا ممكن أن يوجد والثانى يبطل أن يكون
‎الممكن يتبع الواجب ويلزمه ، فبين أنه يجب أن يكون ما أثبت القول الأول من
‎طبيعة الممكن أنه لازم عن الواجب غيرما نفاه الثانى . [79] ‎فالممكن إذن يقال على أكثر من معنى واحد ، وذلك أيضا بين
‎بالاستقراء . فإنه يظهر أنه ليس كل ما يقال إنه ممكن أن يفعل كذا أو يقبل
‎ففيه قوة على أن لا يفعل وعلى أن يفعل . وذلك أن الأشياء التى نقول إن فيها
‎قوى فاعلة توجد على ضربين ، إما قوى مقرونة بنطق – وهى التى يعبر عنها
‎بالإستطاعة – وإما قوى ليست مقرونة بنطق – مثل تسخين النار وتبريد
‎الثلج . فأما القوى المقرونة بالنطق ، فإن فيها قوة على أن تفعل الأضداد – أعنى
‎أن تفعل وأن لا تفعل ، ومثال ذلك المشى ، فإن فى الإنسان قوة على أن يمشى
‎وأن لا يمشى على السواء . وأما القوى التى ليست مقرونة بنطق ، فإن ما فيها
‎هو قوة على أحد الأضداد فقط . ومثال ذلك النار ، فإنها إنما فيها قوة على
‎أن تسخن فقط لا على أن لا تسخن إلا بالعرض ، وذلك إما عندما لا تجد موضوعا

[Page 116] ‎يقبل السخونة وإما عندما يعوقها عائق عن الفعل الذى لها بالطبع فى ذلك
‎الموضوع . وقد يوجد فى القوى المنفعلة الغير ناطقة ما يقبل المتقابلين على
‎السواء . وإذا كان هذا هكذا فليس كل ممكن فهو ممكن لأن يقبل الأشياء المتقابلة .
[80] ‎ولا أيضا الممكن مما يقال بتواطؤ حتى يكون نوعا واحدا ، بل اسم
‎الممكن مما يقال باشتراك الاسم ، وذلك أنا قد نقول ممكن فيما هو موجود بالفعل
‎وقولنا فيه إنه ممكن إنما هو بمعنى أن هذه الحالة الموجودة له بالفعل قد كانت
‎ممكنة له وإلا لم يكن ليقبلها . وهذا قد يقال وإن لم يتقدم الإمكان فيه الفعل ،
‎بالزمان ، إن وجد شئ بهذه الصفة . ومنه ما يقال فيه إنه ممكن بمعنى أن من
‎شأنه أن يوجد فى المستقبل . وهذا الإمكان إنما يوجد فى الأشياء المتحركة
‎وحدها فاسدة كانت أو غير فاسدة ، إلا أنه ما كان منه فى الأشياء الغير فاسدة
‎– فحدوثه واجب – مثل طلوع الشمس غدا – وما كان منه فى الأشياء الفاسدة
‎فليس كونه واجبا .
[81] ‎وأما الصنف الثانى من الممكن ، فهو يوجد فى الأشياء الغير
‎متحركة . / وهذا الصنف من الممكن هو الذى يلزم الواجب . وأما الصنف
‎الأول ، فليس يلزم الواجب وذلك ما كان منه فى الأشياء الفاسدة . لكن قد يشبه
‎أن يقال إن الممكن إذ كان أعم من الواجب ، وذلك أنه يقع على الواجب وغير
‎الواجب ، فقد يجب أن يكون لازما عنه على جهة ما يلزم الأعم الأخص –
‎أعنى على جهة ما يلزم الحيوان الإنسان .

[Page 117] [82] ‎قال : وإذ قد تبينت أنحاء الممكن فقد يجب أن نضع الأول الذى
‎تقع إليه المقايسة فى هذا اللزوم قولنا واجب أن يوجد ليس واجبا أن يوجد ،
‎إذ كان هو المبدأ / لهذه كلها ، ثم نتأمل ما يلزم ذلك من تلك القضايا الباقية .
[83] ‎قال : وهذا شئ قد فعل فى كتاب القياس ، فلنرجئ الأمر
‎إلى ذلك الموضع . وإنما كان الواجب هو المبدأ لهذه لأن الاشياء الواجبة هى
‎الأزلية الموجودة بالفعل على ما تبين فى العلوم الفكرية . ولما كانت الأشياء
‎الأزلية أقدم ، وجب أن تكون الاشياء التى هى بالفعل أقدم من الأشياء التى
‎هى بالفعل تارة وبالقوة تارة . ولذلك بعض الموجودات توجد بالفعل دون
‎القوة – مثل الموجود الأول – وبعضها بالفعل تارة ، وبالقوة تارة – وهى
‎الأشياء الكائنة الفاسدة – وبعض الأشياء مع القوة فقط من غير أن تفارقها –
‎مثل الحركة وبالجملة وجود الغير متناه من جهة ما هو غير متناه على ما تبين
‎أيضا فى العلم الطبيعى .
[84] ‎فهذه جملة ما تكلم به فى القضايا ذوات الجهات .

الفصل الخامس

[85] ‎قال : ولما كانت الأقاويل المتقابلة إما متقابلة بالإيجاب والسلب
‎وإما متفابلة بأن موادها متضادة – وهى الاقاويل التى محمولاتها متضادة –

[Page 118] ‎وكانت توجد فى التى محمولاتها متضادة ما يشبه الأصناف الخمسة من المتقابلة التى
‎من جهة الإيجاب والسلب التى تقدم القول فيها ، فقد يجب أن ننظر هاهنا
‎أى هذه الأقاويل أشد تضادا وأبعد تباينا فى الاعتقاد ، هل المتضادة على طريق
‎الإيجاب والسلب أو المتضادة على طريق اعتقاد الضد . مثال ذلك أن قولنا كل
‎إنسان عدل يقابله قولان ، أحدهما ولا إنسان واحد عدل – وهو المقابل على
‎جهة السلب – والثانى قولنا كل إنسان جائر – وهو المقابل على جهة
‎الضدية . فأى هذين هو أشد مضادة لقولنا كل إنسان عدل ، هل قولنا
‎ولا إنسان واحد عدل أو قولنا كل إنسان جائر .
[86] ‎فنقول : إنه إذا كانت الألفاظ إنما تدل على المعانى القائمة بالنفس
‎وكان قد يوجد فى الذهن اعتقاد شئ ما واعتقاد ضده أو اعتقاد شئ ما واعتقاد
‎سلبه ، فبين أنه إنما يقال فى القول إنه ضد للقول أو مقابل له من جهة تقابل
‎الاعتقادات التى فى النفس إما باعتقاد الضد أو باعتقاد السلب . وإذا كان الأمر
‎كذلك فقد ينبغى أن ننظر أى اعتقاد هو الذى فى الغاية من التضاد والمباينة
‎للاعتقاد الصادق أو الكاذب ، هل اعتقاد ضده أو اعتقاد سلبه . ومثال ذلك
‎إذا اعتقدنا فى شئ ما أنه خير وكان ذلك عقدا صادقا – مثل اعتقادنا فى الحياة
‎أنها خير – فيكون إذن هاهنا عقدان كاذبان مقابلان له ، أحدهما أنهما شر
‎والآخر أنها ليست بخير . فأى من هذين الاعتقادين الكاذبين فى الحياة هو الذى

[Page 119] ‎هو فى غاية المضادة فى الذهن للاعتقاد الصادق الذى هو قولنا الحياة خير ، هل
‎اعتقادنا أنها شر أو اعتقادنا أنها ليست بخير .
[87] ‎فنقول : إن التضاد الموجود فى الاعتقاد – أعنى الذى فى غاية
‎التباين فيه – يشبه التضاد الموجود خارج النفس فى المواد . فهل يجب أن
‎يكون ما كان من الأشياء أكثر تضادا خارج النفس هو أشد تضادا فى الاعتقاد .
[88] ‎فنقول : إنه لما كان الشيئان اللذان يتضادان خارج النفس
‎بمضادتين أقل تضادا فى الاعتقاد من الشيئين اللذين يتضادان بمضادة واحدة
‎وكانا مع ذلك غير متضادين فى الاعتقاد بل أكثر ذلك هما متلازمان –
‎مثل اعتقادنا أن الحياة خير والموت شر ، فإن هذين القولين متضادان بالمحمول
‎والموضوع خارج النفس – فبين أنه ليس سبب التضاد الموجود فى الاعتقاد هو
‎التضاد الموجود خارج النفس إذ لو كان سببه لكان ما هو أكثر مضادة خارج
‎النفس أحرى أن يكون مضادا فى الاعتقاد . / وإذا كان ذلك كذلك فما كان
‎مضادته فى الاعتقاد من قبل المواد فهو أحرى أن لا يكون هو المضاد بإطلاق فى
‎الاعتقاد . وأما التضاد الذى يوجد فى الاعتقاد من قبل الإيجاب والسلب ، فليس
‎ذلك موجودا فيه من قبل غيره ، بل من قبل ذاته ومن قبل حالة موجودة فيه فى

[Page 120] ‎الذهن . فالذى التضاد فيه من قبل ذاته أحرى بأن يكون مضادا من
‎الذى التضاد فيه من قبل غيره .
[89] ‎وأيضا فإنه إذا كان عندنا اعتقاد ما فى شئ أنه خير وكان عقدا
‎صادقا ، فإنه ليس كل اعتقاد كاذب كان عندنا فى ذلك الشئ هو الإعتقاد
‎المضاد لهذا الاعتقاد الصادق – مثل أن يكون عندنا فيه أنه شئ آخر مما ليس
‎هو موجودا له أو أنه ليس بشئ آخر مما هو موجود له – فإن الاعتقادات
‎هى بغير نهاية . وإنما الاعتقاد الذى يضاد ذلك الاعتقاد فيه اعتقاد واحد –
‎وهو الاعتقاد الذى نرى أنه يقتسم الصدق والكذب دائما مع الاعتقاد الأول .
‎وهذان هما الاعتقادان يفرضان جزءى نقيض / فى المطلوب ، ثم تقع بعد ذلك
‎فيهما الشبهة والحيرة – أى منهما هو الصادق وأى منهما هو الكاذب . وأما
‎الاعتقادان اللذان يمكن أن يكذبا معا على الموضوع الواحد بعينه أو يصدقا معا ،
‎فليس يمكن أن تقع بينهما الشبهة والحيرة ولا يجعلان جزءى نقيض فى المطلوب
‎على أن الحق فى أحدهما محصل الوجود فى نفسه وإن لم يكن عندنا محصلا .
‎وأيضا فبين أن الاعتقاد الذى يقابل الوجود بالحقيقة هو الاعتقاد الذى

[Page 121] ‎يكون فى الشئ الذى منه يكون الكون – وهو السلب . وذلك أن الكون إنما
‎يكون من غير موجود إلى موجود ، والفساد من موجود إلى غير موجود. [90] ‎وأما الاعتقاد الذى يكون فى الأشياء التى فيها الاستحالة – وهو ‎
‎التغير الذى يكون من الأضداد – فهو أقل ضدية فى الاعتقاد ، إذا كان العدم
‎أشد مقابلة للموجود من الضد للضد لأن الضد موجود ما . ولذلك ليس يكون
‎التكون من موجود إلا بالعرض . وأيضا فإن العقد الذى يكون بالسلب يقتضى
‎رفع الاعتقاد الموجب بذاته ، إذ كانت ماهية السلب إنما تقتضى ارتفاع
‎الايجاب الذى هو محاك للشئ الموجود . وأما اعتقاد ضد المحمول فى الشئ
‎الذى اعتقد فيه وجود المحمول ، فليست تقتضى ماهيته رفع الإيجاب إذ كان
‎ليس حدوث الضد فى الموضوع يقتضى بجوهره رفع ضده المقابل له ، وإنما
‎هو شئ يعرض عن حدوثه فى الموضوع – أعنى أن يرتفع الضد بحلول الضد
‎الآخر فيه . مثال ذلك أن ارتفاع الحرارة عن الماء بحلول البرودة فيه هو منسوب
‎إلى البرودة بالقصد الثانى أو بالعرض . وذلك أن الارتفاع هاهنا إنما هو حادث
‎عن وجود الارتفاع فى السلب إنما هو ارتفاع حادث عن السلب بالذات .
‎والذى يلزم عنه ارتفاع الإيجاب بالذات هو أحرى بالضدية الموجودة فى
‎الاعتقاد من الذى عنه يكون الارتفاع بالعرض أو بالقصد الثانى ، وهو أتم مضادة
‎وأشد . فإن كان الضدان هما المختلفان اللذان فى غاية الاختلاف وكانت المضادة

[Page 122] ‎التى فى الذهن للشئ الموجب من قبل النقيض أشد من المضادة التى تكون له
‎من قبل اعتقاد ضده الموجود خارج النفس ، فمن البين أن اعتقاد النقيض هو ‎
‎الاعتقاد المضاد للإيجاب بإطلاق وأيضا فإن الاعتقاد فى الشئ الذى هو خير أنه
‎شر هو اعتقاد يلزمه اعتقاد آخر – وهو أنه ليس بخير . وأما الاعتقاد فيما هو خير
‎أنه ليس بخير فليس يلزمه اعتقاد آخر – أعنى أنه شر . ولو كان ذلك كذلك
‎لما وجد اعتقاد مضاد فى الأشياء التى ليس لها ضد .
[91] ‎فإذن اعتقاد السلب هو أعم مضادة للإيجاب من اعتقاد الضد ،
‎وهو المضاد بذاته إذ كان يوجد للأشياء التى لها ضد والتى ليس لها ضد ،
‎فإنه يجب أن يكون الاعتقاد الذى هو ضد بالطبع للإيجاب هو الاعتقاد الموجود
‎مضادا فى كل موضع لا فى موضع دون موضع . فالاعتقاد العام الذى هو فى كل
‎/ موضع وبذاته مضاد هو أشد مضادة من الاعتقاد الذى هو فى موضع دون موضع ،
‎إذ كان العام متقدما بالطبع على الخاص . ولذلك إذا وجد الخاص وجد العام ،
‎وليس ينعكس ذلك – أعنى إذا وجد العام أن يوجد الخاص . فإن كان المضاد
‎فى الاعتقاد لما ليس له ضد هو السلب ، فواجب أن يكون المضاد فى كل موضع
‎هو السلب – أعنى الذى فى الغاية .
[92] ‎وأيضا فإن العقد فيما هو خير أنه خير والعقد فيما ليس بخير أنه ليس
‎بخير هما اعتقادان صادقان ، والعقد فيما ليس بخير أنه خير أو فيما هو خير أنه ليس
‎بخير هما اعتقادان كاذبان . فأى عقد – ليت شعرى – هو المضاد لاعتقادنا
‎فيما ليس بخير أنه ليس بخير – الذى هو عقد صادق – فإنه لا يخلو ذلك من ثلاثة
‎أحوال . أحدها أن يكون المضاد له اعتقاد ضده – وهو العقد فيما ليس بخير أنه
‎شر . والثانى أن يكون المضاد سلب الضد – وهو الاعتقاد فيما ليس بخير أنه

[Page 123] ‎ليس بشر . والثالث أن يكون المضاد للاعتقاد فيما ليس بخير أنه خير . فأما
‎اعتقاد ضده ، فليس بضد له فى الاعتقاد . وذلك أنه قد يمكن أن يصدقا معا ،
‎فإن كثيرا من الأشياء مما ليست بخير هى شر . وأما اعتقاد سلب ضده ، فليس
‎أيضا باعتقاد مضاد له إذ كان قد يصدقان معا على شئ واحد – فإن الخط
‎يصدق فيه أنه ليس بخير ولا شر ، وبالجملة ما ليس شأنه أن يتصف بواحد من
‎هذين الضدين . وإذا كان ذلك كذلك فالاعتقاد المضاد لاعتقادنا فيما ليس بخير
‎أنه ليس بخير هو اعتقادنا فيما ليس بخير أنه خير . وإذا كان الاعتقاد الذى فى غاية
‎المضادة لاعتقادنا فيما ليس بخير أنه ليس بخير هو اعتقادنا فيه / أنه خير ، فإذن
‎المضاد الذى فى الغاية من التباين لاعتقادنا فيما هو خير أنه خير هو اعتقادنا فيه أنه
‎ليس بخير ، لا اعتقادنا فيه أنه شر ، لأنه إن كان الإيجاب هو المضاد الذى فى الغاية
‎للسلب فواجب أن يكون منه فى غاية البعد . وإذا كان ذلك كذلك وكان الضد
‎إنما له ضد واحد ، فالمضاد للإيجاب الذى فى الغاية هو السلب . [93] قال : ولا فرق فى هذه المثالات التى استعملناها هنا من القضايا
‎المتضادة من جهت السلب والإيجاب بين أن يلفظ بالموضوع فيها معروفا بالألف واللام
‎أو يلفظ به مسورا بالسور الكلى ، فإن الألف واللام قد قلنا إنها قد تدل على ما
‎يدل عليه السور الكلى . فلا فرق على هذا المفهوم أن نقول إن ضد العقد فيما
‎هو خير أنه ليس بخير أو نقول إن ضد العقد فى كل ما هو خير أنه ولا واحد منه
‎خير . وذلك أن الإيجاب والسلب – الذى هو الاعتقاد المضاد – إنما يوجد
‎ فى النفس للمعنى الكلى .

[Page 124] [94] ‎فإن كان ما يخرج باللفظ دليلا على ما فى النفس من الاعتقادين
‎المضادين ، فمن البين أن ضد الإيجاب فى اللفظ إنما هو السلب فى اللفظ لذلك
‎المعنى الكلى بعينه الذى دل عليه الإيجاب إذا دل على ذلك المعنى الكلى فى الإيجاب
‎والسلب باللفظ الكلى – وهو السور . ومثال ذلك أن ضد قولنا كل إنسان خير
‎قولنا ولا إنسان واحد خير ، ونقيضه ليس كل إنسان خيرا .
[95] ‎وهو بين أن الاعتقادات التى قيل فيها هاهنا إنها متضادة أنه ليس
‎يمكن أن تكون الاعتقادات الصادقة ، إذ كان ليس يمكن أن يكون حق ضدا
‎لحق ولا اعتقاد حق لاعتقاد حق ولا لفظ مناقض للفظ إذا كان كلاهما
‎يدلان على معنى هو فى نفسه حق ، بل الاعتقادات المتضادة إنما هى فى المتقابلات
‎بالإيجاب والسلب ومن تلك فى المتناقضة وفى المتضادة فى المادة الضرورية . وذلك
‎أن كثيرا من المتقابلات قد يمكن فيها – كما قيل – أن تصدقا معا – وهى
‎المهملات وما تحت المتضادين . وأما المتضادة ، فليس يمكن فيهما أن
‎يصدقا معا فى شئ واحد بعينه ولا يمكن فيهما أن يكذبا معا فى المادة الضرورية
‎/ إذ كان لا يتعرى الموضوع منهما .

[Page 125] [96] ‎وهنا انقضى تلخيص المعانى التى تضمنها هذا الكتاب بإنقضاء المعانى
‎التى تضمنها هذا الكتاب .