[Back to Page][Download]

DARE.fulltext: FT27

Averroes, Šarḥ kitāb al-burhān (شرح كتاب البرهان), ed. Badawī.

[Page 157] 

 [١ب] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على جميع الأنبياء

استفتاح


قال الفقيه الأجل :

الغرض في هذا القول شرح « انو لو طيقي الثانية » ، وهو المعروف بكتاب

« البرهان » ، إذ لم يقع إلينا لأحد من المفسّرين فيه شرح على اللفظ .

ولنستفتح ذلك ، على عادتهم ، بذكر طرفٍ من غرض الكتاب ، وأجزائه ،

ومرتبته ، ومنفعته - فنقول :

أما غرض الكتاب فهو النظر في البراهين والحدود . أما البراهين فإنه ينظر منها

في الأشياء التي تتنزل منها منزلة المواد ، وهي بالجملة : المقدمات اليقينية . وذلك أنه

لما كان البرهان يلتئم من شيئين : أحدهما المقدمات ، وهو الذي ينزل فيه منزلة المواد

والثاني : تأليفه وهو الذي يتنزل منه منزلة الصورة - وكان قد تكلم في الشيء الذي

يتنزل منه منزلة الصورة في كتاب «القياس» - شرع هاهنا فتكلم في الشيء الذي بقى

علـ من معرفة القياس البرهاني ، وهو أمر المواد التي يأتلف منها . ولذلك سمىّ

الكتاب باسم واحد . وقد قيل في شرح كتاب القياس ما معنى « أنولو طيقى » ،

وأنه : التحليل بالعكس . وقيل هناك ما هو التحليل بالعكس ، أي التحليل الذي

هو عكس التركيب .

وهو ينظر من هذه المقدمات في تقدير أصنافها والأوصاف التي إذا اعتبرت

[Page 158] 

 فيها أمكن أن تفضي الإنسان الى اليقين . وليس ينظر فيها من حيث هي أحد

الموجودات ، وإنما ينظر من جهة ما هي مفضية بالإنسان إلى اليقين التام والتصور

التام .

 والفصول الأخيرة التي تنقسم إليها أنواع البراهين من قبل المواد هي الفصول

الموجودة في البراهين من جهة ما هي مُعَرّفة لغيرها ، ونافعة في وقوع التصديق بها ،

لا الفصول الموجودة لها من جهة أنها أحد الموجودات ، كما نجد أبا نصر صنع ذلك

في كتابه . ولذلك التبس على أهل زماننا النظرُ في البرهان ، وظُنّ أن ما أتى به أبو

نصر هو شيء قد نقص أرسطاطاليس . وقد بينا نحن هذا المعنى في مقالة

مفردة .

نعم ! وهو إذا نظر في المقدمات وأحصى شروطها ، فإنما ينظر فيها من حيث

هي حدود < وبقول عام > من حيث هي مفضية الى التصور التام . فهذا هو

الجزء الأول من أجزاء هذا الكتاب ، وهو المكتوب في المقالة الأولى .

 وأما الحدود فينظر منها هاهنا في أصنافها وفي الأمور التي منها تتقوم الحدود

وذلك أنه ليس يوجد في الحدود [ ٢ أ ] شيء يتنزل منزلة الصورة والأمر العام ،

وشىء يتنزل منزلة المادة والأمر الخاص ، وأن النظر فيها ينقسم إلى جزئين كالحال في

البرهان : أعني مشتركاً للصائع كلها وخاصاً بهذه الصناعة . ومن ظن أنه يوجد في

الحدود جزء عام مشترك شأنه أن يقدم على النظر في الحدود الخاصة بصناعةٍ صناعةٍ - فقد

غلط ذلك غلطاً كبيراً ، كما نجد أبا نصر يظن ذلك . ولذلك عدّ « ايساغوجي » من الجزء

المشترك من المنطق . وهو أيضاً ليس ينظر في الحدود من حيث هي أحد الموجودات ،

[Page 159] 
 
بل إنما ينظر فيها من حيث هي معطية التصور التام بحسب طبيعة موجودٍ موجود .

 ويشبه أن يكون ليس نظره في هذين الصنفين ، أعني البراهين والحدود ، في

هذا الكتاب ينتهي به الى فصوله الخاصية الأخيرة بحسب صناعة صناعة ، لأن الذي

يخص من ذلك صناعةً صناعةً جرت عادته أن يصادر بذكره في تلك الصناعة ، مثلما

فعل في « السماع الطبيعي » والحادية عشرة من « الحيوان » . وإنما يذكر ها هنا
الفصول العامة والقريبة من الأخيرة ، ويترك الأخيرة إلى تلك الصنائع . ولذلك لم
يُفرد أرسطو في هذا الكتاب جزءاً على حدة يتضمن كيفية استعمال الصنائع هذه
البراهين والحدود ، كما فعل أبو نصر . وأنما ذكر من ذلك ما عرض له أن يكون من
الفصول الُأول للبراهين والمقدمات .
ولا أرى أيضاً أن النظر في أصناف المخاطبات البرهانية مما يحتاج أن يُفرد
بقول ، لأنه ليس للبراهين والحدود فصول من هذه الجهة إلاّ أن تكون نزرة ومما
ليست تستحق أن يفرد لها قول ، وإنما شأنها أن تذكر في أثناء تلك الأجزاء الأول .
ولذلك لم يقسم النظر في كتابه إلى أربعة أجزاء ، كما فعل أبو نصر .

فهذا هو غرض الكتاب ، وهذه هي موضوعاته التي ينظر فيها .
وأما أجزاؤه الأول فهي جزآن ، كما قلنا : الأول : الناظر في البرهان ، وهو
الذي تحتوي عليه المقالة الأولى من هذا الكتاب . والجزء الثاني : الناظر في الحدود ،
وهو الذي تحتوي عليه المقالة الثانية .
وأما المقالة الأولى فإنها تنقسم الى أجزاءٍ صغار ، وكذلك الثانية . ونحن فرأينا
أن الارشاد إلى جزء جزء منها عند الشروع في شرحها وانفصاله مما قبله - مُغنٍ عن
تعديدها هاهنا وأقرب إلى الاختصار وترك التطويل ، من قِبل أنها ليست تدخل على
ترتيب تحت أجناس عامة ، بل يتكلم في الجنس منها في أكثر من موضع واحد

[Page 160] بضرورة التعليم . ومن شاء أن ينتزعها من تلك المواضع ويعددها في أول كل مقالة فليفعل .

وأما منفعته فهي المنفعة الأولى من منافع علم المنطق ، وهو الوقوف على الحق
[٢ ب ] < في كل الأمور > ، وقد قيل في هذه المنفعة في غير ما وضع .

وأما مرتبته فهو بعد < كتاب > القياس ولا بد ، لأسباب ثلاثة : أحدها أن
العام أعرف من الخاص ، والواجب في ترتيب التعليم أن يقدم الأعرف ، كما الواجب
في استنباط المطلوب ، أعني أن نصير في استخراجه من الأعرف إلى الأخفى . وإنما
كان الكلي عندنا أعرف من الجزئي ، أعني من الأقل كليةً ، لأن الكلي يشبه الجملة
المركبة ، والجزئي يشبه الأجزاء . وكما أن الجملة المركبة أعرف عندنا من أجزائها ،
كذلك الأعمّ عندنا أعرف من الأخص ، لأنه يحتوي على أشياء خاصية كثيرة ، أو
جزئية ، أو كيف شئت أن تسميها . وقد بين هذا أرسطو غاية البيان في أول
« السماع » .

أما السبب الثاني : فهو أن النظر الذاتي إنما يكون بأن ينظر في الأمر الكلي من
حيث هو موجود في موضوعه الكلي ، لا في موضوعاته الجزئية . مثال ذلك أنه إن رام
أن يُبيّن أن الزوايا المساوية لقائمتين موجودة للمثلث المختلف الأضلاع ، كان نظره
غير ذاتي ، أعني أن مقدماته التي بها يتبين ذلك تكون غير أُولٍ ولا محمولة من طريق
ما هو - على ما سيظهر من هذا الكتاب فيما بعد . فمن رام أن يبين أن القول المؤلف
من مقدمتين يقينيتين هو قول قياسيّ - هو كمن رام أن يبين أن المثلث المختلف
الأضلاع أو المتساوي الساقين مساوية زواياه لقائمتين . وذلك أنه كما أن مساواة
الزوايا لقائمتين ليست موجودة للمثلث المختلف الأضلاع من طريق ما هو مختلف
الأضلاع ، بل من طريق أنه مثلث ، كذلك وجود التأليف القياسي للمقدمتين

[Page 161] اليقينيتين ، أعني المنتج ليس هو لها من طريق أنهما يقينيتان ، بل من طريق انهما
مقدمتان فقط . فهذا هو السبب الثاني .

وأما السبب الثالث : فالا يلحق في التعليم التكرار . وذلك أن المستعمل لهذا
النحو من التعليم يلحقه أن يبين هذا المعنى بعينه للمقدمتين اليقينيتين على حدة ،
ولغير ذلك من أصناف المقدمات ، أن وجدت مقدمات أخر ، يُستعمل القياس
الصحيح الشكل غير هذين الصنفين من المقدمات .

وأما تقديمه على سائر الكتب الخاصّية ، أو تأخيره ، فليس هنالك شيء يوجبه
من طريق التعليم ، لكن لمكان الأفضل ، أعني أن الأفضل تقديمه إذ كان هو المقصود
أولاً من الجزء المشترك ، وغيره مقصوداً ثانياً . ولذلك ما استفتح أرسطو كتاب
  
 «القياس » ، بأن أعلم أن قصده منه هو هذا الكتاب في قوله : « فأما ما عنه الفحص
فالبرهان » . فجعل الفحص عن القياس من أجل الفحص عن البرهان. [ ٣ أ ]
وقد ظن قوم أنه كما أن الأفضل في الفحص عن الشيء المجهول أن يتقدم أولاً
فيفحص عن طريق الجدل ، ثم يرفق ذلك بالفحص البرهاني ، كذلك الأفضل في
التعلم أن يبدأ بكتاب الجدل بعد الجزء المشترك ، ثم يرفق بكتاب البرهان . والذي
ظنوه توهم ، فإنه ليس كما أن من الأفضل أن يتقدم تعريف قوانين المقدمات المشهورة
قبل تعريف قوانين المقدمات اليقينية ، فإن صفات المقدمات اليقينية التي يُسبر بها هي
غير صفات المقدمات المشهورة التي يُسْبَر بها ، فإن سبار المشهور الشهادات وأنواعها
بحسب أنواع الشهادات ، وسبار اليقينية أحوال أخر ، مثل أن تكون ذاتية وغير ذلك
مما قيل . ولذلك أيضاً ليس في تعريف سبارات المقدمات المشهورة ضرب من العموم
لسبارات المقدمات اليقينية ، حتى تكون إذا عددت سبارات المقدمات المشهورة فقد
عددت بالقوة سبارات المقدمات اليقينية ، فإن سيارات تلك غير سبارات هذه . وقد

[Page 162] غلط ابن سينا في هذا غلطاً بيناً ، فإنه زعم أن لتقديم الجدل على صناعة البرهان
وجهاً ، من جهة أن المقدمات المعقولة الُأوَل يعرض لها أن تكون مشهورة ، وليس
ينعكس هذا ، فواجب أن تقدم لموضع العموم الموجود فيها . وهذا إنما كان يصح
لو كان القصد من كتاب « البرهان » تعديد المقدمات المعقولة واحصاؤها وليس
القصد هذا ، وإنما القصد إعطاء العلامات والسبارات المعرّفة لها . وكذلك ليس
القصد من كتاب « الجدل » إحصاء المقدمات المشهورة ، وإنما القصد إعطاء
العلامات التي يميز بها ، وهي غير علامات المقدمات المعقولة . فأيّ منفعة - ليت
شعري ! - في علم سبارات المقدمات المعقولة أن يتقدم المرء فيعلم سبارات المقدمات
الجدلية ؟ ! هذا لو سلمنا أن كل معقول مشهور ، ونحن نجد مقدمات كثيرة معقولة
غير مشهورة ، وهي التي تُسمى التجريبية . ولكن هذا شأن هذا الرجل في قلة
تثبتة وحكمه على الأشياء .

وبالجملة ، فتقدم معرفة المقدمات الجدلية على المقدمات المعقولة غير تقدم
سباراتها على سبارات < هذه الأخيرة . وقد يمكن > أن يقال أنه لا يعرف القوانين التي
تفيد المقدمات المشهورة بالحقيقة إلاّ من عرف نقصانها عن القوانين اليقينية ، أعني
التي تفيد المقدمات اليقينية . وليس يتأتى ذلك إلاّ لمن عرف اليقينية . فكأن تقدم
معرفة القوانين التي تفيد اليقينية شيء واجب في معرفة جوهرها ، أعني التي تفيد غير
اليقينية لأنها إنما تفيد ظناً ، والظن إنما يحدّ من جهة ما لحمه من عدم اليقين . وأما
اليقين فليس يحتاج في حدّه الى أخذ حدّ الظن فيه ، كالحال في الملكة والعدم . فإن
العدم ليس يمكن فيه أن يتصور إلا بالإضافة [٣ ب ] < الى الملكة . أما > الملكة

[Page 163] فليس يحتاج في معرفة جوهرها أن تتصور بالإضافة إلى العدم . < فهي إنما > تؤخذ من
حيث هي كاملة ، والعدم ناقص ، وبالجملة من حيث هي ملكة ، أعني من حيث
هي مضافة . ولذلك لنا أن نقول أيضاً إن معرفة نقصان السبارات المشهورة عن
اليقينية فيما تفيده مما يكمل العلم باليقينية . لكن الفرق بين الكمالين أن هذا الكمال
لليقينية ليس في جوهرها . وأما الكمال الذي يحصل في معرفة المشهورة من قِبل
معرفة اليقينية فيشبه أن يكون كمالا في جوهرها أو قريباً من جوهرها ،
وأنت تتبين ذلك من حد العلم والظن ، فإنا نقول إن الظن هو علم ناقص . وليس
يسوغ لنا أن نقول إن العلم ظن تام إلاّ على جهة الاستعارة واستعمال الأسماء
الشعرية . وكيفما كان الأمر ، فبالواجب أن نبدأ بالمتشوق إليه بالطبع ، وهو الأشرف
بالطبع ، وهو معرفة البرهان .

فقد تبين من هذا القول غرض هذا الكتاب ، ومنفعته ، ومرتبته ، وأجزاؤه .
وذلك ما قصدنا الاستفتاح به على عادة القوم .

فأما اسمه ومَن واضعه فمعلوم مما قاله في استفتاح كتاب « القياس » . وأما
نسبته إلى سائر أجزاء هذه الصناعة فنسبة الرئيس إلى المرءوس والغاية إلى ما قبل
الغاية . أما نسبة الجزء المشترك فنسبة ما قبل الغاية إلى الغاية ، وهي بجهةٍ ما - نسبة
المرءوس إلى الرئيس . وأما نسبته إلى سائر الصنائع الخمس فنسبة الرئيس إلى
المرءوس على الحقيقة ، والمخدوم إلى الخادم . وذلك أن تلك إنما استنبطت لتخدم
العلم البرهاني الحاصل عن هذا الجزء ، وذلك إما أن تقنع فيه بالاقناع الجدلي أو
الخُطبي ، أو تُخَيل فيه بالتخيل الشعري .

وقد ينبغي أن نشير بعد هذا إلى شرح شيء مما يقوله في هذا الكتاب ،
مستعينين بالله عز وجل ، وسائلين التوفيق والتسديد للحق منه .

[Page 165]

١ - < نظرية البرهان >

قال ارسطاطاليس :
[71a ]* « كل تعليم وتعلم ذهني إنما يكون من معرفة متقدمة الوجود .
وهذه القضية يظهر لنا صدقها بالاستقراء . وذلك أن العلوم التعاليمية إنما يوقف
على مطالبها بهذا الوجه ، وكذلك كل واحدةٍ واحدةٍ من الصنائع البواقي . وعلى هذا المثال
يجري الأمر فيما يقع التصديق به بالقول ، أعني بالقياس والاستقراء . فإن سائر ما
يدرك بهذين الطريقتين أنما يدرك بأشياء يتقدم علمها : فالشيء الذي يعلم بالقياس
إنما يقع < العلم > به بعد أن يتقدم العلم بالمقدمات . والمقدمة الكلية التي تظهر
بالاستقراء إنما يمكن إظهارها بالاستَقراء [٤ أ ] بعد أن يتقدم عندنا ظهور سائر
الجزئيات . والخطباء إنما يمكنهم أن يأتوا < بأحكام مقنعة > بأن يتقدموا
فيستقرئوا ويوردوا الأمثلة ، أو بأن يأتوا بالمقاييس المضمرة . »
التفسير
هذه القضية ، كما يقول أبو نصر ، تحتوي بموضوعها على جميع ما في هذا
الكتاب . وذلك أن قوله : « كل تعليم وكل تعلم ذهني » تدخل تحته جميع أصناف
المطالب التي على طريق التصديق والتي على طريق التصور . وقوله : « إنما تكون عن
معرفة متقدمة » تدخل فيه جميع أصناف المقدمات وجميع أصناف أجزاء الحدود
الفاعلة للتصور . وليس في هذا الكتاب شيء غير أصناف المطالب وأصناف
المقدمات . بل يمكن أن تكون هذه القضية تعم الصنائع المنطقية الخمس ، وأصناف
الحدود ، وأجزاء الحدود .

[Page 166] وقوله : « ذهني » استعمله بدل قوله : « وكل تعلم بقول » - لأن التعليم منه
ما يكون بقول ، ومنه ما يكون بفعل ، وهي الصنائع التي تتعلم بالاحتذاء . ونعني
بقولنا : « بقولٍ » أي بحجة . وبهذا يفارق تعليم التقليد فإنه تعليم بغير حجة .

وأما ثامسطيوس فيجعل هذه القضية عامة في الصنائع والعلوم ، أعني
الصنائع التي تتعلم باحتذاء . وذلك أنه يقول أن الذي يتعلم البناء إنما يمكنه تعلمه
من معلمه بعد أن يكون قد تقدم فعرف الطين والحجارة وسائر ما يصفه له ويشير له
إليه معلمه . وهذا الذي قاله لم يقصده أرسطو . وأيضاً فإنه ليس بصحيح من جميع
الوجوه ، لأن المتعلم الأصم الأخرس يمكنه أن يتعلم صناعة البناء بالاحتذاء ومحاكاة
فعل المعلم ، من غير أن يتقدم عنده علم ، كما يفعل كثير من الحيوانات التي تقبل
التعليم . وإنما القضية صادقة وضرورية في الأشياء التي تتعلم بقياس . نعم إذا تقدم
المتعلم فعرف أسماء الأشياء التي في الصناعة التي يتعلمها على طريق الاحتذاء من
معلمه ، كان اسهل لتعليمه ، لأنّ ذلك شيء ضروري كالحال في التعليم الذي
يكون بالقول .

وقد ينبغي أن ينظر من هذه القضية فيما يقوله أبو نصر وغيره من أنها عامة
للتصديق الحاصل والتصور ، فإن ظاهر كلام أرسطو ومثالاته التي استعمل في ذلك
هى من مواد التصديق ، لا من مواد التصور . وعلى هذا المعنى نجد ثامسطيوس قد
لخص هذا الموضع ، وهل تتضمن المعرفة أيضاً المعرفة الموطئة للتصديق والتصور مع
المعرفة الفاعلة لهما ، أم إنما قصد المعرفة الفاعلة فقط فنقول : أما أن غرضه على
القصد الأول في هذه القضية إنما هو تبيين وجوب تقديم المعرفة الفاعلة للتصديق
نفسه - فذلك [٤ ب] < بَيَن من الأمور التي > استقرى في تصحيحها ، وذلك أنه لم
يستقر فيها شيئاً من الأشياء الفاعلة < للتصور > وقد يظن أنه عدد منها من

[Page 167] الأشياء الموطئة للتصور والأشياء الموطئة للتصديق . وأيضاً فإن نحن جعلنا الأشياء
الفاعلة للتصور داخلة تحت هذه القضية ، كانت قضية مشتركة . وذلك أنه ليست
جهة فعل المقدمات الُأول للتصديق بالنتيجة المجهولة بالطبع وتيقننا بها من قبل
المقدمات الأول المعلومة بأنفسها هي بعينها جهة فعل أجزاء الحدود للتصور المجتمع
من الحدود ، وذلك أن كليهما ليس السير فيه من الأعرف الى الأخفى على مثال
واحد . وذلك أن المقدمات قد تكون معلومة بالطبع والنتيجة مجهولة . وإذا ألفنا
المقدمات ، حصلت النتيجة عنها معلومة .

وأما أجزاء الحدود ، فليس يمكن أن تكون عندنا معلومة بعلم أول ، وتكون
الحدود مجهولة عندنا على مثال ما يكون في المقدمات مع النتيجة . بل إذا كانت عندنا
معلومة إمّا بنفسها وأما بقياس ، كان الحدّ معلوماً بنفسه وإن كان قد يتفق أن يكون
اقل ظهوراً . ولذلك يحتاج في أمثال هذه الحدود الى استنباطها بطريق القسمة وطريق
التركيب . وهذا أحد ما يقول أرسطو من قِبَله أنه ليس على الحد برهان ، أي على
وجوده للمحدود إذا كان المحدود معلوم الوجود ، والحد مجهولاً . وذلك أن الحد
إذا كان مجهولاً بالطبع ، والمحدود معلوم الوجود ، فإنما يلزم تصوره على البرهان
بضرب من العرض ، لأن البرهان إنما يعطى بالذات التصديق بأجزاء الحد ، على
جهة ما يعطى المعروف بنفسه التصديق بالمجهول بالطبع وبنفسه . وأما أجزاء الحدود
فإنما تعطى الحدود ، لا على جهة ما يعطى المعلومُ التصورِ بنفسه المجهولَ التصورِ
بنفسه . فإنه ليس يوجد في التصور هذا النوع من الطريق ، أعني أن يصار فيه من
التصور المعلوم بنفسه إلى التصور المجهول بالطبع حتى يستنبط المجهول منها من
المعلوم . فإنه لو كان ذلك ، لما احتيج في الحدود المجهولة بالطبع إلى استعمال
القياس في استنباطها .
وسنقف على هذه المعاني كلها - إن شاء الله - في المقالة الثانية . ولذلك ليس
يُلفى في الحدود مصادرة على الإطلاق ، كما يتوهم ذلك كثير من الناس ، بل إن
وجدت فيها مصادرة فمن جهة التقدم والتأخر في الوجود ، أعني أنه يصير المتقدم

[Page 168] متأخراً والمتأخر متقدماً ، مثل من يأخذ النهار في حدّ الشمس ، والشمس في حد
النهار ، لا من جهة تبيين المجهول بالمجهول .

وإذا كانت المعرفة المتقدمة على التصديق ، أعني الفاعلة له ، ليس يقال لها
فاعلة على نحو ما يقال في المعرفة للتصور إلاّ باشتراك الاسم ، فبيّن أنه ليس ينبغي
أن يعتقد أنه تشملها قضية واحدة . وهذا كله [ ٥ أ ] مما يوجب عندي ألا يحمل قول
أرسطو هاهنا إلاّ على المعرفة < الفاعلة للتصديق ومعاني > الأسماء وبخاصة
المفصلة وكذلك شك مانن الذي يأتي بعد . وقوله :« وكذلك < كل واحدة
واحدة > من الصنائع الباقية » - يعني سائر العلوم النظرية . وثامسطيوس يفهم
عنه العملية ، وهو كما قلنا .

وقوله : « وعلى هذا المثال يجرى الأمر فيما يقع التصديق به بالقول ، أعني
بالقياس والاستقراء » - يريد : وعلى هذا المثال يلفى الأمر بالجملة في كل ما يقع
التصديق به بالقول بالإطلاق ، برهانياً كان أو غير برهاني ، يعنى به باقي الصنائع
الخمس ، إذ أنه إنما يكون العلم الحاصل فيها من معرفة متقدمة . وذلك أنه لما تبين
أن الأمر يظهر أنه كذلك في العلوم النظرية بالاستقراء ، قال أنه بيّن أنه كذلك أيضاً
في جميع ما تقع فيه حجة وقول . ويعني هاهنا بالاستقراء شيئاً يعم الاستقراء
والمثال . وذلك أنه على هذا يصدق أن كل ما يُتعلم بقولٍ - أعني يقع التصديق به
فإنما يكون ذلك باستقراء أو قياس ، فيأتلف القياس هكذا :
كل ما يُتعلم بقولٍ فإنما يتعلم بقياس أو استقراء .

وكل ما يتعلم بقياسٍ أو استقراء فإنما يتعلم من معرفة متقدمة .

أما ما يعرف بالقياس : فبالمقدمات ، وهي المتقدمة فيه بالمعرفة . وأما ما يعرف

[Page 169] بالاستقراء فبالجزئيات وهي المتقدمة عليه في المعرفة .

وقوله : « والمقدمة الكلية التي تظهر بالاستقراء إنما يمكن إظهارها
بالاستقراء » - يريد : وأما المقدمة الكلية التي يلتمس تصحيح كليتها بالاستقراء ،
فإنما يمكن ذلك فيها باستقراء الجزئيات المعروفة قَبلُ غير المستقرى ،أعني قبل معرفة
الكلية التي تصح بالاستقراء . أما أن كانت الكبرى ، فإنها تستعمل في الجدل . وأما
إن كانت الصغرى ، فقد تستعمل في العلوم إذا كان استقراءً يفيد اليقين .
والقياس أيضاً في قوله : « أعني بالقياس والاستقراء » - ينبغي أن يفهم منه
شيء يعم القياس والضمير ، أعني القياس الخُطبي ، كما قلنا إنه يجب أن يفهم من
قوله « الاستقراء » شيء يعم الاستقراء الجدلي والمثال . ولذلك قال : « والخطباء إنما
يمكنهم أن يأتوا بأحكام مقنعة بأن يتقدموا فيستقروا ويوردوا الأمثلة ، أو بأن يأتوا
بالمقاييس المضمرة » - يعني بأن يوردوا الأمثلة المعروفة عند السامعين لإقناعهم ،
المعروفة المقدمات أيضاً عندهم والمعروفة الشكل .

قال أرسطاطاليس :
« ومما يجب أن يتقدم فيعرف من الاضطرار فهو على ضربين : أحد الضربين
هو أن بعض الأشياء يحتاج الى أن يُعلم من أمرها أنها موجودة . والضرب الآخر هو
أن بعض الأمور الأولى فيها أن ننظر على ماذا يدل اسمها . وبعض الأمور تحتاج أن
تُعلم من الوجهين جميعاً ، مثل القضية القائلة : على كل شيء يصدق الإيجاب أو
السلب ، فإنه [٥ ب ] < يحتاج إلى > أن يعلم من أمرها أنها موجودة ، والمثلث
المتساوي الأضلاع يحتاج الى أن يُعلم من أمره الوجهان جميعاً : على ما يدل اسمها ،
وأنها موجودة . وذلك أن العلم بأن الشيء موجود والعلم على ما يدل اسمه ليس هما
على مثالٍ واحد . »

[Page 170] 
التفسير
إنه لما عرف أن كل علم وكل تعلمُّ فإنما يكون عن معرفة متقدمة ، وكانت هذه
المعرفة المتقدمة الفاعلة هي المعرفة بالمقدمة والأوائل التي ينبني البرهان عليها - أخذ
يعرف الأنحاء التي يجب أن تتقدم معرفتها من أمر الأوائل التي هي مبادئ
البرهان ، فقال : « وما يجب أن يتقدم فيعرف من الاضطرار فهو على ضربين »
يريد : وما يجب أن يتقدم فيعرف من أمرها صدق وجودها ، وهذه هي القضايا
الواجب قبولها ، أعني المعروفة بالطبع مثل القضية القائلة إن كل شيء إنما يصدق
عليه الايجاب أو السلب . وبعضها يجب أن يعرف من أمرها على ماذا يدل اسمها فقط ،
وتلك هي الأشياء - التي إذا شرح ما يدل عليه أسماؤها عادت حدوداً ، وذلك مثل ما
يفعله ، في صدر كتابه ، المهندس من حد الدائرة والمثلث وغير ذلك ، فإنه شبيه أن
تكون الأقاويل الشارحة لأمثال هذه الأشياء التي إذا فُهمت عادت حدوداً لها ، لأن
الوجود فيها معروف بنفسه. وبعضها يجب أن يجتمع فيه الأمران جميعاً ، وهو ضربٌ
ثالث مركب من الضربين البسيطين ، أي ينبغي أن يتقدم فيعرف من أمره أنه
موجود ، وعلى ماذا يدل اسمه ، مثل الوحدة التي هي موضوع العدد . فإنه إذا أراد
أن ينظر ناظر في العدد ، فيجب أن يتقدم فيعرف على ماذا يدل عليه اسم « الوحدة »
أولاً ، وأن ذلك المعنى هو شيء موجود ، وسواء كان الوجود فيها معلوماً بنفسه أو
متسلماً من صناعات أُخر ، فإن موضوعات الصناعات تُلفى بهذه الثلاثة أقسام :
بعضها تحتاج إلى أن يُعلم من أمرها أنها موجودة فقط ، وبعضها تحتاج إلى أن يُعلم
من أمرها على ماذا يدل اسمها فقط إذا كان الوجود لها معروفاً ، وبعضها تحتاج أن
يُعلم منها الأمران جميعاً .

وكذلك المقدمات : بعضها تحتاج أن يعلم من أمرها أولاً صحة وجودها ،
وبعضها تحتاج أن يعلم من أمرها على ماذا يدل اسمها ، وبعضها على الأمرين
جميعاً . فأرسطو أتى بمثالٍ واحد من هذه الثلاثة ضروبٍ من المقدمات ، وهو الذي 

[Page 171] يحتاج أن يعرف من أمره أنه موجود فقط حين قال : « مثل القضية القائلة : على كل  
شيء يصدق الايجاب أو السلب وأتى بمثال [ ٦ أ] الضربين الآخرين من  
الموضوعات . وإنما قال على ضربين وعدد < ثلاثة لأن الضرب > الثالث  
هو مركب من الاثنين ، والبسيطة هي اثنان . وثامسطيوس < يرى أن > هذه  
المعارف المتقدمة التي عددها أنها أنحاء يجب أن تتقدم في المطلوبات أنفسها ، لا في  
الأوائل التي يبنى عليها البرهان . فيقول إن بعض المطالب تحتاج أن يعلم من أمرها أنها  
موجودة . وحينئذ يطلب المجهول فيها ، وهي جميع الأشياء التي تطلب أسبابها على  
ما سيأتي بعد . وبعضها تحتاج أن يعلم من أمرها على ماذا يدل الاسم ، أعني القول  
الشارح له ، وحينئذ نطلب : هل هي موجودة ، أو غير موجودة ؟ مثل أن الذي  
يطلب هل الخلاء موجود ، أو غير موجود - فيجب أن يتقدم فيعرف على ماذا يدل  
اسم الخلاء . والذي قاله صحيح . وينبغي أن يفهم هذا في المقدمات أولاً ، وفي  
موضوعات الصنائع ثانياً ، وفي المطالب ثالثاً . فهذه الأنحاء من المعارف هي أنحاء  
المعارف الأول التي يجب أن تتقدم في المعارف الفاعلة للتصديق والمعارف الموطئة له .  
  وكذلك يشبه أن يكون الأمر في أنحاء المعارف المتقدمة على التصور ، أعني  
الفاعلة ، والموطئة . لكن كلامه ، على القصد الأول ، إنما هو في أنحاء المعارف  
الموجودة في الأشياء الفاعلة للتصديق . 
  
وإنما قال : « وذلك أن العلم بأن الشيء موجود والعلم على ما يدل اسمه  
ليس هما على مثال واحد » - ليعرف بذلك أن العلمين معنيان متغايران ، ومع أنهما  
متغايران غيرُ متلازمين . وذلك أنه قد يعرف على ماذا يدل الاسم ، أعني القول  
الشارح ، ولا يعرف أنه موجود ، مثل الحال في اسم الخلاء واسم الطبيعة عند مَن  

[Page 172] يرى أنها غير معروفة الوجود بنفسها . وكذلك أيضاً قد يعلم أن الشيء موجود ،  
ويجهل شرج اسمه ، أعني رسمه أو حدّه . 
  
قال أرسطاطاليس :  
« وقد يتعرف الإنسان بعض ما كان حصلت له المعرفة به قديماً . وبعض  
الأمور قد يحصل له علمها ومعرفتها معاً ، بمنزلة جميع الأشياء الموجودة تحت الأشياء  
الكلية التي قد أفتى العلم بها ، مثل طبيعة المثلث : قد كان العلم بأن زواياه الثلاث  
تعادل قائمتين ، فحصلت الكلية . فأما المثلث الموضوع في نصف الدائرة فساعة  
كشف عنه حصل له علمه وتعرفه معاً . »  
  
التفسير  
  لما كان هاهنا أشياء قد تعلم لا بعلم متقدم ، أو بعلم متقدم بجهة غير الجهة  
التي تعلم منها المطالب المجهولة بالمعارف الأول المتقدمة - وتلك هي التي تعلم على  
جهة التذكر ، أو التي تعرف بالحسّ - أخذ يعرّف أن هذا النوع من العلم [٦ ب ]  
< وهو الذي > يعلم بعلمٍ متقدم لما أمكن أن يعلمه الإنسان ، لا بعلم  
متقدم ، بل ابتداءً - هو غير النوع الذي تضمنته القضية القائلة إن كل علم وتعلم  
فهو عن معرفة متقدمة - فقال : « وقد يتعرف الإنسان بعض ما كان حصلت له  
المعرفة به قديماً » - يريد : وقد يعلم الإنسان أشياء كثيرة قد كان حصل له علمها  
قديماً فنسيها ، ثم إنه تذكرها . وهذا النوع من العلم ، أعني الذي يكون على طريق  
التذكر ، وإن قيل فيه أنه معرفة متقدمة ، فهو على نحوٍ غير نحو تقدم علم المقدمات  
على علم النتائج . وذلك أن العلم المتقدم في التذكر هو بعينه العلم الحاصل بعد ،  
وليس العلم بالمقدمات هو العلم بالنتيجة إلاّ بالقوة فقط . - وأيضاً فإن العلم  

[Page 173] الحاصل بالتذكر علمٌ قد حصل بالنعل . وأما علم النتيجة فلم يحصل قط بالفعل في
الذهن قبل عمل القياس عليه . وذلك أمرٌ بيّن . وإنما قصد بهذا ليعلم فيما بعد أن
حل أفلاطون شك   « مانن » - بوضعه أن التعلم تذكر- بر يكن صواباً . ولما كان ها
هنا إدراكات لا عن معرفة متقدمة ، وهي علم الحواس ، وكان هذا الإدراك غير
الإدراك بالعلم المتقدم ، وكان متى وضع الادراكين واحداً لزم عنه شك في المقدمة
المذكورة ، وذلك أن المحسوس مجهول قبل أن يُحسّ ، فإذا أُحِسَّ عُلم بعلمٍ
متقدم . وكان أيضاً للسفسطائيين تغليط من قِبَل هذا في أن الشيء الواحد بعينه
يُعلم ويُجهل معاً على ماسيحكيه عنهم بَعْدُ ، أعني متى لم يفرِق بين هذين العلمين ،
قال : « وبعض الأمور قد يحصل لنا علمها وتعرفها معاً - بمنزلة جميع الأشياء الموجودة
تحت الأشياء الكلية التي قد أفتى العلم بها » يريد: وبعض الأمور قد
يحصل للإنسان علمها عن غير معرفة متقدمة ويعرفها بالحسّ معا ، وهما المعرفة التي
تكون عن معرفة غير متقدمة ، وذلك مثل جميع الأشياء الجزئية الغائبة عن الحسّ
الداخلة تحت أمر كلي قد عُلم . مثال ذلك أنه قد يكون عندنا علم كلي بأن المثلث
زواياه مساوية لقائمتين ، ولا نكون نعلم بوجود مثلث ما مشار إليه أو مخصوص أنه
بهذه الصفة ، كأنك قلت : المثلث المرسوم في هذه الدائرة المحسوسة لأنا لم نحسه
بعد ولا كان عندنا علم بوجوده ، فإذا أحسسناه بأن كشف لنا مثل عنه حصل لنا
عند الكشف عنه معرفة وجوده بالحس وعلمه معاً ، أعني أن زواياه مساوية
لقائمتين ، وذلك أن كونه مثلثاً يحصل عن الحسنّ ، وكون زواياه مساوية لقائمتين
يحصل عن العلم الكلي وهو أن كل مثلث فهو بهذه الصفة .
قال أرسطاطاليس :
« وقد توجد بعض الأمور علمها على ما ذكر أولاً بالمشاهدة ، وليس إنما
يعرف الأخير بوسط ، وهذه هي صورة الجزئيات [ ٧ أ ] والتي لا تقال على

[Page 174] موضوع . لكن قبل أن يكشف عن المثلث المستور ويعمل < عليه > القياس ،
فإن معرفته تكون حاصلة لنا بنحو ما ، وأما بنحوٍ آخر فلا ، من قبل أن الشيء
الذي لا يعلم وجوده على الإطلاق كيف يعلمٍ أن زواياه تعادل قائمتين على
الإطلاق ! لكن العلم لهذا المعنى يكون موجودا له بوجه وهو : من حيث هو
حاصل تحت الكلي . أما على الإطلاق ، فلا . »

التفسير
قوله : « وقد يوجد بعض الأمور علمها على ما ذكرأولاً بالمشاهدة » - يريد :
والسبب في أن كان بعض الأشياء يحصل العلم به بصفة من صفاته وبوجوده معاً أن
بعض الأشياء يُدرك وجودها بالحسّ ، لا بقياسٍ أصلاً ، وتعرف أحوالها بقياس .

وقوله : « وليس إنما يعرف الأخير بوسط » - يعني : وليس يعرف هذه الأشياء
التي هي آخره في الحمل بوسط ، أي ليس تحمل على شيء أصلاً ، أعني حملاً كلياً
وعلى المجرى الطبيعي .
ثم قال : « وهذه هي صورة جميع الجزئيات والتي لا تقال على موضوع »
ويعني : وهذه هي جميع الجزئيات الشخصية التي حُدت في كتاب « المقولات » التًي
لا تقال على موضوعٍ أصلاً .

ثم قال : « لكن قبل أن يكشف عن المثلث المستور ويعمل عليه القياس ،
فإن معرفته تكون حاصلة بنحو ما ، وأما بنحوٍ آخر فلا » - يريد : وإذا تبين أن
معرفة الشيء بالقياس غير معرفته بالحسّ ، فإنا نقدر من قرب أن نحل المغالطة
المشهورة التي كان يغالط بها السفسطائيون ، فيلزمون أن يكون الشيء مجهولاً معلوماً

[Page 175] معاً - بأن نقول للسفسطائيين إنه قبل أن يكشف المثلث ويعمل عليه القياس ، فإن
المعرفة بأن زواياه مساوية لقائمتين تكون حاصلة له قبل كشفه من جهة ، وغير
حاصلة من جهة ، فنحن نجهله من جهة ، ونعلمه من جهة ، وليس نجهله
ونعلمه من جهة واحدة ، وهو المحال الذي ألزمتم . وذلك أن المثلث المستور قبل
كشفه لنا نعرف أن زواياه مساوية لقائمتين بالقوة ، من جهة انّا نعرف وجود ذلك
الكلي المحيط بهذا المثلث المشار إليه ، وهو علمنا بوجود الزوايا مساوية لقائمتين
للمثلث كما هو مثلث . فنحن نعرفه بالقوة ، ونجهله بالفعل ، أي نعرفه من جهة
الأمر الكلي ، ونجهله من جهة الأمر الجزئي المغيب عنا ، فإذا كُشف لنا عنه حصل
لنا العلم بالأمرين جميعاً .

ووجه هذه المغالطة - على ما سنذكره بعد - أنهم كانوا يعمدون فيصوّرون
مثلاً - مثلثاً بحيث لا يظهر للذي يريدون أن يسألوه ، ثم يقولون له : يا هذا !
ألست تزعم أنه قد حصل لك العلمُ بأن كل مثلث فزواياه مساوية [٧ ب ]
لقائمتين . فإذا قال : « نعم ! » - أخرجوا له ذلك المثلث المستور فقالوا له « يا
هذا ! هل كنت تعلم أن هذا المثلث زواياه معادلة لقائمتين من قبل أن يكشف لك
عنه ، أم كنت لا تعلم ذلك ؟ » فإذا قال : « بل كنت لا أعلم ذلك » ـ قيل له :
« فقد كنت تعلم أن هذا المثلث زواياه مساوية لقائمتين ولا تعلمه معاً » . فحل هو
هذا الشك بان قال لهم : « كنت أعلمه من جهة ، وأجهله من جهة قبل أن يكشف
عنه » ، أي اعلمه من جهة الكلى المحيط به ، وأجهله من جهة الجزئي الخاص . ثم
أتى بالسبب الذي من أجله كان المثلث المستور بهذه الصفة ، أعني مجهولاً بالفعل ،
معلوماً بالقوة ، فقال : من قِبل أن الشيء الذي لا يعلم وجوده على الإطلاق كيف
يعلم أن زواياه تعادل قائمتين على الإطلاق » - يريد أنه لا يمكن أن يكون قد حصل
العلم الذي بالفعل بهذا المثلث المستور من قيل أن يكشف ، لكن من قِبل الأمر

[Page 176] الكلى . وذلك أن هذا المثلث قبل أن يكشف عنه هو مجهول الوجود . وإذا كان
مجهول الوجود ، فكيف يمكن أن يعلم أن زواياه مساوية لقائمتين قبل أن يعلم
وجوده ! فهو مجهول من هذه الجهة ، وهو معلوم من قِبل أنه بالقوة منطوٍ تحت الأمر
الكلي الذي كان لنا العلم به ، وهو أن كل مثلث فزواياه مساوية لقائمتين .

قال أرسطاطاليس :
« وإن لم تكن الصورة كذلك ، وإلاّ فقد تلزمنا الحيرة المذكورة في كتاب
« مانن » وهي إما أن يكون الإنسان لا يعلم شيئاً أصلاً ، وإما أن يتعلم ما
يعلم . وليس ينبغي أن يحل الشك كما رام غيرنا حله ، فإنهم سألوا فقالوا : أترى
البرهان حصل أن كل ثنائية زوج ، أو لا ؟ فمع الإجابة ب « نعم » كشفوا عن
ثنائية لم يعلم بوجودها وقالوا : هذه لم يشعر بوجودها ، فكيف يُعلم أنها زوج ؟
فإنهم حلوا هذه الحيرة بأن قالوا : لم يقل إن كل ثنائية زوج ، [71a]* ولكن على
الشيء التي يعلم أنها ثنائية. »

التفسير
يقول : وإن لم ينزل أن جميع المطلوبات هي بهذه الصفة ، أعني أنها تُجهل من
جهةٍ ، وتعلم من جهة - أي تُعلم من جهة الأمر العام وتجهل من جهة الخاص - فقد
يلزمنا الشك المذكور في كتاب « مانن » في التعليم : وهو الملزِم : إما أن يكون
الإنسان لا يتعلم شيئاً يجهله ، وإما أن يتعلم ما قد علمه . وسكت عن الشك لأنه
كان مشهوراً عندهم . والشك هو هكذا :

لا يخلو المتعلم للشيء أن يكون إما عارفاً به ، وإما جاهلاً .

فإن كان عارفاً به فلا حاجة إلى تعلمه ، وإن كان جاهلاً [ ٨ أ ] به فمن أين

[Page 177] إذا صادفه يعرف أنه مطلوبه ؟! .

ومثال ذلك أن العبد < الآبق إذا كان الباحث عنه > لا يعرفه ، لم يعرفه إذا
صادفه .

وهذا الشك قُصد به ابطال التعليم . وقد كان أفلاطون أجاب عن هذا الشك
بأن وضع أن التعلم تذكر ، وسلّم أن المطلوب قد كان معلوماً قبل أن يعلم . وهو
بينّ أن المطلوب المجهول الطبع لم يكن لنا قط معلوماً بالفعل ، وإنما كان معلوماً
بالقوة .

فوجه حل هذا الشك أن يقال له : إن المطلوب لو كان مجهولاً على الإطلاق
ومن جميع الجهات لما كان سبيل إلى علمه . ولو كان أيضاً معلوماً على الاطلاق ،
لكان تعلمه عبثاً . لكنه معلوم من جهة ، وهو الأمر الكلي العام ، ومجهول من جهة
وهو الأمر الخاص ، فنحن نطلبه من قِبل الجهة المجهولة فيه ، ونعرفه إذا صادفناه من
قِبَل الجهة المعلومة عندنا منه .

ولما كان ذكر شك السفسطائيين المشارك في وجه الحل لهذا الشك ، ذكر أنه
ليس ينبغي أن يحل بما حله به غيره فقال : « وليس ينبغي أن نحلّ الشك كما رام
غيرنا حله » - ثم ذكر وجه الشك وحل الغير له . وما يقوله في ذلك مفهومٌ بنفسه .
وذلك أن هؤلاء كانوا يسألون كما قال : « أترى حصل العلم بالبرهان بأن كل ثمانية
عدد زوج ؟ فإذا قال المجيب : « نعم » كشفوا له عن ثمانية قد أخفوها له فقالوا
له : أكنت تعلم هذه الثمانية أنها زوج ؟ فإذا قال : « لا » ، قالوا له : فأنت تعلمها
ولا تعلمها » . وكذلك كانوا يسألون عن المثلث ، وفي غير ذلك من الأشياء الجزئية
المنطوية تحت المعلوم بالبرهان . ورام غيره حله بأن قال لهم : لم أكن أعلم أن كل
ثمانية بأطلاقٍ هي عدد زوج ، وإنما الذي علمته بالبرهان أن كل ثمانية ، عُلِمَت
أنها ثمانية ، فهي عدد زوج . ولما عَرف وجه حلهم أخذ يعرف ما فيه من الخطأ .

[Page 178] 
قال أرسطاطاليس :
« لكن البرهان الذي حصل عندهم لم يحصل مُبيناً على أنه الشيء الذي
يعلمون أنه مثلث أو عدد لكن على طبيعة المثلث وطبيعة الثنائية ، لا ولا في واحد
من المقدمات التي أقتضبها باستثناء بمنزلة العود الذي يعلم ، والمستقيم الخطوط
الذي يعلم لكن على الاطلاق . سوى أنه ليس مانع يمنع أن نعلم الشيء من جهة ،
ونجهله من جهة . والقبيح الشنيع ليس هو أن يكون ما يتطرق الإنسان إلى علمه
يعرفه بوجه من الوجوه . لكن القبيح أن يتطرق فيتعلم من جهة ما هو عالم به . »

التفسير
يقول : وليس الأمر على ما قال هؤلاء ، فإن البرهان الذي قام عندهم على
مساواة زوايا المثلث لقائمتين ، لم يقم على هذه [ ٨ ب ] الشريطة التي زعموا ، وهو
أن يقوم على المثلث الذي يعلمون أنه مثلث ، بل إنما قام على المثلث بإطلاق .
وكذلك أيضاً هذه الشريطة ليسر توجد في شيء من المقدمات المأخوذة في هذا
البرهان . وإذا لم توجد هذه الشريطة لا في النتيجة ولا في المقدمات - فما قالوه
باطل .

فقوله : « ولكن البرهان الذي حصل عندهم لم يحصل مبيّناً على أنه الشيء
الذي يعلمون أنه مثلث أو عدد ، لكن على طبيعة المثلث وعلى طبيعة العدد ، لكن
البرهان الذي حصل عند الذي تبرهن عنده أن زوايا المثلث مساوية لقائمتين وأن
الثمانية عدد زوج لم يحصل مبيناً عنده على أنه موجود للمثلث الذي يعلم أنه مثلث أو
للثمانية التي يعلم أنها ثمانية ، لكن إنما حصل عندهم للمثلث على الإطلاق
وللثمانية على الاطلاق .

[Page 179] 
وقوله : « ولا في واحد من المقدمات التي اقتضبوها باستثناء » - يريد : ولا
يوجد في واحد بين المقدمات التي وضعت في هذه البراهين مقدمة وضعت باستثناء ،
أي استثنى فيها مثل هذا المعنى ، مثل أن يوضع في مقدمات البرهان على أن
الثمانية عدد زوج العدد الذي يعلم ، لا العدد المطلق ، حين يقولون : كل ثمانية
عدد ينقسم بنصفين ، ومثل أن يضعوا في البرهان على أن المثلث زواياه مساوية
لقائمتين ، وفي رسم المثلث أنه الشكل المستقيم الخطوط الذي يُعلم أنه كذلك وهذا
هو الذي دل عليه في قوله : « بمنزلة العدد الذي يعلم والمستقيم الخطوط الذي
يعلم » . وقوله : « لكن على الاطلاق » : لكن إنما وضعوا هذه المقدمات على
الاطلاق لا بهذا الشرط . ثم قال : « سوى أنه ليس يمنع مانع من أن نعلم الشيء
بجهة ، ونجهله بجهة » - يريد : غير أنه وإن لم ينحل هذا الشك من هذه الجهة فهو
ينحل من جهة أنه ليس يمنع مانع من أن يعرف الشيء من جهة ، ويجهل من جهة
أخرى . والقبيح الشنيع ليس هو أن يكون ما يتطرق الإنسان إلى علمه يعرفه بوجه
من الوجوه . لكن القبيح هو أن يتطرق فيعلم الشيء من جهة ما هو عالم به - هو
إعلام منه إلى أنه بهذا الحل بعينه ينحل شك « مانن » وذلك أنه ليس بقبيح ولا
شنيع أن يتطرق من الجهة التي يعلمها منه الى الجهة التي لا يعلمها ، بل ذلك هو
الواجب . وإنما الشنيع القبيح أن يتطرق الإنسان فيتعلم الشيء الذي يعلمه من
الجهة التي يجهله . وهذا هو الذي ظن « مانن » أنه يلزم عن قوله . وإنما اللازم
الوجه الآخر الذي ليس بممتنع بل هو واجب ، وهو أن يتطرق من الجهة المعلومة من
الشيء إلى الجهة المجهولة فيه .

٢ - < في العلم والبرهان وعناصرهما >


 [ ٩ أ ] 
 قال أرسطاطاليس :   


[Page 180] السفسطائي الذي هو بطريق العرض ، متى علمنا بعلة الشيء وبعلة العلة الموجبة
لوجوده وعلمنا أنها عِلته ولا يمكن أن يكون من دونها . ومن البين الظاهر أن معنى
أن يعلم الشيء هو هذا . وذلك أن الذي يعلم والذي لا يعلم كلاهما يزعمان أنهما
قد علما الشيء من قِبَل العلم بعلته ، سوى أن الذي لا لا يعلم يظن أنه قد علم
بالعلة وليس ظنه بحق . والذي علمه على التحقيق فإنما علمه بالعلة . »

التفسير
لما علم أن كل تعلم وتعليم فإنما يكون عن معرفة متقدمة ، وحل الشكوك
الواقعة في هذه المقدمة ، وهو شك « مانن » وتغليط السفسطائي - شرع في
تعريف شروط مقدمات البرهان المطلق ، أعني الذي يعطر الوجود ، والسبب الذي
هو أوثق أصناف البراهين يقيناً وأكملها معرفة ، وهو المقصود أولاً في هذا الكتاب ،
فقال : « وقد يظن بأنا قد علمنا واحداً من الأمور علماً محققاً لا على النحو
السفسطائي ، الذي هو بالعرض ، متى علمنا العلة الموجبة لوجوده وعلمنا أنها
علته وأنه لا يمكن أن يكون دونها » - فاشترط في العلم المقول بتقديم ، أعني الحاصل
لنا من البرهان التام ، ثلاثة شروط :
أحدها : أن يكون الشيء المعلوم قد حصل لنا وجوده من قِبَل العلم بوجود
علته .

والشرط الثاني : أن نكون ، مع علمنا بوجوده من قِبَل علته ، قد علمنا
أنها علته .

والثالث : أن نكون قد علمنا أنه لا يمكن أن يوجد من دون تلك العلة . وإنما
اشترط في هذا العلم أن يكون وجود المعلوم فيه حصل لنا من قِبَل العلة لأنه الذي به
ينفصل هذا البرهان من البرهان الذي يسمى الدليل . وإنما اشترط ثانياً أن نكون مع

[Page 181] هذا قد علمنا أنها علته لأنا قد نعلم وجود شيء من قِبَل شيء غير علته من غيرأن
نعرف أنه علته . وإنما اشترط ثالثاً أن نكون قد علمنا أنه لا يمكن أن يوجد ذلك
الشيء دون تلك العلة للفرق بين العلة الذاتية والعرضية ، والعلة المظنونة
واليقينية .

وقوله : « محققاً » إنما قاله بدل قوله : بتقدم وفي الغاية . فكأنه قال : وهو من
الظاهر أنّا إنما نعلم واحداً واحداً من الأشياء المجهولة علماً مقولاً بتقديم ، لا علماً
مقولاً بتأخير مثل العلم الذي يكون عن الدلائل ، ولا علماً باشتراك الاسم مثل
العلم الذي توجبه الأقاويل السفسطائية متى عرفناه بعلته ، أي عرفنا وجوده من
قبل المعرفة بعلته . ولما أتى بهذه المقدمة على أنها معروفة بنفسها [٩ ب ]
< . . . . . . > بالشهادة على عادته في إردافه الأقاويل اليقينية بالشهادة على جهة
الاستظهار فقال : « ومن البين الظاهران معنى < أن يعلم > الشيء هو هذا » إلى آخر ما
كتبناه - يريد : ومن الدليل أن العلم المحقق إنما يصل لنا بالشيء من قِبَل المعرفة
بسببه أن كل من يزعم أنه قد عالم الشيء علماً محققاً فإنما زعم ذلك من قِبَل أنه يرى
أنه إنما علمه من قِبَل علته ، سواء كان علمه صحيحاً ، أولم يكن . إلاّ أن الفرق
بينهما أن الذي علمه علماً صحيحاً فهو الذي علمه بعلته . وأما الذي لم يعلمه علماً
صحيحاً فهو يظن أنه قد علمه بعلته وهو لم يعلمه بعلته .

قال أرسطاطاليس :
« فهذا هو معنى أن يعلم الشيء على التحقيق . وغير ممكن أن يكون بغير هذا
الوجه . وقد يوجد نوع آخر من العلم المحقق ، وسنتكلم فيه بأخرة . ألاّ أن الذي
يجب أن يُصرف العناية إلى النظر فيه من العلوم على التحقيق هو البرهان . وأعني
بالبرهان : القياس اليقيني الذي يُعلم به الشيء على ما هو عليه ، لا الذي يعلمه بما
هو موجود لنا . »

[Page 182] 
التفسير
يقول : وهذا الذي ذكرناه هو حدّ العلم المحقق ، أي المقول بتقديم . وهو
معلوم أيضاً بنفسه أنه غير ممكن أن يكون هذا العلم بغير هذا الوجه الذي ذكر .
وقوله : « وقد يوجد نوع آخر من العلم المحقق - وسنتكلم فيه بأخرةٍ » - يعني
التصور التام الذي يكون بالحدود التامة ، وهو يتكلم فيه في المقالة الثانية .
ولما أعلم أن قصده في هذه المقالة إنما هو التكلم في نوعى العلم المحقق الذي
هو التصديق والتصور في الشيء الذي يقع به التصديق التام ، وهو البرهان المطلق
أخذ يحدّ ما البرهان المطلق الذي يقصد في هذا الكتاب التكلم في مقدماته وتعريفها  

فقال : « وأعني بالبرهان القياس اليقيني الذي يعلم به الشيء على ما هو عليه ، لا
الذي يعلمه بما هو موجودٌ لنا . » فالقياس يتنزل من هذا الحد منزلة الجنس ، وذلك
أن البرهان هو قياس صحيح الشكل . وقوله : « اليقيني » هو قول بدل قوله :
القياس الذي يأتلف من مقدمات يقينية » . وهذا الفصل هو الذي ينفصل به
القياس البرهاني من القياس الجدلي ، أيّ نوع كان من أنواع البراهين الثلاثة ، أعني
برهان الوجود ، أو برهان السبب ، أو الذي جمع الأمرين جميعاً ، أعني الذي يعطى
الوجود والسبب معاً . وذلك أن القياس الجدلي هو الذي يأتلف من مقدمات
مشهورة لا يقينية - وقوله : « الذي يعلم به الشيء بما هو عليه ، لا الذي يعلمه بما
هو موجود لنا » : هو الفصل الذي ينفصل به البرهان المطلق ، أعني الذي يعطى
الوجود والسبب معاً من برهان الدليل . وذلك أن [١٠ أ ] قوله هذا بدل قوله : من
مقدمات يقينية يعلم بها الشيء المطلوب من جهة ما هي علة لذلك الشيء المطلوب في
الوجود ، لا من جهة ما هي علة لمعرفتنا بوجود ذلك الشيء فقط دون أن تكون علة
لوجوده خارج النفس . وذلك أن البرهان المطلق يجب أن تكون مقدماته بهذين
الشرطين ، أعني : علة للنتيجة ، وعلة لعلمنا بالنتيجة ، مثل أن نعلم أن هذا
الموضع فيه ضوء لأن فيه ناراً . فإن علمنا بأن فيه ناراً هو علة لعلمنا بأن فيه ضوءاً
وعلة لوجود الضوء .

[Page 183] وإنما تكون المقدمات بهذه الصفة في القياس البرهاني إذا كان الحد الأوسط هو
علة للنتيجة في الوجود ، وعلة لعلمنا بها . وأما الدليل فإن الحد الأوسط فيه إنما هو
علة لعلمنا فقط بالنتيجة ، لا علة لوجود النتيجة خارج الذهن ، مثل أن نبيّن أن
هذا الموضع فيه نار ، لأن فيه دخاناً . فإن علمنا بوجود الدخان فيه إنما هو علة
لعلمنا بوجود النار ، لا علة لوجود النار . بل الأمر بالعكس وهو أن النار علة
لوجود الدخان . فكأنه قال : الذي يعلم به الشيء بما هو به موجودِ في نفسه ، لا
الذي يعلمه بما هو به عندنا موجود دون أن يكون به موجوداً في نفسه .

قال أرسطاطاليس :
« فإن كان معنى أن نعلم الشيء علماً محققاً بحسب ما تقدمنا ووضعنا هو أن
تكون مقدمات البراهين صوادق وأوائل غير ذات أوسط ، وأن تكون أعرف من
النتيجة وأن تكون علات ، فإنها على هذا الوجه تكون مناسبة للأمر الذي يتبينّ بها .
وقد يكون قياس من غير اجتماع هذه الشروط . فأما البرهان فلا ، من قِبَل أنه من
غير اجتماع هذه الشروط لا يعلم الشيء علماً يقينياً . »

التفسير
أنه لما وضع ما هو العلم المطلوب بالبرهان ، تطرق من ذلك إلى معرفة شروط
مقدماته فقال : « فإن كان معنى أن يعلم الشيء علماً محققاً بحسب ما تقدمنا
ووضعنا » - يريد : فإن كان قصدنا بالبرهان أن نعلم الشيء علماً محققاً في الغاية من
اليقين بحسب ما وضعنا ، وكان يلزم عن ذلك أن تكون مقدمات البرهان الذي يفيد
هذا العلم صادقة ومبادئ أولى معروفة بنفسها غير معروفة بوسيط ، أي بقياس ،
وأن تكون ثالثاً أعرف من النتيجة ، وأن تكون رابعاً عللاً للنتيجة ، فإنه بهذه الجهة

[Page 184] تكون مناسبة للأمر الذي تبيّن بها ، أعني بكونها علة . ثم قال : « وقد يكون قياس
من غير اجتماع هذه الشروط » - يريد : إما قياس اقناعي ، أو جدلي أو دليل .
وقوله : « فأما البرهان فلا يريد به البرهان المطلق . وقوله : « من قبل أنه من غير
اجتماع هذه الشروط لا يعلم الشيء علماً يقينياً » - يعني اليقين الذي في الغاية .

ولما أخبر بوجوب وجود هذه الشروط في المقدمات [ ١٠ ب ] أخذ يعرف جهة
وجوب اشتراط هذه الشروط في مقدمات البرهان .
قال أرسطاطاليس :

 « وكون مقدمات البرهان صادقة واجب ضرورة ، من قِبَل أن كونها كاذبة
يؤدينا أن نعلم ما ليس بموجود ، مثل أن نعلم أن القطر مشارك للضلع . وواجب
أيضاً أن تكون مقدمات البرهان غير ذات أوساط وغير محتاجة إلى برهان . وذلك
أنه أن كانت ذوات أوساط ، فلا سبيل إلى أن تعلم إلا بالبرهان ، لأن معنى أن نعلم
الشيء علماً محققاً ، لا بالعرض ، هو أن يُعلم بالبرهان . »

التفسير
قوله : « من قِبَل أن كونها كاذبة يؤدينا إلى أن نعلم ما ليس بموجود » - يريد :
  
أن المقدمات متى كانت كاذبة ، كانت النتيجة عنها كاذبة ، وذلك في الأكثر ، لأنه قد
تبين في كتاب « القياس » ، أنه قد تكون نتيجة صادقة عن مقدمات كاذبة ، لكن
ذلك بالعرض .
وقوله : « وواجب أن تكون مقدمات البرهان غير ذوات أوساط » - يعني
البراهين البسيطة وهي التي يقال عليها اسم : « البرهان بتقديم » ، وهي البراهين

[Page 185] التي تأتلف من المقدمات اليقينية الأوائل بالطبع ، وذلك أن هذه البراهين هي التي
ليست تحتاج إلى غيرها ، وغيرُها محتاجة إليها . وكل ما كان سبباً لوجود شيء بحالٍ
ما ، فهو أحق بتلك الحال ، أعني أن كانت البراهين الُأوَل هي السبب في أن وجد
هذا المعنى للبراهين الثواني ، أعني التي مقدماتها ذوات أوساط ، فلا سبيل أن تعلم
ألاّ بالبرهان . فكأنه قال بدل هذا : فليس تكون براهين بذاتها ، بل بغيرها . و
« البرهان بتقديم » إنما هو الذي هو برهان بذاته . وإنما قال : « فلا سبيل أن تعلم
إلاّ بالبرهان » لأن المعلوم علماً محققاً إما أن يُعلم بذاته ، وإما أن يعلم بالبرهان ، لا
بنوع العرض .

وأيضاً فإذا فرضنا أن أوائل البرهان ليست معلومة بنفسها أوجب أن تكون
معلومة بالبرهان . فإن كان ذلك موجوداً للبرهان بما هو برهان ، لزم أن يمر الأمر إلى
غير نهاية وان يكون البيان دوراً ، على ما سيبينه بعد .

فإذن مقدمات البرهان ، بما هو برهان وبالذات ، يجب أن تكون أوائل غير
معروفة بوسط ، وأن تكون البراهين التي مقدماتها معروفة بوسطٍ براهين مقولة مع
هذه باشتراك الاسم . ويشبه أن يكون هذا المعنى هو الذي يقصده بقوله : « واجب
أن تكون مقدمات البرهان غير ذوات أوساط » - إلى آخر ما كتبناه .

قال أرسطاطاليس :
« وواجب ضرورة أن تكون مقدمات [ ١١ أ ] البرهان عللاً ، وان تكون
اقدم وأعرف وأما علة فمن قِبَل أنه من رام أن يعلم الشيء علماً محققاً فإنما يعلمه
بعلته . وأما كونها أقدم فمن قِبَل أنها علل . وأما أعرف فعلى ضربين : أحدهما أن
يعلم على ماذا تدل ، والثاني هو أنها موجودة ، أي صادقة . »

[Page 186] 
التفسير
لما وضع أن العلم الحقيقي يجب أن يحصل عن مقدمات تلك الصفات التي
وضعها ، يروم أن يُبَيّن ذلك . فقوله : « وواجب أن تكون مقدمات البرهان عللاً » ،
يعني أن يكون الحد الأوسط فيها علة للطرف الأعظم ، أعني لوجود الأعظم
نفسه ولوجود الأصغر ، لا علة لوجوده في الأصغر فقط كما يقول ابن سينا ،
ولا علة للأصغر كما يظن أن أبا نصر يجوز ذلك في البراهين المطلقة ، أعني البراهين
التي تفيد السبب والوجود معاً ، وهي التي الكلام فيها هاهنا . وأما كون البرهان
يوجد الحدُّ الأوسط فيه علة للطرفين - أعني الأكبر والأصغر- فهو أمرٌ عارض له .
ولذلك من يظن أن من شرط البرهان المطلق أن يكون الحد الأوسط فيه علةً
للطرفين - فليبيّن ذلك بصواب . وإنما هو شيء عرض لبعض البراهين المطلقة .
ولذلك ليس ينبغي أن يقسم البرهان إلى هذه القسمة حتى يقال إن البراهين المطلقة
هي التي يكون الحد الأوسط فيها سبباً لأحد الطرفين أو كليهما . وذلك أن كونه سبباً
لكليهما هو بالعرض ، وكونه سبباً للأوسط فقط غير واقع أصلاً . وذلك أنه متى لم
يكن يلزم عن وجوده وجود الأكبر في الأصغر من جهة أنه علة له ، أعني للأكبر،
فليس ببرهان مطلق . وإنما مكان التغليط في ذلك أن يحمل ، ما قيل من ذلك ،
أعني من كون الحد الأوسط سبياً في البراهين على الإطلاق ، ولا على التقييد . فإنه
إذا أخذ هذا القول بإطلاقٍ ، أمكن أن يتصور على ثلاث جهات وأما إذا أخذ من
جهة أنه سبب يلزم عن وجوده في الأصغر وجود الأكبر فيه من جهة أنه سبب للأكبر ،
ارتفع هذا الغلط .

ومن هنا يبين أيضاً خطأ ما يقوله ابن سينا وهو يظن أنه يأتي في ذلك بأمر
مستدرك من أنه قد يتفق أن يكون الحد الأوسط معلولاً عن الطرف الأكبران الأكبر

[Page 187] إذا أُنزل موجوداً لزم أن يكون الأوسط موجوداً من قِبَل أنه علة له ، فليس يمكن
الحد الأوسط في مثل هذا البرهان أن يكون سبباً لوجود الأكبر في الأصغر ، إلاّ أن
يؤخذ نوعان من الأسباب يلزم عن وجود كل واحدٍ منهما وجود الآخر . وعلى هذا
فيكون الحد الأوسط علة للأكبر - وإن كان أراد أن يكون الحد الأكبر علة [ ١١ ب ]
وجود الأوسط على الإطلاق ، أعني من غير أن يلزم عن وجود الأكبر وجود
الأوسط ، ويكون الأوسط علة لوجود الأكبر في الأصغر ، لا علة لوجود الأكبر
نفسه ، فبذلك يوجد كثيراً - مثل قول القائل : الإنسان حيوان ، والحيوان جسم .
لكن أمثال هذه هي علل بالعرض . فإنه ليس السبب الأول الذاتي في كون الإنسان
جسماً أنه حيوان ، إذ كان الإنسان هو بما هو إنسان حيوان ، فضلاً عن أن يكون
جسماً . وسيبين هذا المعنى بياناً أكثر بعدُ .

ولما عَرّف أنه يجب أن تجتمع فيها أن تكون عللاً وأقدم وأعرف ، أتى بالسبب
الموجب لكل واحدٍ من هذه الشروط فقال : « وأما علة فمن قِيَل أنه من رام أن يعلم
الشيء علماً محققاً فإنما يعلمه بعلته » - وإنما كان هذا العلم هو في الطور التامّ ، من
العلم لأمرين اثنين :
أحدهما : أن مَن عَلم الموجود من قِبَل سببه فعلمه أوثق من عِلِم الموجود
بدليل .

والثاني : أن من هذا النوع من البرهان هي البراهين التي تتضمن بالقوة
مطلوب ما هو الذي هو الحد ، وهو المشوق إليه بالطبع والذي من أجله تُشُوقتْ
معرفة الأسباب .

ثم قال : « وأما كونها أقدم فمن قِبَل أنها علل » - يريد : اقدم في الوجود ،
فإن العلة متقدمة في الوجود على المعلول .

[Page 188] 
ثم قال : « وأما أعرف فعلى ضربين : أحدهما أن يعلم على ماذا يدل ، والثاني
هو أنها موجودة ، أي صادقة » - يريد : و أما كون المقدمات أعرف من النتيجة ، فإنه
يجب أن تكون أعرف في جهتين : أعني : أعرف فيما تدل عليه أسماؤها ، وفي أنها
موجودة.

قال أرسطاطاليس :
« والأقدم والأعرف يقال على ضربين : وذلك أنه ليس معنى أن يكون الشيء
متقدماً عندنا [72 a]* ، ومعنى أن يكون متقدماً عند الطبيعة - معنى واحداً بعينه .
والتي هي أعرف وأقدم عندنا هي الأشياء المحسوسة ، والتي هي أقدم واعرف عند
الطبيعة هي الأشياء البعيدة من الحس . والأشياء البعيدة من الحس هي الأمور الكلية ،
والقريبة منه هي الأشياء الجزئية والوحيدة ، وهذان متقابلان . »

التفسير
لما كان من شروط مقدمات البرهان المطلق الذي فيه الكلام ، وهو برهان السبب
والوجود ، أن تكون المقدمات فيه مع أنها أعرف عندنا من النتيجة أعرف عند
الطبيعة من قِبَل أنها أسباب ، والأسباب أعرف عند الطبيعة من المركبات - أخذ يذكر
أن الأقدم في المعرفة يقال على وجهين : أحدهما الأعرف عندنا ، والآخر الأعرف عند
الطبيعة ، وأن الأعرف عندنا هي الأمور المحسوسة المشار إليها ، وأن الأعرف عند
الطبيعة هي الأشياء [ ١٢ أ ] البعيدة من الحس ، وهي أسباب الأشياء المحسوسة ،
أعني الأسباب المشتركة لأشياء أكثر من واحد . ولم يرد هاهنا أن يقايس بين
المحسوس والمعقول في أيهما أعرف ، فإن المحسوسات غير معروفة عند الطبيعة
أصلاً . وأيضاً فإنه ليس المحسوس أعرف عندنا من المعقول ، أعني المعقولات
الأوِل . وإنما أراد أن يقايس في ذلك بين المعقولات القريبة من الأمور المحسوسة

[Page 189] والبعيدة . فكأنه قال : ومعقولات الأشياء القريبة من المحسوس مثل معقولات
المركبات والآثار الموجودة فيها أعرف عندنا من معقولات الأشياء البعيدة منها ، وهي
معقولات الأسباب ، وأسباب الأسباب . وأما عند الطبيعة فالأمر بالعكس ، أعني
أن الأشياء البعيدة من الحس أعرف عندنا من القريبة . وقوله : « والأشياء البعيدة
من الحس هي الأمور الكلية ، والقريبة منه هي .الأشياء الجزئية والوحيدة ، وهذان
متقابلان » - ليس يعني به أن الجزئي أعرف عند الحس من الكلي ، فإن الحس لا
يدرك الكلى . ولا يعنى به أيضاً أن الكلي أعرف عند الطبيعة من الذي هو أقل
كلية ، فإن هذه هي حالنا ، أعني أن الأعم عندنا أعرف من الأخص ، كما قال في
أول « السماع » . وإنما أراد بالأمور الكلية الأسباب الواحدة بالعدد المشتركة لأشياء
كثيرة ، مثل : الفاعل الأول ، والمادة الأولى ، فإن هذه الأسباب هي أعرف عند
الطبيعة منها عندنا . وأما الأمور الكلية الموجودة لكثيرين فهي عندنا أعرف .

قال أرسطاطاليس :
« ومعنى أنه من الأوائل ، أي من مبادئ مناسبة . ولا فرق بين قولنا :
« أوائل » ، وبين قولنا : « مبادئ » ، من قِبَل أن الأول والمبدأ يدلان على معنى
واحد . ومبدأ البرهان هو مقدمة غير ذات وسط . والمقدمة غير ذات وسط هي التي
ليس توجد مقدمة أخرى أقدم منها . فأما المقدمة فهي أحد جزئي
« الأفوفانسيس » ، أعني الحكم بواحد على واحد . فأما الديالقطيقية ، يعني
الجدلية ، فهي اقتضاب أحد جزئي النقيض ، أيهما كان . فأما الفودقطيقة فهي
أحد جزئي المناقضة على التحديد ، وهو الصادق . فأما الحكم فهو أي جزء

[Page 190] كان من المقابلة . وأما المناقضة ، أنطيفاسيس άνθίφασις أعني التقابل الذي
لا وسط له بذاته . »

التفسير
يريد : ومعنى قولنا في البرهان أنه القياس المؤتلف من الأوائل ، أي من
مقدمات مناسبة ، ومعنى مناسبة : ألا يتجاوزها الجنس المنظور فيه ، على ما سيظهر
بعد.

ولما حدّ البرهان بأنه مقدمة غير ذات وسط ، احتاج أن يحد المقدمة على
الإطلاق ، ثم يقسمها [ ١٢ب ] < إلى البرهانية > والجدلية ، ويرسم كل واحدة
منهما ، لأن المقدمة الغير ذات وسط هي نوع من أنواع المقدمات البرهانية ، إذ قد
تكون من مقدمات البرهان ما هي نتائج . ولما استعمل في حد المقدمة الحكم
والمقابلة ، احتاج أيضاً أن يحدّ الحكم وما هي المقابلة . وذلك كله إنما يذكر به تذكيراً
مما سلف . فابتدأ بحدّ مبدأ البرهان بأن قال : « هو مقدمة غير ذات وسط » . ثم
عرّف ما هي المقدمة الغير ذات وسط فقال : « هي التي ليس توجد مقدمة أخرى
أقدم منها » - يعني في المعرفة والوجود . ثم حدّ المقدمة بإطلاق فقال : « وأما المقدمة
فهي أحد جزئي القول الجازم ، يعني الايجاب أو السلب » . وهذا الحد هو نظير ما
حدّها به في كتاب « القياس » وهي أنها : « قول يوجب شيئاً لشيء ، أو يسلب عن
شيء » وقد قيل في قوة هذا الرسم هناك . ويشبه ألا يكون ذلك حدّاً للمقدمة من
جهة ما هي مقدمة ، بل للشيء الذي عَرَض له أن كان مقدمة ، لأن المقدمة إنما تقال
بالإضافة إلى القياس .

ثم حدّ المقدمة الجدلية وقال : « فأما الديالقطيقية ، أعني الجدلية ، فهي
اقتضاب أحد جزئى النقيض ، أيهما كان » - يريد أن الجدلي لما كان إنما يضع المقدمة

[Page 191] التي تسلمها من المجيب من جهة ما يتسلمها ، كان كل واحدٍ من جزئي النقيض فيه
إمكان على التساوي بأن يسلم بالسؤال ، فيوضع جزئي قياس . وكان المبرهن ليس
من شأنه أن يضع أي جزء اتفق من جزئي قياس في برهانه ، وإنما يضع من جزئي
النقيض : الصادق . وأخذ هذا المعنى فصلاً بين المقدمة الجدلية و البرهانية فقال :
« إن المقدمة الجدلية هي التي يكون كل واحد من جزئي النقيض » - ويريد بالنقيض
هاهنا : المتضادة ، لا النقيض المقول بخصوص . وإنما قال إن « المقدمة الجدلية هي
اقتضاب أحد جزئي النقيض » أي تسلم أحد جزئي النقيض ، لأن المقدمة هي التي
تقتضب جزء قياس ، أي توضع . وهذا هو رسمها من جهة ما هي مقدمة . فكأنه
قال إن المقدمة الجدلية هي اقتضاب أحد جزئي النقيض أيهما كان يجعل جزء قياس .

ثم حد القول الجازم فقال : « وأما الحكم فهو أيّ جزء كان من المقابلة » .
وينبغي أن يعلم أن الحكم والمقدمة والمطلوب واحدة بالموضوع ، متعددة بالقول .
وذلك أن القول الجازم إذا أُخد من حيث يصدق ويكذب ، سُمّى « قولاً جازماً » .
وإذا أُخذ من حيث هو جزء قياس ، سُمّي « مقدمة » . وإذا أخذ من حيث هو
مجهول ، سمى « مطلوباَ » . وأرسطو لما رسم المقدمة هاهنا [ ١٣ أ ] بقسمتها الى
نوعيها ، وذلك أنه قال فيها إنها أحد جزئي القول الجازم ، يعني إما السلب وإما
الإيجاب ، رسم القول الجازم أيضاً بنوعيه ، فقال : « فأما الحكم فهو أيّ جزء كان
من المقابلة » . وإنما فعل ذلك كله طلباً للأعرف . وإلاّ فليست هذه في الحقيقة لا
حدوداً ولا رسوماً .

وقوله في حد « النقيض » : أعني المقابل الذي لا وسط له - فيشبه أن يكون إنما
حدّه بهذا لأن هذا الرسم يشمل النقيض والمضاد . وهو الذي استعمل اسم النقيض
هاهنا عليه ، أعني أنه كما أن الأوسط بين النقيض المقولين بخصوص ، كذلك
الأوسط بين المتضادين . ويخص النقيض أنه يقسم الصدق والكذب في جميع المواد .

[Page 192] 
وأما المتضادة فإنما تقسم الصدق والكذب في المادة الضرورية . وإنما اختصت
المتضادة بالبرهان لأن البرهان في المواد الضرورية ، واختص النقيض بالجدل ، لأن
النظر الجدلي يعم جميع المواد .

قال أرسطاطاليس :
« ومبدأ البرهان الذي هو مقدمة غير ذات وسط : أمّا ما. لم يكن سبيل إلى
برهانه ، ولا هو أيضاً في فطرة عقل المتعلم ، فإنه يسمى « أصلاً موضوعاً و
« وضعاً » . وما كان في فطرة عقل المتعلم ، فإنه يسمى « العلم المتعارف » .
والوضع فقد ينقسم : فمنه ما يؤخذ أخذاً على أنه جزء من المناقضة ، أيهما كان :
إما الموجب وإما السالب ، ويسمى الأصل الموضوع . فأما ما هو خارج عن
هذا ، فالحد ، فإن الحد هو من الوضع ، وذلك بمنزلة حد الوحدة التي يضعها
صاحب علم العدد في صدر علمه ، وهو : مالا ينقسم بالكم . وليس التحديد
والأصل الموضوع شيئاً واحداً ، وذلك أنه ليس معنى ما هي الوحدة ومعنى أنها
موجودة معنى واحداً . »

التفسير
قوله : « ومبدأ البرهان الذي هو مقدمة غير ذات وسط : أما ما لم يكن سبيل
إلى برهانه ولا هو أيضاً في فطرة المتعلم ، فإنه يسمى أصلاً موضوعاً ووضعاً »
يريد : وأما ما كان منها ليس في فطرة المتعلم قبوله : إمّا لقلة ارتياض ،وإمّا لنقصان
في فطرته ، فإنه يسمى أصلاً موضوعاً ، ووضعاً ، إذ كان لا سبيل إلى برهانه . فكأنه
قال : ومبدأ البرهان الذي هو مقدمة غير ذات وسط : أما ما كان منها قد عَرَض

[Page 193] لها ، مع كونها لا سبيل إلى برهانها ، إن لم تكن في فطرة المتعلم بنفسه ، فإنها تسمى
« أصلًا موضوعاً » ، أي توضع للمتعلم إلى أن يقوى ذهنه فيقع له التصديق بها .
وما كان من هذه التي لا سبيل إلى برهانها ، في فطرة المتعلم أن يعلمه ، فإنه يسمى  
« العلم المتعارف » . ويحتمل أن يريد بقوله : « ما لم يكن سبيل إلى برهانه ولا هو
أيضاً في فطرة المتعلم » - المبادئ التي تتسلمها [١٣ ب ] < صناعة > من صناعة ،
فإنه لا سبيل إلى برهانه في تلك الصناعة ، ولا هي أيضاً في فطرة المتعلم . وبقوله :
« وما كان في فطرة عقل المتعلم » - أي : وما كان من المبادئ لا سبيل إلى برهانها لا
في تلك الصناعة ولا في غيرها ، وهي التي في فطرة المتعلم ، فإنها تسمى « العلم
المتعارف » . وعلى هذا ينبغي أن يفهم من قوله : « أما ما لم يكن سبيل إلى
برهانه » : الأمرين جميعاً . فكأنه قال : ما لم يكن سبيل إلى برهانه ، ولا هو أيضاً
في فطرة المتعلم ، وهو الذي ليس له سبيل إلى برهانه في تلك الصناعة وله في أخرى
سبيل - فهو الذي يسمى « أصلاً موضوعاً » . وأما ما كان لا سبيل إلى برهانه وهو في
فطرة المتعلم وهو الذي لا سبيل إلى برهانه على الاطلاق ، لا في تلك الصناعة ولا في
غيرها ، فهو الذي يسمى « العلم المتعارف » . وهذا التفسير أشبه من الأول .

ولما عرف أقسام الوضع الذي هو بالجملة مقابل الأصل المعروف بنفسه ،
أخذ يقسم « الوضع » من جهة نحوي المعرفة : أعني التصديق ، والتصور ، فقال :
« والوضع فقد ينقسم » - إلى قوله : « ويسمى الأصل الموضوع » - يريد : والوضع
ينقسم من جهة أخرى إلى ما يسلم فيه وجود أحد جزئي المناقضة ، أيهما كان : إما
الموجب وإما السالب ، وهذا هو الذي يسمى « وضعاً » بالحقيقة ، وهو الذي دلّ
عليه بقوله : « ويسمى الأصل الموضوع » يريد : بالحقيقة . ثم قال : « فأما ما هو
خارج عن هذا : فالحد ، فإن الحدّ هو من الوضع » - يريد : فأما القسم الثاني الذي
يسمى وضعاً بتأخير فهو الحد ، من قبل أن الحد ليس يتضمن أن شيئاً موجود لشيء

[Page 194] إلا بالعرض ، ولذلك لا يقوم عليه برهان ، فهو من حيث ليس يقوم عليه برهان
يشبه الوضع ، ومن حيث هو قول جازم لا يشبهه . ولذلك قد يُشك في الحدود
المعروفة بنفسها ، كما يقول هو فيما بعد : هل ينبغي أن تعدّ في المقدمات الأوائل
بأنفسها ، أو في الأوضاع ؟ وعلى هذا التأويل فكأنه جعل الحدود داخلة في الأوضاع
بالعرض .

ويحتمل أن يريد بقوله : « فإن الحدّ من الوضع » : أي أن شرح دلالات
الأسماء هو من الوضع ، إذ كانت دلالات الأسماء بالوضع . ويؤيد هذا التأويل
قوله : « وأما ما هو خارج عن هذا : فبالحد » - فإن الظاهر من هذا أنه يريد : وأما الذي
يسمى وضعاً بمعنى خارج عن هذا فهو الحد . وإنما قال : « وذلك بمنزلة حد الوحدة
الذي يضعها صاحب علم العدد في صدر علمه ، وهو : مالا ينقسم بالكم » - أما
التأويل الأول فلأن وجود الوحدة خارج الذهن غير معروف بنفسه ، ولا يبرهن في
الصناعة العددية . وأما على الثاني فإن معنى تحديد الوحدة هو اصطلاح على دلالة
اسمها .

ولما عَرَّف من أي جهةٍ تدخل الحدود في الأوضاع [ ١٤ أ ] وأنها ليست تسمى أوضاعاً بالحقيقة ، إذ كانت ليست تتضمن بالذوات وجود الشيء أو لا وجوده ، وهو
الشيء الذي يسمى وضعاً بالحقيقة ، إذ كانت تتضمن معنى الوضع الذي في
الأسماء - أخذ يُعرف أن الحدود في الأوضاع وأنها ليست هي بذاتها من جنس
الأوضاع التي هي أوضاع بالحقيقة إما لأن معنى الوضع منها غير معنى الوضع
الحقيقي ، وإمّا لأنها تتضمن معنى الوضع الحقيقي بالعرض ، فقال : « وليس
التحديد والأصلِ الموضوع شيئاً واحداً ، وذلك أنه ليس معنى ما هي الوحدة ومعنى
أنها موجودة شيئاً واحداً » - يريد أن حد الوحدة وما أشبه ذلك من الحد ليس يدل من
المحدود على أنه موجود فيدخل الجازم بالعَرَض . وأما الأصل الموضوع فهو قول
جازم يدل على أن الشيء موجود .

قال أرسطاطاليس :

[Page 195] أن لنا عليه مثل هذا القياس الذي يدعى « برهاناً » ، وكان تصديقنا بالبرهان من
أجل تصديقنا بالمقدمات التي منها البرهان - فيجب من ذلك ألاّ تكون معرفتنا بالشيء
المعلوم بالبرهان بمقدمات البرهان : إما جميعها ، وإما بعضها ، على وتيرة واحدة ،
لكن معرفتنا بالمقدمات أكثر . وذلك أن الشيء الذي من أجله توجد الأشياء هو في
باب الوجود أحق ، بمنزلة محبتنا للمعلم من أجل محبتنا للصبي الذي من أجله نحب
اكثر . »

التفسير  

لما كان قد عَرّف أن المقدمات من البراهين يجب أن تكون أعرف من النتيجة ،
لأن من قِبَل معرفتها يُسَار إلى العلم بالنتيجة ، يريد أيضاً في هذا القول أن يعرف أنها
ليست أعرف من النتيجة في حين الجهل بالنتيجة فقط بل وفي حين العلم بها ، من
قِيَل أن العلم بالنتيجة إنما يحصل من قِيَل العلم بالمقدمات . وما هو السبب في وجود
شيء ما فهو أحق بذلك الوجود من ذلك الشيء - مثال ذلك أن النار لما كانت السبب
في كون الأشياء الحارة حارة ، كانت هي أحق بالحرارة . فقوله : « ولما كان الشيء
المعلوم بالبرهان قد يجب أن يكون مصدقاً به ومتيقناً من أجل أن لنا عليه مثل هذا
القياس الذي يدعى برهاناً » - يريد : ولما كان الشيء الذي يعلم بالبرهان بعد الجهل
به إنما يقع لنا التصديق اليقيني به من قِبَل أنه قد كان وجد عندنا عليه قياس من نوع
هذا القياس الذي يسمى برهاناً . ولما وضع هذا المقدم ، أتى بالتالي اللازم عنه
فقال : « فيجب من ذلك أن تكون معرفتنا بالشيء المعلوم بالبرهان وبمقدمات
البراهين : إما جميعها ، وإما بعضها ، على وتيرة واحدة ، لكن معرفتنا بالمقدمات
اكثر » - يريد : فيجب أن تكون معرفتنا [ ١٤ ب ] بالبرهان أكثر من معرفتنا بالذي
عليه البرهان لكون معرفتنا بمقدمات البرهان اكثر من معرفتنا بالذي عليه البرهان ،
وذلك إما جميع المقدمات وإمّا بعضها . وإنما قال : « إما كلها وأما بعضها » لأنه ليس
يلزم من وضعنا أن تصديقنا بالبرهان أكثر من تصديقنا بالنتيجة - أن يكون تصديقنا
بكلتا مقدمتي البرهان أكثر . فأمّا هل من شرط البرهان أن تكون كلتا مقدمتيه أعرف
من النتيجة ، فأمر لم يتبيّن بعد من هذا القول .

[Page 196] 
ولما أتى بالتالي اللازم عن المقدم ، شرع في تبيين جهة لزومه فقال : « وذلك
أن الشيء الذي من أجله توجد الأشياء هو في باب الوجود أحقّ . وهذا القول مقدمة
قد استعملها في هذا الموضع ، أعني أن كل ما هو سبب في وجود شيء ما إمّا بحالةٍ
ما ، وإما بإطلاق فإن الشيء الذي هو سبب الشيء هو أحرى بذلك الوجود . فإذا
أضيف إلى هذا أن المقدمات هي السبب في أن وُجِد الصدق للنتيجة ، أنتج عن
ذلك في الشكل الأول أن المقدمات الُأوَل أحرى من النتيجة بوجود الصدق لها .
والمثال الذي ذكره إنما أتى فيه من الأمور المشهورة المشترك وقوع التصديق بها للكل
ليكون أوضح في التعليم . وذلك أنه من المشهور المعترف به عند الجميع أن من يحبّ
شخصاً من أجل شخصٍ ما آخر أن حبه للشخص الذي من اجله حب ذلك
الشخص الآخر- أكثر . مثال ذلك ، كما قال ، المعلم والصبي يعني الابن ، فإن
الأب إنما يحب معلم الصبي الذي هو ابنه من أجل محبته للصبي . ولذلك كانت
محبته للصبي أكثر .

قال أرسطاطاليس :
« فإذا كان علمنا بالنتيجة وتصديقنا وتيقننا لها إنما هو من أجل المقدمات ،
فتصديقنا وعلمنا وتيقننا بالمقدمات يكون أكثر ، إذ كان تصديقنا بالنتيجة إنما يكون
من أجلها ، فإنه غير ممكن أن يكون تصديق الإنسان بالشيء الذي لا يعرفه اكثر من
الشيء الذي يعرفه ، ولا أن يكون في علمه أفضل من الشيء الذي يعلمه ، ولو
اتفق له علمه . فإن هذا قد يلزمه أن لم يتقدم الإنسان فيعلمه بالأشياء التي تعلم
وتصدق بالبرهان .

فواجب من الاضطرار أن تعلم المبادئ كلها أو بعضها - أكثر من النتيجة . »

التفسير
لما وضع أن الأسباب التي هي علل الأشياء في باب الوجود هي أحرى بذلك
الوجود من تلك الأشياء ، وهو الذي يتنزل من هذا القول منزلة المقدمة الكبرى - أتى

[Page 197] بالمقدمة الصغرى وهي أن المقدمات هي علل للنتيجة في باب وجوب التصديق بها ،
فقال : « فإذا كان علمنا بالنتيجة وتصديقنا وتيقننا لها إنما هو من أجل المقدمات ،
فتصديقنا بالمقدمات يكون أكثر ، إذ كان تصديقنا بالنتيجة إنما يكون من اجلها »
يريد : وإذا وضعنا أن الأسباب - التي هي علل في باب الوجود لشيء ما - أنها أحرى
بذلك الوجود [ ١٥ أ ] من ذلك الشيء ، وكان من المعروف عندنا أن علمنا بالنتيجة
وتيقننا لها إنما السبب فيه تيقننا بالمقدمات ، فيجب عن هاتين المقدمتين أن يكون
تصديقنا بالمقدمات أكثر .

ثم إنه أكّد هذه النتيجة بمعنى كأنه حجة قائمة بنفسها فقال : « فإنه غير ممكن
أن يكون تصديق الإنسان بالشيء الذي لا يعرفه أكثر من الذي يعرفه ، ولا أن يكون
في علمه أفضل من الشيء الذي يعلمه ولو اتفق له علمه » - يريد : وهذا المعنى قد
يظهر ، أعني كون المقدمات أكثر تصديقا عندنا من النتيجة ، من قِبَل أنه من الظاهر
بنفسه أنه غير ممكن أن يكون تصديق الإنسان بالشيء الذي لا يعرفه أكثر من الذي
يعرفه أولاً ، وإن اتفقت له بعد ذلك معرفته . ولا يكون علمه له أفضل من علمه
الشيء الذي يعلمه أولاً ، وذلك إذا اتفق له علمه أخيراً . وهذه كلها مقدمة أخرى
وهي أنه ليس يمكن أن تكون معرفة المجهول لنا بالطبع في وقت من الأوقات أفضل
من معرفة المعلوم لنا بالطبع ولا مساوية لها ، بل معرفة المعلوم بالطبع أكثر وأفضل .
ولابد من معرفة المجهول بالطبع إذا اتفق أن علمناه .

وإذا أضفنا لهذه المقدمة أن المقدمات معروفة بالطبع وأولاً ،والنتائج مجهولة
بالطبع ومعروفة بأَخَرَةٍ ، أنتج لنا من ذلك أن المقدمات أكثر تصديقاً عندنا من
النتائج . وهذه القياسات هي على طريق الاستظهار . والأمر إما أن يكون معلوماً
بنفسه ، أو قريباً من المعلوم بنفسه .

وقوله : « فإن هذا يلزمه إن لم يتقدم الإنسان فيعلمه بالأشياء التي تعلم
وتصدق بالبرهان » - يريد : فإن الجهل يلزم المجهول بالطبع إن لم يتقدم الإنسان

[Page 198] فيعلمه بالأشياء التي تُعلم بالبرهان ويصدق به من اجلها ، أي من قبل التصديق
بالبرهان . ولذا لزمه الجهل حتى يعرف بغيره . فالذي لا يعرف بغيره أعرف .

قال أرسطاطاليس :
« فمن أراد أن يقتني علماً بالبرهان فإنه ليس يكفيه أن يصدق بالمبادئ وتكون
عنده أعرف من الأشياء التي يصدق بها من أجلها ويعرفها بها ،[72 a ]* لكن ألا
يكون يصدق بشيء من مقابلاتها ، وهذه هي التي ينبنى منها قياس السفسطائيين .
والسبب في ذلك هو أن من رام أن يعلم شيئاً بالبرهان على الاطلاق ينبغى ألا يشوب
صدقه تغير . »

التفسير
لما كان كون المقدمات أعرف من النتيجة فشيء يعُّم القياس الجدلي والبرهاني
والخُطْبِى ،أعني أن يكون تصديقه بها أكثر من تصديقه بالنتائج ، يريد أن يعرف
التصديق الأعرف الذي يخص المقدمات اليقينية فقال : « فمن أراد أن يقتني علماً
بالبرهان » - إلى قوله : « من مقابلاتها » - يريد : فمن أراد أن [ ١٥ ب ] يكتسب
العلم . اليقيني وأن يقتنيه ، فقد ينبغي له ألاّ يكتفي في المقدمات التي يقتني من قبلها
العلم بالنتيجة بأن تكون أعرف في التصديق فقط ، بل ويشترط مع هذا أن يكون
التصديق بها أعني الأعرف الموجود فيها يعتقد فيه المُصّدق به أنه لا يمكن أن يكون
بخلاف ما هو عليه ولا في وقتٍ من الأوقات ، وهو الذي أراد بقوله : « لكن ألا
يكون يصدق بشيء من مقابلاتها » وهذا الشرط الذي اشترط في التصديق هو الذي
ينفصل به التصديق اليقيني من غيره ، أعني أن يعتقد فيه المصدق أن مقابله
غير ممكن أصلاً . وأما إذا اعتقد الإمكان ، فإنه يكون إمّا جدلياً وإما بلاغياً .

[Page 199] 
وقوله : « وهذه هي التي ينبنى منها قياس السفسطائيين ، يعنى مقابلات
الأمور الصادقة ، وهي الكاذبة . فإنه إذا صدق الإنسان بالصادق ، أعتقد فيه أنه لا
يمكن مُقابله الذي هو الكاذب . فقد حصل له التصديق اليقيني . وأما إذا صدق به
وكان عنده مقابله الذي هو الكاذب ممكناً ، فبيّن أنه لم يصدق به التصديق اليقيني .
فالتصديق إذن قد يكون بالكاذب ، وقد يكون بالصادق . فإذا كان بالكاذب ، كان
سفسطائياً . وإذا كان بالصادق ، وكان مع ذلك لا يصدق بمقابله ، كان يقينياً . و
أما إذا كان المقابل عنده ممكناً ، فإن كان الإمكان أقلياً كان جدلياً ، وأن كان على
السواء مع مقابله ، كان بلاغياً . وهذا النوع من التصديق قد يعرض في الصادق من
قِبَل المصدق بنفسه ، وقد يعرض في الشيء نفسه من أجل مخالطة الكذب له . فإن
كان < كذبه اقلياً ، كان صدقه أكثرياً وكان > معدوداً في الأقاويل الجدلية . وإن
كان الكذب فيه مساوياً للصادق ، كان التصديق به بلاغياً .
  
لكن ليس يعرض هذا لطبيعة الكذب بما هو كذب ، لأنه لو كان الأمر
كذلك ، لكانت كل مقدمة جدلية كاذبة بالجزء الأقل ، وكل خطبية كاذبة بالجزء
المساوي . ولذلك من قسّم ، من الأدباء ، المقدمات البرهانية والجدلية والخطبية من
قِبَل أنحاء الصدق والكذب نهي قسمة عَرَضية . وذلك أنهم قالوا إن المقدمات
اليقينية هي التي تكون بالصادق ، وسائر المقدمات فهي بالكاذب . فإن كان الكذب
فيها اقلياً ، كانت جدلية ، وإن كان على التساوي كانت خطبية . وإن كانت كاذبة
بالكل ، أو في أكثر أجزائها ، كانت سفسطائية . وهذا القول هو صادق في المقدمات
اليقينية . لكن ذلك شيء عَرَض لها . فإن التصديق اليقيني هي حالة في النفس تقع
للمصدق في الصادق . وكذلك الظن في المقدمات السفسطائية يشبه أن تكون من
قِبَل شيء عارض لها ، لا من قِبَل الكذب نفسه ، فإن الكاذب لا يقع به تصديق من

[Page 200] حيث هو كاذب . وأما ما قالوا في المقدمات الجدلية والخطبية فقول كاذب . والصادق
من هذا هو شيء بالعَرَض .

وقوله : « والسبب في ذلك » [ ١٦ أ ] إلى قوله : « لا يشوب صدقه تغير »
يريد : والسبب في كون التصديق اليقيني يشترط فيه هذا الشرط ، أعني بذلك ألا
يصدق بمقابلاتها في وقت من الأوقات ، ولا أن ينتقل عن اعتقاده في ذلك الشيء أنه
من المعروف بنفسه أنه يجب أن يكون من خاصة المصدِّق بالتصديق اليقيني ألا ينتقل
عن اعتقاده في وقت من الأوقات ، وهو الذي أراد بقوله : « ألاّ يشوب صدقه تغيّر »
فأما أن هذا الحدّ معروف بنفسه وجوده لليقين فبيِّن بنفسه ، إذ من خاصية التصديق
اليقيني ألاّ يمكن فيه التغير ، لأنه إن أمكن فيه التغير ، والمصدق ذاكرٌ سليم الذهن ،
فبينٌّ أنه لم يكن عنده يقيناً . وأما متى يكون التصديق في النفس بهذه الصفة فإنه
الأوائل المعروفة بنفسها .

وغرضه في هذا الكتاب إنما هو إحصاء العلامات والشروط التى إذا اعتبرت
في المقدمات الأول فوجدت فيها ، علم أن التصديق بها هو من هذا النحو من
التصديق ، مثل أن تكون ذاتية ، وبغير ذلك من الشروط التي يذكرها في هذا
الكتاب . ولذلك ما ينبغي ألاّ يعدّد منها في هذا الكتاب ألاّ ما كان أعرف عدنا في
المقدمات من كونها بهذا الحال الذي وصفنا .

وينبغي أن يكون هذا أصلاً معدّاً لما نريد أن نقوله بعد في شرح كلامه .

٣ - < آراء القدماء في العلم والبرهان >

قال أرسطاطاليس :

[Page 201] البرهان يجب أن يكون عليها برهان . وقومٌ أَخر أثبتوا طبيعة البرهان ، سوى
انهم توهموا أن البرهان يكون على كل الأشياء .
ولا واحد من هذين الرأيين صادق ، ولا هو أيضاً من الأضداد . فأما
الأولون فإنهم لما اعتقدوا أنه لا طريق إلى أن يُعلم الشيء إلا بالبرهان حَسبُ ،
وأن قطع مالا نهاية له غير ممكن ، حكموا بأن البرهان غير موجود . وقالوا إن
السبب في ذلك أنه غير ممكن أن تعلم أشياء متأخرة بأشياء متقدمة غير مبرهنة ولا
معلومة . وحكمهم هذا صحيح صواب ، وذلك أن سلوك مالا نهاية له غير
ممكن . »
التفسير
وقد اعتقد قومٌ أنه ليس يوجد برهانٌ أصلاً . واعتقادهم ذلك من قِبَل أنهم
ظنوا أن كل مقدمة توجد في البرهان يجب أن تُبرهن ، فيمر ذلك إلى غير نهاية ،
وذلك مستحيل .

وقومٌ أُخَر غير هؤلاء قالوا إن البرهان شيء موجود [ ١٦ ب ] ، وأن كل مقدمة
يجب أن تبرهن . فهؤلاء سلّموا لأولئك أن كل مقدمة يجب أن تُبرهن ولم يروا أنه
يلزم عن ذلك محال .

وقوله : « ولا واحد من هذين الرأيين صادق ، ولا هو من الأضداد »
يريد : ولا واحد من الرأيين صادق ، من قِيَل أنه ليس من الأضداد التي إذا صدق

[Page 202] أحدهما كذب الآخر . وذلك أن قوله : البرهان على كل شيء - كذبٌ ، وقوله أنه :
لا برهان أصلاً - كذبٌ . وإنما كان ذلك كذلك لأن المضادين يكذبان في المادة
الممكنة ،على ما تبين في « پاري ارمنياس » والصادق هو أن : بعض الأشياء
عليها برهان ، وبعضها ليمس عليها برهان .

وقوله : فأما الأولون فإنهم لما اعتقدوا « - إلى قوله : غير موجود » - يريد :  

فأما الفريق الذين نفوا البرهان فالسبب في اعتقادهم ذلك أنهم لما اعتقدوا أنه لا يمكن
أن يعلم شيء إلاّ بالبرهان ، واعتقدوا أن مالا نهاية له لا يمكن قطعه ، حكموا بأن
البرهان شيء غير موجود . وإنما كان ذلك كذلك لأنه إن وضعنا أن شيئاً يتبيّن
بمقدمتين ، والمقدمتان بمقدمتين ، ومر الأمر على استقامةٍ إلى غير نهاية - لم يوجد قياس
تام على ذلك الشيء الذي ريم انتاجه . وإذا لم يوجد قياس تامٌ عليه ، فلا سبيل إلى
البرهان عليه أبداً . وهذا هو الذي أراد بقوله : « وحكمهم هذا صحيح صواب ،
وذلك أن سلوك مالا نهاية غير ممكن » . وقوله : « وقالوا : والسبب في ذلك هو أنه
غير ممكن أن تعلم أشياء متأخرة بأشياء متقدمة غير مبرهنة ولا معلومة » - يريد :
واحتجوا بأن قالوا إن السبب في امتناع ألا يوجد برهان أصلاً أن البرهان هو أن يعلم
فيه شيء متأخر ،وهو النتيجة ، بأشياء متقدمة عليه ، وهو المقدمات . وإذا كان غير
ممكن أن تعلم أشياء متأخرة بأشياء متقدمة ، أي بمقدمات غير مبرهنة ، فلا سبيل إلى
أن يُعلم الشيء بالبرهان .

وقوله : « وحكمهم هذا صحيح » - يعني : في المقدمة الواحدة . وذلك أنهم
وضعوا مقدمتين : إحداهما صادقة ، وهي أنه لا يمكن مرور مالا نهاية له ولا
سلوكه ، والثانية كاذبة وهي أن كل شيء يُعلم فإنما يُعلم بالبرهان .

قال أرسطاطاليس :

[Page 203] مبادئ البرهان غير معلومة . وإذا كانت مبادئ البرهان غير معلومة ، فلا سبيل
إلى أن يُعلم الشيء . وإذا كان هذا هكذا ، فليس يمكن أن يعلم شيء بالبرهان ،
اللهم إلاّ < أن > تكون بنحو الأصل الموضوع وهو أن كانت المقدمة
معلومة . »

التفسير
هذا كأنه حجة أخرى حكاها عن المُبطلين لطبيعة البرهان . وذلك أنهم لما
وضعوا أنه لا يُعلم شيء ألاّ بالبرهان ، ووضعوا أن مبادئ البرهان لا تُعْلم [ ١٧ أ ]
بالبرهان - وهو حقّ - لزم عن هاتين المقدمتين أن مبادئ البرهان غير معلومة .
ولما وضعوا أيضاً أن ما يعلم بالبرهان ليس يُعلم إلاّ من قِبَل العلم بمبادئه ،
أنتج لهم أنه لا سبيل إلى أن يعلم شيء بالبرهان اللهم إلاّ أن توضع مبادئ البرهان
على جهة ما توضع الأصول التي لا يُعرف بصدقها بل تسلَّم تسليماً . وهو الذي أراد
بقوله : « إلا أن يكون بنحو الأصل الموضوع » ، أي إلاّ أن يكون البرهان بالتواطؤ
والوضع ، لا بالطبع .

وقوله : « وهو إن كانت المقدمة معلومة » - يريد : وأمثال هذه البراهين إنما
تكون داخلة في جنس البراهين إن كانت المقدمة التي توضع معلومة إمّا في صناعة
أخرى ، وإمّا عند الذي يصادر عليها ، فتحتاج هذه أيضاً إلى برهان ، ويمر الأمر إلى
غير نهاية كما عرض ذلك في البراهين التي ليس فيها مقدمة موضوعة وضعاً وتُسَلَّم من
غير أن يقع بها التصديق .

قال أرسطاطاليس :

[Page 204] إنما هو بالبرهان فقط ، سوى أنهم يدّعون أنه لا مانع من كون البرهان على كل
شيء . وذلك أنهم يزعمون أن البرهان قد يكون دوراً ، ولبعض الأشياء ببعض . »

التفسير
يقول : وأما الفرقة الثانية فإنهم يقرُّون بوجود البرهان ، مع أنهم يسلّمون أن
كل شيء إنما يعلم بالبرهان ، وأنه لا يمكن أن يمر العلم بالمقدمات على استقامة إلى
غير نهاية ، لكن يرون أن المقدمات تتبرهن بالنتائج على جهة الدور .

قال أرسطاطاليس :
« وأما نحن فإنا نقول : ليس كل ما يُعلم إنما يُعلم بالبرهان ، لكن هاهنا
أشياء تُعلم بغير وسط ولا برهان . ووجود ذلك واضح بَيَّنٌ ، من قِبَل أنه إن كان
قد يجب أن نعرف أن مقدمات البراهين والأوساط ، فيجب بأن نكون عارفين
بالأشياء التي لا وسط لها من غير برهان . فهذا القول يقال في هذه وعلى هذا
النحو .

و أيضاً فإنه ليس إنما يكون العلم بالبرهان حَسْبُ ، بل قد يوجد هاهنا مبدأ
للعلم وهو الذي من شأنه تصيير الحدود . »

التفسير  

يقول : وأما نحن فلسنا نعتقد أن كل ما يُعلم إنما يُعلم بالبرهان . وهذا
الاعتقاد هو الذي من قِبَله ضل الفريقان . بل يعتقد أن هاهنا أشياء تُعْلم بنفسها
من غير وسط ، أي من غير برهان . ووجودها بيّنٌ ، من قِبَل أنه إذا وضعنا أن العلم
بالبرهان يقتنى من قِبَل أب العلم بالمقدمات على ما يظهر بنفسه ، ووضعنا أنه يجب أن
تقف معرفتنا بالمقدمات ، أي لا يمر الأمر إلى غير نهاية في حاجة المقدمات في العلم بها
إلى مقدمات أُخَر فواجبٌ [١٧ ب ] < احتياج > العلم الى مقدمات معروفة بنفسها

[Page 205] من غير وسط بإطلاق ، ولا وسط برهاني . وهذا هو الذي أراد بقول : « ووجود ذلك
واضحٌ بيّن ، من قبل أنه إن كان قد يجب أن نعرف أن مقدمات البراهين والأوساط
تقف » - يريد : والتصديق بأن هاهنا أموراً معروفة بنفسها واضحٌ بيّنٌ من قِبَل أنه
من المعروف بنفسه أنه يجب أن يكون علمنا ومعرفتنا بمقدمات البرهان والأوساط
يقف ، ولا يحتاج العلم بالمقدمات إلى العلم بمقدمات أُخَر حتى يمر ذلك إلى غير
نهاية . وإنما قال ذلك على جهة الاستظهار على الخصوم . فإنه من المعروف بنفسه
أن هاهنا أوائل معروفة بأنفسها . وهذا أحد ما يضعه صاحب هذا العلم وضعاً ،
من غير أن يتكلف بيانه .

وقوله : « وأيضاً فإنه ليس إنما يكون العلم بالبرهان حَسْبُ ، بل قد يوجد ها
هنا مبدأ للعلم وهو الذي من شأنه تصيير الحدود » - يريد : فإنه ليس يحصل العلم
لنا بالمبدأ الذي هو البرهان فقط ، بل قد يحصل لنا العلم من قِبَل مبدأ آخر ، وهو
العقل ، الذي به يعرف المقدمات الأول . فيعنى ب « الحدود » هاهنا : الحد
الأوسط في القياس الذي مقدماته معروفة بنفسها .
قال أرسطاطاليس :
« وأما أنه غير ممكن أن يتبيّن أمرٌ من الأمور بالدور على الإطلاق ، فيتبين مما
أذكره : أما أولاً فلأن البرهان إنما يكون من الأشياء التي هي أقدم وأعرف عند
الطبيعة . وغير ممكن أن تكون أشياء عند أشياء بأعيانها أكثر في باب التقدم والتأخر
معاً . »

التفسير
لما كان الفريق الثاني يضعون أن البرهان يكِون على كل شيء ، وانه يكون

[Page 206] دوراً ، شرع في بيان فساد كون البرهان يجرى دوراَ فقال إن ذلك بيّنّ بطلانه : أمّا
أولاً ومن حيث هو برهان ، لا من حيث هو قياس ، فمن قِبَل أن البرهان على ما
تقدم إنما يكون من مقدماتٍ هي أقدم في الوجود وأعرف عندنا وعند الطبيعة من
النتائج . فإن كان يعود البرهان دوراً ، فستكون النتائج أعرف من المقدمات وأقدم
عند الطبيعة . وقد كنا وضعنا أن المقدمات أعرف منها عندنا وأقدم في الطبيعة ،
فيكون شيء واحد متقدماً على شيء واحد بالطبع ومتأخراً عنه معاً ، من جهة واحدة .
وكذلك يكون أعرف منه وغير أعرف . وذلك كله مستحيل . وهو الذي أراد بقوله :
« وغير ممكن أن تكون أشياء بأعيانها عند أشياء بعينها أكثر في باب التقدم والتأخر ،
أي في كل واحدٍ منها بالإضافة إلى صاحبه ، ويتأخر معاً بنحوٍ واحد من أنحاء
التقدم .

قال أرسطاطاليس :
« اللهم إلا أن يكون ذلك على [١٨ أ ] وجهين اثنين : أحد الوجهين هو أن
يكون بعضها متقدماً عندنا ، ومتأخراً عند الطبيعة . والآخر أن يكون بعضها
متأخراً عندنا ومتقدماً عند الطبيعة . سوى أن الوجه الأول هو البيان الذي من قِبَل
الاستقراء .

فإن كان البرهان قد يكون على هذين الوجهين ، لا يكون تحديد البرهان
يجرى على الصواب ، لكن يكون مضاعفاً ، من قِبَل أن أحدهما يكون بالأشياء التي
هي أقدم وأعرت عندنا ، والأخر بالأشياء التي هي أقدم وأعرت عند الطبيعة
و بالعلة . »

التفسير  

لما بَينّ أنه مستحيل أن يكون البرهان يجرى دوراً ، من قِبَل أنه يلزم عن ذلك

[Page 207] أن تكون أشياء بأعيانها عند أشياء بأعيانها متقدمة متأخرة معاً من جهة واحدة ، وكان
قد يمكن الدور في البراهين بأن يكون أحد البرهانين يعطى السبب فقط إذا كان
الوجود معروفاً وأن يكون الآخر يعطى الوجود بأمر متأخر- مثال ذلك أن يبينِّ مُبيِّن
أن القمر كريّ الشكل من قبل أن ضوءه ينمى قليلاً قليلاً . ثم يعطى سبب هذا
النموّ من قبل كريته - استثنى من ذلك القول الكلي هذا المعنى فقال : « اللهم إلاّ أن
يكون ذلك على وجهين اثنين » - يريد : اللهم إلاّ أن يكون البيان في البرهان من
وجهين مختلفين ، أعني أن يُبينِّ أحدهما من الشيء الواحد غير ما يُبيّن الثاني ، فتكون
المقدمات تؤخذ في بيان النتيجة من وجهٍ ، وتكون النتيجة تؤخذ في بيان المقدمات
من وجه ،أي يعطى أحدهما في صاحبه نوعاً من العلم غير الذي يعطيه الآخر .

ولما استثنى هذا المعنى ، أخذ يبين ذينك الوجهين : أن يكون بعضها متقدماً
عندنا متأخراً عند الطبيعة ، والآخر أن يكون بعضها متأخرا عدنا ومتقدماً عند
الطبيعة . يريد : ومثال ذلك أن يكون أحد البرهانين من الأمور المتقدمة عدنا
والمتأخرة عند الطبيعة على الأمور المتقدمة عند الطبيعة فيكون هذا النوع برهان
وجودٍ . والآخر أن يكون من تلك الأمور المتقدمة عند الطبيعة على تلك الأمور
المتأخرة ، أي يعطى أسبابها من قبل الأمور المتقدمة إذا صار وجود المتقدمة معروفاً
من وجود المتأخرة التي كانت أعرف عندنا . وأخذ في مثال معرفة الأمور المتقدمة عند
الطبيعة من الأمور المتأخرة : الاستقراء . وذلك أن الاستقراء إنما يُصيَّر فيه من
الجزئي المركب إلى الكلي البسيط . والجزئي متقدم عندنا في المعرفة ، ومتأخر في
الطبيعة . والكلي بعكس ذلك . وهو الذي أراد بقوله : « سوى أن الوجه الأول هو
البيان الذي من قِبَل الاستقراء » - يريد : سوى أن الوجه الأول هو البيان الذي
يكون بالاستقراء فإنه يعطى وجود الشيء من قِيَل علته . ومن هذا النوع هي براهين
الدلائل ، أعني من الأمور المتقدمة عندنا إلى الأمور المتقدمة عند الطبيعة .
ولما ذكر إمكان هذين الوجهين [ ١٨ ب ] وكان كلامه إنما هو في البرهان المطلق ،
أعني الذي يعطى معرفة وجود الشيء وسببه معاً ، وهي البراهين التي عرض بها أن
يكون الأعرف فيها عندنا هو الأعرف عند الطبيعة .

[Page 208] 
قال : « فإن كان البرهان قد يكون على هذين الوجهين ، لا يكون تحديدنا
للبرهان جرى على الصواب » - يريد : لكن إن سلّمنا أن الدور يوجد في البراهين
على هذه الجهة لا يكون ما أخذنا في تحديد البرهان صواباً وهو أنه : قياس مؤتلف
من مقدمات أوائل عند الطبيعة . لكن يكون البرهان التام مضاعفاً ، أعني نوعين :
نوع منه من قِبَل المقدمة عند الطبيعة . ونوع منه من قِبَل المتأخرة ، ويكون برهان
السبب لا يعطى مع السبب الوجود ، وذلك خلاف ما قيل في حدّ البرهان . فإذن لا
يمكن الدور أصلاً في البرهان المطلق من حيث هو برهان مطلق وهو الذي يعطى
الوجود والسبب معاً . وهذا هو الذي أراد بقوله : لكن يكون مضاعفاً - أي تكون
طبيعة البراهين المطلقة مضاعفة ، أي اثنين ، من قِبَل أن أحد نوعي البرهان يكون
مؤتلفاً من الأشياء التي هي أعرف عندنا ، وهي المتأخرة عند الطبيعة ، وذلك خلافٌ
لما وُضِع في حد البرهان . فعلى مذهب هؤلاء يبطل البرهان المطلق ، إذ كانت
مبادئ البرهان تحتاج عندهم إلى برهانٍ من نوعٍ واحد ، وليس يمكن أن يقوم على
كل شيء برهان مطلق على الدور .

قال أرسطاطاليس :
« ويلزم القائلين ببرهان الدور مع الشناعة السابقة شناعة أخرى ، وهي بيان الشيء
بنفسه . وبهذا الطريق يسهل بيان سائر الأشياء ، ويظهر لزوم ذلك إذا وضعت
ثلاثة حدود . وذلك أنه لا فرق بين أن يقال التحليل بالعكس قد يكون بأشياء
كثيرة ، وبين أن يقال أنه يكون بأشياء يسيرة . ولا فرق أن يقال أنه بأشياء يسيرة ،
وبين أن يقال إنه بشيئين . وذلك أنه متى كانت أ موجودة ، كانت ب من
الاضطرار موجودة . ومتى كانت هذه موجودة ف ح موجودة . فإنه متى كانت أ
موجودة ، قد تكون ح موجودة . فإن كان متى كانت أ موجودة تكون ب من
الاضطرار موجودة ، وإذا كانت هذه موجودة ف أ موجودة ، فإن هذا هو برهان
الدور . »

التفسير  

لما بيّن أن برهان الدور ليس يمكن في البرهان المطلق من جهة ما هو برهان

[Page 209] مطلق ، وأن الدور إنما يمكن أن يقع بين برهان السبب وبرهان الوجود فقط ، وأن
البرهان المطلق ليس يمكن أن يقع فيه دور ، لا مع نفسه ولا مع غمره من أصناف
البراهين ، أخذ يبيّن أن الدور أيضاً ليس بقياس صحيح فضلاً عن أن يكون برهاناً
وهذا شيء قد بيّنه في كتاب « القياس » ، ولكن أعاده هاهنا . فقوله : « وبهذا
الطريق [ ١٩ أ ] يسهل بيان سائر الأشياء » ، يعنى أنه لو كان الدور صحيحاً ، لما
عسر على أحدٍ بيانُ شيء من الأشياء لأنه كانت تكون الأمور كلها معلومة بنفسها .
ولو كان ذلك كذلك لكان البيان فضلاً .

وقوله : « وقد يظهر لزوم ذلك إذا وضعت ثلاثة حدود » - يريد : وقد يظهر
لزوم هذا المعنى ، أعني كون بيان الدور باطلاً إذا فرضنا ثلاثة حدود ، وهو أقل ما
يأتلف منه القياس ، وهو القياس البسيط .
ولما أخبر أن الفساد الذي في بيان الدور يكفى في بيان بطلانه أن يبين في قياس
بسيط فقال : « وذلك أنه لا فرق بين أن يقال إن التحليل بالعكس قد يكون بأشياء
كثيرة ، وبين أن يقال إنه قد يكون بأشياء يسيرة . وإنما كان هذا المعنى يظهر في
القياس البسيط كما يظهر في القياس المركب ، لأنه لا فرق في هذا البحث بين أن
نضع القياس الذي يكون على طريق التحليل إنما يكون بمقدمات كثيرة ، أيّ أكثر من
ثلاث ، إن قال بذلك قائل ، أو إنما يكون بمقدمات إما اثنتين ، أو أكثر من اثنتين .
وهذا هو الذي أراد بقوله : « ولا فرق بين أن يقال إنه يكون بأشياء يسيره ، وبين أن
يقال إنه بشيئين » . وإنما قال هذا وإن كان من رأيه أن القياس البسيط إنما يكون من
مقدمتين فقط ، لأن هذا غير محتاج إليه في هذا الموضع ، أعني أن ليس وضعه
ضرورياً في فساد بيان الدور . لذلك ينبغي أن يفهم أنه أراد أن هذا المعنى يظهر ولو
وضع واضعٌ أن القياس البسيط إنما يكون بمقدمة واحدة فقط . فكلما قلت

[Page 210] المقدمات ، كان الفساد الذي في < بيان > الدور أوضح
ولما قال إنه يكفي في بيان ما نريد بيانه بأن نتمثل في ذلك بثلاثة حدود :
أصغر ، وأوسط ، وأعظم - قال : « وذلك أنه متى كانت « أ » موجودة ، كانت
« ب » من الاضطرار موجودة . ومتى كانت هذه موجودة ف « ج » موجودة . فإنه
متى كانت « أ » موجودة ،قد تكون « ح » موجودة . وإنما كان هذا يساوي ثلاثة
حدود ، لأنه متى أخذ آخذٌ بدل الحدّ الأصغر « أ » وبدل الحدّ الأوسط « ب » ،
وبدل الطرف الأكبر « ج » ، وأنزل أنه متى كانت « أ » موجودة ، كانت « ب »
موجودة ، أو أن كل « أ » هو « ب » ، فإنه فرق بين قولنا أنه إن كانت « أ »
موجودة ، فإن « ب » موجودة ، أو بين أن نقول إن كل « أ » هو « ب » . فقوله :
« متى كانت « أ » موجودة كانت « ب » موجودة لم يُرِد به مقدمة شرطية ، لأنه كان
يكون القول مركباً من قياسين شرطيين ، وإنما أراد به مقدمة شرطية ، لأنه
كان يكون القول مركبا من قياسين شرطيين . وإنما أراد به مقدمة حملية تأتلف
من حدين ، وهو أن كل « أ » هو « ب » . وكذلك قوله : « متى كانت هذه موجودة ف
« ج » موجودة » - يريد أن كل ب هو ج ، أي متى كان قولنا [ ١٩ ب ] « كل أ هو
ب » و « كل ب هو ج » - فإنه يجب عن ذلك أن يكون كل أ هو ج . وهذا هو
الذي دل عليه بقوله إنه متى كانت أ موجودة ، قد تكون ج موجودة . فلما وضع أنه
يلزم عن وجود أ وجود ب ، وعن وجود ب وجود ج - أن يكون كل أ هو ج - قال :
فإن كان متى كانت أ موجودة تكون ب من الاضطرار موجودة ، وإذا كانت هذه
موجودة ف أ موجودة ، فإن هذا هو برهان الدور » . وهذا القول يحتمل أن يكون أخذ
« أ » فيه بدل مقدمتى القياس ، وأخذ « ب » بدل النتيجة . فكأنه قال : وبرهان
الدور هو أن نضع متى كانت المقدمات موجودة ، أن النتيجة موجودة ، وأن النتيجة
متى كانت موجودة ، كانت المقدمات موجودة . و إنما كان هذا حقاً ، لأنه قد تبينّ في
كتاب « القياس » أنه يمكن ببرهان الدور بيان كل واحدة من المقدمتين بالنتيجة
وعكس المقدمة الثانية ، وأنه ليس يمكن هذا فقط ، بل وبيان المعكوس .

ويحتمل أن يكون أخذ « أ » بدل الحد الأصغر ، و « ب » بدل الأوسط ، و ج

[Page 211] بدل الكبير ، وأخرج المقدمات مخَرج الشرط ليبين من ذلك بطلان قياس الدور
نفسه ، فكأنه قال : وبيان الدور هو أن يبين أنه إن كانت « أ » موجودة أن « ب »
موجودة ، وأن « ب » إن كانت موجودة أن « ج » موجودة . ثم يقول : إن كانت
« ج » موجودة ف « ب » موجودة . وإن كانت « ب » موجودة ف « أ » موجودة .
فيكون قد بين وجود « ج » بوجود « أ » ، ووجود « أ » بوجود « ح » .

وبالجملة ، فإن ما يعرض من الدور في القياس الحملى هو بعينه يعرض في
الشرطي بنفسه ، وفي الحملى هو مما يحتاج إلى بيان . وأرسطو إذا تكلم في شيء فبودّه
ألا يتكلف في بيان ذلك الشيء ما يبين في غير ذلك الموضع . فلذلك كان هذا التأويل
الثاني عندي ممكناً ، وكلا التأويلين صحيح وتقتضيه ألفاظه . وكثيراً ما يعتمد أرسطو
في أقواله هذا النحو من المخاطبة ليكون من فهم منهما أيما فهمٍ فقد حصل الكفاية .
وخَيْر النظر من أمكنه أن يفهم منهما الأمرين جميعاً .

ولما أخبر على أي صفةٍ يقع بيان الدور ، أخذ يخبر بالمحال الذي يلزم هذا
البيان .

قال أرسطاطاليس :
« [73 a]* فلتوضع أ التي عليها ج . فالقول بأنه إذا كانت ب موجودة تكون
أ موجودة هو القول بعينه بأن ح موجودة . وهذا هو أن يقال : متى كانت أ موجودة
ف ج موجودة ، و ج و أ هما شيء واحد بعينه . فقد يلزم القائلين إذن بأن البرهان
يكون دوراً ألا يقولوا أشياء أُخَر [٢٠ أ] غير أنه متى كانت أ موجودة ، ف أ تكون
موجودة . وعلى هذا القياس قد يسهل أن يبين كل شيء . »

التفسير
يقول : وإذا كان تأليف برهان الدور هو أنه متى كانت أ موجودة ف ب
موجودة ، ومتى كانت ب موجودة ف أ موجودة - فقد يأتلف من هاتين المقدمتين إذا

[Page 212] رُتبت ترتيب الثلاثة حدود المتقدمة ، أعني قولنا : إن كانت أ موجودة ، ف ب
موجودة ، وإن كانت ب موجودة ، ف أ موجودة ، وأخذنا بدل أ ج أن يكون إذا
وضعت أ موجودة فهي موجودة . فإنه يأتلف القياس هكذا :
إن كانت أ موجودة ف ب موجودة .

وإن كانت ب موجودة ف ج موجودة .

فيلزم من ذلك أن أ إن كانت موجودة ف أ موجودة .

قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً فإن هذا لا يمكن أن يتم إلاّ في الأشياء التي يلزم بعضها بعضاً ،
بمنزلة الخواص والحدود . رقد تبين أنه متى وُضع شيء واحد ، لا يلزم ضرورة أن
آخر موجود ولا في وقت من الأوقات . وأعني بقولي أنه لا عندما يوضع حد
واحد ، ولا أيضاً عندما يوضع وضع واحد فيلزم على طريق القياس شيء آخر لكن
أقل ما يكون من وضعين أوّلين متى أردنا أن نقيس . فإن كانت أ لازمة ل ب ،
ج ، وكان هذان لازمين بعضهما بعضاً ولازمين للألف ، فعلى هذا النحو قد
يمكن تبيين البعض من بعض مع جميع الأشياء التي صودر عليها في الشكل الأول ،
على ما تبين في الأوائل في القياس . وقد تبين أيضاً في الشكلين الآخرين إما ألا
يكون قياس ، وإمّا لا يكون على الأشياء المأخوذة . »

التفسير
لما كان أولئك يرون أن برهان الدور يكون على كل شيء - يريد أن يبيّن أيضاً
أن هذا ليس بصادق لو سلّمنا لهم أن بيان الدور ينتفع به فقال : وأيضاً فإن هذا
لا يمكن أن يتم إلاّ في الأشياء التي يلزم بعضها بعضاً ، بمنزلة الخواص والحدود »
يريد : لو سلمنا لهم أن برهان الدور مما ينتفع به ، لم يصحّ قولهم إنه يتفق في كل
شيء أن يبرهن عليه دوراً . وذلك أن برهان الدور لا يمكن أن يتأن إلاّ في المقدمات

[Page 213] المنعكسة ، وهي المقدمات التي تكون محمولاتها خواص أو حدوداً . ثم أتى بالسبب
الذي مِن قِبله احتاج البيان بالدور إلى عكس إحدى مقدمات القياس ، وهو كون
القياس لا يكون من مقدمة واحدة ، بل من مقدمتين ، أقل ذلك ، فقال : « وقد
تبين أنه متى وضع شيء واحد لا يلزم ضرورة أن آخر موجود ولا في وقت من
الأوقات » - يعنى أنه ليس يلزم عن مقدمة واحدة معلومة بالطبع معرفة نتيجة
[٢٠ ب ] مجهولة بالطبع ، لا دائماً ولا في وقت من الأوقات .

وقوله : « وأعني بقولي إنه لا عندما يوضع حدّ واحد ، ولا عندما يوضع وضع
واحد » - يريد : أنه لا تلزم نتيجةٌ مجهولة عن وضع شيء واحد بالطبع ، سواء كان
ذلك الواحد حدّاً أي جزء مقدمة ، أو كان مقدمة . وإنما اشترط فيه أن يكون لازماً
على طريق القياس ، لأنه قد تلزم مقدمة لمقدمة واحدة . لكن ليس يتفق أن تكون
إحداهما معلومة ، والأخرى مجهولة ، حتى يكون لزوم المجهول فيها عن المعلوم على
جهة ما يلزم الشيء على طريق القياس .

وقوله : « لكن أقل ما يكون من وضعين أولين » - يعنى مقدمتين اثنتين . وهذا
شيء قد بينّه في كتاب « القياس » . وقد لخصنا نحن ذلك في ذلك الكتاب .

ولما وضع أن كل قياس إنما يكون من مقدمتين ، وجب أن يكون مستعمل
الدور في القياس ليس له وجه في تصحيح مقدمتي القياس بالنتيجة ، إلاّ أن يأخذ
النتيجة نفسها ، وعكس المقدمة الواحدة في تبيين الثانية . ثم يأخذ النتيجة أيضاً
وعكس الثانية في تبيين المقدمة الأولى . وكان ذلك لا يصحّ إلاّ في المقدمات
المنعكسة.

قال : « حتى إذا أردنا أن نقيس فإن كانت أ لازمة ل ب و ج ، وكان هذان

[Page 214] لازمين بعضهما بعضاَ ولازمين للألف ، فعلى هذا النحو قد يمكن تبيين البعض من
البعض » - يريد أن قياس الدور إنما يمكن إذا كان الحد الأكبر ، الذي هو أ مثلاً ،
لازماً عن الأوسط الذي هو ب ، والأوسط لازماً عن الأصغر الذي هو ج ، وكانت
هذه الحدود الثلاثة منعكسة أيضاً ، أي يلزم عن أ : ب ، وعن ب : أ .

وقوله : « مع جميع الأشياء التي صودر عليها في الشكل الأول » - يعني : ذلك
أن المستعمل للدور يحتاج ، مع تبيين المقدمتين ، إلى تبيين عكسهما ، وهو الذي أراد
بقوله : « مع جميع التي صودر عليها في الشكل » يعني المعكوسات ، وإنما قال : « في
الشكل الأول » لأنه لا يمكن بيان الدور في مقدمتى القياس جميعاً وعلى كل ما يصادر
عليه في بيان مقدمتي القياس ، إلاّ إذا كان القياس في الشكل الأول . وذلك أيضاً إذا
كان موجباً . لذلك قال : « وقد تبيّن أيضاً في الشكلين الآخرين إما ألا يكون
قياس ، وإمّا ألا يكون على جميع الأشياء المأخوذة » - يريد : وقد تبيّن من أمر
الشكلين الآخرين ، أعني الثاني والثالث ، أنه إمّا ألاّ يتأتى فيه قياس دائر ، وإما أنه
لا يمكن أن تبين به كلتا المقدمتين المأخوذة فيه ، لأن النتيجة في الشكل الثاني لما كانت
سالبة لم تنتج شيئاً إذا قرنت إليها المقدمة السالبة . وإذا كانت الصغرى في الشكل
الثاني هي السالبة وقُرن إليها المقدمة الموجبة ، كان [ ٢١أ ] التأليف منتجاً ، لكن
لغير المطلوب لأن الصغرى تصير < سالبة في > الشكل أول وقد تبين < أن
هذا > منتح لكن لغير المطلوب ، وهو الذي أراد بقوله : « وإما ألا يكون على
الأشياء المأخوذة » - يريد : وإما ألا يكون قياس على الشيء المفروض أي المطلوب .

قال أرسطاطاليس :
« وأما الأشياء التي لا تنعكس في الحمل فلا سبيل إلى أن تبين دوراً . وذلك لما
كانت أمثال هذه البراهين يسيره ، ويبين ويظهر أن القول بأن البرهان يكون من
البعض على البعض ، وإن من قال - من قِبَل هذا - قد يمكن برهان على كل شيء -
فهو قول باطل غير ممكن . »

[Page 215] 
التفسير
يقول : ولما كانت الأشياء التي لا تنعكس في الحمل لا سبيل إلى أن تبين
دوراً ، فإن سلّمنا أن البراهين تكون دوراً فليس تقوم البراهين على هذا إلاّ في أشياء
يسيرة . ويبين ويظهر من هذا إن سلّمنا أن الدور برهان أنه يكون من البعض على
بعضٍ ، وذلك في بعض الأشياء ، لا في كلها . وإنّ قال إنه قد يمكن برهان دائر
على كل شيء فهو باطل وغير ممكن .

فصل ٤ - < تعريف قولنا « على الكل » و « بالذات » وكُلي » >

قال أرسطاطاليس :
« ومن البين أن المطالب التي تُعلم علماً محققاً غير ممكن أن تكون بخلاف ما
هي عليه ، فمن الاضطرار أن تكون هذه إنما تُعلم بالبرهان ، من أجل أن
البرهان الذي يوقف به على الشيء على التحقيق هو ضروري ، لأنه بالعلة غير
مستحيل ولا متغير . وإذا كان بهذه الصفة ، فمقدماته ضرورية غير مستحيلة ولا
متغيرة . فيجب إذن أن ينظر في الخواص والشروط التي بها تكون مقدمات البرهان
ضرورية . ثم يتبع ذلك النظر في المطالب البرهانية . »

التفسير

لما كان قد تبينّ من حدّ البرهان أن مقدماته فينبغي أن تكون علّة للنتيجة
وصادقة وأعرف عند الطبيعة من النتيجة ، وغير ذوات أوساط ، وضرورية - عاد ها

[Page 216] هنا إلى استيفاء القول في خواص المقدمات اليقينية . وجعل ابتداء الفحص عن ذلك
بأن بيّن أنه يجب أن تكون ضرورية ، إذ كان هو أملك الصفات بها ، وهي الصفة
التي تتنزل من سائر صفات المقدمات منزلة الاسطقس فقال : « ومن البيّن أن
المطالب التي تعلم علماً محققاً غير ممكن أن تكون بخلاف ما هي عليه » - يريد : ولما
كان من الظاهر بنفسه أن المطالب التي تعلم علماً تاماً غير ممكن أن تكون في وقت من
الأوقات بخلاف ما هي عليه ، بل تكون ضرورية . وذلك أنه إن لم تكن ضرورية لم
يكن يقترن إلى العلم بوجودها أنها غير ممكن أن تكون بخلاف ما هي عليه
[٢١ ب ] وهي الشريطة التي ينفصل بها اليقينُ من غير اليقين .

ولما وضع أن المطالب يجب أن تكون ضرورية ، قال : « ومن الاضطرار أن
تكون هذه إنما تعلم بالبرهان » - يريد : ومن المعروف أيضاً بنفسه أن هذا العلم إنما
يحصل في المطالب ، أعني العلم الضروري ، وهو أن يُعتقد فيها أنها لا يمكن أن
تكون بخلاف ما هي ولا في وقت من الأوقات من قِبَل البرهان . فيجب أن يكون
البرهان بهذه الصفة ، أعني ضرورياً . وإنما يكون كذلك من قِبَل أن مقدماته تكون
ولا بدّ ضرورية . ثم أن بالسبب الذي من قِبَله كان العلم بالمطالب من قِبَل البرهان
ضرورياً ، فقال : « من اجل أن البرهان الذي يوقف به على الشيء على التحقيق هو
ضروري ، لأنه بالعلة غير مستحيل ولا متغير » - يريد : وإنما كان العلم بالمطلوب
ضرورياً من قِبَل البرهان ، لأن البرهان يكون على الشيء بعلته . وعلة الشيء
ضرورية له ، أي أن الشيء لا يمكن أن يوجد ، ولا في وقت ما ، دون علّته . فلما
كان البرهان بالعلة ، صار العلم المستفاد من قِبَله غير مستحيل ولا متغير .

ولما قرر أن مقدمات البرهان واجب أن تكون ضرورية ، أخذ يطلب الخواص
والشروط التي بها تكون ضرورية ويوقف منها على أنها ضرورية ، لان من هذه
الخواص والصفات يمكن أن يعرف الضروري من غير الضروري ، إذ كانت أعرف
عدنا من الضروري ، وكانت خاصة به ، فقال : « فيجب أن ننظر في الخواص
والشروط التي بها تكون مقدمات البرهان ضرورية . ثم يتبع ذلك النظر في المطالب
البرهانية .

[Page 217] 
قال أرسطاطاليس :
« وأولاً ينبغي أن نشرع في أن نبينّ ما معنى قولنا : « على الكل » و
« بالذات » وما معنى قولنا : « كلي » .

فأمّا معنى قولنا : « على الكل » فهو متى لم يكن المحمول موجوداً لبعض
الموضوع ، ولبعضه ليس بموجود ، ومتى لم يكن أيضاً المحمول موجوداً لبعض
الموضوع في وقتٍ ما ، وفي وقت آخِر لا بمنزلة ما نحكم ب « الحيوان » على كل
إنسان . فأيّ شخصِ حكمنا عليه بأنه إنسان فكان حكمنا صادقاً ، فإن حكمنا عليه
بأنه حيوان : صادق ، فإن كان أحدها الآن صادقاَ ، فالأخر صادق . وكذلك
النقطة في كل خط .

والسبب الذي من أجله يُحتاج أن يجتمع في المقول على الكل هذان الشرطان
هو أن للمعاند أن يعاند الحكم بأنه على الكل ، بأن يرى واحداً من الموضوعات
ذلك [ ٢٢ أ ] المحمول غير موجود له ، أو يرى أن ذلك المحمول غير موجودٍ
لواحد من الموضوعات في وقت ما . »

التفسير
لما كان غرضه أن يبيّن الخواص التي تخص المقدمات الضرورية ، وكانت
ثلاثة :
أحدها : أن يكون الحمل فيها على الكل .

والثاني : أن يكون الحمل بالذات .

والثالث : أن يكون الحمل كلياً ، ذكر أولاً أنه ينبغي أن نشرح ما تدل عليه
الأسماء . ثم بينّ وجوب وجودها في المقدمات البرهانية .

فقوله : « وأولاً ينبغي أن نشرع في أن نبيّن ما معنى قولنا « على الكل » و
« بالذات » وما معنى « كلي » - يريد : ولما كانت الخواص التي تخص المقدمات
الضرورية أن يكون الحمل فيها على الكل وبالذات ، وبالحمل الذي يخص في هذا

[Page 218] الكتاب بالحمل الكلي ، فقد ينبغي أن نشرع أولاً في شرح ما تدل عليه هذه
الأسماء . ثم بعد ذلك يتبين أن المقدمات البرهانية ينبغي أن تكون بهذه الصفات
الثلاث .

وقوله : « فأما معنى « على الكل » فهو متى لم يكن المحمول موجوداً لبعض
الموضوع ولبعضه ليس موجوداً ، ومتى لم يكن المحمول موجوداً لبعض الموضوع في
وقت ما ، وفي وقت آخر لا » - يريد : ومعنى ما يحمل على الكل أن يكون المحمول
موجوداَ لكل الموضوع لا لبعضه ، وفي كل الزمان لا في وقت دون وقت ، لا لكله
ولا لبعضه . وبيّن أن الحمل الضروري ينبغي أن يكون بهاتين الصفتين .

وقوله : « بمنزلة مانحكم بالحيوان على كل إنسان فأيّ شخص حكمنا عليه بأنه
إنسان فكان حكمنا صادقاً ، فإن حكمنا عليه بأنه حيوان : صادق » - يريد : ومثال
الحكم الكلي حكمنا على كل إنسان أنه حيوان ، فإن معني الكلية فيه هو أن كل
شخص حكمنا عليه بأنه إنسان فكان حكماً صادقاً ، فإن حكمنا عليه بأنه حيوان :
صادق ، أي كلما يوصف بأنه إنسان يكون ذلك الوصف صادقاً فإن حكمنا عليه بأنه
حيوان هو صادق ولا بد ، وذلك في كل زمان .

وقوله : « فإن كان أحدهما الآن صادقاً فالآخر صادق » - يريد : أنه متى حكم
على شيء بأنه إنسان ووضع هذا صادقاً ، فإن الحكم عليه بأنه حيوان يكون صادقاً
ولا بد في كل وقت .
وقوله : « وكذلك النقطة » - يريد : وكذلك الحكم بأن كل خطٍ فنهايتاه
نقطتان . ولما أخبر أن هذين الشرطين هما شرطا الحمل على الكل ، أتى بالحجة على
ذلك فقال : « والسبب الذي من أجله يحتاج أن يجتمع في المقول على الكل هذان
الشرطان هو أن لمعاندٍ أن يعاند الحكم بأنه ليس على الكل بأن يرى واحداً من
الموضوعات ذلك المحمول غير موجود له ، أو يُرى أن ذلك المحمول غير موجود

[Page 219] لواحد من الموضوعات في وقت ما » . يريد : والحجة التي من قِبَلها يقف المرء على
أنه يجب أن يجتمع في [ ٢٢ ب ] المقول على الكل هذان الشرطان أن المعاند إنما يعاند
الحمل على الكل بفقد أحد هذين الشرطين ، وذلك إما بأن يتبين أن ذلك المحمول
غير موجود في واحد من الموضوعات ، أو يبينّ أن المحمول غير موجود لواحد من
موضوعاته في وقت ما ، أو لجميع موضوعاته .

قال أرسطاطاليس :
« ويقال « بالذات » على جميع المحمولات المأخوذة في حدود الموضوعات ، بمنزلة
الخط في حد المثلث ، والنقطة مأخوذة في الخط لأنها ذاتي في حدّ الخط ، فإن هذين
هما ذاتيان للخط وللمثلث ، وبالجملة سائر الأشياء المأخوذة في حدّ كل محدود ،
وذلك أن جوهرهما إنما هو من هذه الأشياء . »

التفسير
لما كان « بالذات » يقال على وجوهٍ ثلاثة ، ابتدأ بأولها فقال : « ويقال بالذات
على جميع المحمولات المأخوذة في حدود الموضوعات بمنزلة الخط في حدّ المثلث ،
والنقطة مأخوذة في الخط لأنها ذاتية في حدّ الخط » - يريد : وأحدُ ما يقال عليه أنه
محمولات بالذات هو أن يكون المحمول يؤخذ في حد الموضوع إمّا على أنه حدّ تامّ
له ، أو جزء حدّ ، بمنزلة أخذ الخط في حد المثلث . وذلك أن حدّ المثلث هو الذي
تحيط به ثلاثة خطوط . فالخط ، من حدّ المثلث ، يجرى مجرى جزء الفصل ، وبمنزلة
النقطة المأخوذة في حدّ الخط ، وذلك أن الخط قد يحدّ بأنه الذي نهايتاه نقطتان ، كما
أن السطح يجدّ بأنه الذي نهايته خط أو خطوط ، والجسم هو الذي نهايته سطح أو
سطوح ، فتنزل النقطة من الخط منزلة جزء الفصل ، لأن الفصل له إنما يتم من
العدد والنقطة ، أعني كون النقطة اثنتين . - وقوله : « لأنها ذاتية في حد الخط »
يعنى أن النقطة إنما أخذت في حد الخط لكونها ذاتية له . وكذلك الخط إنما أخذ في

[Page 220] حد المثلث لأنه ذاتي له . وهذا هو الذي أراد بقوله : « فإن هذين هما ذاتيان للخط
وللمثلث » - يعني : النقطة للخط ، والخط للمثلث . وهذا المحمول هو إمّا حدّ
تام ، وإمّا جزء حدّ . وذلك إمّا فصل ، وإمّا جنس ، وإمّا جزء فصل أو جنس .

قال أرسطاطاليس :
« ويقال بالذات أيضاً على جميع المحمولات المأخوذة موضوعاتها في حدودها ،
بمنزلة : الاستقامة والانحناء الموجودين في الخط ، والفرد والزوج الموجودين في
العدد ، والأول والمركب والمتساوي الأضلاع والمختلف الطول [73 b] - وجميع
هذه قد تؤخذ موضوعاتها في حدودها بمنزلة الخط في حد الاستقامة والانحناء ،
والعدد في حد الفرد والزوج [ ٢٣ أ ] وغير ذلك مما ذكر في جميع هذه تقال بالذات
من قِبَل انطواء موضوعاتها في حدودها . »

التفسير  

لما كانت المحمولات الذاتية تقال على نوعين : أحدهما أن تكون المحمولات
مأخوذة في حد الموضوعات ، وهذه المحمولات قد تكون في مقولة الجوهر ، وفي كل
واحدة من سائر المقولات - أخذ يذكر الصنف الثاني من المحمولات الذاتية ، وهو
عكس هذا ، أعني أن تكون الموضوعات داخلة في حدود المحمولات ، والمحمولات
في هذا الصنف لا تكون إلاّ أعراضاً ، ولذلك تخصّ هذه بالأعراض الذاتية . وأما
الموضوعات فقد تكون في مقولة الجوهر ، وقد تكون في سائر المقولات . وهي
صنفان : إما أن يؤخذ في حدّها الموضوع نفسه ، وإما جنسه ، أو جنس جنسه ، ما لم
يتعدَّ ذلك الجنس المنظور فيه ، أعني جنس الصناعة التي فيها ذلك العَرَض الذاتي
والمأخوذ هاهنا هو جارٍ مجرى الفصل . وقد يظن أنه ليس من شرط الجنس المأخوذ

[Page 221] في حد المحمول ألاّ يكون متعدياً جنس الصناعة ، أعني ألا يكون جنس جنسها ،
وهو الذي يذهب إليه أبو نصر ، فإنه يقول في كتابه إن الأعراض الذاتية : منها ما
هي أوَل ، وهي التي ينقسم بها جنس تلك الصناعة ، ومنها غير أُوَل وهي التي
ينقسم بها جنُس جنِس تلك الصناعة . وهو غَلطٌ بيّن ، لأنه إذا كانت الأعراض
الذاتية بعضها مما يؤخذ في حدها جنسُ جنِس الصناعة ، فيمكن أن يكون منها ما
يؤخذ في حده جنس جنس الجنس ، إلى الجنس العالي . وذلك أنه لا فرق بين
جنسِ جنسِ الصناعة ، أو جنسِ الجنسِ ما ترقى ذلك صاعداً في كون جميعها
خارجة عن جنسِ الصناعة . فإن جعلت الذاتية ، أو بعضها ، بهذه الصفة ،
اختلطت الصنائع، و كانت الذاتية مشتركة لأكثر من صناعة واحدة . و إذا اشتركت
الأشياء الذاتية في جواهرها ، فتكون الموجودات المتباينة من طبيعة واحدة . وذلك
غاية الشُّنعة والاستحالة .

وإنما يتشككِ في هذا الجنس من المقدمات العامة التي يظن أنها مشتركة لأكثر من
صناعة واحدة ، مثل المقدمة القائلة : الأشياء المساوية لشيء واحد فهي متساوية .
وكذلك القائلة إن : المتناسبة إذا بُدِّلت تكون متناسبة . فإنه قد يظن بهذه أنها تشمل
أكثر من جنس واحد ، إذ كانت تصدق على الكمية المتصلة والمنفصلة . ولكن سيبين
كيف الأمر في هذه عندما يتشكك أرسطو على كون المقدمات الذاتية خاصة بالجنس
بهذه المقدمات . فقوله : « المأخوذة موضوعاتها في حدودها » ينبغي أن يفهم
الموضوعات أنفسها أو أجناس [ ٢٣ ب] الموضوعات أو أجناس ألمأخوذة في
حد ذلك العرض ومقابله ، ما لم يتعد بذلك جنس الصناعة .

وقولة : « بمنزلة الانحناء والاستقامة الموجودين في الخط » - يعني أن مثال
الأعراض الذاتية للجنس وجود الانحناء والاستقامة في الخط . وذلك أن كل خط

[Page 222] فإما أن يكون منحنياً ، أَو مستقيماً ، أو مستديراً . وكذلك الزوج والفرد في ذلك ،
وذلك أن كل عددٍ لا يخلو أن يكون زوجاً أو فرداً . وكذلك العدد الأول ،
والمركب . وذلك أن كل عدد لا يخلو أن يكون أولاً ، أو مركباً . ويعنى بالأول ما لم
يقم من ضرب عدد في عدد ، وبالمركب : ما قام من ضرب عدد في عدد . وكذلك
تساوى الأضلاع واختلافها : أعراض ذاتية في ذوات الأضلاع ، وذلك أن كل ذي
ضلع فهو إما متساوي الأضلاع ، وإما مختلفها .

وقوله : « وجميع هذه تؤخذ موضوعاتها في حدودها » يعنى بالموضوعات ها
هنا : الجنس الذي ينقسم بهذه الأعراض المتقابلة قسمة أولى ، وهو جنس
الموضوعات التي تحمل عليها هذه الأعراض حملاً كلياً . ولم يأتِ بمثال من الأعراض
التي تؤخذ موضوعاتها أنفسها في حدودها ، وهي الخواص ، مثل الضحك
للإنسان ، والصهيل للفرس ، لبيانها .

قال أرسطاطاليس :
« والمحمولات التي ليست ولا على واحدٍ من هذين الضربين فهي محمولات
عرضية ، بمنزلة الموسيقى والبياض للحيوان . »

التفسير  

لما أخبر أن المحمولات الذاتية صنفان : إما محمول في جوهر الموضوع ، وإما
محمول جوهرُهُ الموضوع فهو بيّن أنه إذا سلّمنا صحة هذه القسمة ، فإن ما عدا هذه من
المحمولات هي عرضية ، إذ كان من المعلوم بنفسه في هذه الصناعة أن المحمولات
صنفان : محمول ذاتي ، وعَرَضي . لكن قد يظن أن هاهنا أموراً ذاتية منسوبة إلى
الشيء وليس تؤخذ في حده ، وهي أكثر الأسباب الفاعلة ، فإن كل الأسباب ليست
تؤخذ في الحدود ، ولذلك ما جعلها أرسطو صنفاً ثالثاً مما بالذات . وقال بعد ذلك :
« والمستعمل من أصناف ما بالذات في البرهان صنفان » - فلنرجئ الجواب عن هذا

[Page 223] إلى شرح الموضع الذي ذكر فيه هذا ، ونبحث هاهنا عن الشك الثاني وهو : كيف
أغفل الصنف الثالث من المحمولات الذاتية ، وهي التي يؤخذ كل واحدٍ منهما في حدّ
صاحبه ؟ فنقول : إن قصده [ ٢٤ أ ] هاهنا إنما هو أن يعطى الأحوال والسّبارات
التي ينتفع باستعمالها في أكثر الأشياء الموجودة ، وهي الأشياء التي توجد لها الحدود
بالحقيقة ، لأن الحدود إنما توجد للمركبات الموجودة الوجود التام . وأما الأمور
البسيطة والناقصة الوجود ، أعني التي وجودها قريب من أن يكون في الذهن ، مثل
الأمور المضافة ، فليس توجد لها الحدود بالحقيقة . لأنه لو كان ذلك كذلك ، لكان
البيان فيها دوراً . ولذلك ليس أحد المضافين علةً لصاحبه على الجهة التي تكون
الأسباب عللاً لمسبباتها . وهذا شيء قد مخرح به أرسطو في كتاب « المقولات » .
فالجواب الذي يجاوب به هاهنا عن الأشياء التي ليست لها حدود هو الذي يجاب به
عن الأشياء التي حدودها ناقصة . وهذا شيء قد صرح به المفسرون في غير ما
موضع ، وصرّح به أرسطو ، أعني أن القوانين المعطاة هاهنا هي أكثرية . وتلك
هي القوانين الذاتية في هذه الصناعة وأما الأحوال التي تخصّ جنساً واحداً من
الموجودات ، فيشبه ألا تكون صناعية ، إذ كان الصناعي هو القانون الكلي الذي
يشتمل على أكثر من جنس واحد .

وإذا تقرر هذا ، فمعنى قوله : « والمحمولات التي ليست ولا على واحد من
هذين الضربين فهي محمولات عرضية » أي أن المحمولات التي ليست على واحد من
هذين الضربين فهي في الأكثر محمولات عَرَضية .

وقوله في المحمولات العرضية إنها بمنزلة الموسيقى للحيوان والبياض
للحيوان ، وذلك أن الحيوان ليس ينقسم إلى ما هو أبيض وإلى ما ليس بأبيض ،
وإنما ينقسم بذلك ذو اللون بما هو لون . وكذلك الموسيقى ليس ينقسم بها الحيوان ،
وإنما ينقسم بها الإنسان في ذاتية له .

[Page 224] 
قال أرسطاطاليس :
« ويقال بالذات لجميع أشخاص الجواهر الأوَل ، بمنزلة الذي يمشى : فإن
معنى المشيء غير معنى الذي يحمل له المشيء ، وبمنزلة الأبيض . فالجواهر ، وكل ما
فصدنا نحوه بالإشارة ، والذي ليس وجوده في شيء ولا يقال على شيءٍ موضوعٍ هو
بالذات . فأما التي وجودها في شيء فهي أعراض . »

التفسير
لما كان قصده أن يحصى أصناف الوجوه التي يقال عليها « بالذات » ، وكان
قد ذكر من ذلك الصنفين الخاصين بمقدمات البراهين ، ذكر من ذلك أيضاً صنفاً ثالثاً
ليس على أنه شيء ينتفع به في مقدمات البراهين ، بل على جهة ما يجب على المعلم
بالاسم المشترك أن يقسم الاسم المشترك إلى جميع معانيه ، ويرشد إلى المعنى الذي
قصد منها .

فقوله : « ويقال بالذات لجميع أشخاص الجوهر » يريد أن جميع أشخاص
الجوهر [ ٢٤ ب ] يقال في كل واحدٍ منها إنه موجود بذاته ، بمعنى أنه ليس وجوده
بغيره . وهذا المعنى يقابله « الموجود بغيره » وهو العَرَض .

وقوله : « بمنزلة الذي يمشي فإن معنى المشي غيرُ معنى الذي يحمل المشي ،
وبمنزلة الأبيض » - يريد أن هذه الأشخاص مثل شخص الماشي ، لا شخص المشى
الموجود في الماشي ، فإن معنى المشي مباين لمعنى الذي يحمل المشي ، إذ كان الماشي
موجوداً لا في غيره ، والمشي موجود في غيره ، أي في الماشي .

وقوله : « بمنزلة الأبيض » - يريد : الحامل للبياض ، فإن الحامل له هو
شخص الجوهر .

ولما اخبر أن أحد المعاني التي يقال عليها « موجودة بذاتها » هي أشخاص

[Page 225] الجوهر ، وبيَن بالتمثيل الفرق بينها وبين أشخاص الأعراض - أخذ يحدّد أشخاص
الجواهر فقال : « وكل ما قصدنا نحوه بالإشارة والذي ليس وجوده في شيء ولا يقال
على شيء موضوع هو بالذات »   - يريد : وهذه الأشخاص هي التي يقصد نحوها
بالإشارة ،من جهة أنه ليس وجودها في شيء كأشخاص الأعراض ، ولا تحمل على
موضوع بالذات ، أي على المجرى الطبيعي . وهذا هو الذي قيل في رسم شخص
الجوهر من أنه لا يعرف من شيء ذاته ولا شيئاً خارجاً عن ذاته ، أي ليس يحمل على
شيء : لا حملاً يعرف جوهره ، ولا حملاً لا يعرف جوهره .

قال أرسطاطاليس :
« ويقال بالذات لسائر المعلولات اللازمة لعللها من الاضطرار . فإن
المعلولات التي ليست لازمة لعللها من الاضطرار لا يقال إنها بالذات ، لكن
بالعَرَض ، بمنزلة حدوث البرق عند مشي الماشي ، فإن مشيه ليس هو علة لحدوث
البرق ، لكن عَرَض واتفق عند مشيه أن حدث البرق .

فأما المعلولات اللازمة لعللها من الاضطرار ، فإنه يقال « بالذات » ، بمنزلة
الموت التابع لذبح الإنسان من الاضطرار ، فإن هذا المعلول يقال له بالذات من قِبَل
أنه لازم للعلة التي هي الذبح من الاضطرار . وليس الموت يعرض باتفاقٍ عن
الذبح . »

التفسير
الظاهر من هذا أنه معنى رابع من المعاني التي يقال عليها « ما بالذات » . وقد
يظن أنه راجع إلى أحد المعنيين المتقدمين ، إذ كان مقابله ما بالعرض . وكل شيء
ينسب إلى شيء ، أو يحمل عليه أيّ حمل كان فهو : إما بالذات ، وإمّا بالعرض .
وإذا تؤمل الأمر فيه ، ظهر أنه معنى رابع . ذلك أن المحمولات التي تؤخذ في حدود
الموضوعات هي الأسباب الموجودة في الشيء ، لا الأسباب الخارجة عن الشيء .

[Page 226] 
والسبب الفاعل ليس من الأسباب الموجودة في الشيء . فلذلك وإن كان نسب
المفعول إليه بالذات ، فليس مأخوذاً في حدّ المفعول إلا بالعرض . ولهذا جعله
صنفاً رابعاً . وأمّا هل يُعدُّ.هذا الصنف [ ٢٥ أ ] من الحمل في البراهين المطلقة ففيه
فحصى ، وذلك أنه يعسر تبيين وجود الشيء من قِبَل فاعله . فإن الفاعل إذا وُضع
موجوداً لم يلزم عنه وجود المفعول . وكذلك يَقلُّ تبيين الأعراض الموجودة في الشيء
من قبل سببه الفاعل . فهذا الحمل إن دخل في أصناف الحمل البرهاني ، فإنما يدخل
في الدلائل ، أو في براهين الأسباب ، لا في البراهين المطلقة التي هي حدود بالقوة .
ولهذا لم يعدّه أرسطو في المحمولات البرهانية .

وكلامه في الفصل الذي كتبناه مفهومٌ بنفسه .
قال أرسطاطاليس :
« والمستعمل من أصناف ما بالذات في البرهان صنفان : المحمولات المأخوذة
في حدود الموضوعات ، والمحمولات المأخوذة موضوعاتها في حدودها . وهذه أيضاً
هي ضرورية وذاتية ، من قِبَل أن وجودها لموضوعاتها من الاضطرار . وكل واحدٍ
من المتقابلين في الخط : إما الاستقامة وإما الانحناء ، وفي العدد : إما الفرد وإما
الزوج . وذلك أن تقابل هذين في الطبيعة القابلة لهما إما تقابل عدم وملكة ، وإما
تقابل إيجاب وسلب . فإن العدد متى عدم معنى الفرد ، فالزوج حاصل له . ومتى لم
يكن الايجاب ، فالسلب من الاضطرار . فهذه هي بالذات من الاضطرار .
فقد لخصنا معنى قولنا « بالذات » و « على الكل . »

التفسير
قوله : « والمستعمل من أصناف ما بالذات في البرهان صنفان » - يعني

[Page 227] بالبرهان : البرهان المطلق ، لا جميع أصناف البراهين . فإن النسبة التي بين السبب
الفاعل قد تدخل في الدلائل ، وقد تدخل في براهين الأسباب فقط . ولذلك من ظن
أن المحمولات في كل برهان هو أحد صنفي هذا الحمل - كما يعطى ظاهر كلام أبي
نصر في كتابه - فهو غالط . وذلك أن الأسباب التي خارج الشيء ليس تدخل في
حدود الأشياء إلا بالعَرَض ، أعني إذا اتفق أن يكون السبب الفاعل موجوداً في
الشيء ، لا مفارقاً له ، مثل قيام الأرض في الكسوف بين الشمس والقمر ، فإنه
سبب فاعل وموجود مع الكسوف نفسه . وكذلك الغاية ليس تدخل في الحدّ إلا إذا
جُهِل الفصل فتقام مقامه . وبالجملة من يضع أن كل واحدٍ من الأسباب الأربعة
تؤخذ حدوداً في البراهين المطلقة ، ويضع أن جميع أصناف الحمل البرهاني هو
صنفان : أَخذُ المحمولات في حدود الموضوعات ، وأَخْذُ الموضوعات في حدود
المحمولات - هو مناقضٌ نفسه من غير أن يشعر . وقد يظن بأبي نصر أنه هكذا
فعل .

 
وإنما قال : « وهذه أيضاً هي ضرورية وذاتية » - من قبل أنه ليس كل ذاتي
ضرورياً ، لا من قبل أنه [٢٥ ب ] ليس كل ضروري ذاتياً ، كما يذهب إليه أبو
نصر ، فإن مذهب أرسطو هو خلاف هذا ، أعني أن : كل ضروري ذاتي - على ما
سيبين بعد .

ولما أخبر أن الذاتية في هذه هي ضرورية أتى بالسبب في ذلك فقال : « إن وجودها
لموضوعاتها من الاضطرار » - يريد : وإنما كانت . هذه الأعراض الذاتية ضرورية ،
بخلاف الأعراض الذاتية الغير ضرورية ، أعني الأكثرية مثل الشيب للإنسان ، من
قِبَل أن وجود هذه الأعراض في موضوعاتها أمرٌ ضروري لا ينقل عن موضوعاتها .

[Page 228] 
ولما ذكر أن وجود هذه الأعراض لموضوعاتها ضروري ، أتى بالسبب في ذلك
فقال : « وكل واحد من المتقابلين في الخط : إما الاستقامة وإما الانحناء ، وفي
العدد إما الفرد وإما الزوج » - يريد : وإنما كانت ضرورية الوجود لموضوعاتها من
قِبَل أن كل واحدٍ منها مع مقابله محصور في الموضوع ، ولذلك ينقسم بها الموضوع
قسمة أولى ، مثل انحصار الانحناء والاستقامة في طبيعة الخط ، وانحصار الزوج
والفرد في طبيعة العدد وذلك أن كل خط فهو إما مستقيم ، وإما منحنٍ . وهذا الذي
ذكره هو الفرق بين الأعراض الذاتية وغير الذاتية . ولذلك متى لم نشعر بهذا
الانحصار ، لم يحصل عندنا أنها ذاتية . ولذلك متى وجدت أعراضٌ لشيء ، ولم
تكن منحصرة في جنس ذلك الشيء الذي حُملت تلك الأعراض عليه ، أو لم تكن
خاصة بنفسه ، فليست ذاتية لذلك الذي حُملت عليه .

وإذا كان هذا هكذا ، فقول من قال في الأعراض الذاتية إن منها ما هي
متقابلة في الجنس الذي توجد فيه ، ومنها ما ليست متقابلة ، إن أراد أنه ليس من
شرطها ، أن تكون متقابلة - فهو خطأ . وإن أراد أنه يعرض للجنس الواحد أنه إذا
كان فيه أكثر من مقابلة واحدة ، أن لا يكون الفرد الذي في أحد المتقابلين مقابلاً
للفرد الذي في المقابل الآخر - فذلك صحيح ، لكنه بالعَرَض ، مثل الزوج والمجسم
الموجودين للعدد ، فإن الزوج إنما صار ذاتياً للعدد لأن العدد ، بما هو عدد ، منقسم
به وبمقابله . وكذلك العدد ينقسم إلى العدد المجسّم ، والغير مجسّم . وأما انقسام
العدد إلى الزوج والمجسّم فهو له بالعَرَض ، وليست هذه ذاتية له من هذه الجهة ،
فلا معنى لوضعها بهذا المعنى .

ولما كان ليس يلزم أن يكون المتقابلان كل واحد منهما ملكةً ، كالحال في
الأضداد ، بل قد يكون أحدهما ملكة ، والآخر عدماً ، أو أحدهما إيجاباً ، والآخر
سلباً ، وكان ذلك خفيّاً في تقابل الزوج والفرد - فلذلك قال أرسطو في الزوج

[Page 229] والفرد . وذلك أن تقابل [ ٢٦ أ ] هذين في الطبيعة القابلة لهما : إمّا تقابل عدم
وملكة ، وإما تقابل إيجاب وسلب . وذلك أنه أراد أنه لا يبالي كيف كان وجود
التقابل في هذه الأعراض إذا وجدناها متقابلة .

وقوله : « ومتى لم يكن الإيجاب والسلب من الاضطرار » - يريد أن العدد متى
لم يكن زوجاً ، فواجب أن يكون ليس بزوج ولا زوج . وقوله : « فهذه هي بالذات
من الاضطرار » - يريد أن كونهما بالذات أمر واجب لها وضروري .

قال أرسطاطليس :
« ويقال إن الكلي هو المحمول على كل الموضوع وذاتي له وبما هو أولاً
موجود له . وإذا كان الكلي هذه صفته ، فهو ضروري للموضوع . ولا فرق بين
هذا القول : أن هذا المحمول موجود للموضوع بذاته ، وأنه موجود له أولاً .
وذلك أن النقطة موجودة للخط بذاتها ، والاستقامة أيضاً . وهما أيضاً مأخوذان في
ماهيته ، ومساواة زوايا المثلث لقائمتين هي ذاتية للمثلث ومأخوذة في ماهيته . »

التفسير
لما بيّن ما هو الحمل الذي يسميه : « على الكل » في هذا الكتاب ، والذي
يسميه : « بالذات » - أخذ يذكر الحمل الذي يسميه : « الكلي » ، وهو ما جمع ثلاثة
شروط : الحمل على الكل ، والحمل بالذات ، والحمل الأول . وذلك أن كل أول
ذاتي ، وليس كل ذاتي أولاً . فقوله : « ويقال إن الكلي هو المحمول على كل
الموضوع » - يريد : أنا نعني بقولنا « محمولاً كلياً » في هذا الكتاب ما جمع ثلاثة
شروط : أحدها أن يكون الحمل على الكل ، أعني أن يوجد المحمول لكل الموضوع
في جميع الأوقات ، وأن يكون الحمل ذاتياً ، وأن يكون وجوده للموضوع أولاً .
وقد اختلت في المحمول الأول في البرهان ما هو ، وما الذي أراد به في هذا
الموضع . 
 

[Page 230] 
فالذي نجده في كتاب أبي نصر أن المحمول الأول في البرهان هو الذي لا
يحمل على جنس الموضوع . ونجد بعضهم يقول إن المحمول الأول هو الذي لا
يحمل على الموضوع من قبل حمله على شيء . وإن كان ذلك كذلك ، فالمحمول الأول
هو خاص بالموضوع ، ومحمول من غير وسط . لكن أرسطو يصرّح أن حمل الزوايا
المساوية لقائمتين على المثلث هو حمل الأول ، وحمل الزوايا المساوية لقائمتين على المثلث
هو حمل بوسط ، وهو كون الزاوية الخارجة من المثلث مساوية للداخلتين . وأيضاً إن
وضعنا أن المحمول الأول هو الخاص ، لم يكن هاهنا محمول اول إلاّ الحد ،
والفصل ، والخاصة ، وسقط من محمولات [ ٢٦ ب ] البراهين حمل الجنس وحمل
العَرَض الأعم من الموضوع الأخص من الجنس ، فإن أرسطو يشترط في حمل
مقدمات البراهين أن تكون أولاً ولا بد مع الشرطين المتقدمين ، لكن قول أرسطو فيه
« ولما هو أولاً موجود له » - يدل دلالة واضحة أنه لم يرد بالأول ما هو أعم من الموضوع
وإن كان أخصّ من جنس ذلك الموضوع . وذلك أن ما هذا شأنه لا يحمل على
الشيء بما هو أول موجود له - مثال ذلك : المشي ، فإنه أعم من الإنسان وأخص من
جنسه . وليس بصادق أن الإنسان ، بما هو إنسان ماشٍ ، إذ كان إنما هو ماشٍ من
قبل طبيعة أخرى ، كأنك قلت : من جهة ما هو ذو رجل ، فليس بموجود أولاً
للإنسان . وقد قال إن الشرط الثالث هو أن يكون المحمول موجوداً للموضوع بما هو
أولاً ، أي وجوداً أولياً . وإذا كان ذلك كذلك فليس المحمول الأول هو أعم من
الموضوع ، وإن كان لا يحمل على جنسه ، كما نجد أبا نصرٍ يرسم به في كتابه المحمول
الأول . لكن لما كان ما يوجد للشيء لا من قِبَل طبيعة أخرى قد يوجد له بوسط بغير
وسط ، وذلك أن جميع الأعراض الموجودة للشيء وجوداً أولاً توجد له بوسط ، وهي
الأسباب التي تقومت منها تلك الموضوعات . فإذاً ليس معنى « الأول » في الأعراض
أنه الذي يوجد دون وسط . وأما الأسباب الخاصة بالشيء الأول فإنها يجتمع منها أن
تحمل على الشيء حملاً أولاً وبغير وسط . فمن فهم من الحمل الأول المحمول الخاص
الذي لا يحمل بوسط ، عسر عليه أن يكون في المطلوبات محمول أول - على ما نجد

[Page 231] كثيراً من المفسّرين ذهب إلى ذلك وعسر عليه مطابقة ذلك بتمثيل أرسطو في ذلك
بوجود الزوايا للمثلث مساوية لقائمتين .
ومَن حمل « الأول » هاهنا على الذي لا يحمل على جنس الموضوع ، كما فعل
أبو نصر ، فقد ظن فيما ليس بأول أنه أول . وذلك أن الأول قد صرّح أرسطو فيه أنه
المحمول على الشيء بما هو ذلك الشيء . فلذلك يشبه أن يكون الأول الذي يشترط
وجوده في المقدمات والمطالب ألا يكون حمله على الموضوع من قِبَل طبيعة أخرى مركبة
ويخص الأول المشترط في المقدمات التي في البرهان المطلق ألا يكون حمله بتوسط
سبب من أسباب الموضوع . وأما في الدلائل فيكفي فيها الشرط الأول ، وليس
يكفي ذلك في البراهين المطلقة . ولذلك يشترط أرسطو في البراهين أن تكون
بالأسباب القريبة الخاصة .

فقد تبيّن من هذا أن « الأول » عند أرسطو هو الذي يحمل على الشيء لا من
قِبَل طبيعة له أخرى موضوعة ، أعني طبيعة مركبة ، سواء كانت تلك الطبيعة
مساوية للموضوع ، مثل حمل اللون على الجسم : فإنما يحمل عليه بتوسط السطح
وهو مساوٍ للجسم ، [ ٢٧ أ ] أو كانت أعمّ مثل حمل الزوايا المعادلة لقائمتين على
المثلث المختلف الأضلاع : فإنما يحمل عليه بتوسط المثلث المطلق ، وهو أعم من
المختلف .

وقوله : « وإذا كان الكلي هذه صفته ، فهو ضروري للموضوع » - يريد : إذا
كان الحمل الذي نعرفه « بالكلي » في هذا الكتاب هو الذي جمع أن يكون المحمول
مقولاً على كل الموضوع وفي كل الزمان ، وأن يكون ذاتياً ، وأن يكون أولاً - فبيّن أنه
ضروري للموضوع .

وقوله : « ولا فرق بين هذا القول أن هذا المحمول موجود للموضوع بذاته ،
وأنه موجود له أولاً » - يريد : ولا فرق بين قولنا : « محمول أول » ، وبين قولنا :  

[Page 232] 
« ذاتي » ، وذلك في أحد صنفي المحمولات الذاتية ، وهو الصنف الذي يؤخذ
المحمول فيه في حدّ الموضوع . وإنما قال ذلك لأن هذا الصنف يجمع مع أنه ذاتي أنه
أول ، من قِبَل أن الحد والفصل هذا شانه ، أعني أنه محمول على الشيء من جهة ما
هو ومن غير وسط . وهذا مما يدل على أنه ليس يدخل في هذا الصنف الجنسُ ولا حدّ
الجنس ، وذلك أن الجنس وحدهّ ليس - على مذهبه -محمولاً حملاً أولاً ، بخلاف ما
يقوله أبو نصر ، أعني أن الجنس عنده هو محمول أول . وهذا بخلاف الأمر في
الصنف الثاني من المحمولات الذاتية ، أعني أن الأعراض الذاتية ليس معنى
« الذاتية » فيها هو معنى « الأول » .

و قوله : « وذلك أن النقطة موجودة للخط بذاتها والاستقامة أيضاً وهما أيضاً
مأخوذان في حده » - يريد : وذلك أن النقطة موجودة للخط بذاتها وهي مأخوذة في
حده ، وهو المعنى الذاتي فيها . ف ـ « الأول » و « الذاتي » فيها بمعنى واحد ، وكذلك
الاستقامة في الخط المستقيم .

وقوله : « ومساواة زوايا المثلث لقائمتين هي ذاتية للمثلث ومأخوذة في
ماهيته » - يريد : أي هي ذاتية بمعنى « الأول » إذ كانت مأخوذة في حدّه . وإنما قال
ذلك ، وإن كانت مساواة زوايا المثلث لقائمتين خاصة من خواص المثلث ، لأن
الخواص قد تقام مقام الفصول في مواضع كثيرة وتستعمل بدلها ، إذا كانت مُشعِرة
بطبيعة الصورة ، وكانت الصورة خفية .

قال أرسطاطاليس :

 « فالكلي هو المحمول المقول على كل الموضوع وأولاً . فإنه إن كان قد تبينّ أن
شكلاً ذو قائمتين ، فإن ذلك ليس هو لأيّ شكل كان . هذا على أنه قد يوجد
السبيل إلى أن نبين أن للشكل زاويتين مساويتين لقائمتين ، إلّا أن المبيّن والمبرهن

[Page 233] لهذا الشيء ليس يبيّنه و يبرهنه في أي شكل اتفق ، من قِبَل أن المربع هو شكل وليس
زواياه مساوية لقائمتين . وأما المثلث المتساوي الساقين وإن [ ٢٧ ب ] كانت زواياه
الثلاث تساوي قائمتين ، لكن ليس هذا المعنى موجوداً له أولاً بما هو متساوي
الساقين ، لكن هذا المعنى أولا للمثلث . فالأمر الذي مساواة الزوايا الثلاث
لقائمتين يوجد له أولاً ، أو غير ذلك أيّ شيء كان ، هذا المحمول كلي له
[ 74 a]* . والبرهان المحقق هو الذي له قبل هذا المحمول . فأما الذي على الأشياء
التي تحت هذا ، يمنزلة وجود هذا المعنى للمتساوي الساقين ، فليس هو على طريق
الكلي ، من قِبَل أنه قد يفضُل . »

التفسير
لما كان معنى « الأول » في الصنف من المحمولات التي تؤخذ في حدود
الموضوعات هو بعينه معنى « الذاتي » ، على ما بينه ، قال : « فالكلي هو المحمول
المقول على كل الموضوع وأولاً » - يعنى أنه إذا كان معني « الذاتي » فيه هو معنى
« الأول » ، اكتفى فيه بشرطين :
أحدهما : أن يكون المحمول مقولاً على الكل ، على ما رسم قبلُ من معني
« المقول على الكل » .
والثاني : أن يكون « أولاً » ، ولا يحتاج في هذا أن يقال : « وذاتياً » ، إذ كان
معني « الذاتي » و « الأول » فيهما معنى واحداً . وإنما يكون ذلك كذلك إذا لم يكن
المحمول المأخوذ في حد الموضوع جنساً للموضوع ولا حدّاً لجنسه .

وقوله : « فإنه إن كان قد تبيّن أن شكلاً ذو قائمتين ، فإن ذلك ليس هو لأيّ
شكل كان « - يريد فيما أحسب : وإما شرطنا كونه مقولاً على الكل ، لأنه إن بيّن
مبيّن أن شكلّا ما ذو قائمتين ، فإنه لم يبيّن ذلك بياناً كلياً ، لأنه ليس يوجد مساواة
الزوايا لقائمتين لأي شكل كان ، بل لبعضها ، فكأنه قال إن بيان المبينّ للشكل أن

[Page 234] زواياه مساوية لقائمتين ليس « كلياً » ، فضلاً عن أن يكون   « أولاً » . ولما كان البيان
الجزئي ممكناً ، أعني أن يبيّن أن بعض الأشكال زواياه مساوية لقائمتين ، « إلاّ أن
المبيّن والمبرهن لهذا الشيء ليس يبيّنه ويبرهنه في أيّ شكل اتفق ، من قِبَل أن المربع
شكل وليس زواياه مساوية لقائمتين » - يريد : أن كون الزوايا مساوية لقائمتين وإن
كان ممكناً تبيين ذلك لبعض الأشكال ، فليس بيان ذلك للشكل بياناً كلياً ، إن المربع
وغيره شكل وليس زواياه مساوية لقائمتين . وإنما أراد أن يعرف بهذا أن البرهان لا
يكون جزئياً ، ولذلك اشترط أن يكون مقولاً على الكل . وإنما كان ذلك كذلك ،
لأن طبيعة البعض - بما هي بعض - ليس تقتضي حمل شيءٍ مخصوصٍ عليها ، أعني
أن قولنا : بعض الأشكال زواياه مساوية لقائمتين ، وإن كان صادقاً ، فليس هو
حملاً محدوداً ولا ذاتياً ، إذ كان البعض بما هو بعض ليس يقتضي ذلك . فيكون
المحمول البرهاني يشترط فيه أن يكون أولاً هو الذي اقتضى له ألاّ يكون البيان فيه
جزئياً . ولما بيّن أن البيان الجزئي ليس هو « أول » ، أعني [ ٢٨ أ ] قول القائل :
بعض الأشكال زواياه مساوية لقائمتين ، قال : « وأما المثلث المتساوي الساقين ،
وإن كانت زواياه الثلاث تساوي قائمتين ، لكن ليس هذا المعنى موجوداً له أولاً بما
هو متساوي الساقين » - يريد : وأما حمل الزوايا المساوية لقائمتين على المثلث
المتساوي الساقين فإنه وإن كان حملاً على كل الموضوع ، لا على بعض الموضوع
لحملها على الشكل فإنه ينقصه من الحمل الذي يسميه في هذا الكتاب « الحمل
الكلي » أن يكون - « أولاً » . وذلك أن حمل الزوايا المساوية لقائمتين ليس موجوداً
للمثلث المتساوي الساقين أولاً ، إذ كان ليس ذلك للمثلث المتساوي الساقين بما هو
مثلث متساوي الساقين .

وقوله : « لكن هذا المعنى أولاً للمثلث » - يريد : لكن حمل الزوايا المساوية
لقائمتين إنما يكون حملاً أولاً على المثلث المطلق ، وذلك أن هذا هو المثلث بما هو
مثلث .

[Page 235] 
وقوله : « فالأمر الذي مساواة الزوايا الثلاث لقائمتين يوجد له أولاً أو غير
ذلك أيّ شيء كان هذا المحمول كليٌّ له » - يريد : وإذا تقرر هذا فالشيء الذي توجد
له مساواة زواياه لقائمتين ، أو غير ذلك من المحمولات أيّ شيء كان من المحمولات
وجوداً أولاً - فذلك المحمول كليٌّ له . فقوله : « المحمول كليٌّ له » هو الجواب .
وقوله : « أو غير ذلك أيّ شيء كان هذا » - يريد : أو غير مساواة الزوايا لقائمتين
أيّ محمول كان . ويحتمل أن يكون : « هذا المحمول كليّ له » : ابتداء وخبر .
ويحتمل أن يكون قوله : « هذا المحمول » : في موضع رفع ب « كان » ، ويكون :
« كلي له » جواب الابتداء الأول ، أعني قوله : « فالأمر الذي . . » وقوله :
« والبرهان المحقق هو الذي له مثل هذا المحمول » - يعني : الأول ، ويعنى ب
« المحقق » : الذي هو برهانٌ في نفسه ويظن به أنه برهان . إذ كان غير المحقق هو الذي
يظن به أنه برهان ، وليس ببرهان . وإنما كان ذلك كذلك من قِبَل أن الحمل للذي
ليس بأول هو حمل يشوبه ما بالعَرَض ، وما بالعَرَض متجنَّبٌ في البراهين أصلاً .

وقوله : « فأما الأشياء التي تحت هذا ، بمنزلة وجود هذا المعنى للمتساوي
الساقين ، ليس هو على طريق الكلي ، من قبل أنه يفضل » - يريد : فأما الأنواع
التي تحت هذا المثلث ، بمنزلة المثلث المتساوي الساقين ، فإن وجود هذا المعنى له ،
أعني مساواة الزوايا لقائمتين ، ليس هو موجوداً له ولا محمولاً عليه على طريق الحمل
الذي يسميه في هذا الكتاب : « الكلي » ، من قِبَل أن هذا المحمول يفضل على
الموضوع ، أي هو أعم منه ، وإذا كان أعم منه لم يكن محمولاً عليه إلاّ بالعَرَض ،
لأنه إنما يحمل بالذات على الطبيعة المساوية له .

وهنا ظهر أن من شرط « الأول » هاهنا أن يكون خاصاً .

٥ - < الأخطاء التي تقع فيما يتعلق بالكلي في البرهان >

قال أرسطاطاليس :

[Page 236] « الكلي » ونظن أنا لم نبيّنه ، أو لم نبيّنه ونظن أنّا قد بيّناه . فإنه قد يعرض لنا أن
ننخدع عندما نبيّن أمراً كلياً للأشياء التي هي جزئية ووحيدة ، التي لا يوجد شيء
أعلى يعمها ، ونظن أنّا لم نبينّ الكلي . وقد يعرض لنا أن ننخدع عندما نبين أمراً
ما لأشياء كثيرة مختلفة الأنواع ، ونتظنن أنا قد بيّنا الكلي ، ونحن لم نبينه ، من قيل
أنا لم نعرف الشيء العام لها الذي هذا المعنى كليّ له . »

التفسير
يقول : وقد ينبغي ألا نغلط ويلحقنا الجهل المتضاد بالشيء الواحد بعينه ،
وذلك عندما نبين شيئاً موجوداً لشيء على طريق الكل ، ونحن نظن أنه ليس على
طريق الكل ، أو عكس هذا . وهو أن نبيّن أن شيئاً موجودٌ لشيء وهو ليس على
طريق المساق الكلي الذي رسمناه ، ونحن نظن أنه عليه .

وقوله : « فإنه قد يعرض لنا. . » إلى قوله : ونظن أنّا لم نبيّن < الكلي > »
يريد : فإنه قد يعرض لنا أن نغلط عندما نبيّن شيئاً للأشياء المحسوسة الجزئية التي لا
يوجد منها إلاّ شخص واحد ، فنظن أنه لم نبيّن ذلك الشيء البيان الذي على طريق
الكلي ، وهذه هي الأشخاص التي ليس يوجد لها نوع يحمل عليها ، وهو الذي أراد
بقوله : « التي لا يوجد شيء أعلى يعمها » - أعني أنه ليس يوجد لها طبيعة تعمها ، إذ
كان ليس يوجد لها أكثر من شخصٍ واحد . وهذا هو مثل الشمس ، والقمر ،
والأرض وغير ذلك من الأشخاص التي ليس يوجد منها إلا شخص واحد فقط .

وقوله : « ونظنّ أنّا لم نبينّ الكلي » - يريد أن البرهان الذي يقوم على أمثال
هذه الأشخاص هو كلي ، ولكن قد نغلط نحن فنظنّ أنّا لم نبيّن الكلي . وسبب هذا
الغلط أنه يشبه عندنا هذا البيانُ البيانَ الذي يقوم على شخص من الأشخاص التي

[Page 237] يوجد منها أكثر من شخص واحد ، وهي التي توجد لها طبيعة تعمها .

ولما ذكر موضع هذا الغلط الذي يعرض لنا إذا بيّنا الكلي ونظن أنّا لم نبيّنه
لنتحفظ منه - أخذ يذكر مواضع الغلط التي هي أضداد هذا ، وهو أن نكون لم نبيّن
الكلي ونحن نظن أنا قد بيناه ، فقال : « قد يعرض لنا أن ننخدع عندما . . » إلى
آخر ما كتبناه - يريد : وقد يعرض لنا عندما نبيّن أمراً ما لأشياء كثيرة ، أي مختلفة
الطبائع ، وفي صنائع شتى : مثل أن نبين المساواة للأعظام والعدد والأزمنة ، فإنه إذا
بيّنا المساواة للأعظام في علم الهندسة مثلاً ، ظننا أنا قد بيّنا الكلي ، أي البيان الذي
يكون على طريق الكلي ، ونحن لم نبيّنه . وكذلك يظن العددي إذا بيّن ذلك
للأعداد . وليس الأمر [ ٢٩ أ ] على ما يَظُنُّ واحدٌ منهما من ذلك ، من قِبَل أن
وجود المساواة للأعظام ليس لها بما هي ، إذ كانت المساواة توجد للأعداد والأزمنة
والحركات ، ولا هي أيضاً موجودة كواحد من هذه على طريق الكلي .

وقوله : « مِن قِبَل أنّا لم نعرف الشيء العام لها الذي هذا المعنى كلي له »
يريد : وإنما كان الأمر كذلك في أمثال هذه المطالب من قِبَل أنه لم يكن البيان لهذه
الأشياء مِنْ قِبَل طبيعة عامة مشتركة لها ، مثل أن نبين وجود المساواة لطبيعة هنا
مشتركة للأعداد والأعظام والأزمنة والحركة ، إذ كنا لا نعرف لهذه الأشياء طبيعة
بهذه الصفة ، يريد أنه ليس لها طبيعة مشتركة مقولة بتواطؤ ،لا أن هناك طبيعة وليس
يعرفها لأنه لو كان هنالك طبيعة مشتركة لكانت المساواة وما أشبهها من أمثال هذه
المطالب تختص بصناعة عامة للصناعة الناظرة في الأعظام والعدد والأزمة
والحركات .

وسيفحص هو بعد عن هذا ، ونبيّن نحن ذلك ، وذلك أن فيها حيرةً وعويصاً
شديداً .

قال أرسطاطاليس :

[Page 238] البرهان الذي يكون بمثل هذا الأوسط قد يكون على الكل . لكن البيان الذي مِن
قِبَل هذا هو أولاً على طريق الكلية . وأشير بقولي هذا إلى الشيء الذي قد تبين به
وهو في الشيء الذي له الكلية أولاً بمنزلة أن يبيّن الإنسان أن الخطوط المستقيمة لا
تلتقي بوسط هو كون زاويتين عن جنبي الخط الواقع عليهما ، فيظن أن هذا كلي
بسبب أنه على الكل . وليس الأمر على هذا ، لأن البرهان لم يكن من أجل ذلك ،
بسبب أنه على الكل ، وإنما كان بسبب مساواة الزاويتين لقائمتين . »

التفسير  

قوله : وقد يعرض أيضاً أن ننخدع من قبل انطواء الكلي في أثناء الأوسط »
يريد : وقد يعرض أيضاً لنا أن نغلط فنظن - أن الوسط للذي بيّنا به الشيء في البرهان
هو محمول كلي ، أي جمع الشروط الثلاثة ، أعني أن يكون على الكل ، وبالذات ،
وأولاً - ويكون ليس بأول وإنما يظن به أنه كلي وليس بكلي من قِبَل انطواء الوسط
الكلي فيه ، أعني لزومه عنه ووجوده فيه بالقوة ، أو من قبل انطوائه في الوسط
الكلي ، مثل انطواء النوع في الجنس : يحتمل التأويلين جميعاً .

وقوله : فإن البرهان الذي يكون بمثل هذا الوسط تكون النتيجة فيه كلية ،
أي يكون فيها محمول المطلوب أولاً لموضوعه ، بخلاف الغلط العارض [ ٢٩ ب ] في
الموضع المتقدم فإنه هنالك لا المبين هو أولاً ، ولا الحد الأوسط . وإنما الذي ليس ها
هنا أولاً هو البيان ، أي البرهان ، من قِبَل أن حمل الحد الأوسط فيه على الأصغر
ليس أولاً ، ولا حمل الأكبر عليه .

وقوله : « وأشير بقولي هذا إلى الشيء الذي قد تبيّن به ، وهو في الشيء الذي
له الكلية » - يريد : وأقصد بقولي هذا إلى الحد الأوسط الذي يبين الشيء وهو داخل
تحت الحد الأوسط الكلي ، أعني الذي هو محمول على الشيء من طريق ما هو أولاً .

ثم قال : « بمنزلة من بيّن أن الخطوط المستقيمة لا تلتقي بوسط هو كون

[Page 239] زاويتين عن جنبي الخط الواقع عليهما » - يريد : بمنزلة من بين أن الخطوط المتوازية لا
تلتقى بوسط هو كون الزاويتين الحادثتين عن الخط الواقع عليها وعن كل واحدٍ من
الخطين ، الداخلتين اللتين في جهة واحدةٍُ كلُّ واحدة منهما قائمة .

ثم قال : « فيتظنن أن هذا كلي بسبب أنه على الكل » - يريد : فيظن أن هذا
الحد الأوسط محمول على الخطوط المتوازية أولاً من قِبَل أنه محمول صادق على كل
الخطوط المتوازية ، وذلك أن كل الخطوط المتوازية إذا وقع عليها خط يمكن أن تكون
الزاويتان الداخلتان الحادثتان عن وقوعه عليها كلُّ واحدة منهما قائمة . لكن ليس
هذا هو سبب التوازي ، وإنما سبب ذلك كون جميعها مساوية لقائمتين ، سواء كانت
كل واحدة منهما قائمة ، أو كانت إحداهما أكبر من قائمة ، والأخرى أصغر من
قائمة ، بعد أن يكون مجموعهما قائمتين . وهذا هو الذي أراد بقوله : « وإنما كان
بسبب مساواة الزاويتين لقائمتين » وإنما يظهر من هذا أن المتوازية لا تلتقي من قِبَل
أنه إن التقت يكون مثلث زواياه الثلاث أكبر من قائمتين . وإنما هذا مثال . ولم يرد
أرسطو أن عدم الالتقاء للمتوازية مجهولٌ بالطبع ، وأن هذا الوسط معلوم بالطبع ،
فإنه يشبه أن يكون كون الخطوط المتوازية لا تلتقي أعرف من كون الزاويتين الحادثتين
عن وقوع خط عليها مساوية بمجموعهما لقائمتين .

ولمكان هذا تأول عليه ثامسطيوس أنه أراد بهذا النحو من الغلط مثل من بيّن
أن الخطوط التي يقع عليها خط فيُصيرِّ الزاويتين الداخلتين كل واحدة منهما قائمة أن
الخطوط متوازية . فإن هذا المطلوب ليس أولاً للخطوط التي بهذه الصفة ، وإنما هو
أول للخطوط التي يُصيِّر الخط الواقع عليهما الزاويتين الداخلتين بمجموعهما مساوية
لقائمتين ، سواء كانت كل واحدة منهما قائمة أو لم تكن ، فإن المهندسين جرت
عادتهم أن يثبتوا التوازي لهذه الخطوط بأوساطٍ يذكرونها في كتبهم . لكن إن حُمل
التأويل على هذا ، لم يكن هذا الغلط عارضاً في حمل الحد الأوسط ، وإنما يكون
عارضاً في المطلوب ، مثل من بيّن [ ٣٠ أ ] مساواة الزوايا لقائمتين في المثلث

[Page 240] المتساوي الساقين . وهو قد نصّ أن هذا الغلط هو في الحدّ الأوسط . وقد بيّن أيضاً
أن الحمل في المطالب غير الأول هو مثل حمل الزوايا المساوية لقائمتين على المثلث
المتساوي الساقين . فَيبْعُدُ أن يكون يقصد إلى أن يذكر أنواعاً خفية من الغلط تعرض
في هذا الحمل ، ويضع أحدها النوع الذي به يفهم الحمل المضاد لهذا الحمل ، لأن
من شان من يعرف شيئاً ما ثم يتحفظ من أغاليط تقع في ذلك الشيء أن تكون تلك
المواضع أخفى من ذلك الشيء الذي فُهم منه ذلك المعني . وهذا الموضع هو أن
يكون للشيء فصل واحد ينقسم إلى فصلين فيُبيّن بأحد الفصلين وجودُ خاصة من
خواص له ، لا بالفصل نفسه العام لهما . وذلك أن بيانه بالحد الأوسط الأول إنما هو
بالفصل نفسه ، مثل من ترك أن يبين أن الإنسان مفكر ، من قِيَل أنه ناطق ، وبيّن
أنه مفكر من قِبَل أنه ذو نطق علمي ، أو بيّن في الحيوان أنه مدرك من قِبَل أنه
لامس ، لا من قِبَل أنه حساس .

قال أرسطاطاليس :
« ولو لم يكن مثلث إلا المثلث المتساوي الساقين ، لقد كان البرهان يقوم عليه
من حيث هو متساوي الساقين . وقد كان يمكن أن يبيّن ببيانٍ واحد أن كل الأعداد
والخطوط والمجسمات إذا كانت متناسبة فهي بالتبديل متناسبة ، كما قد سبق من البيان
في كل واحدٍ منها على الانفراد . لكن لما لم يكن للأعداد والأبعاد والزمان شيء واحد
يعمها ، وكانت أنواعها مختلفة - بُرْهن كل واحد منها على انفراد . فظن حينئذ بأن
البيان كلي ، وليس كذلك ، لأنه ليس لها بما هي خطوط وبما هي أعداد وإنما تكون
كذلك لو كان الأمر العام لها معروفاً بنفسه . »

التفسير
لما أخبر أن الموضع الذي نصّ فيه أنّا لم نبيّن الكلي ، ونحن قد بيّناه ، هو

[Page 241] البيان على الشيء الذي ليس يوجد منه إلاّ شخص واحد - يريد أن يبين أن البرهان
على أمثال هذه الشخوص ليس يقوم على الشخص ، وإنما على الطبيعة الموجودة في
ذلك الشخص التي لو وجد من ذلك الموجود أكثر من شخص واحدٍ لكانت تلك
الطبيعة عامة لها وساريةً فيها ، على جهة ما توجد الكليات في الأشخاص . ولذلك
قيل في حد الكلي إنه الذي من شأنه أن يحمل على أكثر من واحد في طبيعته ، ولم يقل
فيه إنه الذي يحمل بالفعل على أكثر من شخص واحد .

فقوله : « ولو لم يكن مثلث إلا المتساوي الساقين ، لقد كان البرهان يقوم عليه
من حيث هو متساوي الساقين » - يريد : وكما أنه لو لم يوجد من [ ٣٠ ب ] المثلثات
المتساوية الساقين إلا مثلث واحد فقط يمكن أن يبرهن عليه أن زاويتيه اللتين على
القاعدة متساويتان ، أو ما أشبه ذلك من خواصه ، وأن يكون البرهان يقوم عليه من
حيث هو متساوي الساقين - كذلك الأمر في الأشياء التي ليس يوجد منها ألاّ شخص
واحد ، ليس يمتنع أن يقوم البرهان عليها بما هو ذلك الشيء . مثال ذلك أن الشمس
يقوم البرهان عليها أنها كذا وكذا جزءاً من الأرض ، كما كان يقوم على الإنسان
البرهان بأنه ناطق ، ولو لم يوجد منه إلاّ شخص واحد . ولذلك من أحسّ بشخصٍ
واحد من النوع فقط ، أمكن أن يقومٍ البرهان له عليه ، مثلما عَرَض لي في الزّرافة
فإني [لما] أحسست منها شخصاً واحدا فقط ، وذلك عند سفري إلى البلاد الجنوبية .

ولما بيّن أن البرهان الذي يكون على الأشياء التي لها شخص واحد برهانٌ
كلي ، وكان ذلك الظن الذي يقع فيه هو غلط ، أخذ يذكر أيضاً السبب الذي من
قبله لم يمكن البيان على الأشياء المختلفة أن يكون بياناً كلياً ، وهي الأشياء التي يظن
بها أن البيان عليها كلي ، مثل بيان المساواة للأعظام والأعداد والحركات والأزمة ،

[Page 242] وكذلك التناسب ، فقال : « وقد كان يمكن أن يبين بيان واحد أن كل الأعداد
والخطوط والمجسمات إذا كانت متناسبة فإنها إذا بُدلت متناسبةٌ ، كما قد سبق من
البيان في كل واحد منها على الانفراد » - يريد : وقد كان يمكن أن نبيّن المناسبة
والتبديل وغير ذلك من نظائر هذه المطلوبات لجميع الأشياء التي تبين لنا بياناً جزئياً :
بياناً على طريق الكل أي أولاً وبذاته ، كما كان يمكن أن يبينّ أمثال هذه المطالب لكل
واحدٍ منها على الانفراد إذا حققت هذه المطالب ، أي إذا بّينت من الطبيعة المنسوبة
إليها لو كان يوجد لهذه طبيعة واحدة مشتركة يقوم عليها البرهان بما هي طبيعة
كذا .

ثم قال : « لكن لما لم يكن للأعداد والأبعاد والزمان شيء واحد يعمهّا ،
وكانت أنواعها مختلفة ، وبُرْهِن كل واحدٍ منها على انفراد ، فظن حينئذ بأن البيان
كلي وليس كذلك » - يريد : لما لم يكن لهذه الطبائع المختلفة طبيعة واحدة عامة
مشتركة وكانت مختلفة ، وبرهنت أمثال هذه المطالب لكل واحدٍ منها على انفراد ،
ظن أن البيان على كل واحدٍ منها كليّ وليس كذلك ، لأنه ليس المناسبة ولا المساواة
محمولة على الخطوط بما هي خطوط ، ولا على الأعداد بما هي أعداد ، ولا على
الأزمنة بما هي أزمنة .
وفي أمثال هذه المقدمات مسألة عويصٌ سنذكرها بعد .

ويريد بقوله : « وإنما كان يكون ذلك كذلك ، لو كان الأمر العام لها
معروفاً » - أي موجوداً ، لا أن هنالك أمراً عاماً .

[ ٣١ أ ] قال أرسطاطاليس :
« ولا أيضاً إن بيّن إنسانٌ في كل واحد من المثلثات على انفراده : أعني المتساوي
الأضلاع ، والمتساوي الساقين ، وغير المتساوي الساقين زواياه الثلاث تعدل
قائمتين ، يكون قد بين الكلي لأنه ليس يعلم أَمْرَ المثلث أن هذه حاله ، اللهم إلاّ إن

[Page 243] يكون يعلمه على النحو السفسطائي . وعلى هذه الجهة لم يبينّ أن هذا المعنى بكل
مثلث ، وأنه ولا مثلث من المثلثات خارج عن هذا المعنى ، من قِبَل أنّا لم نعلم أن
هذا للمثلث بما هو مثلث ، ولا أيضاً لم يبق مثلث من المثلثات إلا وهذه ، صفته ، فإنما
عُلم بطريق الاستقراء . فأما أن هذا للمثلث بما هو مثلث ، أو لم يبق مثلث من
المثلثات إلاّ وهو بهذه الحال ، فلم يُعلم . »

التفسير  

لما بينّ أولاً أن الحمل الأول هو المحمول الخاص الذي يحمل على الشيء من
طريق ما هو ذلك الشيء ، لا من طريق طبيعة أخرى موجودة في ذلك الشيء ، وبينّ
أوجه الغلط العارض في ذلك ، عاد إلى بيان النقصان الداخل على البيان الذي يكون
للشيء لا على طريق الكل فقال : « ولا أيضاً إن بينّ إنسان . . » إلى قوله : « قد
بيّن الكلي » - يريد : وكما إن بينّ إنسان أن الأعداد المتناسبة إذا بُدلت تكون
متناسبة ، لم يبين الكل ، كذلك أيضاً إن بينّ إنسان في كل واحد من أنواع المثلثات
على انفراده ، أعني المتساوي الأضلاع ، والمتساوي الساقين ، والمختلف الأضلاع
أن زواياه مساوية لقائمتين - يكون قد بيّن ذلك بياناً كلياً ، أعني أولاً وبالذات . ولما
أخبر أن المبين هذا المعنى لواحد واحدٍ من أنواع المثلثات على انفراده ليس مبيناً ذلك
على طريق البيان الكلي ، أتى بالدليل على ذلك فقال : « لأنه ليس يعلم أمر المثلث
أن هذه حاله اللهم إلّا أن يكون يعلمه على النحو السفسطائي » - يريد : وإنما لم
يكن هذا البيان على طريق البيان الكلى الذي يعرف وجود الشيء للشىء الذي في
طباعه وجوهره أن يوجد لذلك الشيء ، من قِبَلِ أن الذي عَرَّف على حدةٍ - أن زوايا
المثلث المتساوي الساقين مساوية لقائمتين ، وعَرَّف أيضاً أن زوايا المختلف الأضلاع
مساوية لقائمتين ، وعَرَّف أيضاً أن المتساوي الأضلاع بهذه الصفة - لم يعرف بالذات
أن هذه الصفة ، أعني كون الزوايا مساوية لقائمتين هي موجودة بالطبع وأولاً
للمثلث ، لأنه لم يتبرهن ذلك عنده للمثلث بما هو مثلث ، ولا بوسطٍ للمثلث بما هو
مثلث ، فهو إن عَرَف هذا المعنى للمثلث من قبل معرفته لأنواع المثلث فإنما يعرفه

[Page 244] للمثلث بالعَرَض ، وهو الذي أراد بقوله : « إلا أن يكون يعلمه على النحو
السفسطائي » - ويشير أن ما بالعَرَض مُتجنَّبٌ في البراهين . فإذن الذي لم يعرف
الشي على طريق الكلي لم يعرفه [ ٣١ ب ] بالبرهان .

ولما ذكر هذا النحو من نقصان المعرفة التي تلحق للبيان الذي ليس على
الكل ، أخذ يذكر نحواً آخر أيضاً من النقصان يلحقه ، فقال : « وعلى هذه الجهة لم
يتبيّن بأن هذا المعنى لكل مثلث ، وأنه ولا - مثلث من المثلثات خارج عن هذا
المعنى . .» إلى قوله : « إلاّ وهذه صفته » - يريد : والمستعمل لهذا النحو من البيان
كما أنه لم يعرف من قِيَل هذا البيان ، أعني البيان الذي هو حدّ لواحدٍ واحدٍ من
المثلثات فوجود هذا المعنى للمثلث إلاّ بالعَرض ، كذلك لا يعرف أن هذا المعنى
موجود لكل مثلث ، وأنه لم يبق مثلث من المثلثات إلاّ زواياه معادلة لقائمتين ، من
قِبَل أنه لم يعلم أن هذا المعنى موجود للمثلث بما هو مثلث ، وهو العلم الذي مِن قِبَله
يحصل أن كل مثلث بالذات بهذه الصفة . وإنما يكون عنده علمٌ بهذا المعنى إن كان
بطريق الاستقراء . وطريق الاستقراء غير مفيد بالذات للمحمول الذاتي الطبيعي
الأول ، وهو الذي أراد بقوله : « فإنما عُلم بطريق الاستقراء » - فكأنه قال : وإنما
قلنا إن الذي عَلم أن المثلث المتساوي الساقين مساوية زواياه لقائمتين ، وأن
المختلف والمتساوي كذلك ، أنه لم يعلم وجود هذا المعنى لكل مثلث ، من قِبَل أن
الذي يعرف هذا المعنى للمثلثات على هذا النحو من المعرفة فإنما يعرفه لكل مثلث بأن
يستقرئ العلم الحاصل له من ذلك في جميع المثلثات . فإذا استقرئ ذلك في
جميعها ، صحّ له من مجموع البراهين والاستقراء أن كل مثلث بهذه الصفة ، فلا
يحصل ذلك عن البرهان ألّا بالعَرَض ، بل لا يحصل له الكلية الطبيعية ، فإن
الاستقراء ليس يفيد الحمل الذاتي إلاّ بالعَرَض ، على ما بيّناه في كتاب « القياس » .
ولذلك ما قال : « فأما أن هذا للمثلث بما هو مثلث ، وأنه لم يبق مثلث من المثلثات
إلا وهو بهذه الحال فلم يعلمه » - وهذا النقص في المعرفة الذي ذكره في المحمول
الذي يحمل على جنس الموضوع هو بعينه يلزم في المحمول الذي لا يحمل على جنس
الموضوع ، إلاّ أنه أعم من الموضوع . وذلك أن من عرف المحمول لهذا الموضوع فلم  

[Page 245] 
يعرفه بالطبيعة التي يوجد لها هذا المحمول أولاً وبالذات ، إلاّ أن عرف ذلك
بالعَرَض . ولذلك ليس ينبغي أن تُدخل في محمولات البراهين ما كان أعم من 
الموضوع ، وسواء كان ذلك المحمول يحمل على جنس ذلك الموضوع ، أو لا يحمل ، 
أعني حملاً كلياً . وإنما كان ذلك كذلك ، لأن « ما بالعَرَض » يقابل « ما بالذات » .  
فإن كانت البراهين إنما تكون من الحمل الذاتي ، وكانت الأقاويل السفسطائية إنما  
تكون من الحمل العَرَضي ، فواجبٌ أن يكون البرهان لا يشوبه شيء مما بالعَرَض  
أصلاً ، لا قريبٌ ولا بعيدٌ . 

وإذا كان هذا هكذا ، فكيف يقول أبو نصر في كتابه أن المحمولات البرهانية 
منها [ ٣٢ أ ] ما هو خاص ، ومنها ما هو أول غير خاص ، ومنها ما هو لا أول ولا  
خاص . ولمَ عدل - ليت شعري ! - في كتابه عن طريقة أرسطو في اشتراط الحمل  
الكلي في البراهين ، أعني الذي يجمع الشروط الثلاثة المتقدمة ? ! فإن في ذلك  
موضع نظرٍ وفحص عويص . وذلك أن هذا الشرط الذي اشترطه أرسطو ، أعني  
من أن يكون الحمل على الكل أن لم يكن عاماً لجميع البراهين ، وإنما كان للبراهين 
التي في الغاية من التمام ، فقد نقصه أن يبين الحمل المشترك لجميع البراهين . وإن 
كان هذا الشرط عاماً لجميع أنواع البراهين ، فقد أخطأ أبو نصر في إفصاحه أن 
محمولات البراهين منها خاص ، ومنها غير خاص ، ومنها أول ومنها غير أول . وإن  
كان هذا الشرط الذي اشترطه أرسطو إنما هو على جهة الأفضل ، لا شرطاً  
ضرورياً ،فقد كان يجب على أبي نصر أن يزيد هذا المعنى ، أعني أن يقول إن  
الشروط التي تشترط في الحمل البرهاني منها ما هي شروط ضرورية لا يخلو منها برهان 
أصلاً ، ومنها شروط يكون البرهان بها أفضل ، ويعدد في الشروط التي بها البرهان  
أفضل : الحمل الكلي الذي ذكره أرسطو ، ويعدّد في الشروط الضرورية أعني التي لا  
يكون برهان إلا بها - الشرطين الأولين فقط من الشروط التي يتضمنها الحمل الكلي ، 
أعني أن يكون المحمول على كل الموضوع وفي كل الزمان وأن يكون ذاتياً أولاً .  

[Page 246] وإن كان الأمر هكذا ، فتمام القول في شرائط البرهان إنما هو أن تجمع
الطريقتين ، أعني طريقة أرسطو ، وطريقة أبي نصر ، وتعرف أن هذه الطريقة هي  
من جهة الأفضل ، وأن تلك من جهة الضرورة .  

وأما أبو بكر بن الصائغ فإنه يقول في جواب هذا إن قصد أرسطو غير قصد أبي  
نصر . وذلك أن أرسطو لما كان قصده بالبراهين أن تكون حدوداً بالقوة ، اشترط  
فيها هذا الشرط . وأبو نصر لما نظر في البرهان من حيث هو برهان وبإطلاقٍ ، خالف  
شروط أرسطو . وهذا كأنه راجع إلى ما قلناه ، لأن البراهين التي هي حدود بالقوة  
هي ، لاشك ، أتم . فكان أرسطو - على مذهب أبي يكر بن الصائغ - أتى بالشروط  
التي يكون بها البرهان أفضل وأتم ، وسكت عن الضرورية . وأبو نصر بالعكس  
عرف الشروط الضرورية ، وسكت عن التي يكون بها البرهان أفضل . وعلى هذا  
فمد يلزم أن يكون كلا التعليمين ناقصاً ، وأن يكون المفسّرون - على كثرتهم  
وجلالهم - قد أغفلوا هذا المعنى .  

وأما أنا فاعتقدت زماناً طويلاً أن الصواب هو الجمع بين التعليمين . ثم إني لما  
تبيّنت غرض البرهان بما هو برهان وفحصت عن ذلك ، تبيّن لي أن الصواب والحق  
هو الذي فعل أرسطو ، وأن الذي فعل أبو نصر خطأ . وذلك أنه إن كان البرهان  
[ ٣٢ ب ] بما هو برهانٌ ليس يكفي أن تكون مقدماته صادقة فقط ، على ما نجدهم  
قد اجمعوا عليه ، بل وأن تكون - ذاتية ، وأن السبب في ذلك هو أن الصادقة الغير  
ذاتية هي صادقة بالعَرَض ، وأن ما بالعرض وإن كان صادقاً فليس يصير منه  
الإنسان إلى معرفة طبيعة الشيء إلاّ بالعَرَض ، والغرض من البرهان في الأشياء  
الموجودة إنما هو أن يُعلم الشيء العلم المطابق لعمل الطبيعة إياه ، كما أن البرهان في  
الصنائع هو العلم الذي يكون مطابقا لعمل الصناعة ، وإذا كان هذا هكذا - فمتى  
شاب البرهن شيء مما بالعَرَض - لمم يكن العلم بالشيء من قِبله مطابقاً لعمل  
الطبيعة ، ولا علم على ما هو عليه . وذلك هو حدّ اليقين . وبَيّنٌ أن بالذات الذي  

[Page 247] ليس بأول أنه يشوبه ما بالعَرَض . فإذن البراهين التي تكون مقدماتها محمولة حملاً  
ذاتياً غير أول ليس العلم الحاصل عنها مطابقاً للعمل ، لا في الأمور الصناعية ولا في  
الطبيعية . فإذن ليس ببرهان أصلاً . لكن إن التزمنا أن البراهين إنما تكون مقدماتها  
محمولة حملاً بهذا المعنى ، فقد يخرج من ذلك الجنس ، يعني أن يبين لشيءٍ ما وجود  
جنسه . وذلك أن حمل الجنس على النوع ليس بأولٍ على هذا المعنى .  

وإذا كان ذلك كذلك ، فكيف - ليت شعري ! - يقول هذا ثامسطيوس ! !  
فإنّا نجده يسلّم أن الجنس داخلٌ في هذا الحمل ، أعني حمل الجنس على النوع ، مع  
تسليمه أن المحمول الأول هو الذي حددناه - وذلك تناقضٌ وأحسب أن هذا هو  
الذي دعا أبا نصر أن رَسَمَ المحمول الأول بخلاف رسم أرسطو ، أعني أنه الذي لا  
يُحْمَلُ على جنس موضوعه ، وقال لمكان هذا في الجنس إنه محمول أول . والحق أن  
الجنس ليس بمحمول أول ، لأنه ليس يحمل على نوعٍ من أنواعه بما هو ذلك النوع ،  
إذ كان الجنس يحمل على أكثر من نوعٍ واحد . فإذن يجب أن يكون الجنس إنما يحمل  
حملاً أولاً على الطبيعة المساوية له . وتلك الطبيعة هي موضوع الصورة التي هي  
الجنس ، فإنه لا فرق في ذلك بين الجنس وغيره من المحمولات التي ليست خاصة  
بالموضوع ، ولأنه كما أن من عَرَف أن المثلث المتساوي الساقين مساوية زواياه  
لقائمتين لم يعرف ذلك للمثلث إلاّ بالعَرَض ، وهو الذي يحمل عليه هذا الوصف بما  
هو كذلك ومَن عَرَف حمل الجنس على النوع لم يعرف الطبيعة التي الجنس محمولٌ  
عليها بما هي تلك الطبيعة إلاّ بالعرض .  

وإذا كان الأمر في هذا واحداً ، فينبغي أن نطرح في البراهين حمل الجنس على  
النوع ، كما نطرح حمل خاصة الجنس على أنواع الجنس ، فإن قيل : فما هي الطبيعة  
الموضوعة لجنس الشيء ? قلنا : هيولاه الخاصة بالجنس . وذلك أن كل جنس فلا  
بُدّ له من هيولى . مثال ذلك أن اللحم ، أو ما يقوم مقامه ، هي هيولي الحياة .  

[Page 248] 
[٣٣ أ ] ويحتمل أن يدخل الجنس في المحمولات الأوَل إذا خُصّص ولم يطلق ،  
وذلك أن الإنسان - بما هو إنسان - حيوان هذا ، لا حيواناَ مطلقاً .  

قال أرسطاطاليس :  
« وقد ينبغي لنا أن نعلم متى يقع لنا العلم بأن المحمول ليس بكليٍ للموضوع ، ومتى  
يقع لنا العلمُ بأن المحمول كليّ للموضوع - فنقول : إن المحمول يكون كلياً  
للموضوع متى كان معنى المثلث والوجود له ، ومعنى المتساوي الأضلاع ، ومعنى  
واحدٍ واحدٍ من المثلثات - معنى واحداً : فأما إن لم يكن معنا هما معنى واحداً ، لكن  
معنى كل واحد منها غير معنى الآخر ، فإنّا لا نعلم لأيهما هو كلي ، لكن نقول على  
الكل . »  

التفسير  
لما عرّف أن الحمل الذي يشترط في هذا الكتاب هو الحمل الذي نسميه ها  
هنا : « الحمل الكلي » ، وهو الذي يجمع أن يكوِن كلياً وذاتياً وأولاً ، وعَرّف  
المواضِع التي تغلّطنا في ذلك - يريد أن يعرفنا - زائداً إلى ما بيّن من أمره - قانوناً  
وسباراً به نعرف أن المحمول كليّ ، إذا التبس علينا الأمر .  

فقوله : « وقد ينبغي أن نعلم متى يقع لنا العلم بأن المحمول ليس بكليّ  
للموضوع ومتى يقع لنا العلم بأن المحمول كلي للموضوع » - يريد : وقد ينبغي أن  
يكون لنا قانون به نعلم أن المحمول . كلي ، أو ليس بكلي ، وذلك في المواضع التي  
يخفى فيها هذا المعنى
. 
ولما عَرّف أنه ينبغي أن يكون عندنا قانون به يُعْرف أن المحمول كلي أو ليس  

[Page 249] بكلي ، وذلك في المواضع التي نجهل فيها هذا المعنى - أخذ يعرف المواضع التي لا
يجهل فيها هذا المعنى من التي يمكن أن تجهل فيها ، فقال : « فنقول أن المحمول يكون  
كلياً . . . » إلى قوله : « من المثلثات معنى واحداً » وكانت الألفاظ مترادفة والمعنى  
فيها واحد ، فإن المحمول هو كليٌّ لذلك الموضوع ، مثل الحال فيه إذا كان محمولاً  
على موضوعه باللفظ والمعنى . مثال ذلك أنه إن كان معنى المثلث ومعنى ما يوصف به  
المثلث : من تساوي الساقين أو اختلافهما - معنىً واحداً في جميعها ، أعني كونه مثلثاً  
وكونه متساوي الساقين ، ثم حملنا على المثلث المتساوي الساقين محمولاً خاصاً به ،  
مثل أن زواياه مساويةٌ لقائمتين ، فإن هذا المحمول يعرف من أمره أنه كليٌّ للمثلث .  

ولما عرف الموضع الذي يعلم أن المحمول كلي للموضوع فيه ، وهو أن يكون  
الموضوع واحداً باللفظ والمعنى ، أو واحداً بالمعنى كثيراً باللفظ - أخذ يعرّف الموضع  
الذي يجهل ذلك فيه فقال : « فأما إن لم يكن معناهما معنى واحداً ، لكن معنى كل  
واحدٍ منهما غير معنى الآخر ، فإنّا لا نعلم لأيهِما هو كلي ، لكن نقول على الكل » -  
يريد : فأما إن لم يكن الموضوع بسيطاً وواحداً ، لكن [ ٣٣ ب ] مركباً من أكثر من  
معنى واحد ، وحملنا عليه محمولاً خاصاً به ضرورياً ، فإنّا لا نعرف لأي معنى من  
تلك المعاني هو كلي ، أي موجودٌ له أولاً وبالذات ، مثل أن نُخبر أن المثلث المتساوي  
الساقين زواياه مساوية لقائمتين ، وكان ما يدل عليه المثلث غير ما يدل عليه المتساوي  
الساقين ، فإن مساواة الزوايا لقائمتين قد نجهل في هذه المقدمة لأيّ هذين المعنيين  
هو محمول حملاً أولاً . فهو يروم أن يعطى في أمثال هذه المواضع قانوناً به تستنبط  
الصفة التي من قبلها كان الحمل أولاً ، وذلك إذا كان الموضوع مركباً فيه من أكثر من  
معنى واحد إذا كانت تلك الألفاظ تدل على معنى واحد ، مثل أن يدل بلفظ المثلث  
ولفظ المتساوي الساقين في قولنا : المثلث زواياه مساوية لقائمتين - على معنى واحد  
مثل المختلف الأضلاع والمتساوي الساقين إذا قسنا بها المثلث . وهذا هو الذي أراد  
بقوله : ومعنى واحدٍ واحدٍ من المثلثات معنى واحداً أي يكون معنى المختلف  
الأضلاع ومعنى المتساوي الساقين ومعنى المثلث معنى واحداً .  

وقوله : لكن معنى كل واحدٍ منهما غير معنى الآخر فإنّا لا نعلم لأيهما هو كلي  

[Page 250] لكن نقول على الكل » - يريد : كما كان معنى المثلث غير معنى المتساوي الساقين ، فإنّا  
قد نجهل لأيهما هو المحمول كليٌّ إذا حملنا على المثل المتساوي الساقين محمولاً .  

قال أرسطاطاليس :  
« لكنا نبحث ونقول : أترى هذا المعنى لأيّ شيء هو كلي : للمثلث بما هو  
مثلث ، أو بما هو متساوي الساقين ؟ وبالجملة ، متى يعلم الشيء الذي هو أول  
له ، والذي يقوم البرهان على أنه كلّي له ؟ فنقول : إن الشيء الذي إذا ارتفعت  
سائر الأشياء وبقى ، بقى المحمول ببقائه ، وإذا ارتفع أرتفع لذلك ، يكون كلياً ،  
يمنزلة المثلث المتساوي الساقين المعمول من نحاس ، المحكوم عليه بأن زواياه  
الثلاث مساوية لقائمتين فإنه أن رفعت منه أنه نحاس وأنه متساوي الساقين فإن  
المحمول يبقى ببقاء المثلث . إلاّ أنك متى رفعت منه أنه شكل وأنه ذو نهاية ،  
[74 b]* لم يبق المحمول ، غير أن ارتفاعه ليس هو من ارتفاع هذين فيحصل كلياً  
له . فإذا كان هذا المعنى إنها هو كلي للمثلث ، فبتوسطه يوجد البرهان في المثلث ،  
والبرهان على طريق الكلي إنما هو له . »  

التفسير    

يقول : لكن إن كان معنى المثلث غير معني المتساوي [ ٣٤ أ ] الساقين ،  
وحملنا عليهما محمولاً خاصاً ، فقد يعرض لنا أن نجهل لأيهما هو هذا المحمول محمولٌ  
أول . فنبحث ونقول : أترى هذا المحمول هو أول للمثلث بما هو مثلث ، أو بما هو  
متساوي الساقين ؟ وبالجملة ، فنحتاج في هذا الموضع أن نعرف الشىء الذي له هذا  
المحمول أولاً ، والذي يقوم البرهان على أنه أولي : هل هو المثلث ، أو المتساوي  
الساقين ؟ ولما عرّف أن في أمثال هذه المواضع نحتاج أن يكون عندنا قانون  
وطريق به نعرف الشيء الذي حمل عليه المحمول حملاً أولاً ، وكان الطلب كلياً -  
قال : « فنقول إن الشيء ، الذي إذا ارتفعت سائر الأشياء وبقى ، بقى المحمول  
ببقائه ، وإذا ارتفع ، ارتفع لذلك ، يكون كلياً » - يريد : والصفة التي مِن قِبَلها  

[Page 251] كان حمل المحمول على الموضوع محمولاً حملاً أولاً ، تعرف من بين سائر الصفات  
الموجودة في الموضوع بأنها الصفة التي إذا ارتفعت سائر الصفات ، أي توهمت مرتفعة  
وتُوهِمّت هي باقية ، يعنى المحمول ، وإذا ارتفعت هي وبقيت سائر الصفات ارتفع  
المحمول ، فإنه لهذه الصفة التي في الموضوع يكون المحمول أولاً . فقوله : « أن  
الشيء الذي إذا ارتفعت سائر الأشياء وبقى ، بقى المحمول ببقائه » - يعنى بالشيء :  
الصفة التي يوجد لها المحمول أولاً ، ويعنى بسائر الأشياء : الصفات التي لا يوجد لها  
أولاً ، وهي التي إذا ارتفعت وبقيت تلك الصفة ، لم يرتفع المحمول . فهنا إذن  
شرطان :  
أحدهما : أن تكون تلك الصفة هي التي إذا أنزلت موجودة وسائر الصفات  
مرتفعة ، وُجِد المحمول ، والتي إذا ارتفعت وبقيت سائر الصفات ، ارتفع  
المحمول . ثم أتى بمثال هذا القول فقال : « بمنزلة المثلث المتساوي الساقين المعمول  
من نحاس ، المحكوم عليه بأن زواياه الثلاث تعادل قائمتين » - يريد : إن هذا  
المثلث يوجد فيه ثلاث صفات : أنه مثلث ، وأنه متساوي الساقين ، وأنه من  
نحاس ، ويصدق على جميعها أن زواياه الثلاث مساوية لقائمتين ، وذلك أن من  
الصادق أن كل مثلث متساوي الساقين معمولٍ من نحاس فزواياه الثلاث مساوية  
لقائمتين . ثم قال : « فإنك إذا رفعت منه أنه نحاس ، وأنه متساوي الساقين ، فإن  
المحمول يبقى ببقاء المثلث » - يريد : فإنك إذا رفعت من هذا الموضوع المركب من  
هذه الثلاث صفات : أنه نحاس ، وأنه متساوي الساقين ، ويبقى أنه مثلث يعنى أن  
زواياه مساوية لقائمتين ، أي يبقى هذا المحمول صادقاً على الموضوع ، كما كان قبل  
أن ترتفع منه الصفتان .  

ثم قال : « إلا أنك متى رفعت منه أنه شكل ، وأنه ذو نهاية ، لم يبق  
المحمول . غير أن ارتفاعه ليس هو من ارتفاع هذين فيحصل كلياً لهما » - هذا كأنه  
دفعٌ لما عسى أن يعترض به معترضٌ هذا القول . وذلك أنه لما [ ٣٤ ب ] وضع أن  
هذه الصفة هي التي إذا وجدت وارتفعت سائر الصفات ، وُجِد المحمول ، وإذا  

[Page 252] ارتفعت ، ارتفع المحمول كان لقائل أن يقول إنه إذا رفعنا من هذا المثلث الذي  
الكلام فيه أنه شكل وأنه ذو نهاية ، أي سطح ، فقد يرتفع المحمول وهو كون الزوايا  
مساوية لقائمتين . فقال إن الجواب عن ذلك أن ارتفاع المحمول عن ارتفاع أمثال  
هذه الصفات هو من قِبَل ارتفاع الصفة التي لها وُجِد المحمول عن ارتفاع هذه  
الصفات ، لا من قِبَل ارتفاع هذه . وذلك أنه إذا ارتفع أنه شكل ، ارتفع أنه  
مثلث . وإذا ارتفع أنه مثلث ، ارتفعت مساواة الزوايا لقائمتين . فإذن ارتفاع هذا  
المحمول عن ارتفاع السطح والنهاية ليس هو أولاً ، وإنما هو من قِبَل ارتفاع المثلث  
الذي يرتفع المحمول بارتفاعه أولاً . فلذلك لا بد أن يزاد في هذا الشرط بأن يقال :  
إنه إذا ارتفع ، وبقيت سائر الصفات ، ارتفع المحمول ، والذي إذا وجد وارتفعت  
سائر الصفات ، بقى المحمول . - فقوله : « غير أن ارتفاعه ليس هو من ارتفاع  
هذين » - يعنى أنه ليس ارتفاعه من قِبَل ارتفاع هذين أولاً وبالذات ، بل من قِبَل  
ارتفاع المثلث بارتفاعهما ، لا من قبل ارتفاعهما فقط . فيكون هذا المحمول كلياً  
للسطح والنهاية ، على ما شرطنا من وصف الشيء الذي يوجد له الحمل كلياً .  

وقوله : « فإذا كان هذا المعنى إنما هو كليٌّ فبتوسطه يوجد البرهان في  
المثلثات » - يريد : وإذا كان حمل الزوايا المساوية لقائمتين هو كليٌّ للمثلث بما هو  
مثلث ، فبتوسط برهان هذا للمثلث يتبرهن هذا لجميع أنواع المثلثات .  
وقوله : « والبرهان على طريق الكلي إنما هو له » - يعنى : للمثلث . وأبو نصر  
قال في هذا الموضع الذي أعطاه في استنباط المحمول الأول : إنه موضع مُقنع وليس  
ببرهاني ، وذلك في كتابه « في التحليل » . وذلك أنه زعم أن هذا الموضع يبطل  
بالأشياء التي لها أكثر من خاصة واحدة . وذلك أنه إذا ارتفعت إحدى الخاصتين ،  
ارتفعت الخاصة الأخرى ، وإذا وجدت ، وجدت - مثل العلم والضحك للإنسان .  
فإذا إذا ارتفع أنه ضحاك ، ارتفع أنه قابل للعلم . وإذا وُجِد أنه ضحّاك ، وُجِد أنه  
قابل للعلم . وليس حمل الضحّاك على القابل للعلم حملاً أولاً ،إذ كان حملاً  
بالعَرَض . وإنما غَلَّط أبا نصر أنه ظن بأرسطو في هذا الموضع أنه استعمل موضع  

[Page 253] الوجود والارتفاع المطلق . وليس الأمر كذلك ، وإنما استعمله أرسطو بتقييد ،
وذلك أنه قال أن المعنى الذي يوجد له الحمل الكلي من جميع المعاني الموجودة في  
الموضوع هو المعنى الذي إذا وُجِد وارتفعت سائر المعاني التي في الموضوع ، بقى  
المحمول موجوداً له . وإذا [ ٣٥ أ ] ارتفع وبقيت سائر المعاني الموجودة في  
الموضوع ، ارتفع المحمول . وإذا اشترط في الارتفاع والوجود هذان الشرطان ، كان  
الموضوع برهانياً ولا بُد . وذلك أنه ليس يجب إذا ارتفع الضحّاك ووجدت سائر  
المعاني في الإنسان - أن يرتفع القبول للعلم . وذلك أنه إذا وجد النطق ،  
وجد القبول للعلم . وكذلك ليس يلزم إذا وجد الضحّاك وارتفعت سائر المعاني  
الموجودة للإنسان ، أن يوجد القبول للعلم . ولذلك إذا استعمل هذا الموضع بهذين  
الشرطين ، كان برهانياً - وهو الذي ذهب على أبي نصر من غرض أرسطو .  

٦ - < مقدمات البرهان ذاتية وضرورية >
 
قال أرسطاطاليس :  
« وإن كان البرهان من مقدمات ضرورية من قِبَل أن المعلوم الذي يعلمه  
الإنسان غير ممكن أن يكون بخلاف ما هو عليه ، والأمور الضرورية هي الأمور  
الذاتية ، وهذه على ضربين : أحد الضربين هو المحمولات المأخوذة في حدود  
الموضوعات ، والضرب الآخر هو أحد المتقابلين من المحمولات المأخوذة  
موضوعاتها في حدودها - فمن البينّ أن البرهان إنما يكون من الأمور الذاتية ، وذلك  
أنه ليس يخلو أن يكون : إمّا من الأمور الذاتية ، وإمّا من الأمور العَرَضية . إلاّ أن  
الأمور العَرَضية ليست ضرورية. »  

التفسير  
لما عَرّف خواص الحمل الضروري ، وهو كون المقدمات ذاتية وأولاً ، يريدها  

[Page 254] هنا أن يبيّن أن مقدمات البرهان يجب أن تكون < بذاتها > ويجعل مبدأ البيان في ذلك أن  
مقدماته البراهين ضرورية - فقال : « وإن كان البرهان يجب أن يأتلف من مقدمات  
ضرورية ، من قبل أن الذي يعلمه الإنسان بالبرهان ، وهي النتيجة ، هي  
ضرورية ، إذ كان غير ممكن أن تكون بخلاف ما هي عليه ، وكانت النتيجة  
الضرورية إنما يحصل علمها بالذات ، أي كونها ضرورية ، عن مقدمات ضرورية .  
والمقدمات الضرورية ذاتية . فقد يجب أن تكون مقدمات البرهان ذاتية . ولما كانت  
الذاتية صنفين : الصنف الذي يؤخذ المحمول فيها في حد الموضوع ، والصنف  
الذي يؤخذ الموضوع   < فيها > في حد المحمول ، فمن البيّن أنه يجب أن تكون  
مقدمات البراهين أحد هذين الصنفين من الذاتية .  

وأنما قال إن الضرب الأخر هو أحد المتقابلين من المحمولات المأخوذة من  
موضوعاتها في حدودها ، لأن الأغراض الذاتية التي هي أعم من الموضوع هي أبداً  
متقابلة.  

وقوله : « وذلك أنه ليس يخلو أن يكون إمّا من الأمور الذاتية ، وإمّا من  
الأمور العَرَضية ، إلاّ أن الأمور العرضية ليست ضرورية » - هو قياس غير القياس  
الأول الذي بيّن به أن مقدمات البرهان يجب أن تكون ضرورية . وذلك أن القياس  
الأول وضع فيه أن مقدمات [ ٣٥ ب ] البراهين يجب أن تكون ضرورية ، من قِبَل  
أن نتائج البراهين يجب أن تكون ضرورية . ثم وضع أن الضرورية ذاتية . وأما هذا  
القياس فإنه وضع فيه أن مقدمات البراهين ضرورية ، ثم قال : « ومقدمات  
البراهين ليس تخلو أن تكون ذاتية أو عَرَضية » ثم استثنى أنها ليست عرضية ، من  
قِبَل أن البرهان مقدماته ضرورية ، والعرضية ليست بضرورية . وتأليف القياس  
الذي أنتج هذا المستثنى هو في الشكل الثاني . وهذا البيان مؤلف من شرطين :  
منفصل وحملى في الشكل الثاني ، والأول من أقيسة حملية يأتلف هكذا :  

[Page 255] نتائج البرهان ضرورية .
والنتائج الضرورية تصدر عن مقدمات هي ضرورية .  
فينتج أن مقدمات البراهين يجب أن تكون ضرورية .  

ثم تؤخذ هذه النتيجة ، وهي أن مقدمات البراهين ضرورية ، ويضاف إليها  
أن الضرورية : ذاتية . فينتج عن ذلك في الشكل الأول أن مقدمات البراهين  
ذاتية .  

وفي هذه المقدمات شك ، وذلك أنه قد يشك في البرهان الأول في المقدمة  
المأخوذة فيه وهي أن كل ضرورية ذاتية . وذلك أنه يرى كثير من الناس أن هاهنا  
أشياء ضرورية ليست بذاتية ، مثل وجود البياض للثلج ، والسواد للقار ، ومثل حمل  
الضحاك على الذي يبيع ويشترى . وبالجملة ، حمل الخواص بعضها على بعض هو  
ضروري وليس بذاتي . ولذلك قال أبو نصر في « البرهان » : والضرورية هاهنا إنما  
يعني بها الضرورية الذاتية » - فنقول نحن إن الضرورية تقابلها الممكنة .  
والضرورية منها ضرورية بالذات . فالضرورية التي بالعرض هي ممكنة بالذات .  
وأما الضرورية بالذات فليست ممكنة إلاّ بالعَرَض . فحمل الخواص بعضها على  
بعض هو ضروري بالعرض ممكن بالذات . وكذلك حمل البياض على الثلج ،  
والسواد على القار . فإن كان الواجب ألاّ تعدّ مع المقدمات الضرورية - الضروريات  
بالعرض ، لأن بالعَرَض ليس ينظر فيه ، فواجب أن تكون كل ضرورية ذاتية ، أي  
كل ضرورية بالذات ذاتية . وكذلك المقدمة المأخوذة في البرهان ، وهي أن كل ما هو  
ضروري ليس بعرضيٍ إنما يصدق على التي بالذات ، وهي التي أراد أرسطو .  

[Page 256] 
وينبغي أن نعلم أن الضرورية بالذات إنما تؤخذ في المحمول الأول فقط ، وهو
أن يكون المحمول ضرورياً للموضوع ، والموضوع ضرورياً للمحمول . وهذا ليس  
يوجد في حمل الجنس على النوع ، وذلك أن الجنس ضروري للنوع ، والنوع ممكن  
له . وإنما يوجد في حمل الحدّ والفصل ، والأعراض الذاتية الأول .  

قال أرسطاطاليس :  
« فإما أن نكتفي في البيان على أن مقدمات البراهين ضرورية ، بما قيل ،  
وإما أن نبتدئ ابتداءً آخر ونقول أن نتيجة البرهان هي ضرورية غير مستحيلة ولا  
متغيرة . والبرهان الكائن عليها غير ممكن بخلاف ما هو عليه . فإذا كان هذا  
هكذا ، فالمقدمات التي منها يكون البرهان هي ضرورية غير مستحيلة [ ٣٦ أ ] ولا  
متغيرة ، سوى أن الإنسان قد يمكنه أن يقيس من مقدمات صادقة ، إلاّ أنه لا يكون  
منها برهان . فأما أن يبرهن ، فلا يمكن إلاّ من مقدمات ضرورية ، من قِبَل أن  
خاصة البرهان إنما هو أن يكون من أشياء ضرورية . »  

التفسير  
لما وضع أن مقدمات البرهان يجب أن تكون ضرورية ، من قِبَل أن النتائج  
البرهانية هي ضرورية ، وأنتح من ذلك أن مقدمات البرهان هي ذاتية ، وكان  
اتصال المقدم بالتالي في القياس الشرطي القائل إنه إذا كانت النتيجة ضرورية ، أنه  
يجب أن تكون المقدمات ضرورية - فيه بعض خفاءٍ ، وكان قد وضعه في القياس  
الشرطي على أنه معروف بنفسه - قال : « فإما أن نكتفي - في البيان على أن مقدمات  
البرهان ضرورية - بما قيل ، وإما أن نبتدئ ابتداءً آخر فنقول »  - يريد : إنه إن كان  
ما قيل قد يمكن أن يكون غير واضح عند بعض المتعلمين ، فقد ينبغي أن نزيد في بيان  
ذلك . وقوله : « ونقول إن نتيجة البرهان . . » إلى قوله : . . . غير متغير » -  
يريد أنه لما كان من الأصول الموضوعة لنا هاهنا أن نتيجة البرهان هي غير ممكنة أن  
تكون بخلاف ما هي عليه ، بل هي أزلية غير مستحيلة ولا متغيرة ، وكان أيضاً من  

[Page 257] الموضوع لنا المعروف بنفسه أن البرهان الذي يحصل لنا من قِبَله هذا النحو من العلم
بالذات يجب أن يكون ولا بد بهذا النحو من الوجود ، أعني غير مستحيل ولا متغير ،  
ولا بالجملة يمكن أن يكون بخلاف ما هو عليه ، فإن البرهان لما كان سبباً لهذا النحو  
من العلم فقد يجب أن يكون هو أحق بذلك المعنى ، لأن كل ما كان سبباً لشيء فهو  
أحق بذلك المعنى الذي كان له سبباً . مثال ذلك أن النار إن كانت سبباً لسائر  
الأشياء الحارة فهي أحق بالحرارة . وكذلك البراهين إن كانت سبباً للعلم  
الضروري ، فهي أحق بأن تكون معلومات ضرورية . ولما كان القياس إنما يلحقه  
الإمكان من قبل مقدماته ، لأن اللازم عنه هو ضروري ، فقد يجب أن يكون  
القياس المعطى العلم الضروري يعطيه من وجهين : من قِبَل ، شكله ، ومقدماته .  
وإذا كان هذا هكذا ، فواجبٌ أن تكون مقدمات البرهان ضرورية .  

وقوله : « سوى أن الإنسان قد يمكنه . . . » إلى آخر ما كتبناه ، هو إشارة  
منه إلى أن القياس بشكله ليس يفيد كون النتيجة ضرورية . وإنما الذي يفيد شكله  
أن الانتاج ضروري . ولذلك قد يمكن الإنسان أن ينتج من مقدمات صادقة غير  
ضرورية نتيجة صادقة إما ضرورية ، وإما غير ضرورية . أما غير ضرورية :  
فبالذات ، وأما ضرورية : فبالعرض . وكيفما كان ، فهذا النحو من القياس ليس  
برهاناً .  

قال أرسطاطاليس :  
« وقد تبين أن مقدمات البرهان ضرورية ، من أنه قد [ ٣٦ ب ] يمكن المعاند أن  
يعاند الذين توهموا أنهم قد برهنوا على مطلوب ما من المطالب ، بأن يُريهم أن  
البرهان الذي برهنوا به ليس مقدماته ضرورية ، أو يمكن أن يبين ذلك المطلوب  
بغير تلك المقدمات ، أو أنها مأخوذة من اللفظ ، أي جدلية . »  

[Page 258] 
التفسير
هذه حجة مشهورة على أن مقدمات البرهان يجب أن تكون ضرورية وهو أن  
المعاندين قد يعاندون الذين يتعاطون البرهان بأن يروهم أن البرهان الذي أتوا به  
ليست مقدماته ضرورية .  

وقوله : « أو يمكن أن يبين ذلك المطلوب بغير تلك المقدمات » - إن كان أراد  
أنهم يعاندونهم بهذا المعنى ، كما يعاندونهم بأن ذلك المطلوب الذى برهنوا عليه قد  
يمكن أن يبيّن بغير تلك المقدمات ، فقد يطن أن هذا قول معترض . وذلك أنه قد  
يمكن أن يبرهن الشيء بأكثر من برهان وأحدٍ . ولكن ليس الأمر كما يُظن . فإن  
البرهان إن كان من المقدمات الأول التي هي الأسباب التي منها تقومت طبيعة ذلك  
الشيء الذي طلب برهانه ، وكان الشيء الواحد إنما يكون عن أسباب واحدة ، فقد  
يجب أن يكون البرهان واحداً ، كما يجب أن يكون الحد واحداً . وهذا البرهان هو  
البرهان المطابق لعمل الطبيعة . فإن كان البرهان هو الذي من قِبَله يعمل الشيء ،  
فقد يجب ألاّ يكون للمطلوب إلاّ برهانٌ واحد . وذلك بيِّنٌ جداً في الصنائع  
العملية . ولذلك كانت البراهين ولا بد حدوداً بالقوة على ما سيبين بعد .  
وقوله : « وأنها مأخوذة من اللفظ ، أي جدلية » - يريد أن البرهانْ يناقض من  
قِبَل أن مقدماته ليست ضرورية ، كما يناقض بكون مقدماته جدلية ، وكون ذلك  
المطلوب يمكن بيانه ببرهانٍ آخر من جنسه .  

قال أرسطاطاليس :  
« وقد ظهر وبان من هذه الأشياء أن الذين يظنون عند أخذهم مقدمات  
البرهان من الأمور المشهورة أنهم قد أصابوا - هم قومٌ بُله ، مثل ما يفعله  
السفسطائيون عندما يبينون أن الذي له العلم يعلم ما هو العلم ، لأنه إن كان ليس  
يكفى في كونها مبدءاً للبرهان أن تكون صادقة إلاّ وأن تكون مناسبة وأولية للجنس  

[Page 259] الذي عليه البرهان ، فكم بالحرى لا يكفي - في أن تكون برهانية - كونها
مشهورة ! »  

التفسير    

يقول : وقد بان وظهر < من اجل > أن مقدمات البراهين يجب أن تكون  
ضرورية - أن الذين يعتقدون أنه يكفي في مقدمات البرهان أن تكون مشهورة فقط    
هم قومٌ بله . وذلك أنه إذا لم يكف فيها أن تكون صادقة بل وأن تكون مع ذلك    
ضرورية ، فكم بالحري ألاّ يكفي فيها أن تكون مشهورة . لأن كثيراً من المشهورات    
غير صادقة . وإنما شبه فعلهم [٣٧ أ ] بفعل السفسطائيين ، وهم الذين يموهون في    
الكاذب أنه صادق ، لأن السفسطائيين كما يدلسون في صفة من صفات مقدمات    
البراهين ، وهي كونها صادقة ، فيموهون إذا كانت كاذبة أن المقدمات صادقة    
فكذلك فعلهم وفعل السفسطائي واحدٌ بالجنس ، لأن كليهما دلس في الصادق .    
وإنما الفرق بينهما أن الكذب الذي دلسّ فيه السفسطائي هو كليّ وأكثريّ ، والذي    
دلسّ فيه من زعم أنه يكفي في الصادقة أن تكون مشهورة هو كذب جزئي . وذلك    
أنه ليس يعرض للمقدمات المشهورة أن تكون كاذبة بالكل .    

وقوله : « عندما يبينون أن الذي له العلم يعلم ما هو العلم » - مثال لقول    
السفسطائية مأخوذ من المشاغبة ، وهو الاشتراك الذي يكون من قِبَل تركيب اللفظ ،    
وهو يأتلف هكذا :    
الذي له العلم بشيء ما - فهو يعلم الشيء الذي له العلم به    
الشيء الذي له العلم به هو العلم    
فإذن الذي له العلم بشيءٍ ما - له العلم بالعلم .    

[Page 260] 
ووجه التغليط أن قول القائل : « ومن له العلم يعلم الشيء الذي له العلم »
يمكن أن يعود الضمير في « له » على العلم وعلى المعلوم . وهو صادق على المعلوم ،   
كاذب على العلم . فيوهم السفسطائي لاشتراك اللفظ أنه صادق على العلم ، فيلزم   
فيه أن يكون الذي يعلم شيئاً ما يعلم ما هو العلم .   

وقوله : « مناسبة » - يعنى به أن يكون من طبيعة الجنس المنظور فيه .   

وقوله : « وأولية للجنس » - يعنى أن تكون محمولة عليه هي ومقابلتها ، إن    
كان المحمول فيها عَرَضاً على الجنس من طريق ما هو . فإن كان ليس بِعَرَضٍ فيكون   
محمولاً خاصاً ، والمناسبة على ظاهر مذهب أرسطو هي الذاتية . وأما أبو نصر فإنه    
يرى أن من الذاتية ما ينقسم بها جنسُ جنس الصناعة . وقد تكلمنا في هذا فيما    
سلف ، وسنتكلم فيه فيما بعد .   

قال أرسطاطاليس :    
« وقد يظهر أن البرهان من مقدمات ضرورية ، من قِبَل أن الذي ليس عنده    
العلم بالعلة التي من أجلها الأمر الذي قد أحضر عليه البرهان ، فليس مثل أن يظن    
أنه قد علم أن « أ » مأخوذة ل « ج » من الاضطرار بوسط « ب » . والوسط الذي    
به علم ليس بضروري ، فإن لم يَعلم بالعلة ، من قِبَل أن علمه أن المحمول    
للموضوع من الاضطرار لم يكن من قِبَل الوسط ، وذلك أن الوسط قد يمكن أن    
يرتفع والنتيجة ضرورية . »   

التفسير   
يقول : إن الذي يعلم بوسط غير ضروري ، وجود محمولٍ ما لموضوعٍ ، فهو    
ضرورةً ليس يعلم وجود ذلك المحمول للموضوع بعلّته ، لأن الذي يعلم بالعًلة فقد    
علم ضرورية النتيجة من قِبَل الوسط . والذي عَلِم بوسطٍ غير ضروري ، فلم يعلم    
ضرورية النتيجة من قِبَل الوسط ، إن كان الوسط ممكناً . فيلزم عن هاتين    
[٣٧ ب ] المقدمتين في الشكل الثاني : أن الذي يعلم بوسطٍ غير ضروري فليس    

[Page 261] يعلم بالعلة . فإذا أضيف إلى هذه النتيجة أن البرهان يعلم بالعلة ، أنتج عن ذلك
في الشكل الثاني أيضاً أن الذي يعلم بوسطٍ غير ضروري فليس يعلم بالبرهان . فإذا    
كان الذي يعلم بالبرهان إما أن يعلم بوسطٍ ضروري ، أو بغير ضروري ، وكان    
الذي يعلم بوسط غير ضروري فليس يعلم بالبرهان ، فواجبٌ أن يكون الذي يعلم    
بالبرهان يعلم بوسط ضروري .    

وقوة هذا القول قوة قياس شرطي : فقوله : « من قِبَل أن الذي ليس عنده    
علم بالعلة التي من أجلها الأمر الذي قد أحضر البرهان عليه فليس يعلم » هي    
نتيجة القياس الثاني . وقوله : « فإن هذا لم يعلم بالعلة ، من قِبَل أن علمه . . . »    
إلى آخر الفصل : هو بيان المقدمة القائلة إن الذي يعلم بوسط غير ضروري في نفسه    
لم يعلم بالعلة ، أعني نتيجة القياس الأول . وتأليفه هو هكذا :    
الذي يعلم بالعلة يعلم أن المحمول للموضوع بالضرورة من قبل الوسط .    

والذي يعلم أن المحمول موجودٌ بالضرورة من قبل وسطٍ غير ضروري ليس  
يعلم أن المحمول موجود بالضرورة من قبل الوسط .    

وقوله : « وذلك أن الوسط قد يمكن أن يرتفع والنتيجة ضرورية » - هو بيانٌ    
للمقدمة القائلة إن الذي يعلم بوسط غير ضروري ليس يعلم أن المحمول للموضوع    
ضروري من قِبَل الوسط ، وذلك أن الوسط يرتفع والعلم باق . وما يحصل العلم    
الضروريُّ من قِبَله ليس يصح أن يرتفع ويبقى العلم .    

قال أرسطاطاليس :    
« ومع هذا فإن كان الإنسان يعلم بوسط ليس هو ضروري فيكون القياس    
حاضراً والإنسان باق ، والنتيجة التي قد بيّنت بالقياس ، باقية ولم تبين فلم يتحصل    
العلم من قِبَل أن الأوسط قد يمكن ارتفاعه . وإذا كان الأمر في بقاء القياس    
والقائس والمطلوب المبين وفقد العلم ، فيكون المطلوب غير معلومٍ ولا فيما تقدم    
أيضاً ، لا ولا إن كان الوسط غير مرتفع ، لكنه يمكن أن يكون مرتفعاً ، يعلم    

[Page 262] الشيء بالبرهان . لكن يقع العلم به على أنه ممكن ، لا على أنه غير ممكن أن يقع
العلم بما هذه صورته ، إذ ليس يمنع مانع من أن يكون الحد الأوسط ليس بضروري    
والنتيجة ضرورية ، من قِبَل أنه قد يمكن أن نقيس على نتيجة ضرورية من مقدمات    
ليست ضرورية . »    

التفسير    
إذا كان الحد الأوسط إنما يعلم من أمره أنه موجود فقط ، سواء كان بهذه الحال    
في نفسه أو كان ضرورياً ولم نعلمه نحن ، فليس يفيد من العلم بالنتيجة سوى أنها    
موجودة فقط . فإن كان من طبيعة الممكن ، أمكن أن يرتفع الحد الأوسط ولا نشعر    
نحن بارتفاعه ، فيكون القياس عندنا موجوداً بالفعل ، والعلم بالنتيجة غير [ ٣٨ أ ]    
موجود ، لأن الذي يكون عندنا من العلم بالنتيجة هو ظنٌّ فقط ، لا علم . فلذلك    
يعرض ما قال ، وهو أن الإنسان متى علم شيئاً بوسطٍ هو غير ضروري - أن يكون    
القياس موجوداً بالفعل ، والقائس باق ، والنتيجة التي تبيّنت بالقياس باقية ، وهي    
غير بينة الصدق . وذلك أنه إن فسد الحد الأوسط ولم نعلم نحن بفساده ، عَرَض أن    
يكون العلم ظناً . ولذلك قال : « فلا يتحصل العلم من قبل أن الأوسط قد يمكن    
ارتفاعه » .    

وقوله : « وإذا كان الأمر في بقاء القياس والقائس والمطلوب وفقد العلم ،    
فيكون المطلوب غير معلوم ولا فيما تقدم » - يريد : فيكون المطلوب غير معلوم لنا في    
وقت فساد الحد الأوسط ، وإن كنا نحن نظن أنه معلوم لنا ، من قبل أنه ليس عندنا    
علمٌ بفساد الحد الأوسط .    

وقوله : « ولا فيما تقدم » - يريد : أن المطلوب ليس يكون معلوماً لنا عند    
وقت وجود الحد الأوسط بالحقيقة ، إذ كان هذا العلم يمكن أن يعود ظناً .    

[Page 263] 
ولما أخبر بما يعرض من تغير هذا العلم في وقت ارتفاع الحد الأوسط ، ذكر
أيضاً وَهْنَه في وقت وجوده ، فقال : « لا ولا إن كان الأوسط غير مرتفع ، لكنه    
يمكن أن يكون مرتفعاً ، يعلم الشيء بالبرهان » - يريد : أن مثل هذا الوسط إنما    
يعطى في حال وجوده من العلم بالنتيجة أنها موجودة فقط ، لا أنها ضرورية ، وهو    
الذي يعطيه البرهان . فكأنه قال : ولا إن كان الوسط غير مرتفع ، لكنه قد يمكن أن    
يرتفع ، يحصل من قِبَل هذا الوسط العلمُ بالشيء على طريق العلم الحاصل عن    
البرهان . ولما كان قد يمكن أن يحصل عن مثل هذا الوسط علمٌ ضروري بالعَرَض -    
قال : لكن يقع العلم به على أنه ممكن ، لا على أنه غير ممكن أن يقع العلم بما هذه   
صورته » - يريد : لكن قد يقع من قبل مثل هذا الحد الأوسط علمٌ ضروري    
بالعرض ، إذ كان ذلك ممكناً ، لأنّا لسنا نريد بقولنا إنه لا يقع العلم به أن ذلك    
غير ممكن أصلاً ، بل إنما نريد أنه لا يقع العلم به بالذات ، إذ ليس يمنع مانع ، كما    
قال ، من أن يكون الحد الأوسط ليس بضروري ويكون العلم بالنتيجة ضرورياً .    
والمفسرون يمثلون في هذا الموضع بقول القائل :    
كل إنسان يمشي .   

وكل من يمشي حيوان    
فتكون النتيجة ضرورية وهي أن : كل انسان حيوان .   

والمقدمة الصغرى ممكنة ، وهي قولنا : « كل انسان يمشي » .   

وإنما يعرض هذا في القياس متى كانت المقدمة الكبرى ضرورية ، وكان معنى    
المقول فيها على الكل صادقاً في كل المواد ، أعني أن يكون « أ » مثلاً بالضرورة    
محمولاً على كل ما يوصف ب « ب » ، سواء كان وصف إمكانٍ ، أو وجود ، أو    
ضرورة . فإنه إذا قُرن بمثل هذه المقدمة أي مقدمة كانت : ضرورية أو ممكنة أو   
موجودة بالفعل ، كانت النتيجة ضرورية ، كالحال في المثال المتقدم .      

[Page 264] 
وإنما قيل [ ٣٨ ب ] في هذا أنه بالعَرَض ، لأنه ليس كل حمل ضروري يوجد
فيه هذا المعنى . ولذلك لم يجعل أرسطو في هذا النحو من الاختلاط جهة النتيجة فيه      
تابعة لجهة المقدمة الكبرى ، على ما ذكره في كتاب « القياس » ولخصنا نحن مذهبه في     
ذلك الموضع .     

وأما إذا كانت الكبرى ممكنة ، فليس يصح أن تكون النتيجة ضرورية من      
مقدمات ليست ضرورية ، أعني متى كانت المقدمة الكبرى ضرورية بذلك الشرط .     

قال أرسطاطاليس :     
[75 a] * فأما متى كان الحد الأوسط ضرورياً ، فإن النتيجة ضرورية أيضاٍ لا محالة     
دائماً ، كما أنه متى كانت المقدمة صادقة ، تكون النتيجة صادقة لا محالة ، مثل أن      
يكون « أ » على « ب » من الاضطرار ، و « ب » على « ج » من الاضطرار . فإذن « أ »    
على « ج » من الاضطرار . فإن لم تكن النتيجة ضرورية ، فلا . والمقدمات تكون      
ضرورية ، وإلاّ فلتكن النتيجة وهي « أ » على « ح » ليس من الاضطرار . ومقدمتنا      
« أ ب » « ب » « ح » ضروريتان . والنتيجة عن هذا ضرورية ، إلا أنه قد وضعت غير      
ضرورية . وهذا محال . »      
التفسير     
لما بينّ أنه إذا كان الحد الأوسط ليس بضروري فإنه ليس : يجب أن تكون النتيجة      
ضرورية بالذات ، بل إن كان فبالعَرَض ، يريد أن يبين عكس هذا وهو أنه إذا كان      
الحد الأوسط ضرورياً ، أعني مقدمتي القياس ، فإن النتيجة تكون ضرورية .      
فقوله : « فأما متى كان الحد الأوسط ضرورياً » - يعنى للطرفين ، وذلك بأن تكون      
مقدمتا القياس ضروريتين . وقوله : « فإن النتيجة تكون ضرورية لا محالة دائماً ،     
كما إنه متى كانت المقدمات صادقة تكون النتيجة صادقة لا محالة » - يريد : أن الحال      

[Page 265] في كون جهة النتيجة تابعة بالذات لجهتي المقدمتين هو شبيه بكون صدق النتيجة تابعة
بالذات لصدق المقدمتين ، إذ كان كلاهما كيفية . وإنما أراد بذلك أن البرهان عليهما    
واحد .    

وقد تبيّن في كتاب « القياس » أنه إذا كانت المقدمتان صادقتين فإن النتيجة    
لابدَّ تكون صادقة. وبمثل ذلك يبين أنه إذا كان المقدمتان ضروريتين فإن النتيجة تكون    
ضرورية . وذلك بيّن في القياس : أما في الشكل الأول فمن معنى المقول على    
الكل ، وأما في الثاني والثالث فبردهما إلى الشكل الأول ـ وسائر الوجوه التي قيلت    
هنالك . والمثال الذي أتى هو به هو في الشكل الأول . ولما قال إنه إذا كانت    
المقدمتان ضروريتين فإن النتيجة تكون ضرورية ، أخبر أنه يلزم عن هذا [ ٣٩ أ ]    
الاتصال أنه إذا لم تكن النتيجة ضرورية فإن المقدمات ليست تكون ضرورية ،    
فقال : « فإن لم تكن النتيجة ضرورية ، فلا ، والمقدمات تكون ضرورية » . ثم بيّن    
ذلك بطريق الخلف وهي الجهة التي نبين بها أن استثناء مقابل التالي يلزم منه رفع    
المقدم ، فقال : « وإلاّ فلتكن النتيجة ، وهي أ على ح ليست من الاضطرار ،    
ومقدمتا أ ب ، ب ح ضروريتان ، والنتيجة عن هاتين ضرورية ، إلاّ أنها قد    
وضعت غير ضرورية ، وهذا محال » - يريد : وإلا فلتكن النتيجة في القياس المتقدم    
الذي فرضنا مقدمتيه ضروريتين : غير ضرورية ، فأقول إن المقدمتين أو إحداهما    
تكون ولا بد غير ضرورية . مثال ذلك أنه إذا حملنا أ على ب ، وب على ج وكانت    
النتيجة أ على ج - فأقول إن أ على ج إن لم تكن ضرورية فإنه لا تكون المقدمتان    
ضروريتين . برهان ذلك : أنه إن كانت المقدمتان ضروريتين لزم أن تكون    
النتيجة ضرورية ، على ما تبينّ في كتاب « القياس » ، وقد فرضت غير ضرورية -    
هذا خُلف لا يمكن ، وما لزم عنه المحالُ فهو محال ، وهو ما وضعنا من كون النتيجة    
غير ضرورية والمقدمتان ضروريتان . وإنما أراد أن يعرف بهذا أنه ليس يلزم إذا كانت    
النتيجة ضرورية أن تكون المقدمتان ضروريتين ، لأنه لو لزم ذلك ، للزم أن يستثنى    
في القياس الشرطي : التالي بعينه ، فينتج المقدم نفسه . وهذا بعينه يعرض للنتيجة    

[Page 266] في الصدق مع المقدمات ، أعني أنه إذا كانت المقدمات صادقة ، فالنتيجة صادقة .
وليس ينعكس هذا ، أعني إذا كانت النتيجة صادقة أن تكون المقدمات صادقة ، بل    
الذي يلزم أنه إذا لم تكن النتيجة صادقة أن يكون في المقدمات كذب .    
وهذه كلها أشياء قد فرغ منها في كتاب « القياس » ، وإنما ذَكّر بها هاهنا    
فقط .    

قال أرسطاطاليس :    
« فأما إن علم انسانٌ أمراً ما بالبرهان ، فواجب أن يكون العلم به ضرورياً .    

وإذا كان هذا هكذا ، فواجبٌ أن يكون الوسط الذي به يعلم الشيء بالبرهان    
ضرورياً . فإن لم يقع العلم بالشيء بوسطٍ هو ضروري ، لم يُعلم الشيء لا « ِلمَ    
هو » ، ولا « أنه » . لكن الذي يعلمه على هذا الحال هو على أحد وجهين : إما أن    
يظن ظناً أنه يعلم وهو لا يعلم ، إذا كان يتظنن بالشيء الذي ليس بضروري أنه    
ضروري ، أو لا يظن ولا ظن سوى عِلم الشيء أنه موجود ، أو لِمَ هو ، بأوساط    
كثيرة أو بوسط واحد . »    
التفسير    
قوله : « فأما إن علم إنسانٌ أمراً ما بالبرهان فواجبٌ أن يكون العلم به    
ضرورياً » - يقول : فقد ظهر أنه وضعنا أنه قد علم شيئاً ما بالبرهان أنه واجب أن    
يكون العلم به ضرورياً ، وهذا هو العلم الذي لا يتغير إلى الظنّ . فواجب أن    
يكون الوسط الذي مِن قِبَله [٣٩ ب ] يحصل هذا العلم لنا ضرورياً ، وأن يكون    
أعرف في هذا المعنى ، لأن كل وصفٍ يحصل من قِبَل شيء ما ، فذلك الشيء أحق    
بتلك الصفة من ذلك الشيء ، أعني الصفة التي حصلت للمسبَّب من قبل المسبِّب .    

[Page 267] 
ثم قال : « فإن لم يقع العلم بوسط ضروري ، لم يعلم لا « لِمَ هو » ولا    
« أنه » - يريد : فإن لم يحصل العلم للناظر في الشيء بوسط هو ضروري ، بل بوسط    
غير ضروري ، لم يحصل لذلك الناظر علم بذلك الشيء : لا علٌم بسببه إن كان    
المطلوب منه سببه ، ولا علٌم بوجوده إن كان المطلوب وجوده فقط ، ولا علمٌ بكليهما    
إن كان المطلوب كليهما . وإنما أراد أن الذي يعلم الشيء بوسطٍ غير ضروري ، لم    
يحصل من أنواع البراهين : لا برهان « لِمَ » ولا برهان « أن » ، أعني لا برهان    
الوجود ، ولا برهان السبب ، ولا البرهان المطلق الذي جمع الأمرين جميعاً . وإنما    
كان ذلك لأن البراهين المطلقة وبراهين الأسباب إنما تكون من قِبَل الأسباب ،    
والأسباب ضرورية . فمن حصل له العلم بسبب غير ضروري ، فلم يحصل له    
العلم بسبب الشيء . ومن حصل له بالوجود فقط ، فإنما حصل له ذلك من قِبَل    
الأعراض الضرورية وهي الذاتية التي رسمت من قبل . فمن حصل له العلم    
بالوجود من قِبَل عَرَضٍ غير ضروري ، فلم يحصل له العلم بوجود الشيء . ولذلك    
قال بعد هذا : « لكن الذي يعلمه على هذه الحال هو على أحد وجهين : إما أن يظن    
ظنّاً أنه يعلم وهولا يعلم ، إذ كان يظن بالشيء الذي ليس بضروري أنه ضروري ،    
أو لا يظن » - يريد : ولمكان هذا ، كان من يعلم الشيء بوسط غير ضروري لا يخلو    
حاله من إحدى حالتين : إما أن يكون غالطاً فيعتقد فيما ليس بضروري أنه    
ضروري ، وإما أن يعلم أنه ليس عنده علم . وإنما أراد أن الناس مجمعون على هذه    
القضية : مَن عنده علم ، ومَن يظن أن عنده علماً ، أعني قول القائل إن العلم    
الضروري إنما يحصل عن وسط ضروري . لكن كل من يدعى العلم في الوسط ،    
يدعى هذا المعنى .    

ثم قال : « ولا ظن سوى علم الشيء أنه موجود أو لِمَ هو بأوساط كثيرة » -    
يريد : ولا ظن أعظم مِن ظن من يعلم وجود الشيء ، أو لِمَ هو ، بأوساط كثيرة ، أو    
بوسط واحد ، ويكون الوسط أو الأوساط غير ضرورية - إن كان ما وقع في النسخة    
صحيحاً من قوله : « أو بوسط واحد » . وعلى هذا فيكون في القول حذف .    
ويحتمل أن يكون : « أو بوسط واحد » - خطأ ، وإنما هو : « لا بوسط واحد » . وعاى    

[Page 268] 
هذا التأويل يكون تقدير الكلام : ولا ظن سوى ظن من يعلم الشيء بأوساط
لا بوسط واحد . وذلك أنه قد تبيّن أن الوسط الضرورى واحد . ويدل على صِحّة    
هذا التأويل وأن ما وقع فى النسخة خطأ : ما وقع فى ترجمة مَتّى ، وهو قوله بدل    
هذا : « أو لا يكون يظن ولا ظنّاً أيضا كان عنده من أمر الشىء أنه قد كان عالماً أنه    
موجود بالأوساط ، أو كان عنده من أمره لِمَ هو بالأوساط أيضاً على مثال واحد » .   

قال أرسطاطاليس :    
والأغراض التي ليست ذاتية على النحو الذي حددنا [ ٤٠ أ ] ليس يكون عليها    
برهانٌ ، من قبل أنه لا سبيل إلى أن تكون نتيجتها ضرورية ، من قِبِل أن المحمول    
فيها إذا كان عرضاً يمكن أن يوجد ، وألا يوجد والعَرَض الذي يراد به في هذا الموضع    
هو الذي قد شرحت حاله . »   

التفسير     

يريد - فيما أحسب - أن الأوساط التي ليست ضرورية هي من الأعراض الغير    
ذاتية . والأعراض التي ليست ذاتية على النحو الذي حددت الذاتية ليس يكون منها    
برهان ، من قِبَل أنه لا سبيل أن تكون عنها نتيجة ضرورية بالذات . وقد قلنا إن    
نتيجة البرهان يجب أن تكون ضرورية . وإنما لم يجب أن تكون منها نتيجة ضرورية    
من قِبَل أن المحمول فيها الذي هو الحد الأوسط إذا كان عرضاً ، أمكن أن يفارق .    
فإن العَرَض هو الذي يمكن أن يوجد ، وألا يوجد .   

وقوله : « والعرض الذي يراد به في هذا الموضع هو الذي قد شرحت حاله » -    
يريد : الذي قيل في أحد رسميه في كتاب « الجدل » إنه الذي يمكن أن يوجد وألاّ    
يوجد . وإنما قال ذلك تحفظاً من الأعراض اللازمة .   

[Page 269] 
قال أرسطاطاليس :
« ألاّ أنه للإنسان أن يتشكك فيقول : إن لم تكن النتيجة عن مثل هذا  
ضرورية ، فما السبب في اقتضاب ينتج عنها مثل هذه النتيجة ؟ فيقال له إن  
الإنسان ليس إنما يشكك لينتج عن المقدمات نتيجةً ضرورية ، لكن إنما يشك  
لينتح نتيجة لازمة للمقدمات التي يقتضبها من المسئول من الاضطرار أنها صادقة إن  
كان ما يتسلمه من المقدمات يتسلمها على أنها صادقة . »  

التفسير  
يقول : إلاّ أنه للإنسان أن يتشكك فيما قيل إن النتيجة الضرورية إنما تكون  
عن مقدمات ضرورية - وذلك أنه إذا لم تكن النتيجة عن أمثال هذه المقدمات ، أعني  
التي هي صادقة غير ضرورية - نتيجة ضرورية ، فما السبب في أن يقتضب الإنسان  
بالسؤال مقدمات بهذه الصفة ، ويزعم أنه تلزم عنها نتيجة ضرورية ؟ - يريد : أنه  
إن وضعنا أن النتيجة الضرورية إنما تكون عن مقدمات ضرورية ، فلقائل أن يقول إنه  
يلزم عن ذلك ألا تكون نتيجة ضرورية عن مقدمات غير ضرورية ، فلا يكون هنا  
قياس فينتج أصلاً إلاّ تكون مقدماته ضرورية ، وذلك خلاف ما تبين في كتاب  
« القياس » .  

ثم أتى بحل هذا الشك ، فقال : « فيقال له إن الإنسان ليس إنما يُشكك  
لينتج في المقدمات نتيجة ضرورية ، لكن إنما يشكك لينتج نتيجة لازمة للمقدمات  
التي نقتضبها من المسئول من الاضطرار أنها صادقة » - يريد : أن المشكك بهذا  
الشك يجاب بأن يقال له : ليس يقتضب الإنسان المقدمات ويسلمها [ ٤٠ ب ]  
وبالجملة يعمل قياساً ، إذا شك في مطلوب ما وأراد انتاجه من تلك المقدمات لينتج  
منها نتيجة ضِرورية في طبيعتها . لكن إنما يقتضب المقدمات إذا شك في المطلوب ،  

[Page 270] ويعمل قياساً لينتج عن المقدمات التي تسلمها نتيجة يكون لْزُومها عن تلك المقدمات
ضرورياً ، إلاّ أن تكون هي في نفسها ضرورية . فقوله : « لكن إنما يشكك  
لينتج » - يريد : لكن إنما يشكك في المطلوب فيتسلم المقدمات ، أي إنما يتسلمٍ  
المقدمات إذا شك في المطلوب لينتج نتيجة لازمة للمقدمات التي يتسلمها لزوماً  
اضطرارياً ، لا نتيجة اضطرارية . فإن كانت المقدمات صادقة ، كانت هي ولا بدّ  
صادقة ، وإن لم تكن صادقة ، لا يجب أن تكون صادقة . ولذلك لما قال « من  
الاضطرار أنها صادقة » - زاد فقال : « إن كان ما يتسلمه من المقدمات يتسلمها على  
أنها صادقة » - يريد : أنه إنما يلزم عن تلك المقدمات لزوماً ضرورياً أن تكون النتيجة  
صادقة إن كانت المقدمات التي يتسلم صادقة ، وإلاّ فليس يكون هنالك صادقاً إلاّ  
نفس اللزوم فقط ، أعني كون النتيجة تابعة في وجودها للمقدمات في القياس  
الصحيح الشكل ، على جهة ما يتبعٍ التالي المقدم ، فإن التالي في المتصلات بالطبع  
يتبع المقدم متى فُرض المقدم موجوداً . فإن كان المقدم صادقاً ، كان التالي صادقاً  
ضرورة ، وإن لم يكن ، لم يلزم أن يكون التالي صادقاً . لكن اللزوم نفسه هو ولا بد  
صادقٌ . وكذلك الأمر في كل قياس صحيح التأليف لزوم النتيجة عنه صادق  
وضروري . وأما كون النتيجة صادقة فشيء نستفيده من طبيعة المقدمات ، لا من  
طبيعة التأليف . وكذلك كونها ضرورية في طبعها إنما نستفيده من طبيعة المقدمات .  

قال أرسطاطاليس :  
« ولما كانت الأشياء الضرورية في أمرٍ أمرٍ من الأمور هي الموجودات بالذات  
وعلى الكل ، فبيّن ظاهرٌ أن مطالب البرهان هي أمور ذاتية . والمطالب العَرَضية ،  
لأنها ليست ضرورية ، لا سبيل إلى أن يقع العلم بها من الاضطرار . »  
التفسير  

لما أخبر أن مقدمات البرهان يجب أن تكون ذاتية وعلى الكل ، أعني محمولة  

[Page 271] حملاً أولاً ، أخذ يخبر أن مطالب البرهان يجب أن تكون ذاتية وأولاَ ، فقال : « ولما
كانت الأشياء الضرورية . . . » إلى قوله : « فبيّن ظاهر » - يريد : ولما كانت  
الأشياء الضرورية هي الأشياء الموجودة بالذات ، وكانت مطالب البرهان ضرورية ،  
فبيّن أنه يجب عن ذلك أن تكون مطالب البرهان ذاتية وأولاً . وقد وقع في هذا  
للمفسرين شك كبير . وذلك أنه إن كان المحمول الأول هو الذي يحمل على  
الشيء ، لا من قِبَل غيره والنتيجة إنما تحمل على الشيء [ ٤١ أ ] من قِبَل الحد  
الأوسط ، فليس تُلفى - في وقت من الأوقات ـ نتيجة تحمل حملاً أولاً . فصار  
الاسكندر ، لمكان هذا الشك ، فيما حكى عنه ثامسطيوس ، إلى أن يتأول أن معنى  
الأول في النتيجة هي أن تكون عن مقدمات أوَل . فاعترضه ثامسطيوس بأن هذا  
إنما يُلفى لبعض النتائج .  
وذلك أن النتائج صنفان : صنف عن مقدمات معروفة بنفسها ، وصنف عن  
مقدمات هي نتائج عن أمثال هذه المقدمات . وعلى هذا فتكون هذه الوصية جزئية  
وغير منتفع بها في جميع المطالب .  

وقوم برون أن أرسطو ليس يشترط في النتائج الحمل الأول ، وذلك أن أرسطو  
إنما قال : « فبينّ ظاهر أن مطالب البرهان إنما هي أمور ذاتية ، ولم يقل كلية . وهذا  
هو الذي يذهب إليه ثامسطيوس .  

[Page 272] فلننظر نحن هل يلزم عن قوله إن مقدمات البرهان إذا كانت ذاتية وأَوكد أنه
يجب أن تكون النتائج أولاً . فنقول أنه قد تقدمنا فقلنا إن الأول يفهم منه معنيان :  
أحدهما : أنه الذي يحمل على الشيء من قِبَل طبيعة أخرى : إمّا أعم من  
الموضوع ، وإمّا أخصّ ، وإمّا مساوية .  

والثاني : أن يكون المحمول محمولاً على الموضوع ، لا من قبل علة توجب  
وجوده في الموضوع . وهذا والأول يشتركان في أن كليهما يحملان من غير وسط ،  
ويفترقان في أن أحدهما قد يحمل بوسط هو سبب وجود ذلك المحمول في الموضوع ،  
وإن كان لا يحمل بوسط هو طبيعة أخرى مركبة غير طبيعة الموضوع . وأما الثاني  
فليمس يحمل بوسطٍ أصلاً . فالأول هو مثل حمل الزوايا المساوية لقائمتين على  
المثلث . فإن هذا هو أول للمثلث ، على ما صرّح به أرسطو ، وهو موجود للمثلث  
لا من قبل طبيعةٍ أخرى ، لا أنه أول بمعنى أنه لا يحمل بوسطٍ على المثلث . وإذا كان  
هذا هكذا ، فهذا المعنى من الأولية هو مشترط في المقدمات أنفسها وفي النتائج . لأنه  
إن لم يشترط في النتائج ، لم تكن مطلوبة من طريق ما هو، ولا مبيّنة للطبيعة التي  
توجد لها أولاً وبالذات . وهذا شيء قد صرّح به أرسطو .  

فإذن اُلأول في المطالب هي التي يُطلب وجودها في الموضوع ، لا من قبل  
وجودها في طبيعة أخرى ، لا أعمّ ولا أخص ، ولا مساوية . وبينّ أن هذا النوع من  
الحمل ينبغي أن يشترط في مقدمات جميع أصناف البراهين الثلاثة ، أعني : برهان  
السبب ، وبرهان الوجود ، والبرهان المطلق وهو الذي جمع الأمرين . وذلك أن  
الأسباب الخاصة التي تؤخذ حدوداً وسطى فشأنها ألا تحمل على الموضوع من قبل  
طبيعة أخرى ، بخلاف الأسباب العامة . فإذن هذا الشرط مشترك للمقدمات  
والنتائج . وإذا اشترط في المقدمات ، وجد فيه معنى الأول والثاني . وإذا اشترط في  
النتائج بقى على أوله ولم يلزم منه محال . ولذلك يخص اشتراط المعنى الثاني  
[ ٤١ ب ] من الحمل الأول مقدمات البراهين المطلقة وبراهين الأسباب . وهذا هو  
الذي يسميه أرسطو المحمول من غير وسط ، أو الأسباب القريبة ، وليس يسمّيه :  

[Page 273] « أولاً » . وأما الذي يسميه : « أولاً » فهو المعنى الأول الذي شرحناه ، و اشتراطه
كافٍ في الأمرين جميعاً وضروري . وذلك أنه إذا كان محمول المطلوب محمولاً على  
موضوعه ، لا من قِيَل طبيعة أخرى ، كان الحدّ الأوسط ضرورة بهذه الصفة . فإن  
كان سبياً من أسباب الطرف الأكبر ، كان خاصاً بالموضوع . وإن كان أمراً متأخراً  
عنه ، كان أيضاً عرضاً خاصاً .    

فقد ظهر من هذا أن هذا الحمل متى لم يشترط في المطلوب لم يوجد في  
المقدمات ، وذلك خلاف ما ظن المفسّرون . وكذلك ظهر أيضاً أنه متى وجد في  
المقدمات ، وُجد ولا بّد في النتيجة . فإذن بالواجب ينبغي أن يفهم من قوله : « فبيّن  
ظاهر أن مطالب البرهان هي أمورٌ ذاتية » - أي ذاتية أول ، فإنه أحد ما يقال عليه  
اسم « الذاتي » ، كما تقدم . والدليل على أنه أراد هذه النتيجة قوله : « ولما كانت  
الأشياء الضرورية في أمرٍ أمرٍ من الأمور هي الموجودات بالذات ، فبيّن ظاهر أن  
مطالب البرهان هي أمور ذاتية » . وقد بيّنا نحن وجه هذا اللزوم وصحته ، فلا معنى  
لأن يفهم من الذاتي هذا المعنى العام .  

قال أرسطاطاليس :  
« ولا أيضاً لو كانت من الأعراض غير المفارقة ، إلا أنها ليست بالذات بمنزلة  
المقاييس التي تكون مأخوذة من الآثار والعلامات التي ليس لنا أن نقول بالحقيقة إنها  
برهانية لأنها تنتج الأقدم من المتأخر ، لأن أولاً كانت الولادة ، ثم اللبن ، وأولاً  
كانت النار ثم الدخان . لا ولا الأمور الذاتية تعلم علماً محققاً دون أن تعلم بالعلة . »  

التفسير  
لما أخبر أن مقدمات البرهان يجب أن تكون ذاتية وأولاً ، وكانت الذاتية  
صنفين : أعراض ، وجواهر ، أعني إما أمور متأخرة عن الموضوع ، وإما متقدمة  
عليه ، وكان قصده الأول إنما هو التكلم في شرائط البرهان المطلق الذي يفيد العلم  

[Page 274] الذي هو في المرتبة الغائية من اليقين - قال : « ولا أيضاً لو كانت من الأعراض الغير
مفارقة ، إلاّ أنها ليست بالذات » - يريد : ولا يكفى أيضاً في مقدمات البرهان  
المطلق إن تكون من الأعراض الذاتية التي ليست بجوهرية » - فقوله : « من  
الأعراض الغير مفارقة » - يعنى به الأعراض الذاتية . وقوله : « إلاّ أنها ليست  
بالذات » - يعنى به ليست موجودة في ذات الموضوع ، أي يتقدم بها موضوع المطلوب  
إن كان الحد الأوسط في البرهان سبباً للطرفين جميعاً ، أو ليست موجودة في ذات  
محمول المطلوب إن كان الحد الأوسط سبباً للأعظم فقط .  
ثم قال : « بمنزلة المقاييس التي تكون مأخوذة من الآثار والعلامات » - يريد :  
أن الحدود والأوساط التي تكون من الأعراض الذاتية إنما تكون في المقاييس التي من  
الدلائل ، وهي التي يكون الحد الأوسط فيها أثراً من آثار الحد الأكبر وعلامة من  
علاماته .  

ثم قال : « التي ليس لنا أن نقول بالحقيقة [ ٤٢ أ ] إنها برهانية » - يريد :  
وإنما قلنا إن البرهان المطلق لا ينبغي أن يكون الحدّ الأوسط فيه من الآثار والعلامات  
الموجودة للحد الأكبر ، مثلما يوجد ذلك في البراهين التي تسمى الدلائل ، من قِيَل  
أن هذه البراهين ليست بالحقيقة ولا في الغاية برهانية . والبرهان المطلوب هو الذي  
يعطى اليقين الذي في الغاية .  

ثم أتى بالسبب الذي من قِبَله ليست الدلائل براهين ،فقال : « لأنهما تنتج الأقدم  
من المتأخر ، لأن أولاً كانت الولادة ثم اللبن ، وأولاً كانت النار ثم ثانياً الدخان » -  
يريد : لأنها تنتج المتقدم فيها من قِبَل المتأخر ، مثل أن يُبَيّن مُبينٌ أن هذه المرأة  
والدة ، من قيل أن لها لبناً ، وأن هذا الموضع فيه نارٌ من قِبَل أن فيه دخاناً فإن هذا  
انتاج المتقدم بالمتأخر ، لأن أولاً كانت الولادة ثم اللبن ، أي أن الولادة هي السبب  

[Page 275] في وجود اللبن ، وكذلك النار هي السبب في وجود الدخان ، والبراهين بعكس
هذا ، أعني أن يبين فيها المتأخر بالمتقدم ، مثل أن يبيّن مبيّن أن هذه المرأة ذات لبنٍ  
من قِبَل أنها والدة .  

وقوله : « لا والأمور الذاتية تُعلم علماً محققاً دون أن تُعلم بالعلة » - يريد :  
أنه ليس علم المتقدم من الأعراض الذاتية بالمتأخرة هو علم غير محقق فقط ، بل ولا  
الأعراض التي تؤخذ حدوداً وسطى . وأمثال هذه البراهين تعلم علماً محققاً ، أي في  
الغاية ، ألاّ أن تعلم بأسبابها . ولهذا المعنى قد أنكر ابن سينا هذا النوع من البراهين  
، أعنى الدلائل .  

وسيأتي الكلام في ذلك عند ذكره لبراهين الدلائل من هذا الكتاب .  

قال أرسطاطاليس :    

 « والسبب في ذلك هو أن من رام أن يعلم الشيء علماً محققاً لا سبيل له إلاّ  
بالعلة ، فيجب من ذلك أن يكون الحد الأكبر موجوداً للأوسط بالذات ، والأوسط  
للأصغر بالذات . وإذا كان الأمر على هذا ، فغير ممكن أن يُنقل البرهان من جنس .  
إلى جنس آخر ، مثل أن ينقل البرهان على أمر هندسي ، فيستعمل في أمر عددي . »  
التفسير  
لما أخبر أن الدلائل ليس تُعلم من قِبَلها النتائج علماً محققاً ، من قِبَل أنها يُعلم  
فيها المتقدم من قبل المتأخر ، وأخبر أيضاً أن مقدماتها ليست تُعلم علماً محققاً إلاّ إذا  
عُلِمت بعللها - أخبر بالسبب الشامل للأمرين جميعاً ، أعني كون نتائج الدلائل غير  
معلومة علماً محققاً وكون مقدماتها ناقصة - فقال : « والسبب في ذلك » - يريد : في  
نقص المعرفة التي توجد في نتائج الدلائل ، ونقصان مقدماتها أن من رام أن يعلم  
الشيء علماً محققاً لا سبيل له إلى علمه إلاّ بالعلة . وهذا الذي قاله يبين بنفسه ،  
أعني أن العلم الذي في الغاية [ ٤٢ ب ] هو العلم بالعلة ، وذلك أنه العلم المطابق  
لعمل الطبيعة .  

[Page 276] 
ولما أخبر أن الحدود الوسط في البراهين يحب أن تكون أسباباً ، قال : « فيجب
من ذلك أن يكون الحد الأكبر موجوداً للأوسط بالذات ، والأوسط للأصغر  
بالذات » - وهذا لذي قاله بيّن مما قال ، فإنه إذا كان الحد الأوسط سبباً للطرف  
الأعظم نفسه ، وسبباً لوجوده في الأصغر ، على ما تبيّن فيما سلف ، أعني من شرط  
البرهان المطلق أن يكون الحد الأوسط فيه سبباً للطرف الأكبر نفسه ، وسبباً لوجوده  
في الأصغر ، لأنه إذا كان الأكبر محمولاً حملاً أولاً على الأصغر - وجب أن يكون  
الشيء الذي هو علة له في نفسه هو بعينه علةٌ لوجوده في الأصغر . وإذا كان الحد  
الأوسط بهذه الصفة ، فبيّن أن حمل الأمر عليه ذاتي له ، من قبل أنه مأخوذ في حده .  
وقد قيل إن أحد صنفي ما بالذات هو أن يكون الموضوع مأخوذاً في حد المحمول ،  
وكذلك أيضاً حمله على الأصغر هو ذاتي له ، وذلك أنه إن كان مع كونه سبباً للطرف  
الأكبر سبباً للأصغر ، فيكون حمله على الأصغر من الصنف الذاتي الذي يؤخذ  
المحمول منه في حد الموضوع . وإن لم يكن سبباً للأ صغر ، وجب ضرورة أن يكون  
الأصغر مأخوذاً في حدّه ، فيكون حمله على الأصغر من جنس حمل الأكبر عليه .  
وأكثر البراهين المطلقة إنما تكون في الأعراض الذاتية ، لعلةٍ سنشرحها بعد .  

ولما تبيّن له من هذا أن مقدمات البراهين يجب أن تكون ذاتية ، وقد كان تبين  
ذلك أيضاً من كونها ضرورية ، أنتج عن ذلك أن البرهان ليس يمكن أن يُنقل من  
صناعة إلى صناعة ، فقال : « وإذا كان الأمر هكذا ، فغير ممكنٍ أن ينقل البرهان من  
جنس إلى جنس آخر ، مثل أن ينقل البرهان على أمرٍ هندسي فيستعمل في أمر  
عددي » . وفي هذا الذي قاله موضع فحص شديد وعويص كبير . وذلك أنه إما أن  
يعنى بنقل البرهان من جنس إلى جنس نقل مقدمته نفسها من صناعة إلى صناعة ،  
أعني أن يستعمل المقدمتين في صناعتين بجهةٍ واحدة - فهذا محال ، لأنه يلزم عن  
ذلك أن يكون المطلوب واحداً والحدُّ المفروض واحداً ، أعني الموضوع للمطلوب ،  
والحد الأوسط أيضاً واحداً . وهذا لإخفاء على امتناعه ، فتكون الصناعتان صناعة  
واحدة ، وقد فرضت صناعتين - هذا خلف لا يمكن .  

[Page 277] وأما إذا كانت المقدمة الصغرى مختلفة بالموضوع في العلمين ، والمقدمة
الكبرى واحدة ، أعني أن يكون الحد الأوسط والطرف الأكبر فيهما واحداً ، فقد يظن  
أن هذا ممكن إذا سلمنا أن في الأعراض الذاتية ما يكون أعم من الجنس ، وأن  
البراهين قد تكون من أمثال هذه المقدمات [ ٤٣ أ ] وأنه قد يكون شيء واحد يطلب  
وجوده في صناعتين ، أو أنه قد توجد صناعتان تنظران في الجنس المحيط بهما ، كما  
نجد أبا نصر يسلّم جميع هذا في كتابه . والعجب من أبي نصرٍ أنه يسلّم أن تكون  
صناعتان تنظران في مطلوب واحد ، ولا يسلم أن يكون ذلك بحدٍ واحدٍ أوسط .  
وإذا سلّمنا أن هاهنا عرضاً مشتركاً للصناعتين ، أو جنساً مشتركاً ، فقد يمكن أن  
يكون أولاً ، فضلاً عن ألا يتعدى الجنس .  

فبيّن أنه ليس يمكن أن تنقل البراهين ، ولا على هذه الجهة ، أعني أن تستعمل  
مقدمة كبرى أولية في جنس يعم ولا إذا لم تكن أولية وكانت خاصة بالجنس . فأمّا  
أن الذاتية ليس يجب أن تتعدىّ الجنس ، أعني جنس الصناعة ، أي موضوعها الذي  
تنظر فيه - فبيّن مما أقوله . وذلك أن الأمور الذاتية للجنس لا تخلو أن تكون مما تؤخذ  
في حدود الجنس ، أو يؤخذ الجنس في حدودها . فإن كانت مما يؤخذ في حدود  
الجنس ، فلا تخلو أن تكون أسباباً خاصة بذلك الجنس ، أو غير خاصة . فإن كانتد  
خاصة ومحمولة عليه من طريق ما هو ذلك الجنس ، فبيّن أنه ليس يمكن فيها أن  
تكون أعم من ذلك الجنس . وإن كانت أعم من ذلك الجنس ، فبيّن أنها ذاتية  
للطبيعة المحيطة بذلك الجنس وأولية لها . فجنس الصناعة إذن هو هذه الطبيعة  
المحيطة . فالذي فرضناه جنساً للصناعة ، وجنس الصناعة هو نوعٌ مما فرضناه جنساً  
للصناعة ليس بجنس - هذا خلف لا يمكن .  

ومن هنا يظهر أنه ليس يمكن أن تكون صناعتان مختلفتان بالموضوع داخلتين  
تحت جنس واحدٍ مقولٍ بالتواطؤ ، أعني أن ينقسم إليها ذلك الجنس قسمة أولى .  
فإن ما هذا شأنه من الصنائع هي صناعتان جزئيتان من صناعةٍ كلية ، مثل الصناعة  
التي تنظر في المجسمات المستديرة والمستقيمة ، فإنهما داخلتان تحت صناعة الهندسة ،  
وصناعة الهندسة صناعة واحدة .  

[Page 278] 
وكذلك ليس يمكن أن يوجد عرضٌ ذاتي لصناعتين مختلفتين بالموضوع ، وذلك
أن ذلك العَرَض الذاتي لا يخلو إمّا أن يؤخذ في حَدّ جنس الصناعة ، أعني  
موضوعها ، أو جنس جنسها كما يقول أبو نصر . فإن كان المأخوذ في حده جنس  
الصناعة ، فبيِّن أنه خاص بتلك الصناعة . وإن كان الذي يؤخذ في حده جنس  
جنس تلك الصناعة ، فبينٌ أنه أول وذاتي لجنس جنس تلك الصناعة ، وليس يعرف  
وجوده لتلك الطبيعة إلاّ بالعَرَض ،أعني التي فرضناها جنس الصناعة ، أي من قِبَل  
وجوده للطبيعة التي هي أعم من جنس تلك الصناعة . وبالجملة ، فتكون نسبته إلى  
جنس الصناعة مثل نسبة مساواة الزوايا لقائمتين للمثلث المتساوى الأضلاع أو  
المختلف الأضلاع ، على ما بيّنه أرسطو [ ٤٣ ب ] قبل . وإذا كان ذلك كذلك ، فقد  
وضع جنساً للصناعة ليس بجنسٍ لها . ومن هنا يظهر أن ما يظن به من الأعراض  
الذاتية أنها مشتركة لأكثر من جنس واحد أنها مقولة باشتراك الاسم ، لا بتواطؤ ،  
مثل حمل المساوي على الكمية المنفصلة والمتصلة ، وإن اسم « الكم » مقول عليهما  
باشتراكٍ . وسيبين هذا أرسطو بعدُ . وذلك أن الذي يشكك في هذا هو أمثال هذه  
المقدمات .  

فقد تبين من هذا أنه ليس يمكن أن ينقل البرهان من صناعةٍ إلى صناعة ، أعني  
أن تنقل المقدمة الكبرى من صناعة إلى صناعة ، أو المقدمتان أنفسهما . وأما أن  
يستعمل في إحداهما مقدمة كبرى ما كان في أخرى نتيجة ، فإن ذلك ليس بممتنع ،  
على ما سيقوله أرسطو ، وذلك في الصنائع التي بعضها تحت بعض ، أعني أن  
تستعمل الجزئية مقدمات كبرى هي في الكلية نتائج .  

٧ - < لا يمكن الانتقال من جنس إلى جنس آخر >

قال أرسطاطاليس :  
« والأشياء التي منها تنبني طبيعة البرهان ثلاثة :  
أحدها : المحمول ، وهو الذي يتبيّن أنه موجود للموضوع بالذات .  

[Page 279] 
والثاني : العلوم المتعارفة ، وهذه هي المقدمات التي يتبينّ بها وجود
المحمول للموضوع .  

[ 75 b ]* والثالث : الطبيعة الموضوعة التي يكون البرهان على التأثيرات  
والأعراض الموجودة لها بذاتها . »  
التفسير  
لما أخبر أنه غير ممكن أن تُنقل البراهين ، أخذ يفصل الأشياء التي منها تتقوم  
الصنائع النظرية ، ليتبينّ أن اختلافها في الصنائع يوجب ألا يُنقل البرهان - فقال :  
والأشياء التي منها تنبنى طبيعة البرهان » - يريد : أن التي تتقوم منها طبيعة البرهان  
ثلاثة أشياء : أحدها المحمول الذي يبين أنه موجود للموضوع بالذات ، وإنما قال  
« إنه موجود » ، ولم يقل : « الذي يبين أنه موجود للموضوع ، أو غير موجود » ، من  
قبل أن البراهين الموجبة هي البراهين بالحقيقة .  

وقوله : والثاني : العلوم المتعارفة ، وهذه هي المقدمات التي يتبين بها وجود  
المحمول للموضوع » - ينبغي أن يفهم منه أن المقدمات ليست شيئاً أكثر من حمل  
الحد الأوسط على الأصغر الذي هو موضوع المطلوب ، والأكبر على الأوسط الذي هو  
محمول المطلوب ، وهو الذي يتبين وجوده للموضوع .  

وقوله : « والثالث : الطبيعة الموضوعة » - يعنى الجنس الذي تنظر فيه تلك  
الصناعة . وقوله : « التي البرهان يكون على التأثيرات والأعراض الموجودة لها  
بالذات » - يريد : الطبيعة التي من شأنها أن تقوم البراهين في الصناعة عليها ، وهي  
الجنس المنظور فيه . ويريد بالتأثيرات الأعراض الانفعالية ، وبالأعراض : ما يعمُّ  
سائر الأعراض . وإنما خص الأعراض منِ بين سائر الأشياء التي تطلب في الجنس ،  

[Page 280] لأن الأعراض هي التي يُطلب وجودها غالبا في الصناعة [ ٤٤ أ ] وهي التي تتأتى فيها
براهين الوجود والأسباب .  

قال أرسطاطاليس :  
« فأما المقدمات التي منها يكون البرهان ، فقد تكون عامة مشتركة ، سوى  
أن الأشياء التي موضوعاتها مختلفة في الطبيعة بمنزلة العدد والهندسة ، فغير ممكن أن  
ينتقل البرهان الذي تبينَّ به أمرٌ لازم لأحدهما فيبين به أمرٌ لازم للآخر . والسبب في  
ذلك أن ذات العدد مباينة لذات العظم ، وكون المقدمات عامية مشتركة في بعض  
الأمور - فنحن نشرع في الكلام فيه بأخرة . »  
التفسير  
لما أخبر أن الأشياء التي تتقوم الصنائع منها ثلاثة أشياء ، وكان النقل إنما يكون  
باشتراك الصنائع في واحدة من هذه أو أكثر من واحدة ، وكان بيناً بنفسه أنه لا  
تشترك في الطبيعة الموضوعة ، وإن اشتركت فيها فهي مختلفة بالجهة - يريد أن ينظر :  
هل يمكن أن تشترك في المقدماتْ فقال : « فأما المقدمات التي يكون منها البرهان  
فقد تكون عامة مشتركة » - يريد : أًما المقدمات التي تستعمل في الصنائع ، فقد  
يظن أن منها ما يشترك فيه أكثر من صناعة واحدة .  

ولما ذكر هذا ، أتي بالأمر الذي يوجب خلاف هذا الاعتقاد ، أو بالصنائع  
التي تقطع أن هذا المعنى غير موجود فيها فقال : « سوى أن الأشياء التي موضوعاتها  
مختلفة في الطبيعة ، بمنزلة العدد والهندسة . . . » إلى قوله : « أمر لازم للآخر » -  
يريد : لكن من البيّن بنفسه أنه ليس يمكن في الصنائع التي موضوعاتها متباينة  
بالطبع ، مثل العدد والهندسة ، أن ينقل البرهان فيها من واحدة إلى أخرى . وذلك  
بأن يكون الحد الأوسط الذي يتبينّ به لازم أعراضها هو بعينه الذي يتبيُّن به لازم آخر  

[Page 281] في الصناعة الأخرى . وذلك أنه من البيّن أنه إذا كان المطلوبان اثنين أنه ليس يمكن
أن يبين كل واحد منهما في الصناعة التي تخصه بحد واحد مشرك للصناعتين . وذلك أن  
الصناعتين المتباينتين في الطبيعة هي ضرورةً متباينةٌ في الأسباب الذاتية ، والحد  
الأوسط إنما هو سبب من أسباب الطبيعة الموضوعة . وهذا هو الذي دل عليه بقوله :    

« فغير ممكن أن ينقل البرهان الذي بُيّن به أمرٌ لازم لأحدهما » - يريد : لإحدى
الصناعتين لازم للصناعة الأخرى . وهذا التفسير هو على أن يفهم من قوله : أمر  
لازم لأحدهما ، فبينّ به أمرٌ لازم للآخر ، على أن اللازم الأول هو غير الثاني ، أعني  
أن يكون المطلوبان مختلفين . وعلى هذا فليس يكون هذا القول مقابلاً لمن قال إن في  
المقدمات الأول ما هي عامة . وإنما يكون معنى قوله هذا تقرير المواضع من الصنائع  
التي لا يتفق فيها هذا ، أعني أن تستعمل فيها مقدمات عامة ، من قِيَل أن المطلوبات  
إذا فرضت [٤٤ ب ] متغايرةً في الصنائع لم يمكن أن يتصور اشتراك في البرهان  
فيمكن أن تنقل . وأمّا إن فهمنا أنه لازم واحد بعينه ، فيكون مقابلاً لقول من قال  
إن في المقدمات ما هي عامة . ولما ذكر أنه ليس يمكن أن تنقل البراهين من قِبَل أن  
الحدود الوسط في الصنائع المختلفة تكون مختلفة ضرورة - أتى بالسبب في ذلك  
فقال : « والسبب في ذلك أن ذات العدد مباينة لذات العِظم » - يريد : والسبب في  
اختلاف الأسباب التي تؤخذ حدوداً وسطى في صناعة العدد وفي صناعة الهندسة أن  
ذات الهندسة تخالف ذات العدد ، من قِبَل أن إحداهما كمية متصلة ، والأخرى  
منفصلة . وإذا اختلفت الذوات اختلفت الأسباب ضرورة . ولما كان إذا اختلفت  
الأسباب اختلفت المسببات ، وكانت المطلوبات هي المسّببات ، وجب ألا تشترك  
صناعتان أصلاً في المطلوب من المطالب ، أعني المطالب الذاتية . ولمكان هذا المعنى  
كان عندنا التفسير الثاني أبين من التفسير الأول من طريق المعنى ، والأول من  
طريق ظاهر اللفظ . ولما كان هذا الاعتقاد الذي ينفى اشتراك الصنائع في المطالب  
يخالفه ما يظهر من أن هاهنا مطلوبات عامة لأكثر من صناعة واحدة ، مثل المساواة  
المطلوبة في العدد والعظم ، وإذا أمكن أن توجد مطلوبات عامة ، أمكن أن توجد  
حدود وسط عامة ، وهي الطبيعة العامة التي يوجد لها ذلك المطلوب ، وإذا أمكن  
ذلك ، أمكن أن يكون من المقدمات الكُبَر عامية وأن تنقل البراهين ، - قال في  

[Page 282] جواب ذلك : « وكون المقدمات عامية مشتركة في بعض ، فنحن نشرع في الكلام فيه
بأخرة » - يريد : أنه سيحلّ هذا الشك ويبين أن هذه المقدمات ليست المقدمة منها  
التي يظن بها أنها مشتركة لأكثر من صناعة واحدة - مقدمة واحدة بالمعنى ، وإنما هي  
واحدة باللفظ .  

قال أرسطاطاليس :  
« وأما البرهان الكائن على أمرٍ عدديّ فهو غير متعدٍ لطبيعة العدد . فكذلك  
يجرى الأمر في البراهين الكائنة على ما سوى العدد . فيجب ضرورة متى رام المبرهن  
أن ينقل البرهان أن يكون المطلوبان واحداً بعينه . وهذا على ضربين : إمّا على  
الإطلاق ، وإمّا على جهةٍ ما . وغير ممكن أن يكون على غير هذا الوجه ، من قِبَل  
أن حدود البرهان كلها ذاتية وليست بأعراض . »  

التفسير  
يريد : وكما أن البرهان الكائن عن أمرٍ عدديّ حدوده الثلاثة غير متعدية  
لطبيعة العدد ، أي من طبيعة العدد ، كذلك يجرى الأمر في سائر البراهين الموجودة  
في صناعةٍ صناعةٍ ، أي يجب أن تكون الحدود الثلاثة في برهانٍ برهانٍ من نفس  
الطبيعة [ ٤٥ أ ] التي تنظر فيها تلك الصناعة ، فلا يمكن أن ينقل البرهان أصلاً  
وقوله : « فيجب ضرورة متى رام المبرهن أن ينقل البرهان أن يكون المطلوبان  
واحداً بعينه هو أمر لازم كما قال ، أراد أنه ليس يمكن أن يكون واحداً » .  

وقوله : « وهذا على ضربين : إما على الإطلاق ، واما على جهة ما » - يريد  
بالإطلاق أن يكون المطلوب واحداً بعينه من جميع الجهات . ويريد بقوله : « وإما  
على جهةٍ ما » أن يكون واحداً بالموضوع ، مختلفاً بالجهة ، مثل أن يتبين المهندس  

[Page 283] بنوع ما من الخطوط خاصة من الخواص ببرهان ما ، فينقل ذلك البرهان المناظري
إلى ذلك النوع من الخطوط الشعاعية . وليس يريد بقوله :   « مختلفا بالجهة » مثل أن  
ينظر صاحب التعاليم في شكل . السماء وصاحب العلم الطبيعي ، فإن كليهما ينظران  
من ذلك فى شئ واحد ، لكن صاحب علم الهيئة ينظر فيه من حيث هو مجرد عن  
الهيولى ، وصاحب العلم الطبيعي ينظر فيه من حيث هو نهاية لطبيعة الجرم السماوى  
. ولذلك صار السبب الذى يعطى أحدهما فيه غير السبب الذى يعطيه الآخر .  
وذلك أن صاحب علم الهيئة يقول إن شكل السماء إنما صار كريّاً من قبلَ أن الخطوط  
التى تخرج منه إلى المركز متساوية ، وصاحب العلم الطبيعى يقول أنه إنما صار كريّاً  
من قبل أن حركته دوراً وأنه جرم من طبيعة كذا ، فإن البرهان فى مثل هذه لا  
ينتقل .  

ولما وضع أنه لا يمكن أن ينتقل البرهان من صناعة إلى صناعة إلاّ أن يكون  
المطلوب واحداَ : إما بإطلاق ، وإما بجهة ما - قالع بأثر هذا : « وغير ممكن أن يكون  
على غير هذا الوجه » - يريد : وغير ممكن أن يكون النقل إلاّ على هذين  
الوجهين ، أعنى أن يكون المطلوب واحداً بإطلاق ، أو بجهة ما . ولما وضع  
هذا ، أتى بالسبب في ذلك فقال : « من قِبَل أن حدود البرهان كلها ذاتية وليست  
بأعراض » - يريد : وإنما لم يمكن أن ينقل البرهان من صناعة إلى صناعة ، من قِبَل  
أن حدود البرهان الثلاثة ، أعنى الأكبر والأوسط والأصغر ، كلها زائدة  
لجنس الصناعة ، والذاتية لا تتعدى الجنس .  

وقد يوهمِ هذا القولُ أنه يجوز أن يكون المطلوب واحداً فى صناعتين . وليس  
الأمر كذلك ، وإنما هو شيء وضعه هاهنا وضعاً حتى يفحص عنه ، لأن هذا إنما  
يتوهم وقوعه فى مثل التساوى والتناسب الذى يستعمل فى صنائع مختلفة .  

قال ارسطاطاليس :  

[Page 284] واحد ، ولا لصاحب العلم الإلهى أن بيّن أن المكعبين مكعب واحد ، ولا لصناعة
من الصنائع أن تبيّن ما يخصّ صناعة أخرى ، اللهم إلا أن تكون صناعتان إحداهما  
تحت الأخرى ، فيمكن ذلك فيها ، بمنزلة علم المناظر الذى هو تحت [ ٤٥ ب ]  
صناعة الهندسة ، وبمنزلة صناعة تأليف اللحون التى هى تحت صناعة العدد . »  
التفسير  
يقول : ولكون الحدود الثلاثة التى منها يأتلف البرهان من طبيعة الجنس لم  
يكن لصناعة جزئية من الصنائع البرهانية أن تبيّن ما يخص الكلّية الناظرة في الموجود  
بما هو موجود ، مثل أنه ليس لصناعة الهندسة النظرُ فى الاضداد ، ولا النظر فى  
الواحد والكثرة ، ولا أيضا لصناعة جزئية من الصنائع : أن يبيّن ما يخصُّ صناعة  
أخرى جزئية . وأعنى بالجزئية : التى تنظر فى بعض أجناس  
الموجودات . وبالكلية : التى تنظر فى الموجود بما هو موجود .  

وينبغى أن تعلم أنه إن نظرت صناعة جزئية فى لا حق من لواحق الصناعة  
العامّة ، فإنما تنظر فيه من حيث قربه من موضوعاتها ، حتى تجعله خاصاً بذلك  
الموضوع ، مثل نظر العلم الطبيعى فى قوى النفس : هل هى واحدة أو كثيرة .  

ولما قال إنه ليس لصناعة من الصنائع أن تبيَّن ما يخص الأخرى ، سواء كانت  
الصناعتان كلتاهما جزئية ، أو أحداهما كلية والأخرى جزئية - قد يفهم منه تباين  
الصناعات ، وبالجملة ، وقد كان قد يُلْفَى فى الصنائع نوع من الاشتراك ، وهو أن  
تستعمل الصناعة الواحدة مبدءاً أو مبادئ ما ، شأنهما أن تبين فى الأخرى ، وكان  
هذا إنما يُلْفَى ، أكثر ذلك ، فى الصناعة التى تحت صناعة أخرى ، أعنى أن تكون  
الخاصة تأخذ مبادئها من العامة ، كالحال فى صناعة الهندسة مع صناعة علم المناظر  
وعلم الهندسة - قال : « اللهم إلاّ أن تكون صناعتان إحداهما تحت الأخرى . » إلى  
آخر الفصل - يريد : أن الصناعة العالية تعطى التى تحتها الأسباب التى تطلبها ،  
مثل صناعة الهندسة ، فإن كثيراً مما يوقف عليه يأخذه صاحب علم المناظر سبباً فيما  
يظهر فى صناعته ، مثل إعطائه السبب فى أن ما بَعُدَ يظهر أصغر من قِبَل أنه قد تبيّن  

[Page 285] فى علم الهندسة أن القاعدة الواحدة نفسها من المخروط إذا كانت الخطوط التى تخرج
من مركز المخروط إليها أطول ، كانت زاوية المخروط أصغر . ثم يضيف إلى هذا أن  
ما يرى بزاوية : أصغر ، يُرَى أصغر . فيتمّ له إعطاء السبب فى علمه .  

وكذلك النغم المتفقة إنما جرت العادة بأن تعطى أسباب الاتفاق فيها فى  
الصناعة اللحنية من قبل النسب العددية .  

وقد يشك فى هذا فيقال : أننا نرى الصناعة الجزئية المتأخرة تعطي مبادئ  
الصناعة العامة التى هى تحتها ، مثلما يعطى العلم الطبيعى والتعاليمى مبادئ فى  
العلم الإلهي ، فإن الأمور المفارقة إنما يتسلم صاحب العلم الإلهي وجودها من  
صاحب العلم الطبيعى ، ويتسلمّ عددها من صاحب علم الهيئة التعاليمى . والفرق  
بين ذلك أن الصناعة الجزئية إنما تعطى الكلية مبدأ وجودٍ لا مبدأً سببٍ . وأما الكلية  
[ ٤٦ أ ] فإنما تعطى فى الجزئية مبدأ سبب . ولست أعنى أن الجزئية تعطى فى الكلية  
شيئا متأخراً يستعمل فى الكلية حداً أوسط ، إنما تعطى الجزئية للكلية ما ينزل منها  
منزلة موضوع الصناعة ، أو جزء موضوع ، بخلاف الأمر فيما تعطيه الكلية فى  
الجزئية ، أعنى التى تعطيه يستعمل فى الجزئية حداً أوسط . وسنخبر بعلة هذا بعدُ .  

ولما كان كلامه هاهنا فى براهين الأسباب والوجود ، وكانت المشاركة  
مختلفة ، لم يعرض إلى المشاركة التى تكون بين الصنائع الجزئية والكلية بهذه الجهة .  

قال أرسطاطاليس :  
« ولا أيضا يمكن أن ينتقل البرهان فيبيَّن به شئ موجود للخطوط لا بما هى  
خطوط ، وإن كان خاصِياً لها ، بمنزلة ما تبين فى الخط المستقيم أنه أحسن من سائر  
الخطوط ، أو أنه مقابلٍ للخط المستدير ، من قِبَل أن هذه الأشياء ليست ذاتية  
للخطوط ، لكنها أعراضٌ للخطوط أو لغيرها . »  

[Page 286] التفسير
يقول : ولا يمكن أيضاً أن ينقل البرهان من جنس إلى جنس إذا كان هناك  
أعراضٌ تعمُّ ذلك الجنس ، وليس من شأن تلك الأعراض أن توجد لواحد فيها من  
طريق ما هو ، إذ كانت أمثال هذه الأعراض ليست ذاتية ، والبراهين إنما تأتلف بين  
الذاتية ، يريد أنه لو كانت البراهين تأتلف من أمور عامة ، لقد كان يمكن أن يُنقل  
البرهان . فقوله : « ولا يمكن أن ينقل البرهان فيبيَّن به شىء موجود للخطوط لا بما  
هي خطوط » - يريد : ولا أيضاً يمكن أن ننقل البرهان الذى يبين به شىء موجود  
للخطوط لا بما هى خطوط إلى غير الخطوط ، فيبين به وجود ذلك المعنى لغير  
الخطوط ، إذ كانت الأقيسة التى تبين بها أمثال هذه الأشياء للخطوط . ليست  
براهين ، بمنزلة أن يُبَيّن مبينّ للخط المستقيم أنه أحسن الخطوط ، وأنه مقابل للخط  
المستدير . ثم يأخذ ذلك البيان بعينه فينقله إلى غير الخطوط من الأشياء التى ، تتصف  
بالحُسّن أو المقابلة . فإن هذه ليست براهين ، إذ كان الحُسْنُ والمقابلة ليست أموراً  
موجودة للخطوط بما هى خطوط ، والغير الخطوط من الأشياء الجزئية التى توصف  
بها .  

وقوله : « وإن كان خاصَاً لها » - يريد : وإن كان موجوداً لها .  

٨ - < لا برهان على الأشياء الفاسدة >

قال أرسطاطاليس :
« ومن البيّن الظاهر أن نتيجة البرهان هى كلية ، والسبب فى ذلك أن مقدمات
البرهان كلية . وإذا كانت نتيجة البرهان كلية وذاتية ، فلا سبيل إلى أن يقوم على
الأشياء الفاسده برهان ، ولا يقع العلم بها على التحقيق ، اللهم إلاّ أن يكون

[Page 287] البرهان يقوم عليها لمشابهتها ما بالعرض . فأما على طريق الكلى ، فلا ، لكن فى
وقت ما ، وعلى وجه ما . »
[ ٤٦ ب ] التفسير
قوله « ومن البين أن نتيجة البرهان هى كلية » - يعنى بالكلية هنا مقابل
الجزئية . وقوله : « والسبب فى ذلك هو أن مقدمات البرهان كلية » - يريد - على ما
تبين فى كتاب « القياس » - من أن المقدمات الكلية يلزم عليها ولا بد نتيجةٌ
كلية . وكون نتائج البرهان يجب أن تكون كلية يظهر من وجوب كونها
ضرورية . ولذلك قال : « وإذا كانت نتيجة البرهان كلية وذاتية ، فلا سبيل إلى أن
يقوم على الأشياء الفاسدة برهان » - ويعنى بالفاسدة : الكائنة والأشخاص .

وقوله : « اللهم إلاّ أن يكون البرهان يقوم عليها لمشابهتها ما
بالعَرض » - يريد : « بوجه مشابهتها ما بالعرض » : أنها قد تكون صادقة فى وقت
ما ، كما يكون بالعرض صادقاً فى وقت ما . ولذلك قال : « فأما على طريق
الكلى ، فلا ، لكن فى وقت ما وعلى جهة ما » - يريد : فاما أن يقوم عليها برهان على
طريق الكلية ، أى ذاتياً وأبدياً ، وعلى جهة ما ، لا فى كل وقت ولا بحسب طبيعة
ذلك الشخص ، أعنى الطبيعة الكلية .

وقوله : « وعلى جهة ما » . . - يحتمل أن يريد به الجهة التى هو بها موجود فى
الهيولى وفى شخص ، وهو شىء عارض للطبيعة الكلية النوعية ، أعنى أن تتشخص
فى المواد من قبل المواد أنفسها .

قال ارسطاطاليس :  

« وإن كان البرهان يقوم على الأشياء الفاسدة ، فيلزم من الاضطرار أن تكون
احدى المقدمتين غير كلية ، بل تكون فاسدة ، من قبل أن الموضوع فيها
فاسد ، وذلك أن الموضوع فيها هو الموضوع فى النتيجة . وتكون أيضاً غير
كلية ، من قِبلَ أن أحد حدودها موجود ، والآخر يخر موجود .

فبينّ من هذا أنه لا سبيل إلى أن يقوم على الأشياء الفاسدة برهان على طريق الكل ، إلا بالاستثناء . »  

[Page 288]

التفسير  
لما أخبر أنه إذا كانت المقدمات كلية فى البراهين فإنه يجب أن تكون النتائج  
كلية ، لا جزئية ، يريد أن هذا اللزوم يظهر من أنه إذا فرضنا أنه قد يمكن أن يكون  
برهان على الأشخاص الكائنة الفاسدة ، يلزم ضرورة أن تكون إحدى مقدمتى  
القياس كائنة فاسدة ، لأنه قد تبيّن أن النتيجة الجزئية لا تكون أبداً إلاّ وإحدى  
مقدمتى القياس جزئية ، وذلك إما الصغرى فى الشكل الأول والثانى ، وإما أيهّما  
اتفق فى الشكل الثالث ، على ما تبيّن فى كتاب « القياس » .  

وقوله : « من قبل أن الموضوع فيها فاسد » - يريد : وإنما يجب إذا كانت  
النتيجة شخصية ، أن تكون احدى المقدمتين شخصية ، من قِيلَ أن موضوع  
المطلوب يجب [ ٤٧ أ ] أن يكون فى النتائج الجزئية شخصاً ولا بد . وأعنى بالجزئية  
هاهنا الأشخاص ، لا ما يدل عليه السور الجزئى .  

وقوله : « وتكون أيضاً غير كلية من قبل أن أحد حدودها موجود ، والآخر غير  
موجود » - يريد : وتكون النتيجة أيضاً غير كلية من قبل أن المحمول فيها يكون  
موجوداً لبعض الموضوع وغيم موجود لبعضه . وإنما أراد أنها تكون ، مع أنها  
شخصيه ، جزئية وأعنى ب « الجزئية » ما يدل عليه بعض ، وليس بعض . ولذلك قد  
يُشَك فيقال . هل تدخل فى البراهين مقدمات جزئية ؟ فإن الجزئية أيضاً التى فى المادة  
الضرورية ضروريةٌ ، مثل قولنا : بعض الحيوان ناطق . لكن يشبه أن تكون  
الضرورية هاهنا بالعرض . وذلك أن بعض الحيوان إنما صار ناطقاً لا بما هو بعض  

[Page 289] إذ كان بعض الحيوان منه ناطق ، ومنه غير ناطق . وإنما صار : بعض الحيوان ناطق
بما هو ذلك البعض إنسان . وعلى هذا فليس يكون فى المقاييس البرهانية النظرية لا  
مقدمة شخصية ، ولا جزئية . - وقول من قال : إنما لم تذكر الجزئية فى البراهين لأنها  
داخلة تحت الكلية - قول خطأٌ ، كما قال أبو نصر فى كتابه فى « البرهان » . وإنما يصحّ  
هذا القول فى المقدمات الجدلية ، أعنى هذا التعليل ، وهو الذى قاله أرسطو فى  
الثانية من « الجدل » فالتبس الأمرُ على أبي نصر ، فطن أن الأمر فى ذلك واحد فى  
البرهان والجدل . إلاّ أن يريد مقدمات البراهين الصغرى المستعملة فى الصنائع  
العملية القياسية .  

وقوله : « تبينّ من هذا أنه لا يقوم برهان على الأشياء الفاسدة على طريق الكلى  
إلا بالاستثناء » - يريد : فبيّن من هذا القول أنه لا يقوم برهان على الأشياء الفاسدة  
على طريق البرهان الذى يكون على الكل ، وهو البرهان المطلق ، إلاّ أن يستثنى  
القائل فيقول إنه يقوم عليها برهان جزئى ، أى فى وقت ما ، لا برهان مطلق .  

قال أرسطاطاليس :  
« وصور الأشياء الفاسدة فى الحد كصورتها فى البرهان . وذلك أن الحدّ إما أن  
يكون مبدءاً للبرهان ، وإما أن يكون برهاناً متغيراً فى الوضع ، وإما أن يكون  
نتيجة برهان . »  

التفسير  
يريد : وحال الأشياء الفاسدة فى أنه ليس لها حدٌّ كحالها فى البرهان ، أعنى أنه  
كما أنه ليس يقوم عليها برهان ، كذلك ليس يكون لها حدود . ولما ذكر هذا ، أتى  
بالسبب فى ذلك فقال : « وذلك أن الحد إما أن يكون مبدءاً للبرهان ، وإما أن يكون  
برهاناً متغيّراً فى الوضع ، وإمّا أن يكون نتيجة برهان » - يريد وإنما وجب أن تكون  
الحدود أيضاً للأمور الكلية من قِبَل أن الحدود لا تخلو أن تكون مبدأ برهان ، وذلك  

[Page 290] إذا كانت معروفة بنفسها ، أعنى أنها تؤخذ فى البراهين حدوداً وسطى [ ٤٧ ب ] أو أن
يكون الحد أيضاً بأسره برهاناً متغيراً فى الوضع ، وذلك إذا كان بأسره حدّاً ، أعنى  
إذا كانت الثلاثة الحدود التى منها التأم البرهان حدّاً بالقوة ، أعنى أنه إذا ترتبت  
ترتيب الحدّ صار منها حداً كاملاً بالفعل . ولذلك قيل فى هذا البرهان : « متغير فى  
الوضع » أى فى الترتيب .   

وقد يكون الحدّ أيضاً نتيجة برهان . وسيتبيّن بعد ذلك من كلامه أىّ البراهين  
هى التى تفيد هذه الثلاثة الأنحاء من الحدود ، فإن فيه موضع فحص شديد وعويص  
كبير .  

وأما أن الحدود تعرض لها هذه الأنحاء فى البراهين - فقريبٌ من أن يبين مما  
تقدم ، لأن الحدّ لا يخلو أن يكون معروفاً بنفسه بأسره ، أو مجهولاً بأسره ، أو بعض  
أجزائه مجهولة ، وبعضها معلومة . فالأول يكون مبدأ برهان ، والثانى يكون نتيجة  
برهان ، والثالث يكون بعضه مبدأ برهان ، وبعضه نتيجة برهان .  

قال أرسطاطاليس :  
« والأشياء التى تحدث تارةً بعد أخرى ، بمنزلة الكسوف ، فإن البرهان إنما  
يكون كلياً على الذى هو مثل هذا . فأمّا من حيث هى جزئية وفريدة وغر دائمة ،  
فصورتهما صورة الأشياء الفاسدة لا يقوم عليها برهان ، بمنزلة هذا الكسوف . »  
التفسير  
لما بيّن أن البرهان من الأشياء الكلية وعلى الأشياء الكلية ، وكان مما يشكّك فى  
ذلك الأشياء التى لا يوجد منها إلاّ شخص واحد بعد شخص واحد ، بمنزلة  
الكسوفات التي تحدث مرة بعد مرة ، فإن لقائل أن يقول إن هذه ليس يقوم البرهان  
عليها على طريق الكلى ، كما تقدّم من قوله فى الأشياء التى لا يوجد منها إلاّ شخص  

[Page 291] واحدٌ فقط ، مثل الأرض والشمس . فهو يخبر فى هذا القول أن البرهان إنما يقوم فى
هذه الأشياء على الطبيعة الكلية الموجودة فيها ، لا على شخصٍ من جهة ما هو  
شخصى . ولذلك قيل فى حدّ الكلى إنه الذى من طبيعته أن يحْمل على أكثر من  
شخصٍ واحد ، لا أنه يحمل بالفعل على أكثر من شخص واحد ، إذ كان ذلك لا  
يصدق على التى لا يوجد منها إلاّ شخص واحد فقط ، ولا على التى لا يوجد منها إلاّ  
شخص بعد شخص كالكسوفات .  

وقوله : فإن البرهان إنما يكون كلياً على الذى هو مثل هذا » - يريدُ أن البرهان  
إذا قام على كسوفٍ ما فإنما يقوم على هذا المشار إليه ، وعلى الذى هو مثله مما شأنه  
أن يحدث غير نهاية ، لا على هذا المشار إليه من حيث هو المشار إليه ؛ وهو الذى أراد  
لقوله : « فأمّا من حيث هى جزئية » - يَعْنى : الكسوفات وما  
أشبهها - « وفريدة ، وغير دائمة فصورتها صورة الأشياء » التى لا يقوم عليها  
برهان ، ويعنى بصورتها : طبيعتها . فكأنه قال : فأما الجزئيات [ ٤٨ أ] من حيث  
هى جزئية وشخصية وغير دائمة الوجود فطبيعتها طبيعة الأشياء التى لا يقوم عليها  
برهان ، بمنزلة الكسوف المشار اليه .  

٩ - <مبادى البرهان الخاصة وغير القابلة للبرهنة>

قال أرسطاطاليس :  
« وليس يكتفى فى أن يعلم الشىء بالبرهان أن تكون المقدمات التى تتبنّ بها  
صوادق فقط وغير أوساط ؛ فإن بروسن لما أن رام أن يربّع الدائرة اقتضب فى  

[Page 292] برهانه على ذلك مقدمة عامية مشتركة تستعمل فى أمور كثيرة غير خاصِيّة ولا مناسبة
لطبيعة واحدة . ولذلك لم يكن بيانه برهانياً ، لكن غير برهان . [ 76 a]* وإلاّ فما  
كان يمكن أن ينقل فيستبين به أمرٌ آخر . »  

إنما لم يكن يكتفى فى شروط مقدمات البراهين أن تكون صوادق وغير مبيّنة  
بحدّ أوسط ، أى أوائل من قبل أن المقصود بالبرهان إنما هو أن يعلم الشىء بالأشياء  
التى بها وجوده ، إذ كان هذا العلم الموافق لعمل الطبيعة والمطابق [٤٨ ب ] لها ، كما  
أن العلم الصناعى هو العلم الموافق لعمل الصناعة .  

والمقدمة التى استعملها بروسن هى المقدمة القائلة إن الأشياء التى هى أكبر من  
شىء واحد بعينه وأصغر من شيء واحد بعينه هى متساوية . وهذه المقدمة كثيراً ما  
يستعملها المهندسون ، وهى صادقة ، لكنها ليست خاصية بالأعظام ؛ ولا الأكبر  
والأصغر فى الأعظام المستقيمة والمستديرة مقولٌ بمعنى واحد ، أعنى أنه ليس يقال أن  
دائرة أعظم من سطحٍ مستقيم الأضلاع ، بالمعنى الذى به يقال إن سطحاً أعظم من  
سطح ؛ بل لا مناسبة فى الحقيقة بين الخط المستقيم ، والمستدير . وكثيراً  

[Page 293] 
ما يستعمل المهندسون هذه المقدمة ، مثل تبيينهم أن مساحة الدائرة تقوم من ضرب

  نصف القطر فى نصف المحيط : بأن يبيّن أن الشىء الذى بهذه الصفة هو أصغر من  
كل سطح يعمل خارج الدائرة وأعظم من كل سطح يعمل داخل الدائرة . فإذن  
السطح الذى يقوم من ضرب نصف القطر فى نصف المحيط هو مساوٍ للدائرة إذ كان  
هو والدائرة أصغر من شىء واحد بعينه ، وهو كل سطح يعمل خارج  
الدائرة ، واعظم من شئ واحد بعينه وهو كل سطح يعمل داخل الدائرة .  

وقوله : « وإلا فما كان يمكن أن ينقل ليبين به أمرٌ آخر » - يقول : لو كانت هذه  
المقدمة الكلية المأخوذة هاهنا مناسبة ، لما أمكن أن تُنقل .  

قال أرسطاطاليس :  
« وأن يعلم الشىء علما محققاً لا بطريق العرض هو أن يعلم من مبادئه التى  
تَخُصَّه ومن الأشياء التى انبنت منها ذاته . فإن من رام أن يقع له العلم بأن زوايا  
المثلث تعادل قائمتين على سبيل البرهان ، فلا سبيل إلى أن يقع له العلمُ بذلك إلا  
من الأشياء الذاتية والخاصة للمثلث . »  

التفسير  
لما كان العلم المحقق إنما هو أن يعمل الشىء لا بطريق العرض ، أى بما  
يعرض له ، وسواء كان ما يعرض له . دائماً أو غير دائم ، وجب أن يكون العلم  
المحقق إنما هو بأن يعلم من مبادئه التى تخصّه ، أى من أسبابه ، وبالجملة : من  
الأشياء التى تقومت منها طبيعة الشىء ، وهى الأسباب الموجودة فى الشىء ، أعنى  

[Page 294] مادّته الخاصة وصورته الخاصة . فقوله : « ومن الأشياء التى انبنت منها ذاته » - يعنى
من الأسباب التى فى الشىء ، وهى التى منها تقوّمت ذات الشىء . وقوله : « من  
مبادئه التى تخصّه » - يحتمل أن يريد به جميع أسباب الشىء الأربعة ، أعنى الخارجة  
والداخلة . ولذلك أردف ذلك بالأسباب الداخلة ، إذ كانت من التى فيها تلتئم  
البراهين على الأكثر .  

وباقى كلامه [٤٩ أ] فى هذا الفصل مفهومٌ بنفسه . وإذا تُؤُمِّل هذا  
الشرط ، أعنى ألاّ يشوب البرهان شـىءٌ مما بالعَرَض : لا قريبٌ ولا بعيدٌ - ظهر أنه  
ليس يمكن أن تأتلف البراهين إلاّ من الأمور الذاتية الخاصة .  

قال أرسطاطاليس :  
« وإذا كان البرهان إنما يكون من الأشياء الذاتية والخاصة ، فيجب أن يكون  
الحدّ الأوسط من الطبيعة نفسها ، أو من الطبيعة التى هى أعلى بأن لم يكن الوسط  
من الطبيعة نفسها ، لكن من الطبيعة التى هى أعلى منها ، بمنزلة الوُسُط التى تبيّن  
بها المطالب الموسيقية وهى من علم الأعداد . فإن كلا البرهانين : الأعلى والأسفل  
يجريان مجرى واحد ، ويختلفان من قِبَل أن الذى تحت يبين أن الشىء ، وإما الذى  
هو فوق فيبين « لِمَ هو » . وذلك أن الوسط هو فيه علة قريبة .  

فقد بان وظهر على جميعها أنه غير . ممكن أن يبرهن على أمر من الأمور على  
الاطلاق إلّا من الأمور الذاتية والمبادئ التى تخص ذلك الأمر . »  

التفسير  
قوله : « فيجب أن يكون الحد الأوسط من الطبيعة نفسها » - يعنى : من جنس  
الصناعة أى موضوعها الذى فيه تنظر .  

[Page 295] 
وقوله : « أو من الطبيعة التى هى أعلى منها » - يعني طبيعة موضوع الصناعة
التى تتنزّل منزلة الجنس لموضوع الصناعة التى هى أخص منها . وينبغي أن تعلم أنه  
ليس يكون موضوع صناعةٍ جنساً لموضوع صناعة أخرى إلاّ بأن تكون الصناعة  
الأعلى تنظر فى شىء ما مطلقاً وتنظر فيه صناعة أخرى بتقييد ، مثل صناعة العدد  
والموسيقى : فإن صناعة العدد تنظر فى النسبة مطلقاً ، وصناعة الموسيقى تنظر فى  
النسبة الصوتية العددية . وهذه هى التى يسميها أرسطو الصنائع التى تنظر فى الشىء  
من جهة النقصان والزيادة . وذلك أن الصناعة التى تتنزّل منزلة الجنس تنظر فى  
الشىء من جهة النقصان ، مثل صناعة الهندسة فأنها تنظر فى العِظم من جهة ما  
تنقصه الهيولى وصناعة العلم الطبيعى تنظر فيه من جهة الزيادة ، أى من جهة  
زيادة المادة عليه . وهذه الصنائع بالجملة تعطى الأعلى منها السبب فى الشىء الواحد  
بعينه ، أعنى السبب القريب كما قال ، وتعطى السفلى الوجود ، مثال ذلك أن  
صناعة الموسيقى توقف على النغم المتفقة ، أعنى على وجودها ، ثم تعطى السبب  
فيها من قِبلَ صناعه العدد . فإن صاحب صناعة الموسيقى إذا قيل له : لم صار هذا  
التأليف موافقاً ؟ قال : لأنه على نسبة الضّعف ، أو الزائد رُبْعاً أو ثلثا . وهذه  
النسب قد تبين وجودها فى العدد . فلما كانت الطبيعة التى ينظر فيها صاحب  
الموسيقى مؤلفة من الجنس ، أعنى من طبيعة العدد ومن النغم ، عَرَض فى هذه  
الصناعة أن يكون الحد الأوسط من [٤٩ ب ] الجنس الذى هو أعلى .  

وأما الصنائع المتباينة بالموضوع ، فليس يمكن أن تشترك فى الحد  
الأوسط . وكذلك الصنائع التى تنظر فى الشىء الواحد من جهتين مختلفتين . وذلك  
أن موضوعات الصنائع لا تخلو من هذه الثلاثة الأوجه ، أعنى أن تتباين  
بالموضوع ، أو تختلف بالجهة وتشترك بالموضوع ، أو تنظر احداهما فى الشىء من جهة  
النقصان ، والأخرى من جهة الزيادة .  

وأما الصنائع الداخلة تحت جنس من الأجناس ، والنظر فيها وفى ذلك الجنس  

[Page 296] من جهة واحدة فإنهما صناعتان جزئيتان تحت صناعة واحدة ، مثل الصناعة الناظرة
فى الأجسام المستقيمة الأبعاد ، والناظرة فى الأجسام المستديرة : فإنهما صناعتان  
جزئيتان تحت صناعة واحدة وهى الهندسة ، وليستا صناعتين مختلفتين .  
  
وقوله : « فإن كلا البرهانين يجريان مجرى واحد » - أي يتعاونان على تبيين شىء  
واحد بعينه ، فتعطى الصناعةُ السفلى وجوده ، وتعطى العليا سبب وجوده  
القريب . وهو الذى أراد بقوله : « ويختلفان من قِبَل أن الذى تحت يبين « أن » الشىء  
، وأما الذى فوق فيبين « لِمَ هو » » - يريد : وتختلف الصناعتان من قِبَل أن الصناعة  
التى من تحت الأخرى تُبَيّنَ فى ذلك الشىء بعينه « أن » هو ، وأما الصناعة التى فوقها  
فتبين فى ذلك الشىء بعينه « لِمَ هو » . ولما كان قد يمكن أن يتوهم متوهم أن الصناعة  
التى تجرى مجرى الجنس من الأخرى إنما تعطي فى الشىء تحتها ما يجرى مجرى السبب  
البعيد . وذلك أن أسباب الجنس إذا نُسِبت إلى النوع كانت أسباباً بعيدة .  

قال : « وذلك أن الوسط فيه هى علة قريبة » - يريد : وذلك أن الوسط الذى  
تعطيه الصناعة العالية فى الصناعة التى تحتها - هو علة قريبة للشىء الذى تنظر فيه  
الصناعة التى يحتها . والسبب فى ذلك أن موضوع الصناعة العامة لهذا الوجه الذى  
فسّرناه قبلُ من العموم ، وهو وجه الزيادة والنقصان ، يتنزّل من موضوع الصناعة  
الخاصة منزلة الصورة الخاصة من الشىء ذى الصورة ، أعنى من المادة ، ولذلك كان  
فيها سبباً قريباً . وإنما كان يلزم الشكُّ المتقدمة لو كانت الصناعة العامة جنساً حقيقياً  
للصناعة الخاصة .  

قال أرسطاطاليس :  
« والصناعة العامة قد تتكلّف بيان سائر المبادئ . وإذا كان هذا هكذا ،  
فبينٌّ ظاهر أنه غير ممكن أن يبينّ صاحبُ صناعةٍ صناعةٍ مبادئَ صناعته الخاصة به ،  
مِنْ قِبَل أنه إن شرع فى أن يُبَيّن مبادئه فى الأشياء التى بها تُبين مبادؤه أحقُّ بأن تكون  

[Page 297] مبادئ من تلك ، وبها يعلم ما يعلم على طريق التحقيق . [٥٠ أ] فإن رأى أن
يعلم الشىء علماً محققاً فإنما يعلمه من المبادئ والأسباب العامّة ، ومن الأشياء  
المتقدمة بالطبع من عِللٍ وأسباب لا تكون معلولات ومُسبَّبات . والعلم بهذه يكون  
أتقن وأحكم من العلم بتلك . »  
التفسير  

قوله : « والصناعة العامة فقد تتكلف بيان سائر المبادئ » - يعنى بالصناعة  
العامة : الفلسفة الأولى ، وهى الناظرة فى الموجود بما هو موجود . وذلك أن هذه  
الصناعة لما كان نطرها فى الموجود بما هو موجود ، وفى أنواع الموجود ، وكانت  
موضوعات الصنائع من أنواع الموجود - فإذن هذه الصناعة هى التى تتكفّل بإعطاء  
أسباب موضوعات الصنائع كلها ، أعنى من حيث هى أحد الموجودات ، لا من  
حيث هى موضوعات الصنائع ، أعنى إذا أخذت بالجهة التى تنظر فيها الصنائع .  
مثال ذلك أن صاحب الفلسفة الأولى هو الذى يصحّح ويعطى الجهة التى هو بها  
العددُ موجودٌ ، أعنى الجهة التى هو بها ذلك الموضوع موجود خارج النفس ، لا الجهة  
التى هو بها موضوع لتلك الصناعة . وإذا كان جنسُ موضوعات الصنائع إنما هو  
الموجود ، فظاهرٌ أن الذى يعطى أسبابها من حيث هى موجودة فقط هو الناظر فى  
الموجود المطلق ، وهو صاحب صناعة الفلسفة الأولى .  

وإذا كان ذلك كذلك ، فواجب ألا تعطى صناعةٌ من الصنائع أسباب  
موضوعاتها التى هى بها أحد أنواع الموجودات ، إذ كان صاحب الفلسفة الأولى هو  
الذى يعطى هذه . وهذه الأسباب فى الحقيقة هى أسباب جنس موضوع  
الصناعة ، لا الأسباب الخاصّة بموضوع الصناعة . وإن كان الأمر كذلك ، فكيف  
ألزم - عن كون الصناعة العامة ناظرةً فى بيان مبادئ سائر الصنائع - أن تكون  
الصنائع لا تنظر فى مبادئها ؟ ! لأن لقائل أن يقول إن مبادئ موضوعات الصنائع  
الخاصّة إنما هى مبادئ خاصّة لها ، إذا أخذت بالجهة التى بها تنظر فى الموضوع تلك  
الصناعةُ . وإذا كان ذلك كذلك ، فالنظر- فى تلك المبادئ ذاتىٌّ لصاحب  

[Page 298] الصناعة . وعلى هذا نجد الأمر فى العلم الطبيعى ينظر فى المادة ، وفى المحرك الأول
، من جهة ما هما أسبابٌ للحركة ، لا من حيث هما أحد أنواع الموجودات .  
وقد أشكل هذا الأمرُ على ابن سينا ، حتى أخذ القول الماضى أخذاً  
مطلقاً ، وظنّ أن صاحب العلم الطبيعى يتسلّم من صاحب العلم الإلاهى للمادة  
الأولى والمبدأ الأول . ولم يرد أرسطو أن صاحب العلم الجزئى ليس يمكنه أن يبرهن  
أسباب موضوعه أصلاً ، وإنما أراد أنه ليس [٥٠ ب ] يمكنه أن يبرهن أسباب  
موضوعه برهاناً مطلقاً ، أعنى برهاناً يعطى السبب والوجود . وذلك أن أسباب  
موضوع الصناعة هى من الطبيعة الأعلى ، أعنى التى هى جنس ذلك  
الموضوع . والنظر فى هذه الطبيعة إنما هو لصاحب العلم الإلاهى ، وذلك أن  
الطبيعة التى تعمّ موضوعات الصنائع الجزئية هى : الموجود ، وهو موضوع الفلسفة  
الأولى . ولمكان هذا استفتح القول بأن قال : « والصناعة العامة قد تتكلّف بيان سائر  
المبادئ » - ثم أردف ذلك باًن قال « وإذا كان هذا هكذا فبيّن ظاهر أنه غير ممكن أن  
يبين صاحب صناعةٍ صناعة مبادئ صناعته الخاصّية » - يريد : بياناً مطلقاً ، أى بياناً  
يعطى السبب والوجود . وذلك أن صاحب الصناعة الجزئية قد يمكنه أن يبرهن  
أسباب موضوعه بالدلائل ، كما فعل أرسطو فى بيان المادة الأولى فى « السماع  
الطبيعي » والمحرك الأول . بل لا سبيل إلى تبييّن وجود المحرّك الأول إلا بدليلٍ فى  
هذا العلم ، أعنى العلم الطبيعى ، لا على ما ظنّه ابن سينا . وقد وضعنا مقالة فى  
تبيين فساد الطريق الكلى الذى ظن ابن سينا أنه به يمكن صاحب العلم الإلهي أن  
يثبت وجود المبدأ الأول .  
وقوله : « مِنْ قِبَلَ أنه إن شرع فى أن يبيّن مبادئه » - يريد : من قِبل أنه يشرع  
فى أن يبيّن مبادئه الأول فى تلك الصناعة بمبادئ أَخر . ثم قال : « فالأشياء التى بها  

[Page 299] تتبين مبادؤه هى أحقّ بأن تكون مبادئ » - يريد : وإذا بَيّنَ مبادئ صناعته بمبادئ
أخر فهذه المبادئ هى أحقّ بالأولية من مبادئ صناعته ، وقد كانت فُرِضَتْ تلك  
أولية . فهى أولية لا أولية - هذا خُلْف لا يمكن .  

وقوله : « فإن من رام أن يعلم الشىء علماً محققاً فإنما يعلمه من المبادئ  
والأسباب العامة » - يعنى بالعامة : الأول فى ذلك الجنس ، كما قال فى « السماع »  
إنه إنما نعرف الشىء إذا عرفناه بأسبابه الأول حتى ننتهى إلى اسطقساته . يحتمل أن  
يكون أنما أراد أن المعرفة فى كل جنس تنتهى إلى الأسباب الأول التى فى ذلك الجنس  
. وحينئذ يحصل العلم التامّ بذلك الجنس . فهذه الأسباب ليس لها أسباب أُول فى  
ذلك الجنس . فلذلك لا يمكن أن تبين فى ذلك الجنس بما هى أقدم منها ، إذ لا أقدم  
منها ولا أعرف فى ذلك الجنس .  

وقوله : « ومن الأشياء المتقدمة بالطبع من علل وأسباب لا تكون معلومات  
ومسبًبات . والعلم بهذه يكون أتقن وأحكم من العلم بتلك » - يريد بالأشياء المتقدمة  
بالطبع المتقدمة فى المعرفة والوجود . وذلك أن الأسباب متقدمة فى الوجود بالطبع على  
المسبًبات . وإذا عَرَض لها أن تكون أعرف عندنا فهى أيضاً متقدمة بالطبع فى  
المعرفة ، على ما قيل في رسم « المتقدم بالطبع » ، أعنى أنه الشىء الذى إذا وُجِد  
المتأخر وُجِد هو، وإذا وُجِد هو لم يلزم وجود المتأخر .  

وقوله : « من علل واسباب لا تكون معلولة » - يريد [٥١ أ] فى ذلك : الجنس .  

وقوله : « والعلم بهذه أتقن وأحكم من العلم بتلك » - يريد أن العلم الذى  
يكون من قِبَل الأسباب الأول أتقن وأحكم من العلم الذى يكون من قِبَل الأسباب  
التى هى معلولة ومسببات . وإنما زاد قوله : - لا تكون معلولة » - يريد أن العلم  

[Page 300] بعلل لا تكون معلولة ، ويريد فى ذلك : الجنس ، أحقّ وأوثقُ من العلم بعلل
وأسباًب تكون معلولة ومسببة فى ذلك الجنس ، لأن ما يكون معلولاً ... فيه  
… … …  .

قال أرسطاطاليس:  
« فقد بان كيف يكون البيان للمعانى المناظرية من صناعة الهندسة ، ولمعانى  
تأليف اللحون من صناعة العدد .  

وقد اتضح وبان أنه لا يمكن أن ينتقل البرهان من طبيعة إلى طبيعة . »  

التفسير  
إنه يذكرنا هنا بما تتقدم ويجُمْله على ما يجب فى خواتم الأقوال البرهانية . يريد  
أنه قد تبين كيف يصحّ أن يبين الشىء فى صناعة بعلَته الخاصية ، وتكون تلك العلة  
من قِبَل طبيعة أخرى، أى من قِبَل صناعة أخرى . وذلك إنما يكون فى الطبائع  
المركبة . وهذا ليس يسّمى نقلاً للبرهان من صناعة إلى صناعة وإنما يسّمى فى  
الصناعة السفلى : أصلاً وموضوعاً ومسلماً . والنقل الصحيح هو أن تكون المقدمة  
الكبرى واحدة فى الصناعتين . وقد تبيّن أن هذا لا يمكن ، إلا أن يكون مطلوبٌ  
واحدٌ معقول بتواطؤ فى صناعتين - أعنى واحداً من جميع الوجوه ، أى بالموضوع  
والجهة . وهذا قد تبيًن استحالته قبلُ ، فإنه كان يجب أن تكون طبيعة الصناعتين  
واحدة .  

وإذا كان هذا هكذا ، فقول أبى نصر فى كتابه « فى البرهان » عند آخر ما تكلم  
فى اشتراك الصنائع : « فقد بان كيف تشترك العلوم ، وبماذا تشترك ؛ ومن هنا تبين  
أين ومتى وكيف يمكن أن تنتقل البراهين من صناعة إلى صناعة ، وأين لا  

[Page 301] يمكن » . قول غير صحيح إن فهم من النقل ما يقال عليه اسم « انتقل » وهو أن تنقل
المقدمة الكبرى . وذلك أن الظاهر من كلام أبى نصر أنه يسلّم أن يكون المطلوب  
واحداً فى الصناعتين ، ولا يسَلّم أن يكون الحدّ الأوسط واحداً . وذلك عَجَبٌ من  
قوله ! وإذا لم تشترك صناعتان فى الحدين جميعاً ، فليس يمكن أن تشترك فى المقدمة  
الكبرى . وكيفما كان ، فليس يمكن أن تنقل البراهين على مذهبه ومذهب أرسطو .  
وإنما الفرق بينهما أنه يجوز أن تشترك الصناعتان فى مطلوب واحد . ولا يجوّز ذلك  
أرسطو . وقد يلزم ضرورة ، كما قلنا ، مَنْ يَجوّز اشتراكهما فى مطلوب واحد ، أن  
تشترك فى الحد الأوسط . فلم يَبْقَ أن يكون النقل الذى عناه إلا أن تستعمل إحدى  
الصناعتين ما تبيّن فى الأخرى : إما على أنه موضوع لينظر فيه ، وإما أن يكون فى  
الصناعة العليا نتيجة ، وفى السفلى مقدمة كبرى ، كما يعرض ذلك لصاحب  
[٥١ ب ] علم المناظر ، ولصاحب علم الهندسة مع المهندس ، وكما يعرض لصاحب  
علم الموسيقى مع صاحب علم العدد .  

قال أرسطاطاليس :    

 « ولذلك قد يصعب علينا أن نتحقق بأنّا قد علمنا الشيء بعلّته القريبة من  
قِبَل أنه من العسير الصعب أن نكون نعلم بأنا قد وقفنا على واحدٍ واحدٍ من الأمور  
من الأشياء الذاتية والمناسبة له وبعلته القريبة . والعلم إنما يكون بأمثال هذه .  
وأحرى ما يتضمن أنّا قد علمنا الشيء علماً محققاً متى علمناه من مقدمات صوادق  
غير ذوات أوساط . وليس الأمر كذلك . »  
التفسير  
لما بيّن أن المقدمات التي هي أجزاء البراهين يجب أن تجتمع فيها ثلاثة شروط  
زائدة على الصدق :  
أحدها : أن تكون كلية .  

والثاني : أن تكون ذاتية .  

[Page 302] 
والثالث : أن تكون أولية ، وهو الذي يعنيه بالحمل الذي على طريق الكل في
هذا الكتاب ، وكانت العلل إذا وجدت فيها هذه الشروط كانت عللاً قريبة خاصة 
بذلك الشيء الذي هي علة له ، وكانت الموجودات كلما كثرت الشروط فيها أعسر 
وجوداً وأعسر معرفة - قال : « ولذلك قد يصعب علينا أن نتحقق بأنّا قد علمنا  
الشيء بعلته القريبة » - يريد : ولذلك يصعب علينا أن نتحقق أن علمنا الواقع 
بالشيء هو علمٌ بعلته القريبة . ثم أتى بسبب العُسر في ذلك فقال :« مِن  قِبل أنه من
العسير الصعب أن نكون نعلم أنا قد وقفنا على واحدٍ واحدٍ من الأشياء الذاتية  
والمناسبة له وبعلته القريبة " - يريد : من قِبَل أنه يعسر علينا أن نقف على العلة 
القريبة لواحدٍ واحدٍ من الأمور من قِيَل الأمور الذاتية والمناسبة لجنس ذلك الشيء . 
وإنما قال ذلك لأنا إنما نستنبط العلل القريبة الذاتية المناسبة لذلك الجنس من العلل 
البعيدة إن كانت أعم من العلل القريبة . والأعم عندنا أبداً أعرف من الأخص . 
وهذا الشيء قد بيّنه في كتاب « القياس » . 

١٠ - <المبادئ المختلفة>

قال أرسطاطاليس : 
« لكن يجب أن يكون الموضوع في البرهان هو الذي يؤخذ ويُقرّ أنه موجود ، 
من غير أن يبحث عن وجوده . فأما المحمول في البرهان والقضايا فإنها تشترك جميعاً  
في أنها ينظر فيها على ما يدل اسمها . وينفصل أحدهما من الآخر من قِبَل أن 
المقدمات يُتَسَلم تسلُّماً أنها موجودة ، فأما المحمول فإنه يبين وجوده بها . فإن الوحدة 
والمثلث والمستقيم تحتاج أن ينظر في أمرها على ما يدل اسمها . والوحدة والعِظم 
تؤخذ أخذاً على أنها موجودة . فأما المحمولات واللوازم فإنها تحتاج أن يبين وجودها 
للموضوعات . » 

التفسير 
لما أخبر أن صاحب البرهان ليس يمكن أن يبرهن أسباب موضوع . 

[Page 303] 
[٥٢ أ] صناعته إن كانت أسبابه مجهولة ، أعنى برهاناً مطلقاً ، أخذ يعرّف
أى الأشياء يجب على صاحب الصناعة أن يتسلم وجودها وأى الأشياء هى التى يمكن 
أن يبّينها فقال : 
« كان يجب أن يكون الموضوع فى البرهان هو الذى يوجد وُيقَرّأنه موجود » - يريد  
أن الصنائع لما كانت تشتمل على ثلاثة أجناس : على الموضوعات ، والمطلوبات  
والمقدمات . - فأما الموضوعات فأنه يجب على صاحب البرهان أن يسلّم وجودها إمّا 
على أنه معروف بنفسه ، وإما على أنه شىء قد تبين فى صناعة أخرى . وهذا الذى 
قاله من أمر الموضوع بَيّنٌ بنفسه ، وذلك أن الصناعة إنما تبرهن الشىء الموجود 
للموضوع ، وذلك أَمّا فى المطلوبات المركبة فبيّنٌ . وذلك أنه إذا طلب الطالب : هل  
هكذا كذا ؟ مثل أن يطلب : هل المثلث مساويةٌ زواياه لقائمتين ? فإن الذى يطلب 
مثل هذا الطلب لا بدّ أن يكون المثلث عنده شيئاً موجوداً ، وكذلك مساواة الزوايا 
لقائمتين . وإنما الذى هو < أنه > للمثلث . فإذا كان العِظم عنده مثلاً ، الذى هو 
جنس لصناعة الهندسة ، غير معلوم ، لم يتصور منه هذا الطلب . وأما المطلوب 
المطلق ، وهو : هل كذا موجود فقط ؟ فقد يطن أنه ليس من شرط هذا الطلب 
وجودُ جزء مفروض . وليس الأمر كذلك ، فإن قول القائل : موجود ، إما أن يعنى 
بصفة كذا ، كأنك قلت : موجود متحركاً ، أو موجود بإطلاق . فإن عنينا به موجوداً 
متحركاً ، فإنما معناه : ما يدل عليه هذا الاسم هو موجود من جنس الموجودات 
المتحركة . 

فقد استبان إذن الجنسُ من الموجودات الذى يطلب : هل هذا نوعٌ منه ، أم لا 
. وذلك هو جنس الصناعة . وإن سألنا عنه مطلقاً فقد أثبتنا جنس الموجود المطلق 
. وإنما يطلب : هل هو نوعٌ من أنواع الموجود المطلق ؟ وكيفما كان ، فقد فرضنا 
موضوع الصناعة شيئاً موجوداً . وذلك أمرٌ بَيّن بنفسه وبما قلناه . 

ولما أخبر أن الموضوع فى الصناعة يجب أن يتسلم صاحبُ الصناعة وجوده وهو 

[Page 304] الجزء المفروض ، أخبر عن المحمول ، فقال : . وأما المحمول فى البرهان والقضايا
فإنها تشترك جميعا فى أنها ينظر فيها على ماذا يدلّ اسمها » - يريد بالمحمول فى 
البرهان : الجزء المطلوب . ويريد به فى القضايا : الطرف الأكبر والأوسط . وذلك 
إن المحمول - كان جَزءَ نتيجة ، أو كان جزء قضية - يجب أن يعرّف على ماذا يدل 
اسمه . وتختص القضية بأن يعرّف بأنه موجود للموضوع ، أو بأن يوضع كذلك . 
ولذلك قال : « وينفصل أحدهما من الآخر ، من قِبَل أن المقدمات يُتسلم تسلماً أنها  
موجودة » - يريد ويتوصل المحمول فى القضايا من المحمول فى المطلوب من قِيَل أن 
المحمول فى المقدمات ينبغى أن يسلّم أنه موجود أى يوضع كذلك . وقوله : « فأما 
المحمول فإنه قد يبين وجوده بها » - يريد فأما المحمول [٥٢ ب ] فى المطلوب فإنه تبينّ 
وجوده بالمقدمات . وكأنّ هذا أشار به إلى العلة فى كون المقدمات يجب أن يُسَلّم 
وجود المحمول فيها للموضوع ، إذ كان بها يبين وجود المحمول فى المطلوب 
للموضوع . 

ولما كان الموضوع للصناعة وأجزاءُ الموضوع يحتاج من أمره أن يفهم على ماذا 
يدل منه وأن يسلّم وجوده كالحال فى المقدمات قال : « فإن المثلث والوحدة والمستقيم  
تحتاج أن ينظر فى أمرها على ماذا يدلّ اسمها . والوحدة والعظَم تؤخذ أخذاً على أنها 
موجودة » - يريد أن الوحدة التى هى موضوع صناعة العدد أو جزء 
موضوعه ، وكذلك المثلث في صناعة الهندسة يحتاج أن يكون عند الناظر بكل واحدٍ 
منهما فَهْم ما يدل عليه اسمه وأنه شىء موجود . 

وقوله : « فأما المحمولات واللوازم فإنها تحتاج أن يبين وجودُها 
للموضوع » - يعنى : المطلوبات ؛ وإنما قال : « المحمولات واللوزام » لأن المطلوبات 
صنفان : إمّا أعراض ، وإما حدود ، أو أجزاء حدود . فأراد ب « اللوازم » : الأعراضَ  
الذاتية ، وأراد ب « المحمولات » إما ما يعمّ جميع المطلب ، وإما الذاتية التى هى 
حدود أو أجزاء حدود . 

[Page 305] 
قال أرسطاطاليس :
« والمقدمات التى نُبيّن بها ما نُبيَّن بالبرهان فقد تنقسم : فمنها ما هى خاصية
وذاتية لطبيعة واحدة ، ومنها ما هى عامّية لطبائع كثيرة ، لكن عمومها ليس كعموم
طبيعة ، لكن عموم نسبةٍ . وهذه إذا برهن بها صاحب صناعةٍ صناعةٍ أدناها من
موضوعه الخاصّ به . فالمقدمات الخاصية هى مثل أن الخط هو هذا ، والمستقيم هو
هذا . والمقدمات العامّية هى بمنزلة القول : إذا نقص من المتساوية متساوية بقيت
الباقية متساوية . والمقدمات العامّية إذا استعملها صاحبّ علمٍ علم وقرّبها وأدناها
من موضوعه الخاصّ به كانت ذاتية كافية ومناسبة لموضوعه الخاصّ به ، وواحد
فعلها إذا أُقرَّت على عمومها [76 B ]* أو قربَت من طبيعة خاصية ، بمنزلة العِظَم
و العدد . »
التفسير
لما كان قد بيّن أن الحدود الثلاثة فى البراهين ينبغى أن تكون من طبيعة موضوع
الصناعة ، وكان مما يشكك في ذلك المقدمات العامة ، وكان قد وعد بحلّ الشك
العارض في ذلك من قبلها -  أخذها هنا فى حلّه ، وابتدأ من ذلك بتقسيم المقدمات
فقال : « والمقدمات التى نبيّن بها ما نبيّن بالبرهان » - أى تبيّن بها نتائج البرهان
الحقيقية ، تنقسم إلى صنفين . ثم عدد ذينك الصنفين فقال : فمنها ما هى خاصة
وذاتية لطبيعة واحدة ، ومنها ما هى عامة لطبائع كثيرة . وهذا الذى قاله أمرٌ معروف
بنفسه ، وهو الذى شكك [٥٣ أ] حتى ظنّ أن من الذاتية ما هو أعمّ من طبيعة
الصناعة ، وهو ظاهر كلام أبي نصر فى غير ما موضع من كتابه ، وإن كان قد يومئ
إلى الشك فى ذلك . ولما كان إنما يلزم أن يكون الأمر على ما قاله أبو نصر ، لو كان
عموم هذه المقدمات عموم الأشياء المقولة بتواطؤ أو المقولة بتقديم وتأخير . وذلك أنه
قد تبينّ أن المقدمات الذاتية تؤخذ فى العلوم بهذين الصنفين . وذلك أنه إذا كان
موضوع الصناعة مقولاً بتواطؤ ، كانت المقدمة الذاتية بهذه الصفة . وإذا كان مقولاً
بتقديم وتأخير ، كانت مقدمات الصناعة بهذه الصفة . وهو بيّن أن أمثال هذه
المقدمات ليست مقولة بتقديم وتأخير ، أعنى القائلة إن الأشياء المساوية لشىء واحد
متساوية ، وما أشبه ذلك . وذلك أنه لو كانت مقولة بتقديم وتأخير ، لكانت

[Page 306] الصناعة الناظرة فى الكم صناعة واحدة . وإذا لم تكن مقولة بتقديم وتأخير ، فأحرى
ألا تكون بتواطؤ . وإذا لم تكن مقولة بواحد من هذين ، فهى مقولة بضرب من
ضروب الاسم المشترك ، وهو الذى يقال بتشابه . وهذا قد يعدّ جنسا فى
المشهور . ولذلك جعل الكم جنسا واحداً . وهذا هو الذى أراد بقوله :- « لكن
عمومها ليس كعموم طبيعة ، لكن كعموم نسبة » - يريد أن عموم هذه المقدمات ليس
كعموم طبيعة من الطبائع المنظور فيها فى صناعةٍ صناعةٍ ، سواء كان العموم بتقديم
وتأخير ، أو كان بتواطؤ . وبهذا ينحلّ الشكُّ العارض من قِبَل هذه المقدمات فيما قيل
من المقدمات الذاتية هى خاصّة بالطبيعة ، وانه ليس يمكن أن تُنْقَل البراهين .

والفرق بين هذه المقدمات والمقدمات الصادقة الغير ذاتية أن الصناعة الغير
ذاتية ليست مشتركة ، وهذه مشتركة صادقة . ولذك إذا أدناها ، كما يقول
أرسطو - صاحبُ صناعة صناعةٍ من موضوعه ، لم يكن فرقٌ بينها وبكن
الذاتية . وهذأ هو الذى أراد بقوله : « والمقدمات العامية إذا استُعملها صاحبُ علمٍ
علمٍ أدناها من موضوعه الخاص به كانت ذاتية كافية ومناسبة لموضوعه الخاص
به . » ثم قال : « وواحد فعلها إذا أقرّت على عمومها أو قُرّبت من طبيعة
خاصية ، بمنزلة العِطَم » - يريد أن فعلها واحد أدناها صاحب الصناعة من
موضوعه ، بأن يبدّل اسمهما ، مثل أن يقول في صناعة الهندسة : بدل الأشياء
المساوية لشىء واحد متساوية : الخطوط المنطبقة على خط واحدٍ فهى منطبقة بعضها
على بعض ؛ أو يتركها باسمها العام إذا فهم منه المعنى الذى يخصّه فى صناعة ، مثلما
يعرض فى الاسم المشترك ، أعنى أن فعله يكون واحداً ، إذا فهم منه المخاطب معنى
واحداً بعينه من المعانى [٥٣ ب ] التى يدل عليها ذلك الاسم ، سواء وضع لذلك
المعنى خاصّاً ، أو لم يضع له اسماً ، بل فهمه من الاسم المشترك ، وإن كان وَضعُه
الرفَعَ للالتباس ولموضع الغلط . وهذا هو الذى أراد بقوله : « وهذه إذا برهن بها
صاحب صناعةٍ صناعةٍ أدناها من موضوعه الخاصّ به » . وقوله : « فالمقدمات

[Page 307] الخاصية هى مثل أن الخط هو هذا ، والمستقيم هو هذا » - يريد : هى - مثل قول
المهندس إن الخط هو طول بلا عرض ، وإن الخط المستقيم هو الذى تكون النقط
الموضوعة عليه فى سمت واحد ، وأنه أقصر خط وُصِل به بين نقتطين ، وما أشبه
ذلك من الحدود التى جَرَتّ عادة المهندسين أن تُحطَّ الخطوط بها .

قال أرسطاطاليس :  

 « ومن الأمور الخاصة فى البرهان : « الموضوع » ، وهو الذى من شأن البرهان
أن يتسلم وجوده تسلّما وتُبينَّ له الأشياء الذاتية ، بمنزلة الوحدة فى العدد ، والنقطة
فى الهندسة . والبرهان يضع هذين على انهما موجودان . فأما التأثيرات الذاتية التى
البرهان يُبَيِّن وجودها لها ، فإن البرهان ينظر فى أمرها على ماذا يدلّ اسمها : أما فى
صناعة العدد فننظر على ماذا يدل اسم الفرد والزوج ، والمكعب ، والدائرة . وأما
فى صناعة الهندسة فينظر على ماذا يدل اسم : الأصمّ ، والمنكسر ، والمنعطف ،
وأما وجودها فإنما يبين بالمقدمات المناسبة الخاصية بتلك الطبيعة ، والعامية .
وكذلك يجرى الأمر فى علم النجوم . »


التفسير
قوله : « ومن الأمور الخاصية فى البرهان : الموضوع » - يعنى بالخاصية : التى
يتقوم بها البرهان من جهة ما هى خاصّة به .

وقوله : « الموضوع » - يعنى به : موضوع الصناعة .

وقوله : « وهو الذى من شأن البرهان أن يسلّم وجوده تسلماً وتُبَيَّن له الأشياء
الذاتية » - يريد أن البرهان من شأنه أن يُسَلِّم الموضوع الذى عليه يكون
البرهان ، لأنه لو كان لموضوع البرهان برهانٌ ، لمرَّ الأمرُ إلى غير نهاية . وكذلك حاله
فى المقدمات ، أعنى أنها ممّا يضعها صاحبُ البرهان وضعاً .

وقوله : « وتُبَيّن له الأشياء الذاتية » - يريد :أن الموضوع هذا من

[Page 308] صفته ، أعنى أن تُبَيَّن له الأشياء الذاتية .

وقوله : « بمنزلة الوحدة فى العدد والنقطة فى الهندسة » - يريد أن الوحدة فى
العدد هى موضوع صناعة العدد ، والنقطة موضوع صناعة الهندسة . وإنما مثّل ذلك
بالوحدة والنقطة ، لأن الوحدة هى أخفى من العدد . وكذلك وجود النقطة أخفى
من وجود الخط والسطح ، وإن كانت كلها موضوعة لصناعة العدد .

وقوله : « والبرهان يضع هذين على أنهما موجودان - يريد بذلك : الوحدة فى صناعة
العدد وما أشبهها ، والنقطة [٥٤ أ] فى صناعة الهندسة .

وقوله : « فأما التأثيرات الذاتية التى البرهانُ بَيِّن وجودهَا له ، فإن البرهان
ينظر من أمرها على ماذا يدلّ اسمها » - يريد : فأما الأعراض الذاتية التى بينّ البرهان
وجودها لأمثال هذه الموضوعات فإن صاحب الصناعة ينظر من أمرها ، قبل أن يَشرع
فى ببان وجودها أو سببها ، عن شىءٍ شىءٍ من أنواع موضوعاته على ماذا يدلّ اسمها
وحينئذ يشرع فى ذلك .
ولما ذكر هذا من أمر الأعراض الذاتية ، أتى بمثال من ذلك فقال : « أما فى
صناعة العدد فينظر على ماذ يدل اسم الفرد والزوج والمكعب والدائرة » - يريد : مثال
ذلك أن صاحب العدد ، قبل نظره فى تبيين العدد الذى هو زوج ، والعدد الذى هو
فرد ، ينظر أولاً ما يدل عليه اسم الزوج والفرد بالرسوم الشارحة لأسمائها .

وقوله : « والدائرة » - المراد به : وينظر فيما يعنيه بالأعداد المستديرة ، وذلك أن
هذه الأشياء قد تؤخذ فى العدد ، وإنما حقيقتها فى الهندسة . ولخفاء هذه المعانى فى
هذه الصناعة ، كانت أشدّ احتياجاً إلى شرح ما تدل عليها أسماؤها . ولذلك - فيما
أحسب - تمثّل بها .

وقوله : « وأما فى صناعة الهندسة فينظر على ماذا يدل اسم : الأصمُّ والمنكسر

[Page 309] « المنعطف » - يريد بالأصمّ : الأعظام التى ليست بمنطقية . وهذا النظر هو فى
الخطوط من جهة ما تلحقها الأعداد . وهو النظر المستعمل في العاشرة من
اقليدس .

وأما قوله : « والمنكسر والمنعطف » إن لم يكن تصحيفا وقع فى النسخة فليس
من الأشياء التى يحتاج المهندس إلى شرحها ، ولكن من الأسماء التى يحتاج صاحب
علم المناظر إلى شرح ما تدل عليه ، لان خطوط الشعاع : منه ما يكون
منكسراً ، ومنه ما يكون منعطفاً ، ومنه ما يكون مستقيماً . والرؤية تأتي بهذه الثلاثة
الأصناف . وإنما نسبها إلى الهندسة من قِبَل أن علم المناظر داخلٌ تحت علم
الهندسة . وهذه الأشياء التى تمثل بها هى من الأشياء التى شرحُ الأسماء ضرورىّ فى
تعليمها وبيّنٌ جداً .

و يحتمل أن يريد ب « المنكسر والمنعطف » : الخط المنحنى ، وذلك أن الخطوط
ثلاثة : مستقيم ، ومستدير ، ومنحنى . وهو بعيد .


وقوله : « وأما وجودها فإمّا يبين بالمقدمات المناسبة الخاصّية بتلك الطبيعة
والعامية » - يريد : وأما وجود أمثال هذه لنوع نوعٍ كل من أنواع موضوع الصناعة ، بعد
أن يتقدم فيشرح ما تدل عليه أسماؤها ، فإنما يبين ذلك بالمقدمات الخاصية المناسبة
لطبيعة الموضوع .

وقوله : « والعامية » - يعنى بها التى بَيّنٌ من أمرها أن قوتها قوة الخاصّية .

[Page 310] 
وقوله : « وكذلك يجرى الأمر فى علم النجوم » - يعنى أن الناظر فى علم
الهندسة يتقدّم أولاً فيذكر رسم الأشياء التى يريد أن يبين وجودها لجزء جزءٍ من
موضوع صناعته .

[٥٤ ب ] قال أرسطاطاليس :
« وكل برهان فإن التئامه وقوامه من أشياء ثلاثة :
أحدها الموضوع الذي يشرع المبرهن في أن يبين التأثيرات اللازمة له بذاتها ،
وهو الذي يؤخذ على أنه موجود .

والثاني : القضايا الواجب قبولها الغير ذات أوساط التي بتوسطها بُيّن وجود
المحمول للموضوع .

والثالث : المحمولات التي ينظر في أمرها على ماذا يدل اسمها ، لا كما في
بعض الأمور لسنا نحتاج إلى مثل هذا الاستثناء في الموضوع والمحمول والمقدمات
لظهوره ، فإن الحار والبارد لسنا نحتاج أن نستثني منهما أنهما يؤخذان على انهما
موجودان كمثل حاجتنا إلى ذلك في العدد . وكذلك أيضاً بعض المحمولات ،
لظهورها ، لسنا نحتاج أن نستثني فيها على ماذا يدل اسمها . وبعض المقدمات
صورتها أيضاً بهذه الصورة : فإن القضية القائلة : إذا نقصر من المتساوية متساويةٌ
بقيت الباقية متساوية - لسنا نحتاج أن نستثني فيها على ماذا يدل اسمها وأنها موجودة
لشدّة ظهورها . إلاّ أن ذلك ليس بقادح في البرهان في أن التئامه وقوامه من هذه
الثلاثة الأشياء ، أعني الشيء الذي يبرهن ، والشيء الذي عليه يقع البرهان ،
والشيء الذي منه يكون البرهان . »

التفسير
لما قال إن المحمولات المطلوبة في البرهان يحتاج المبرهن من أمرها أن يتقدم
فيعرف ما يدل عليه اسمها ، وأن المقدمات أيضاً يحتاج من أمرها إلى فهم ما يدل
عليه الاسم ، وكذلك الحال في الموضوع . إلاً أن الفرق بينهما أن المقدمات والموضوع

[Page 311] يتسلم صاحب الصناعة وجودها ، والمطلوبات يتكفل بتبيين وجودها . وكان أكثرياً
للمقدمات والموضوع - يريد أن يعرّف أن هذا ليس يَعرض في كل موضع
للمقدمات ، أعني أنه يحتاج فيها إلى أن يتقدم فينظر فيما ذا يدل اسمها ، وكذلك في
الموضوع ، وأن الموضوع أيضاً قد يَعرض له أن يكون معروف الوجود بنفسه فليس
يحتاج فيه أن يتسلم وجوده ، ولا إلى شرح ما يدل عليه اسمه . وكذلك المقدمات
توجد بهذين الصنفين : أعني أن منها ما يحتاج أن يُتقدم فَيُشرَح ما يدل عليه الاسم ،
وبعضها ليس يحتاج فيه إلى ذلك. ومن هذه ما يتسلم وجودها من صناعة أخرى ،
ومنها ما يكون معروفاً بنفسه في الصناعة .

فلمكان هذا ، احتاج أن يعيد الكلام من رأسٍ . فقال : وكل برهانٍ فإن
التئامه وقوامه من أشياء ثلاثة :
أحدها : الموضوع الذي يشرع المبرهن في أن يبينّ التأثيرات له بذاتها - يعنى
بالتأثيرات : الأعراض الذاتية . وإنما خصّ الأعراض دون الأسباب
[ ٥٥ أ] لأنها هى المطلوبة بالأسباب أكثر ذلك . والأسباب إذا طلبت فإنما تكون
البراهين المنتجة لها ، اكثر ذلك ، دلائل .

وقوله : « وهو الذى يؤخذ على أنه موجود » - يريد : وهو الذى من شانه أن
يضع وجوده صاحب الصناعة وضعاً ، من غير أن يطلب وجوده ، إن كان وجوده
غير بَيّن ؛ أو من غير أن يتعرّض لمناقضة من يُبْطِل وجوده ، إن كان معروفاً بنفسه .

ولما ذكر أحد الثلاثة التى منها التئام كل برهان ، ذكر الثانى
فقال : « والثانى : القضايا الواجب قبولها الغير ذات أوساط ، التى بتوسطها يبين
وجود المحمول لموضوع » - يعنى : :« بغير ذات الأوساط » : المعروفة
بنفسها . ويمكن أن يفهم مع هذا أن تكون أولية ، أى ذوات أسباب قريبة ، فلا
يكون المحمول فيها من قِبلَ وسَطِ أصلاً : لا وسط قياسي ، ولا وسط

[Page 312] طبيعى . وذلك أن من المقدمات الأول ما يكون فيها وسط طبيعى ، وهى الغير
أول ؛ ومنها مالا يكون ذلك فيها ، وهى الأول . ولذلك ينبغى أن يفهم من
قوله : « الغير ذوات أوساط » : المعنيان جميعاً .

ثم قال : « والثالث : المحمولات التى ينظر فى أمرها على ماذا يدلّ
أسمها » - يعني : المطلوبات . ولما كان هذا الشرط غير عائم لجميع المطلوبات ، ولا
لجميع المقدمات ، ولا للموضوعات ، وكان أيضاً سلّم وجود الموضوع عامّاً لجميع
الصنائع ، إذ كان موضوع بعضها معروفاً بنفسه - قال : « وإنما نحتاج إلى مثل هذا
الاستثناء فى الموضوع والمحمول والمقدمات لظهوره » - يريد : أن اشتراط شرح ما
يدل عليه الاسم ليس يحتاج إليه دائماً فى الموضوعات ولا فى المطلوبات ، ولا فى
المقدمات ، إذ كثير من هذه معروفٌ من أول الأمر دلالةُ اسمها . ولا يجب أيضاً أن
يشترط فى كل موضوع أن يكون مسلمّ الوجود . ثم قال : « مثل الحار والبارد لسنا
نحتاج إلى أن نستثنى منهما أنهما يؤخذ أن على أنهما موجودان ، كمثل حاجتنا إلى ذلك
في العدد » - يريد : أن الجسم الحار والبارد اللذين هما من أحد أجزاء الموضوعات
للعلم الطبيعى ليس يحتاج صاحب العلم الطبيعى إلى أن يتسلمها تسّلماً على أن
وجودهما بَينٌ فى علم آخر ، كما يحتاج إلى ذلك صاحب علم العدد . وإنما قال ذلك
لأن العدد يُشَكّ فى كيفية وجوده خارج النفس . فإن قوماً أفرطوا فقالوا إنه ليس
عددٌ خارج النفس . وقومٌ افرطوا فى الطرف الثانى فقالوا إن الأعداد جواهر خارج
النفس وأنها مبادئ الموجودات . والفحص عن ذلك فيما بعد الطبيعة .
ثم قال : « وكذلك بعض المحمولات لظهورها السنا نحتاج أن نستثنى فيها
على ما يدلّ أسمها » - يريد أن كثيراً من المطلوبات ليس يحتاج المبرهن - قبل البرهان
عليها أن يتقدّم فيشرح ما يدل عليه [٥٥ ب ] اسمها ، وهذا إنما يوجد ، اكثر ذلك
، فى العلم الطبيعى ، مثل أن يطلب : هل القمر والكواكب من طبيعة جرم السماء
، أو من غير طبيعتها ؟ وهل النار موجودة ، أم لا ؟ وأكثر المطالب يحتاج أن يتقدم

[Page 313] فيشرح ما يدل عليه اسمه . وقد احتاج هو إلى ذلك فى الحار والبارد ، حين فحص
عنه فى كتاب « الحيوان » .

ثم قال : « وبعض المقومات صورتها هذه الصورة : فإن القضية القائلة : إذا
نقص من المتساوية متساوية بقيت الباقية متساوية ، لسنا نحتاج إلى أن نستثنى فيها
على ماذا يدل أسمها » - يريد ، أن معرفتها تحصل للانسان ويتعرف بها ، وإن لم
يتقدم الإنسان فيشرح له اسمها ، بخلاف كثير من القضايا ، مثل قول القائل : إن
كل موضع من الأرض فله أُفُق ، وإن المتقابلين يقتسمان الصدق والكذب . فإنه
أن لم يتقدم الإنسان فيشرح له هذه الأسماء ، لم يعترف بأمثال هذه المقدمات .

ثم قال : « إلاّ أن ذلك ليس بقادح فى البرهان : فى أن التئامه وقوامه من هذه
الثلاثة الأشياء ، أعنى الشىء الذى يبرهن ، والشىء الذى يقع عليه البرهان والشىء
الذى منه يكون » - يريد : لكن اختلاف المقدمات والمطلوبات والموضوع فى هذه
الأحوال ليس يُخلُّ بالقضية القائلة إن كل برهان فإنما يأتلف من ثلاثة أشياء : من
المقدمات ، والمطلوبات ، والموضوع ، فإن هذه القضية ظاهرة بنفسها لمن عَرَف
دلالة هذه الأسماء و أول البراهين ؛ بل ذلك واجب فى كل قياس ،فضلا عن كل
برهان .

قال أرسطاطاليس :
« والعلم المتعارف يخالف المصادرة والأصل الموضوع ، من قِبَل أنه مقبول
بذاته ، ويتوهم منه أنه مقبول بذاته . فإن البرهان ليس هو نحو النطق
الخارج ، لكن نحو النطق الداخل ، وكذلك القياس أيضاً فإن النطق الخارج قد
يمكن أن يعاند أيضاً دائماً ؛ وأما النطق الداخل فلا يمكن معاندته دائماً . »

[Page 314] التفسير
لما بَين أن المقدمات ليس يُبَيَّن وجودها صاحبُ الصناعة ، وإنما يضعها
وضعاً : إما من قِبَل أنها بينة بنفسها ، وإما من قبل أنها تبين فى صناعة أخرى - يريد
أن يحصى هاهنا أصناف المقدمات التى يستعملها المبرهن من هذه الجهة ، أعنى من
جهة ما يتسلم وجودها ، أعنى : كم هى أحوال المتعلم مع مقدمات البرهان .

فقوله : « والعلم المتعارف يخالف المصادرة والأصل الموضوع من قبل أنه
مقبول بذاته ويتوهم فيه أنه مقبول بذاته » - يريد : والمقدمات التى يجب أن يتسلمها
المتعلم فى صناعة البرهان منها ما هى معروفة بنفسها ، أى : علوم متعارفة
بالطبع ، ومنها ما هى مصادرات ، ومنها ما هى أصول موضوعة . والمقدمات التى
من جنس العلوم المتعارفة تخالف المقدمات التى [٥٦ أ] تسمى المصادرات والتى
تسمى أصولا موضوعة ، من قبل أن المقدمات التى هى من جنس العلوم المعروفه
بنفسها هى معترف بها بذاتها بالنطق الداخل والنطق الخارج ، وهو الذى أراد
بقوله : « ويتوهم فيه أنه مقبول بذاته » . فكأنه قال : مِنّ قبل أن العلم المتعارف
مقبول بذاته ، أى معترف به بالنطق الخارج ، والتصور أي بالنطق الداخل . ولما زاد
اشتراط النطق الداخل ، نبّه على علة ذلك فقال : « فإن البرهان ليس هو نحو النطق
الخارج ، لكن نحو النطق الداخل » - يريد : وإنما لم يُقْتَصَرْ فى رسم المقدمات
المعروفة بنفسها على أنها التي يعترف بها بذاتها بالنطق الخارج دون أن أضفنا إلى
ذلك : « وبالنطق الداخل » من قيل أن البرهان ليس يثبت من قبل النطق الخارج ،
كالحال فى كثير من الأقاويل المشهورة ، بل من قِيَل اعتراف النطق الداخل به ، مع
اعتراف النطق الخارج .

وقوله : « وكذلك القياس » - يريد : والتصديق بالقول القياسي ليس يكتفى فيه

[Page 315] أن يكون تصديقاً بالقول الخارج دون النطق الداخل » - يريد : أى بسبب آخر يوجب
اشتراط النطق الداخل فى القياس ، وفى مقدمات القياس ، أعنى
البرهان ، فقال : « فإن النطق الخارج قد يمكن أن يعاند أيضاً دائماً . وأما النطق
الداخل فلا يمكن معاندته دائماً » -يريد ، فيما أحسب - أن التخاطب الذي بين
المتناظرين بالنطق الخارج قد يمكن أن يمرّ العناد بينهما فيه إلى غير نهاية . وأما المخاطبة
التى تكون من قبل النطق الداخل فإنه ليس تمرّ المخاطبة فيه إلى غير نهاية ، بل يرجع
أحد المخاطبين للآخر . وإنما أراد أن ما تمرّ المخاطبة فيه إلى غير نهاية لا يقف
المتخاطبان منها فى الشىء على حق . والبرهان هو الذى يوقف فيه على حق . فواجبٌ
أن يكون البرهان بالنطق الداخل . فأما أن المخاطبة التى تكون بالنطق تمرّ إلى غير
نهاية - فذلك بَيّن فى الخصومات وفى المناظرات الفقهية . و لذك وضع الفقهاء
للمناظرات الفقهية نوبات محدودة من المعاندات لا يَتعدّونها ، وهى ثلاثة . وكان
اليونانيون - لمكان هذا - يضعون عند الخصومات ماءً جارياً تنقضى الخصومات
بانقضائه . والآجال عندنا فى الأحكام لهذا المعنى وُضِعَت . ويحتمل أن يرِيد أن
المقدمات المعروفة بنفسها إن عاندها الانسان بلفظه ولسانه ليس يعاندها دائماً ، بل
يوافقها فى فعله ، مثلما نجد قوماً كثيرين يعاندون أن يكون لفعل الإنسان تأثير فى
دفع شرّ يتوقع واستجلاب خير ينتظر بألسنتهم ، وهم يخالفون قولهم بفعلهم . وأما
الذى لا يعترف الانسان به بنطقه الداخل فقد يعانده دائماً بنطقه الخارج . وهذا
التفسير فسرّه مَتى المترجم .

قال أرسطاطاليس :
« والأصل الموضوع هو الذى يأخذه المتعلّم عن المعلِّم على أنه من عنده ، لا
على الأطلاق . فأما [٥٦ ب ] الشىء الذى يصادر عليه فهو الذى لا يكون عنده منه
علم . وهذا على ضربين : إمّا ألا يكون عنده منه علمٌ ألبتة ، وإما أن يكون عنده
علٌم بضد ذلك . والفرق بين المصادرة والأصل الموضوع هو هذا . وذلك أن الأصل

[Page 316] الموضوع هو ما كان مقبولاً عند المتعلم ، لا فى ذاته . فأما المصادرة فهى التى ليست
مقبولة عند المتعلم ، بل عنده خلافها . »
التفسير
لمّا عَرّف الفرق الذى بين المقدمات المعروفة بنفسها وبين سائر الأوضاع وهى
ثلاثة : الذى يسمى الأصل الموضوع ، والذى يسمّى المصادرة ، والذى يسمى
الحد - أخذ يعرّف الفرق بين هذه الثلاثة بعضها من بعض . وابتدأ برسم « الأصل
الموضوع » فقال : « والأصل الموضوع هو الشىء الذى يأخذه المتعلم عن المعلّم على
أنه من عنده ، لا على الإطلاق » - يريد ، فيما أحسب ، أن الأصل الموضوع هو الذى
يقبله المتعلم عن المعلّم لحسن ظنه بالمعلم ، فيكون عنده من باب المقبولات ، لا من
باب المقبولة بذاتها ، أى المعقولة . ولذلك قال : « على أنه من عنده ، لا على
الإطلاق » فيكون ، على هذا ، عند المتعلم بالأصل الموضوع ظنُّ ما . والظنُ
يَسًمى - بجهة ما - علماً . ولذلك قال بعد ذلك : « فأما الشىء الذى يصادر عليه
المتعلم فهو الذى لا يكون عنده منه علم » - يعنى الذى ليس يكون عنده به صنفٌ من
أصناف العلم : لا مقبول ، ولا معقول .

ثم قال : « وهذا صنفان : إما أن لا يكون عنده علمٌ البته ، وإما أن يكون
عنده علمٌ بضدّ ذلك » - يريد : إما أن يكون عنده علم مقبول بضدّ ذلك . ثم
قال : « وهذا الفرق بين المصادر والأصل الموضوع . . . إلى قوله : . . بل عنده
خلافها » - يعنى أن الفرق بين الأصل الموضوع والمصادرة أن الأصل الموضوع هو
مقبول عند المتعلم . وأما المصادرة فإمّا ألاّ يكون عنده علمٌ بها : لا مقبول ، ولا
معقول ؛ وإما أن يكون العلم المقبول الذى عنده فى ذلك الشىء هو ضد ذلك الأمر
ومقابله .

قال أرسطاطاليس :

[Page 317] فيها أن شيئاً موجودٌ لشىء ، بل إنما فى بسائط وجزءٌ لمقدمة . والحدود يفهم منها
ذاتُ الشىء ومعناه . فأما الأصول الموضوعة فليست كذلك ، اللهم إلاّ أنّ يُسَمِّى
الإنسانُ كلَّ ما يسمعه : أصلاً موضوعاً . إلا أن ذلك ليس بحق ،من فِبَل أن
الأصول الموضوعة هى الأشياء التى أذا أخذت ووُضِعت يتبعَها وجودُ النتيجة . »
التفسير
لمّا فرّق بين المقدمات المعقوله وبين المقدمات التى تسمّى [ ٥٧ أ] أصولاً
موضوعة والتى تسمّى مصادرات - أخذ يعرّف الفرق بين الحدود وبين الثلاثة
المتقدمة ، فقال : « وتخالف الحدودُ الأصل الموضوع والمصادرة ، من قِبِل أن الحدود
ليس يحكم فيها أن شيئاً موجود لشىء ، بل أنما هى بسائط وجزءٌ لمقدمة » - يريد أن
الحدود وإن كانت تُقْتَضَب اقتضاباً وتوضع على طريق الأمور المتسلَّمة ، كما يفعل
ذلك بالأصول الموضوعات والمصادرات ، فالفرق بينهما وبين هذه أن الحدود ليس
يحكم فيها بشىء على شىء ، ولا يوصف معها شىء بشىء على جهة ما يفعل بالأقاويل
الجازمة ، أعنى التى تصدق وتكذب ، بل هى بمنزلة الألفاظ المفردة . وذلك أن
تركيبها هو تركيب اشتراط وتقييد ، لا تركيب خبر . ولذلك كانت لا تصدق ، ولا
تكذب ، بمنزلة الألفاظ البسائط . ولذلك قال فيها : « بل إنها هى بسيطة » وجزءٌ
لمقدمة ، يعنى أنها بسائط بالإضافة إلى تركيب لمقدمة ، لا أنها بسائط فى أنفسها .
ثم زاد هذا المعنى إيضاحاً فقال : « والحدود يفهم منها ذات الشىء ومعناه .

فأما الأصول الموضوعة فليست كذلك ، اللهم إلاّ أن يُسَمِّى الإنسان كلّ ما يسمعه
أصلاً موضوعاً » - يريد : والحدود قوّتها قوة الاسم فى أنها إنما تفهم ذات الشىء
ومعناه ، من غير أن يتضمّن أنه موجود ، أو غير موجود . و إنما الفرق بينهما أن الأسماء
تعرف ذات الشىء مجملاً ، والحدود تعرفه مفصّلاً . وفى كون الحدود معدودة فى
المقدمات ، أو فى الأقاويل الشارحة لذوات الأشياء : شكٌ ، سيذكره فى المقالة الثانية
من هذا الكتاب .

ولما وضع أن الأصول الموضوعة من جنس الأخبار ، ووضع أن الحدود ليست

[Page 318] من جنس الأخبار ، أنتج من ذلك فى الشكل الثانى أن الحدود ليست بأوضاع .  

ثم قال : « اللهم إلاّ أن يُسَقِّى الانسان كلَّ ما يسمعه :أصلاً
موضوعاً » - يريد إلاّ أن يصطلح إنسان فيسمى كل لفظ يُفْهم معنى : أصلاً
موضوعاً . إلاّ أنه ان فعل ذلك فاعلٌ ، فلم يفعل صواباً ، لأن الأشياء المتباينة يجب
أن تكون أسماؤها متباينة لا متفقة . وهذا الذى أراد بقوله : « إلاّ أن ذلك ليس
بحقّ » - يريد : إلاّ أن هذا الفعل من فاعله ليس بفعلٍ صوابٍ ، مِنْ قِبَل أن
الأصول الموضوعة هى مقدمات إذا سُلِّمتَ لزمتَ عنها نتيجة ، والحدود ليس تلزم
عنها نتيجة . وهذا هو الذى أراد بقوله : « من قبل أن الأصول الموضوعة هى الأشياء
التى إذا أُخِذَتْ ووُضِعَتَ وضعاً تبعها وجودُ النتيجة - يريد : إذا وضعت ورتَبت
ترتيباً قياسياً ، بخلاف الحدود .

قال أرسطاطاليس :
« والمهندس فليس يستعمل فى تبيين مطالبه مقدمات كواذب ، كما عم قوم
عند [٥٧ ب ] ما ظنوا بأنه يحكم على خط بأنه ذراع ، وليس بذراع ؛ ويحكم على خط
بصورة أنه مستقيم ، وليس بمستقيم . وذلك بأن المهندس لا يستند في تبيين مطالبه
إلى الخطوط المحسوسة [ 77 a]*، لكن إلى الخطوط التى يدل عليها من هذه ، وهى
الخطوط المعقولة . »
التفسير
لما عدّد أصناف المقدمات ، وكان قوم قد ظنوا أن هاهنا صنفاً كاذباً من

[Page 319] المقدمات يستعملها المهندس غير الذى ذكر- نبَّه على أن ما يظن من ذلك كاذبَ
فقال : المهندس ليس يستعمل فى تبيين مطالبه مقدمات كواذبَ ، كما زعم قومٌ أنه
يعرض له [ ذلك ] كثيراً : أن يحكم على خط أنه مساو لخط وليس بمساوٍ له فى الحِسَّ
أعنى فى الخطوط التى يتمثل بها ، وهو الذى أراد بقوله : « فإنه يحكم على أنه ذراع
وليس بذراع » - وكذلك يَعْرِض أن يحكم على الخط الذى تمثله بأنه مستقيم أو
دائرة ، وهو فى الحقيقة ليس مستقيما . فلمّا بيّن وجه هذا القول قال فى جواب ذلك
إن هذا الذى يُنْسَب إلى المهندس من قِبَل ما يَعْرض له من هذا فى تعليمه - أمرٌ
باطل . وذلك أن المهندس ليس يستند فى تمثيله إلى الخطوط المحسوسه التى يرْسُم ،
وإنما يستند فى تعليمه إلى الخطوط المتخيلة أو المعقوله التى تُسْتَعْمل الخطوطُ
المحسوسة دلالة عليها - بخلاف صاحب العلم الطبيعى : وذلك أنه إنما يستند فى
تعليمه إلى المثالات المحسوسة . والسبب في مخالفة صاحب التعاليم في هذا لصاحب
العلم الطبيعى أن التعاليمى إنما ينظر فى الخطوط ، وبالجملة : فى الأعظام ، من
حيث هى فى النفس ؛ والطبيعى فإنما ينظر فيها وفى سائر ما ينظر فيه من حيث هى
خارج النفس .

قال أرسطاطاليس :
« وفرق أخر بين الحدود والمصادرة ، والأصل الموضوع من قِبَل أن المصادرة
والأصل الموضوع ليس يخلو إما أن تكون كلية ، وإما جزئية . وأما الحدود فليست
كذلك .

١١ - <البديهيات>

والبرهان فغير محتاج إلى الصور أو إلى الأشياء الخارجة عن الكثرة ، بل هو
محتاج فى وجوده إلى الطبيعة الكلية السارية فى الكثرة المحكوم بها عليها . فإنه إن لم
يكن هِاهنا طبيعةٌ هذه صورتها ، لم يكن الكلى موجوداً . فإذا لم يكن الكلى

[Page 320] موجوداً ، لم يكن الوسط موجوداً . وإذا لم يكن موجوداً ، لم يكن البرهان موجوداً .
فواجبٌ ضرورةً أن تكون هاهنا طبيعة سارية فى الكثرة ، تحمل على الكثرة بتواطؤٍ
على طريق الاتفاق فى الاسم . »

التفسير  

[٥٨ أ] لما عَرَض له - فى أثناء قوله فى الفرق بين الحدود والأصول الموضوعة
والمصادرات - قول من زعم أن المهندس يستعمل نوعاً من المقدمات كواذب ،
وأبطل ذلك ، عاد إلى ذكر فرقٍ آخر بين الحدود والمصادرات ، فقال : - من
قبل أن المصادرات والأصل الموضوع ليس يخلو إما أن تكون كلية ، وإما
جزئية . وأما الحدود فليست كذلك » - يريد أن الأصول الموضوعة والمصادرات ، من
جهة ما هى أقاويل جازمة ، تنقسم إلى كلية ، وجزئية . وأما الحدود فليست تنقسم
إلى كلية وجزئية ، إذْ كان كل حدّ كلياً . والنتيجة اللازمة عن هذا ، فى الشكل
الثانى ، أن الأصول الموضوعة والمصادرات ليست حدوداً . ولما كان هذا القول يوهم
أن في المصادرات والأصول الموضوعة التي يستعملها صاحب البرهان ما ينقسم إلى
كلى وجزئي ،وكان الجزئي ليس يستعمله صاحب البرهان ، أعنى المقدمة
الجزئية ، أى الخاصية ، وكان يوهم فى هذا الموضوع أنه يجب أن تكون هاهنا صُوَرٌ
خارجة عن الأمور الجزئّية هى التى يقوم عليها البرهان ، أعنى مفارقه وأوّلية وإلاّ لم
يكن البرهان ضرورياً - أخذ يعرّف ذلك فقال : « والبرهان فغير محتاج إلى الصور
وإلى الأشياء الخارجة عن الكثرة ، بل هو محتاج فى وجوده إلى الطبيعة الكلية السارية
فى الكثرة المحكوم بها عليها » - يريد : وليس يجب من هذا أن يكون البرهان يقوم
على الجزئيات ، لكون البرهان ثابتاً والجزئيات متغيرة أنّ هاهنا صوراً للأشياء
الجزئية مفارقة ، فإن البرهان غير محتاج إلى هذه الصور ، يشير بذلك إلى الصور التى
يضعها أفلاطون . ولما كانت الصور التى يضعها مفارقة للمواد ، وجب أن تكون
خارجة عن الكثرة الشخصية المحسوسة . مثال ذلك أن البرهان القائم على الإنسان
أنه بصفة كذا ، ليس يقوم على الانسان الكلى المفارق ، إن كان هاهنا انسان بهذه
الصفة ، ولا يحتاج فى معرفة كون الإنسان بهذه الصفة . إلى أن نقسمه على هذه

[Page 321] الطبيعة الخارجة عن الأشخاص من الناس الذين أحّسسناهم نحن ، إن كانت ها
هنا طبيعة بهذه الصفة . وهذا هو الذى دلّ عليه بقوله : « أو إلى الأشياء الخارجة
عن الكثرة » ، وهو هاهنا ليس يقصد إلى إبطال الصور الخارجة ، إذ كان ذلك من
شأن العلم الإلهى . وإنما الذى يقصد أن يبين أنه ليس يحتاج فى البرهان إلى إدخال
القول بالصور ، سواء كانت الصور موجودة ، أو لم تكن . وإنما يحتاج البرهان إلى
وضع طبيعة واحدة سارية فى الأشخاص . فإن هذه الطبيعة إذا وضعت بهذه
الصفة ، أمكن أن يقوم البرهان على الأشياء الجزئية ، لا من قِبَل ما هى جزئية
، بل من قبل الطبيعة المشتركة لها السارية فيها ، وإن لم نضع هذه [٥٨ ب ] الطبيعة
مفارقة ، بل موجودة فى المحسوسات ، أعنى أن تكون غير منقسمة بالذات وواحدة ،
وإن كانت منقسمة بالعَرض . فإن هذا هو الفرق بين وضعنا هذه الطبيعة فى
مادة ، وبين وضعنا إياها مفارقة . وهذا هو الذى أراد بقوله : « بل هو محتاج فى
وجوده إلى الطبيعة الكلية السارية فى الكثرة » ، أى فى أشخاص المحكوم بها
عليها ، أى المحكوم على الأشخاص بهذه الطبيعة ومِنْ قِبَلها .

وإنما كان هذا لازماً ، لأن أفلاطون لا يسلّم أن هاهنا طبيعةً سارية فى
الموجودات سوى الطبيعة المفارقة ، وأنها واحدة بالحدّ والاسم ، وذلك أيضاً من
الظاهر بنفسه ، أعنى أن هاهنا طبيعة سارية فى المحسوسات . فإذا تبيّن أن البرهان
يكتفى فى وجوده بوجود هذه الطبيعة الموجودة فى المحسوسات ، فلا معنى لادخال
طبيعة خارجة عن المحسوسات من قِبَل البرهان .

ثم قال : « بل هو محتاج فى وجوده إلى الطبيعة الكلية السارية فى الكثرة » - يريد
أن البرهان ليس يحتاج إلى طبيعة كلية مفارقة للمحسوسات ، وإنما يحتاج إلى طبيعة
كلية سارية فى المحسوسات . وإنما كان ذلك واجباً لأن هذه الطبيعة تعرف جوهر
المحسوسات ، والطبيعة الخارجة عن الشىء لا تعرف ذات الشىء .

ثم قال : « فإنه إن لم تكن هاهنا طبيعةٌ هذه صورتها لم يكن الكلى

[Page 322] موجوداً » - يريد : فإنه إن لم نضع فى الموجودات المحسوسة طبيعة مشتركة كلية
بالقوة ، لم يكن الكلى موجوداً .


ثم قال : « وإذا لم يكن الكلى موجوداً ، لم يكن الوسط موجوداً » - يعنى الحد
الأوسط ، إذ قد تبيّن أنه يجب أن يكون كلياً .

ثم قال : « وإذا لم يكن موجوداً ، لم يكن البرهان موجوداً » - يعنى أنه إذا لم
نجد الأوسط فى البرهان ، لم نجد البرهان ، من قيل أن البرهان قياس ، والقياس
إنما يكون بالحد الأوسط .

ثم قال : « وواجبٌ ضرورةٌ أن تكون هاهنا طبيعة سارية فى الكثرة تُحْمَل على
الكثرة لا على طريق الاتفاق فى الاسم » - يريد أنه إن وضع أن البرهان موجودٌ ، لزم
عن وجوده أن يوجد الكلى . وإذا وُضِع أن الكلى موجودٌ ، لزم أن تكون هذه
الطبيعة موجودة . فإذن متى وضع أن البرهان موجود ، فهذه الطبيعة موجودة . لكن
البرهان موجود . فهذه الطبيعة موجودة ؛ وهى النتيجة التى قصد من هذه المقاييس
الشرطية .

قال أرسطاطاليس :
« فأما القضية القائلة أن جزئى النقيض لا يمكن أن يصدُقا معاً ، فإنّا نأبى أن
نضعها فى البراهين ،اللهم إلاّ أن تقودنا الحاجة فى بعض المطالب إلى أن نبينّ أن
المحمول فيها موجود للموضوع وليس هو غير موجود له . وقد يبين لنا [٥٩ أ]
المطلوب الذى هذه صفته عندما نقرن الاستثناء الذى فيه بالحد الأكبر فى القياس ،
فنحكم على الحد الأوسط بأنه موجود ، وليس هو غير موجود له . فأما الأوسط
فسواء عليك استثنيت فيه بهذا الاستثناء ، أم لم تستثن . وكذلك الثالث . والسبب
فى ذلك هو أنّا متى حكمنا ب « الإنسان » على موضوع ما ، بمنزلة قلياس ، وحكمنا

[Page 323] ب « الحيوان » على ما هو إنسان ، وعلى ما هو لا إنسان ، نكون في حكمنا هذا
صادقين . سوى أن هذا لا يعيننا فى إنتاج ما نحن بسبيله ، وهو أن : قلياس
حيوان ، وليس هو لا حيوان . ولا أيضا إذا حكمنا على قلياس ، ولا قلياس
بالإنسان وكان حكمنا صادقاً يعيننا هذا فى إنتاج ما نحن بسبيله . والسبب فى ذلك
: لما كان الحد الأكبر محمولاً ، فهو يحكم به على الحد الأوسط ، وعلى غير الأوسط
، لأن المحمول على أكثر الأمر هو اعمّ من الموضوع ، سوى أن كون هذا الاستثناء
فى الوسط غير نافع لنا فى إنتاج ما نحن بسبيله . »
التفسير
إنما قال فى هذه القضية إن المبرهن يأبى أن يضعها فى البراهين
لظهورها . وقوله : « إلاّ أن تقودنا الحاجة فى بعض المطالب إلى أن نبين أن المحمول
فيها موجود للموضوع وليس هو غير موجود له » - يريد : إلاّ فى المطالب التى يضطرُّنا
الأمر فيها إلى أن نقتصر فى أن نبيّن فيها أن المحمول موجود للموضوع فقط ، بل وأن
نبيّن مع هذا أن المحمول ليس بغير موجود له . ويشبه أن يكون هذا إنما يعرض فى
المطالب التي تكون ضروريةُ وجودِ المحمول فيها للموضوع خفيّةٌ . فإذا تبيّن مع
وجوده فى الموضوع ، أنه ليس يمكن أن يتعرّى الموضوع منه وقتاً ما ، تبينّ أيضاً أنه
ضرورىّ للموضوع ودائماً .

ولما ذكر أحد المواضع التى يضطر صاحب البرهان أن يصرّح فيها بهذه القضية
مع بيانها ، عَرَّف كيف يستعمل المبرهن هذه القضية والموضع الذى يستعملها فيه ،
فقال : « وقد يبين لنا المطلوب الذى هذه صفته عندما نقرن الاستثناء الذى فيه بالحد
الأكبر فى القياس ، فنحكم على الحد الأوسط أنه موجود وليس هو بغير
موجود » - يريد : والمطلوب إنما ينتج لنا بهذا الشرط ، أعنى أن يكون موجوداً فى
الشىء وليس غير موجود له متى استعملنا هذا الاشتراط فى حمل الحد الأكبر على
الأوسط ، أعنى أن يُوجَب الحد الأكبر له وُيسْلب سَلْبه عنه . مثال ذلك إذا أردنا أن
ننتج أن كل إنسان حساس ، وأنه ليس بغير حساس ، بوسطٍ هو : الحيوان

[Page 324] [٥٩ ب ] فإنّا نؤلف القياس هكذا :
كل انسان حيوان
وكل حيوان حساس وليس هو غير حساس
فينتج لنا أن كل إنسان حساس وليس بغير حساس
وإنتاج هذا ظاهرٌ بنفسه ، وبما تقدم فى كتاب « القياس » .

ولما ذكر الموضع الذى إذا اشترط فيه هذا المعنى ، لزم فى النتيجة - أخذ يذكر
المواضع التى إذا اشترط فيها هذا المعنى لم ينتفع به فى النتيجة ، فقال : « فأما الأوسط
، فسواء عليك استثنيت فيه بهذا الاستثناء، أم لم تستثن ، وكذلك
الثالث » - يريد أن هذا الاستثناء إذا زيد فى الموضوع الذى هو الحد الأوسط من
جهة ما هو موضوعٌ لا فى المحمول الذى هو الطرف الأكبر ، لم ينتفع به . وكذلك إذا
اشترط فى الطرف الأصغر ، إذ كان موضوعاً فقط . وذلك أن هذا الشرط لا يخلو أن
يشترط في المقدمة الخارجة : إمّا فى المحمول ، وإمّا فى الموضوع . ولما كان القياس
يأتلف من ثلاثة حدود : الأكبر منها محمول فقط ، والأصغر موضوع فقط والحد
الأوِسط محمول وموضوع معاً : إمّا بالفعل فى الشكل الأول ، وإما بالقوة فى الأشكال
الُأخر ، وجب أن يكون هذا الاشتراط يقع فى القياس فى أربعة مواضع : فى الظرف
الأكبر ، وفى الأصغر ، وفى الحد الأوسط من جهتين : من جهة ما هو محمول ومن
جهة ما هو موضوع - فأخبر أرسطو أنه لا ينفع هذا الاشتراط فى أمثال هذه المطالب ،
إلاّ إذا اشترط فى الحد الأكبر إذ كان محمولاً فقط ، وأنه ليس ينفع فى الحد الأوسط
من جهة ما هو موضوع ، ولا فى الأصغر إذ كان موضوعاً فقط . وسكتَ عن
اشتراطه فى الحد الأوسط من جهة ما هو محمول ، إذ كان أيضاً بيّناً بنفسه أنه لا ينتفع
به فى هذا الطلب .

ولما أخبر أنه لا ينتفع بهذا الاشتراط فى الحد الأوسط ، ولا فى الأصغر ، أخذ
يبيّن ذلك فقال : « والسبب فى ذلك أنّا متى حكمنا بالإنسان على موضوع ما ، بمنزلة
قلياس ، وحكمنا بالحيوان على ما هو إنسان ولا إنسان ، نكون فى حكمنا هذا

[Page 325] صادقين « - يريد : والسبب فى أنه لا ينتفع بهذا الاشتراط فى الحدّ الأوسط من جهة ما
هو موضوع ،أن كل محمول نحمله على موضوع ما ، وعلى سلبه ، ليس يلزم أن
يقتسم هذا الحملُ الصدقَ والكذب ، كما يعرض فى المحمول إذا حملناه على موضوع
ما وحملنا سلبه عليه . مثال ذلك : إذا أردنا أن ننتج أن : زيداً حيوان وليس هو لا
حيوان ، بوسط كونه : « إنسان » ، فقلنا : زيد انسان ، والانسان حيوان - لم يكْذِبْ
لنا مع ذلك أن : ما ليس بإنسان حيوان » ، كما يكذب مع قولنا إن الانسان حيوان :
أن « ما ليس بحيوانٍ انسانٌ » ، بل قد يصدق الأمران جميعا ، أعنى قولنا : « الانسان
حيوان » و « لا انسان حيوان » . وإذا كان ذلك كذلك ، فلم نستعمل القضية القائلة
إن النقيضين لا يجتمعان .

ثم قال : « سوى أن هذا لا يعيننا فى إنتاج ما نحن بسبيله ، وهو أن قلياس
حيوان وليس هو لا حيوان » - يريد : ومع هذا فإنه لا يعيننا هذا الاشتراط فى انتاج
[٦٠ أ] ما أردنا إنتاجه وهو أن :قلياس حيوانٌ وليس هو لا حيوان ، ولو لم يكن
الحكمان صادقين .
ثم قال : « ولا أيضاً إذا حكمنا على قلياس ، ولا قلياس بالإنسان ، وكان
حكمنا صادقاً ، يعيننا هذا فى إنتاج ما نحن بسبيله » - : ولا إذا حكمنا أيضاً بالحد
الأوسط على الطرف الأصغر وعلى سلبه ، وكان الحكمان صادقين ، ينتفع به فى
ذلك .
ولما ذكر أن الموضوع إنما يفارق المحمول فى هذا ، من قِبَل أنه إذا اشترط هذا
الشرط فى المحمول لم يَصْدق على الموضوع المتقابلان فيه ، أعنى المحمول وسلبه ،
وصدق ذلك فى الموضوع ، أعنى حمل المحمول عليه وعلى نقيضه - أنى بالسبب فى
ذلك ، أعنى مفارقة الموضوِع فى هذا المعنى للمحمول ، فقال : « والسبب فى ذلك :
لّما كان الحدّ الأكبر محمولاً ، فهو يحكم به على الأوسط وعلى غير الأوسط ، لأن

[Page 326] المحمول على أكثر الأمر هو أعمّ من الموضوع » - يريد : والسبب فى أن فَارقَ المحمولُ
فى المعنى للموضوع أن المحمول يحمل على الموضوع وعلى ما سُلِب الموضوع عنه ، إذ
كان المحمول فى أكثر الأمر اعمّ من الموضوع وأما الموضوع فليس يمكن أن يحمل عليه
المحمول نفسه وسلبه ، لأن كل ما سلب عن المحمول ، يسلب عنه
الموضوع ، لكون الموضوع من المحمول بمنزلة الجزء .

وقوله : « سوى أن كون هذا الاستثناء فى الوسط نافع لنا فى انتاج ما نحن
بسبيله » - يريد وإن لم يصدق حمل المحمول على الموضوع مع حمله على سلبه ، وذلك
يكون فى الموجبات المنعكسة ، وهى التى تكون المحمولات فيها خواصَّ وحدوداً .

قال أرسطاطاليس :

 « وأيضاً القضية القائلة إن على كل شىء يصدق أحد جزئى المناقضة قد
يستعملها البرهان السائق إلى المحال . وليس استعماله لها على طريق
العموم ، لكن بأن يدنيها إلى مادةٍ مادةٍ يروم البرهان عليها ، كما سلف من
القول . »
التفسير
لما أخبر بأحد الأماكن التى نستعمل فيها القضية القائلة إن المتناقضين لا
يجتمعان معاً ، ذكر الموضع الثانى وهو استعمالها فى بيان الخُلْف . ولما كانت هذه
القضية من القضايا العامة ، وكان قد وضع أن الصنائع إنما تستعمل القضايا
الخاصة ، ذكر أن استعماله أيضاً هذه القضايا العامة إنما يكون على الوجه الذى
يكون من قِبَله قوّتها الخاصة ، فقال : « وليس استعماله لها على طريق العموم ، لكن
بأن يُدْنيها إلى مادة مادة يروم البرهان عليها » - يريد : لكن بأن يدنيها إلى مادة مادة

[Page 327] من المواد التى يروم البرهان عليها ، أى من المادة التى تخصّ صناعته . وذلك مثل ما
قال فى المقدمات المشتركة [ ٦٠ ب ] لأكثر من صناعة واحدة ، مثل المقدمة القائلة أن
الأشياء المساوية لشيء واحدٍ هى متساوية . لكن الفرق بين هذا الجنس والجنس
الأول أن هذه تخصّ صناعة من الصنائع ، أعنى القائلة إن المتقابلين لا يجتمعان ،
وهى صناعة المنطق . وهذا الجنس الآخر من المقدمات ليس يخصُّ صناعة . ولذلك
كان هذا يقال باشتراك الاسم المحض ، ولم يكن الآخر كذلك . والسبب فى ذلك أن
الأول لا يختص بصناعة وهذا يختص بصناعة ، وذلك أن العامة منها ما يختص
بالصناعة العامة ، ومنها مالا يختص بصناعة أصلاً - وفى هذه وقع الشك المتقدم .

قال أرسطاطاليس :
« فأما القضايا العامة فقد يتوخى فيها جميع العلوم . وأعنى بالقضايا العامة :
الأشياء التى بها تتبيّن المحمولات أنها للموضوعات ، لا المحمولات أنفسها ولا
الموضوعات . وصناعة الجدل فقد تتكلّف بيانَ سائرها ، وليست وحدها تروم ذلك ،
بل والعلم المدعو بالحكمة . »
التفسير
يعنى بجميع العلوم : جميع الصنائع البرهانية .

وقوله : « وأعنى بالقضايا العامّية الأشياء التى بها تبين المحمولات أنها
للموضوعات ، لا المحمولات أنفسها ولا الموضوعات » - يريد بذلك الأمور المنطقية
وهى الصادقة العامة ؛ وذلك أن المعارف المنطقيّة بها يتبينّ أن المحمول موجود
للموضوع ، أو غير موجود له . وأمّا المعارف الغير منطقية فبها يتبيّن ما هو المحمول
بنفسه ، وما هو الموضوع . ولما كانت صناعة الجدل وصناعة الحكمة الأولى قد تنظر
فى مبادىء صناعة المنطق وتحلّ المغالطات الواردة فيها ، قال : « وصناعة الجدل فقد

[Page 328] تتكلف بيان سائرها ، وليست وحدها تروم ذلك ، بل والعلم المدعو بالحكمة » . ولما
كان نظرهما فيها وفى سائر الأمور العامة مختلفاً ، أخذ يخبر بوجه اختلافهما .

قال أرسطاطاليس :
« فأما صناعة الجدل فليس قصدها نحو أمرٍ مخصوص ، ولا لها أيضاً
موضوع . وإلاً فما بالها تتعرّض بأن نقتضب مقدمات من السؤال ، تتصيدها من
المسئول ! والمبرهن فليس هكذا صورته ، إذ كان ليس يستعمل طرفى مناقضته فى
تبيين مطالبه ، لأن مطلوبه الذى يرون تبيينه واحد . وهذا أمر قد شرح فى
« القياس » .

١٢ - <السؤال العلمى>

والسؤال والقياس والمقدمة المأخوذة من النقيض لا تباين بينها ولا خلاف .

فأما المقدمات الداخلة . فى علمٍ علمٍ ، المتناسبة ، الخَاصّية بواحدٍ واحدٍ ، التى
منها يكون البرهان على أمرٍ أمرٍ من الأمور ، فقد تُقْلَب فتُجْعل سؤالاً . »
التفسير

يقول إن الفرق بين صناعة الجدل وصناعة الحكمة ، وإن كانت تشتركان فى النظر فى الأمور العامة - أن صناعة الجدل ليس تقصد لفحصها غايةً معروفة سوى
الغلبة ، وصناعة الحكمة تقصد غاية معروفة وهى معرفة الموجودات بأقصى أسبابها
وبما هى به موجودة . وأيضاً فإن صناعة الجدل ليس لها موضوع خاص ، وصناعة
الحكمة لها موضوع خاص ، وهو الموجود المطلق ، أعنى : بما هو موجود . وأما
صناعة الجدل فإنها تنظر فى الموجود بأيّ وجودٍ اتفق ، من قِبَل أنها إنما تنظر فى
الموجودات من قِبَل الشهرة ، والشهرة تلحق الموجود المطلق كما تلحق المقيد . فهى
تنظر فى جميع موضوعات الصنائع البرهانية الجزئية والكلية منها ، التى هى الحكمة

[Page 329] ولما ذكر أن صناعة الجدل ليست تؤمُّ غرضاً محدوداً ، ولا لها موضوع محدود ،
أتى بالدليل على ذلك فقال : « وإلاّ فما بالها تتعرض بأن تقتضب مقدماتها من السؤال
وتتصيدّها من المسئول » - يريد : وكونها لا موضوع لها محدود ولا غرض محدود هو
العلة فى أن تأخذ مقدماتها التى تضعها فى قياسها بحسب ما يُسَلّم المسئول من ذلك ،
لا بحسب الأمر نفسه . وإلاّ ، فأىّ علة هى عِلّة فعلها هذا الفعل ؟ ! وكأنه أراد أن
هذا الفعل منها يدل على أنه ليس لها موضوع محدود ولا غرضٌ محدود فى الطلب ،
أعنى محدوداً فى نفسه خارج الذهن . ولفظ : « الاقتضاب » يدل على أخذ المقدمات
متسلمة . وقد يُستعمل دلالة على المصادرة ، وقد يستعمل دلالة على أخذ المقدمات
على جهة الجدل . - وأما قوله : « ويتصيدها » فهو لفظ مستعار وذلك أن السائل لما
كان يناقض المسئول و يختدعه فى تسليمه المقدمات التى ينتفع لها فى إبطال ما قصه
إبطاله ، سمّى هذا الفعل : تصيداً ، إذ كان التصيد هو فعلٌ مع خَتْل و مغافصة
ثم قال : « والمبرهن ليس هكذا صورته ، إذ كان ليس يستعمل طرفى مناقضة
فى تبيين مطالبة ، لأن مطلوبه الذى يروق تبيينه واحدٌ . وهذا أمرٌ قد شرح فى
« القياس » - يريد : والمبرهن فليس يأخذ مقدماته بهذا الوجه ، أعنى بالسؤال ، إذ
كان الذى من شأنه أن يأخذ المقدمات بهذا الوجه يستعمل فى أقيسته طرفى
المتناقضين ، أعنى مرة فى قياس ، ومرة فى قياس . إذ كان المجيب قد يسلّم
بالأضافة إلى مطلوب ما - شيئاً ما . وقد يُسَلّم نقيضه فى حين آخر . والمبرهن ليس
يستعمل فى قياسه طرفى النقيض ، إذ كان قصده الصادق منهما . وهذا هو الذى أراد
بقوله : « لأن مطلوبه الذى يروم تبيينه واحدا » - يعنى الصادق .

وقوله : وهذا أمرٌ قد شرح فى كتاب [٦١ ب ] « القياس » - يعنى أنه قد تقدم
بعض القول هناك فى الفرق بين المقدمة البرهانية والجدلية ؛ واستيفاء ذلك فى كتاب
« الجدل » .

[Page 330] 
وقوله : « والسؤال والقياس والمقدمة المأخوذة من النقيض لا تَبايُنَ بينهما ولا
خلاف « - يعنى فى الصناعتين الجدلية والبرهانية . وذلك أنه لا فرق بين القياس
الجدلى والبرهان في صورته . وكذلك لا فرق بينهما فى أن كل واحدٍ منها إنما يقتصر
عل أحد جزئى النقيض فيثبته ويُبْطِل الأخر . وهو الذى أراد بقوله : « والمقدمة
المأخوذة من النقيض » - يعنى أن كلتا الصناعتين تستعمل المقدمة القائلة إن
النقيضين لا يجتمعان معاً ، كما يستعمل القياس الصحيح الشكل ، أعنى المنتج
وقوله : فأما المقدمات الداخلة في علمٍ علمٍ ، المناسبة ، الخاصية بواحدٍ واحدٍ التى
منها يكون البرهان على أمر من الأمور ، فقدم تُقْلَب فُتجْعَل سؤالاً » - يريدُ أنه قد
يبتدئ المعلم فيضعها للمتعلم وضعاً من غير أن يسأله عنها لعلمه باعترافه بها . وقد
يسأله عنها على جهة التبصرة والتقرير فى نفسه . فهذا هو الذى أراد بلفظ « القلب »
- أى يقلبها من الخبر إلى السؤال .

وقوله : « الخاصية بواحدٍ واحدٍ » - يعنى : بطبيعة طبيعة من طبائع موضوعات
الصنائع . وقد تبين أن المقدمات البرهانية هذه هى صفتها .

قال أرسطاطاليس :
« وظاهر أن المهندس لا ينبغى أن يجيب عن أىّ مسئلةٍ سُئِل ، ولا الطبيب
أيضاً ، وكذلك يجرى الأمر فى علمٍ علمٍ . لكن إنما ينبغى للمهندس أن يجيب إذا
سئل عن التأثيرات اللازمة للأمور الهندسية [ 77 b]* ، أو عن التأثيرات اللازمة
للأشياء التى هى أعلى من صاحب الهندسة ، بمنزلة علم المناظر .

وكذلك ينبغى لصاحب علمٍ علم . والكلام فى المسائل المناظرية وتوفية
العلل لها ينبغى أن يكون تعرّض المهندس لها على أنها متعلقة بموضوعه . »

[Page 331] التفسير
يقول : وظاهرٌ مما قيل فى شروط المطالب البرهانية والمقدمات البرهانية إذا
وضعنا أن المبرهن قد يسْال أنه ليس ينبغى له أن يجيب عن أىّ مسألة سُئِل . مثال
ذلك أن المهندس ليس ينبغى أن يجبب عن أىّ مسألة سُئِل عنها فى الهندسة ، ولا
الطبيب أيضاً ، ولا واحد من سائر أهل العلوم . وكذلك لا يجب عليه أن يطلب أىّ
مسالة اتفقت . والسبب فى هذا الذى قاله أن المطالب البرهانية والمقدمات ينبغى أن
تكون ذاتية . وقد يعرض لموضوع المهندس أشياء كثيرة غير ذاتية . فمتى سُئِل
المهندس لم يَجبْ عليه أن يجيب فيها . مثل أن يُسْال : هل الشكل المستدير أحسن ،
أم المستقيمِ ؟
وقوله : « لكن إنما ينبغى للمهندس أن يجبب إذا سُئِل عن التأثيرات اللازمة
[٦٢ أ] للأمور الهندسية ، يعنى الأعراض الذاتية للموضوع نفسه الذى ينظر فيه .

وقوله : « أو عن التأثيرات اللازمة للأشياء التى هى أعلى من صاحب الهندسة
بمنزلة علم المناظر » - كذا وقع فى النسخة التى < يجرى النقل > منها . وصوابه * . أن
يقرأ : « التى < هى أسفل > من صاحب الهندسة بمنزلة < علم > المناظر - إن لم
يُفهم من « الأعلى » الأشرف ، إذ كان علم الهندسة فوق علم المناظر ، وعلمُ المناظر
تحته . ومعنى هذا أن المهندس يُسْأل عن أسباب الأشياء الظاهرة فى علم المناظر من
جهة أنها أسباب لها . وإنما يصحّ ذلك إذا سُئِل عنها من جهة ما هى نتائج عنده ،
فسأله عنها صاحب علم المناظر ليضعها هو أسباباً ومقدمات . ولذلك قال :
« والكلام فى المسائل المناظرية وتوفية العلل لها ينبغى أن يكون تعرُّض المهندس لها
على أنها متعلقة بموضوعه » ، أي إنما يسال عنها المهندسَ صاحبُ علم المناظر مثلا من
قِبَل أنها نتائج لموضوعه لازمة .

[Page 332] 
ونجد مكان هذا الفصل فى ترجمة أخرى :
« فبَيّن أنه لا تكون كل مسئلة مساحية ولا طبية ، وكذلك فى الُأخَر ، بل من
التى إِمّا أن تبرهن شيئاً ما بما تنظر فيه المساحة ، أو من التى تبرهن بالمساحة ، مثل
أمور المناظر ، وكذلك فى الأشياء الُأخَر . وأما فى هذه فإنه يمكن أن يعطى علة من
الأوائل المساحية والنتائج . »
وهذا المعنى الذى شرحنا به هذا الفصل هو فى هذه الترجمة ظاهر .

فقوله : « بل من التى إما أن تبرهن فيه المساحة ، أو من التى تبرهن بالمساحة » - هو
بدلٌ من قوله فى الترجمة الثانية : « لكن إنما ينبغى للمهندس أن يجيب إذا ما سئل عن
التأثيرات اللازمة للأمور الهندسية ، أو غير التأثيرات اللازمة للأشياء التى هى أسفل
من صاحب علم الهندسة بمنزلة علم المناظر » .

وقوله : « وأما فى هذه فإنه يمكن أن يعطى علةً من الأوائل المساحية
والنتائج » - يعنى به أن كل ما تحت علم الهندسة فإنه يمكن صاحبها أن يعطى فى
صناعته العلل من قِبَل الأمور التى هى في علم الهندسة : إما أوائل ، وإما
نتائج . وبَدلُ هذا هو الذى قيل فى الترجمة الثانية : « والكلام فى المسائل المناظرية
وتوفية العلل لها فينبغى أن يكون تعرُّض المهندس لها على أنها متعلقة بموضوعه » .
قال أرسطاطاليس :
« والكلام فى مبادئ صناعة الفلسفة للمهندس ألّا يتعاطاه بما هو
مهندس . وكذلك صاحب علمٍ علمٍ ماعدا الهندسة . فواجبٌ إذن ألا يُسْأل كلُّ
واحد من العلماء عن أى شىء اتفق ، ولا أيضاً ينبغى أن يجيب عن أىّ شىء اتفق .
لكن إنما يجب أن يصدر منه الجواب إذا سُئِل عن أشياء تخصُّ صناعته
وعِلْمَه . ولذلك ما إذا صودف الانسان يجارى المهندس ويفاوضه فى أمر من

[Page 333] الأمور الهندسية ويستعمل فى مجاراته بياناتٍ هندسية يُسْتَنْبَلُ فعله [٦٢ ب ]
ويُستصوب . وأما إن سلك غير هذه الطريق ، لم يكن ذلك الفعل منه بالصواب . »
التفسير  

لما كان صاحب كل صناعة إنما يجب عليه أن يفحص عن الأمور الذاتية التى
تخصّ موضوع صناعته ، وكانت موضوعات الصنائع مختلفة ، فواجبٌ ألا يفحص
صاحب صناعة عمّا يفحص عنه صاحب صناعة أخرى ، ولا يستعمل من المبادئ ما
يستعمل غيره ، اللّهم إلاّ على الجهة التى سلف القول ، وذلك إذا كانت إحدى
الصناعتين تأخذ مبادئها من صناعة أخرى . وأمّا إذا لم يكن هذا الاشتراك بين
الصناعتين ، فإنه لا يشترك الناظرون فيها ولا بجهة من الجهات ، مثل حال علم
الهندسة مع علم الفلسفة . ولذلك قال : « والكلام فى صناعة الفلسفة ينبغى
للمهندس ألاّ يتعاطاه بما هو مهندس ، وكذلك صاحب علمٍ علمٍ ما عدا
الهندسة » - أى لا يتعاطى المهندس الكلام فى شىء غير الهندسة .

وما يقوله فى هذا الفصل مفهومٌ بنفسه .

وقوله : « ولذلك ما إذا صودف الإنسان . . » إلى قوله : . . لم يكن ذلك
الفعل منه صوابا » - هي حجة مشهورة أردفها بالحجة اليقينية ، على عادته فى إرداف
البيانات البرهانية بالمشهورة .

قال أرسطاطاليس :
« ومعلومٌ أن المهندس ليس يمكنه أن يكشف على هذا الوجه ، إلاّ أن يكون
التكشف يلحقه بطريق العَرض . فيجب - على هذا القياس - ألا يجرى الكلام فى
الهندسة مع قومٍ لا خبرة لهم بهذه الصناعة : فإنه إذا فعل الإنسان ذلك ، تجرى
المناظرة مجرىً غير مستقيم وتلحقه الحيرة . وكمثل صناعة الهندسة ، كذلك سائر
العلوم . أفترى قد تطرأ على المهندس أيضاً مسائل غير هندسية ، وفى علمٍ علمٍ

[Page 334] من العلوم قد تكون مسائل بلا علم ؟ وإن كان ذلك : أفُترى لا علم فيها خاصَ
جاء من قِبَل صورة القياس أو من قِبَل مادتة ؟ والمسائل الغير الهندسية هل تعُّلقها
إنما هو بصناعة الهندسة ? أم إنما تعُّلقها بصناعة أخرى ، بمنزلة ما يُسْأل المهندس عن
مسئلةٍ موسيقية ، وبمنزلة ما يسأل : أليس الخطوطُ المتوازية تلتقى
والسؤال : له ، بوجهٍ ، تعلُّقٌ بصناعة الهندسة ، وبوجهٍ آخر : لا تعلُّق له . »
التفسير
قوله : « ومعلوم أن المهندس ليس يمكنه أن يكشف على هذا الوجه إلاّ أن
يكون التكشف يلحقه بطريق العَرَض » - يريد أن المهندس ليس يمكنه أن يتكلم فى
المسائل التى ليست تخصُّ صناعته ، ولا أن يكشف عن الصواب فيها من الخطأ ، إلا
أن يكون ذلك بطريق العَرض له ، لا بما هو مهندس . وذلك يكون إذا عَرَض
للمهندس أن يكون عنده علمٌ بالذّى [٦٣ أ] تلك المسالة خاصّة به ، أى من جهة
ما يكون صاحب صناعةٍ أخرى . فهذا هو الذى أراد بقوله : « بطريق العَرَض » .

ثم قال : « فيجب - على هذا القياس - ألا يجرى الكلام فى الهندسة مع قومٍ لا
خبرة لهم بصناعة الهندسة » - يريد : إذا ثبت أن المهندس لا يجب له أن يفحص عن
الأشياء العَريَّة من صناعته ، فقد يظهر منه أنه يجب ألا يتعاطى الكلام فى الهندسة
مع من ليس بمهندس ، فإن تعاطى الكلام يحرّكه إلى أن يتكلم بأمورٍ عريّةٍ عن
الهندسة ، وذلك يفيده - كما قال - حيرة وتضليلاً . والسبب فى ذلك أن الإنسان إذا
نظر فى شىء ما مِنْ قِبَل الأعراض الغريبة الغير ذاتية ، أوجَبَتْ له الشىء ومقابله فى
الشيء الواحد بعينه ، فيقع في حيرة وتضليل .

ولما أوصى المهندس بهذه الوصية ، أعلم أنها عامة لجميع أصحاب العلوم .

وقوله : « أفتُرى قد يطرأ على المهندس أيضاً مسائل غير هندسية وفى علمٍ

[Page 335] علمٍ من العلوم » - يريد : أترى كما قد تكون فى الهندسة مسائل هندسية ، كذلك
تكون فيها مسائل غير هندسية ، وكذلك فى علمٍ علم ، أعنى أنه يكون فيها مسائل
صواب ، ومسائل هى خطأ .

وقوله : « قد تكون مسائل بلا علم » - يعنى : يُسْلب منها العلم المنسوب إلى
تلك الصناعة إما على طريق العدد ، وإما على طريق السلب المطلق . فإن كانت
هندسية ، قيل فيها إنها لا هندسية ؛ وإن كانت طبيعية ، قيل فيها إنها لا طبيعية .

ولما شك في هذا الشك ، وسأل هذا السؤال فى الصنائع العلمية ، سأل سؤالاً
آخر فقال : « وإن كان ذلك ، أَتُرى لا علم فيها خاصى من قبل صورة القياس ، أو
من قبل مادته » - يريد : إن كانت توجد مسائل كاذبة فى علمٍ علمٍ ، وهى التى يقال
فيها إنها لا علم فى تلك الصناعة ، بمعنى العدْل ، فهل الكذب العارض فيها هو
شىء عرض فى الصناعة من قِبَل الغلط فى القياس ، أعنى فى صورته أو من قبل
الخطأ فى مقدماته ؟ ولما سأل هذين السؤالين ، سأل سؤالاً ثالثاً فقال : « والمسائل
الغير هندسية هل تَعَلُّقها إنما هو بصناعة الهندسة ، أم إنما تعلُّقها بصناعة أخرى ؟ »
- يريد : والمسائل التى ليست منسوبة إلى تلك الصناعة ، مثل المسائل الغير
هندسية فى صناعة الهندسة ، هل بيانها إنما هو مما يخص الناظر فى ذلك العلم ، أم مما
يختص بصناعة أخرى ، مثل المسألة التى يقال فيها إنها غير هندسية ، لأنها خطأ فى
الهندسة ، مثل المسألة القائلة أن الخطوط المتوازية أذا خرجت إلى غير نهاية التقت .
وهذا هو الذى دل عليه بقوله : « بمنزلة ما يُسْأل المهندس عن مسئلة موسيقية » - يريد
أن هذه يقال فيها أنها لا هندسية [٦٣ ب ] ثم قال : « وبمنزلة ما يُسْأل : أليس
الخطوط المتوازية تلتقى ؟ » -يريد أن هذه مسألة يقال فيها : « لا هندسية » من قِبَل
الكذب الذى فيها . ولما كان ظاهراً أن التى يقال فيها إنها « لا هندسية » بمعنى أنها من
صناعة أخرى ، فإن الجواب فيها هو من صناعة أخرى - أخبر كيف الحال فى المسائل
التى يقال فيها مثلاً إنها غير هندسية بالوجه الثانى وهى المسائل التى تكون فى الصنائع
من الأمور الذاتية ، مثل أن يسأل المهندس أن الخطوط المتوازية تلتقى ، فقال

[Page 336] : « وهذا السؤال له - بوجه - تعلّقٌ بصناعة الهندسة ، وبوجه آخر لا تعلّق
له » - يريد : وهذا النوع الثانى من المسائل التى يسلب منها نسبتها إلى تلك
الصناعة ، من قبل الكذب الذى فيها ، هى - بوجهٍ ما - هندسية ، و - بوجهٍ
ليست هندسية . أما كونها هندسية فلأنها مؤلفة من أمور هندسية ؛ وأما غير
هندسية فكونها كاذبة . وأما المسائل التى هى مؤلفة من أمور غير هندسية فليس
تسْلب عن الهندسية إلاّ سلباً عامّاً .

قال أرسطاطاليس :
« وحال المسائل الغير هندسية فى كونها على ضربين كحال الصوت . فإنما
نقول مسئلة غير هندسية للتى لا تعلّق لها بالصناعة الهندسية جملةً ، بمنزلة ما نقول فى
بعض الأشياء إنه لا صوت له ، لعدمها للصوت جملةً . وفى بعض المواضع نقول :
مسألة غير هندسية للتى لها تعّلق بصناعة الهندسة ، وإن كان تعُّلقها تعلقاً رديئاً .
والقسم الثانى داخل من أقسام الجهل فى القسم الشديد التضادّ للحق . »
التفسير
لما سأل : هل يمكن أن تطرأ مسائل فى علمٍ علمٍ من العلوم ، وصناعة
صناعة مسلوبة عن تلك الصناعة ، مثل أن تطرأ فى الهندسة مسائل غير هندسية ؛
وإن طرأت ، فهل معنى قولنا فيها إنها غير هندسية معنى أن لها تعلقاً بصناعة الهندسة
، وهى المسائل التى عدمت العلم الذى فى تلك الصناعة ، أو من قِبَل أن لها تعلقاً
بصناعة أخرى ، بمنزلة ما يُسأل المهندس عن مسائل موسيقية . وإن كان معنى قولنا
فيها إنها غير هندسية أنها قد عدمت العلم الذى فى تلك الصناعة ، فهل هذا يعرض
فى الصناعة من قيل صورة القياس ، أو من قبل مادته ؟
ابتدأ يجبب عن السؤال الأول وهو قولنا : مسائل غير هندسية على كم وجهٍ
تقال ?- فقال : « وحال المسائل الغير هندسية فى كونها على ضربين كحال

[Page 337] الصوت » - يريد : وقولنا : « مسائل غير هندسية » تقال على معنيين : ما كانت هندسية
خطأ ، والآخر ما لم يكن من علم الهندسة ، كما يقال : « لا صوت له » على
معنيين : أحدهما ما كان صوته مضروراً ، والثانى ما ليس له صوت أصلاً .

وقوله : والقسم الثانى الداخل فى أقسام الجهل فى القسم الشديد التضاد
للحق » - يريد : أن الاعتقاد للخطأ فى الهندسة ، وهو أحد ما يقال عليه « غير
[٦٤ أ] هندسة » هو داخلٌ فى الجهل الذى يُنْسَب إلى الملكة والحال ، لا فى الجهل
الذى هو عدم العلم ، بل الذى هو علمٌ خطأ . ولذلك يقال فيه إنه ضد
الحق ، ويقال فى الآخر إنه عدم الحق . وكون الجهل ينقسم إلى هذين القسمين
معروفٌ بنفسه .

قال أرسطاطاليس :  

« فأما فى التعاليم ، فليس سؤ القياس فيها يجرى هذا المجرى ، من قبل 
أن الحدّ الأوسط فيها مُضَاعَف . وذلك أن الأكبر يحمل على الأوسط كله ؛ 
والأوسط يجمل على الأصغر كله ؛ فأما المحمول فلا يقال عليه : « كل » . وهذه 
حاله فى الذهن كحال المنظور إليه . والغلط إنما يدخل بسبب الأقاويل ، بمنزلة 
ما يُسْأل المهندس : أليس كل دائرة شكلاً ؟ فبقول : نعم ، بأن رسم الدائرة 
رسماً ظاهراً . فيقال له : القول الموزون هو دائرة ؟ وليس هو شكلاً. » 

[Page 338] التفسير
لما كان أحد ما يُسأَل عنه : هل سبب الغلط الواقع فى العلم هو صورة  
القياس ، أو مادته ؟ - أخذ يجيب عن ذلك ، فقال : « فأما فى التعاليم فليس سوء 
القياس فيها يجرى هذا المجرى ، من قِبَل أن الحدّ الأوسط فيه مضاعف » - يريد أن 
الحد الأوسط فى التعاليم يكون أبداً على القياس مكرراً فى اللفظ والمعنى ، أى 
يكون أبداً واحداً بعينه مشرك الطرفين لا واحداً فى اللفظ دون المعنى ، فيظنّ به أنه 
واحدٌ فيهما معاً فيلحق الغلط ، كما يعرض ذلك كثيراً فى غير التعاليم ، أعنى أن 
القائس فيها يظن أنه قد كرّر شيئاً بعينه مرتين على أنه حد أوسط . وإنما كرر لفظاً 
واحداً بعينه ، فلا يكون الأوسط فيه مضاعفاً كما قال وهو يظنّه مضاعفاً . 

وقوله : « وذلك أن الأكبر محمول على الأوسط كلّه ، والأوسط يحمل على 
الأصغر كله » - يريد : والسبب فى أن لا يعرض فى التعاليم غلط أن الحد الأوسط  
فيها يوجد مرتين من غير أن يعرض فيه غلط ، فيظن بما ليس بواحدٍ أنه واحد . وإذا 
أُخِذ الحد الأوسط مكرراً مرتين ، لم يكن هناك موضع للغلط . وذلك أن الحدّ الأكبر 
إذا حمل على كل الأوسط ، والأوسط على كل الأصغر ، وكان الحدّ الأوسط بهذه 
االصفة ، فإنه يلزم عن ذلك ضرورةً أن يكون الحد الأكبر محمولاً ولا بد على 
الأصغر . فليس يعرض فى التعاليم - لهذا السبب - غلط . 

وقوله : « فأما المحمول فلا يقال عليه « كل » » - يريد أنه ليس من شرط الانتاج 
أن تشترط الكلية فى محمول المقدمتين المأخوذتين فيه . وإنما الكلية شرطٌ فى 
الموضوع . 

ولما ذكر أن الغلط فى القياس ليس يعرض فى التعاليم من قِبَل أن الحد الأوسط 
فيها يكون مكرراً فى اللفظ والمعنى ، وأنه ليس يعرض من الغلط [٦٤ ب ] فى 
التعاليم ما يعرض فى سائر العلوم - أتى بالسبب فى ذلك فقال : « وهذه حاله فى 

[Page 339] الذهن كحال المنظور إليه . . » إلى آخر ما كتبناه - يريد : والسبب فى أنه ليس يغلط
الاسم المشترك فى التعاليم حتى يظن أن الحد الأوسط مضاعف فى القياس وليس 
مضاعفاً : أن الأمور التعاليمية هى فى الذهن كحال المنظور إليها خارج الذهن ، أى 
هى عند المبرهن بمنزلة المحسوسات عند الحسّ . والسبب فى ذلك أن الذهن يجرّدها  
من الهيولى . فلمكان كونها بهذه الحال من الذهن فى حين النظر فيها ليس يعرض  
للذهن أن يغلط فيها من قبل اللفظ المشترك ، كما ليس يغلط الحسّ فى الأشياء التى 
ينظر إليها ، أعنى الخاصّة به . وذلك أن الذهن إنما يغلط فيتوهم المعاق الكثيرة 
واحدة أكثر ذلك ، من قِبَل أن اللفظ واحد إذا لم تكن فصول تلك المعانى عنده 
بيّنة . والسبب فى ذلك هو مخالطة الهيولى لها ، وإذا لم تخالط الهيولى فليس يعرض 
فيها الغلط ، لأن الذهن تبيّن فصولها ، كما يتبيّن الحسّ وصول الأشياء التى يحسّها 
بالفعل . ومثال ذلك : إنه إن رام رائم أن يغالط المهندس بأن يقول له : أليس كل 
دائرة شكلاً ؟ فإذا قال له : نعم ! قال له : أليس القول الموزون دائرة ؟ يريد أن 
يغالطه فيلزم أن القول الموزون شكل - فإنه من ساعته يبادر فيقول له أن القول 
الموزون ليس دائرة بالمعنى الذى شرحنا الدائرة فى صناعة الهندسة . وليس تذهب 
عليه هذه المغالطة ، لأن رسم الدائرة الهندسية قائم فى ذهنه ينظر إليه ، يعنى ما 
قيل فيها من أنها شكل يحيط به خط مستدير فى داخله نقطةٌ كلُّ الخطوط التى تخرج 
منها إلى المحيط متساوية . فقوله : « فيقال له : القول الموزون هو دائرة وليس هو 
شكلاً » - يعنى أن المهندس يقول له ذلك السائل . وقوله : « بأن رسم الدائرة له رسما 
ظاهراً » - يريد : أن من قِبَل ظهوره ليس تذهب هذه المغالطة على المهندس . 
قال أرسطاطاليس :   

[Page 340] المقدمات الكلية . والمقدمة الكلية هى التى تجتمع فيها شروط الكلى . فالمعاندة
كذلك يجب أن تكون صورتها ، لأن المعاندة والمقدمة هو شىء واحد : فالمعاندة هى 
مقدمة ، والمقدمة هى إما برهانية ، وإما جدلية . » 
التفسير 
يقول : وليس ينبغى أن يكون العناد البرهان فى الصنائع عناداً جزئياً ، أى 
بالنقيض لكن بالضد . ولما كان العناد الذى يكون بالاستقراء يكون 
بمقدمات  < جزئية > أخذ بدل الجزئيات : الاستقراء < وقال : وليس > ينبغى 
أن يعاند بمقدمات استقرائية ، لأن البرهان أنما هو من المقدمات الكلية » - يريد : أنه 
ليس ينبغي [ ٦٥ أ ] للمعاند على طريق البرهان أن يقتصر على معاندة جزئية . 
وذلك أن الإبطال الذي يكون بهذه الصفة يكون قد أخذ في قياسه مقدمة جزئية . 
والقياس البرهاني ليس وحده فيه مقدمة جزئية . ولا فرق بين البرهان المثبت والمبطل 
في كونه بصفةٍ واحدة . 

وقوله : « والمقدمات الكلية هى التى تجتمع فيها شروط الكلى » - يريد : وأعنى 
بالمقدمات الكلية : التى تجتمع فيها شروط الكلى ، لا الكل الذى حُدّ فى كتاب 
« القياس » . وإنّما قال ذلك ليَفرّق بين المعنيين ، أعنى الكلى المستعمل هاهنا ، 
والكلى المستعمل فى كتاب « القياس » . 
وقوله : « والمعاندة كذلك يجب أن تكون صورتها » - يريد أن المعاندة لما كانت 
قياساً برهانياً ، ولكن البرهان دائماً يأتلف من المقدمات الكلية ،  < فإن المعاندة >
يجب أن تتألف من المقدمات الكلية .

وقوله : « وكذلك يجب أن تكون صورتها لأن المعاندة والمقدمة شىء واحد » - 

[Page 341] يريد أن المقدمة المستعملة فى المعاندة ، والمقدمة المستعملة فى الإثبات هى واحدة
بعينها . وإنما تسمى مُثبتة أو مبطلة بالإضافة إلى النتيجة . 

وقوله : « فالمعاندة هى مقدمة ، والمقدمة إما برهانية ، وإما 
جدلية » - يريد : فيلزم من ذلك أن تكون المعاندة تنقسم بهذين القسمين : أعنى أن 
يكون منها جدلية ، ومنها برهانية ، فتكون فى البرهانية شروط البرهان ، وفى الجدلية 
شروط الجدل . 

قال أرسطاطاليس :  
« وقد يعرض الغلط فى بعض الأمور بسبب صورة القياس ، إذا ما أُخِذ  
الأوسط محمولاً على الحاشيتين بالإيجاب ، مثلما فعل قانايس عند تبيينه أن النار 
[ 78 a]* بالتباين ذات أضعاف كثيرة ، فإنه قال إن النار تولدها سريع ، والذي 
هو بالتناسب كثير الأضعاف تولّده سريع . فعلى هذا الوجه لا يكون قياس ؛ اللهم 
إلاّ أن تكون الحدود كثيرة الأصناف ينعكس بعضها على بعض حتى يكون ما 
بالتناسب كثير الأضعاف ينعكس على الذي يتولد سريعاً ، وتكون النار تنعكس على 
الذي تولده سريعاً . ففي بعض الأوقات يمكن أن يعمل قياسٌ من هذه المقدمات ؛ 
وفي بعض الأوقات لا يمكن . » 

التفسير 
لّما عَرّف أن الغلط قد يقع فى العلوم من قِبَل المقدمات أنفسها ، مثل أن يظن 

[Page 342] أن الحد الأوسط هو واحد بعينه فى المقدمتين اللتين يؤلف منهما القياس ، وليس هو
واحداً بعينه ، وأن ذلك ليس يَعْرض فى التعاليم إلاّ فى القليل - أخذ يذكر أن الغلط  
أيضاً قد يقع فى العلوم من قِبَل شكل القياس ، مثل إنتاج نتيجة من موجبتين فى 
الشكل الثانى ، وهو الذى يدلّ عليه بقوله : « إذا ما أخذ الأوسط محمولاً على 
الحاشيتين » - يعنى بالحاشيتين : الطرف الأكبر والأصغر [٦٥ ب ] ، أعنى موضوع 
المطلوب ومحموله ، ثم تمثل فى ذلك بما عرض من ذلك لرجل ، مشهور عندهم من 
القدماء . وذلك أن هذا الرجل لما رأى النار تتزيّد سريعاً ، أعنى تَعْظُم 
سريعاً ، وكان عندهم أن ما يعرض فى الموجودات الطبيعية سببه ما يعرض فى الأمور 
التعاليمية ، إذ كانت الطبيعية عندهم مركّبة من التعاليمية ، وكان يعرض فى الأمور 
التعاليمية بنسبة الضِّعْف أن يتزيّد منها العدد سريعاً تزيُّداً يفوق في ذلك سائر النِّسَبَ  
، كما يقال فى الرجل الذى سأل بعض الملوك أن يعطيه جائزة بعدد تضيف بيوت  
الشطرنج من الحبوب . فاستحقر ذلك الملك . فلما أجابه حَمَل عليه من ذلك هبة 
عظيمة . فهذا الرجل - كما قال - ولّف قياساً هكذا :  
النار تتولد سريعاً  
ونسبة الضِّعْف تتولد سريعاً  
فالنار مؤلفة من نسبة الضّعْف .  

وقوله : « فعلى هذا الوجه لا يكون قياس » - يعنى : منتج ، ولا بدّ ، فى كل 
مادة - على ما تبينّ فى كتاب « القياس » . ولما كان هذا التأليف قد ينتج فى الموجبات 
المنعكسة ، أعنى المقدمات التى محمولاتها خواص أو حدود ، قال : « اللهم إلا أن 
تكون الحدود ينعكس بعضها على بعض » . ثم أتى بمثال الانعكاس من القياس الذى 
عَرَض فيه الغلط لهذا الرجل فقال : « حتى يكون ما بالتناسب كثير الأضعاف ينعكس  
على الذي يتولد سريعاً » - يريد : ولا يصح لمن يريد أن ينتج من هذا القياس أن النار  
كثيرة الأضعاف حتى يصحّ له عكس المقدمة القائلة إن الكثير الأضعاف يتولد سريعاٍ 
وهى : كل ما يتولد سريعاً كثيرُ الأضعاف .فإنه إذا صحّت هذه المقدمة ، أضفنا إليها 
أن النار تتولد سريعاً . فأنتج لنا من ذلك في الشكل الأول بأن النار كثيرة  
الأضعاف ، أى تتولدّ من الأعداد التى هى على نِسَب الضّعف . 

[Page 343] 
وأما قوله : « وتكون النار تنعكس على الذى تولدُّه سريعاً » - فإن هذا العكس
ليس يحتاج إليه من يريد أن ينتج من هذه المقدمات أن النار كثيرة الأضعاف . وإنما 
يحتاج إلى هذه من يريد أن ينتج أن : كثير الأضعاف نارٌ . وكأنه إنما أومأ بهذا أن هذا 
العكس يحتاج إليه من قصد أن يبيّن أن هذا إنما هو حدّ النار ، إذ كان الحدّ من شرطه 
أن يكون منعكساً على الحدود . 

وقوله : « ففى بعض الأوقات يمكن أن يُعْمل قياسٌ من هذه المقدمات ، وفى 
بعض الأوقات لا يمكن » - يعنى بالأوقات التى يمكن أن يعمل فيها من الموجبات قياس 
فى الشكل الثانى ، إذا اتفق للقائس فى ذلك الوقت أمران اثنان : أحدهما أن تكون 
تلك المحمولات التى أخذ فى مقدماته منعكسة . والثانى أن يعمل أنها منعكسة : إمّا 
بعلم أولٍ ، وإما بقياس . وبالوقت الذى لا يمكن فيه ذلك : إذانقص القائس 
شرطاً واحداً من هذين أو كليهما . ولما كان [٦٦ أ] الغَرَض من القياس المنتج 
بصورة أن يكون منتجاً فى كل مادة ، لم يحفل أرسطو بموجبتين فى الشكل 
الثانى ، وعدّها من الضروب الغير منتجة ، لأن الأنتاج فيها ليس مِنْ قِبَل صورة 
القياس ، إنما هو من قِبَل مقدماته ، فهو شىء عارضٌ لصورته . 
قال أرسطاطاليس : 
« ولو لم يكن تبينّ الصدق من مقدمات كواذب ،لقد كان التحليل بالعكس 
سهلاً ، من قبل أن النتائج والمقدمات كان انعكاسهما يكون بالتساوى . مثل  
أنه : إذا كانت النتيجة التي عليها علامة « أ » صادقة تكون المقدمات التي تبين بها 
وهي التي عليها علامة « ب » صادقة . وإذا كانت هذه صادقة ، تكون تلك  
صادقة . » 
التفسير 
يقول : وإنما كان يصحّ أن يكون الشكل الثانى يُنْتَج فيه من موجبتين بصورته  

[Page 344] لو كانت جميع المقدمات الصادقة منعكسة . ولو كانت منعكسة ، لما أمكن أن يبين
شىء صادق من مقدمات كواذب . ولو لم يمكن أن يبن شىء صادق من مقدمات 
كواذب ،لقد كان التحليل بالعكس أسهل . يعنى بالتحليل بالعكس : تحليل  
المطالب إلى المقدمات الأول التى فيها تتبيّن تلك المطالب . وإنما سمىَ : « التحليل 
بالعكس » ، لأن التحليل صنفان : تحليل الأشياء إلى غير الأشياء التى تركّب منها 
الشىء بالطبع ، وتحليل إلى الذى تركب منها بالطبع . وهذا التحليل هو الذى يصدق 
عليه عكس التركيب ولذلك قيل فيه إنه تحليل بالعكس ، أى بعكس 
التركيب ، ليُفْصَل بينه وبين التحليل الآخر . 

ولما أخبر أنه لو كانت المقدمات كلها منعكسة ، أعنى الصادقة ، لكان التحليل 
بالعكس سهلاً ، وكان يكون الاستنباط سهلاً - أتى بالسبب فى ذلك فقال : مِنْ قِبَل  
أن النتائج والمقدمات كان انعكاسها يكون بالتساوى ، يعنى أنه كان يلزم متى وجدت 
نتيجة ما عن مقدمات صادقة أن تكون تلك النتيجة متى وُجدت لزمِ عن وجودها 
تلك المقدمات . ولو كان الأمر كذلك ، لكان وجود المقدمات عن فرْض النتيجة 
سهلاً ، أعنى المقدمات المُثَبتة أو المْبطِلة ، فكان يكون استنباط القياس على جهة 
التحليل سهلاً . وذلك أن وجود المقدمات الصادقة لما كان يكون أمراً بيّناً بنفسه عن 
وجود نتيجتها ، كان متى فرضنا نتيجة ما لزم ضرورة أن نقف على المقدمات التى تلزم 
عنها أولاً تلك النتيجة . ثم إن لم تكن تلك المقدمات أيضاً أولية ، وقفنا منها أيضاً 
بسهولة على المقدمات التى تلزم عنها تلك المقدمات بسهولة . وهكذا حتى ننتهى إلى 
الآوائل . أمّا والأمر بعكس ذلك ، أعنى أنه ليس يلزم عن وضع النتيجة المقدمات 
الصادقة التى ينتجها ، فقد [٦٦ ب ] يجب علينا عكسُ هذا وهو : إذا فرضنا نتيجة 
ما ، أن نطلب المقدمات التى تلزم عنها تلك النتيجة . ولأنّ هذه أكثر من مقدمة  
واحدة ، كان وجودها عسيراً ، ولاسيمّا أن الأمر فيها بالعكس على ما كان يكون عليه  
الأمر لو كانت المقدمات تلزم النتيجة وذلك أنه متى وضعنا النتيجة معروفة ، كانت 
تظهر لنا المقدمات على الفور . لآن الأمر بالعكس ، أعنى متى وضَعْنا المقدمات  
تظهر لنا النتيجة ، ولأن المقدمات التى بهذه الصفة غير معروفة لنا ولا محدودة ، عَسُر  
وجوُدها ، فعَسُر علينا وجود النتيجة ، بخلاف الأمر لو لزمت المقدمات النتيجة 

[Page 345] المفروضة ، فإن مِنْ قِبل كونها مفروضة ، كانت تظهر لنا المقدمات ظهوراً
بيناً . وهذا معروف بنفسه . 
قال أرسطاطاليس :  
« وتخالف التعاليمُ للجدل من قِبَل أن التعاليم التحليلُ بالعكس فيها يكون  
أسهل ، وذلك أن المحمول منها ليس بعَرَضٍ ، لكن حدودٌ . وقد تخالف أيضاً 
الأمورُ التعاليمية للأمور الجدلية من قِبَل أن التعاليم لا تزيد بالأوساط ، لكن 
تزيُّدها يكو بأن يوجد الشىء الذى قد تبرهن فيبين به ما بعده ما يوجد « أ » التى قد 
تبينت بها « ب » ؛ و « ب » يتبين بها « ج » و « ج » يتبيّن بها « د » . وعلى هذا المثال دائماً . 
أو بالفَرْض ، مثلُ أن يُجْعَل الذى عليه علامة « أ » الكم أو غير المتناهي ؛ ويُجْعَل ما  
عليه علامة « ب » العدد المفرد على الإطلاق ، أىّ عدد فرد كان ، وما عليه علامة 
« ج » هو العدد المفرد . ف « أ » إذن على « ج » . وليكن أيضاً العدد الزوج على الاطلاق 
أو أىّ عدد كان ، ما عليه علامة « د » ، وهذا العدد الزوج ما عليه « ه » . ف « أ »  ،
إذن على « ه » . »  
التفسير 
لما بَيّن أنه لو كانت المقدمات منعكسة لكان التحليل بالعكس سهلاً ، أخذ 
يعرّف أن لهذه العلة كان التحليل فى التعاليم أسهل منه فى الجدل ، من قِبَل أن 
المقدمات التعاليمية هى - أكثر ذلك - حدود ، والحدود منعكسة . 

فقوله : « وقد تخالف التعاليم للجدل . . . » إلى قوله : . . . وذلك أن 
المحمول ليس بعَرَض ، لكن حدود » - يريد : ولهذا المعنى خالفت التعاليمُ الجدل فى 
كون التحليل فى التعاليم أسهل منه فى الجدل ، وذلك أن المقدمات فى التعاليم هى 
حدودٌ منعكسة ، وفى الجدل : أعراضٌ عامة ، والأعراض غير منعكسة .  
وقوله : « وقد تخالف أيضاً الأمور التعاليمية للأمور الجدلية من قِبَل أن التعاليم 

[Page 346] لا تتزيّد بالأوساط » - يريد : وقد تخالف التعاليمُ الجدلَ فى عمل القياس فيها ، من
قبل أن المقدمات المستعملة فى البيانات التعاليمية ليس تتكثر بالأوساط ، وذلك أن 
المقدمات التعاليمية هى مقدمات غير ذوَات [٦٧ أ ] أوساط . وأما التى تستعمل فى 
الجدل فقد تكون مقدمات ذوات أوساط ، مثل أنه إن تبيّن مطلوبٌ ما فى الجدل بعدة 
مقدمات ما ، وتبين فى التعاليم بمقدمات على عِدّتها ، فإن المقدمات قد تكون فى تلك 
المقاييس الجدلية أكثر ، مِنْ قِبْل أنها قد تكون مقدمات ذوات أوساط ، فتكون 
مقدمات ذلك المطلوب فى الجدل أكثر منه فى التعاليم .    

ولما ذكر أن المقاييس البرهانية تخالف الجدلية فى هذا المعنى ، من قِبَل أن 
مقدماتها ليست ذوات أوساط ، أخذ يعرّف كيف يكون التزيُّد فى المقدمات التى ليس 
يوجد بينها وسط ، وهو التزيد الذى يكون فى البرهان فقال : « لكن تزيُّدها يكون بأن 
يوجد الشىء الذى قد تبيّن فتبين به ما بعده ، بمنزلة ما توجد « أ » التى قد تبينت 
فتبين ، بها « ب » ، و « ب » يتبين بها « ج » ، و « ح » يتبين بها « د » ، وعلى هذا المثال 
دائماً » - يريد : وأمّا تزيّد المقدمات فى البرهان فهو تزيّد ليس يُلْفي فيه وسط ، من 
قِبَل أنه تبيّن فيه شىء ما ، مثلاً ، بمقدمتين غير ذواتى وسط ، ثم يُبَيَّن بذلك الشيء المبين 
شىء آخر غيره : إما بأن يفرز إلى ذلك الشىء المنتج شىء آخر مثله ، أعنى : شىء 
تبيّن أيضاً عن مقدمتين غير ذواتى وسط ، وإما أن تقرن به مقدمة غير ذات وسط ،  
أى معروفة بنفسهما ، فينتج عنها نتيجة ، ثم تؤخذ هذه النتيجة فيُفعل بها مثل ما 
يفعل بالأولى . وليس يعنى بقوله : « بمنزلة ما توجد « أ » التى قد تبينت فتبين بها  
« ب » ، و « ب » تبين بها « ج » ، أن مقدمة واحدة يتبيّن بها شىء واحد ، وإنما يعنى 
بمنزلة ما توجد « أ » التى قد تبينت فتبيّن بها مع ما هو بيّن بنفسه أو قد تبيّن بغيره . 
ويحتمل أن يكون أخذ « أ » بدل القياس ، و « ب » بدل النتيجة . إلاّ أن قوله : 
« و « ب » تبين بها ح » » ليس يكون أيضاً على ظاهره ، أذْ كانت النتيجة عن مقدمة 
واحدة . والبيان إنما يكون بمقدمتين . فلا بد أن يقدر فى قوله محذوف ما . . 

[Page 347] 
ولما فرغ من تمثيل ما بعد المبين الأول ، شرع كيف يبين المبين
الأول ، فقال : « مثل أن يجعل علامة « أ » : الكم ، أو غير المتساوى ، ويجعل ما عليه 
علامة « ب » العدد الفرد على الإطلاق ،أَيْ أىّ عدد كان ؛ وما عليه علامة « ح » هو 
العدد الفرد . ف أ إذن على ج » - يريد : وجهة تبيُّنها الأول من غير وسط الذى نجعله 
أصلاً لما بعده من غير وسط هو أن نأخذ بدل المحمول المبين الأول ، أعنى النتيجة  
الأولى ، و « أ » بدل الحدّ الأوسط « ب » ، وبدل الحد الأصغر « ح » . ثم وضع بدل 
« أ » من المواد : الكم ، وبدل « ب » العدد الفرد بإطلاق ، وبدل « ح » هذا العدد 
الفرد المشار إليه - كأنك قلت : السبعة ، ليظهر الأمر أكثر ، فيأتلف قياسه هكذا : 
السبعة عدد فرد . 

والعدد الفرد كم 
فينتج أن السبعة كم 
وإنما مثل بهذه [٦٧ ب ] المقدمات لأنه ليس بينها وسط . وإنما أراد أن 
البرهان يستعمل الأوساط فى ضروب كثيرة من القياس ، مثل أن نستعملها فى 
شكلين ، أو أكثر من شكلين . وليس يستعمل فى القياس الواحد أوساط يدخلها بين 
مقدمات القياس . وإنما قال : « أو بالعَرَض » لأنه إذا فُرِض شىء ما تبين به نتيجة ما 
بالشكل الثانى والثالث . فقد تبين أن النتيجة المقصوده أولاً بالشكل 
الأول ، تستعمل فى المطلوب الأول الثلاثة الأشكال . ثمّ قد تكرر الأشكال فى ذلك  
، وهذه كلها من مقدمات غير ذات أوساط . وأما الجدل فقد يستعمل بين المقدمات 
التى ينبنى منها القياسُ الواحد أوساطاً . 

١٣ - <معرفة الوجود ومعرفة السبب>

قال أرسطاطاليس : 
« وقد يخالف البرهان على « أن الشىء موجودٌ » للبرهان « فَلِم هو موجود » . 

إما أولاً ففى علم واحد بعينه . وهذا فعلى وجهين . أحد الوجهين هو أن البرهان 

[Page 348] على أن الشىء يكون من مقدمات ذوات أوساط . وهذا ليس توجد فيه العلة القريبة .
والبرهان ب « لمَ الشىء ؟ » يكون بالعلة القريبة . » 
التفسير 
لما عرّف شروط المقدمات البرهانية فى البرهان المطلق ، وعَرَّف أنواعها  
وكذلك المسائل - يريد أن يعرّف الفرق بين شروط مقدمات البرهان المطلق  ،
وبراهين الوجود فقط ، وهى التى تسمى الدلائل . وينبغى أن يُعْلَم أن البراهين 
ثلاثة أنواع : البرهان المطلق ، وهو الذى يعطى الوجود والسبب ؛ وبرهان الوجود 
وهو الذي يعطى الوجود فقط ؛ وبرهان السبب ، وهو الذى يعطى السبب فقط  ،
إذا كان الموجود معلوماً . 

وكون البراهين تنقسم إلى هذه الثلاثة أقسام - أمرٌ معروف بنفسه ، فإن الشىء 
المجهول إنما يبين بشيء بينه وبينه وصلة ذاتية . ولما كانت الوُصَل الذاتية 
وصلتين : إمّا وصلة شىء متقدم على الشىء ، وإما وصلة متأخر عن 
الشيء - وجب أن يكون الشىء إنما يبين وجوده إمّا بأمرٍ متقدم عليه يعطى سببه 
ووجوده ، وإما بأمرٍ متأخر عنه يعطى وجوده فقط . وأما براهين الأسباب 
فقط ، وهى التى تأتلف من الأسباب التى تلزم وجود المسّببات بالضرورة ، فليس 
يلزمها المسّببات . ولذلك إذا وُضِعت المسّببات موجودة ، لزم أن تكون تلك الأنواع 
من الأسباب أسباباً لها . وسنلخّص أىّ الأسباب هى . وأما البراهين المطلقة فهى 
تأتلف من الأسباب التى يلزمها المسببات بالذات . وهذه القسمة للبراهين هى أمرٌ 
معلوم بنفسه مُجْمَع عليه عد أهل هذه الصناعة ، إلا ابن سينا : فإنه أنكر برهان  
الوجود ، وزعم أنه برهان غير صحيح . واعتمد فى ردّ ذلك بأن قال : أن الأمور  
المتأخرة عن الأمور المتقدمة المركبةِ ليس يوقف على كونها ذاتية للأمور المتقدمة ، إلاّ 
إذا وُقِف على السبب الذى مِنْ قِبله [٦٧ أ] وُجِد المتأخر عن المتقدم . مثال 

[Page 349] ذلك : أنه ليس يمكننا أن نقف على كون التزيَّد فى ضوء القمر بشكل هلالىّ ذاتياً
له ، ما لم نقف على السبب فى ذلك ، وهو كونُ القمر كُرِيّ الشكل . وإذا كان الأمر 
كذلك ، فليس يصحّ لنا بيان أن شكله كرىّ من قِبَل أن ضوءه يزيد بشكل 
هلالى ، إذ كان التزيّد أعرَف ، والشكل أخص . وأما لو كان الأمر بالعكس ، لقد  
كان يتفق فى ذلك برهانٌ يعطى الوجود والسبب معاً ، أعنى أنه يبين أن ضوءه 
متزيّد بشكل هلالى ، من قِبَل أنه كرىّ الشكل . ويقول إنه متى لم يشعر بهذا المعنى 
فى حمل الأعراض على موضوعاتها ، لم يكن فرقٌ عندنا بين المقدمات التى تؤلّف من 
الأعراض الذاتية ، أعنى التى محمولاتها أعراضٌ ذاتية ، وبين المقدمات التى تؤلف 
من الأعراض التى شوهد بالحسّ أنها فى جميع الموضوع من غير أن يشعر 
بالنسبة بينها وبين الموضوع . مثال ذلك قولنا : كل غرابٍ أسود ، وكل ثلج  
أبيض . فإن هذه الاعراض ليست ذاتية ولا ضرورية ، إذ كان لا يمتنع أن يوجد 
غراب أبيض ؛ وأمثال ذلك : لو نشاأ إنسانٌ فى بلاد ليس فيها أَسوَدُ ولا سُمِع 
به ، لقد كان يقطع بمثل هذا القطع أن : كل إنسان ابيض . فإذا كان الاستقراء غير 
كافٍ فى كون العَرَض ضرورياً لموضوعه ، فباضِطرارٍ ما يجب ألاّ يوقف على العَرَض 
أنه ذاتى للموضوع ما لم نقف على سببه . وما كان سببه هو المطلوب ، أعنى أنه 
مجهول ، لزم ألاّ تكون مقدمات الدلائل ذاتية . وإذا لم تكن ذاتية ، لم تكن  
براهين . وكذلك يشبه أن يقال فى الصنف منها الذى يأتلف من الأسباب البعيدة . 

فنقول نحن : أما أن التصديق ، الذى يكون موجود العرض الذاتى 
لموضوعه من قبل السبب الخاص به ، هو أتم تصديقاً من التصديق بالعرض الذاتى 
الذى يوجد للموضوع من قبل طبيعة الموضوع - فذلك أمرٌ واجب . . وأما 
< أننا > لا نشعر بكون العرض ذاتيّاً للموضوع إلاّ متى شعرنا بسبب وجوده فى 
ذلك الموضوع فذلك أمر غير صحيح بل قد نشعر بكون العرض ذاتياً من قِبَل 
انحصاره فى طبيعة الموضوع ، وذلك إما فى الموضوع نفسه ، وإما فى جنسه    

[Page 350] 
الذاتى ، أعنى أن نشعر بانحصار العَرَض ومقابله فى جنس الموضوع القريب ، أعنى
الذى ينقسم بذلك العرض ومقابله فبنسبه أولاً على ما قيل قَبْلُ فى رسم الأعراض  
الذاتية . والدليل على ذلك أنه يكتفى فى حدود أمثال هذه الأعراض بأن يوجد فيها  
الموضوع ، وإن لم يظهر سببه . وهذا هو الفرق بين المقدمات الذاتية
  والاستقرائية ، أعنى أنه متى لم يشعر الذهن بضرورة أخذ الموضوع فى حدّ  
العَرَض ، كانت المقدمة استقرائية ولم يؤمن أن يوجد موضوعها فى وقتٍ ما خالياً من  
ذلك العَرَض . ولكن ، كما قلنا ، اليقين بذلك هو [٦٨ ب ] دون اليقين الذى  
يحصل من قِبَل شعورنا بنسبه فى ذلك الموضوع . ومن قِبَل هذا ، صارت براهين  
الدلائل أنقص فى التصديق بالوجود من البراهين . لكن وإن كانت أنقص  
منها ، فليس النقصان العارض لها مما يخرجها أن تكون من جنس البراهين وإنما لم  
نَقْل إنّ سواد الغراب ذاتى للغراب ، ولا بياض الققنس للققنس ، من قبل أنه  
ليس السواد محصوراً فى طبيعة الغراب ولا فى جنسه القريب الذى هو الحيوان . ولو  
كان محصوراً فى جنسه ، لكان من الأعراض الذاتية له ولقطعتّ النفس أن كل غراب  
أسود ولا بد . فلذلك وجب فى أمثال هذه الأشياء ألا تشعر النفس بالذاتية فيها حتى  
تشعر بالسبب ولذلك ما يقول إنه لو نشأ إنسان على المجرى الطبيعى من بلاد البيض  
بحيث لا يرى أسود ولا يسمع به ، لما قطع قطعاً أنه واجب أن يكون كلُّ إنسان  
ابيضَ وإن كان لم يحسَّ بعد إنساناً اسود . فابن سينا إنما غلّطه ما وجد بين اليقينين  
من التفاوت : أعنى الذى يكون من قِبَل الشعور بوجود العَرَض الذاتى للموضوع من  
قبل سببه ، ويوجد له من قِبَل انحصاره فى الموضوع . فظنّ أن انحصاره فى الموضوع  
ليس يفيد يقيناً ، وأنه لا فرق بينه وبين المقدمات الاستقرائية التى تستوفى فيها جميع  
أنواع الموضوع من غير أن يشعر الذهن بالنسبة الذاتية بينهما . بل نقول إن الذهن لا  
يقطع بأن العَرَض محصور فى طبيعة الموضوع ، إلاّ وقد نشك أن هنالك شيئاً هو  
السبب فى انحصار ذلك العَرَض فى ذلك الموضوع ، وإن كان بعدُ لم يقف عليه ما  
هو . ولذلك يطلب معرفته بسببه .

[Page 351] 
وإذ قد تبين هذا ، فلنرجع إلى حيث كنّا من الشرح : « وقد يخالف البرهان
ب « أن الشىء » البرهان « فلم هو موجود » . أما أولاً ففى عمل واحد بعينه . وهذا فعلى  
وجهين » - يريد : وقد يخالف البرهانُ الذى يعطى وجود الشىء البرهان لذى يعطى  
سببه نوعين من المخالفة : أحدهما المخالفة التى تكون بينهما فى علم واحد ، وهى  
المخالفة التى فى طبيعتهما ، والآخر المخالفة التى تكون بينهما إذا كان أحدهما فى  
علم ، والآخر فى علم آخر . أعنى أن يكون الذى يعطى وجود الشىء فى
  علم ، وسببه فى علم آخر . وإنما تكون المخالفة كما قال فى علم واحدٍ بوجهين ، من  
قِبَل إن برهان الوجود نوعان : أحدهما أن البرهان على « أن الشىء » ، أى الذى  
يعطى وجوده فقط ، النوعُ الواحد فيه يأتلف من أسباب بعيدة ؛ وبراهين الأسباب  
تكون من مقدمات هى أسباب قريبة . فبهذا النوع من المخالفة ، يخالف هذا النوعُ  
من براهين الوجود براهين الأسباب . وهو الذى أراد بقوله : « على أحد
  وجهين : أحد هما هو أن البرهان على « أن الشىء » يكون من مقدمات غير ذوات  
أوساط ، وهذه ليس تدخل فيها العلة القريبة . »  
قال أرسطاطاليس :  
« والوجه الآخر هو البرهان على أن الشىء موجود ، وإن كان من مقدمات غير  
ذوات أوساط سوى أن الوسط يكون فيه من المعلولات المتعاكسة على عللها  
بالتساوى ، أو تكون بأشياء هى أعرف . وذلك أن البرهان على أن الشىء ليس  
بشىء يمنع من أن يكون من المعلولات التى هى أعرف من عللها ، أو من المؤثرات  
التى هى منعكسة على عللها بالتساوى - بمنزلة البرهان على أن الكواكب المتحيرّة  
قريبةٌ منا ، من قِبَل أنها لا تلمع . فليكن الذى عليه « ج » : المتحيّرة ، و الذى عليه  
« ب » : أنها لا تلمع ، والذى عليه « أ » : قريبة منا : فالقول بأن « ب » على « ج »  
حق . وذلك أن المتحيرة لا تلمع [ 78 b]* . وكذلك « أ » على « ب » حق ، فإن الذى  
لا يلمع قريبٌ منا . وهذه المقدمة تظهر بالاستقراء ، ومن قِبَل الحسّ . ف « أ » إذن  
موجودة ل « ج » من الاضطرار . فقد تبين الآن أن الكواكب المتحيرة قريبة منا .  

[Page 352] 
وهذا القياس ليس هو على « لمَ الشىء » . لكن إذا كان ليس سبب قربها منّا أنها لا

 تلمع ، لكن من أجل أنها قريبةٌ منا لا تلمع . »  
التفسير  
لمّا عَرف الفرق بين أحد نوعى براهين الوجود ، وهو الذى يأتلف من الأسباب  
البعيدة ، وبين براهين الأسباب - أخذ يعرّف الفرق الذى بين النوع الثانى من برهان  
الوجود ، وبين برهانُ السبب ، وهو الذى يبين فيه الأمرُ المتقدم من المتأخر  
عنه ، أعنى من أعراض الشىء الخاصّة به ، فقال : « والوجه الآخر هو أن البرهان  
على أن الشىء موجود . . . إلى قوله . . أعرف » - يريد الوجه الآخر الذى يخالف  
به برهانُ السبب للنوع الآخر من نوعى برهان الوجود أن هذا النوع من البرهان  
برهان الوجود ، وإن كان يشارك برهان السبب فى كون مقدماتها غير ذوات  
أوساط فهو يفارقه فى أن الوسط فيه يكون معلولاً ، لا علة . وذلك أيضاً من  
المحمولات الخاصّية ، أى التى تنعكس فى الحمل على عللها ، وذلك متى كانت هذه  
المعلولات اعرف عندنا من العلل . وإنما اشترط فى المعلول أن يكون خاصّاً  
بالعلة ، لأنه إذا كان عامّاً لم يلزم عن وجوده التقدم ؛ وذلك أن اللزوم فى هذا الباب  
بين المتقدم والمتأخر ، والعلة والمعلول ، يوجد على ثلاثة أنحاء : إما أن يلزمَ كل  
واحد منهما صاحبه لزوماً متساوياً - وهذا إذا كان المعلول أعرف عندنا من  
العلة - ائتلف فيه برهان وجودٍ فقط . ثم قد يمكن أن نأخذ العلّة فنبرهن بها سبب  
وجود المعلول للموضوع ، فيكون هنالك برهان سببِ فقط ، مثلما يأتى من بيان  
أرسطو بعدُ .  

وأما إذا كانت العلّة اعرف عندنا من المعلول فإنه إنما يتأتى فى هذا الصنف  
[٦٩ ب ] برهان مطلق فقط . وأما النحو الثانى من اللزوم فهو أن يلزم المتأخر عن  
المتقدم ، أعنى المعلول عن العلّة . وليس ينعكس الأمرُ . وهذا الصنف ليس يتأتى  
فيه إلاّ برهان مطلق ، وذلك إذا كانت العلّة أعرف . وإن لم تكن أعرف لم يتأت هالك  
برهان أصلاً ، وإن كان المعلول أعرفَ عندنا ، إذ كان ليس يلزم وجود الخاص  

[Page 353] عن وجود العام فى الأمور المتلازمة ، كما قيل فى غير ما موضع
وأما النحو الثالث من اللزوم فهو عكس هذا ، وهو أن يكون المتقدم يلزم عن  
المتأخر ،أعنى العلة عن المعلول . ولا ينعكس . وهذا إنما يتصور فيه برهانُ دليل  
فقط .  

فلما قال إن الذى يفارق به هذا النوع من الدليل برهان السبب أن الوسط  
يكون فيه من المعلومات المنعكسة على عللها بالتساوى ، إذا اتفق أن تكون المعلولات  
التى بهذه الصفة أعرف من العلل - قال : « وذلك أن البرهان على أن الشىء ليس  
يمنع من أن يكون من المعلولات التى هى أعرف من عللها ، أو من المعلولات التى  
هى منعكسة على التساوى » - يريد : وذلك أن البرهان الذى يعطى وجود الشىء  
ليس مانعٌ يمنع وجوده إذا اتفق أن كان المعلول ينعكس على عِلّته بالسواء ، اى متى  
وُضِع موجوداً لزم وجود عِلته وكان مع ذلك المعلول أعرف عندنا من العلة .  

ثم أتى بمثال ذلك من المواد فقال : « بمنزلة البرهان على أن الكواكب المتحيرة  
قريبة منّا ، من قبل أنها تلمع » - يريد : بمنزلة أن يُبيّن مبينٌ أن الكواكب الراجعة  
قريبة منا ، أى أقرب منا من الثابتة ، من قِبَل أنّ نراها لا تضطرب عند النظر إليها  
بمنزلة ما تضطرب الكواكب الثابتة ، وهو الذى أراد باللمعان . وذلك أن علّة  
اضطراب الشىء المضىء هو إمّا ضعف البصر ، وإما بُعّد المرئىّ . لكن لما كان هذا  
عارضاً لجميع الناس فى الثابتة دون المتحيرة ، علم أن السبب فى ذلك قرب المتحيرّة . 

فيأتلف برهان الدليل هكذا :  
الكواكب الراجعة لا تضطرب عند النظر إليها  
ومالا يضطرب فهو قريبٌ منا  
فينتح أن الكواكب المتحيرة قريبة منا  

[Page 354] وقوله : « وهذه المقدمة يظهر صدقها بالاستقراء ، ومن قِبَل الحِسّ » - يعنى أن
كل ما لا يضطرب عد النظر إليه فهو قريب منا . وبَيّن أن هذا المثال العلةُ فيه  
والمعلول منعكسان ، كما قال .  

وقوله : « وهذا القياس ليس على « لِمَ الشىء » إذا كان ليس سببُ قربها منا أنها  
لا تلمع ، لكن من أجل أنها قريبة منّا لا تلمع » - يريد : وهذا القياس ليس هو  
برهان سببه ، إذ كان الذى أخذ فيه حدّاً أوسط ليس سبباً للطرف الأكبر، بل الأمر  
. بالعكس : الطرف الأكبر سبب للاوسط وذلك أن اللمعان و الاضطراب الذى أخذ  
فيه حدّاً أوسط ليس هو سبباً لقُرْب الكوكب ، بل الأمر بالعكس ، أعنى أن قرب  
[٧٠ أ] الكوكب هو سببٌ لئلاّ تلمع .  

قال أرسطاطاليس :  
« وقد يمكن أن نجعل الحد الأوسط محمولاً فيكون عند ذلك برهان ب « لِمَ » ،  
والمحمول وسطاً بمنزلة أن يجعل ما عليه « ج » : المتحيرة ، وما عليه « ب » : قريباً  
منا ، وما عليه « أ » أنها لا تلمع و ، ب ، موجوده ل « ج » و « أ » موجودة  
ل « ب » و« أ » موجودة : ل « ج » . ويكون هذا برهاناً ب « لِمَ هو» لأن الوسط فيه علة  
قريبة . »  
التفسير  
لما كان هذا الصنف من برهان الدليل يمكن فيه ، إذا تبيّن وجود العلة لموضوع  
ما بوجود المعلول لها فى ذلك الموضوع ، أن تؤخذ العلة فُتجعل حدّاً أوسط ويبين بها  
وجود علة المعلول فى العلة فيكون ذلك برهان سبب فقط ، إذ من شرط برهان  
السبب أن يكون الوجود فيه معروفاً فقط إما بالحسّ ، وإما بدليل - أخذ يعرّف كيف  
يفرض هذا النوع من البيان فى برهان الدليل فى ذلك المثال بعينه .  

[Page 355] 
فقوله : فقد يمكن أن يُجْعَل الحد الأوسط الذى أُخذ وسطاً فى الدليل محمولاً
فى المطلوب وهو المعلول ، والمحمول فى مطلوب الدليل وسطاً فى القياس وهو  
العلة ، وذلك بعد بيانه بالدليل ، فيعطى سبب وجود المعلول الذى أعطى فى الدليل  
وجوده ، ويكون البرهان حينئذ برهان « لِمَ » ، أى الذى يعطى السبب فقط . وإنما  
يعرض هذان الصنفان من البرهان فى الأشياء التى يجهل فيها وجود العلة فى شىءٍ لأمرٍ  
معلول فى ذلك الشىء عن تلك العلة ، ويكون معلولُ تلك العِلِة معلومَ الوجود  
بنفسه فى ذلك الشىء ، ومعلومٌ وجود تلك العلة لذلك المعلول ، يُبْتَدَأ أولاً فيبين فيه  
وجود العلة لذلك الشىء بتوسط وجود المعلول فيه ، ثم يبينّ علة سبب ذلك المعلول  
فى ذلك الشىء بذلك السبب بعينه . وهذا كثيراً ما يعرض فى العلوم الطبيعية .  

قال أرسطاطاليس :  
« وأيضاً كما يثبتون أن القمر كرىّ يتزيّد أنه ؛ وذلك أن الذى يقبل التزيد  
بهذا الضرب من القبول هو كرىّ ، والقمر يقبل هذا التزيّد . فمن البين أنه كرىّ  
. فعلى هذا النحو يكون قياس أنّه فأما إذا وضع الوسط بالعكس ، فيكون  
القياس على « لمَ هو » . وذلك أنه ليس إنما هو كرىّ بسبب تزيُّده هذا الضرب من  
التزيّد ، لكن من قِبَل أنه كرىّ يقبل مثل هذه التزيُّدات . فليكن القمر عليه علامة  
« ج » ، والكرىّ ما عليه علامة « ب » ولتكن التزيّدات ما عليه « أ » . وأما البراهين  
التى أوساطها معلولات هى اعرف ، وليس ينعكس بالتساوي ، فهى براهين على « أن »  
الشىء ؛ وأما على « لِمَ هو » . »  
[ ٧٠ ب ] التفسير  
هذا مثال آخر من أنواع الدلائل التى يتفق فيها الصنفان جميعاً من  
البراهين ، أعنى : برهان دليل ، وبرهان سبب . وهو إذا كان المتأخر عندنا أعرف  

[Page 356] من المتقدم ، وكان المتقدم منعكساً عليه ، أعنى أن يكون به خاضاً .

فقوله : « وأيضاً كما يثبتون أن القمر كرىٌّ يتزيد أنه » - يريد : ومثال أيضاً ما  
يبرهن منه المتقدم بالمتأخر مثال ما جرت به عادة أصحاب علم الهيئة أن   يثبتوا أن
شكل القمر كرىّ ، من قِبَل أن تزيّدات ضوئه المخصوصة به هى كونها بشكل هلالى  
وقوله : « وذلك أن الذى يقيل التزيُّد بهذا الضرب من القبول هو كرىّ ،  
والقمر يقبل هذا التزيُّد . فمن البيّن أنه كرىّ . وتأليف هذا البرهان يكون :  
القمر يقبل التزيُّد الذى على هذه الصفة  
وما يقبل التزيُّد الذى على هذه الصفة فهو كرى  
فينتج فى الشكل الأول أن : القمر كرىّ الشكل    

وقوله : « فأما إذا وضُع الوسط بالعكس ، فيكون قياس على « لِمَ  
هو » - يريد : فأمّا إذا وُضِع الحد الأوسط بعكس ما وَضِع فى التأليف الأول ، أعنى أن  
يوضع الأوسط فى ذلك التأليف : أكبر ، ويوضع الأكبر : أوسط ، أى المتقدم ، فإنه  
يكون برهان يعطى سبب الشىء فقط . مثال ذلك : القمر كرىّ الشكل . وما هو  
كرىّ الشكل فهو يتزيد ضوؤه هذا الضربَ من التزيّد . فنكون قد وقفنا على السبب  
الذى من أجله كان تزيّده بهذه الصفة ، إذ كان - كما قال - علة تزيّده بهذه لم الصّفة  
هو كونه كرياً ، لا تزيُّده سبباً فى كونه كرّياً . وإنما أخذ بدل هذه الحدود حروفاً  
ليبيّن عموم القول بذلك ، وأن ما ظهر من ذلك لم يعرض من قِبَل هذه المادة التى  
تمثل بها ، وإنما عَرض من قِبَل صورة هذا النوع من البرهان .  

[Page 357] 
و قوله : « فأما البراهين التى أوساطها معلولات هى أعرف ، وليس تنعكس
بالتساوى فهى براهين على « أن » الشىء ؛ وأما براهين على « لِمَ  
هو » - فلا » - يريد : وأما الصنف من برهان الدليل الذى الوسط فيه معلول عن  
الأكبر من قِبَل أنه أعرف من الأكبر وليس ينعكس عليه الأكبر من قِبَل أنه أعمّ منه ،  
فليس يتأتى فى هذه المادة إلاّ برهانُ دليلٍ فقط ، لا برهان دليل وسبب كما يتأن فى  
المادة الأولى . والسبب فى ذلك أن الطرف الأكبر المتقدم أعمّ من الأوسط . فليس  
يلزم عن وجوده وجودُ الأوسط . 
قال أرسطاطاليس :  
« وأيضاً البراهين التى يوضع الأوسط فيها خارجاً عن الطرفين ، فإن هذه  
تكون البراهين فيها على « أن » الشيء . فأمّا « لِمَ هو » - فلا ، إذ كان لم يُؤْتَ بالعلة  
نفسها ، بمنزلة القول : لِمَ لا يتنفسّ الحائط ؟ فيقال : لأنه ليس بحيوان . ولو كانت  
العلة فى [٧١ أ] أنه لا يتنفسّ هو أنه ليس بحيوان ، لكانت العلة فى تنفسه هو أن  
يكون حيواناً وليس الأمر على هذا ، إذ كانت أشياء كثيرة حيوانات ولا تستنشق  
الهواء . وبالجملة إذا كان السبب هو العلة القريبة فى أن لا يكون الشىء موجوداً  
، بمنزلة أن يكون عدم اعتدال الحار والبارد هو السبب فى أن لا يكون الشىء  
صحيحاً ، فإن اعتدالهما هو السبب القريب فى أن يكون الشىء صحيحاً . وعلى هذا  
المثال : أن كانت الموجبة هي العلة في أن يكون الشيء موجوداً ، فإن السلب هو  
السبب فى أن لا يكون موجوداً .  

وأما الأشياء التى وفّيت على هذا الوجه فليس القانون مطرداً فيها ، من قِبَل  
أنه ليس من اجل أنه حيوان - يتنفس . والقياس الكائن بمثل هذه العلة البعيدة  
يتنفس ، وما عليه « ج » : الحائط . ف « أ » موجود لكل « ب » وهو الحيوان ، على ما  
سيبين . و « أ » ولا على شىء من « ج » . فإذن « ب » غير موجودة لشىء من « ج » .  
فالحائط إذن لا يتنفس .  

وقد يجب أن تكون أمثال هذه الأسباب تؤتى على وجه الإغراق فى التبيين .  

وهذا هو أن يؤتى بالأوساط بعد أن تبعد بعداً كثيراً ، مثل قول أنا خرسيس إن  
بلاد الصقالبة ليس فيها الغِناء ، والسبب فى ذلك أنه ليس عندهم كروم .  

فهذا هو قدر الخلاف بين القياس على « أن » الشىء ، وبين القياس على « لِمَ  
الشىء » فى علم واحد وفى أوساطها . »  

[Page 358] يكون فى الشكل الثانى . مثل أن نجعل ما عليه « أ » ؛ حيوانا ، وما عليه « ب » : أنه
التفسير  
هذا النوع من الدليل قد يظن أنه الضرب الثانى من ضربى برهان الدليل  
اللذين صرّح بهما فى أول هذا القول . وذلك أنه ذكر أنهما ضربان : ضرب ينتج فيه  
المتقدمُ بالمتأخر ، وهذا أحقها ببرهان الوجود . والضرب الآخر وينتج فيه المتاخر  
بالمتقدم كالحال فى البرهان المطلق . إلاّ أن الفرق بينهما أن المتقدم فى البرهان المطلقّ  
هو سبب قريبٌ خاص ، وهذا هو سبب بعيد ، أى ذو وسط . وذلك إما خاص ،  
وإما عام . وعلى هذا الظاهر فقد يجب أن يكون هذا النوع من برهان الوجود : منه  
موجب ، ومنه سالب . وإن كان ذلك كذلك ، فَلِم قال أرسطو أن هذا الضرب  
يكون فى الشكل الثانى ، وهو الشكل الذى عناه بقوله : أن يكون الوسط خارجاً عن  

[Page 359] 
الطرفين ، أى محمولاً عليهما جميعاً . فنحن بين أحد أمرين : إما أن نعدّ السالب
الذى يعرض فى مثل هذا الشكل ،أعنى الثانى ، هو أحد صنفى برهان الوجود الذى  
يكون الحدّ الأوسط فيه سبباً بعيداً ، أعنى أن نعتقد أن برهان الوجود - الذى يكون  
الحدّ الأوسط فيه سبباً بعيداً - صنفان : أحدهما فى الشكل الأول ، والآخر فى الثانى  
[ ٧١ ب ] . وإما أن نعتقد أنه يرى أن هذا الصنف من البرهان إنما يكون فى هذا  
الشكل ، أعنى الثانى ، وأنه لا يكون منه موجب أصلاً لمكان كونه فى هذا الشكل .  
إن كان ذلك كذلك ، فلِمَ قال أيضاً فى هذا إنه يكون فى الشكل الثانى ؟ وما الذى  
يمنع أن يكون فى الشكل الأول ، إذْ كان فيه ما ينتح سالباً كلّيا ؟  
هذا كلُّه مما يجب أن نفحص عنه فى هذا الموضع ، فنقول : إنه يشبه أن يكون  
إنما خصّ الشكلَ الثانى بهذا المعنى دون الأوّل لأن علة السلب الذاتية لمحمول ما هى  
انتفاء السبب الذاتى لذلك المحمول عن ذلك الشىء المسلوب عنه ذلك المحمول وإذا  
كان ذلك كذلك ، فلا بد أن يُسْلَب السبب عن الموضوع الذى يريد أن يسلب عنه  
المحمول إن كنا مزمعين أن نأتى بعّلة ذاتية فتكون المقدمة الصغرى سالبة ولا  
بد . وذلك لا يكون إلاّ فى الشكل الثانى . ومثال ذلك أنّا لو بيّنّا أن الحائط ليس  
بمتنفس ، من قِبَل أنه جماد لكان ذلك فى الشكل الأول . لكن ليس الجمادية هى  
العلة فى امتناع التنفس عليه بالذات . وذلك أنها لو كانت بالذات علة لامتناع  
التنفس عليه ، لكان ارتفاع الحيوانية عنه علة له بالَعَرض ، أعنى لارتفاع التنفس .  
وذلك أن الشىء إنما يقتضى بوجوده وجودَ ذاتٍ أخرى . وأما اقتضاؤه بوجوده ارتفاع  
ذات أخرى - فبالَعَرض . ولهذا كان الذى يقتضى بالذات ارتفاع محمولٍ ما عن شىءٍ  
آخر إنما هو ارتفاع الشىء الذى يقتضى بوجوده وجود ذلك المحمول عن ذلك الشىء  
الذى ارتفع عنه ذلك المحمول .  

وأما السؤال الثانى وهو : هل هذا الصنف من برهان الدليل إنما يكون فى  
المقاييس التى فى السوالب فقط ، أم قد تكون فى التى بنتج الموجبات ؟ فيشبه أن  

[Page 360] يكون كونه داخلاً فى المقاييس : التى تنتج السالب ، أعنى التى فى الشكل الثانى ،
على ما قلناه ، هو له بالذات . وأما كونه فى المقاييس التى تنتج الموجبات فى الشكل  
الأول - فبالَعَرض . والسبب فى ذلك أن الأسباب البعيدة ليس تنتج وجود المحمول  
المطلوب أولاً وبالذات للموضوع ، إلاّ متى اتفق فيها أن تكون مساوية للموضوع فى  
المطلوب . لأنه متى كانت أعمّ منه ، كانت أعمَّ من محمول المطلوب الذاتى ، أذ  
شرط محمول المطلوب أن يكون مساوياً للموضوع فى الطلب - على ما تبيّن قَبْلُ .  
وأيضاً فكثيراً ما يكونّ اعمّ مِن محمول المطلوب . ومتى كانت أعمَّ منه ، لم يصدق  
عليها حمل الطرف الأكبر ، وهو المطلوب ، حَمْلَ إيجاب .  

وأيضاً إن سلّمنا أن من محمولات المطالب ما يكون أعم من الموضوع ، فليس  
يمكن تبين أمثال هذه المحمولات للموضوع بسببٍ بعيد إلا بسبب هو : إما مساوٍ  
للمحمول المطلوب ، وإما أخص . وذلك إنما يوجد [٧٢ أ] فى بعض الأسباب  
البعيدة . وأما إذا كان المقصود تبيين الشىء المسلوب ، فإنه أيُّ سببٍ بعيدٍ أخذناه  
لوجود ذلك الشىء المسلوب صدق حمله على المحمول فى المطلوب الذى نقصد سلبه  
عن الموضوع . فإذا سلبنا ذلك السبب عن الموضوع ، لَزِمَ ضرورة سَلْب المحمول  
عنه . مثال ذلك أنه أذا أخذنا سبب التنفس البعيد الذى هو مثلاً : الحيوان ، صَدَقَ  
حَمْلَه على التنفّس . فإذا أخذناه مسلوباً عن شىء ما - كأنك قلت : عن الحائط -  
أصبح فى الشكل الثانى أن الحائط ليس بمتنفس ،هكذا :  
الحائط ليس بحيوان  
وكل متنفس حيوان  
فينتح عن ذلك أن : الحائط ليس بمتنفس .  

ولو أخذناه على طريق الإيجاب لم يمكن أن ننتج منه أن شيئاً من أنواع الحيوان  
متنفس . مثل أن نقول الدلفين حيوان ؛ فهو متنفسّ ، لأنه ليس كل حيوان فهو  
متنفس . فلهذا ما وجب أن يكون هذا الصنف من برهان الوجود يأتلف بالذات فى  
الشكل الثانى ، أعنى بما الحد الأوسط فيه سببٌ بعيد ويكون ، ولا بد ، فى جنس  
السوالب ، ومن السالب فى المثال .  

[Page 361] 
  
وأما ثامسطيوس فإنّا نجده جعل البراهين التى تعطى الوجود ثلاثة
أصناف : الصنف الأول الذى ينتح فيه المتقدم بالمتأخر ، أعنى السبب بالعَرَض الذى  
هو مقابل الجوهر ، والصنف الثانى الذى ينتج فيه الشىء بسببه البعيد ، وهو الذى  
تقدّم ذكره . والثالث أن يُنتح متأخراً بمتأخر ، مثلما تبين أن هذا العليل ماؤه غير  
نضيج ، من قِبَل أن نبضه مختلف ، وذلك أن اختلاف النبض وعدم نضج الماء هما  
أمران معلولان عن حُمَّى العفونة ، ومتأخران عنها بالسواء . وأمثال هذه المقاييس  
فليست براهين إلاّ بالعَرَض ، لأنه ليس يكون فيها بين الحد الأكبر والأوسط نسبة من  
النسبتين الذاتيتين ، أعنى التى يؤخذ المحمول فيها فى حد الموضوع ، أو الموضوع فى  
حدّ المحمول . ولذلك اطرّحه ارسطاطاليس .  

وأما أبو نصر فإنّا نجده قد غلط فى هذا الموضع . وذلك أنه قال إن براهين  
الوجود صنفان ، كما قال ارسطاطاليس . وابتدأ بذكر الصنف الأول منها المتفق  
عليه ، وهو الذى ينتج فيه المتقدم بالمتأخر . فلما وصل إلى الصنف الثانى ، قال ما  
هذا نصّه : والصنف الثانى من البراهين التى تعطى الوجود فقط فهو الذى يعرف فيه  
المتأخر بالمتأخر ، وهو أن يكون أمران تابعان لشىء واحد غيرهما ، وتكون مرتبة كل  
واحدٍ منهما فى التأخير عن ذلك الشىء مرتبة واحدة ، وتكون نسبة أحدهما إلى الآخر  
إحدى تلك النسب التى ذكرت ، فيبين وجود أحد المتأخرين لموضوع ما بأن يُؤْخَذ  
الحد الأوسط فيه ، الأمر الأخر » ثم قال : مثال ذلك أن الأرض لا تتحرك لأنها ليس  
لها مكان تتحرك إليه ، والحائط لا يتنفس لأنه ليس بحيوان ، وأشباه هذه  
البراهين . [ ٧٢ ب ] وهذه هى بعينها مُثُل أرسطو فى الصنف الذى قال فيه إن الحد  
الأوسط فيه سبب بعيد .  

ففى هذا القول شكوك : أحدها أن قوله فيه : « فهو الذى يعرف فيه المتأخر  
بالمتأخر » - يوجب أن يكون الحد الأوسط والأكبر فى هذا الصنف من البرهان معلولين  
عن الموضوع ، والسبب البعيد هو علة الموضوع أو المحمول . فكيف صحّ أن يتمثل  
بمثال أرسطو فى هذا المعنى ، مع وضعه أنهما أمران متأخران فى الموضوع ؟ والسبب  

[Page 362] البعيد ليس بمتأخر عن الموضوع ، فضلاً عن أن يكون هو والمتأخر الثانى فى مرتبة
واحدة كما قال .  

ومنها أن قوله : « وتكون مرتبة كل واحدٍ منهما فى التأخر عن ذلك الشىء مرتبة  
واحدة » ، وقوله : « وتكون نسبة أحدهما إلى الآخر تلك النسب التى  
ذُكِرت » - متناقض . وذلك أن ما كان بينهما إحدى النسب ، فأحدهما متقدم على  
الآخر . وإذا كان أحدهما متقدماً على الآخر ، وهما فى موضوع واحد - فكيف يقال  
إن مرتبتهما فى التأخر عن الموضوع مرتبة واحدة ؟ !  
وليس لقائل أن يقول إن الأمور المسلوبة عن الشىء هى بهذه الصفة : مثل  
الحيوانية والتنفسّ فإنهما فى مرتبة واحدة من التأخر عن الحائط ، فإن الحيوانية أقدم  
من التنفس . فسلب الحيوانية عن الحائط هو علة سلب التنفس عنه . وإذا كان الأمر  
كذلك ، لم تكن مرتبتهما فى السلبية مرتبة واحدة . وذلك أن حال السلب فى الأشياء  
كحال الوجود . فهذا القول فيه من الإشكال والغلط ما ترى . والسبب فى ذلك  
إضرابه عن تعليم أرسطاطاليس فى هذا المعنى .  

ولنرجع إلى شرج قوله . فقوله : « وأيضاً البراهين التى يوضع الأوسط فيها  
خارجاً عن الطرفين فإن هذه تكون البراهين فيها على « أن » الشىء ، فأما « لِمَ  
هو» - فلا ، إذْ كان لم يُؤت فى ذلك بالعّلة نفسها » - يريد : وأيضاً البراهين التى  
بوضع الحد الأوسط فيها محمولاً على الطرفين - وهو علة بعيدة - فإن هذه البراهين  
هى براهين تعطى وجود الشىء ، لا سبب وجوده ، إذ كان لم يجعل الحد الأوسط فيه  
علة قريبة . ثم أتى بمثال ذلك فقال : « بمنزلة القول : لِمَ لا يتنفس  
الحائط ؟ فيقال : لأنه ليس بحيوان - يريد : بمنزلة ما يسأل سائلٌ فيقول : لِمَ لا  
يتنفس الحائط فيجاب : لأنه ليس بحيوان . فيأتلف القياس فى الشكل الثانى هكذا :  
الحائط ليس بحيوان  

[Page 363] وكل متنفس حيوان
ينتج بعكس أن : الحائط ليس بمتنفس .  

ولما ذكر أن هذه العلة بعيدة ، أخذ يَبيِّن ذلك فقال : « ولو كانت العلة فى أنه  
لا يتنفس هى أنه ليس بحيوان ، لكانت العِلة فى تنفسُّه هى أن يكون  
حيواناً . وليس الأمر كذلك ، إذ كانت أشياء كثيرة حيوانات ولا تستنشق  
الهواء » - يريد : وذلك أن هذه العلة التي أعطى المجيب فى هذا الجواب ليست بعلة  
قريبة مقتضية [٧٣ أ] بذاتها لسلب التنفُّس عن الحائط . وذلك أنها لو كانت علة  
قريبة لسلب التنفس للحائط ، لكانت هى العلة الموجبة لوجود التنفس فى  
الحيوان . ولو كان الأمر كذلك ، لكان كل حيوان متنفّساً . وليس الأمر كذلك ، إذ  
كنا نجد حيوانات كثيرة لا تتنفسّ ، مثل الحيوانات التى لا دم لها . ولو أتى فيها  
بالعلة القريبة لقيل إن الحائط لا يتنفس من قِبَل أنه ليس بذى رئة . وذلك أن الرئة  
هى السبب القريب فى التنفس . ولذلك يصدق أن : كل ذى رئةٍ متنفّسٌ .  

ولما ذكر إن هذا وأشباهه ليس سلباً من قِبَل سبب قريب أُخِذ فى الحد الأوسط  
وبين العلة فى ذلك ، أخذ يعرّف بالجملة السبب القريب المأخوذ فى السلب ، أيّ  
سبب هو، فقال : « وبالجملة إذا كان . . . » إلى قوله . . فى أن يكون الشىء  
صحيحاً » - يريد : وبالجملة إذا كان عدم السبب القريب هو سببٌ فى أن لا يكون  
شىء موجوداً ، بمنزلة ما يكون عدم اعتدال الحار والبارد فى بدن الإنسان هو السبب  
فى أن لا يكون الشىء صحيحاً ، فإن وجود ذلك السبب لا هو السبب فى أن يكون ذلك  
الشيء موجوداً . مثال ذلك : أن اعتدال الحار والبارد لما كان السبب في أن يكون  
الشىء صحيحاً ، كان عدمه هو السبب فى أن لا يكون صحيحاً . ثم قال : « وعلى  
هذا المثال إن كانت الموجبة هى العلّة فى أن يكون الشىء موجوداً ، فإن السلب هو  
السبب فى أن لا يكون الشىء موجوداً » - يريد : وبالجملة ، فهو من المعروف بنفسه  

[Page 364] أنه إذا كان وجود شىء ما لشىء هو العلة فى وجود شىء آخر له ، فإن سلب ذلك
الشىء هو العلة فى سلب ذلك الشىء عنه .  
وقوله : « وأما الأشياء التى وُفِّيَتْ على هذا الوجه فليس القانون فيها  
مطرداً ، من قِبَل أنه ليس من اجل أنه حيوان : يتنفس » - يريد : وأما الأشياء التى  
تُوفَّى الأسباب فيها على جهة ما يوفّى الحيوان سبباً لعدم الحائط التنفس ، فليس يوجد  
فيها هذا القانون مطرداً ، أعنى القانون الذى رسمنا به العلة القريبة وذلك أن  
المتنفسّ ليس يتنفّس لأنه حيوان . وقد كنا قلنا إن القانون الذى فى سبب السلب  
القريب هو أن يكون ذلك الشىء بعينه هو السبب فى وجود ذلك الشىء المسلوب .  
وقوله : « والقياس الكائن بمثل هذه العلة البعيدة يكون فى الشكل الثانى » - قد  
قلنا السبب فيه . وما تمثل به بالحروف والمواد هو أمرٌ بيَّن بنفسه .  

وقوله : « وقد يجب أن تكون أمثال هذه الأسباب يؤتى بها على وجه الإغراق فى  
التبيين ، وهذا هو بأن يأتى بالأوسط بعد أن تبعد بعداً كثيراً » - يريد أن أمثال هذه  
البيانات إنما يقصد بها الاغراق . وذلك أنه إذا تبيّن فى الحائط أنه ليس بحيوان ، فهو  
أحرى أن يبينّ فيه أنه ليس بمتنفس ، أى : فهو أَبعدُ من أن يكون متنفّساً من أن  
يبين فيه أنه ليس بمتنفس ، من قِبَل أنه ليس بذى رئة . وذلك أن الذى ليس  
بحيوانٍ أَبْعَدُ [ ٧٣ ب ] من التنفس من الذى ليس بذى رئة من الحيوان .  

وحكايته عن أنا خرسيس أن بلدان الصقالبة ليس فيها غناء ، من قبل أنه  
ليس فيها كروم ، وهو- كما قال - سبب بعيد أتى به على طريق الاستغراق . وإنما أراد  
به :  
إذا لم تكن عندهم كروم ، لم يكن عندهم خمور ؛  

[Page 365] ؛ وإذا لم تكن عدهم خمور ، لم يكن عندهم طرَب
وإذا لم يكن عدهم طرب ، لم يستعملوا الغَناء فى الأكثر .  

ولما ذكر أنواع براهين الوجود والفصول التى فيها ، وبيّن براهين السبب ، وهى  
الفصول التى يكون بينها علم واحد ، ذكّر بذلك على جهة الخَتْم فقال : « فهذا قدر  
الخلاف بين القياس على « أن » الشىء وبين القياس على « لِمَ » الشىء فى علم واحد وفى  
أوساطها » - يريد : فهذا هو مقدار ما يخالف به البرهانُ الذى يعطى « أن »  
الشىء ، أى وجوده فقط ، وبين البرهان الذى يعطى « لِمَ » الشىء أعنى الذى يعطى  
سببه . وقوله : « وفى أوساطها » - يريد : وهو الخلاف الذى يكون بينهما من قِبَل  
اختلاف الحدود الوَسَط فيها . وذلك أن الخلاف بين البرهانين فى علم واحد إنما هو  
من قِبَل اختلافهما فى أنفسهما ، واختلافُهما فى أنفسهما وفى طبيعتهما إنما من قِبَل  
اختلاف طبيعة الحدود الوسط فيها . 
قال أرسطاطاليس :  
« وأما الخلاف الذى بينهما فى علمين مختلفين فيكون على نحوٍ آخر غير النحو  
الأول ، وهو أن يكون أحد العلمين تحت الأخر ، بمنزلة علم المناظر تحت  
الهندسة ، وعلم الحيل عند علم المجسّمات ، وعلم تأليف اللحون عند علم  
العدد ، والظاهرات عند علم النجوم . أما هذه العلوم فتكاد تكون متواطئة اسماً  
بمنزلة علم النجوم التعاليمى . والذى تستعمله صناعة الملاحة ، [ 79 a]* وبمنزلة  
علم اللحون التعاليمى عند الذى فى الأوتار . »  

[Page 366] التفسير برهان الوجود والسبب إما أن يخالف برهانَ الوجود فقط بالإضافة إلى شئ  
واحد ، أو بالإضافة إلى مطلوبين . وكل واحدٍ من هذين إمّا أن يكون فى صناعة  
واحدة ، وإمّا فى صناعتين . والذى يكون بالإضافة إلى مطالب كثيرة قد يكون على  
موضوع واحد ، وقد يكون على موضوعات مختلفة . إذا كان على مطلوب  
واحد ، فلا يخلو أن يتعاونا عليه ، أو يكونا غير متعاونين ، بل بيَّنه كلُّ واحد منهما  
بذاته . فأما الذى يكون منهما فى صناعة واحدة ، سواء كان على مطلوب واحد أو  
مطلوبين ، فالخلاف بينهما هو الخلاف الذى تقدّم ، وهو الخلاف الذى تقتضيه طبيعة  
البرهانين ، أعنى الخلاف الذى يكون من قِبَل الخلاف في طبيعة الحدّ الأوسط  
فيهما . وأما الذى منهما فى صناعتين ، فإن كان على مطلوبين ، فهو الخلاف الذى  
يكون بينهما فى الصناعة الواحدة ، أعنى من قِبَل اختلاف الحد الأوسط .  

وأما إن كان على مطلوب واحد ، وهو فى صناعتين ، فإنه يكون أيضاً على  
وجهين : أحدهما أن يُبيِّن كل واحد منهما ذلك المطلوب بعينه على حياله ، وذلك  
بجهتين مختلفتين ، مثل أن يبيّن صاحبُ علم النجوم أن القمر كُرىّ من قِبَل أن  
ضوءه يتزيّد بشكل هلالى ، ويعطى صاحبُ العلم الطبيعى السببَ فى كُرّيته من  
قِبَل أنه جِرْمٌ لا ثقيل ولا خفيف - والوجه الثانى أن تتعاون الصناعتان على مطلوبٍ  
واحد فتُبيِّن إحداهما وجوده ، وتعطى الثانية للأخرى سببَ الوجود .  

فهذا هو الذى قصد بيانه فى هذا الفصل ، إذ كانت سائر الأقسام قد بينت فى  
الفصل الآخر ، أعنى الفرق بين البرهان فى العلم الواحد ، سواء كان المطلوب  
متحداً ، أو مفترقاً ، أو فى علمين إذا كان المطلوب مفترقاً أو متحداً ، على النحو  
الواحد الذى ذكرناه . وإنما سكت عن هذا أرسطو لأن فصل اختلافهما فى العلم  

[Page 367] الواحد هو بعينه فصل اختلافهما إذا اختلف المطلب فى العلمين أو اتحد المطلوب فى
العلمين ، لا على جهة التعاون ، بل على أن كل واحدٍ من البرهانين يكتفى بنفسه  
فيما يبينه من ذلك المطلوب .  

فقوله : « وأما الخلاف الذى بينهما فى علمين مختلفين فيكون على نحو غير النحو  
الأول » - يريد : وأما الخلاف الذى بينهما فى علمين مختلفين على جهة التعاون ، أعنى  
أن يتعاونا على مطلوب واحد ، فيبينَّ أحدهما فيه وجوده ، والآخر سببه - فهو بخلاف  
تعاونهما فى علم واحد . وذلك أنهما إذا تعاونا على مطالب أكثر من واحد لشىء  
واحد ، فيختلفان بأن الحد الأكبر فى أحدهما يكون حدّاً أوسط فى الآخر ، والأوسط  
أكبر . وكذلك يختلفان أيضاً إذا تعاونا فى العلم الواحد فى مطلوب واحد ، بأن  
يعطى أحدهما سببَ الشىء البعيد ، ويعطى الْاخرُ القريبَ ، فيتم العلم بجميع  
أسباب ذلك الشىء . وأما إذا تعاونا فى علمين على شئ واحد بأن يعطى أحدهما  
وجود الشىء فى العلم الواحد ، والآخرُ سببه ، فإن اختلافهما يكون بأن يعطى  
أحدهما فى ذلك الشىء المطلوب وجوده إمّا بدليل ، وإما على أنه من المعروفات  
بأنفسها فى تلك الصناعة ، وإما من قِبَل التجربة ، وذلك إمّا فى آلاتٍ ، وإما فى غير  
آلات . ويعطى الآخر سببه على أنه نتيجة برهان فى العلم الأعلى وفى الآخر حدّاً  
أوسط . وذلك إنما يتفق فى العلوم التى موضوعاتها بعضُها صُورٌ لبعض ، أى يتنزل  
موضوع العلم الأعلى من موضوع العلم الأسفل منزلة الصور العامّة [٧٤ ب ] من  
الصور الخاصة . وذلك يكون - كما قال - التى بعضها تحت بعض ، وهى التى تختلف  
موضوعاً بالزيادة والنقصان ، مثل علم المناظر مع عالم الهندسة ، فإن علم المناظر  
تحت علم الهندسة ، إذْ كانت الهندسة تنظر فى الخط من جهة النقصان ، أى من  
جهة ما هو خط ، وينظر علم المناظر فيه من جهة الزيادة ، أى من جهة ما هو خط  
شعاعى . ولذلك كان صاحب المناظر يأخذ كثيراً من نتائج الهندسة ، فيضعها  
حدوداً وسطى فى براهين الأسباب عنده . وإنما كان ذلك كذلك لأنه لما كان العلم  
الأعلى بمنزلة الصورة للعلم الأسفل ، صار ما تبيّن فيه وجوده سببا لما تبين وجوده فى  
العلم الأسفل - ومن هذه - كما قال - علم تأليف اللحون مع علم العدد ، أعنى أن  
علم اللحون هو داخل تحت علم العدد ، وكذلك عِلْم ، الحِيَل تحت  

[Page 368] المجسمات ، يعنى علم الأثقال : فإن علم الأثقال ينظر فى الأجسام بما هى ثقيلة
ومحركة له .  

وقوله : « والظاهرات عند علم النجوم » - يريد : بمنزلة أيضاً الصنائع  
التجريبية عند الصنائع العلمية ، أعنى التى تعطى أسبابَ ما صححته التجربة فى  
تلك الصناعة التجريبية ، بمنزلة معرفة الكواكب التى لا تغيب فى وقت من  
الأوقات . فإن التجربة النجومية توقف على هذه الكواكب ، أعنى  
الرصدية ، وصناعة النجوم التعاليمية - أعنى النظرية - توقف على أسباب ظهورها  
أبداً ، أعنى العلمية .  

وهذه ، بالجملة ، هى حال الصنائع التى تنقسم إلى عملٍ وعلم . ويشبه أن  
يكون فى هذه قال : « أمّا هذه العلوم فتكاد تكون متواطئةً أسماؤها » - يريد أنه يُظن  
بها أنها علم واحد ، بمنزلة صناعة الطب التجريبية ، مع القياسية ، وهى فى الحقيقة  
علمان . وكذلك صناعة النجوم النظرية مع الرَّصْدية .  

وقوله : « فى هذه بمنزلة علم النجوم التعاليمى ، والذى تستعمله صناعة  
الملاحة ، وبمنزلة علم اللحون التعاليمى عند الذى فى الأوتار » - يريد : فيما  
أحسب ، أن صناعة الملاحة هى التى تثبت بالتجربة أزمان طلوع كثير من  
الكواكب ، لما يعرض فى الجو من التغاير عن ذلك . وصناعة التعاليم النجومية  
تعطى أسباب ذلك ، أعنى أسباب طلوعها فى الأوقات المختلفة .  

فإذ قد تقرر من قوله هذا أن الصنائع التى تتعاون على بيان الشىء الواحد  
بعينه بأن تعطى إحداهما الوجود ، وتعطى الأخرى السبب - صنفان : أحدهما  
الصنائع النظرية التى بعضها تحت بعض ، والصنف الثانى الصنائع العلمية والعملية  
التى تنظر فى شئ واحد ، لكن بجهتين مختلفتين مثل صناعة الموسيقى العملية  
والعلمية ؛ فإن العملية تعطى العلمية المبادئ التى فيها تنظر العلمية . والعلمية  

[Page 369] تعطى العملية أسباب تلك المبادئ . وهذا هو الذى [ ٧٥ أ ] أراد بقوله : « بمنزلة
علم اللص لون التعاليمى عند الذى فى الأوتار » - يعنى : العملي .

و قد يوجد هاهنا نوع آخر من التعاليمى بين الصناعة السفلى والعليا ، مثل  
التعاون الذى بين صناعة التعاليم والعلم الإلهى . وذلك أن الطبيعة تعطى لصاحب  
العلم الإلهى أن هاهنا موجودات مفارقة للمواد ، والتعاليمى يعطى عددها من  
قبل إعطاء الحركات . والإلهى ينظر فى جواهرها وجميع ما يلحقها . وكذلك كثير من  
< الأمور >   التى يقررها العلم الإلهى يحلها بما تبَيَّن فى العلم الطبيعي . ولكن هذا  
النوع من التعاون غير الذى قصده أرسطاطاليس . وذلك أن المتأخر هاهنا هو الذى  
يعطى المتقدم الموضوع الذى ينظر فيه ، وهناك المتقدم يعطى المتأخر السبب الذى  
يجرى من الشىء الذى ينظر فيه المتأخر مجرى الصورة .  

قال أرسطاطاليس :  
« والعلم ب « أن » الشىء هو قريب من الجزئى . فأما العلم ب « لِمَ » الشىء فهو  
لأصحاب التعاليم إذ كان هؤلاء هم الذين عندهم العلم بالأسباب . وكثيراً مالا  
يشعرون بأن الشىء موجود ، كصورة الذين يبحثون عن الأمر الكلى ، فإنهم كثيراً  
مالا يشعرون بالجزئيات لقلة بحثهم عنها . وهؤلاء هم الذين يأخذون صوراً معقولة  
ويجرّدونها من المادة . فإن أصحاب التعاليم إنما يأخذون الصور معقولة ويجرّدونها من  
المادة ، وذلك أن المقادير ، وإن كانت مع مادة ، فإن التعاليمى ليس يستعملها فى  
الموضوع لكن   < من حيث الصورة > » .  

التفسير  
لما بَيّن أن العلوم التى بعضها تحت بعض تتعاون فى أن يعطى العلم الأسفل فى  
الشىء معرفة وجوده ، ويعطى العلم الأعلى فيه معرفةَ سبب ذلك الوجود ، وكانت  

[Page 370] العلوم السفلى قريبةٌ من المواد ، والأمور إذا أُخِذَتْ من حيث هى فى المواد كانت
قريبة من الجزئية - أخبر بذلك فقال : « والعلم ب « أن » الشىء هو قريب من  
الجزئى » - يريد : وإنما كان العلم الأسفل هو الذى يعطى وجود الشىء ، لأن العلم  
الأسفل قريبٌ من الجزئى ، والعلم بوجود الشىء قريبٌ من الجزئى ، وكان العلم  
الأعلى يعطى لِمَ هو الشىء ، لأن العلم الأعلى هو أبعد من الجزئى ، والعلم ب « لِمَ  
هو » بعيد من الجزئى ، وذلك لكون العلم الأعلى بعيداً من المادة . وهذه هى علوم  
التعاليم . ولذلك قال : « فأما العلم ب « لِمَ هو » فهو لأصحاب التعاليم ، إذ كان  
هؤلاء هم الذين عدهم العلم بالأسباب » - يريد أن الأسباب عند هؤلاء هى معروفة  
بالطبع لنا ، بخلاف الأمر فى العلم الطبيعى لكونه مادياً . وذلك أن المتقدمة فى  
المعرفة فى التعاليم هى المتقدمة فى الوجود ، والمتقدمة فى المعرفة عندنا فى العلم  
الطبيعى [ ٧٥ ب ] هى المتأخرة فى الوجود . فهذا هو الذى أراد بقوله إن العلم ب « لِمَ  
الشىء » إنما هو للتعاليم ، لا أن العلم الطبيعى ليس يعطى « لِمَ الشىء » أصلاً والسبب  
فى ذلك أن التعاليم هى أشدّ كلية لكونها بريئة عن المادة . وكلما كان الشىء أشدَّ كلية  
فهو أعرف عندنا .  

وقوله : « وكثيراً مالا يشعرون بأن الشىء موجود كصورة الذين يبحثون عن  
الأمر الكلى ، فإنهم كثيراً مالا يشعرون بالجزئيات لِقِلة بحثهم عنها » - يريد : ولكن  
نظر التعاليم فى الأمور الكلية البعيدة من الهيولى كثيراً ما يعلمون الأسباب ولا  
يشعرون بوجود الشىء فى الأسباب ، إذ كان الوجود إنما هو للأمور الجزئيات  
المحسوسة ، أعنى الموجودة فى الهيولى ، مثل انهم يعلمون حدّ « الوحدة » فإذا سئلوا  
عن وجودها ربما عرض لهم فيها شك . وكذلك ما يقولونه فى حد « الدوائر» وحدود  
« الخطوط » وحدود « السطوح » - ، أعنى أنهم لا يقدرون أن يثبتوا أن هذه أمورٌ موجودة  
وذلك أن النظر التعاليمى ليس فى طباعه أن يُشّعر وجودها . وهو الذى أراد ، فيما  
احسب بقوله : « وكثيراً مالا يشعرون بان الشىء موجود كصورة الذين يبحثون عن  
الأمر الكلى ، فإنهم كثيراً مالا يشعرون بالجزئيات » - يريد وكثيرا مالا يشعر أصحاب  
التعاليم بوجود الأشياء النى فى صناعتهم ، أعنى التى يجدونها ويوفُّون أسبابها ، لأنها  

[Page 371] ليس من شان صناعتهم أن تعرف وجود تلك الأشياء وتوقف عليها ، بل إنما توقف
عليها صناعة أخرى . 

وثامسطيوس يقول إن هذا الذى قاله هو مثل ما عَرَض له أن يعلم من التعاليم 
السببَ فى ملائمة النغمة التى بالضعف ، ولا يدركها إذا كان لم يَرْتَض بالموسيقى 
العملية ، وهى التى توقف على وجود النغم . ويشبه أن يكون من لم يَقِفْ ، فى أمثال  
هذه الأشياء ، على الوجود ، لم يقف على السبب إلاّ من جهة ما الوجود عنده فى ذلك  
الشىء مستندٌ إلى الشُّهرة ، لا إلى اليقين . فيكون معنى قوله : « لقلّة بحثهم عنه » - أى 
لتوانيهم عن البحث عنه فى العلم الذى يبحث عنه - على هذا التأويل . وهذا هو 
نقصٌ من قِبَل الناظر ، لا من قِبَل طبيعة الأمر المنظور فيه . ويشبه أن يكون من هذا 
النوع - على هذا التأويل الأول - علم المهندس من كتاب اقليدس كيف يعمل مثلثاً 
متساوى الأضلاع ، وهو مع هذا لا يدرى كيف يصنعه جزئياً أى من خشب أو 
نحاس ، أو غير ذلك . 

وّلما ذكر أصحاب التعاليم رَسمهم فقال : « وهؤلاء هم الذين يأخذون صوراً 
معقولة ويجرّدونها من المادّة ، فإن التعاليمى ليس يستعملها فى موضوع ، أى ليس 
ينظر فى الصورة من حيث هى فى موضوع ، فهو لا يشعر بوجودها ، إذ كان 
وجودها إنما هو فى موضوع . وهذا الذى قاله [٧٦ أ] من أمر التعاليم ظاهر جداً . 

قال أرسطاطاليس : 
وقد يوجد علم آخر حاله عند علم المناظر كحال علم المناظر عند 
الهندسة ، بمنزلة قوس قُزَح الحادثْ فى السحاب : أمّا أنه موجود ، فينظر فيه  
الطبيعى . وأمّا لِمَ هو - فالنظر فى ذلك إلى صاحب علم المناظر : إما على 

[Page 372] الإطلاق ، وإمّا للذى هو فى التعاليم . وكثيرٌ من العلوم التى ليس بعضها مرتباً تحت 
بعض صورتها هذه الصورة ، بمنزلة حال الطب عند علم الهندسة ، وذلك أن 
الجرح المستدير : أما أن بُرْءه عسير - فعلمه إلى الطبيب ؟ وأمّا لِمَ ذلك - فإلى 
المهندس . » 
التفسير 
لما ذكر لم العلوم ، التى تتعاون على معرفة الشىء فيُعْطى أحُدها فيه  
وجودَه ، والثانى سببَه ، وأن الذى يعطى السبب منه هو العلم الكلى الأعلى ، والذى  
يعطى الوجودَ هو العلم الجزئى الذى تحته ، وكانت هذه قد تنتهى فى هذا المعنى إلى 
ثلاث مراتب - أخذ يذكر ذلك فقال . « وقد يوجد علمٌ آخر حاله عند علم المناظر 
كحال علم المناظر عند علم الهندسة » - يريد أن هذه العلوم قد يوجد لها فى هذا المعنى 
ثلاث مراتب ، مثل علم الهندسة فإنه يعطى أسباب كثير من الأشياء التى يعطى 
وجودها صاحب العلم الطبيعى . مثال ذلك : قوس قزح : فإن صاحب العلم 
الطبيعى يعطى شكله وعددَ ألوانه الموجودة فيه وترتيبها . وصاحب علم المناظر يعطى 
أسباب ذلك ، وبخاصة الأسباب القريبة . 

وقوله : « إمّا على الإطلاق ، وإما لما كان فيها فى التعاليم » - وإنما قال ذلك لأنه 
قد يمكن < أن يكونُ > من أسباب القوس ما ينظر فيه صاحب العلم الطبيعى ، 
وهى الأسباب التى ليست تعاليمية ، مثل الوقوف على العلة التى من أجلها يظهر فيه 
اللون الأصفر بين الأشقر والأخضر . وذلك بَيّنٌ لمن نظر فى العلم الطبيعى . 

ولما ذكر أن العلوم التى تتعاون على معرفة وجود الشىء وسببه هى العلوم المرتبة 
بعضها تحت بعض ، أخبر أنه قد يوجد من العلوم ما هذا شأنه من غير أن يكون 
بعضها داخلاً تحت بعض ، بمنزلة علم الطب عند علم الهندسة . فإن الطبيب بيّن 

[Page 373] أن الجرح المستدير أعسر برءاً ، والمهندس يعطى سببه وهو عَدَمُه الزوايا التى يسهل
من قِبلَها الالتحام ، أو عظم الجسم الذى ينبت فيه ، لأنه قد بينّ المهندسون أن 
الجسم المستدير يَسَع أكبر من الجسم الغير مستدير اللذين يتساوى محيطهما  .

١٤ - <تفوّق الشكل الأول>

[٧٦ ب ] قال أرسطاطاليس : 
 
« وأولى الأشكال بأن يُعَلم لها الشىء وأحقُها هو الشكل الأول . أمّا أولاً فمن 
قِبَل أن العلوم التعاليمية إنما تبرُهن على مطالبها بهذا الشكل ، بمنزلة علم العدد 
وعلم الهندسة وعلم المناظر . ويكاد جميعُ العلوم التى يعُلَم بها « لِمَ الشىء » أن يكون  
استعمالها إنما هو هذا الشكل . وأيضاً فإن العلم ب « لِمَ الشىء » إنما يكون بالشكل 
الأول - ومن قبل ذلك صار أول الأشكال وأحقّها بالعِلم - لأن العِلم ب « لِمَ الشىء » 
هِو العلم المحقق . وأيضاً فإن الحدود إنما تُصَيَّد بهذا الشكل وحده فقط ، من قِبَل 
أن الشكل الثانى لا يقاس فيه على الإيجاب ، والحدود تكون على طريق الإيجاب .  
ولا الشكل الثالث ، من قِبَل أنه ولو كان يقاس فيه على الإيجاب ، إلا أنه لا يكون 
فيه قياسٌ على طريق الكلية . والحدود فهى على طريق الكلية ، إذ 
كان : الحيوان ، وذو الرِّجلين إنما هما على كل الإنسان ، لا على بعضه . 

وأيضاً فإن هذا الشكل هو غير محتاج إلى الشكلين الآخرين . وإما الشكلان  

[Page 374] الآخران الأول . فهما بحاجةٍ - فى أن تتعلقا بمقدمات غير ذوات أوساط - إلى الشكل
الأول . 

فبينّ من ذلك أن الشكل الأول أحقُّ الأشكال فى أن يُعْلم به الشىء على طريق 
البرهان . » 
التفسير 
لما بَيّن شروط المقدمات البرهانية وأنواعها ، وكذلك شروط المطالب ، وبِيّن  
أنواع البراهين ، وبالجملة لما تكلم فى مبادئ البراهين وما يعرض لها فى ذاتها 
ومقايسة بعضها الى بعض - أخذ يتكلم فى شكل البرهان الأخصّ به ، فاأخبر أنه 
الشكل الأول ، وبَيَّن ذلك واستند عليه بخمس شهادات : 
( ١ ) إحداهما : أن أكثر براهين التعاليم إنما تكون بالشكل الأول . وإذا كانت 
التعاليم هى أحقُّ العلوم بالبرهان ، فالشكل الذى هو فيها أكثر هو أحقّ الأشكال 
بالبرهان . هذا هو الذى أراد بقوله : « أما أولاً فمن قبل أن العلوم التعاليمية إنما 
تبرهن على مطالبها بهذا الشكل » . 

وقوله : وتكاد جميع العلوم التى تستعمل البراهين المطلقة أو براهين  
الأسباب - وهى العلوم الأحق بالبرهان ، إذ كان هذا النوع من البرهان هو أشرف  
أنواعه - إنما تستعمل هذا الشكل . وإنما أراد أن يبينّ بذلك السببَ الذى من قِبلَه 
كانت علوم التعاليم أحقّ بالبرهان ، أعنى من قِبَل أن أكثر براهينها هى مطلقة ، أى 
براهِين أسباب ووجود . 

(٢) ثم ذكر الشهادة الثانية فقال : « وأيضاً فإن العلم بالشىء إنما يكون بالشكل 
الأول ، من قِبَل ذلك صار أَوْلى الأشكال وأحقّها بالعلم ، لأن العلم ب « لِمَ الشىء » 
هوِ العلم المحقق » - يريد : وأيضاً فإن البراهين التى تعطى أسباب الشىء ووجوده  

[Page 375] معاَ إنما تكونت بالشكل الأوّل . وإذا كان العلم بسبب الشئ [ ٧٧ أ] هو العلم
الأتمّ ، فالشكل الذى يعُنىَ بهذا العلم هو أحقُ الأشكال . وإنما صار هذا النوع من 
البراهين يأتلف فى الشكل الأول ، من قَبَل أن نتائج هذه هى موجبات كلية ، وليس 
ينُتَج موجَبةً كلية ما عدا الشكل الأول ، على ما تبينّ فى كتاب « القياس » . 

(٣) ثم أتى بدليل آخر فقال « أيضاً فإن الحدود إنما تتصيّر بهذا الشكل وحده » - يَعْنى 
أنه إنما تستنبط بهذا الشكل وحده . والبراهين المطلقة هى حدود بالقوة . ثم أتى 
بالسبب فى كون الحدود لا تستنبط فى الشكل الثانى ، فقال : مِنْ قبل أن الشكل 
الثانى لا تنتج فيه موجبة ، والحدود هى موجبات . ولما ذكر السبب فى كون الحدود لا 
تنُتج فى الشكل الثانى ، ذكر السبب فى كونها أيضاً لا تنتج فى الشكل الثالث 
فقال: « ولا الشكل الثالث أيضاً ، مِنْ قِبَل أنه وإن كان ينتج فيه موجبات ، فليس 
تكون فيه نتائج كلية ، وإنما تكون جزئية. والحدود هى موجبات كلية ، إذ كانت 
تحمَل على المحدود . مثال ذلك : إن حملنا على الإنسان أنه حيوان ذو رِجْلين مشّاء 
الذى هو حٌّده ، هو محمول على كل إنسان . 

(٤) ثم ذكر دليلا آخر فقال : « وأيضاً فإن هذا الشكل غير محتاج إلى الشكلين 
الآخرين , وأما الشكلان الآخران فهما بحاجةٍ - فى أن تتعلقا بمقدمات غير ذوات 
أوساط - إلى الشكل الأول »   - يريد: وأيضاً فإن هذا الشكل يكتفى بنفسه فى تبيين 
المطالب التى تبين بأكثر من قياسٍ واحد حتى تنتهى إلى مقاييس مركبة من مقدمات غير 
ذوات حدود وسُطُ ، أى أوائل يمكن أن تكون مقاييس جميع أمثال هذه المطالب 
< تجرى > بمقاييس فى الشكل الثانى ، فإنه ليس يمكن أن يكون جميع المقاييس التى 
يبين بها المطلوب البعيد فى هذا الشكل حتى ينتهى الأفراد إلى أشكال هى مؤلفة من 
مقدمات أوائل . وذلك أن القياس الذى فى الشكل الثانى التى تكون مقدمتاه نتيجتيّن 
لقياسين آخرين ليس يمكن أن تكون تلك المقدمات نتيجتين لقياس فى الشكل الثانى 
من قَبِل ان الشكل الثانى لا بد فى مقدماته من موجبة كلية . والموجبة الكلية إنما  ،
ينتجها الشكل الأول . وكذلك الشكل الثالث مقدمتاه كلتاهما منتجتان لقياسين 

[Page 376] آخرين ، هو محتاج إلى شكل آخر ، إذ كان لا بد فيه من مقدمة كلية . فإن كانت
موجبة فهى تحتاج ضرورة إلى الشك الأول . وإن كانت سالبة فهى تحتاج إلى الشكل 
الأول أو الثانى . وقد تبيّن أن الثانى يحتاج ، إذا كانت مقدمتاه غير أوّليتين ، إلى 
الأول . فإذن الشكلان - كما قال - مفتقران ، فى تبيين المطالب التى تتبيّن بأكثر من 
قياس واحد ، إلى الشكل الأول ، والشكل الأول فى ذلك مكتف [٧٧ ب ] 
بنفسه . فقوله : على هذا فهى محتاجة لمقدمات غير ذوات أوساط إلى الشكل 
الأول ، أى أن الشكلين الآخرين محتاجان ، متى تحلّلا إلى مقدمات غير ذوات 
أوساط ، إلى الشكل الأول . 

١٥ - <القضايا السالبة المباشرة>

قال أرسطاطاليس : 
« وكما أنه قد يمكن أن تكون « أ » موجودة ل « ب » بغير وصلة ، كذلك يمكن 
ألا تكون موجودة لها . ومعنى القول بأن الشىء يكون موجوداً ، أو غير موجود له 
بغير وصلة - هو ألا يكون بين الحديّن وسط . فعلى هذا تكون الموجبة والسالبة غير 
ذوات أوساط . » 
التفسير 
لما أخبر أن من شروط مقدمات البراهين البسائط أن تكون غير ذوات  
أوساط ، أى معروفة وعللاً - يريد : وذلك أن من الأشياء المحمولة ما هو غير ذى 
وسط فى نفسه ولا ذو وسط فى المعرفة ، وهذه هى مقدمات البراهين المطلقة ؛ ومنها 
ما هى فى المعرفة فقط ، أعنى غير ذوات أوساط وهى الدلائل - فلمّا كان أحد شروط 
مقدمات البرهان أن تكون غير ذوات أوساط ، وكان قد بيّنه فى المقدمات 

[Page 377] الموجبة ، أراد أن يبين ذلك فى السالبة . فغرضه إذن فى هذا أن يبيّن أنه كما قد توجد
موجبات أول ، كذلك قد توجد سوالب أُوَلِ ، أى من قبل المعرفة والوجود 
فقوله : « ومعنى قولنا إن الشىء يحمل على الشىء أوّلاً ، أو يُسْلب عنه أوّلاً ، أى من 
غير شئ يصل المحمول بالموضوع ، هو أن لا يكون بين الحدين ، أعنى المحمول  
والموضوع ، وسط من قِبله أوجب المحمول للموضوع ، أو سُلِب عنه . ولما حَدّ 
الحمل الأول بهذا الحدّ ، وكان يظهر أنه يشمل الحمل الموجب 
والسالب - قال : « فعلى هذا تكون الموجبة والسالبة غير ذوات أوساط » - فى أن يوجد 
منه مما هو أول ، وما هو غير أول . وينبغى أن يفهم هاهنا من معنى الوسط : الذى 
فى المعرفة والوجود معاً . 

قال أرسطاطاليس : 
« فأمّا متى كانت « أ » أو « ب » فى كل الشىء أو كلاهما فغير ممكن أن تكون « أ » 
موجودة ل « ب » أولاً .فلتكن أ فى كل ج ، وتكون مع هذا ب ليست فى كل 
ج ، فإنه ممكن أن تكون أ فى كُلّىّ الشىء ، و ب ليست فى كله ، فيكون من ذلك 
قياس ينتج أن أ ولا على شىء من ب . وذلك أنه إذا كانت ج على كل أ ، وهى ولا 
على شىء من ب ، أنتج من ذلك أن أ ولا على شىء من ب . » 
التفسير    

لما أخبر أنّ الإيجاب يكون بغير وسط ، وأن السلب يكون [٧٨ أ] كذلك ، أخذ  
يبيّن ذلك المثال فقال : « فأما متى كانت أ أو ب فى كل الشىء أوكلاهما - فغير ممكن 
أن تكون أ موجودة ل ب أولاً » - يريد أنه متى كان شيئان أحد هما داخلاً تحت شىء 
ما ، والآخر غير داخل تحته ، فإنه ليس يمكن أن يكون سلب أحدهما على الثانى 
سلباً أولاً . وكذلك متى كان شيئان كلاهما موجودان فى شىء واحد ، فليس يمكن أن 
يكون وجود أحدهما للثانى وجوداً أوليّا فكأنه قال : إذا كانت أ أو ب أى احدهما داخلاً  
تحت شىء واحد والآخر مسلوب عن ذلك الشىء فليس يمكن ان يكون سلب أحدهما  

[Page 378] على الثانى سلباً أولياً وكذلك متى كان كلاهما فى شىء واحد فليس يمكن وجود
أحدهما للثانى وجوداً أولياً . هكذا ينبغى أن نفهم ، على أن فى الكلام تقديماً وتأخيراً 
وحذفا . وإلاّ فقد يعرض فى ذلك شك وهو : كيف قال : فغير ممكن أن تكون أ 
موجودة ل ب أولاً ، ثم أخذ يبيّن أن أ ليست مسلوبة عن ب إذا وجدت بالصفة 
المتقدمة سلباً أولياً فقال : فلتكن أ فى كل ج ، وتكون مع هذا ليست فى كل ج .  
وينبغى أن يفهم من قوله : « أ أو ب فى كُلّى الشىء » - أى يكون ذلك الشىء 
محيطاً بأحدهما ، لا وجود الشىء فى موضوع . فإنه متى فُهِم هذا ، وجب أن يكون 
السلب جزئياً فى الشكل الثالث . وكذلك ينبغى أن يفهم من قوله : « أو كلاهما » أن 
يكون أحدهما فيه كالجزء فى الكل ، والأخر كالعَرَض فى الموضوع أو معنى 
« على » . فإنه أيضاً متى لم يفهم على هذا ، أى القول من موجبتين فى الشكل 
الثانى . وأما متى فهمنا من « فى » ما يفهم من « على » فإن التأليف يكون فى الشكل 
الثالث . 

وقوله : « فإنه ممكن أن تكون أ فى كل شىء ، و ب ليست فى كله » - يريد على 
هذا التأويل : « فإنه ممكن أن يكون شيئان أحدهما مسلوبٌ عن الثانى ، ويكون 
أحدهما جزءاً من شىء ما ، وذلك الآخر مسلوباً عن ذلك الشىء الذى هو جزء 
منه . وإذا كان الأمر هكذا ، لم يكن سلب مثل هذا إلا بوساطة . ولذلك قال  
: « فيكون من ذلك قياس ينتج أن أ ولا على شىء من ب » ولما ذكر كون الفساد 
وجب وقوعه من الأشياء التى مادّتها مثل هذه المادة ، كذلك نوع تأليفه فقال : « وذلك 
أنه إذا كانت ج على كل أ ، وهى ولا على شىء من ب ، أنتج من ذلك أن أ ولا على 
شىء من ب . وهذا التأليف إنما يكون فى الشكل الثانى . وذلك أنه أخذ الحدّ 
الأوسط الذى هو ج محمولاً على كل واحدٍ من الطرفين اللذين أخذ بدلهما أ و ب . 

[Page 379] 
قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً أن كان الباقى فى كل الشىء بمنزلة الدال ، فإنه ينتج أن أ ولا على 
شىء من ب . وعلى هذا المثال تكون السالبة ذات وسط [٧٨ ب ] بينّ ، وإن كانت 
كلتاهما فى كل الشىء » 
التفسير 
لما أخذ ثلاثة حدود - بدل الواحد : أ ، وبدل الأخر : ب ، ووضع أن أ ليس  
يمكن أن تكون مسلوبة عن ب سلباً أوّلاً متى كان أ موجوداً لشىء ما ، و ب غير 
موجود له ؛ وبيّن ذلك بأن وضع أ هى المحمولة ، و ب يسلب . ثم أخبر أن مثل 
هذا يلزم إن وضعت ب هى الموجبة ، وأ المسلوبة . إلا أنه إذا وضع أن أ هى 
الطرف الأكبر ، وهى المسلوبة ، فلا يكون هذا التأليف ضرورة إلاّ فى الضرب الأول 
من الشكل الثانى ، والأخر فى الضرب الثانى منه . 

وقوله : « وإن كانت كلتاهما فى كل الشىء » يريد : وكذلك إن كان الحدّان 
يوجدان فى شىء واحد لم يكن إيجاب أحدهما للثانى إيجاباً أوليا . 

قال أرسطاطاليس : 
[ 79 b]* « فأما أن ب يمكن ألاّ توجد فى كل ما توجد فيه أ ، وأ يمكن إلا توجد فى كل ما 
توجد فيه ب ، فإن ذلك يظهر من الأشياء اللازمة لنظام واحد ، والتى لا يتغير 
نظامها . فإنه إن كان ولا الذى فى نظام أ ، ب ، ج تحمًل على شىء من التى فى 
نظام د ه ز ، وكانت أ على كل ط التى من نظامها - فظاهرٌ أن د ولا على شىء من 
ط . وإلاّ فقد تبدّل نظامها . وعلى هذا المثال كون ب فى كل شىء . » 
التفسير    

لما وضع أن هاهنا أشياء يسلب بعضها عن بعض من قِبَل طبيعة أخرى محيطة 

[Page 380] بأحدهما أو بكليهما ، يريد أن يعرّف أن هاهنا طبائعا ما بهذه الصفة . فقوله : « فأما
أن ب يمكن ألا توجد فى كل ما توجد فيه أ ، وأ يمكن ألا توجد فى كل ما توجد فيه 
ب » - يريد : فأمّا أنه يمكن ألا توجد ب فى الطبيعة التى توجد فيها أ ، أى فى الكلى 
المحيط بها ويكون ذلك هو السبب فى ألا توجد أ فى ب ، فإنه أمرٌ يظهر من الأشياء 
اللازمة لنظام واحد والتى لا تتغير- أى فإن ذلك يظهر وجوده فى الطبائع المتباينة 
اللازمة لنظام واحد ، أعنى الضرورة التى لا يتغير بعضها إلى بعض . فإنه متى فرضنا 
أشياء ، يُحْمَل بعضها على بعضٍ حملاً طبيعياً ، وهى موجودة أيضاً فى طبيعة أخرى 
مباينة لتلك الطبيعة ، فإنه ليس يحمل من الأمور الموضوعة فى إحدى الطبيعتين على 
شىء من الأمور الأخر التى فى تلك الطبيعة الأخرى حَمْل سلب إلا من جهة سلب 
الكلى المحيط بذلك الموضوع عن ذلك الشىء . مثال ذلك أنه إذًا كان أ و ب و ج فى 
طبيعة واحدة ؛ د و ه و ز فى طبيعة أخرى ، ولا يحمل شىء من التى فى طبيعة أ و ب 
و ج على شىء من التى فى طبيعة د ه ز ، فظاهرٌ أن أ إذا كانت موجودة فى كل ما فى 
تلك الطبيعة ، أى يكون موضوعاً له ، وذلك الشىء الكلىّ محمولٌ عليها . كأنك 
قلت : ما عليه ط أن د [٧٩ أ] مثلاً من تلك الطبيعة الأخرى يكون مسلوباً عنها ط 
فتكون د مسلوبة عن أ ، من قِبَل سلب ط عنها . وهذا هو الذى دلّ عليه ، 
بقوله : « فإنه إن كان ولا التى فى نظام أ ب ج يحمل على شىء من التى فى نظام د ه 
ز - أى تكون الطبيعتان متباينتين » - ثم قال : « وكانت أ على كل ط التى من 
نظامها » - يريد : وكانت أ محمولة بإيجاب على شىء ، فى طبيعتها أو هو محمولٌ عليها 
مثل أن تكون محمولة على ط . ثم قال : « أن د و لا ، < على > شىء من ط » - يريد 
أن الذى من الطبيعة الأخرى ، كأنك قلت : د ، يجب أن يكون مسلوباً عن ط .  
فسلب د عن أ إمّا فى الشكل الأول ، وإما فى الشكل الثانى ، وذلك بتوسط ط . 

وقوله : « وإلاّ فقد تبدّل نظامها » - يريد أنه لم يعرض أن تكون د مسلوبة عن  
ط ، فقد تبدل نظام تلك الطبيعتين وانقلبت إحداهما إلى الأخرى ، وقد كُنّا قُلْنا إنها 
غير منقلبة - هذا خُلْفٌ لا يمكن . 

[Page 381] 
وقوله : « وعلى هذا المثال كون ب فى كل الشىء » - يريد : وعلى هذا المثال الذى
قلناه فى أ إذا كانت داخلة تحت كلّىّ ما مسلوب عن ب ، أنها تكون مسلوبة عن ب  ،
بتوسط ذلك الكلى ، يلزم فى ب متى وضعناها داخلة تحت طبيعّة ما . 

قال أرسطاطاليس : 
« فأما إذا لم يكن الحدان موجودين للشىء ولا واحد منهما ، كأن ا تكون غير 
موجودة لشىء من ب بغير وصلة . فأما إن كان بينهما وسطٌ ، فقد يلزم أن يكون 
أحدهما فى كله ، فيكون على ذلك قياس إما فى الشكل الأول ، وإمّا فى الثانى . فإن 
كان فى الشكل الأول ، فإن ب تكون في كل شيء وتكون المقدمة الصغرى موجبة .
وأما أن كان في الشكل الثانى فأيهُّما كانت السالبة فهو ممكنٌ أن يكون عن ذلك 
قياس . فأما إن كانتا سالبتين ، فلا يكون قياس » فمن البينّ أنه ممكن ألا يوجد 
شىء ما بشىء آخر . فأمّا متى يمكن ذلك ، فقد أخبر به . » 
التفسير 
لما عرّف متى لا يكون السلب أوّلياً - وذلك إذا كان الشىء يُسْلَب عن الشىء 
من قِبَل طبيعة أخرى محيطةٍ بأحد الشيئين المسلوب أحدهما عن الآخر- شرع يعرّف 
متى يكون السلب أوّلياً ، وهو متى عَدِم هذه الحال فقال : « فأما إذا لم يكن الحدان 
موجودين للشىء ولا واحد منهما ، فإن أ تكون غير موجودة لشىء من ج بغير 
وصلة » - يعني بالحدين : الشيئين المسلوب أحدهما عن الآخر ، وهو الذى أُخِذ هاهنا 
بدل أحدهما علامة : أ [٧٩ ب ] وبدل الآخر علامة : ب . 

وقوله : « موجودين للشىء » - يعنى أنه متى لم يكن ولا واحد من الحدين 
المسلوب أحدهما عن الأخر موجودين لشىء ما ، فإن سلب أحدهما عن الآخر يكون 
بغير وسط . 

وقوله : « فإن كان الشكل الأول . . » إلى آخر قوله : هو بيّن بما تبيّن فى 

[Page 382] كتاب « القياس » . وكلامه فى ذلك مفهوم بنفسه .

وقد شك ابن سينا على الذى قاله فى هذا الموضع ، وهو أن يوجد شيئان 
يُسْلَب أحدهما عن الأخر ، من غير أن يكون هنالك وسطّ أصلاً . فإنه زعم أنه ما 
من شىء يُسْلَب عن شىء إلاّ ويمكن أن يُسْلَب عنه من قِبَل حدّه ، أو من قِبِل لاحقٍ 
من لواحقه ، إذ كان لا يخلو من لاحق . 

وهذا الشك هيّنُ الحل . وذلك أنه لما كان المحمول الأوّل بإيجاب هو الذى لا 
يحمل على الشىء من قِبَل طبيعة أخرى هى السبب فى حمله عليه ، وجب ضرورة أن 
يكون المحمول الأول السالب هو الذى لا يسلب عن الشىء من قِبَل طبيعةٍ أخرى 
هى السبب فى ذلك السلب . وحّد الشيء ليس هو طبيعة أخرى غير الشىء . وأمّا أعراضه 
فإن نُسِب إليه من قِبَلها شىء منها فبالعرض ، أعنى الذى يوجد السلب له من قبل 
جوهره . ولذلك ينبغى أن يفهم هاهنا من الحدود الوُسُط التى توجد فى السلب الغير 
أول ، التى هى حدود وُسُط بالطبع ، والمعرفة التى هى حدودٌ وُسُطٌ بحسب المعرفة . 

١٦ - <الغلط والجهل الناتجان عن مقدمات مباشرة>

قال أرسطاطاليس : 
« والجهل الذى لا على جهة السلب ، لكن كالحال والصورة ، فإنه اختداع 
يكون بطريق القياس . وهذا فقد يعرض فى الأشياء ، التى وجودها ولا وجودها بغير 
وسط ، على ضربين : أحدهما هو أن يتوهم الانسان وجوده ولا وجوده توهماً 
مجرداً . والأخر أن يكون توهمه ذلك بطريق القياس . فأما التوهم البسيط فإن 
الاختداع فيه يكون بسيطاً . وأمّا الاختداع الذى يكون بقياس فإن تفننه 
كثير ، بمنزلة ما تكون أ غير موجودة لشىء من ب بغير وسط ، فبيَّن إنسانٌ أن أ 
موجودة ل ب بطريق القياس ، بوسط هو ب ، فإنه يحصل جاهلاً بذلك السلب  
بطر يق القياس . » 

[Page 383] التفسير 
لما بَيَّن الإيجاب الأول والسلب الأول ، وكان قد يعرض فيما كان موجباً أو 
سالباً الغلطُ من قبل القياس ، وذلك فيما كان منها معروف الايجاب بنفسه أو السلب 
، أو كان ذلك معروفاً فيهما بقياس - أراد أن يعرّف ضروب المقاييس العارضة فى ذلك .
وابتدأ أولاً بتعريف < ما > يسمّى الجهل ، فقال : « والجهل الذى لا على جهة  
السلب ، لكن كالحال والصورة ، فإنه اختداع يكون بطريق القياس » - يريد : ولما 
كان الجهل صنفين : الجهل الذى يكون على طريق العدم ، وهو ألا يكون عنده 
[٨١ أ]* فى المطلوب اعتقادٌ أصلا ، والجهل الذى على طريق الملكة والصورة ، وهو 
أن يكون عنده فى المطلوب اعتقادٌ خطأ . فبين أن الجهل الذى لا يكون على طريق 
السلب - أعنى الجهل الذى هو عدم المعرفة ، بل على طريق الملكة والصورة ، أعنى 
الذى هو اعتقاد خطأ - ان الخدعة والغلط الذى يعرض فى هذا الجهل إنما يعرض من 
قِبِل قياسٍ ما أو شبهة ، وذلك فى الأشياء التى ليست معروفة بنفسها . ولما كان هذا 
النوع من الغلط قد يعرض فى الأشياء البيّنة بأنفسها ، أعنى أن يعتقد فيما هو 
معروف أنه موجود : أنه غير موجود ، وبالعكس ، أعنى أن يعتقد فيما ليس بموجود : 
أنه موجود . وقد يَعْرض فى الأشياء المعروفة بوسط ، أى بقياس ، وكان يعرض فى 
المعرفة على نوعين : بقياس ، وبغير قياس - قال : وهذا يعرض فى الأشياء التى 
وجودها ولا وجودها بغير وسط » - يعنى أن الغلط العارض فى الأشياء البيّنة بأنفسها 
على ضربين : أحدهما أن يتوهم الإنسان < فى شىء > إيجابه أو سلبه توهّماً من غير 
قياس ، والأخر بقياس . وإذا كان هذا هكذا ، فإما أن يكون قوله فى الغلط الذى 
على طريق الملكة فى أول القول إنه اختداع يكون بقياس : قولاً ظاهره كلى والمراد به 
جزئى ، وعوّل فى ذلك على ما قاله بعدُ إن هذا الغلط : منه بسيط ، وهو الذى يكون 
بغير قياس ، ومنه غير بسيط وهو الذى يكون بقياس . وإما أن يكون قوله الأول فى 
الغلط الذى يعرض فى الأشياء التى ليست معروفة بنفسها ، وذلك أنه يظن أن هذه 
لا يَعْرض فيها غلط إلاّ من قبل القياس . 

[Page 384] 
وقوله : « فأمّا التوهم البسيط فإن الانخداع فيه يكون بسيطاً » - يعنى بالتوهم
البسيط : الذى لا يكون عن قياس . وإنما سمّاه بسيطاً لأنه ليس يكون 
نتيجةً ، والنتيجة كأنها مركبة من المقدمات . 

وقوله : « وأما الانخداع الذى يكون بقياس فإنّ تفنُّنه كثير» - يريد أن الغلط 
الذى يعرض عن قياسٍ فهو يعرض على وجوه شتى ؛ وهو يروم إحصاء هذه 
الوجوه . 

ولما ذكر أن الغلط الذى يكون عن قياس يتفنَّن ، شرع فى تمثيل ذلك بالحروف  
فقال : « بمنزلة ما تكون أ غير موجودة لشىء من ب بغير وسط ، فيَّن إنسان أن أ  
موجودة ل ب بطريق القياس بوسط هو ج ، فإنه يحصل جاهلا بذلك السلب بطريق 
القياس » - يريد : مثال أن يعرض ما عليه علامة أ مثلًا أن تكون مسلوبة فى الوجود 
عمّا عليه علامة ب ، فيعرض لإنسانٍ أن يظن أن أ موجودة ل ب من قِبَل وسطٍ ظنّه 
جامعاً بينهما ؛ فإنه يكون جاهلاً بهذا السلب بقياس فاسد . 

قال أرسطاطاليس :  
« فأمّا مقدمتا القياس فيمكن أن تكونا كاذبتين . ويمكن أن تكون إحداهما 
فقط ، بمنزلة أ [٨١ ب] غير موجودة لشىء من ب ، و ج غير موجودة لشىء من 
ب ، فيقلبان جميعاً ويؤخذان بالعكس ، فإنهما بيعاً على هذا الوجه يكونان  
كاذبين . فإنه يمكن أن تكون صورة ج عند أ ، وعند ب هذه الصورة 
وهى : ألا تكون موجودة فى أ ، ولا تكون على ب بالكلية ، فإن ب غير 
ممكن أن تكون موجودة فى شىءٍ ألبتة من قبل أن أ قد فرضت غير موجودة لشىء  
منها أوّلاً . وأما أ فليس من الاضطرار أن تكون موجودة لجميع الأمور .  
فقد بان كيف تكون المقدمتان كاذبتين . » 
التفسير 
لّما بيّن أنه يمكن أن يعرض الغلط عن قياس ، فيعتقد فيما هو مسلوبٌ عن شىء  

[Page 385] ما أنه موجود له ، وبالعكس ، أخبر أن ذلك يعرض بجهتين : إحداهما أن تكون
كلتا المقدمتين كاذبتين ، والجهة الثانية أن تكون الواحدة منهما هى الكاذبة وهى 
قوله : « فأما مقدمتا القياس فيمكن أن تكونا كاذبتين ، وبمكن أن تكون 
إحداهما » . ثم أخذ يمثل كيف يعرض أن تكونا كاذبتين . وقد كان أَخَذَ - كما 
قلنا - بدل الطرف الأكبر : أ ، وبدل الطرف الأصغر : ب ، ومكان الحد  
الأوسط : ج ، فقال : بمنزلة أ غير موجودة لشىء من ج ، وج غير موجودة لشىء 
من ب ، فيُقْلَبان جميعاً » - يريد : وذلك يعرض إذا كانت أ مسلوبة عن ب سلباً 
أولّياً ، وكانت أيضاً مسلوبة عن شىء ما آخر . كأنك قلت : ما عليه علامة  
ج ، وكان ذلك الشىء الأخر مسلوباً عن ب . فَغلط فيهما غالط فقلبهما جميعاً ، أى  
صيّر السالبتين موجبتين ، أعنى أنه اعتقد أن أ محمولة على كل ج ، وأن ج محمولة 
على كل ب ، فإنه يجب أن يعتقد عن هاتين المقدمتين أن أ موجودة لكل ب ، وهو 
ضد الحق . ويكون كذب هذا نتيجة لكون المقدمتين كلتيهما كاذبتين . 
وقوله : « فإنه يمكن أن تكون صورة ب عند أ ، وعند ب هذه الصورة وهى 
ألا تكون موجودة فى أ ولا تكون على ب بالكلية » : وإنما كان هذا النحو من الغلط 
ممكناً ، لأنه يمكن أن يكون شىء ، وهو الذى عليه علامة ج مثلاً الذى اعتقد فيه أنه 
حد أوسط حاله عند أ وعند ب اللذين هما الظرفان حاله هذه الحال ، أعنى ألاّ يكون 
موجوداً فى أ الذى هو الطرف الأكبر ، ولا يكون محمولاً على ب الذى هو الطرف 
الأصغر بالكلية ، أى لا تكون ح كلتاً ل ب لِمَا فُرِض من أن أ مسلوبة من ب سلباً 
أولّياً . فلو كانت ج كلياً ل ج - لما كان ذلك السلب أولّياً . 

وقوله : « فإن ب غير ممكن أن تكون موجودة فى شىء ألبتة من قبل أن أ قد 
فرضت [٨٢ أ] غير موجودة لشىء منها أوّلاً » - يريد : وإنما وجب ، متى أخذ شىء ما 
غيرهما ، أن يكون مسلوباً عنهما جميعاً ، أو عن أحدهما ، من قِيَل أنه غير ممكن أن  

[Page 386] تكون ب فى شىء ألبته مما توجد فيه أ. فإنه لو كان ذلك كذلك ، لكانت أ فى شىء
من ب ، وقد وُضِعَتْ ولا فى شىء منها - هذا خُلْفٌ لا يمكن . 

وقوله : « وأما أ فليس باضطرار أن تكون موجودة لجميع الأمور» التى تُسْلَب 
عنها ب لم يمتنع أن يوجد شىء مسلوبٌ عنهما جميعاً . فإذا أخذ على القلب ، أعنى على 
الإيجاب عليهما ، أنتج ايجاب أ على كل ب . وإنما أراد بذلك ليبيّن أنه ليس واجباً أن 
تكون إحدى المقدمتين هى الكاذبة ، ولذلك قال : « فقد بان كيف تكون المقدمتان  
كاذبتين » - أى : فقد بان من قِبلَ طبيعة الموجودات ، كيف يمكن ذلك . 

قال أرسطاطاليس :   

 « وأيضاً يمكن أن تكون إحدى مقدمتى القياس صادقة ، سوى أنه ليس أىّ 
المقدمات كانت ، لكن الكبرى فيهما وهى أ ج . وأما الصغرى ، وهى مقدمة 
ج ب ، فإنها على الإطلاق كاذبة ، [ 80 a]* من قِبَل أن ب غير ممكنة أن توجد فى 
شىء . فأما أ ج فقد يمكن . وذلك بمنزلة ما تكون أ موجودة لكل ج وهى ولا 
على شىء من ب بغير ذات وسط هذا هكذا ، سواء كانت المقدمات ذات وسط ، أم 
كانت غير ذات وسط ، فإن على سائر الوجوه : الكبرى صادقة ، والصغرى كاذبة 
دائما . وهذا يكون متى كان أحد الحدين يُقال على أشياء كثيرة ، ويكون الوسط ولا 
على شىء من الأصغر لهذا الوجه فقط يقع الاختداع فى الإيجاب الكلى . والقياس 
عل الإيجاب الكلى لا يكون بغير هذا الشكل . » 
التفسير 
إنما لم يمكن أن تكون المقدمة الكبرى هى الكاذبة ، والصغرى هى الصادقة 
لأنه إذا كانت الصغرى هى الصادقة ، كان الطرف الأصغر الذى هو ب داخلاً تحت 
الحدّ الأوسط الذى هو ب فيجب أن يكون إنما سلب أ عن ب بوساطة ج . وقد كنا  
فرضنا أن أ مسلوبة عن ب بغير واسطة - هذا خلف لا يمكن ، وهو الذى أراد 
بقوله : « من قبل أن ب غير ممكنة أن توجد فى شىء » - يريد : وإنما لم يمكن أن تكون 

[Page 387] الصغرى هى الصادقة ، من قِبل أنه غير ممكن أن تكون داخلةٌ تحت شـىء ما ، أى
تحت كُلّى ، وذلك الكلىّ مسلوبٌ عنه أ ، وتكون أ مسلوبة عن ب سلبهاً أولياً ، أى 
بغير وسط . 

وقوله : « فأما ج فقد يمكن » - يريد : فأمّا أن تكون أ موجودة لكل ج ، أى 
تكون ح منطوية تحتها و جزءاً منها وتكون هى مسلوبة عن ب سلباً أوليّا - فقد يمكن 
ذلك . وهو الذى أراد بقوله : « بمنزلة ما تكون أ محمولة على كل ب ، وهى محمولة 
ولا على شىء من ب بغير ذات وسط ، سواء كانت المقدمة ذات وسط ، أم كانت غير 
ذات وسط ، يعنى أن المقدمة الكبرى يعرض لها إذا كانت صادقة فقط أن يكون 
الطرف الأكبر مسلوباً عن الأصغر سلباً أوّلياً ، سواء كانت المقدمة الكبرى بوسط أو 
بغير وسط . وذلك أنه إن كانت بوسط ، كانت ح منطوية تحتها ككونها منطوية تحتها 
بغير وسط . فأمكن أن تسلب عن ب سلباً أوّلياً. 

وقوله : « فإن على سائر الوجوه ، الكبرى صادقة والصغرى 
كاذبة » - يريد : يتساوى الأمر فى كون الكبرى ذوات وسط ، أو غير ذوات 
وسط . وذلك أن الكبرى توجد على جهتين : إما بلا وسط ، وإمّا بوسط . وإن 
كانت بوسط فإمّا واحداً ، وإما أكثر من واحد . ولذلك اخرج القول مخرج  
الجمع ، لا مخرج التثنية فقال : « فإن على سائر الوجوه : الكبرى صادقة والصغرى 
كاذبة » . 

وقوله : « وهذا يكون متى كان أحد الحدين يقال على أشياء كثيرة ، ويكون
الوسط ولا على شىء من الأصغر » - يريد : وإنما يعرض أن تكون المقدمة الكبرى
صادقة ، والصغرى كاذبة ، متى كان الأكبر يحمل على أشياء كثيرة ، تؤخذ تلك
الأشياء حدوداً وُسُطاً ، ويكون الحد الأوسط مسلوباً عن الأصغر . فإنه متى أخذت
السالبة موجبة ، عَرَضَ فيما كان سالباً أن ظن موجباً . ويحتمل أن يقصد
بقوله : « متى كان يقال على أشياء كثيرة » الإعلام بالجادة التى يعرض فيها أن تكون

[Page 388] المقدمة الكبرى الصادقة ذات وسط . وذلك أن قوله « متى كان أحد الحدين يحمل
على أشياء » إن فهمنا منه أنها فى مرتبة واحدة ، كان التفسير الأول . وإن فهمنا منه
أن تلك الأشياء الكثيرة بعضها تحت بعض ، أعنى إن فهمنا منه الترتيب ، كان
التفسير الثانى .

وقوله : « فبهذا الوجه يقع الاختداع فى الإيجاب الكلى » - يريد أن الخدعة فى
السلب الأول إنما تقع من الوجهين فقط ، أعنى أن تكون المقدمتان كاذبتين ، أو
الصغرى كاذبة فقط . والقياس بالإيجاب الكلى لا يكون بغير هذا الشكل ، يريد أن
الخدعة فى السلب الكلى إذا ظن به أنه موجب كلى ، ليس يكون الاّ فى الشكل
الأول ، إذْ كان الموجب الكلى لا يُنْتج إلاّ فى الشكل الأول .

قال أرسطاطاليس :
« أما القياس على السالب الكلى فإنه يكون فى [٨٣ أ] الشكل الأول فى
الأوسط . فلنخبر أولاً على كم ضربٍ يكون فى الشكل الأول ، وبأىّ حالٍ تكون
المقدمات . وذلك أنه ممكن أن يكون قياس على ذلك . وكلتا المقدمتين
كاذبتان ، بمنزلة ما تكون أ موجودة ل ج و ل ب بغير وسط . فإذا أخذت أ ولا على
شىء من ب ، وأخذت ج لكل ب ، فإن كلتا المقدمتين كاذبتان . »
التفسير  

لَما بيّن كيف يعرض الغلط فى السالب الكلى الأول من قِبَل القياس ، حتى
يظنّ به أنه موجبٌ كلّى ، وفى أى شكل يعرض ، وعلى كل جهة يعرض - أخَذ يبين
كيف يعرض عكس هذا ، أعنى أن يطن فى الموجب الكلى أنه سالب . واستفتح أولاً
فعرّف الأشكال التى يقع فيها هذا الغلط ، فقال إنه يقع فى شكلين فى الأول ، وفى
الوسط ، بخلاف الغلط فى السالب ، فإنه لا يقع إلاّ فى شكل واحد فقط ، وهو
الأول .
ولما أخبر أنه يقع فى شكلين قال : « فلنخبر على كم ضربٍ يكون فى الشكل

[Page 389] الأول » - يعنى بالضروب : كون المقدمتين كاذبتين ، أو كون إحداهما كاذبة .

وقوله : « بأىّ حال تكون المقدمات » - يعنى : فى كون كلتيهما كاذبة أو
إحداهما .

وقوله : « وذلك أنه ممكنٌ أن تكون كِلتا المقدمتين كاذبتين » إلى آخر
قوله - يريد : وذلك أنه ممكنٌ أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين بأن يوجد شىء ما
موجوداً لشيئين بغير وسط . وذلك الشيئان غير موجودٍ أحدهما للآخر ، بمنزلة حال
الأجناس مع الأنواع التى تحتهما . فإذا سَلَبَ سالبٌ الجنسَ عن أحد نوعيه ، وحَمَلَ
ذلك النوع على ذلك النوع الأخر، فإنه يَعّرض له أن ينتج سلب الجنس عن
النوع . مثال ذلك إن أخذ آخذ أنه : ولا بَغَل واحداً حيوانٌ ، وأخذ أن كل حمار
بغل ، فإنه ينتح ولا حمار - واحداً حيوان وهى سالبة كلية كاذبة بالكل ، مقابلة
لموجبة كلية صادقة بغير وسط . وهى لازمة عن مقدمتين كاذبتين بالكل . وهذا أراد
بقوله : « بمنزلة ما تكون أ موجودة ل ج و ل ب بغير وسط » - يريد : وتكون ج
غير موجودة ل ب . فإذا أخذ أن أ التى هى الجنس ، أعنى الطرف الأكبر : ولا على
شىء من ج ، الذى هو أحد النوعين ، وأخذ ج الذى هو النوع الأخر ، على كل ب
الذى هو النوع الثانى ، وهو الطرف الأصغر- فبيَّنٌ أنه ينتج فى الشكل الأول أن أ
ليست على شىء من ب ، أعنى أن الجنس ليس فى أحد نوعيه ، وهو كذب يقابل
الصادق الذى بغير وسط .

قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً فقد يمكن أن تكون احدى مقدمتى القياس كاذبة ، أيهما كانت . وذلك
أنه يمكن أن تكون أ ب صادقة ، و ج ب كاذبة . وصدق أ ج من قِبَل أن أ ليست
موجودة لجميع الأشياء ، وكذب ج ب [٨٣] أيضاً من قبل أنه غير ممكن أن تكون
ج التى أ غير موجودة لشىء منها موجودة ل ب . وإلاّ صارت مقدمة . »
أ ب كاذبة . وأيضاً لو كانت كلتاهما صادقتين ، لوجب أن تكون النتيجة صادقة . »

[Page 390] التفسير
يقول : وأيضاً متى كان شىء ما موجوداً فى كُلِّ بغير وسط ، مثل أن تكون أ
موجودة فى كل ب ، فقد يمكن أن يعاند بقياس صحيح الشكل تكون مقدمته
الكبرى صادقة والصغرى كاذبة ؛أو بقياس تكون مقدمته الكبرى كاذبة والصغرى
صادقة . ثم ذكر التأليف الذى يلزم فيه أن تكون المقدمة الكبرى هى الصادقة
والصغرى هى الكاذبة ، وهى أن يأخذ المحمول فى المقدمة الموجبة المفروضة مسلوباً
فى شىء ما ، مثل أن يأخذ أ مسلوبة عن ج ، ويأخذ ج موجودة لكل ب فإنه ينتج
عن ذلك أن أ مسلوبة عن كل ب ، وهى نقيض الموجبة الكلية ، وذلك عن مقدمتين
إحداهما صادقة ، وهى كون أ مسلوبة عن ج لأننا نجد شيئاً تكون أ مسلوبة
عنه ، والأخرى كاذبة وهى كون ج فى كل ب . فإنه يلزم عن هذا التأليف أن تكون
أ غير موجودة لشىء من ب ، وذلك نقيض الصادق الموضوع . فلذلك يلزم أن تكون
المقدمة الصغرى كاذبة وهى كون ج فى كل ب . ومثال ذلك من المواد أن
نأخذ : الحيوان موجود لكل إنسان ، والحيوان : الذى عليه علامة أ ، والانسان : الذى
عليه علامة ب ؛ ونأخذ الحجر الذى عليه علامة ج . ثم نأخذ : الحيوان ولا على
واحد من الحجر ، والحجر على كل إنسان ، فينتح أن : الحيوان ولا على إنسان
واحد - وهى سالبة كاذبة مناقضة لموجبة صادقة أوّلية أُنتجت عن مقدمتين كبراهما
صادقة وهى سالبة ، وصُغراهما كاذبة وهى موجبة .

فقوله : « وذلك أنه يمكن أن تكون أ ح صادقة ، و ح ب كاذبة ، يعنى أنه
متى أخذنا أ موجودة فى كل ب صادقاً بغير وسط ، فقد يلزم إذا أخذنا شيئاً ما عليه
علامة ج ، وسلبنا أ عن ج ، وأوجبنا ح لكل ب - أن يكون سلب أ عن
ج صادقاً ، وإيجاب ج لكل ب كاذباً . وينتج عن ذلك أن أ ليست موجودة لشىء
من ب سالبة كلية كاذبة .

[Page 391] 
وقوله : « وصدق أ ج من قِبَل أن أ ليست موجودة لجميع
الأشياء » - يريد : وصدق سلب أ من ج من قِبَل أنه واجب ، أى يوجد شىء
يسلب عنه أ ، إذْ كانت أ ليست موجودة لجميع الأشياء.

ثم قال : « وكذب ح ب من قِبَل أنه غير ممكن أن تكون ح التى أ غير موجودة
لشىء منها موجودة ل ب ، و إلاّ [٨٤ أ] صارت مقدمة أ ب كاذبة » - يريد : وكذب
حمل ج على كل ب هو واجبٌ ضرورةً ، من قِبَل أنه غير ممكن أن تكون ج ، وهى
مسلوبة عن كل أ ، موجودة لكل ب . لأنه لو كانت هذه صادقة ، والمقدمة الكبرى
صادقة ، لأنتجنا نتيجة صادقة وهى أن : أ ولا على شىء من ب . ولو كانتا
صادقتين ، لكذبت أ على كل ب ، وقد كنا فرضنا أ على كل ب هى الصادقة بغير
وسط . وإنما كان هذا واجباً ، لأن اللازم عن مقدمتين صادقتين هى نتيجة صادقة .

قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً فقد يمكن أن تكون ح ب صادقة ، فأما الأخرى فكاذبة . وذلك
بمنزلة ما تكون أ موجودة فى كل ج وفى كل ب ، فمن الاضطرار أن تكون إحدى
هاتين المقدمتين تحت الأخرى ، فإن أ غير موجودة لشىء من ح تكون المقدمة
كاذبة .

فقد بان أنه يكون قياس ينتج نتيجة كاذبة ، وإحدى مقدمتيه كاذبة أم
كلتاهما . »
التفسير
لمَا بيَن متى يعرض أن يعمل قياس كاذب على السالب الكلى المناقض للموجب
الكلى الصادق بغير وسط إذا أخذت كلتا المقدمتين كاذبتين معا ، وإذا أخذت
الصغرى كاذبة والكبرى صادقة - يريد أن يبيّن أيضاً متى يعرض أن يعمل مثل هذا
القياس وتكون الصغرى هى الصادقة والكبرى الكاذبة ، فقال إن ذلك يعرض إذا

[Page 392] كان معنا مثلاً أن محمولاً ما موجود فى كل موضوع ما بغير وسط ، مثل أن تكون أ
موجودة فى كل ب . ولنأخذ ما يدل عليه أ : هو المحدث ، وما يدل عليِه ب : هو
الحائط ، فيكون معنا أن : أ فى كل ب ، أى : المحدث فى كل حائط - قولاً صادقاً
بغير وسط .

فإذا أردنا أن ننتج سالبة كاذبة مناقضة لهذه القضية بأن تكون الكبرى كاذبة
والصغرى صادقة ، طلبنا محمولاً آخر يوجد فى ذلك الموضوع الأول بعينه ، مثل أن
نأخذ ج فى كل ب ، وليكن بدل ح : الجسم ، فيكون معنا : الجسم فى كل
حائط ، والمحدث فى كل حائط . ولأنه يلزم عن هذا أن يكون بعض أحد الحدّين
تحت الأخر، يكون صادقاً أن بعض أ هو ج ، أعنى أن بعض المحدث
جسم ، لكون التأليف فى الشكل الثالث . فإذا أخذنا أ ولا على شىء من ج ، أعنى
المحدث ولا على شىء من الجسم ، وأخذنا ج على كل ب ، أعنى أن الجسم عل كل
حائط - أنتج لنا أن : المحدث ولا على حائط ، أى أن أ ولا على شىء من
ب ، وذلك سالب كلىّ مناقض للموجب الذى وضعنا . والكذب فى الكبرى من
هذا القياس ، وهى القائلة [٨٤ ب ] إن أ ولا على شىء من ج ، أى : المحدث ولا
على شىء من الجسم . فقوله : « فقد يمكن أن تكون ح ب صادقة ، يعنى : المقدمة
الصغرى ، وهى فى مثالنا : الجسم على كل حائط . - وقوله : « وأما الأخرى
فكاذبة » - يعنى قولنا : أ ولا على شىء من ج ، أى : المحدث ولا على شىء من
الجسم .

ثم عرّف متى يعرض هذا ، وفى أىّ نوع من المحمولات يعرض ، فقال :
« بمنزلة ما تكون أ موجودة فى كل ج وفى كل ب » - يريد : بمنزلة ما تكون أجزاء من
شيئين اثنين أحدهما عليه ب والأخر عليه ح ، أى : يحمل ج و ب على كل
أ ، بمنزلة ما يحمل المحدث والجسم على كل حائط . ثم قال : « فمن الاضطرار أن
تكون إحدى المقدمتين تحت الأخرى » - يريد : فمن الاضطرار أن يكون بعض ذينك

[Page 393] الشيئين الموجودين فى كل شىء واحد داخلاً تحت الأخر ، أعنى أن يكون بعض ب
داخلاً تحت ج ، وبعض ج داخلاً تحت ب لأنها اجتمعت فى موضوع ، أعنى أن
يكون بعض المحدث داخلاً تحت الجسم ، وبعض ج داخلاً تحت
ب . وبالعكس . إذا أخذت أ كما قال غير موجودٍ لشىء من ب ، أى المحدث غير
موجودٍ لشىء من الجسم ، تكون مقدمة كاذبة سالبة كبيرة ، وتكون : ج على كل
ب ، أى الجسم على كل حائط ، صغرى صادقة ، وتنتج سالبة كاذبة نقيضه
للموجبة الصادقة بغير وسط .

قال أرسطاطاليس :  

 « وأما فى الشكل الأوسط ، فغير ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين بكلتيهما
فإنه إذا كانت أ موجودة لكل ب ، فإنه لا يوجد شىء يكون محمولاً على أحد الحدين .
بالإيجاب ، وعلى الأخر بالسلب . وعلى هذا الوجه يجب أن تؤخذ المقدمات ، بأن
يكون الحد الأوسط محمولاً على أحد الحدين بالإيجاب ، وعلى الأخر بالسلب ، إذا
ما أردنا أن نعمل قياساً . فأمّا متى أخذناه على هذه الصورة ، كانتا كاذبتين ،
فمعلوم إذا أخذنا بالضد من هذه الحال فإنهما يوجدان بالعكس مما هو ، وغير ممكن
أن تكون بهذه الحال . »
التفسير
لما بيَّن كيف يعرض الكذب فى المقدمتين إذا كانتا فى الشكل الأول ، انتقل إلى
تعريف ذلك فى الشكل الثانى فقال : « فأما الأوسط فغير ممكن . . . » إلى قوله :
« نعمل قياساً » - يريد : فأما فى الشكل الثانى فغير ممكن أن يعرض فيه قياس يُوهم فى
الموجب الكلى أنه سالب كلى ، وتكون كلتا المقدمتين كاذبتين . فأنه مثلاً إذا كانت أ
موجودة ل ب ، فإنه ليس يمكن أن نعتقد أن أ غير موجودة ل « ب من قِبَل مقدمتين
كاذبتين فى الشكل الثانى إلاّ بأن [ ٨٥ أ] نجد شيئاً يحمل على أحد الحدين ، أعنى أ أو
ب بإيجاب ، ويحمل على الحد الآخر بسلب . فإنه لو وجد شىء بهذه الصفة ،
لأمكن أن ينعكس الأمر فنسلبه عن الشىء الذى هو موجب له ، ونوجبه على شىء

[Page 394] هو سالب له فكان أن تكون نتيجة سالبة كاذبة عن مُقدمتين كاذبتين في الشكل
الثاني . لكن إذا وُجد شيء لشيء أو لكله ، فليس يمكن أن يوجد شيء موجود لأحدهما
بالكل ، ومسلوبٌ عن الثاني بالكل . لأنه لو كان ذلك كذلك ، لكان ذلك
الشيئان غير موجود أحدهما للآخر ، وقد كنا فرضناه موجوداً هذا خلف لا يمكن ،
وهو الذي أراد بقوله : « فإنه لا يوجد شيء يكون محمولاً على أحد الحدين بالإيجاب ،
وعلى الأخر بالسلب » - يعني : وأحد الحدين موجود للثاني .

وقوله : « وعلى هذا الوجه يجب أن تؤخذ المقدمات بأن يكون الحد الأوسط
محمولاً على أحد الحدين بالإيجاب وعلى الآخر بالسلب إذا ما أردنا أن نعمل قياساً »
- يعنى أنه إذا أردنا أن نعمل فى الشكل الثانى قياساً يسلب به أحد الحدين عن
الثانى ، فلا بد أن نأخذ حداً أوسط نسلبه عن الحد الواحد ، ونوجبه للثانى .

وقوله : « فأما متى أخذناه على هذه الصورة ، كانتا كاذبتين ، فمعلومٌ إذا
أخذنا بالضد من هذه الحال أنهما يوجدان بالعكس مما هو » - يريد : فأما لو وُجد حدٌّ
أوسط بهذه الصفة ، أعنى موجباً لأحد الطرفين مسلوباً عن الثانى ، والمقدمتان
كاذبتان ، فمعلومٌ بنفسه إذا أخذنا تلك المقدمتين بالضد ، أعنى أخذت الموجبة منهما
سالبة ، والسالبة موجبة - لكانتا صادقتين ولأنتجتا سالبة صادقة . لكن ليس يمكن
أن يوجد حدُّ أوسط بهذه الحال ، أعنى بين الحدين اللذين أحدهما للآخر
بإيجاب . وهذا هو الذى أراد بقوله : « وغير ممكن أن يكون بهذه الحال » يَعْنى كون
الحد الأوسط من الطرفين مسلوبا عن أحدهما ، وموجباً للثانى ، وكلاهما كاذب بين
شيئين أحدهما موجود .

قال أرسطاطاليس :

[Page 395] موجود لكل أ هو موجود أيضا لكل ب [ 80 b]* فإن أخذت ج موجودة لكل أ ،
وغير موجودة لشيء من ب أما مقدمة ح أ . فتكون صادقة ، وأما مقدمة ج ب
فتكون كاذبة . وأيضاً فإن ما هو غير موجود لشيء من ب فإنه ليس هو أيضاً موجوداً
لجميع أ ، من قِبَل أنه إن كان موجوداً ل أ فهو موجود ل ب . لكن ليس هو حقاً
موجوداً ل ب . فإن أخذت ج [ ٨٥ ب ] لكل أ وغير موجودة لشيء من ب : أما
مقدمة ح ب فتكون صادقة ، وأما مقدمة ح أ فتكون كاذبة . »
التفسير

لما عرّف أنه ليس يمكن فى الشكل أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين بالكلى فى
هذا النوع من الغلط ، وأنه يمكن أن تكونا كاذبتين بالجزء - يريد أن يعرف أنه قد
يمكن فى هذا الشكل أن تكون إحدى المقدمتين كاذبة والأخرى صادقة ، وذلك فى
الضربين منه ، أعنى الذى كبراه موجبة كلية وصغراه سالبة كلية ، والذى كبراه سالبة
كلية وصغراه موجبة كلية . فيعرض إذن . هاهنا أربعة أضرب : ضربان فى الضرب
الذى كبراه موجبة وصغراه سالبة ،- وذلك أنه قد تكون الكبرى الموجبة هى الكاذبة
والصغرى السالبة هى الصادقة . وكذلك يعرض فى الصنف الذى كبراه سالبة
وصغراه موجبة . هذان الصنفان جميعاً : أعنى أن تكون السالبة الكبرى هى
الصادقة ، والموجبة الصغرى هى الكاذبة ؛ وبالعكس ، أعنى أن تكون السالبة
الكبرى هى الكاذبة ، والموجبة الصغرى هى الصادقة . فابتدأ من هذا بالضرب الذى
كبراه موجبة صادقة وصغراه سالبة كاذبة فقال : « فإن ما هو موجود لكل أ هو موجودُ أيضاً
لكل ب . وهذا بينٌ من قبل أن أ ، التى هى الظرف الأكبر ، فرضناها موجودة لكل
ب التى هى الطرف الأصغر . ثم قال : « فإن أخذ ج لكل أ ، وغير موجود لشىء
من ب . أما مقدمة ح أ فتكون صادقة ، وأما مقدمة ج ب فتكون كاذبة » - يريد :
فإن أخذ شىء مما يوجد لكل أ ، كأنك قلت : ح حدّاً أوسط . فَحَمَلّته على كل أ

[Page 396] بإيجاب ، وسَلَبته عن كل ب ، فإن مقدمة ح أ ، أعنى الكبرى التى يحمل فيها د
على أ - تكون صادقة ، ومقدمة ح ب ، أعنى التى تُسْلب فيها ح عن ب تكون
كاذبة . لأنه إذا كان أ على كل ب ، وكانت ج على كل أ ، فإنه يجب ضرورة أن
تكون على كل ب . فلذلك ما يجب أن يكون ما أخذنا من كونها ولا على شىء من
ب : كاذباً .

ولما عرّف كيف يعرض أن تكون المقدمة الكبرى صادقة ، والصغرى كاذبة فى
الصنف الذى كبراه موجبة وصغراه سالبة من الشكل الثانى ، يريد أن يعرّف أيضاً
كيف يعرض فى هذا الصنف عكس هذا ، أعنى أن تكون الكبرى [٨٦ أ] الموجبة
كاذبة ، والصغرى السالبة صادقة ، فقال : « وأيضاً فإن ما هو غير موجود لشىء من
ب فإنه ليس هو موجوداً لجميع أ ، من قبل أنه إن كان موجوداً لجميع أ فهو موجود ل
ب ، يعنى من قِبَل أن أ قد فرضت لكل ب » - يريد : فقد يعرض أن تكون الموجبة
الكبرى هى الكاذبة ، والصغرى السالبة هى الصادقة متى أُخِذ حدّاً أوسط شىءٌ هو
مسلوب عن كل ب الذى هو الظرف لا الأصغر . فكأنك قلت : ما عليه علامة ج
فإن هذا يلزم فيه ضرورةً أن يكون مسلوباً عن كل أ الذى هو الطرف الأكبر ، لأنه
إن كان موجوداً للألف ، وكان قد وضعنا أن أ فى كل ب ، لزم أن يكون فى ب ،
وقد فرضناه ليس فى شىء منها - هذا خلف لا يمكن . فإن وضعنا فى مثل هذه المادة
أن ج موجودة لكل أ ، وأنها غير موجودة لشىء من ب ، تكون الكبرى الموجبة
كاذبة ، أعنى مقدمة ج أ ، والصغرى السالبة صادقة ، أعنى مقدمة ج ب وتنتج
سالبا كلّياً .
قال أرسطاطاليس :
« فأما متى كانت كاذبة فى البعض ، فليس مانعٌ يمنع أن تكون كلتا المقدمتين
كاذبتين ، مثل أن تكون ح موجودة لبعض أ ولبعض ب ، فإن أخذت ج موجودة
لكل أ ولا على شىء من ب ، فإن المقدمتين كلتيهما كاذبتان ليس فى الكل ، لكن فى
لبعض . وعلى هذه الصورة تكون وإن أخذت السالبة بالعكس . »

[Page 397] التفسير
هذا الذى قاله أمر معروف بنفسه . وذلك أنه قد يمكن أن يكون شىء ما
موجوداً فى كل شىء ما ، ويكون شىء آخر موجوداً فى بعض هذا ، أو فى بعض
هذا . فإذا أخذ أنه مسلوب عن كل الواحد منهما وموجود فى كل الأخر ،أنتج أن
أحد ذينك الشيئين غير موجود للآخر ، وفى الشكل الثانى ، وتكون المقدمتان كاذبتين
بالجزء : الكلية لكونها سالبة جُزئية ، والموجبة الكلية لكونها موجبة جزئية . مثال
ذلك : أن يكون الحيوان موجوداً فى كل انسان ، والابيض موجود فى بعض الحيوان
وبعض الإنسان ، فيأتلف القياس الكاذب المقدمتين بالجزء هكذا :
كل حيوان أبيض
ولا انسان واحداً حيوان
ينتح أنه : ولا إنسان واحداً حيوان .

وبالعكس إن نأخذ : ولا حيوان واحداً أبيض ، وكل إنسان أبيض .

قال أرسطاطاليس :  

 « وأيضاً فإن ما هو غير موجود لشىء من ب ، فإنه ليس هو أيضاً موجوداً ل أ ،
من قِبَلِ أنه إن كان موجوداً ل أ فهو موجود ل ب [ ٨٦ ب ] لكن ليس هو حقاً
موجوداً ل ب . فإن أخذت ح لكل أ أو غير موجودة لشىء من ب ، تكون مقدمة
ح ب صادقة ، فأمّا ح ب فتكون كاذبة . وعلى هذا المثال . فإن غير مكان
السالبة ، وذلك أن ما هو غير موجود لشىء من أ ليس يكون موجوداً ولا ل ب
أيضاً . فإن أخذت ح موجود لكل ب ، وغير موجودة لكل أ فأنه تكون مقدمة ح
أ صادقة ، والأخرى كاذبة . »
التفسير لما بين كيف يعرض فى الصنف الذى كبراه موجبة وصغراه سالبة أن تكون
الكبرى هى الصادقة والصغرى هى الكاذبة ، وكيف يعرض أيضاً عكس
هذا ، أعنى أن تكون الموجبة الكبرى هى الكاذبة والسالبة الصغرى هى
الصادقة - أخذ يبين كيف يعرض هذان الضربان فِى الصنف من الشكل الثانى الذى

[Page 398] كبراه سالبة كلية وصغراه موجبة كلية - فقال : « وأيضاً فإن ما هو غير موجود لشىء من
ب ، فإنه ليس هو أيضاً موجوداً ل أ » - يريد : وإذا كانت أ التى هى الطرف الأكبر
قد فرضناها موجودة لكل ب الذى هو الطرف الأصغر ، فإن ما كان غير موجود
لشيء من ب الذي هو الطرف الأصغر ، كأنك قلت : ما عليه علامة ج ، فإنه
ليس يمكن أن يوجد لجميع أ ، لأنه لو وجد لجميع أ لوجد لجميع ب . وقد قلنا أنه
غير موجود لها - هذا خلف لا يمكن . فإذا أخذنا فى مثل هذه المادة أن ج التى هى
الحدّ الأوسط غير موجودة لشىء من أ وموجودة لكل ب ، تكون مقدمة
ح ب الصغرى الموجبة كاذبة ، ومقدمة ح أ الكبرى السالبة صادقة .

قال أرسطاطاليس :
« وعلى هذا المثال إن غير مكانُ السالبة . وذلك أن ما هو غير موجود لشىء من
أ ليس يكون موجوداً ولا ل ب أيضاً . فإن أخذت ح غير موجودة لشىء من أ
وموجودة لكل ب فإنه تكون مقدمة ح أ صادقة ، والأخرى كاذبة . »
التفسير
لما بين كيف يعرض فى الصنف الذى كبراه من هذا الشكل موجبة ، وصغراه
سالبة أن تكون الكبرى هى الكاذبة حيناً والصغرى حيناً - يريد أن يبين كيف
يعرض هذا فى الصنف الآخر ، أعنيِ الذى كبراه سالبة وصغراه موجبة ، وهو الذى
أراد بقوله : « وعلى هذا المثال إن غير مكانُ السالبة » . وابتدأ يذكر فى هذا الصنف
كيف تكون المقدمة [٨٧ أ] الكبرى هى الصادقة ، أعنى السالبة ، والصغرى هى
الكاذبة أعنى الموجبة فقال : « وذلك أن ما هو غير موجود لشىء من أ ليس يكون
موجوداً ولا ل ب » - يريد لأنه لو كان موجوداً ل ب - وقد فرضنا أ موجودة لكل
ب - لكان موجوداً ل أ ، وقد فُرِض غير موجود لها ، هذا خلف لا يمكن .

ثم قال : « فإن أخذت ح غير موجودة لشىء من أ وموجودة لكل ب ، فإنه تكون ح أ صادقة ( يعنى الكبرى السالبة ) ، والأخرى كاذبة » يعنى الموجبة
الصغرى . ومثال ذلك أنه إذا كان الحيوان موجوداً لكل إنسان ، ثم أخذنا شيئاً
مسلوباً عن الحيوان كله ، فإنه يجب ضرورة أن يسلب عن الإنسان . كأنك

[Page 399] قُلْتَ : الأزلية . فمتى ألّفنا القياس هكذا :
لا حيوان واحداً أزلى
و < الانسان أزلى >
أنتح لنا أن : الانسان ليس بحيوان
عن قياس فى الشكل الثانى كبراه سالبة صادقة وصغراه كاذبة موجبة .

قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً فإن ما هو موجود لكل ب غير موجود لشىء من أ هو كذلك ، إذ كان
من الاضطرار : ما كان موجوداً لكل ب فهو غير موجود ل أ أيضاً . فإن أخذت
ج موجودة لكل ب وغير موجودة لشىء من أ فتكون ح ب صادقة و ح أ كاذبة .
فقد ظهر متى يكون الاختداع بالقياس فى المقدمات الغير ذوات أوساط عند
كون مقدمتى القياس كاذبتين ، وعند كون إحداهما كاذبة فقط . »
التفسير  

لما عرَّف كيف يعرض أن تكون السالبة الكبرى صادقة ، والموجبة الصغرى
كاذبة - يريد أن يعرّف المادّة التى يَعْرض فيها عكسُ هذا ، وهى أن تكون السالبة
الكبرى هى الكاذبة والموجبة الصغرى هى الصادقة . فقوله : « وأيضاً فإن ما هو
موجود لكل ب غير موجود لشىء من أ هو كذبٌ ، إذ كان من الاضطرار ما كان
موجوداً لكل ب فهو ل أ » - يريد : وإذا كانت أ موجودة لكل ب ، فإنه يلزم أن
يكون كل ما هو موجود لكل ب ألاّ يكون غير موجود لشىء من أ ، لأنه إن كان غير
موجود لشىء من أ ، وهو موجود لكل ب ، لزم عن ذلك فى الشكل الثانى أن يكون
« أ » أولا فى شىء من ب . وقد وُضِعَت موجودة فى كل ب - هذا خلف لا يمكن . فإذن
من الاضطرار كل ما كان موجوداً لكل ب أن يكون موجوداً ل أ . ثم قال : « وإذا
أخذت ح موجودة لكل ب ، وغير موجودة لشىء من أ ، تكون ح ب صادقة و ح أ

[Page 400] كاذبة » - يريد : تكون مقدمة ح ب صادقة وهى [٨٧ ب ] القائلة إن ج موجودة فى
كل ب وهى الصغرى ، وتكون مقدمة ح أ كاذبة وهى القائلة ج ولا فى شىء من أ
وهى الكبرى السالبة .

ولما كان قد تبيّن أن ضدّ السالب الكلى إنما هو الموجب الكلى ، كان الغلط
العارض فى السالب الكلىّ إنما يعرض فى الشكل الأول ، على ما قال . ولما كان
التغليط فى الموجب أيضاً إنما يعرض فى الشكل الأول والثانى من جهة أن ضد الموجب
هو السالب ، وكان قد ذكر أصناف المقايس الكاذبة العارضة فى هذين الشكلين فى
كل واحدة من المقدمتين ، أعنى الموجبة الكلية والسالبة الكلية المعروفتين
بأنفسهما - لزمه أن يكون بإحصائه ما يقع من ذلك فى هذين الشكلين قد أحصى جميع
المقاييس الكاذبة التى تعرض فى هاتين المقدمتين ، أعنى الموجبة والسالبة الغير ذات
وسط . ولهذا قال : « فقد ظهر متى يكون الاختداع بالقياس فى المقدمات الغير ذات
أوساط عند كون مقدمتى القياس كاذبتين ، وعند كون إحداهما كاذبة » - يريد : وذلك
أمّا فى الشكل الأول : فى التغليط الذى يعرض فى المقدمة السالبة ، وأما فى الشكل
الأول والثانى : فى التغليط الذى يعرض فى المقدمة الموجبة .

١٧ - < الجهل والغلط الناشئان عن قضايا ذوات أوساط >

قال أرسطاطاليس :
« فأما المقدمات ذوات الأوساط إن كان القياس الناتج الكاذب ذا وسط ذاتى
فانه غير ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، لكن الكبرى منهما فقط . ومعنى
قولنا وسطاً مناسباً : الوسط الذى به يكون القياس على الضد . »
التفسير
لما ذكر أصناف المقاييس الكاذبة من قِيَل مقدماتها التى تعرض فى الأوائل
المعروفة بأنفسها الموجبات منها والسوالب - يريد أيضاً أن يذكر أصناف المقاييس
الكاذبة من قِبَل مقدماتها التى تعرض فى المطالب التى تتبين بمقاييس صحيحة
المقدمات فابتدأ فقال : فأما المقدمات ذوات الأوساط فإن كان القياس الناتج الكاذب

[Page 401] ذا وسط ذاتى ، فإنه غير ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين » - يريد : وأما
المقدمات التى تتبين بمقاييس بسيطة فإن كان القياس المنتج لضد المقدمة التى بانت
بالوسط نفسه ، أعنى بأن يحمل على أحد الأطراف على غير الجهة التى هو عليها فى
نفسه ، فإنه ليس يتفق أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، لكن الكبرى منهما .

ثم قال : ومعنى قولنا « وسطاً مناسباً » : الوسط الذى به يكون القياس على
الضد » - يريد : ومعنى [٨٨ أ] أشتراطنا أن يكون القياس الكاذب من قِبَل مقدماته
بوسط ذاتى مناسب أن يكون ذلك الوسط بعينه الذى أُخذ فى القياس الصحيح هو
بعينه الوسط الذى أنتج به ضد ما اقتضاه طبعه ، وهو الكاذب .

قال أرسطاطاليس :
« فلتكن الآن أ موجودة ل ب بوسط ج . أما مقدمة ح ب متى كان القياس
مزمعاً أن يكون من الاضطرار فإنها تكون موجبة . وهذه فصدقها يكون دائماً ولا
ينقلب . فأما مقدمة أ ح فتكون كاذبة ، من قِبَل أن هذه يمكن أن تنقلب فيحصل
بها القياس على الضد . »
التفسير  

يريد : مثال ذلك أنه متى أخذنا بدل الطرف الأكبر فى قياس ، صحيح ما عليه
أ ، وبدل الأصغر ما عليه ب . وأخذنا أن أ موجودة ل ب بوسط عليه علامة
ج ، مثل أن نأخذ أ على ج ، و ج على ب - فينتج لنا أن أ على كل ب ، وهى
نتيجة صحيحة بوسط مناسب عن مقدمات صادقة . فأنه متى كان الأمر
هكذا ، وعَرَضَ لنا أن غلطنا فأنتجنا بهذا الوسط بعينه ، أعنى ج ، أن أ ليست فى
شىء من ب ، فإنه ليس يمكن أن نغلط فى المقدمة الصغرى الموجبة القائلة إن ج على
كل ب . فإنه أن غلطنا فى هذه فقط ، فأخذنا : ج ولا على شىء من
ب ، وأخذنا : أ على كل ح ، لم ينتج لنا من ذلك شىء ، إذ كان قد تبين أن من
شرط القياس السالب فى الشكل الأول أن تكون الصغرى موجبة . فإذن إنما

[Page 402] يعرض لنا فى هذا المطلوب قياس صحيح الشكل كاذب من قبل مقدماته إذا توهمنا
المقدمة الكبرى الموجبة فيه سالبة . ولذلك قال فى المقدمة الصغرى : « فصدقها دائماً
ولا تنقلب » - يريد : بحسب النتيجة ، إذ كان شرطنا فى هذا الغلط أن يكون
القياس صحيح الشكل ، وهو الذى دلّ عليه بقوله : « متى كان القياس مزمعاً أن
يكون من الاضطرار » .

ثم قال : فأما أ ح فتكون كاذبة من قِبَل أن هذه يمكن أن تنقلب فيحصل
بها القياس على الضد » - يريد : فأمّا مقدمة أ ح الكبرى الموجبة ، أعنى التى أخذ
فيها أن أ على كل ج فى القياس الصادق ، فيمكن أن تُقْلب فيوجد بدلها : السالبة
المقابلة لها . فيكون عن ذلك ، قياس نتج منه القياس الصحيح ، أعنى أنه ينتج سالباً
كليا ، وقد كان القياس < الصحيح > أنتج موجبا كلياً .

قال أرسطاطاليس :
« وعلى هذا المثال إن أخذ الوسط قريباً من المناسب [٨٨ ب ] مثل أن تكون ج فى
كل أ ومحمولة على كل ب ، فقد يجب ضرورة أن تكون مقدمة ح ب ثابتة على حالها
. فأما المقدمة الأخرى فتقلب ، ولذلك تكون دائماً صادقة . وأما هذه فتكون دائماً
كاذبة . والخدعة واحدة إذا كان الوسط فى القياس مناسباً ، أو قريباً من
المناسب . »
التفسير
الحد الأوسط المناسب هو الذى ينتج ، بطبيعته ، الصادق فى كل مادةٌ ، أعنى
بجهة حمله الطبيعى . فإذا كان هاهنا شىء يحمل بالطبع على شىء ، ويحمل عليه
شىء ، فهو الحدّ المناسب للشكل الأوّل . وهذا ليس يتفق فيه أن ينتج به كذب
لازم ، إلاّ أن تؤخذ المقدمة الكبرى هى الكاذبة . وأما الحدّ القريب من المناسب فهو
الذى يَعْرض له فى بعض المواد أن ينتج . مثال ذلك : الموجبتان فى الشكل الثانى إذا
كانت الكبرى منعكسة وذلك بأن تكون خاصة ، أو رسماً ، أو حداً : فإنها إذا

[Page 403] انعكست رجعت إلى الشكل الأول . فإذن متى أخذنا هاهنا بدلّ الموجبة الصغرى :
سالبة ، لم ترجع إلى الشكل الأول ، وإن كانت الكبرى منعكسة . فلذلك ليس
يمكن أن يأتلف قياس نتج من مثل هذا الحد الأوسط وتكون صغراه سالبة
كاذبة . وإنما يتفق فى مثل هذا الحد أن ينتج نتيجةٌ كاذبة لازمة متى أُخِذَتْ الكبرى
على الضد ، أعنى : سالبة . مثال ذلك : أما من الحروف فأن تكون ج التى هى
الحد الأوسط ، محمولةً على كل أ ، وتكون أيضاً محمولة على كل ب . فإذا عكسنا
الكبرى كان معنا :
أ محمول على كل ج
و ح على كل ب
فينتج لنا فى الشكل الأول أن : أ على كل ب
وأما إذا لم تنعكس الكبرى فى مثل هذا الحمل ، فليس يكون حدّاً قريباً من
المناسب . وإذا كان قريباً من المناسب يعود به إلى الشكل الأول ، كما قلنا . وكان قد
تبين فى الشكل الأول أنه ليس يمكن أن تقلب الصغرى فيكون منتجاً . فالأمر إذن
فيما يعرض من ذلك فى الحد القريب من المناسب هو بعينه ما يعرض مع
المناسب . ولذلك قال : « فالخدعة واحدة » إذا كان الوسط فى القياس مناسباً أو قريباً
من المناسب وليس يعسر عليك مثال هذا من المواد ، إذ كان ليس يقرأ هذا الكتاب
إلاّ من أحسن « أنا لو طيقى الأولى » .

قال أرسطاطاليس :  

 « فأما إن كان وسط القياس ليس مناسباً ، وكان الحد الأوسط تحت أ وغير  
موجود لشىء من ب ، فمن الاضطرار أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، إذ كان قد  
يجب أن يقلبا جميعاً ويؤخذا على الضدّ مما هما ، إن كان القياس مزمعاً أن يكون  

[Page 404] منهما . وإذا أخذت هكذا ، تكون كلتاهما كاذبتين . مثل [٨٩ أ] أن تكون أ لكل  
ج ، و ج ولا لشىء من ب ، فإنه إذا قُلِبَت هاتان ، يكون قياسٌ وكلتا  
المقدمتين فيه كاذبتان . »  
التفسير  
يقول : فأما متى كان شىء ما يوجد لكل شىء ما ، كأنك قلت : الحيوان  
على كل انسان بوسط مناسب ، وهو مثلاً الحسّاس - فالأمر فيه على ما قلنا . وأما إذا  
أخذنا فى مثل هذه النتيجة وسطاً غير مناسب ، وهو أن تأخذ ما كان داخلاً تحت  
أ ، أعنى ما كان يحمل عليه بالطبع أ وهو جزء منه ، وهو مسلوب عن الطرف  
الأصغر ، كأنك قلت : الفَرَس ، فإن مثل هذا الحد الأوسط ليس يأتلف فيه  
قياس . وذلك أنه ليس إذا كان الحيوان يحمل على كل فرس ، والفَرس ولا على شىء  
من الإنسان - أن يكون الحيوان ولا على شىء من الإنسان . فإذن هذا الوسط الغير  
مناسب قد يوجد فى المقدمات التى لها وسط مناسب . وإذا أردنا أن ننتج من هذا  
الوسط نتيجة ضد النتيجة الصادقة ، فإن ذلك ليس يتأتى لنا إلّا بأن نأخذ  
المقدمتين كاذبتين ، حتى تكون الكبرى سالبة والصغرى موجبة ، لأن هذا التأليف  
هو المنتج فى الشكل الأول : فنأخذ فى مثالنا هذا : الحيوان ولا على شىء من  
الفَرَس ، والفَرَس على كل انسان - ينتج لنا ضرورة أن الحيوان ولا على شىء من  
الإنسان . فهذا هو معنى ما يقوله فى هذا الفصل . وكلامه مما قلنا مفهومٌ بنفسه .  

قال أرسطاطاليس :  
« ومتى لم يكن الحد الأوسط تحت أ بمنزلة ج ، أمّا مقدمة أ ح فإنها تكون  
صادقة [81 a]* ؛ وأمّا مقدمة ح ب فكاذبة . أمّا صدق ج فمن قِبَل أن ج ليست  
تحت أ . وأمّا كذب مقدمة ح ب فمن قِبَل أنها لو كان صادقة ، لقد كانت تكون  
النتيجة صادقة ، إلاّ أنها كاذبة . »  

[Page 405] التفسير
يقول : فأما إذا كان شىء منتجاً بإيجاب لشىء ما ، وأُخذ وسطٌ غير مناسب  
بأن يؤخذ شىء مسلوب عن الطرفين ، أعنى عن الأكبر والأصغر ، فإن ذلك شىء  
يوجد . فإنه إذا أردنا أن نؤلف من مثل هذا الوسط قياساً صحيح الشكل ينتج ضد  
النتيجة الصحيحة ، أعنى سالبة كلية ، فإنه ليس يمكن إلاّ بأن تكون المقدمة الكبرى  
صادقة ضرورةً ، إذ كنا نأخذها ولا بد سالبة ، والصغرى كاذبة إذا كنا نأخذها ولا  
بد موجبة . ولو كانت الصغرى صادقة ، والكبرى قد وضعناها صادقة ، لزم أن  
تكون النتيجة صادقة ، وقد كنا فرضنا أن ضدها هى الصادقة . ومثال هذا من المواد  
من أنتج أن : « كل حيوان إنسان » بوسط هو : الحسّاس . ثم أخذ [٨٩ ب] وسطاً  
غير مناسب ، بكونه مسلوباً عن كليهما ، أعنى عن الطرفين : الأكبر والأصغر اللذين  
هما فى هذا المثال : الحيوان والإنسان ، وليكن ذلك الوسط مثلاً : الحجر . فإذا  
غلطنا فى القياس بهذا الوسط غلطاً يكون تأليف القياس منه صحيحاً والمقدمات  
كاذبه ، فلا بد ضرورةً أن نأخذ « الحجر » موجوداً لكل « إنسان » وأن الحيوان ولا على  
شىء من الحجر ، فينتج لنا عن ذلك فى الشكل الأول أن : الحيوان ليس على شىء  
من الانسان . وبَين أن المقدمة السالبة صادقة ، وأن الموجبة الصغرى هى  
الكاذبة ، وأنه ليس يمكن أن ينتج سالباً كاذباً عن قياس صحيح الشكل إلاّ بهذه  
الصورة . فقوله : « ومتى لم يكن الحد الأوسط تحت أ » - يريد : بل يكون مسلوباً  
عن أ التى هى الطرف الأكبر ، وعن ب التى هى الطرف الأصغر .  

وباقى كلامه مما قلناه مفهومٌ بنفسه .  

 قال أرسطاطاليس :  
« فأمّا متى كان الاختداع فى الشكل الأوسط ، فإنه غير ممكن أن تكون كلتا  
المقدمتين كاذبتين بكلتيهما ، من قِبَل أنه إذا كانت أ على كل ب ، فغير ممكن أن  

[Page 406] يوجد شىء يكون اما لأحدهما فعلى كله ، وأما للأخر ولا على شىء منه ، كما قيل فيما
سلف . »  
التفسير    

لمّا تبين أصناف الأغاليط التى تعرض فى النتائج الصادقة فى الشكل  
الأول ، أعنى الأغاليط القياسية يريد أن يخبر بما يعرض من ذلك فى الشكل الثانى  
فقال : فأما فى الشكل الأوسط فليس يمكن أن يعرض فيه قياس صحيح الشكل ينتج  
ضد الموجب الكلى الذي بان بوسطٍ صحيح . وذلك أنه إذا كان الطرف الأكبر  
موجوداً لكل الأصغر بوسطٍ ما ، كأنك قلت : أ موجودة ل ب بوسطٍ هو  
ج ، فإنه ليس يمكن أن يوجد شىء ما يكون موجباً لأحد الطرفين ، أعنى ل ب  
أو ل أ ، ومسلوباً عن الطرف الأخر . لأنه لو كان ذلك كذلك لكانت أ غير  
موجودة ل ب ، وقد فرضناها موجودة لها - هذا خُلفٌ لا يمكن . وإذا لم يمكن أن  
يوجد حدّ أوسط يكون مسلوباً فى أحد الطرفين ، لم يتأتَّ فى ذلك قياسٌ صحيح  
الشكل كاذب المقدمتين ، لأنه إنما كان يمكن ذلك لو وُجد حدٌّ أوسط مسلوباً عن  
أحدهما وموجوداً للثانى . فكنّا إذا قلبنا المقدمات إلى ضدّها ، كان لنا قياس صحيح  
الشكل فى الشكل الثانى . لكن ليس يمكننا أن نجد لهذا حدّاً أوسط بهذه  
الصفة ، فليس يمكننا القلب . وإذا لم يمكنّا القلب ، لم يمكن أن يكون فى هذا  
الصنف قياس كاذب المقدمتين معاً .  

[٩٠ أ ] قال أرسطاطاليس :  
« فأما إذا كانت إحدى المقدمتين كاذبة - أيّهما كانت - فقد  
يمكن ، بمنزلة ما تكون ح موجودة ل أ و ب ، فإذا أخذت ج ل أ وغير  
موجودة لشىء من ب أما مقدمة أ ح فتكون صادقة ، وأما الأخرى فتكون  
كاذبة . »  

[…]

[Page 407] التفسير
يريد : وإذا عكست الأمر فى هذه المادة ، فأخذت مكانَ السالبة :  
موجبة ، ومكان الموجبة : سالبة ، انعكس الأمر فى الصدق والكذب ، فعادت  
الكبرى هى الكاذبة والصغرى هى الصادقة مثل أن نأخذ أن : الحساس ولا على  
شىء من الحيوان ، وأن الحسّاس موجودٌ لكل إنسان ، فإنه ينتخ لنا أن : الحيوان  
ليس بإنسان .  

قال أرسطاطاليس :  
« فقد بان كيف نختدع بأن نقيس على السالب الكلى ، وبأىّ الأحوال تكون  
عند ذلك المقدمات . »  
التفسير  
يريد : فقد بان كيف يعرض لنا أن نختدع فيما هو موجبٌ كلّى بحد  
أوسط ، فنقيس من ذلك الحدّ على السالب الكلى ، وبأيىّ الأحوال تكون مقدمتا  
القياس [ ٩٠ ب ] من الصدق والكذب فى صنفٍ صنفٍ من أصناف القياسات على  
السالب الكلّى ، أعنى متى تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، ومتى لا تكون ، وأيّهما تكون  
الكاذبة منهما فقط : الصغرى أو الكبرى .  

قال أرسطاطاليس :  
« فأما إن كان القياس على الايجاب الكلى بأن يكون الوسط مناسباً ، فإنه غير  
ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، من قِبَل أنه يلزم من الاضطرار أن تكون  
مقدمة ح ب باقية على حالها ، إن كان القياس مزمعاً أن يكون كما قيل فيما  
تقدم . فأمّا مقدمة أ ح فتكون دائماً كاذبة ، إذ كانت هى التى يمكن أن تقلب . »  

[Page 408] التفسير
لما بين كيف يغلط فينتج سالباً كلياً من حدّ أوسط ينتج الموجب الكلى إذا كان  
الحدّ مناسباً أو غير مناسب فى الشكل الأول والثانى ، وعلى كم جهة يعرض من كذب  
كلتا المقدمتين أو إحداهما - أخذ يذكر كيف يعرض من الغلط عكس هذا ، أعنى أن  
يغلط فيما كان من المقدمات سالبة كلية بحد أوسط ، فينتج بذلك الحدّ بعينه أن  
المحمول موجودٌ لكل الموضوع . وهو الذى أراد بقوله : « فأما إن كان القياس عل  
الإيجاب الكلى بأن يكون الوسط مناسباً"-يريد : فأما إن كان القياس الصحيحٍ  
الشكل الموجود الكذب فى مقدماته ينتج موجباً كلياً بحد أوسط ينتج فى الحقيقة سالبا  
كلياً - فإنه ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، لأن السالب الكلى إنما ينتج فى  
الشكل الأول من مقدمتين صغراهما موجبة كلية ، وكبراهما سالبة كلية . فلذلك  
ليس يمكن أن ينقلب فيه على جهة الغلط إلا المقدمة الكبرى ، لأنه إن انقلبت  
الصغرى فأخذها سالبة ، والكبرى موجبة ، لم تلزم عن ذلك نتيجة . فلذلك ليس  
يمكن أن نقلب إلاّ المقدمة الكبرى فقط . مثال ذلك أنه كان : ولا شىء من الأصنام  
حيوان ، من قبل أن : كل صنم جمادٌ ، ولا جماد واحداً حيوان .  

فأما متى غلطنا فى هذا مع التحفظ بكون القياس منتجاً ، فإنّا إنما نغلط بأن  
نأخذ مكان السالبة هاهنا موجبةً فنقول :  
كل صنم جماد  
وكل جماد حيوان  
فينتج لنا أن : كل صنم حيوان .  

فإن أخذنا المقدمتين كلتيهما كاذبة ، فقلنا : ولا صنم واحداً جماد ، وكل جماد  
حيوان - لم ينتج ذلك شيئاً - وما يقوله مفهوم بنفسه .  

قال أرسطاطاليس :  
« وعلى هذا المثال أن أخذ الأوسط قريباً من المناسب ، كما قيل فى الاختداع  
الذى يكون صن السالب الكلى : أما ح ب فتكون [٩١ أ] باقية على حالها من  

[Page 409]

 التفسير  
القريب من المناسب أَمّا فى الذى ينتج الموجب الكلى فقد كان قيل فيه إنه الحد  
الأوسط الذى يحمل على الطرفين بإيجاب ؛ وأما الحدّ الأوسط الذى هو قريب من  
المناسب فيما ينتج السالب الكلى فهو أن يكون موضوعاً لكل واحدٍ من  
الطرفين ، أعنى لأحدهما : بإيجاب ، وللآخر : بسلب . فإنه إذا انعكست الموجبة  
فى المحمولات المنعكسة ، أنتجت سالبة كلية . والدائم لها إنما هو سالبة  
جزئية ، إذ كان هو الدائم في كل مادة ، فهو يقول أنه أيضا : يعرض من الخدعة هاهنا  
النوع من الخدعة التى عرضت فى السالب الكلى وهو أن يكون الغلط إنما يعرض  
فى المقدمة الكبرى فقط ، وهى السالبة ، بأن توجد موجبة . وأما المقدمة الصغرى  
فليس يمكن أن تؤخذ كاذبة ، لأنه لا ينتج ما صغراه سالبة فى الشكل أيضاً . ولذلك  
قال : « أمّا ح ب » يعنى الصغرى « فتكون باقية على حالها من الاضطرار » يعنى أنه  
ليس يمكن أن تُقْلب « وأما ج فُتقْلب » يعنى : الكبرى .  

وقوله: « وهذه الخدعة والتى تتقدمها شئ واحد » يعنى أن الخدعة التى تعرض  
فى الشكل الأول فى السالب الكلى هى بعينها التى تعرض فى الموجب ، أعنى أنها  
صنفٌ واحدٌ فى كون المقدمة الكبرى هى التى تقلب فيها .  

قال أرسطاطاليس:  
« فأما متى لم يكن القياس بوسط مناسب ، بمنزلة ما تكون ح تحت أ ، فهذه  
الكبرى تكون صادقة ؛ وأما الأخرى فتكون كاذبة ، من قَبِل أن يمكن أن توجد  
لأشياء كثير بعضها ليس تحت بعض .  

« وأيضاً إن لم تكن ح تحت أ ، فمن البين أن هذه المقدمة دائماً تكون  

[Page 410] كاذبة ، إذ كانت إنما توجد موجبة . وأما ح ب فقد يمكن أن تكون صادقة ، وقد
يمكن أن تكون كاذبة . وذلك أنه لا مانع يمنع من أن تكون أ غير موجودة لشىء من  
ح ، وتكون ح موجودة لكل ب ، مثل ألا يكون الحيوان موجوداً  
للعلم ، والعلمُ موجود للموسيقى . وليس مانع يمنع من أن تكون أ ولا لشىء من  
ح ، و ح أيضاً ولا لشىء من ب . فمن البين أنه إذا لم يكن الأوسط تحت  
أ ، أمكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين . وقد يمكن أن تكون احداهما ، أيّهما  
اتفق . »  
التفسير  
لما ذكر كيف يعرض الغلط فى الموجب الكلى فى الشكل الأول بحدّ
مناسب ، وبحدّ   قريب من المناسب - ، ذكر أيضاً كيف يعرض فيما ليس بمناسب ولا  
قريب من المناسب . فقوله : « فأمّا متى لم يكن القياس بوسط مناسب » - يعنى القياس  
على القياس الموجب الكاذب . ثم قال : « بمنزلة ما تكون ح تحت أ » - يريد : بمنزلة  
ما يعرض إذا كان الحد الأوسط داخلاً تحت الحدّ الأكبر ، أى تكون أ محمولة على  
كل ب فى أصل الأمر ، وتكون ح مسلوبة عن جميع ب ، فإنه لا يغلط فى هذه  
المادة إلاّ بأن تبقى الكبرى صادقة على هيئنها ، أعنى موجبة ، ويغلط فى الصغرى  
فتؤخذ موجبة بدل كونها سالبة ، وحينئذ ينتج أن أ على كل ب بوسط ح . وإنما  
كان ح فى أصل الأمر هاهنا وسطاً غير مناسب ، لأنه ليس يقتضى بطبعه سلب أ  
عن ب ، إذا كانت الصغرى فيها سالبة ، والكبرى موجبة . وذلك غير  
منتج ، بحسب ما تبين فى كتاب « القياس » .  

وقوله :« من قِبَل أن أ يمكن أن توجد لأشياء كثيرة بعضها ليس تحت  
بعض « - يريد : وإنما عَرَضَ أن يكون مثل هذا وسطاً غير مناسب ، من قبل أن أ  
توجد فى أشياء كثيرة يُسْلب بعضها عن بعض . فمتى سلب واحد منهما عن  
الأخر ، وأوجبت أ له ، عَرَضَ لها على ذلك أن تنتج سالباً فيما هو  
موجب . يريد : وذلك إذا كانت المقدمة الصغرى سالبة ، أمكن أن تنتج القياس  

[Page 411] مرة موجباً ، ومرةً سالباً : أما موجباً فمتى عرض أن تكون أ موجودة في أشياء كثيرة
مسلوب بعضُها عن بعض ، وأُخِذ واحدٌ من تلك الأشياء حدّاً أوسط ، مثل أن  
الحيوانً موجود فى الفَرَسَ ، والحمار ، والإنسان . وهذه كلها مسلوبة بعضها عن  
بعض . فإذا أخذنا : ولا فَرَس واحداً حمار ، وكل حمار حيوان - ظُنّ أن هذا التأليف  
منتج ، وأنه : ولا فرس واحداً حيوان . وذلك كذب .  

وقوله : « أيضاً إن لم تكن ح تحت أ ، فمن البيّن أن هذه دائماً تكون  
كاذبة ، لأنها تؤخذ موجبة » - يريد : وأما متى كان الحد الأوسط مسلوباً عن الطرف  
الأكبر ، فمن البيّن أن الكاذبة تكون أبداً هى الكبرى ، لأنها تؤخذ موجبة - يريد  
أنه متى كان الحد الوسط غير مناسب ، من قِبَل أنه مسلوب عن الطرف الأصغر  
وموجود للأكبر ، فإن الكاذبة أبداً تكون الصغرى . وأما متى كان الحد الأوسط  
مناسباً ، وهو أن يكون مسلوباً عن الطرف الأكبر وموجباً للأصغر ، فإن الكبرى  
تكون هى الكاذبة ضرورةً - أعنى فى القياس الذى تعرض فيه الخدعة فى أن يظن أنه  
ينتج موجبة كلية من قِبَل كذب المقدمات .  

وقوله : « وأما ح ب فقد يمكن أن تكون صادقة ، وقد يمكن أن تكون  
[٨٠ أ]* كاذبة ، وذلك أنه لا مانع يمنع من أن تكون أ غير موجودة لشىء من  
ح ، وتكون ح موجودة لكل ب ، مثل ألا يكون الحيوان موجوداً  
للعِلْم ، والعِلمُ موجود للموسيقى » - يريد : فأمّا المقدمة الصغرى ، وهى حمل  
الطرف الأوسط على الأصغر ، فقد يمكن أن تكون صادقة إذا كان الحدّ الأوسط  
مناسباً ، لأنها تؤخذ موجبة على ما هى عليه ، مثل كون الحيوان مسلوباً عن  
العلم ، والعلم موجود للموسيقى . فإذا أخذ أحدٌ أن كل موسيقى علمٌ ، وكل علم  
حيوان ، أنتج لنا كذباً عن كبرى كاذبة وصغرى صادقة .  

وأما متى كان الحدّ الأوسط غير مناسب ، بأن يكون مسلوباً عن الطرفين ، فإن  

[Page 412] كلتيهما تكون كاذبة . فإذن متى كان الحد الأوسط المأخوذ فى القياس الموجب الكاذب
مسلوباً عن الطرف الأكبر ، فإن الكبرى تكون أبداً كاذبة ، من أجل أنها توجد  
موجبة . وأما الصغرى فقد تكون كاذبة إذا اتفق أن يكون الحدّ الأوسط - مع أنه  
مسلوبٌ عن الأصغر- مسلوباً أيضاً عن الأكبر . وقد تكون صادقة إذا كان الحدّ  
الأوسط موجوداً للأصغر ومسلوباً عن الأكبر . وهذا هو الذى أراد بقوله : « وأما أن  
ح ب فقد يمكن أن تكون صادقة ، وقد يمكن أن تكون كاذبة » يعنى الصغرى .  

ولما ذكر أن الكبرى تكون كاذبة ولا بد ، وأن الصغرى تكون بالأمرين ، أتى  
بالمثال والمادة التى تكون فيها الصغرى صادقة ، فقال : « وذلك أنه لا مانع يمنع من  
أن تكون أ غير موجودة . . . » إلى قوله : «. . . موجوداً  
للموسيقى » - يريد : وذلك يكون إذا كانت الكبرى سالبة ، والصغرى  
موجبة ، أعنى فى نفسها . مثال ذلك أن الحيوان هو مسلوبٌ عن العلم ، والعلم  
موجود للموسيقى . فإذا أخذ الإنسان على جهة الغلط - أن كل موسيقى  
عالم ، وأن كل عالم حيوان غير ناطق - فقد أنتج نتيجة كاذبة عن مقدمتين إحداهما  
كاذبة وهى الكبرى ، والثانية صادقة وهى الصغرى . ولما ذكر المادة التى تكون فيها  
الصغرى صادقة ذكر المادة التى تكون فيها الصغرى كاذبة ، فقال : « وليس مانع يمنع  
أن يكون أ ولا لشىء من ح ، و ح ولا لشىء من ب » - يريد : وتكون الصغرى  
كاذبة ، إذا كان الحدّ الأوسط مسلوباً عن الطرفين كليهما ، فأخذه الغالط موجباً  
لكليهما . وذلك أنه لا مانع يمنع من أن تكون أ التى هى الطرف الأكبر غير موجودة لشى  
من ح والذى هو الأوسط ، وتكون ح أيضاً غير موجودة للأصغر الذى عليه  
ب ، فتؤخذ المقدمتان موجبتين فتكون كلتاهما كاذبة .  

ولما ذكر أن هذين الصنفين يعرضان متى كان الحد الأوسط مسلوباً عن  

[Page 413] الأصغر أعنى أن يكون [ ٨٠ ب ] القياس مقدمتاه كاذبتان وأن تكون الكاذبة هى
الصغرى - أجمل ذلك فقال : « فمن البين أنه إذا لم يكن الحد الأوسط تحت أ ، أمكن  
أن يكون كلاهما كاذباً . وأنت فينبغى لك أن تفهم أنه إنما يكون كلاهما كاذباً إذا كان  
الحد الأوسط غير مناسب من جهة ما هو أن يكون مسلوباً عن الطرفين ؛ وتكون  
الكبرى فقط هى الكاذبة متى كان الحد الأوسط مناسباً .  

لكن قد يقول القائل : فكيف أدخل هذين القسمين فى ذكره الحَدّ الغير  
مناسب ؟ فنقول : إن التعليم فى هذا قد يمكن أن يؤخذ بجهتين : أعنى أن تعدد  
أصناف هذه المقاييس التى حددها مناسبة على حدة ، وأصنافها التى تكون بلا حدود  
مناسبة على حدّة . وقد يمكن أن يؤخذ التعليم لها مشتركاً ، كما فعل هاهنا . فنقول  
مثلاً ، إن الحد الأكبر إذا كان مسلوباً عن الأوسط فلا يخلو أن يكون مسلوباً عن  
الأصغر أو غير مسلوب . فإن كان غير مسلوب ، كانت الكاذبة هى الكبرى . وإن  
كان مسلوباً ، كانت كلتاهما كاذبة . فإن متى كان الحد الأوسط مسلوباً عن الأكبر ،  
أمكن أن تكون الصغرى صادقة ، وأمكن أن تكون كاذبة : أمّا كاذبة فمتى    
< كان > الحد غير مناسب ، وأما صادقة فمتى كان الحد مناسباً . وهذا هو  
الذى أراد بقوله : « فمن البين أنه إذا لم يكن الأوسط تحت أ أمكن أن تكون كلتاهما  
كاذبة » .  

قال أرسطاطاليس :  
« فقد ظهر وبان كيف يقع الاختداع فى المقدمات ذوات الأوساط ، وفى  
المقدمات التى لا أوساط لها ، وعلى كم ضربٍ يكون ، وبأىّ شروط وخواص »  
التفسير  
قوِله : « وعلى كم ضرب يكون » - يعنى : على كم صنف يكون . ويشبه أن  
يكون عَنىَ بذلك ما يكون منها فى الشكل الأول ، وما يكون منها فى الشكل الثانى .  
وقوله : « وبأىّ شروط وخواص » - يريد أنه ليس يَعْرض فى أمثال هذه المقاييس  

[Page 414] الغلط متى كان الكذب فيها فى أى مقدمة اتفقت ، بل منها ما يمكن أن يعرض
الكذب فيه من قبل الكذب فى مقدمة محدودة ، وبعضها يمكن أن يعرض ذلك فيها  
فى أى مقدمة اتفقت ، وبعضها ليس يمكن أن يعرض الكذب فيها إلاّ إذا كان فى  
المقدمتين جميعاً ، على ما تبين من قوله فى هذه الأشياء .  

والفرق بين الخواص والشروط ، أن الشروط هى التى ليس يمكن أن يكون  
الإنتاج إلاّ بها ، والخواص هى التى تخصُّ صنفاً من أصناف هذه المقاييس . فالجهة  
التى بها الشىء : شرطٌ هى غير الجهة التى بها الشىء : خاصّة وإن كان ذلك  
شيئاً واحداً بعينه . [٩٢ أ] ويشبه أن تكون الشروط هاهنا والخواص إنما تقترن  
بالجهة ، لا بالموضوع . مثال ذلك أن شرط الشكل الأول الذى ينتج الكذب الموجب  
بحدّ مناسب أن تكون المقدمة الكبرى فيه هى الكاذبة ، وأن تكون الصغرى  
صادقة . وهذه إن لم توجد فى غيره فهى خاصّة له . وإن وجدت فى غيره فهو شرط  
ليس بخاصّة . هذا إن كان استعمال الخاصة بخصوص . وأما إن كان استعمالها  
بعموم ، فكل شرطٍ خاصة .  

١٨ - < من فقد حساً فقد علماً ، الجهل بوصفه نفياً للعلم >
 
قال أرسطاطاليس :  
« ويظهر أنّا عندما نفقد جِسّاً من حواسّنا أنه يلزم بذلك من الاضطرار أن  
نفقد علماً من علومنا ولا يمكننا إدراكه ، من قِبَل أن جميع ما نعلمه ليس يخلو أن  
يكون إمّا بالاستقراء ، وإمّا بالبرهان . والبرهان إنما يتمّ من مقدمات كلية   *[81b]
وأما الاستقراء فإنمّا يكون من الجزئى . والمقدمات الكلية لا طريق لنا إلى إظهارها .
والعلم بها إلاّ بالاستقراء . وذلك أن المقدمات المأخوذة فى الذهن مُعَرّاة من المادة إذا 
رام الانسان تبيين أنها صادقة بأن يعرّيها من مادةٍ مادةٍ أن يبينها بالاستقراء ، سواء 

[Page 415] أخذتها بأن تقرّبها نحو مادة ، أو أخذتها معرّاة من المادة . ولا طريق إلى الاستقراء
متى فقدنا الحسّ من قِبَل أن الحسّ هو المباشر للأشياء الجزئية . فلا طريق إذن إلى 
أن نعلم الكل إلاّ بالاستقراء ، والاستقراء فلا طريق أن نعلمه إلا بالحسّ . » 
التفسير    

هذا فصلٌ آخر غير الفصول التى تقدمت . وهو من النظر فى أحوال المقدمات 
المعروفة بنفسها . وغرضه أن يبين أن العلم بالعقل إنما يكون من قِبَل العلم 
بالحسّ ، وأن مَنْ فَقَدَ حاسّة من الحواس منذ الولادة ، مثل أن يولد أعمى أو 
أصمّ ، أنه ليس يمكنه أن يدرك المعقولات التى فى ذلك الحسّ . فالأكمه لا يمكنه أن 
يدرك معقولات الألوان ، ولا الأصمّ يدرك معقولات الألحان ، ولا معقولات  
دلالات الألفاظ . فقوله : « ويظهر أنّا عندما نفقد حِسّاً من حواسّنا أنه يلزم لذلك 
من الاضطرار أن نفقد علماً من علومنا » - يعنى أنه يظهر < أن > من يفقد من أول   
الأمر حِسّاً من الحواس أنه يفقد معقولات ذلك الحسّ من المحسوسات ، إذ كان 
لكل حسّ محسوساتٌ خاصّة . وأمّا العامّة فليس يفقدها إلاّ بفقد جميع  
الحواسّ . وذلك أنه قد تبين فى علم النفس أن المحسوسات منها خاصّة بحاسّة 
حاسّة ، مثل الألوان : بالعين ، والأصوات : بالسمع ، والذوق : فى الطعوم ، 
والروائح : بالشمّ ، والملموسات : باللمس ؛ - ومنها عامة ، مثل الشكل والعدد  
والحركة ولما ذكر أنه يجب أن يكون [ ٩٢ ب ] مَنْ نَقَصَته حاسّةٌ أن تنقصه المقدمات 
الأول التى فى محسوسات تلك الحاسة ، أخذ يبين ذلك ، فقال : « من قِبَل أن جميع 
ما نعلمه ليس يخلو أن يكون إما الاستقراء ، وإما بالبرهان » إلى آخر ما كتبناه . وقوله 
فى ذلك مفهوم بنفسه . وتلخيصه - أن كل معلومٍ لنا إمّا أن يكون علمه حاصلاً لنا 
من قبل البرهان ، وإمّا من قِبَل بالاستقراء . والبرهان إنما يكون بالمقدمات 
الكلية . والمقدمات الكلية يحصل علمها لنا بالاستقراء . فإذن كل علمنا إنما يكون  من قِبَل الاستقراء  .

[Page 416] والاستقراء لما كان للجزئيات ، والجزئيات عنها يوجد الكلىّ ، وكلُّ علم إنما
هو للكلى ، وجب أن يكون كل علمٍ أصله الحواس . فمن فقد ضرورةً - حاسًّة من 
حواسه ، فَقَدْ فَقَدَ إدارك الجزئيات التي تخصّ تلك الحاسة . وإذا فقد إدراك  
جزئيات ذلك الحسّ ، فَقَدْ فَقَدَ مقدماته الأول. وإذا فَقَد المقدمات الأول في حسّ ما 
فَقَدْ فَقَدَ البرهان في ذلك الحسّ وإذا كان كل علم تكون في حسٍّ ما إنما يكون إمّا من 
المعروف بنفسه ،وإمّا من قِبَل المعروف بنفسه من قِبَل الحسّ - فإذن واجب أن يكون 
مَنْ فقد حاسّة من حواسه أن يفقد محسوسات تلك الحاسّة . وإذا فَقَد محسوسات تلك 
الحاسّة ، فَقَدَ معقولاتها . 

وهذا الذى قاله ليس فى شىء منه شَكُّ ، إلاّ ما قال من أن كل مقدمة كلية 
فإنها تحصل بالاستقراء . فإن المقدمات الأول قد قيل إنها صنفان : صنف يحصل 
بالاستقراء ، وصنف يحصل لنا بالطبع من غير أن ندرى متى حصل لنا ، ولا من أين 
حصل . فهذه المقدّمات قد يظن بها أنها لا تحتاج إلى الاستقراء . وإذا لم تحتج إلى  
الاستقراء ، لم تحتج إلى الحسّ . لكن قد يظهر من أمر هذه المقدمات أنها إنما تكون  
فى المحسوسات المشتركة ، مثل أن الكل أعظم من الجزء ، وأن المساوية لشىء 
واحد ( أنها ) متساوية ولهذا السبب كانت حاصلةَ لنا من أوّل الأمر لوجود 
المحسوسات المشتركة فى كل ما تقع عليه حواسنا . ولما كانت حاصلةً لنا منذ 
الصبا ، لم نذكر متى حصلت لنا ، ولا كيف حصلت . وهى لا شك ، حاصلة لنا  
عن المحسوسات . وليس يتعرّى عن هذا الجنس من المقدمات أحد ، لأنه لا يمكن 
أن يوجد حتى يفقد حسّ اللمس . وهذه المقدمات تحصل بحسّ اللمس . وليس 
كلام أرسطو فى هذه المقدمات . وإنما كلامه فى المقدمات التى تكون فى المحسوسات  
الخاصّة بحاسّةٍ حاسّةٍ . وقد يدلّ على هذا أن المقدمات العامّة حاصلة عن  
الحسّ - أمّا متى أردنا تصحيحها عند من نازعنا فيها من السفسطائيين ، أو مَنْ بهم  

[Page 417] نَقْصُ عن قبولها ، أومَنْ لا يعترف بها من قبل أنه لا يفهم ما تدلّ عليه أسماؤها - أنّا
إنما [٩٣ أ] نصححّها عنده باستقرائها فى المحسوسات . وليس يعرض هذا فى هذه 
المقدمات العامّة ، بل وفى الخاصّة . ولهذا المعنى احتجّ أرسطو فى الصنفين من 
المقدمات مفتقرة إلى الحسّ فى قوله :   « وذلك أن المقدمات المأخوذة فى الذهن معرّاةً  
من المادة إذا رام الإنسان أن يبين أنها صادقة بأن يُعرّيها من مادةٍ مادةٍ إنما يبيّنها  
بالاستقراء ، سواء أخذتها بان تقرّبها من مادةٍ مادة ، أو أخذتها معرّاة من 
المادة » - يريد أن الدليل على أن المقدمات الكلية التى تحصل فى الذهن معرّاة من المادة 
مفتقرة إلى الحواس أن الإنسان إذا أراد أن يبين أنها صادقة عند مَنْ لم يعترف بها - إنما  
يبين ذلك بالاستقراء بأن يعرّيها من مادةٍ مادةٍ من المواد الداخلة تحت ذلك الأمر الكلى .
يعنى بالمواد : الأمور الجزئية . 

وقوله : « سواء أخذتها بأن تعرّيها من مادة مادة أو أخذتها معرّاة من 
المادة » - يحتمل أن يريد أن الاستقراء يفتقر إليه فى الصنفين من المقدمات ، أعنى 
المأخوذة فى مادة ، وهى المقدمات الطبيعية ، والمأخوذة فى غير مادة وهى 
< المقدمات > التعاليمية ، وهذه هى فى الأكثر المقدمات العامية التى لا ندرى متى 
حصلت ولا مِنْ أين حصلت . وهذه الحجة على هذا هى عامة للصنفين من 
المقدمات ، أعنى أنها تحتاج إلى الحسّ . ولخفاء الأمر فى المقدمات العامة ظن المتكلمون 
من أهل ملتنا أن العقل ليس يحتاج فى إدراكه إلى الحسّ . والذى عَرَض لهم فى ذلك  
ضدّ ما عَرض للقدماء الأوُلَ ، فإنهم كانوا يعتقدون أن الحسّ هو العقل نفسه ، وأنه 
لا فرق بين مُدَركيهما . 

١٩ - < هل مبادئ البرهان متناهية ، أو لا متناهية ؟ >  

قال أرسطاطاليس :  

[Page 418] وجوده ل ج وهو أ بتوسط ب ، و ب تكون موجودة ل ج . فأما القياس
السالب فتكون إحدى المقدمتين أحد حدّيهما معقولٌ على الأخر ؛ وأما الأخرى 
فيكون أحد حدّيهما غير معقول على الحدّ الأخر . 

وبيِّن ظاهرٌ أن الأصول التى تبنى منها ذات القياس هى بهذا العدد ، من قبل 
أنه يلزم من الاضطرار البرهان عندما يتكون هى بهذا العدد ، مثل أن تكون أ  
موجودة ل ج بتوسط ب ، وتكون أيضا ب موجودة ل ح . » 
  التفسير 
غرضه فى هذا الفصل : هل تركيب القياس المستقيم يمرّ إلى نهاية من أحد  
طرفيه ، أو من كليهما ، أو من وسط - أعنى أن يحمل محمولٌ على موضوع ، 
ومحمولٌ آخر على ذلك المحمول ، وعلى ذلك المحمول ثالث ، ويمرّ الأمر إلى غير 
نهاية ؟ أم يجب أن يتناهى هذا الحمل ؟ 
وكذلك قصده [٩٣ ب ] أن يطلب هنا القياس أيضاً الذي فرض نتائج من 
جهة المحمول يتناهى فى التحليل إلى موضوع ليس يحمل على شىء أصلاً . وذلك انه 
بَيّنٌ أن كل ثلاثة أشياء يحمل أحدها على الثانـى ، والثانى على الثالث ، أن الثالث 
موضوع ليس بمحمول ، والأول محمول ليس بموضوع ، والوسط موضوع ومحمول .  
فهو يطلب فى مثل هذا الفرض : هل يمرّ الحمل فى أمثال هذه الثلاثة الحدود إلى ما لا 
نهاية ، أو يمرّ الوضع إلى مالا نهاية ، أو تمر الأوساط التى بين الطرفين المفروضين إلى 
غير نهاية ؟ مثل أن نفرض بين أ و ح أوساطاً لا نهاية لها ، كل واحدٍ موضوعٌ للذى 
فوقه ، ومحمول على الذى تحته . ولما كان هذا المطلوب لا يتصوَّر إلاّ بأن يقدّم قبل 
ذلك مقدمة من كتاب « القياس » ، وهو أن كل قياس فإنما تُبنَى ذاته من ثلاثة حدود ، 

[Page 419] ابتدأ بهذه المقدمة . فقوله : « وكل قياس فإنما تنبنى ذاته من حدودٍ » - : الاقيسة 
الحملية البسيطة ، على ما تبين فى كتاب « القياس » . 

وقوله : « أحدَ الحدود هو الذى بُين وجوده ل ج ، وهو أ بتوسط ب ، و ب
تكون موجودة ل ج » - يريد ؛ وأحد هذه الحدود هو الحد الأكبر الذى عليه علامة
أ الذى بينَّ وجوده للطرف الأصغر الذى عليه علامة ج ، بتوسط الحدّ الأوسط الذى 
عليه علامة ب . فقوله : « و أ تكون موجودة ل ج » يريد: بتوسط ب ، إذا كانت 
أ موجودة ل ب ، وب موجودة ل ج . 

وإنما شَرَطَ الإيجاب فى المقدمتين لأن هذا هو الذى ينتج الموجب . ولما ذكر 
صورة القياس الموجب ، ذكر صورة القياس السالب ، إذ ليس قصده فى هذا 
الفحص أن يفحص عن القياس الموجب المركّب ، أعنى : هل يتناهى من طرفيه 
ووسطه ، أم لا يتناهى ؟ بل وعن القياس السالب ، فقال : « فأما القياس السالب 
فتكون إحدى المقدمتين أحدُ حدّيها معقولٌ على الآخر، وأما الأخرى فيكون أحدُ  
حديهما غير معقولٍ على الحد الآخر » - يريد فأمّا القياس السالب ، فإذا كان لا بدّ 
فيه من مقدمة سالبة ، ومقدمة موجبة ، يكون حدُّ إحدى المقدمتين مقولاً على الحدّ 
الآخر بإيجاب . وهو إمّا حَمْل الأوسط على الأصغر، وإمّا الأكبر على الأوسط ؛ 
ويكون أحد حدّى الأخرى مقولاً بسلب . وهذا أيضاً : إماّ الحدّ الأكبر على  
الأصغر ، وإمّا الأوسط على الأصغر . 

وإنما لم يبال هاهنا - فيما أحسب - أن تكون الصغرى هى السالبة ، أو الكبرى 
لأنّ هذا النظر هو فى قياس ليس على مطلوب محدود . وذلك الشرط إنما يعتبر 
بالإضافة إلى مطلوب محدود ، أعنى كون الصغرى موجبة ولا بدّ ، والكبرى سالبة 
على ما بين فى كتاب « القياس » .   

و قوله : « وبين ظاهر أن الأصول التى تنبنى منها ذاتُ القياس هى بهذا العدد » - 

[Page 420] يريد انه يطهر أن أقلّ الأصول التى يُبنى منها القياس هى بهذا العدد ، أى ثلاثة ، من
قِبَل أنه يلزم عن وضعها بهذا العدد شىء آخر غيرها ، وهو الذى يسمّى نتيجة ، وأنه 
يلزم [٩٤ أ] عن أقل من هذا العدد شىء آخر هو غيره الذى أراد بقوله : « من قبل 
أنه يلزم من الاضطرار البرهان عندما يكون بهذا العدد » الشىء المبرهن ، أى  
النتيجة . 

وقوله : « مثل أن تكون أ موجودة ل ج بتوسط ب ، وتكون ب موجودة ل 
ج » - يريد : مثل أنه إذا وضعنا أ موجودة ل ج ، فإنه يتبرهن ضرورةً عن هذا أن 
أ موجودة ل ج . وكذلك فى السلب ، مثل أنه إذا وضعنا أن أ مسلوبة عن ب ، و ب 
موجودة ل ج ، فإنه يتبرهن عن هذا أن أ مسلوبة عن ج .

قال أرسطاطاليس : 
« فأما القياس بمقدمات مظنونة ومأخوذة من الآراء المشهورة وعلى طريق 
نحو الجدل . فظاهر أن البحث عن قياسهم يكون على انه من مقدمات 
مشهورة ، حتى إنها وإن كان لها وسط بالحقيقة يظن أنها غير ذات وسط ، فإن 
القياس على طريق الجدل بأمثال هذه يقيس . » 
التفسير 
لما كان غرضه إنما هو الفحص عن المحمولات فى البرهان : هل تتناهى ؟
وكذلك الموضوعات ؛ وكان هذا ليس يبين فى المقدمات الجدلية وإنما يبين فى 
المقدمات البرهانية - أخذ يقدّم لذلك أن المقدمات صنفان : جدلية ، وبرهانية ، 
ويعرّف السبب الذى مِنْ قِبَله ليس يتصور هذا الفحص فى المقدمات الجدلية . وهذا  
كله بعد أن قَدم لذلك أن كل قياس فإنه يكون ، أقلَّ ذلك ، من ثلاثة حدود فقال : 
« فأما القياس بمقدمات مظنونة ومأخوذة من الآراء المشهورة فظاهر أن البحث عن 

[Page 421] قياسهم يكون على أنه من مقدمات مشهورة » - يريد : وهذا الطلب ليس يتصور في
القياس الذى يكون من مقدمات مظنونة ، لأن القياس الذى سيكون من مقدمات 
مظنونة - وهى المأخوذة من الآراء - البحثُ فيه إنما يكون عن المقدمات المشهورة من 
غير المشهورة لاعن يتناهى أو لا يتناهى . 

ولما أخبر أنه يلزم أن يكون البحث فى القياس الجدلى أن يبحث باحث عنه عن 
الشهرة فى المقدمات المشهورة ، عرّف أن هذا هو السبب الذى مِنْ قِبَله لا يتعرّض 
الجدل إلى هذا الفحص فى المقدمات المشهورة ، فقال : « حتى إنّها ، وإن كان لها  
وسط ، يُظَن أنها غير ذات وسط » - يريد أنه يعرض له عندما يفحص عن المقدمات 
المشهورة أن تكون ذات وسط ، فيظنّ بها أنها غير ذات وسط ، وبالعكس ؛ ولذلك 
ليس يمكن فيها إحصاء الأوساط بالحقيقة ، فضلاً عن أن يوقف منها عند الطلب أنها  
متناهية أو غير متناهية . والسبب فى ذلك أن المشهور ليس هو بمطابقٍ للموجود . 
فإذن هذا الفحص [٩٤ ب ] ليس يمكن فى المقاييس الجدلية  .
ولما عَرّف هذا ، عاد إلى ذكر القياس الذى يمكن فيه هذا الفحص ، فقال : 
فأما الذين . . . 

قال أرسطاطاليس : 

 « فأما الذين يقيسون على طريق الحق ، فإنه ينبغى أن ينظر فى مقدماتهم على 
أنها مأخوذة من الأمور الموجودة . وذلك بمنزلة ما يكون أحدُ حَدّيها محمولاً على 
الآخر على طريق العَرَص . ومعنى قولنا : « على طريق العَرض » بمنزلة ما يحمل 
الإنسان على الأبيض . وليس هذا الحمل بمنزلة حملنا على الإنسان أنه أبيض ، 
وذلك أنه ليس حملنا على الأبيض أنه إنسان من حيث هو أبيض . فأقا الأبيض فإنّا  
نحمله على الانسان من قِبل أنه يعرض للإنسان أن يكون أبيض ، فإنه توجد أشياء 
هى بعينها تكون محمولة على أنفسها . » 

[Page 422] التفسير
لمّا قَدّم بيانه أن كل قياس إنما يكون - أقلَّ ذلك - من ثلاثة حدود ، وأن هذا 
الفحص إن كان فى القياس الجدلى فبيّنَ أنه يكون فحصاً غير طبيعى ، لأن مقدمات 
المقاييس الجدلية والمشهورة ليس من شرطها أن تكون مطابقة للموجود - أخذ يقدّم 
أيضاً لذلك مقدّمة ثانية وهى أن هذا الفحص إنما يكون فى الحمل على المجرى 
الطبيعى ، وهو الحمل الذى يكون فيه المحمول محمولاً بالطبع ، والموضوع موضوعاً 
بالطبع ، وهو أن يكون المحمول مما يحتاج فى وجوده إلى موضوع ، والموضوع مما يقوم 
به محمول ما . وذلك أن هاهنا أشياء يظن من أمرها أنها موضوعات غير محمولات 
بالطبع ، ومحمولات بالطبع غير موضوعات لشىء بالطبع ، وموضوعات محمولات 
معاً بالطبع ، أى موضوعات لشىء بالطبع محمولات على شىء آخر بالطبع . فهو 
يطلب هذا المعنى فى المحمولات الطبيعية والموضوعات الطبيعية ، أعنى هل فيها 
بسائط ؟ إذ كان فيها أوساط . وهل إن كان فيها بسائط أوساطها متناهية ، أم غير 
متناهية . 

فقوله : « فأمّا الذين يقيسون على الحق » - يعنى به المبرهن . 

وقوله : « فإنه ينبغى أن ننظر فى مقدماتهم من جهة أن مقدماتهم فى الحمل 
يحاكى بها الأمور الموجودة . وهو الذى دلّ عليه بقوله : « على أنها مأخوذة من الأمور 
الموجودة » - أى على أن أجزاءها مأخوذة فى الحمل والوضع على ما هى عليه الأمور 
الموجودة أنفسها . ثم حدّ هذا الحمل ما هو فقال : « وذلك بمنزلة ما يكون أحد 
حَدّيها محمولاّ على الأخر ، لا على طريق العَرَض » - يريد بطريق العرض : الحملَ  
الذى يعرض فيه أن يكون الشىء يحمل على نفسه ، وهو الحمل على غير المجرى 
الطبيعى . فإن [٩٥ أ] الحمل على غير المجرى الطبيعى هو حَمْلٌ بالعَرَض بهذه 

[Page 423] الجهة ، و إن كان من الأمور الذاتية مثل حمل ذوات الفصول على الفصول ، وحمل
ذوات الحدود على الحدود . 

وقوله : « بمنزلة ما يحمل الإنسان على الأبيض » - يعنى قول القائل : إن الأبيض  
إنسان . وإنما كان ذلك كذلك لأن الانسان هو بالطبع موضوع للبياض ، والبياض 
محمول عليه بالطبع . فمن قال : الانسان أبيض ، فقد حمل حملاً طبيعياً ؛ ومن 
قال : الأبيض انسان ، فقد حمل حملاً غير طبيعى ، لأنه عَرِض له أن حمل الشىء على 
نفسه . وليس كل محمول على المجرى الطبيعى يكون ذاتياً ، مثل حمل الأبيض على 
الانسان ، فإنه حمل على المجرى الطبيعى ، وهو غير ذاتى . وهو إنما جعل مثاله ها 
هنا مأخوذاً من حمل الأعراض على الجواهر ، لأنه وإن لم يكن ذاتياً فهو على المجرى 
الطبيعى . 

وقوله : « وليس هذا الحمل بمنزلة حملنا على الإنسان أنه أبْيض » - يريد أن هذا 
الحمل هو على غير المجرى الطبيعى . ثم وفىّ السببَ فى ذلك فقال : « وذلك أنه 
ليس حملنا على الأبيض أنه إنسان من حيث هو ابيض » - يريد : وإنما كان حملنا 
الانسان على الأبيض بهذا النوع من العرض من قبل أنه ليس هو إنسان بما هو 
أبيض ، إذ كان يكون ما هو أبيض ليس بإنسان .  
< وقوله : « فإنه توجد أشياء >
هى بعينها تكون محمولة على أنفسها » - يريد : أن هذا يعرض فى حمل الأعراض 
التى يُدَلّ عليها بأسماء مشتقة على الجواهر ، وفى حمل الجواهر عليها . وذلك أن تقدير 
قولنا : « الأبيض هو إنسان » - هو قولنا : « الانسان الأبيض هو انسان » . كذلك 
قولنا : « الانسان أبيض » تقديره : الانسان هو إنسان أبيض . 
قال أرسطاطاليس :  

[Page 424] ه موجودة لها أولاً من غير وسط . وليوجدْ ل ه : د ، و ل د : ب . فالنظر يجب
أن يقع هكذا : هل الإمعان إلى فوق يلزم من الاضطرار أن يقف [ 82 a ]* ، أو 
يكون يمضى إلى غير نهاية ؟ » 

التفسير   

يقول : فليكن ما عليه علامة ج هو موضوع لغيره فقط دون أن يحمل على 
شىء آخر ، أى يكون موضوعاً أخيراً ليس محمولًا على لشىء أصلاً . يريد : لنفرض 
شيئاً على هذه الصفة ، ثم نطلب : هل تتناهى المحمولات عليه ، أم لا ؟ فقوله : 
« مالا يوجد لشىء غير الشىء الذى هو له » - يريد : أى ما لا يوجد لشىء غير الشىء 
الذى هو ذاته ، مثل زيد ، فإنه لا يوجد لشىء إلاّ لزيد فقط ، أى أنه لا يحمل على 
شىء آخر ؛ ومثل الانسان الذى هو نوع آخر، فإنه لا يحمل على كلّى أصلاً . 

وقوله : « وليوجد له د » - يريد : وليحمل على المحمول الأول الذى هو ه 
محمول ثانٍ بغير وسط ، وهو د . وليُحمْل أيضاً على د محمولٌ [ ٩٥ ب ] رابعٌ ، 
وهكذا فإذا وضعت أشياء بهذه الصفة ، وقع الإمعان إلى فوق . وإذا كان ذلك 
كذلك ، فالنظر يقتضى إما أن يمرّ هذا الإمعان إلى مالا نهاية ، أى يوجد للمحمول 
محمولٌ إلى غير نهاية ، أو يقف الأمر فينتهى إلى محمول ليس هو موضوع الشىء 
أصلاً . وهذا هو الذي دلّ عليه بقوله ؛ " فالنظر يجب أن يقع هكذا : هل هذا  
الإمعان إلى فوق يلزم من الاضطرار أن يقف ، أو يكون يمضى إلى غير نهاية ؟ » 
- يريد : فالنظر يوجب فى المرور فى مثل هذه المحمولات إلى فوق أن يقف  
الحمل ، أو أن يكون يمضى إلى غير نهاية . 

[Page 425] 
قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً إن كانت أ ليس يحمل عليها شىء بالذات ، وكانت أ موجودة ل ط 
أولاً من غير توسط ، وكانت ط موجودة ل ح ، و ح موجودة ل ب - فالنظر هنا : 
هل هذا الامعان إلى أسفل ينقطع ، أو يمكن أن يمضى إلى مالا نهاية له ؟ » 
التفسير 
لما كان المطلوب فى هذه المحمولات التى بهذه الصفة ثلاثة أشياء : أحدها إذا 
فرضنا موضوعاً آخر : هل يمكن أن تتناهى المحمولات عليه حتى يوجد . عنها محمول 
أخير ليس يحمل عليه شىء ، أو لا يتناهى ؟ 
والثانى : هل إذا فرضنا محمولاً أخيراً ، أعنى ليس يُحمل عليه شئ ، وحُمل 
هو على غيره ، وذلك الغير على غيره : هل ينتهى الأمر إلى موضوع أخير ، أوِ لا 
ينتهى الأمر ، بل يمرّ هذا الإمعان إلى أسفل بغير نهاية ؟ 
والثالث : هل إذا حملنا محمولاً ما أوّلاً على موضوع ما بأوساطٍ كثيرة : هل 
يحب فى تلك الأوساط أن تتناهى ، أو لا تتناهى ؟  
و < لما > كان قد ذكر القسم الأول ، عاد إلى القسم الثانى وهو مرور 
الموضوعات إلى غير نهاية . وكلامه فى هذا مفهوم بنفسه . ومثاله من المواد : إن كان 
الموجود - مثلاً - ليس يحمل عليه شىء بالذات ، وكان هو محمولاً على الجسم ، وكان 
الجسم يحمل على المتغذّى ، والمتغذّى على الحيوان - هل ينتهى هذا الحمل فى الإمعان 
إلى أسفل دائماً ، أو يقف عند موضوعٍ أخير ليس هو محمولاً على شىء ؟ كأنك قلت 
فى هذا المثال : والمتغذّى على الحيوان ، والحيوان على الإنسان ، والإنسان على زيدٍ 
وعمرو . 

 قال أرسطاطاليس : 
« وأيضاً فإنّا نبحث عن الأوساط : أتُراها قد يمكن أن تكون بلا نهاية ، 
والطرفان محدودان ؟ ومعنى هذا هو أنه إذا كانت أ موجودة ل ح بوسط هو ب ، 
وكانت أشياء أخُر محمولة على ب ، وعلى تلك الأشياء أشياء أخُر : أترى يمكن 

[Page 426] الامعان فى ذلك إلى غير نهاية ، أم ذلك غير ممكن ؟ والبحث عن هذا المعنى [٩٦ أ ]
هو البحث على أنه : هل يمكن أن يمرّ البرهان إلى مالا نهاية ؟ وهل يكون برهانٌ على 
كل شىء ؟ أم ينتهى الأمر فى البرهان إلى مقدمات غير ذات وسط ؟ » 
التفسير   

 هذا هو الطلب الثالث ، وهو أن تمرّ الأوساط المأخوذة بين الأكبر والأصغر إلى 
غير نهاية . وذلك بأن يبين الحد الأكبر ، الذى هو أ مثلاً ، ل ح الذى هو الأصغر 
بوسط هو ب ، أعنى بأن تفرض أ محمولة على ب ، و ب محمولة على ج . ثم يبيّن 
أيضاً حمل أ على ب بوسط هو د . وذلك بأن تحمل أ على د ، ود على ب ، ثم يبين 
أيضاً حمل أ على د ، بوسط هو ه ، وذلك بأن تحمل أ على ه ، و ه على د . وكذلك 
يفعل أيضاً فى حمل الطرف الأوسط على الأصغر ، أعنى أنّا نأخذ له حدّاً أوسط ،  
وللأوسط : أوسط - فهل يمرّ مثل هذا إلى غير نهاية ؟ أو ينتهى إلى مقدمات غير 
ذوات أوساط ؟ فقوله : « وأيضاً فإنّا قد نبحث عن الأوساط : أترى هل قد يمكن أن 
تكون بلا نهاية ، والطرفان محدودان ؟ « - يَعْنِى بلا نهاية بين الطرفين ، أو تكون 
متناهية ؟ ويعنى بالطرفين : الأكبر ، وهو . المحمول فى المطلوب ، والأصغر وهو 
الموضوع فى المطلوب . 

ولما ذكر الشىء الذى عنه يفحص أتى بمثال ذلك ، فقال : « ومعنى هذا هو أنه 
إذا كانت أ موجودة ل ح بوسطٍ هو ب ، وكانت أشياء أخر محمولة على ب ، وعلى 
تلك الأشياء أشياء أخر » - يريد : ومثال هذا الذى يطلب فيه هذا الطلب هو أن 
يزعم زاعمٌ أن أ مثلاً موجودةٌ ل ج ، بوسطٍ هو ب ، وتكون أ محمولة علِى ب من 
قبل أن أشياء أخر محمولة على ب ، ومن قِبل أن على تلك الأشياء أشياء أُخر محمولة 
- فهل يتناهى مثل هذا الحمل حتى توجد أ فى ب بأوساطٍ لا نهاية لها ؟ أو هى 
متناهية ؟ وكذلك حال أ مع ج ، وهو الذى أراد بقوله : « أترى يمكن الإمعان فى 
ذلك إلى غير نهاية ؟ أم ذلك غير ممكن ؟ » - يعنى بإمكان الامعان فى وجود الحدود 
الأوساط بين الطرفين ، وذلك بأن تكون إن كانت غير متناهية : إمّا بوجودها بهذه 
الصفة بين الطرف الأكبر والأوسط ، وإمّا بين الظرف الأوسط والأصغر ؛ وإما فى 
الموضعين معاً . وإن كانت متناهية فإنما تكون فى الموضعين . 

[Page 427] 
ثم بَيّن أن البحث عن هذا المعنى ليس هو من جنس البحث عن المعنيين
المتقدمين ، لأن البحث عن هذا المعنى ، كما قال هو : هل يمكن أن تمعن البراهين فى 
الشىء الواحد إلى غير نهاية . يريد بالإمعان إلى غير نهاية أن ببيَّن شىء ما بمقَدمِتين ، 
ثم تبين كل واحدة من تلك المقدمتين بمقدمتين أيضاً ، وهكذا إلى غير نهاية ؛ - أم 
ينتهى مثل هذا المطلوب [٩٦ ب ] إلى أقيسة تكون عن مقدمات معروفة بأنفسها ؟ وقد 
كان تكلمّ على هذا المعنى فى أول هذه المقالة ، لكن رأى هنا أن يُعيده . 

قال أرسطاطاليس : 
« والقول فى المقاييس والمقدمات السوالب على مثال القول فى الموجبات ، 
بمنزلةّ ما تكون أ إمّا غير موجودة لشىء من ب أولاً ، أو يكون بينهما وسط له أوّلاً  
تكون أ غير موجودة بمنزلة ح ، وتكون ح موجودة لكل ب . وأيضاً إن كانت أ  
غير موجودة لشىء هو قبل ح ، فهل يوجد لا يتناهى فى الشىء الذى هو قَبْل ح ، 
أم يلزم أن ينقطع ويقف ؟ » 
التفسير 
يقول : ومثل هذا الطلب ينبغى أ ن نطلب فى القياسات السالبة ، أعنى التى 
تنتج نتيجة سالبة . فقوله : « والقول فى المقاييس والمقدمات السوالب على مثال القول 
فى الموجبات » يريد - : وهذا النحو من الطلب ينبغى أن نطلبه فى المقاييس التى تكون 
فيها مقدمات سوالب ،على مثل ما نطلبه فى المقاييس التى تكون من مقدمات 
موجبة . وهذا أيضاً إنما يتصور بأن لا يكون بين الطرف الأكبر المسلوب عن الأوسط 
وبين الأوسط وسط آخر يوجب سلب الأعظم عن الأصغر ، أو يكون بين الأكبر 
والأوسط وسطً حتى يكون كل سلب إمّا أولاً ، أى بغير وسط ؛ وإما أن ينتهى إلى 
سلب أول ، إن كان سلباً بوسط أو الأوساط تمرّ إلى غير نهاية . 

[Page 428] 
فقوله : « بمنزلة ما تكون أ إمّا غير موجودة لشىء من ب أوّلاً ، أو يكون بينهما

 وسطٌ له أوّلاً تكون أ غير موجودة ، بمنزلة ح ، وتكون ح موجودة لكل ب »
- يريد : وهذا الطلب يكون تصوّره على أحد وجهين : اما إن كان السلب ليس
يحتاج إلى سلب فيكون بمنزلة ما يفرض فارضٌ أن أ التى هى الطرف الأكبر غير
موجودة لشىء من ب الذى هو الحد الأوسط فى القياس السالب ، أعنى الذى مقدّمته
الكبرى سالبة وصغراه موجبة ، ويكون سلبها عن ب بغير وسط ، أى أول . فإن
أُلْفى قياسٌ مقدّمته السالبة بهذه الصفة فبيّن أنه ليس يحتاج السلُب إلى سلب .
والوجه الأخر أن يكون بين أ وبين ب - الذى هو الحد الأوسط وسطٌ آخر عنه تسلب
أ سلباً أولاً ، وتسلب من ب مِنْ قِبَل سلبها عن ذلك الوسط ، سواء كان ذلك
الوسط واحداً إذا كان متناهياً ، أو أكثر من واحد ، فإنه يصل ضرورةً إلى مقدمة
مسلوبة سلباً أوّلياً . [٩٧ أ] وهذا هو الذى أراد بقوله : « أو يكون بينهما وسطٌ له أولاً
تكون أ غير موجودة بمنزلة ح ، وتكون ح موجودة لكل ب » - يريد : أو يكون بين
الحد الأكبر والأوسط وسطٌ عنه يكون الطرف الأكبر الذى هو مسلوبٌ سلباً أولياً .
مثل أن يكون الحد الأوسط ما عليه ب ، وتكون أ مسلوبة عن ج سلباً أولياً ،
وتكون ح موجودة ل ب ، فتكون أ مسلوبة عن ب من قِبَل سلبها عن ح ، فيكون
سلبها عن ب بوساطة ح .

ولما ذكر هاتين الجهتين اللتين يتصوّر منهما تناهى المقدمات والسوالب فى القياس
بانتهاء إلى سوالب أُوَل ، أخذ يذكر القسم الثانى الذى تعطيه طبيعةُ التقسيم ، وهو
أن يكون سلب الطرف الأكبر عن الأوسط بأوساطٍ لا نهاية لها ليس ينتهى إلى سلب
أول ، فقال : « وأيضاً إن كانت أ غير موجودة لشىء هو قَبْلَ ح ، فهل يوجد لا
يتناهى فى الشىء الذى هو قبل ح ؟ أم يلزم أن ينقطع ويقف ؟ » - يريد : وإن
كانت أ مسلوبة عن الحد الأوسط الذى هوس سلباً ليس بأولَ ، بل من قِبَل قياسها
عن شىء آخر هو وسط بين أ و ح ، أو أشياء أخر- فهل تنتهى مثل هذه الأشياء التى
هى أوساط بين الظرف الأكبر والأوسط فى القياس الأول ، أعنى الأول فى التحليل ؟
أم ليس تتناهى ؟ وإنما وجب أن لا تتناهى المقدمات السوالب إن لم تنته الأوساط التى

[Page 429] بين الطرف الأكبر والأوسط ، أعنى المسلوب عن الأوسط ، من قِبَل أن كل وسط
يوجد هنالك فهو يتضمن مقدمتين إحداهما موجبة ، وهى الصغرى ، والأخرى
سالبة وهى الكبرى . فيسأَل أيضاً فى هذه السالبة : هل هى بوسط ، أم لا ؟ فإن
كانت بوسط ، فهنا لك أيضاً مقدمتان : موجبة ، وسالبة . فيُسْالَ أيضاً فى تلك
السالبة هل هى بوسطٍ ، أَمْ لا ؟ وإذا وُجد هذا يتسلسل ، فهل يمّر ذلك إلى غير
نهاية ؟ أم ينتهى الأمر إلى سالبة أولى ، أعنى يكون حملها من غير وسط ؟ وهذا هو
الذى دلّ عليه بقوله : « فهل يوجد لا يتناهى فى الشىء الذى هو قَبْل ح ، أم يلزم
أن ينقطع ويقف ؟ » - يريد : فهل يوجد الحمل الذى بين أ و ح التى هى الحدّ
الأوسط من القياس الأول إذ كان ذلك الحمل بوسط متناهى الأوساط ، أم لا ؟
فقوله : « فى الشىء الذى قَبلٍَ ح » - يعنى به الأوساط التى توجد بين أ و ح . وذلك
أن هذه الأوساط هى ضرورة بين أ و ح ، وهى كأنها بعد أ إذا أبتدئ من الطرف
الأكبر ، وقبل ح . وأما إذا ابتدئ من ح فهى بعد ح ، وقبل أ . لكن إنما أخذ
هذا الحمل من الطرف الأكبر .

][وجدت فى النسخة التى نقلت منها هذا البياضَ فتركته مثل ما وجدته ][*
[٩٨ أ] قال أرسطاطاليس :
« فأما الأمور التى ينعكس بعضها على بعض فليس صورتها هذه الصورة .

 وذلك أن من الأشياء التى ينعكس بعضها على بعض بالتساوى ليس فيها محمولٌ هو
أول ، ومحمول آخر يحمل عليه ، لكن كل واحد منهما عند الأخر هو أول . فإن
كانت الأشياء المحمولة < على > هذا الوجه هى غير متناهية ، فالأمور الموضوعة
لها أيضاً هى غير متناهية والشك يطرأ عليها على مثال واحد . وكذلك وإن لم

[Page 430] ينعكس بعضها على بعض على هذا الوجه ، لكن ينعكس أحدهما انعكاس جوهرٍ
على عَرَض ، والأخر انعكاس عَرَضٍ على جوهر . »
التفسير  

 لما كان هذان المطلبان فى القياسات المركبة ، أعنى : هل المحمولات فيها
متناهية أو الموضوعات إنما يتصور فى الحمل الذى يكون على استقامة ، أعنى يتوهم
تزيُّده إلى فوق كالخط المستقيم ، أو انحداره إلى أسفل كالخط المستقيم أيضاً ، إلاّ فى
الحمل الذى يتصوَّر دائراً ، وذلك يكون فى المقدمات المنعكسة بعضها على بعض ،
أعنى التى تكون من الحدود والرسوم والخواص - بيّن هذا المعنى لئلاّ يغلط فيه
غالط ، فقال : « الأمور التى ينعكس بعضها فى بعضٍ فليس صورتها هذه الصورة »
- يريد : فأما المقدمات المشتركة بالحدود الأوساط ، وهى منعكسة بعضها على
بعض ، فليس صورتها فى هذا الطلب هذه الصورة التى قصدنا الفحص عنها ،
وذلك أن المقدمات المنعكسة يوجد الحملُ فيها - ضرورةً - غير متناه . وذلك أن
المحمولات فيها يمكن أن توجد محمولات دائماً والموضوعات موضوعاتٍ دائماً . مثال
ذلك أنّا إذا صوّرنا دائرة أ ب ح د ه ، وجعلنا هذه الحروف عليها حدوداً
منعكسة ، فإنه توجد محمولات فيها غير متناهية ؛ وكذلك الموضوعات ، وكذلك أن
أ تحمل على ب ، ب على ح ، ح على د ، د على ه ، ه على أ ، أ على ب ،
وكذلك إلى غير نهاية .

وإن أُخذتْ أيضاً من جهة الموضوع وجدت ب موضوعة ل أ ، و ح موضوعة
ل ب ، و د موضوعة ل ح ، و ه موضوعة ل ب ، و أ موضوعة ل ه ، و ب
موضوعة ل أ ، ويمّر الأمرُ إلى غير نهاية .

وقوله : - وذلك أن الأشياء التى ينعكس بعضها على بعض بالتساوى ليس فيها
محمول اول لموضوع ، ومحمولٌ أخير يحمل عليه ، لكنْ كل واحد منهما عند الأخر هو
أوّل » - يريد : والسبب فى أنه لا يتناهى الحمل فى الأمور المنعكسة ، لا إلى فوق ولا

[Page 431] إلى أسفل ، أنه ليس فى الأمور المنعكسة محمول أول وهو موضوع أخير عند [ ٩٨ ب ]
العكس ، بل قد يمكن أن يحمل عليه الطرف الأخير .

وقوله : « فإن كانت الأشياء المحمولة على هذا الوجه غير متناهية ، فالأمور
الموضوعة لها غير متناهية أيضاً » - يريد : وإذا تبيّن فى الأمور المنعكسة أنه لا يوجد
فيها محمول أول ، فبينِّ أنه لا يوجود فيها موضوع أخير ، وذلك أن جميع المحمولات
تنقلب موضوعات ، والموضوعات محمولات . فإن كانت المحمولات غير متناهية ،
فالموضوعات غير متناهية .

وقوله : « والشكّ يطرأ على مثال واحد . . » إلى آخر ما كتبناه - يريد :
والشكّ العارض فى مرور الموضوعات إلى غير نهاية ، وانحلاله بأنها تمرّ إلى غير نهاية
للسبب الذى قلناه يعرض وإن لم تَبن المقدمة عندما تنعكس على نحو واحدٍ من الحمل
لأنه إذا كانت المقدمة حُمل فيها عَرَضٌ على جوهر من أول الأمر ، انعكست إلى .
الحمل الذى على غير المجرى الطبيعى وهو حَمْل جوهر على عَرَض . وإذا أُخِذ هذا
الحملُ أولاً ، انعكست إلى الحمل الذى على المجرى الطبيعى .

٢٠ - < عدد الأوساط ليس غير متناه >  

قال أرسطاطاليس :
« فأما فغير ممكن أن تكون بلا نهاية ، إذ كانت المحمولات - من فوق أخذت
أو من اسفل - قد تنقطع . ومعنى قولنا : « من فوق » - هو أن يقع الترقى ،
والأمعان من ناحية الأمر الكلى . ومعنى قولنا : « من أسفل » - هو أن يقع الإمعان
من ناحية الجزئى . فلو كان عندما تحمل أ على ز تكون المتوسطات التى عليها علامة
ب غير متناهية ، لكان ظاهراً بيّناً أنه يمكن الإمعان من أ إلى أسفل ، بأن يحمل شىء
على شىء بلا نهاية ولا يصل إلى ز من قبل أن الأوساط التى بين الطرفين لا نهاية لها ،

[Page 432] فلذلك أيضاً إن أمعن أ من ز إلى فوق فلا تصل إلى أ ، لأن الأوساط التى بينها لا
نهاية لها . وهذا غير ممكن . فإذن لا يمكن أن تكون الأوساط التى بين أ و ز غير
متناهية .

ولا أيضاً لو عارض مُعارِضٌ بأن بعض المتوسطات ، مثل ما بين أ ب ح
يتبع بعضها بعضاً ، ولا يكون بينهما وسط . وبعضها لا سبيل إلى أن يوجد
كذلك ، فإنه لا فرق بين الأول والثانى إذا أقتضب من ب نحو أ أو نحو ز كان لانهاية
موجوداً بين كل حدين ، أو لم يكن كذلك ، أعنى الاّ يكون بين كل حدين . فإنه
سواء كان بين كل حدين ، أو كان موجوداً . وذلك أن الأشياء التى بعد هذه تكون
بلا نهاية . »
التفسير  

قوله : « فالأوساط فغير ممكن أن تكون بلا نهاية ، إذ كانت المحمولات - من
فوق أُخِذت ، أو من أسفل - قد تنقطع » - : يريد فأما الأوساط فقد تنتهى [٩٩ أ] إذا
وضع أن المحمولات التى فى الوسط إذا أخذ الحمل إلى فوق محمول أخير ليس يحمل
عليه غيره ، وإلى موضوع أخير ليس يحمل على غيره ، وهو الذى دلّ عليه بقوله :
« قد ينقطع » . وهو يضع أولاً فى هذا البيان أن هاهنا محمولاً أخيراً وموضوعاً أخيراً .
ثم يتكلف البرهان على < أن > الأوساط بينها ليس يمكن أن تكون غير متناهية . ثم
بَين بَعْدُ أن هاهنا محمولاً أخيراً وموضوعاً أخيراً .

ولما كان قد قال : « إذ كانت المحمولات ، من فوق أخذت أو من أسفل ، قد
تنقطع » ، شرح ما أراد بهذا اللفظ فقال : « ومعنى قولنا : « من فوق » - أن يقع الترقى
والإمعان من ناحية الكل » - يريد : أن يقع الترقى فى الحمل من ناحية المحمول ، أى
متى فرضنا مقدمة من محمول وموضوع ، وأخذنا لذلك المحمول محمولًا ، ولذلك
المحمول محمولاً ، أنه ليس يمرّ الأمر إلى غير نهاية .

ولما كان المحمول يزاد على الموضوع ، والزيادة على الشىء شبيهةٌ بالترقى ،

[Page 433] سمّى هذا النوع من الحمل ترقيا . وعنى ب « الكلى » : المحمول ، وإنما سمّاه « كلياً »
لأنه أعم الحدين .

ثم قال : « ومعنى قولنا : « أسفل » هو أن يقع الإمعان من ناحية الجزئى ، يعنى
من ناحية الموضوع . وإنما سمّاه جزئياً لأنه منطو تحت المحمول . ولم يُردْ هاهنا
الجزئى الحقيقى ، لأن الجزئىّ الحقيقى ، الذى هو الشخص ، لا يحمل على شىء
أصلاً على المجرى الطبيعى . ولذلك كان هو الموضوع الأخير .

وقال : « هو أن يقع الإمعان » - ولم يقل : الترقى ، إذ كان هذا أشبه بالنزول .

ولذلك قال : « ومعنى قولنا : أسفل » .

ولما وضع أن هاهنا محمولاً أخيراً وموضوعاً أخيراً ، أخذ يبين أن الأوساط
< فيما بينها > غير متناهية ، فقال : « فلو كان عندما يحمل أ على ز تكون الأوساط
التى عليها علامة ب غير متناهية ، لكان ظاهراً بيّناً أنه قد يمكن الامعان من ب إلى
أسفل بأن يحمل شىء على شىء بلا نهاية » - يريد : أنه لو فرض إنسانٌ المتوسطاتِ
بين الطرفين ، اللذين وضعناهما وسلمنا أنهما محدودان ، غير متناهية ، لأمكنه أن
يبتدئ من الظرف الذى هو أ مثلاً ، فيحمله على الأوسط الذى يليه ، وذلك
الأوسط على الذى يليه ، ويمرّ الأمر فى الحمل هكذا إلى غير نهاية ، ولا يصل إلى
الطرف الذى فرضناه أخيراً ، الذى فرضنا عليه علامة ز ، من قبل أن المتوسطات
التى بين أ و ز غير متناهية . قم قال : « ولذلك أيضاً إن أمعنّا من ز إلى فوق لا
نصل إلى أ ، لأن الأوساط التى بينهما لا نهاية لها . وهذا غير ممكن » - يريد : وكذلك
كان يعرض لنا لو ترقينا من الطرف الأوسط الذى هو ب إلى جهة أ [٩٩ ب ] لم نصل

[Page 434] فى وقت من الأوقات إلى أ . وهذا غير ممكن ، لأنّا قد وضعنا الأطراف متناهية . ولو
كان الإمعان إلى غير نهاية لم يكن هنالك طرفان محدودان ، وقد كنا فرضناهما
محدودين - هذا خلف لا يمكن . فإذن لا تكون الأوساط النى بين أ و ز غير متناهية .
يريد : فقد تبين أنه لا تكون الأوساط بين طرفين محدودين غير متناهية .
وليس لقائل أن يقول إنه يمكن أن يوجد بين طرفين متناهيين أوساطٌ لا نهاية لها
مثلما نجد الخط المستقيم ينقسم بين طرفيه إلى خطوط لا نهاية لها ، فإن ذلك ،
الانقسام هو بالقوة والأوساط هى بالفعل . وليس يمكن أن توجد أشياء غير متناهية
بالفعل هى التى يتبين بها أن الطرف الأكبر فى الأصغر ، بأن يُنْتَهَى من أحدهما فى
الحمل إمّا على جهة الترقى ، وإمّا على جهة النزول . وهذا غير ممكن فى الأوساط
التى بلا نهاية .

ولمّا كان لقائل أن يقول : إنه ليس تلك الأوساط التى أخذناها بين أ ز بين كل
اثنين منها أوساط لا نهاية لها ، بل بعضها ليس بينهما أوساط أصلاً ، وبعضها بينهما
أوساط بهذه الصفة ، أعنى أنها غير متناهية ، وكان المحال لازماً عن الوضعين
جميعاً ، وذلك أنه لا فرق بين أن تكون الأوساط التى لا نهاية لها متوهمّة بين كل
حدين من تلك الحدود المتوسطة ، أو بين اثنين منها فقط ، أو أكثر من اثنين ، فى أنه
لا يوصل فى وقت من الأوقات من الطرف المحمول إلى الطرف الموضوع - أردف قوله
بأن قال : « ولا أيضاً لو عارض معارض بأن بعض المتوسطات ، مثل ما بين أ ب ح
يتبع بعضُها بعضاً ، ولا يكون بينهما وسط ، وبعضها لا سبيل إلى أن توجد كذلك »
أى بعضها يكون بينها أوساط ، وبين تلك الأوساط أوساطٌ إلى غير نهاية ، وبعضها
ليس كذلك .

ثم قال : « فإنه لا فرق بين الأول والثانى إذا اقتضب » - يريد : فإنه لا فرق بين
هذا الوضع والوضع الأول فى المحال اللازم عنهما إذا اقتضب ، أى إذا وضع طرفين
كيفما وضع الذى أراد الاقتضاب . قال : « نحو أ كانت أو نحو ز » - يريد : فإنه لا
فرق بين أن يَضع الأوساط بين أ و ز غير متناهية ، أو يضع بينهما وسطاً محدوداً مثلاً
وهو ب ، ويجعل ما بين ب و أ أوساطاً محدودة ، وما بين ب و ز غير محدودة ، أو

[Page 435] بالعكس ، وهو الذى أراد بقوله : « نحو أ كانت ، أو نحو ز » - يريد : كانت هذه
الأوساط الغير متناهية نحو أ - أى بين أ و ب ، أو نحو ز ، - أى بين ب و ز .

ثم قال : « كان لا نهاية موجودة بين كل جزئين أو لم تكن كذلك ، أعنى ألاّ
تكون بين كل حدين ، فإنه سواء كان بين كل حدين ، أو كان موجوداً . وذلك أن
الأشياء التى بعد هذه تكون بلا نهاية » - يريد : وسواء وضعنا بين كل حدين متوهمين
[ ١٠٠ أ] من هذه الحدود حدوداً لا نهاية لها ، أو توهمنا ذلك فى بعضها دون بعض
فإنه لا فرق فى ذلك . ولما بَيّن أنه ليس يمكن أن تقع أوساطٌ لا نهاية لها فى المطالب
الموجبة ، أخذ يبيّن أن الأمر كذلك فى المطالب السالبة .

٢١ - < المتوسطات فى البراهين السالبة ليست غير متناهية >  

قال أرسطاطاليس :
« ومن الظاهر البينّ أن المتوسطات فى البراهين السالبة قد تقف فى كلا الطرفين
جميعاً ، كما تقف فى البراهين الموجبة .

فلنفرض أنه غير ممكن أن يقع الإمعان إلى فوق من ناحية الأخير ، وأعني
بالأخير : الشىء الذى لا يوجد لشىء آخر ويوجد له شىء آخر ، بمنزلةز .
[b 82] ولا أيضاً يمكن أن يقع الإمعان من الأول إلى ناحية الأخير ، وأعنى بالأول : ما هو
محمول على شىء آخر ، وليس يُحْمَلُ عليه شىء آخر ألبتة . فإن كان هذا هكذا فى
السلب ، فقد يقف الإمعان فيه .
والأنحاء التى بيّن بها أن هذا غير موجودٍ لهذا ثلاثة : فإنه إن كان الذى يوجد
له ح قد يوجد ب لجميعه ، وما يوجد له ب لا يوجد لشىء منه د . أمّا مقدمة ح
ب ، ودائماً المقدمة التى معها أحد الطرفين فقد يجب ضرورة أن تنتهى إلى مالا وسط له
إذ كانت موجبة . وأما المقدمة الأخرى فمعلوم إن كانت غير موجودة لشىء أخر هو

[Page 436] أقدم ، بمنزلة و ، فقد تدعو الحاجة إلى أن تكون و موجودة لكل ب ، وإن كانت
أيضاً موجودة لأخر هو اقدم من و ، فقد تدعو الحاجة إلى أن تكون موجودة لكل
ز . فمن قِبَل أن الطريق من أسفل قد ينقطع ويقف ، فيجب أن يكون الطريق من
فوق أيضاً ينقطع ويقف ، ويوجد شىءٌ ما المحمول غير موجودٍ له . »
التفسير
قوله : « ومن الظاهر أن المتوسطات فى البراهين السالبة قد تقف فى كلا
الطرفين جميعاً ، كما تقف فى البراهين الموجبة » - يريد أنها تنتهى إلى الطرفين جميعاً ،
أى إذا ابتدئ بواحد من المتوسطات انتهى إلى الطرفين جميعاً : الأعلى ، والأخير .

ثم قال : « فلتفرض أنه غير ممكن أن يقع الأمعان إلى فوق من ناحية الأخير »
يريد : فلنَضَع أنه إذا ابتدأ مبتدئ من الطرف الذى هو موضوع فقط ، أنه ليس يمرّ
فى الحمل عليه إلى غير نهاية ، بل ينتهى إلى محمول أوّل يحمل عليه غيره .

ثم قال : « أعنى بالأخير : الشىء الذى لا يوجد لشىء آخر ويوجد له شىء
آخر » - يريد : الشىء الذى لا يُحْمل على شىء ويُحْملَ عليه غيره . وهذه هى حال
الأشياء الجزئية بالطبع .

 
ثم قال : « ولا يمكن أن يقع الإمعان من الأول إلى ناحية الأخير » - يريد : إذا
ابتدأ مبتدئ من الطرف الأكبر فإنه لا يمكن أن يمرّ ذلك إلى غير نهاية ، بل وينتهى
إلى الطرف [١٠٠ ب ] الأخير .

ثم قال : « وأعنى بالأوّل : ما هو محمولٌ على شىء آخر ، ولا يُحْمَل عليه شىء آخر »
- وهذا هو بالطبع محمولٌ ليس يمكن أن يكون موضوعاً لشىء ، وهو مثلاً أعُّم كلّى
يوجد للشخص . وإنما تمثل بالنهايات من هذه الأشياء لأن الأمر فيها أظهر . وإذا
وجب أن يتناهى الأمرُ فيها ، وجَبَ ذلك فى جميعٍ المطالب التى دونها ، لأنه إذا تناهى

[Page 437] الحمل بين الأوائل بالطبع فهو يتناهى ضرورة بين أىّ حدّين فَرَضْتَ أحدهما على
الثانى محمولاً .
ثم قال : « فان كان هذا هكذا فى السلب ، فقد يقف الامعان فيه » - يريد :
فإن كان واجباً أن يكون بين المحمول الأول بالطبع وبين الموضوع الأخير فى السلب ،
أوساطٌ متناهية ، فقد يجب أن يكون الأمر كذلك فى كل مطلوب سالب .

ثم أخذ يبينّ وجوب هذا فى كل مطلوب سالب ، فقال : « والأنحاء التى يبين
بها أن هذا غير موجود لهذا : ثلاثة » - يريد بالثلاثة : الأشكال الثلاثة . وإنما قال
ذلك لأن السالبة الجزئية تبين فى الأشكال الثلاثة .

ثم قال : « فإنه إن كان الذى يوجد له ح فقد يوجد ب لجميعه ، وما يوجد له
ب لا يوجد لشىء منه د » - يريد : مثال ذلك فى الشكل الأول :
إن كان كل ما هو ح فهو ب
وكل ما هو ب فليس هو شىء من د
فإن هذا ينتج فى الشكل الأول : كل ما هو ح فليس هو د
ولما ذكر التأليف الذى ينتج السالب الكلى فى الشكل الأول ، أعنى التأليف
القريب من المطلوب ، أخذ يقرر أنه يجب أن تتناهى الأوساط فى هذا الشكل ،
فقال : « اما مقدمة ح ب ، ودائماً المقدمة التى معها أحد الطرفين فقد يجب ضرورةً أن
تنتهى إلى ما لا وسط له ، إذ كانت موجبة » - يريد أن المقدمة الصغرى فى هذا
الشكل ، التى هى فى هذا المثال مقدمة ح ب واجبٌ أن تتناهى أوساطها إن كانت

[Page 438] مما يبين بوسط ، إذ كانت إنما تكون فى هذا الشكل موجبة . وقد بَيّن قبل أن
الموجبات ذوات الأوساط متناهية .

وقوله : « ودائماً المقدمة التى معها أحد الطرفين » - يريد : وبالجملة ، فيعرض
هذا دائماً للمقدمة التى يوجد فيها أحد طرفى المطلوب ، أى الموجبة .

ثم قال : « وأمّا المقدمة الأخرى فمعلومٌ إن كانت غير موجودةٍ لشىء هو أقدم
بمنزلة و ، فقد تدعو الحاجة إلى أن تكون وموجودة لكل ب » . وأما المقدمة الأخرى
السالبة القائلة إن كل ب ليس هو د ، فمن المعلوم بنفسه أنه إن كان د ، الذى هو
الطرف الأكبر غير موجود ل ب الذى هو الأوسط ، من قِبَل حدّ أوسط هو أقدم من
الطرف الأوسط ، بمنزلة و ، حتى تكون دائماً تسلب عن ب بوساطة سلبها عن و - أنه
يجب أن تكون وموجودة ل ب ، إذ كان [١٠١ أ] كل سالب إنما ينتج من مقدمتين :
موجبة وسالبة . فإن كانت تلك الموجبات ذوات أوساط ، وَجَب أن تنتهى .
وكذلك إن فرضنا سلب د عن وبوسطٍ ، لزم أن يكون ذلك أيضاً بمقدمتين إحداهما
موجبة ، وهو الذى دلّ عليه بقوله : « وإن كانت موجودةً لأخر هو أقدم من و ، فقد
تدعو الحاجة إلى أن تكون موجودة لكل و » .

ثم قال : « فمن قِبَل أن الطريق من أسفل تنقطع وتقف ، فيجب أن يكون
الطريق من فوق أيضاً ينقطع ويقف ، فيوجد شىءٌ ما المحمول غير موجود له »
يريد : من قِبَل أنه إذا ابتدأنا من الطرف الأخير وجب أن يتناهى الحمل إلى الطرف
الأوسط الموجب ، فقد يجب إذا ابتدأنا من الطرف الأعلى أن نتناهى فى الهبوط إلى
الطرف الأوسط المسلوب الأخير . وإنما قال هذا من قِبَل أن الشكل الأوّل السالب
إنما يبين تناهى الأوساط فيه من قِبَل المقدمة الصغرى ، وهى التى تلى الطرفَ
الأصغر ، إذ كانت هى الموجبة . وإنما أراد أن الموجبات إذا تناهت ، فالسوالب أيضاً
متناهية .

[Page 439] 
قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً إن كانت ب موجودة لكل أ وغير موجودة لشىء من ح ، ف أ غير
موجودة لشىء من ح . وبيان هذا ، إن كان مزمعاً أن يكون ، إمّا بالشكل الأول ،
أوّ بهذا الشكل ، أو بالشكل الثالث .

فأما الشكل الأول فقد سلف فيه الكلام . وأما كيف يبين بالشكل الثالث ،
فإنّا نأخذ فى الكلام فيه . فأما تبيانه بالشكل الثانى فهو بمنزلة ما تكون أ موجودة لكل
ب وغير موجودة لشىء من ح . فإنه إذا دعت الضرورة إلى شىء يكون موجوداً ل «
ب - لأن كذا الشكلُ الثانى - ويكون غير موجود ل ح ، فإنه تدعو الضرورة إلى أن
يوجد شىء يقال على أ، تكون ولا على شىء من ح ، لكن من قِبَل وقوف
الموجبات فى الإمعان إلى فوق ، فسيقف أيضاً الإمعان فى السلب . »
التفسير
لما بَينَّ أنه ليس يمكن أن توجد أوساط غير متناهية بين طرفين أحدهما مسلوبٌ
عن الثانى ، ذلك فى الشكل الأول ، - يريد أن يبين ذلك فى الشكلين الباقيين ، لأنّ
بذلك يتم برهان ما قصد برهانه. وذلك أنه إذا وضع هاهنا ما بينّ فى كتاب
« القياس » من أن كل مطلوب سالب فأنه ليس يبيّن إلاّ بأحد هذه الثلاثة الأشكال ،
ويتبينّ فى واحدٍ واحدٍ من هذه أنه ليس يمكن أن توجد فيه أوساطٌ لا نهاية لها - فظاهرٌ
بيّنٌ أنه ليس يوجد شيئان يُحْملَ أحدهما على الآخر على طريق القياس بأوساط لا
نهاية لها . ولما بَيّن ذلك فى الشكل الأول ، شرع يبين ذلك [١٠١ ب ] فى الشكل
الثانى .

وقوله : « وأيضاً إن كانت ب موجودة لكل « أ » وغير موجودة لشىء من ج ، ف أ
غير موجودة لشىء من ح » - يريد : وأيضاً فإنه قد تبين فى كتاب « القياس » أنه متى

[Page 440] أخذنا شيئاً واحداً محمولاً على شيئين : على أحدهما بإيجاب ، وعلى الثانى بسلب - أن
أحد ذينك الشيئين يجب أن يكون أحدهما مسلوباً عن الأخر باضطرار ، مثل أن
تكون ب ، مثلاً ، التى هى الحد الأسط محمولة بإيجاب على كل أ التى هى الطرف
الأكبر ، وتكون أيضاً ب محمولة على كل ح بسلب ، فإنه يلزم أن تكون أ مسلوبة
عن كل ح ، وأن هذا هو أحد ضربى الشكل الثانى ، وهو الذى صغراه سالبة
كلية ، وكبراه موجبة كلية . ولما ذكر الشكل الثانى بالتمثيل ، وكان الأحسن فى
التعليم أن يستعمل التقسيم فى هذا المطلوب فى أول الأمر بأن يقول فى
استفتاحِهِ : وبيان هذا المطلوب أنه إن كان موجوداً ، فإنه إنما يكون فى الشكل الأول
أو فى الثانى ، أو فى الثالث ، ثم يشرع فى بيان ذلك فى شكلٍ شكلٍ - استدرك ذلك
هاهنا بعد أن ذكر الشكل الأول وبعد أن مضى صدرٌ من كلامه فى التمثيل فى الشكل
الثانى ، فقال : « وبيان هذا إن كان مزمعاً . . » إلى قوله : « . . . فأما بيانه
بالشكل الثانى فهو بمنزلة ما يكون » - يريد : وبيان هذا بالجملة إن كان مزمعاً أن
توجد أوساط بلا نهاية فى مطلوب سالب ، فإنه لا يخلو ذلك أن يكون إما فى الشكل
الأول ، وإمّا فى الثانى ، وإمّا فى الثالث . أما فى الأول فقد تقدم امتناعه ، وأما فى
الثالث فسنذكره بعد ذكرنا الشكل الثانى . وأما فى الشكل الثانى فنحن نذكره
الآن . وليكن مثال ذلك فى الشكل الثانى بمنزلة ما تكون أ ، التى هى بدل الحدّ
الأوسط ، موجودة لكل ب ، أى محمولة على كل ب بإيجاب ، التى هى بدل الحد
الأكبر أو الأصغر . فإنه إذا وجب أن تكون إحدى مقدمتى هذا القياس موجبة ،
وذلك إمّا الكبرى وإما الصغرى، فإنه يجب ضرورةَ أن تتناهى الحدود الأوساط ، من
قِيَل إنّه قد تبين ذلك من أمر الموجبات . وهذا هو الذى أراد بقوله : « فإنه قد تدعو
الضرورة إلى أن يوجد شىء يقال على أ ، ويكون ولا على شىء من ج » - يريد : فإنه
تدعو الضرورة فى هذا الشكل إلى أن يكون فيه شىء يحمل على أ بإِيجاب ، ويكون
ذلك الشىء ولا فى شىء من ج ، إذا توهمنا أ حَداً أكبر ، و ح حَداً أصغر ، وذلك
الشىء حدّ أوسط ، أى تدعو الضرورة - إلى أن تكون فيه مقدمة موجبة .

[Page 441] 
ثم قال : « لكن من قِبَل وقوف الموجبات فى الإمعان إلى فوق ، فسيقف أيضاً
الامعان فى السلب » - يريد : أنه لما < كان > السلب إذا كان بحد أوسط لزم فيه أن
تكون هناك مقدمة [١٠٢ أ] موجبة ، وكان قد فرضنا أن المقدمات الموجبة تنتهى إلى
مالا وسط له ، فواجب أن تنتهى إلى مالا وسط له المقدمة السالبة ، لأنه إن لم ينته
السلب إلى سلب غير ذى وسط لم تنته الحدود الموجبة بين الطرفين ، وقد تبين أنها
متناهية - هذا خلفً لا يمكن . والسبب فى ذلك أن السوالب تكون على عدة
الموجبات ، إذ مع كل سالبةٍ موجبةٌ .

قال أرسطاطاليس :  

 « فأما بيانه بالضرب الثالث فيجرى على هذا النحو ، وهو إن كانت أ
موجودة لكل ب ، وج غير موجودة لها - تكون ح غير موجودة لكل أ . وهذه إما
أن يكون بيانها على مثال ما تقدَّمها فسوف ينقطع ويقف إمعانها ؛ وإمّا أن يجرى
بيانها على هذا النحو من قِبَل أن ب قد توجد أيضاً ل ح ، التى ح غير موجودة
لكلّها . وهذه أيضاً على النسق . فمن قيل أن موضوع الموجبة ينقطع الإمعان فيه
من ناحية اسفل ، فمن البين أنه قد تقف أيضاً القائلة : ح غير موجودة لشىء ما . »
التفسير
لما فرغ من بيان تناهى الحدود الأوساط السالبة المنتجة فى الشكل الثانى ، أخذ
يبين تناهيها فى الشكل الثالث ، فقال : « فأما بيانه بالضرب فيجرى على هذا
النحو » - يريد : فأمّا بيان السوالب التى تنتج فى الشكل الثالث وهى السوالب الجزئية
[هى ] بأوساط متناهية فيجرى بيانه على هذا النحو الذى أقوله . ثم أخذ يمثل ذلك
بالحروف . وأنتج السالب الجزئى فى هذا الشكل فقال : « وهذا إن كانت أ موجودة
لكل ب ، و ح غير موجودة لها ، تكون ح غير موجودة لكل أ » - يريد : مثال
الضرب السالب الجزئى فى الشكل الثالث أن تكون أ ، التى هى الطرف الأصغر ،

[Page 442] موجودة فى كل ب التى هى الأوسط ، أى محمولة على كلها ، و ح التى هى الطرف
الأكبر غير موجودة لشىء من ب التى هى الأوسط - فإنه يلزم عن هاتين المقدمتين أن
تكون ح غير موجودة لكل أ ، أى يكون بعض أ ليس هو ح . وهذا الضرب هو
ما يأتلف من موجبة صغرى كلية ، وسالبة كبرى كلية .

ولما كان الأمر فى هذا الضرب على هذا ، قال : « وهذه إمّا أن يكون بيانها على
مثال ما تقدمها فسوف ينقطع الإمعان » - يريد : وهذه السالبة الكلية التى فى هذا
التأليف إن كانت مبينّة بحد أوسط ، فإما أن يكون بيانها على مثال ما تقدم فى الشكل
الثانى ، أو الأول - وذلك أن السالبة الكلية ليس تبيّن إلاّ فى هذين الشكلين ، وقد
تبين أن الحدود الأوساط فى هذه تتناهى من قِبَل الموجبة فيجب أن تتناهى الحدود
الأوساط السوالب فى هذا الشكل .

ثم قال : « وإما أن يجرى بيانها على هذا النحو ، من قِبَل أن ب قد توجد ل ه
التى ح غير موجودة لكلّها » - يريد : وإما أن تكون الكبرى فى هذا الشكل سالبة
جزئية ، فيجرى بيانها [١٠٢ ب ] على هذا النحو الذى أقوله . وذلك أن هذا
التأليف يتكون فيه - ضرورةً - موجبة كلية ، من قِبَل أن ب الذى هو الحد الأوسط قد
يوجد له - أى يحمل عليه بإيجاب - الشىء الذى هو ح وهو الطرف الأصغر غير
موجود لكله ، وهو الطرف الأكبر الذى هو أ .

ثم قال : « وهذه أيضاً على هذا النسق ، من قِبَل أن موضوع الموجبة ينقطع
الإمعان فيه من ناحية أسفل ، فمن البين أنه قد تقف أيضاً القائلة : ح غير موجودة
لشىء ما » - يريد : وإذا كانت الصغرى هذا الشكل موجبة كلية ، وكبراه سالبة
جزئية ، فهذه أيضاً يظهر على ذلك النسق أنها تنتهى الأوساط فيها ، من قِبَل أن
الموجبة ينقطع أحد الأوساط فيها من ناحية أسفل ، على ما تبين قبل . وإذا كان ذلك
كذلك ، فمن البين أنه تنقطع فى السالبة الجزئية ، لأنها إن كانت ذات وسط ،

[Page 443] احتاجت إلى الموجبة وائتلف القياس : إمّا فى هذا الضرب من الشكل الثالث ، أو فى
الضرب الثانى السالبِ من هذا القياس ، أو الثالث ، أو فى الأوّل . وكلها مفتقرة إلى
الموجبة الكلية . والموجبة الكلية ، إن كانت ذات أوساط ، فإنما تبين فى الشكل
الأول بموجبتين . وقد تبين أن هذه متناهية . فيجب أن تكون السالبة الجزئية متناهية
الأوساط ولا بدّ ، إذ كانت معادلة لها .

قال أرسطاطاليس :
« ويتبين ويظهر أيضاً أنه وإن كان بيانها ليس يكون فى شكل واحد ، لكن فى
جميع الأشكال : تارة فى الأول ، وتارة فى الثانى ، وتارة فى الثالث - فإنه على هذا
الوجه أيضاً تتناهى وتقف . وذلك أنه إذا كانت الطرق متناهية ، وهى فى كل واحدٍ
منها متناهية ، فان الذى يجتمع من المتناهى : متناهٍ .

فقد بان وظهر أن الإمعان فى السلوك قد ينقطع ويتناهى فى السوالب ، كما
أنقطع وتناهى فى الموجبات . »
التفسير  

قوله : « ويظهر أيضاً أنه وإن كان بيانها ليس يكون فى شكل واحدٍ » - يعنى به
السالبة الجزئية . يريد : والسالبة الجزئية ، وإن كانت ليس تبين فى شكل واحد ،
لكن فى جميع الأشكال ، فإنه ظاهرً أيضاً أنه إن كانت ذات أوْسَطٍ فإن الأوساط
تكون متناهية . وذلك أنه إذا كانت الطرق التى تبين فيها متناهية ، أعنى الأشكال
وكان قد تبين أنها تبين فى كل واحد من تلك الأشكال بأوساط متناهية - وهذا هو
الذى دل عليه بقوله : « فإن الذى يجتمع من المتناهى : متناهٍ » - يريد أنه إذا كانت
الطرق التى تبين بها متناهية ، وكانت [١٠٣ أ] الأوساط فى كل واحدٍ منها متناهية ،
فإنه يلزم أن تكون كل سالبة جزئية تبين بأوساط متناهية ، أى الذى يجتمع من تناهى
الطرق وتناهى الحدود الوسط فى كل طرائق - أن تكون السوالب كلها الجزئية متناهية .

٢٢ - < فى البراهين الموجبةٌ عددُ الحدود متناهٍ >  

[Page 444]

٢٢ - < فى البراهين الموجبةٌ عددُ الحدود متناهٍ >  

قال أرسطاطاليس :
فأما أن الأمر يجرى على هذا فى العلم الناظر على طريق المنطق ، فإنه يبين على
هذا النحو . أمّا فى الأشياء التى تحمل من طريق « ما الشىء ؟ » فإن الأمر بَيّنٌ ، من
قِبَل أنه إذا كان الحد موجوداً ، وكان قد يقف على الأشياء التى منها انبنَت ذات
الشىء ، وكان غير ممكن سلوكُ ما لا نهاية له ، فإنه يلزم من الاضطرار أن تتناهى
الأشياء التى منها انبنت ذاتُ الشىء - [ 83 a] وبالجملة ، فإنّا قد نحكم ولكون
حكمنا صادقاً إذا حكمنا علىَ هذا الأبيض أنه يمشى ، وحكمنا أيضاً على الكثير بأنه
عدد ، وحكمنا على هذه الخشبة بأنها كبيرة ، وعلى هذا الانسان بأنه يمشى . وبين
الحكم على هذا النحو ، وبين الحكم على النحو المتقدم خلاف كبير . وذلك أنّا إذا حكمنا
على هذا الأبيض بأنه عودٌ فإنما نعنى أن ذلك الشىء الذى عَرَض له أن يكون أبيض
هو عود ، لا على أن الأبيض هو الموضوع للعود . وذلك أن العود ليس من
المحمولات الذاتية للأبيض ، إذ كان ليس معنى الأبيض أنه عود ؛ ولا من
المحمولات العرضية ، إذ كان ليس بموضوع محقق ، لأن الموضوعَ على التحقيق هو
الجوهر ، لكن يحمل عليه على طريق العَرَض . فأما إذا حكمنا على العود أنه أبيض
، فلسنا نعنى بذلك أن الأبيض عارضٌ لشىء منه ذلك الشىء هو المحكوم به على
العود . كما أنّا إذا قلنا أن الموسيقىِّ أبيض يكون حكمنا بالبياض على الشىء الذى

[Page 445] عَرَض له أن يكون موسيقياً وهو الإنسان ، لكن تكون الخشبة نفسها موضوعاً ،
وهذا المحمول هو الشىء الذى يحكم عليها ، لا على أنه عارضٌ لشىء آخر .
فإن كان يجب أن نضع قانوناً فى ذلك ، لنجعل المحمول الذى هو محمولٌ على
هذا النحو هو المحمول على طريق التحقيق ، فأما المحمول على الوجه الآخر
فإنّا لا نسميه حملاً أصلاً . وأما إن سمّيناه فنسميه حملاً بطريق العَرَض . أما الأبيض
فيكون محمولاً . وأما الخشبة فتكون موضوعاً . ومثل هذا المحمول فلنجعله محمولاً
على التحقيق ، لا على طريق العَرَض . والبراهين إنما تكون على مثل هذا المحمول
الذى هو إمّا ما هية الشىء ، أو كيفية له ، أو كمية ، أو إضافة ، أو معنى يفعل ،
أو ينفعل ، أو أين ، أو متى . ويكون إذا كان المحمول واحِداً بالطبيعة ، وكذلك
الموضوع .

التفسير
لما بَيّن ، أنه ليس يمكن أن توجدَ حدودٌ أوساطٌ بغير نهاية بين طرفين مفروضين ،
أعنى أن يفرض أحدهما محمولاً ، والأخر موضوعاً - يريد أن يبين أن هاهنا
[١٠٣ ب ] طرفين بهذه الصفة ، وأنه ليس يمكن أن يمرّ الحملُ إلى غير نهاية من
موضوع ما مشارٍ إليه ، مثل أن يحمل عليه محمولٌ ، وعلى ذلك المحمول محمولٌ
آخر ، وعلى ذلك الأخر آخر ، ويمّر الأمر إلى غير نهاية إلى فوق . وكذلك أيضاً لا
يمكن أن يوجد محمولٌ ما له موضوع ، ولذلك الموضوع موضوعٌ ، ويمرُ الأمر إلى غير
نهاية .

ولما كان هذا يُطْلبَ فى القياس البرهانى المنطقى ، والذاتى ،أعنى : هل يمّر
المطلب فى هاتين الصناعتين إلى غير نهاية ؟ ابتدأ من ذلك بالفحص عن القياس
المنطقى ، وهو الذى يكون من مقدمات غير مناسبة فقال : « فأما أن الأمر يجرى على
هذا فى العلم الناظر على طريق المنطق ، فإنه يبين على هذا النحو » - يريد : فأما أن
الحمل ينتهى فى القياس المنطقى إلى محمول ليس له محمول ، فإنه يبين مما أقوله . 


[Page 446] 
ثم قال : « أما فى الأشياء التى تحمل على الشىء من طريق ما هو، وهى
الحدود التى انبنت منها ذات الشىء ، وهى المحمولات على الشىء من طريق ما هو ،
أعنى من الأجناس ، والفصول ، وكانت هذه الأشياء ، إن كانت غير متناهية ، فمن
البين أنه لا يوقف الحدّ على معرفة شىء من الأشياء ، لأنّا نرى أنا إنما نعرف الشىء
إذا عرفنا ما هو بجميع أسبابه ، أعنى بحدّه وحد جنسه ، وحدّ جنس الجنس ، إلى
أن ينتهى إلى الجنس الأخير . وهذا البيان هو منطقى على قياس منطقى .

ولما فرغ من تبيين هذا الأمر فى المحمولات التى تحمل على الشىء من طريق ما هو،
وكان قصده بعد هذا أن يبين تناهى الحمل فى الصنف الثانى من المحمولات ، وهى
المحمولات التى هى أعراض ؛ وكانت هذه صنفين : منها عَرَضية ، ومنها ذاتية .
وكانت العرضية ليس يمتنع فيها وجودُ ما لا نهاية له - أخذ يفصل أولاً المحمولات
العَرضية من الذاتية ، فقال « وبالجملة فإنّا قد نحكم ، ويكون حكمنا صادقاً ، إذا
حكمنا على هذا الأبيض أنه يمشى ، وحكمنا على الكثير بأنه عدد ، وحكمنا على هذه
الخشبة أنها كبيرة ، وعلى هذا الإنسان بأنه يمشى » - يريد : وأما المحمولات التى
ليست تحمل على الشىء من طريق ما هو ، فليس كل ما كان صادقاً منها فحمله
بالجملة على وتيرة واحدة . وذلك أنّا قد نحكم على الأبيض أنه يمشى ، فيكون
حكمنا صادقاً إذا اتفق للشىء الأبيض أن يكون ماشيا . ونحكم على الكثير أنه
عدد ، وذلك صادق . ونحكم أيضاً على هذه الخشبة أنها كبيرة ، وعلى هذا الإنسان
أنه يمشى .

ثم قال : « وبين الحكم على هذا النحو وبين الحكم على النحو المتقدم خلافٌ
كبير » - يريد : بين الحكم العرضى فى هذه التى تمثل بها ، والحكم الذاتى . ثم أخذ
يعرّف ذلك فقال : « وذلك أنّا إذا حكمنا على هذا الأبيض أنه عودٌ ، فإنما نعنى أن
ذلك الشىء الذى عَرَض له أن يكون أبيض هو عود ، لأن الأبيض هو [١٠٤ أ]
الموضوع للعود » - يريد : وذلك أنّا إذا حملنا الجوهر على العَرَض ، فحكمنا مثلًا على
هذا الأبيض أنه عود ، فإنّما معنى هذا الحمل أن الشىء الذى عَرَض له أن يكون

[Page 447] أبيض ، أعنى موضوع الأبيض ، هو عود ، لأن الأبيض هو الموضوع للعود . كما
نعنى بقولنا إن هذا العود أبيض . وذلك أن هذا هو حملٌ على المجرى الطبيعى ،
وذلك على غير المجرى الطبيعى . ثم أتى بالسبب الذى من قبله ليس حمل العود على
الأبيض أو على الكبير حملًا ذاتياً ، أى على المجرى الطبيعى ، فقال : « وذلك أن
العود ليس من المحمولات الذاتية للأبيض ، إذ كان ليس معنى الأبيض أنه عود ،
ولا من المحمولات العرضية إذ كان ليس بموضوع محقق ، لأن الموضوع المحقق هو
الجوهر ، لكن يحمل عليه على طرق العَرَض » - يريد : وإنما كان حملنا العود على
الأبيض أو الكبير حملاً على غير المجرى الطبيعى ، من قِبَل أن هذا الحمل ليس هو
من الحمل الجوهرى ، أعنى الذى يحمل على الشىء من طريق ما هو، وذلك أنه
ليست ما هية الأبيض أنه عود ، ولا ما هية الكبير ، ولا هو أيضاً من المحمولات
الأعراض ، وذلك أنّ محمولات الأعراض هى التى موضوعاتها هى الجواهر المحققة .
يعنى « بالذاتية » هاهنا : الجوهرية واستعمل اسم الذاتية هاهنا بخصوص . ويعنى ب
« العرضية » : المحمولات التى هى أعراض المحمولات بطريق العَرَض .

ثم قال : « فأمّا إذا حكمنا على العود أنه أبيض ، فلسنا نعنى بذلك أن الأبيض
عارضٌ منه ، ذلك الشىء هو المحكوم به على العود ، كما أنّا إذا قلنا إن الموسقار
أبيض يكون حكمنا بالبياض على الشىء الذى عَرَض له أن يكون موسقارا وهو
الإنسان » يريد : والفرق بين الحملين أنّا إذا حكمنا على العود أنه أبيض ، فلسنا
نعنى بذلك أن الأبيض محمول على شىء ، ذلك الشىء محمول على العود ، بل نعنى
ان العود جوهره أبيض ، لا شيئاً عرض للعود .

[Page 448] 
وأما إذا قلنا إن الموسقار أبيض ، فإنما نعنى بذلك أن الشىء الذى عرض له
الموسيقى وهو الانسان هو أبيض . ثم قال : « لكن تكون الخشبة نفسها موضوعة
للبياض » ثم قال : « وهذا المحمول هو الشىء الذى يحكم به عليها ، لا على أنه
عارض لشىء آخر » - يريد : وهذا النحو من الحمل الذى هو مثل حمل الأبيض على
الخشبة ، أى فى أن تقول إن هذه الخشبة بيضاء - هو المحمول الذى يحكم به على
الموضوع نفسه ، لا من قِبَل شىء عارض للموضوع يحمل عليه من أجل ذلك .
وهذا الحمل إنما يعرض على أحد أمرين : إما أن يحمل الجوهر على العَرَض ، مثل
حملنا الخشبة على الأبيض ؛ وإما أن يتفق أن يوجد عَرَضان فى موضوع واحد ، يحمل
أحدهما على الثانى ، مثل حملنا البياض على الموسقار . والأول يخصُّ بالحمل على
المجرى الطبيعى والثانى بالحمل الذى بالعَرَض . وهو هاهنا يعنى بالحمل العَرَضى :
الصنفين جميعاً .

ولما بين الحمل الحقيقى فى الأعراض ، وهو الحمل الذى على المجرى الطبيعى
وعلى الموضوع [١٠٤ ب ] نفسه ، لا على شىء عَرَض للموضوع ، أعنى حمل
الأعراض على الجواهر لا حمل عَرَض ، ولا حمل جوهر على عَرَض - قال : « فإن كان
يجب أن نضع قانوناً فى ذلك ، فلنجعل الذى هو محمول على هذا النحو هو المحمول
على طريق التحقيق » - يريد : أنه إن كان يجب أن نضع بهذه الأشياء أسماء مخترعة
تجرى مجرى القانون ، فينبغى أن نسمّى المحمول فى هذه الصناعة هو المحمول
الحقيقى ، وهو المحمول الذى على المجرى الطبيعى ، لأن ذلك ليس تنظر فيه
صناعة . وهذا بين فى ترجمة متى ، وهو قوله : « فإن كان ينبغى أن نضع فى أمر
المحنة ! سُنَّة ، فليكن القول على هذا النحو هو الحمل » .

ثم قال : « فأما المحمول على الوجه الآخر فإمّا ألاّ نسميه حملاً أصلاً ، وأمّا إن

[Page 449] سميناه فإنما نسميه حملاً بطريق العَرَض » ثم قال : « أما الأبيض فيكون محمولاً ، وأما
الخشبة فتكون موضوعاً . ومثل هذا المحمول فلنجعله محمولاً على التحقيق لا على
طريق العَرَض » يريد : والحمل الحقيقى الذى يجب أن يفحص عنه هاهنا - هو متناه
، أم لا - هو مثل حمل الأبيض على الخشبة ، أعنى أن يكون الأبيض هو المحمول ،
والخشبة هى الموضوع . وإنما كان هذا هو الحمل الحقيقى لأن الموضوع فيه فى الذهن
هو موضوع خارج النفس ،وكذلك المحمول فيه هو محمول خارج النفس ، وليس
يحمل فيه شىء على شىء من قِبَل غيره .

ثم قال : « والبراهين إنما تكون على مثل هذا المحمول الذى هو إمّا ماهية
الشىء أو كيفية له ، أو كمية ، أو إضافة ، أو معنى أن يفعل ، أو ينفعل ، أو أين ،
أو متى » - يريد : والبراهين إنما تبرهن للموضوع وجودَ أحد هذين المحمولين ، أعنى
الذى هو ماهية الموضوع ، وجزء ما هية أو عرض موجود له من أعراض المقولات
التسع ، وذلك : إما كيفية ، وإما كمية ، وإما إضافة ، وإمّا غير ذلك من سائر
المقولات .

وقوله : " ويكون إذا كان المحمول واحداً بالطبيعة ، وكذلك الموضوع "
-يريد : و إنما تكون أمثال هذه المحمولات على عدد المقولات متى كانت بسيطة ، لا
مركبة.

قال أرسطاطاليس :
« فلنَعُدْ إلى حيث كنّا فنقول أن جميع ما يحمل على الجوهر حملاً ذاتياً إما أن
يكون المحمول جزءاً من الموضوع ، أو يكون المحمول هو ذات الموضوع . فأمّا ما
سوى ذلك مما يحمل على الجوهر وليس بذاتى له لكنه محمول عليه ، وليس هو جزءاً
من الموضوع ولا هو ذات الموضوع - فهو أعراضٌ له . مثال ذلك : أن يحمل على
الإنسان أنه أبيض ، فإن الانسان ليس ذاتهُ ومعناه أنه أبيض ، لكن لعلة أن يكون
حيواناً ؛ فإن الإنسان هو ما هو [١٠٥ أ ] بأنه حيوان . فأمّا جميع الأشياء التى ليست
ذاتية للجوهر ، فمعلومٌ من أمرها أنها دائماً إنما تحمل على شىء موضوع . و ذلك أنه

[Page 450] ليس يوجد شىء هو ابيض ، ذاتهُ ومعناه أبيض ، لكن على أنه موضوعٌ البياضُ
موجودٌ فيه .

فأما الصُّوَر فعلى ذكرها العفاء ، إذ كانت فرعاً باطلاً لا محصول له ؛ وإن
كانت موجودةٌ فلا مَدْخَل لها فيما نحن بسبيله ، من قِبَل أن البراهين إنما تكون على
أمثال هذه .

وأيضاً إن لم يكن أحد الجزئين عند الأخر على أنه كيفية له ، وذاك لهذا ، أو لم
يكن للكيفية أيضاً كيفية ، فليس يمكن أن تنعكس بعضُ الحدود على بعض ، سوى
أنه قد يمكن أن تحمل هذه بعضها على بعض . فأما على التحقيق - فلا . »
التفسير
لما بَيّن الفرق بين المحمولات العرضية والغير عرضية فى حمل الأعراض - عاد
إلى ما قصده من أن المحمولات التى هى أعراض إذا لم يحمل بعضها على بعض
بالعرض ، أنه يجب أن تتناهى . وأعاد الفحص فى ذلك من الرأس . وابتدأ
بالمحمولات الجوهرية .

فقوله « أن جميع ما يحمل على الجوهر حملاً ذاتياً : إما أن يكون المحمول جزءاً
من الموضوع ، أو يكون المحمول هو ذات الموضوع » - يعنى بالحمل الذاتى هنا :
المقول بخصوص ، وهو المعَرِّف ذات الجوهر .

وقوله : « إمّا أن يكون المحمول جزءاً من الموضوع » يعنى : جزءَ حّدٍ ، مثل أن
يكون جنساً ، أو فصلاً .

[Page 451] 
وقوله : « أن يكون المحمول هو ذات الموضوع » - يعنى : أن يكون بأسره حدّاً
للموضوع .

ثم قال : « وأمّا سوى ذلك مما يحمل على الجوهر . . » إلى قوله : . . فهى
أعراض له » - يريد : وإذا كان الحمل على الجوهر إمّا ذاتياً ، وإمّا غير ذاتى ؟ وكان
الذاتى هو جوهر ، فواجبٌ أن يكون غيرُ الذاتى عَرَضاً للجوهر . ثم أخذ يمثّل كون
حَمْل العرض على الجوهر ، ويرشد إلى الجهة التى يظهر منها أن حمل العَرَض على
الجوهر ليس ذاتياً ، فقال : « مثال ذلك أن يُحْمل على الإنسان أنه أبيض . فإن
الانسان ليس ذاته ومعناه أنه أبيض » - يريد : وإنما كان حمل البياض على الإنسان
ليس ذاتياً من قبل أن الانسان الذى هو الموضوع هاهنا ليس ذاته ومعناه أنه أبيض
والمحمول الذاتى هو الذى ذات الموضوع ومعناه ، هو ذلك المحمول .

ثم أخذ يمثل المحمول الذاتى على الإنسان الذى هو مقابل البياض فى هذا ،
ليظهر الأمر ظهوراً أتم ، وذلك عند حضور مقابله ، فقال : « لكن لعلة : أن يكون
حيواناً ، فإن جوهر الإنسان هو أنه حيوان » - يريد جوهره الذى يجرى منه مجرى
الجنس ، لا مجرى الحدّ .

وقوله : « فأما جميع الأشياء التى ليست ذاتية للجوهر فمعلومٌ من أمرها دائماً
أنها تحمل على شىء موضوع » - يريد : فأمَّا جميع الأشياء التى ليست بما هية الجوهر
ولا جزء ماهية ، فمعلوم من أمرها [ ١٠٥ ب ] أنها أعراض تحمل دائماً على شىء
موضوع . ثم أتى بالسبب فى هذا فقال : « وذلك أنه ليس يوجد شىء أبيضُ : ذاتهُ
ومعناه أنه أبيض ، لكن على أنه موضوعٌ البياضُ موجودٌ فيه » - يريد : أبيض على
شىء طبيعته البياض ، كما يدل قولنا : انسان على شىء جوهره الإنسانية . بل إنما
يدلُ قولنا : « أبيض » على شىء فيه بياض . وإنما كان ذلك كذلك لأنه ليس يوجد
شىء من الأعراض يعرف ماهية موضوعه الذى هو الجوهر . مثال ذلك أنه ليس
يوجد شىء مشار إليه ، أعنى جوهراً بذاته يعرف منه أنه أبيض أو أسود : ذاته ،

[Page 452] أعنى إذا وصفناه بالبياض أو بالسواد أو بغير ذلك من الأعراض . لكن إنما يعرف منه
شيئاً خارجا عن ذاته ، أعنى شيئاً هو موضوعٌ له . وقد كان هذا الحمل فَرَّقَ بينه
وبين المحمول الجوهرى بأن سَمَّى هذا : « المقول فى الموضوع » ، والجوهرىّ :
« المقول على الموضوع » ، وذلك فى كتاب « المقولات » وأما هاهنا فعنى ب « على » ما
يَعْنِى ب « فى » .

وقوله : فأما الصّور فعلى ذكرها العفاء إذ كانت فرعاً باطلاً لا محصول له » -  

يريد بذلك : الصُّوَرَ التى كان يقول بها أفلاطون . وذلك أنه كان يعتقد أن الكليات
التى فيها البراهين هى موجودةٌ خارج الذهن كليات . وإنما تطرق من هذا الذى كان
بسبيله - فيما أحسب - إلى ذكر الصور لأن القائل بالصور إن سَلّم أن قولنا : « إنسان »
يدل على معنى ذاته أنه إنسان ، لزمه ذلك فى الأبيض ، فيكون الأبيض يدل على
شىء واحد . وإن سَلّم أنه يدلّ على صورة وموضوع للصورة ، كان قولنا : « انسان »
مثل قولنا : « أبيض » ولمّا كان أمر الصُّور مشكوكاً فيه ، لمكان شهرة القائلين بها قال :
« وإن كانت موجودة ، فلا مَدْخل لها فيما نجد بسبيله ، من قِبَل أن البراهين إنما تكون
على أمثال هذه » - يريد : ولو سلّمنا أنها موجودة ، لم يكن لها مدخل فى مثل هذا
الفحص الذى نحن بسبيله ، من قِبَل أن البراهين إنما هى براهين هذه الأشكال
المحسوسة ، لا براهين تلك الصُّور . وإنما أراد أنه إن كانت الصور أموراً موجودةً
خارج النفس مغايرة لهذه المحسوسات ، فليس يمكن أن يكون البرهان المنسوب إلى
الأمور الموجودة المحسوسات هو البرهان المنسوب إلى تلك الصور ، لأنه ليس يمكن أن
يكون برهان واحد ينسب إلى سببين مختلفين من جهة ما هو برهان واحد . ومعلوم
بنفسه أن هذه البراهين إنما هى براهين لهذه الأشياء المحسوسة . فإذن ليست براهين
للصور ، ولا للصور منفعَةٌ فى إقامة البراهين ، إن كانت موجودة .

وقوله : « وأيضاً إن لم يكن أحد الحدين عند الآخر على أنه كيفية له ، وذاك

[Page 453] لهذا ، أو لم يكن أيضاً للكيفية كيفية - فليس يمكن أن تنعكس بعضُ الحدود على
بعض ، سوى أنه قد يمكن حمل بعضها على بعض . فأما على التحقيق [١٠٦ أ]
فلا » - يريد : أنه متى حَمل شيئاً على شىء على أنه كيف له ، أو واحد من سائر
المقولات ، فإنه ليس تنعكس تلك القضية ، فتكون حملًا على الحقيقة ، أى على
المجرى الطبيعى ، بل إنما يكون حملاً على غير المجرى الطبيعى ، إذ كان ليس يمكن
فيما يحمل على شىء من جهة أنه كيفٌ له مثلاً يكون الموضوع يحمل على ذلك المحمول
من حيث هو كيفٌ له - مثال ذلك أنه إذا حمل الأبيض على الثلج من حيث هو كيف
له ، فليس ينعكس الأمر على الحقيقة إذ كان ليس يمكن فى الثلج أن يحمل على
الأبيض ، لا على أنه كيف له ، أو كيف لكيف وإن لم يكن حمل أحد الحدين على
الآخر سوى أنه قد < يصير > حمل بعض هذه على < تلك > ، ؛ أما على
التحقيق ، < فلا > .
قال أرسطاطاليس :
« فالحمل إمّا أن يكون ذاتَياً ، بمنزلة الجنس والفصل . المُقَوِّم - [ 83 b ]* وهذان
فقد تبين من أمرهما أنهما لا يجريان إلى غير نهاية : لا إلى فوق ، ولا إلى أسفل ،
بمنزلة ما يحمل على الانسان أنه ذو رجلين ، وأنه حيوان ، وأنه شىء آخر . ولا
أيضاً إذا حُمل الحيوان على الانسان ، وهذا على قلياس ، وهذا على طريق آخر من
طريق ما هو ، لأن كل جوهر صورته هذه الصورة فقد يحيرّ . فأما الأمور الغير
متناهية ، فلا سبيل إلى أن تقف فى الذهن وتقطعها من قبل أنها لا تتناهى لا من قِبَل
فوق ، ولا من قِبَل أسفل . والأشياء التى تحمل عليها محمولات صورتها هذه
الصورة فى أنها لا تتناهى لا يمكن تحديدها . فأما الأشياء التى هى أجناس ، فأنه غير
ممكن أن تنعكس على الأشياء التى هى أجناس لها ؛ وإلا صار الشىء هو جنسه وفصله . »

[Page 454] التفسير  

لّما قسّم المحمولات إلى جوهرية وعرضية ، وبَيّن فى الجوهرية أنها ليست غير
متناهية : لا من جهة فوق ولا من جهة أسفل ، وبَيّن المحمولاتِ التى هى أعراض
من التى حملها بطريق العَرَض ، وكان قصده بذلك أن يُبين أن الحمل متناه أيضاً في
المحمولات التى هى أعراض إذا لم يَحْمل بعضها على بعضٍ بطريق العَرَض - ابتدأ
البيان من رأسٍ فأخذ يَذكِّر بما تبين من أن المحمولات الجوهرية هى متناهية ،
ويستقصى الأمور فى ذلك فقال : « فأما الحمل فإما أن يكون ذاتياً بمنزلة الجنس والفصل
- وهذا قد تبين من أمرهما أنهما لا يمران إلى غير نهاية : لا إلى فوق ولا إلى أسفل »
يريد : اعتُبِرَ ذلك من جهة المحمول أو من جهة الموضوع . ثم بين ذلك بالمثال
فقال : « بمنزلة ما يُحْمَل على الإنسان أنه ذو رجلين ، وأنه حيوان ، وأنه شئ آخر »
يريد : ومثال ذلك من جهة الموضوع : إذا حُمل على الإنسان أنه ذو رِجْلين ، وخُمْل
على ذى رجلين أنه حيوان ، وحًمْل على الحيوانِ شئ آخر من طريق ما هو - فإن هذا
لا يمرّ إلى غير نهاية ، بل ينتهى إلى جنس آخر لا يحمل عليه شى أصلاً من طريق ما
هو ، كأنك قلت : الجسم ، وإلا لم يحصل عن الحدّ علمٌ .

ثم قال : « ولا أيضاً إذا حُمل [١٠٦ ب ] الحيوان على الإنسان ، وهذا على
قلياس ، وهذا على طريق آخر منِ طريق ما هو » - يريد : ولا يوجد الحمْلُ أيضاً غير
متناهٍ إذا أُخِذ من جهة الموضوع ، مثل أن يحمل الحيوان فى مثالنا على الإنسان ،
والإنسان على زيدٍ أو عمرو ، فإن هذا أيضاً يبين من أمره أنه ينتهى إلى الشخص .

ولما ذكر أن مثل هذا الحمل ينتهى من الطرفين ، أنى بالحجة فى ذلك فقال : « لأن
كل جوهر صورته هذه الصورة فقد يُحَدّ » - يريد : وإنما وجب أن يكون الحمل الذى
فى الجوهر متناهياً ، لأن كل جوهر مشار إليه فقد يُحَدّ ، وهو الذى أراد بقوله :
« صورته هذه الصورة » .

ثم قال : « فأما الأمور الغير متناهية فلا سبيل إلى أن تقف فى الذهن

[Page 455] وتقطعها . . » إلى قوله . . . لا يمكن تحديدها » - يريد : فأما الأمور التى توضع غير
متناهية فلا سبيل إلى أن يتصورها الذهن بجملتها من قِبَل أنها لا تتناهى ، لا من
قِبَل فوق ولا من قبل أسفل .
ثم قال : « والأشياء التى تحمل عليها محمولات صورتُها هذه الصورة فى أنها لا
تتناهى لا يمكن تحديدها » . وتأليف القياس يكون هكذا :
الأمور التى من طبيعة الجوهر تدرك بالحد
الأشياء الغير متناهية الأجزاء المحمولة لا تدرك بالحد
فالنتيجة أن : الأمور التى من طبيعة الجوهر ليست هى غير متناهية الأجزاء
المحمولة . أعنى ها هنا ب « الأجزاء » : ما يحمُل بعضها على بعض .

ولما ذكر أن المحمولات الجوهرية تتناهى من جهة المحمول ومن جهة
الموضوع ، أخبر أيضاً أنه ليس يمكن فى جميعها البيان الدائر ، إذ كان ذلك أحد ما
يدّعى من يزعم أن البرهان يقوم على كل شئ ، وهو الذى قصد الفحَص عنه أولاً
من المعان الثلاثة : أعنى : هل يتناهى الحملُ من جهة الموضوع ، أو المحمول ، أو
بين المحمول والموضوع ؟ فقال : « فأمّا الأجناس التى هى أجناسٌ ، فإنه غير ممكنٍ أن
تنعكس على الأشياء التى هى أجناسٌ لها ، وإلاّ صار الشىء هو جنسه وفصله »
يريد : وإلاّ صار النوع مساوياً لجنسه ، وكذلك الفصل ، فيصير الإنسان هو نفسه
الحيوان ، أو الناطق هو نفسه الحيوان - وذلك مستحيل . وإنما أراد أن هذه ليس
يتفق فيها الحمل بالعَرَض . فهو بَينّ أن الأمر فى أمثال هذه المحمولات متناهٍ .

قال أرسطاطاليس :
« ولا أيضاً ما كان كيفية أو غير ذلك من باقى المقولات مما ليس يحمل بطريق
العَرض ، لكنها بأجمعها تحمل على الجوهر - يكون بلا نهاية : لا إلى أسفل ولا إلى
فوق . وأيضاً إن كان ما يحمل إما أن يكون كيفية ، أو كمية ، أو شيئاً فى

[Page 456] المقولات ، أو تكون أشياء ذاتية . وهذه فهى متناهية . وأجناس القاطا غورياس
أيضاً متناهية : وذلك أنها إما أن تكون كيفية ، أو كمية ، أو إضافة ، أو معنى أن
يفعل ، أو ينفعل ، أو أين ، أو متى ، والمحمول إنها هو واحد [١٠٧ أ] بالطبيعة
على موضوع واحد بالطبيعة .

وأما المحمولات التى ليست بذاتيةٌ فمعلومٌ من أمرها أنها لا تحمل بعضها على
بعض إذ كانت بأجمعها أعراضاً ، وإن كان بعضها بالذات ، وبعضها على نحوٍ آخر
بالعَرَض . وجميع هذه يحكم عليها بأنها مقولة ، على موضوع . والعَرَض ليس شيئاً
موضوعاً ، وذلك أنّا لسنا نضع ولا واحدة من هذه ، وتنعت من حيث لا يرجع
النعت الى شئ آخر . لكن إنما النعت يرجع إلى شئ آخر ، ونعت آخر يرجع إلى
شئ آخر ، فليس يقع الامعان لا من فوق إلى اسفل ، ولا من اسفل إلى فوق .
وذلك أن الأشياء التى الأعراض محمولة عليها إنما هى الأمور التى هى جواهر .
وهذه ليست غير متناهية . والصور فى الجواهر والأعراض من أسفل إلى فوق هى
متناهية . فيلزم من هذا أن يوجد شئٌ يحمل عليه ما يحمل ، وعلى هذا المحمول
محمولٌ آخر ، وعلى هذا المحمول محمول . وينقطع هذا الامعان ويقف عند محمول
لا يوجد محمولاً على شئ ما هو أقدم من موضوعه ، ولا يكون شئ محمولاً أقدم
منه . »
التفسير
لمّا بيّن أن المحمولات التى هى من طبيعة الجوهر تتناهى - يريد أن يبين ذلك
فى المحمولات التى هى من طبيعة العَرض ، وذلك إذا لم يحمل بالعرَض ، فقال :
« ولا أيضاً ما كان كيفية ، أو غير ذلك من باقى المقولات ، مما ليس يحمل بطريق
العَرَض ، لكنها بأجمعها تحمل على الجوهر ، يكون حملها بلا نهاية » - يريد : ويظهر
أن ما كان من المحمولات فى مقولة الكيف ، أو فى غير ذلك من سائر المقولات ، أنه
ليس يكون بلا نهاية إذا لم يكن حملها بطريق العرض ، بل كان حملها على الجوهر .

[Page 457] 
 ويعنى ب « طريق العرض » : أن تحمل الأعراض بعضها على بعض ، وتحمل الجواهر
على الأعراض . ولما ذكر أن الحمل فى هذه يجب أيضاً أن يكون متناهياً من الطرفين
من جهةٍ المحمول أو من جهة الموضوع ، شرع فى الاحتجاج على ذلك فقال :
« وأيضاً إن كان ما يحمل إما أن يكون كيفية ، أو كمية ، أو شيئاً من المقولات ، أو
تكون أشياء ذاتية ، وهذه هى متناهية » - يريد : وبيان ذلك أن كل ما يحمل إما أن
يكون عَرَضاً من المقولات مثل كيفية أو كمية أو غير ذلك من مقولة الجوهر ، وهذه
هى متناهية ، أعنى الذى فى مقولة الجوهر .

ثم قال : « وأجناس القاطغورياس أيضاً متناهية » ـ يريد وأجناس المقولات
متناهية ، وذلك أنها إما أن تكون من مقولة الكيفية أو الكمية أو الإضافة أو مقولة أن
يفعل أو ينفعل أو أين ومتى . ولما وضع ثلاث مقدمات : إحداهما أن المحمولات
صنفان : إمّا جواهر، وإمّا أعراض ؛ ووضع ثانية أن محمولات الجواهر متناهية ؛
ووضع ثالثاً أن أجناس الأعراض متناهية - أضاف إلى ذلك مقدمة رابعة فقال :
[ ١٠٧ ب ] والمحمول إنما هو واحدٌ بالطبيعة على موضوع واحد بالطبيعة » - يريد:
والمحمول الواحد إنما هو واحدٌ إذا كان واحداً بالطبيعة يحمل على موضوع واحد
بالطبيعة . وإنما وضع هذا لأن هذا الطلب يحتاج أن يعرّف ما المحمول الواحد ،
والموضوع الواحد ، إذ كان هذا المحمول هو الذى يطلب فيه هل له محمولات إلى غير
نهاية ، أم ليس له ، لأنه إذا تبين الأمر فى هذا تبين الأمر فى المركب ، وكذلك الأمر
فى الموضوعات .

ولما وضع هذه الأربعة الأصول لما يريد أن ينتجه ، وضع أصلاً خامساً .
فقال : « وأما المحمولات التى ليست بذاتيةٍ ، فمعلومٌ من أمرها أنها لا تحمل بعضها
على بعض » - يريد : ومن المعروف أيضاً أن المحمولات التى ليست بجوهرية ، أعنى
التى هى أعراض ، أنه ليس يحمل بعضها على بعض بالذات . ثم أتى بالسبب فى
ذلك فقال : إذا كانت بأجمعها أعراضاً وإن كان بعضها بالذات ، وبعضها على
الجواهر بالعرض » - يريد : وإما لم يحمل بعضها على بعضٍ بالذات من قَبِل أنها

[Page 458] أعراض ، وإن كان من الأعراض ما يوجد بالذات للجواهر ، ومنها ما يوجد
بالعَرَض . وذلك أنّ ما بالذات استعمله هاهنا على معنىً غير الذى استعمله قَبْلُ ،
لأنه قبلُ استعمله على المحمولات الجوهرية ، وهنا استعمله على الأعراض
الذاتية ، وهى التى يوجد حدّها الموضوعُ أو جنسُ الموضوع . ف « الذاتية » إذن مرة
يستعملها بعموم ، كما استعملها فى أول هذا الكتاب ، ومرة بخصوص ، كما
استعملها هاهنا .

وقوله : « وبعضها على نحوٍ آخر بالعَرَض » - يريد : ويحمل بعضها بالعَرَض
على نحو آخر الذى مثل فيه إنه يحمل بعضها على بعض بالعَرَض المتجنب فى هذا
الفحص .

ولما أخبر أن الأعراض بالجملة ، سواء كانت ذاتية أن غير ذاتية ، أنه ليس
يحمل بعضها على بعض بالذات ، أعنى لا حَمْلَ الحدود على محدوداتها ، ولا حَمْلَ
الأعراض على موضوعاتها ، وإن كان حمل الأعراض على موضوعاتها منه ما هو ذاتىٌّ
بنوع ما ، ومنه ما هو عَرَضى ، أى لا يوجد فى حده الموضوع . وذلك أن غير الذاتى
يقال على ثلاثة معانٍ :
(١) إما على ما لا يوجد فى حده الموضوع وهو محمولٌ على الموضوع لا من جهة ما
عَرَض للموضوع شئ آخر ، وهذا غير مُتَجنَّب فى هذا الفحص .

(٢) وإما ما يحمل على الموضوع من قِبَل عَرَض فيه .

(٣) وإما ما يحمل الموضوع عليه ، وهو الحمل الذى على غير المجرى الطبيعى ؛
وهذان هما المتجنبان فى هذا الفحص - أتى بالحجة التى من قبلها لا تحمل الأعراض
على الأعراض بالذات ، يعنى هاهنا بالذات : الحمل الذى على المجرى الطبيعى ،
فقال : « وجميع هذه يحكم عليها بأنها مقولةٌ على الموضوع . والعَرَض ليس شيئاً
موضوعاً » - يريد :وإنما لم تحمل الأعراض بعضها على بعض [١٠٨ أ] بالذات من
قبل أن العَرَض هو الذى قيل فى حدّه إنه الذى يحمل على موضوع » - يريد : أى فى

[Page 459] موضوع . والعَرَض ليس هو شيئاً موضوعاً . فينتج عن ذلك أن العَرَض ليس ُيحْملَ
على العَرَض إلاّ بالعَرَض .

ولما أخبر أن العرض ليس موضوعاً ، أتى بالحجة على ذلك فقال : « ذلك أنّا
لسنا نضع ولا واحد من هذه ، وننعت من حيث لا يرجع النعت إلى شئ " -يريد :
والدليل على ذلك أنّا لسنا نضع شيئاً من الأعراض موضوعاً وننعته بشىء آخر ، أى
نَصِفُهُ به ونحمله على جهة الوصف ، من جهة أنه لا يرجع ذلك النعت إلى شئ
آخر ، كما يتفق ذلك فى الشىء الذى ينعت بالحقيقة ، أعنى أن النعت ليس يلحق
المنعوت من قِبَل شئ آخر ، بل يلحق المنعوتَ بذاته .

ثم قال : « لكن إنما النعت يرجع إلى شئ آخر ، ونعتٌ آخر إلى شئ آخر »
يريد : ولكن نعت الأعراض بعضها لبعض وحملها إنما يرجع النعتُ فيها إلى شئ
آخر غير العَرَض ، وهو الموضوع للعرض ، وذلك العَرَض أيضاً الذى نعت من قِبَل
موضوعه هو نعْتٌ أيضاً لعَرَض آخر من قبل موضوع ذلك العرض . وإنما أراد بذلك
أنه إذا كانت لا ينعت بعضها ببعضٍ إلاّ من قِبَل الجواهر الحاملة لها ، فإن حمل
بعضها على بعض هو بالعرض ، ويمرّ ذلك إلى غير نهاية .

ثم قال : « فليس يقع الإمعان لا من فوق إلى أسفل ، ولا من أسفل إلى
فوق . وذلك أن الأشياء التى الأعراض محمولةٌ عليها إنما هى الأمور التى هى
جواهر . وهذه ليست غير متناهية ، والصور فى الجواهر والأعراض من أسفل إلى
فوق هى متناهية » - يريد : وإذ قد تقرر جميع ما قدمناه من أن الجواهر المحمولة
بعضها على بعض ، التى هى صور فى الأشخاص ، هى متناهية ، وكذلك الأعراض
التى فيها - فبيّنٌ أنه ليس يمكن الإمعان فى الحمل ، لا إذا ابتدأ من فوق إلى أسفل فى
أن يمّر إلى غير نهاية ، ولا إذا ابتدأ من أسفل إلى فوق . وذلك أن الأشياء التى توجد
فيها الأعراض وتحمل عليها بالذات هى متناهية ، وهى الجواهر والأعراض ، إذ هى متناهية أيضاً .

[Page 460] 
وقوله : « والصور فى الجواهر والأعراض من أسفل إلى فوق هى متناهية »
يريد : والصور فى الشخص المشار إليه والأعراض الموجودة فيه بن أسفل إلى فوق ،
أى بعضها محمولٌ على بعض ، هى متناهية .

ثم قال : « فيلزم من هذا أن يوجد شئ يحمل عليه ما يحمل ، وعلى هذا
المحمول محمول آخر ، وينقطع الإمعان ويقف عند محمول لا يوجد محمولاً على
شئ ،هو أقدم من موضوعه ، ولا يكون شئ محمولٌ أقدم منه » - يريد : فيجب فى
الإمعان إلى أسفل أن ينتهى الأمر إلى محمولٍ لا يوجد موضوعٌ متقدم على
موضوعه ، أى موضوعه موجودٌ فيه ، وفى الإمعان إلى فوق ، أن ينتهى إلى محمولٍ
لا يوجد شئ محمولٌ عليه ، حتى يكون هو أَقْدَمَ من ذلك الشىء ، أى يوجد ذلك
المحمول فيه .

قال أرسطاطاليس :
« فهذا أحد الوجوه الذى يتبينّ بها أمر القياس المنطقى .

وأمّا البيان الأخر فهو يجرى على هذا : إن كان البرهان قد يقوم على الأشياء
التى المحمول منها شديد التقدم والأشياء التى إنما تعلم بالبرهان - فغيرُ ممكنٍ أن يوجد
سبيلٌ إلى علمها بنحوٍ آخر أفضل منه ، وغير ممكن أن تُعلم من دون البرهان . فإن
كان البرهان فى أن يعلم إذا علمتّ المقدمات التى منها كان ، وكانت المقدمات غير
معلومة عندنا ولا طريق لنا إلى العلم بها ، فإنّا لا نعلم ولا الشىء الذى بها تُعْلم .

وأيضاً إن كان قد يقع العلم بالبرهان لبعض الأمور على التحقيق ، لا على
طريق الأصل الموضوع ، فيلزم من إلاضطرار أن تنقطع الأوساط وتقف . فإن لم
تنقطع وتقف [84 a]* ، لكن يوجد للمبدأ ما هو أعلى منه محمول عليه ، فإنه يكون
أىّ شئ أخذ يكون عليه البرهان . فإن كان غير ممكن قطع الأشياء التى لا نهاية لها
بأن نعلم سائرها بالبرهان فيفضى بنا الأمر إلى ألاّ نعلمها بالبرهان . فإن كان لا
طريق إلى أن يقع العلمُ بها بنحو هو أفضل إلاّ بالبرهان فإنه لا يقع العلم بالبرهان
ولا لشىء واحد ، اللهم إلاّ أن يكون بنحو الأصل الموضوع .

[Page 461]
التفسير
قوله : « فهذا أحد الوجوه التى يبين بها أمر القياس المنطقى » - الظاهر منه أنه
يعنى بالقياس المنطقى البرهان الذى من مقدمات صادقة غير مناسبة ، ويعنى أن هذا
هو أحد البيانين ، إذ كان بياناً منطقياً يبين به تناهى المحمولات فى البرهان المنطقى
والحقيقى . ذلك أن البيان المنطقى يقال على القياس الصادق الذى يكون من أمورٍ
عامة غير ذاتية ، وهو الذى أراد ب « المنطقى » فى هذا الموضع .

وقد يقال : « قياس منطقى » إذا كانت مقدماته مأخوذة من صناعة المنطق ،
وذلك أن صناعة المنطق تستعمل استعمالين ، كما قيل فى غير ما موضع : أحدهما من
حيث هى آلة ، وهو الاستعمال الخاص ؛ والآخر من حيث هى علم من العلوم ،
أى يستعمل فى علم آخر ما يبين فيها . ولما كان هذا البيان الذى استعمله هاهنا عاماً
للقياس المنطقى والبرهان ، وهو صادق أيضاً ، كان منطقياً . فلذلك يمكن أن يفهم
من قوله : « فهذا أحد الوجوه التى يتبين بها أمر القياس المنطقى » - أى : فهذا أحد
الوجوه التى يتبين بها أمر القياس المنطقى والبرهان بقياس منطقى ، الذى قصدنا
استعماله فى هذا البيان » ويعنى ب « الشىء الذى يبين على جهة المنطق » تلك المطالب
المشتركة للبرهان [١١٥ أ= ١٠٩ أ]* المنطقى والحقيقى ، أعنى أنه ليس يمكن أن
يبين بأوساط لا نهاية لها ولا توجد فى الشىء الواحد محمولات لا نهاية لها ولا توجد فى
الشىء الواحد لا نهاية لها ، ولا موضوعات لا نهاية لها .

ثم قال : « وأما البيان الآخر فهو يجرى على هذا » - يريد بالبيان الأخر : بياناً
آخر على جهة المنطق أيضاً ، أعنى بمقدمات منطقية غير البيان الذى بين فيه أنه لا

[Page 462] يمكن أن توجد أوساط لا نهاية لها بين طرفين موضوعين . وذلك أن هذا البيان الذى
يستعمله هاهنا هو على هذا المعنى من المعاق الثلاثة التى سلفت ، لا على المعنى الذى
تقدمّ هذا القول ، وهو بيان كون المحمولات متناهية فى البراهين والموضوعات .

ولما وَعَدَ بذكر هذا البيان الثانى ، شرع فيه فقال : « إن كان البرهان قد يقوم
على الأشياء التى المحمول فيها شديد التقدم » - يريد أنه إذا كان البرهان شأنه أن يقوم
على الأشياء التى الحدود الأوساط فيها متقدمة على الطرف الأكبر بالمعرفة والسببية ،
أعنى أنها أسباب للطرف الأكبر .


ثم قال : « والأشياء التى تُعلم بالبرهان . . » إلى قوله : « . . من دون
البرهان » - فأردف هذا القول بالقول الأول وجعل مجموع هذه الأقاويل بمنزلة
المقدّم ، فكأنه قال : ولما كانت الأشياء التى تعلم بالبرهان الحدُّ الأوسط فيها متقدم
بالسببية على الطرف الأكبر ، وكان كل ما يعلم بالبرهان لا سبيل إلى أن يُحْصَل عليه
بغير البرهان ، لا بعلم مساوٍ للبرهان ، ولا بشىءٍ أفضل من البرهان ؛ وكان البرهان
إنما يعلم إذا علمت المقدمات التى انبنى منها البرهان ، أعنى التى هى أقدم من العلم
الحاصل عن البرهان ، فبيّن أنه إذا لم يكن لها سبيل إلى علم المقدمات ، لم يكن لها
سبيل إلى البرهان . وهذا هو الذى دلّ عليه بقوله : « فإن كان البرهان . . . » إلى
قوله : . . ولا الشىء الذى بها يعلم » - يعنى المطلوب .

ولما أخبر أنه إن كانت الأوساط لا نهاية لها أنه يلزم من ذلك ألاّ يكون لنا علمٌ
بالبرهان ، من قِبَل أن الأوساط إذا كانت لا نهاية لها ، كانت مقدمات البرهان لا
نهاية لها ؛ وما لا نهاية له فليس بمعلوم بالبرهان - أخذ يقرر هذا المعنى فقال :
« وأيضاً إن كان قد يقع العلم لبعض الأمور على التحقيق ، لا على طريق الأصل
الموضوع ، فيلزم من الاضطرار أن تنقطع الأوساط وتقف » - يريد : وإذا كان من
المعروف بنفسه أنه قد يقع لنا العلم بالبرهان لبعض الأمور ، من غير أن نضع فى
مقدمات البرهان مقدمة غير معروفة بنفسها ، أعنى يُصادَر عليها عن علم آخر ، بل

[Page 463] قد يقع لنا العلم بكثير من الأشياء بمقدمات هى معروفة بنفسها - فقد يجب فى مثل
هذا البرهان أن تكون الأوساط متناهية ، أى إذا ابتُدئ فيها من الطرف الأكبر ،
انتهى الحمل إلى الأصغر ، وإذا ابتدئ [١١٥ = ١٠٩ ] فيها من الأصغر انتهى إلى
الأكبر ، وهو الذى أراد بقوله : « فيلزم من الاضطرار أن تنقطع الأوساط وتقف »
أى تقف فى حمل بعضها على بعض ، ولا يمرّ الحمل إلى غير نهاية .

ثم أخذ فى بيان أنها تنقطع على جهة الخلف فقال : « فإن تنقطع وتقف ، لكن
يوجد للمبدأ ما هوى أعلى منه محمول عليه فإنه يكون أىّ شئ أخذ يكون عليه
برهان » - يريد : لكن لو لم تنته الأوساط ، لكان توجد لكل مقدمةٍ تؤخذ مقدمةٌ أعلى
منها ، أى محيطة لها وأعمّ كلية من جهة موضوعها ، أى يكون موضوعها أعمَّ كليّةً
من موضوع المقدمة المأخوذة ، حتى يكون محمول المقدمة إنما يحمل على موضوعها من
قِبَل حمل هذه الطبيعة التى هى أعمّ من موضوعها عليه ، فتكون كل مقدمة تبين بحدّ
أوسط . مثال ذلك : إن كان قولنا « كل إنسان حساس » يوجد للإنسان طبيعة أعمّ
منه وأعلى حتى تحمل هى على الإنسان ، ويحمل الحسّاس عليها ، وهى الحيوان
مثلاً ، فإنّ الحسّاس إنما يبين بالطبع للإنسان ، من قبل الحيوان . وكذلك إن كان
الحال فى الحيوان مع الانسان يجرى هذا المجرى .

وان كان ذلك كذلك فى كل مقدمة ، فأىّ مقدمة أخذت فإنه يقوم عليها برهان . ثم
قال : « فإن كان غير ممكن قطع الأشياء التى لا نهاية لها بأن يعلم سائرها بالبرهان
فيفضى بنا الأمر إلى أن لا نعلمها بالبرهان » - يريد : فإن كان لا يمكن أن تعلم مقدمة
من المقدمات إلاّ حتى تعلم قبلها مقدمات لا نهاية لها بالبرهان ، وكان غير ممكن أن
تُعْلم مقدمات لا نهاية لها ببراهين لا نهاية لها - لاْن مالا نهاية له طريق لا يُقْطع ويُفرغُ
منه - فبيّن أنه يفضى هذا القول - أى يلزم عنه ضد ما وضع ، وهو ألاّ يُعْلم شئ من
الأشياء بالبرهان . فيعنى ب « الأشياء التى لا نهاية لها » : المقدمات ، ويعنى ب
« القطع » : أن يعلمها بالبرهان . وكذلك فسّره بأن قال : « بأن يعلم سائرها
بالبرهان » ، فكأنه قال : فإن كان لا يمكن أن نقطع مقدماتٍ لا نهاية لها بأن نأتى على

[Page 464] علمها بالبرهان ، أى بأن نعلمها بالبرهان ، فسيفضى بنا هذا الوضع - أى يلزم عنه
ألاّ نعلم واحدة منها بالبرهان . وهذا بمنزلة ما لو أن قائلاً يقول : لا يحصل لك هذا
الدِّرْهم حتى تحصل لك قبله دراهم لا نهاية لها ؟ بل بمنزلة ما لو قال قائل : لا تملك
درهماً حتى تملك قبله دراهم لا نهاية لها .

ثم قال : فإن كان لا طريق إلى أن نعلم العلم بنحوٍ أفضل من البرهان ، فإنه
لا يقع العلم بالبرهان ولا لشىء واحد ، اللهم إلا أن يكون بنحو الأصل الموضوع »
يريد : فإن كان من المعروف بنفسه أنه لا يمكن أن يَعلم الشىء بعلم أفضل من كل
علمٍ إلا بالبرهان ، وكان قد وضعنا هذا الوضع ، أعنى : كل شىء يحتاج إلى
برهان ، فإنه لا يحصل لنا العلم البرهان لشىء من الأشياء أصلاً
[١١٤ = ١١٠ أ] اللهم إلاّ أن يكون البرهانُ البرهانَ الذى يكون على طريق
المصادرة ، أعنى الذى يتسلم وجود المقدمات الموضوعة فيه صاحب الصناعة من
صاحب صناعةٍ أخرى . وإنما أراد أن واضع هذا القول يلزمه ألاّ يكون عنده علم
الأشياء إلاّ ما عند المُبرهِن على طريق المصادرة على الشىء من علم ذلك الشىء الذى
صادر على برهانه .

قال أرسطاطاليس :
« فقد بان ، على طريق المنطق ، من الأشياء التى تلوناها صدق ما قلناه .

 فأما القياس البرهان ، الذى هو البحث متوجهٌ نحوه ، فقد تبين على ضروب
شتى أن مبادئه تقف عند الإمعان فيها من كلا الطرفين . وذلك أن البرهان إنما هو
من الأمور الذاتية . والأمور الذاتية فعلى ضربين : أحد الضربين المحمولات التى

[Page 465] فيها تنبنى طبيعة الموضوعات ، وهى مأخوذة فى حدودها ؛ والضرب الآخر
المحمولات المأخوذة موضوعاتها حدوداً ، بمنزلة الفرد المحمول على العدد ، فإن
العدد مأخوذ فى حده ، وبمنزلة الكثرة والمنفصل المحمول عليها ، فإنها مأخوذة فى
حده . ولا واحد من هذين الجنسين يمكن إمعانه بلا نهاية ، كالفرد للعدد : وذلك
أنه إن وُجِد للفرد شئٌ آخرُ الفردُ مأخوذ فى حده ، فإن العدد أيضاً يكون موجوداً
فى حده . فإن كان غير ممكن أن توجد أمثال هذه فى شئ واحدٍ بلا نهاية ، فإنه لا
يمكن أن يمعن إلى فوق بلا نهاية . وهذه كلها بأجمعها يجب من الاضطرار أن تكون
موجودة للأول . والأول موجود لها . فالذى يوجد لها هو أنها تنعكس ، لا أنها
تمعن إلى فوق وتمضى إلى مالا نهاية . »
التفسير
إنه لما بين بيانا يعمُّ القياس المنطقى والبرهانى أنه ليس يمكن أن توجد محمولات
لا نهاية لها سالكة إلى فوق ، ولا موضوعات لا نهاية لها سالكة إلى أسفل - يريد أن
يبين ذلك بياناً خاصاً بالقياس البرهان . فقوله : فقد بان على طريق المنطق - يريد
بالمنطق : المقدمات العامة التى تبيّن بها هذان المعنيان فيما سلف . ولما كان ذلك
البيان ليس خاصّاً بالبرهان ، وكان قصده فى هذا القول أن يأتى بالبيان الخاص
بالبرهان ، قال : « فأمّا القياس البرهان الذى هذا البحث متوجّه نحوه ، فقد تبين
على ضروب شتى أن مبادئه تقف عند الإمعان فيها من كلا الطرفين » - يريد : فأما
القياس البرهانى الذى قصدنا بالبحث عنه فى هذا الكتاب فقد تبين بطرق كثيرة أن
مبادئه ، أعنى مقدماته ، تقف عند الإمعان فيها من كلا الطرفين ، أعنى من جهة
المحمول والموضوع .

ثم شرع فى البيان الذاتى الخاص الذى وعد به ، فقال : وذلك أن البرهان إنما
هو من الأمور الذاتية . . » إلى قوله . . . فأنها مأخوذة فى حده » - يريد : وبرهان

[Page 466] ذلك أن البرهان إنما يأتلف - على ما بيّن قيل - من المقدمات الذاتية . وقد تبين أن
الذاتية [١١٤ ب = ١١٠ ب ] صنفان : صنفٌ المحمولات فيها إما حدود
للموضوعات التى تحمل عليها ، وإمّا أجزاء حدود ، أعنى إما أجناساً ، وإما
فصولًا . والصنف الثانى : المقدمات التى تؤخذ أجناس الموضوعات فيها أو
الموضوعات أنفسُها فى حدود المحمولات ، بمنزلة أخذ العدد فى حد الفرد ، وبمنزلة
أخذه فى حدّ الكثرة والقلة ، وبمنزلة أخذه فى حدّ المنفصل ، وذلك أن الانفصال
خاصة من خواص العدد .
ولمّا قسمّ المحمولات الذاتية إلى هذين القسمين قال : « ولا واحد من هذين
الجنسين يمكن إمعانه بلا نهاية » - يريد : ولا فى واحد من هذين الجنسين من
المقدمات يمكن أن توجد فيها أشياء يحمل بعضها على بعضٍ إلى غير نهاية . ثم شرع
فى بيان ذلك فى الصنف من المحمولات التى توجد الموضوعات فى حدودها ، فقال :
كالفرد المأخوذ فى حده العدد . ثم شرع فى بيان ذلك فقال :  « وذلك أنه إن وُجد

 للفرد شئٌ آخر الفردُ مأخوذ فى حده ، فإن العدد يكون موجوداً فى حده » يريد :
وبيان ذلك أنه إن وجد لأمثال هذه الأعراض الذاتية أعراضٌ ذاتية تؤخذ هى فى
حدودها ، على مثال ما توجد فى حدودها هى أيضاً موضوعاتها ، مثل أن يوجد للفرد
شئ يتنزل منه منزلة الفرد من العدد ، فإن العدد أيضاً يكون مأخوذاً فى حده المأخوذ
فى حده . ثم قال : « فإن كان غير ممكن أن توجد أمثال هذه فى شئ واحد بلا نهاية ،
فإنه لا يمكن أن يمعن إلى فوق بلا نهاية » - يريد : وإذا ظهر أن الجنس الأول هو
المأخوذ الأول فى حدود أمثال هذه الأعراض كائنة ما كانت ، أعنى التى يحمل
بعضها على بعض حملاً ذاتياً ، فظاهر أنه إن انبنى منها محمولات لا نهاية لها أن تكون
أشياء لا نهاية لها موجودة فى شئ واحد ، وهو الجنس الأول ، أو يكون شئ واحدّ
مأخوذاً أشياء لا نهاية لها . فإن كان هذا غير ممكن ، فإنه لا يمكن أن توجد محمولات
ذاتية يمكن الإمعان فيها بلا نهاية . < وأيضاً المحمولات التي تكون مأخوذة من

[Page 467] الموضوعات و المأخوذة فى الحدود نفسها ؛ لكن الموضوعات تؤخذ فيها وفى المتقابلات
على النحو الذى وفقاً له يقسمّ الجنس إلى فصول متقابلة . فإذا أمكن أن توجد هكذا
أعراض > بلا نهاية ، ، أمكن أن توجد أجناس تنقسم بفصول متقابلة إلى غير
نهاية ، من غيران تنتهى القسمة إلى أنواع أخيرة . وذلك ظاهر المحال بنفسه . لكن
هذا المحال إنما يلزم فى الصنف من الأعراض التى تؤخذ أجناس موضوعاتها فى
حدودها . وأما التى تؤخذ فى حدودها الموضوعات ، فيلزم فيها المحال المتقدم ، فإنه
عامٌّ لكليهما . ولذلك اعتمده أرسطو ، وإن كان ثامسطيوس نجده يفسّر هذا الموضع
على التفسير الثانى الذى فسّرناه ، أًعنى وجود قسمة غير متناهية .

وقوله : « وهذه كلها بأجمعها يجب من الاضطرار أن تكون موجودةً للأول »
يريد أن جميع الأعراض الذاتية التى يحمل بعضها على بعض يجب أن تكون بأجمعها
موجودة فى الجنس الأول المأخوذ فى حدّ أول عَرَضٍ منها .

وقوله : « فالذى يوجد لها هواًنها تنعكس ، لا أنها تمعن إلى فوق وتمضى إلى ما
لا نهاية » - يريد بذلك ما كان من الأعراض يوجد فى حده [١١٣ أ = ١١١ أ]
الموضوع نفسه ، لا جنس الموضوع . وذلك أن التى يوجد فى حدّها جنس الموضوع
هى أعتُّم من الموضوع الذى يحمل عليه ، أو نقول إن كل عَرَضن يحمل على الشىء
بما هو ، فإنه يجب أن يكون خاصاً . ولما كان أرسطو يشترط فى الحمل الذاتى البرهانى

[Page 468] أن يكون محمولاً على الشىء بما هو ذلك الشىء ، فقد يرى أنه يشترط فى الأعراض
الذاتية أن تكون خاصّة ، كما اشترط ذلك فى الحدود . ولذلك أخرج القول هاهنا
مخرجاً كلياً فقال : « فالذى يوجد لها هو أنها تنعكس ، لا أنهّا تمِعن إلى فوق » - يريد
أن الذى يوجد لها من لا نهاية فى الحمل هو ما كان على طريق الدَّور ، لا ما كان على
طريق الاستقامة . ويشهد لما قلناه من أن أرسطو إنما يعتبر فى البراهين الأعراض
الخاصة ، قوله : « والضرب الأخر المحمولات المأخوذة موضوعاتها فى حدودها » ولم
يقل : « وأجناس موضوعاتها » ، وإن كان قد يظن أن اسم الموضوع استعمله هاهنا
بدلاً من الجنس ، فإن مثاله يشهد بذلك .

قال أرسطاطاليس :
« وأيضاً ولا المحمولات المأخوذة فى حدود الموضوعات تمضى إلى مالا نهاية .
فإنه لو كان الأمر على هذا ، لما كان إلى الحدّ من طريق .

فإذا كانت المحمولات كلها ، التى فى البراهين ، هى المحمولات الذاتية ، وهذه
ليست بغير نهاية ، قد تنقطع ويقف الإمعان إلى فوق ، فالإمعان إذن إلى أسفل قد
ينقطع . وإذا كان هذا هكذا ، كانت الأشياء التى هى محصورة بين حدّين هى دائماً
متناهية ، فيلزمه من ذلك أن تكون للبرهان مبادئ ، ولا يكون البرهان على كل
شئ . وهذا هو ما تقدّمنا فحكيناه عن أقوام انهم يسوّغون القول به . وذلك أنه إن
كان قد توجد مبادئ غير مبرهنة ، فلا يكون كل شئ مبرهناً على مما قاله قومٌ .

ويبطل أيضاً الامعان إلى ما لا نهاية له . فأن وُجد أحد هذين ، أيهما اتفق ،
ليس هو أكثر مما يوجب أن مقدمات البرهان كلها ذوات أوساط ، وأنه ليس فى
مقدمات البرهان مقدمة غير ذات وسط ، وهذا بأن يكون بين كل حديهن حد
أوسط ، لا كيف اتفق ، لكن بأن يكون للحدين شركة لأحدهما حَسْبُ : - وفى
البيان الذى قد مضى كفاية فى أنه لو كان الإمعان إلى مالا نهاية يمكن ، لقد كان يمكن
أن يوجد بين كل حدين أوساط لا نهاية لها . لكن هذا غير ممكن ، إذ كان الإمعان
من كلا الطرفين يقف وينقطِع [84 b]* . فقد تبين فى كلا القياسين : المنطقى

[Page 469]
[١١٣ ب= ١١١ ]
التفسير
لما بينّ أن الصنف من المحمولات التى تؤخذ الموضوعات في حدودها
تجرى ضرورة في الحمل ، يريد أن يبينّ ذلك أيضاً في الصنف الثاني من
المحمولات الذاتية أعني التي هي حدود أو أجزاء حدود فقال : « وأيضاً ولا
المحمولات المأخوذة في حدود الموضوعات تمضي إلى مالا نهاية له ، فإنه لو كان الأمر
على هذا لما كان إلى الحد من طريق » - يريد : أنه لو كانت المحمولات التي هي
حدود للموضوعات أو أجزاء حدودٍ غير متناهية ، لم يكن سبيلٌ إلى أن يوجد حدٌّ
لشيء من الأشياء ، لأن الجوهر هو الذي يحصر الطبيعة أو الطبائع التي منها تنبنى
ذات الشيء . فلو كانت هذه الطبائع غير متناهية ، لما أمكن أن يوجد حدٌّ خاص
لطبيعة المحدود .

ولما بَيّن امتناع وجود محمولات غير متناهية في صنفى الذاتية ، قال : « وإذا
كانت المحمولات كلها التي في البرهان هي المحمولات الذاتية ، وهذه ليست بغير
نهاية ، قد ينقطع الإمعان إلى فوق ، فالإمعان إذن إلى أسفل قد ينقطع » - يريد :
وإذا كانت محمولات البراهين ذاتية ، وكانت الذاتية صنفين ، وكان قد تبينّ في كل
واحدٍ من هذين الصنفين أنه ليس يمكن أن يوجد فيها محمولات بغير نهاية ، فقد
ينقطع الامعان في المسير إلى فوق ، أعني أن يحمل شيء على شيء إلى غير نهاية . وإذا
انقطع الامعان إلى فوق ، وجب ضرورة ، لتلك الحجج بأعيانها ، أن ينقطع
الإمعان إلى أسفل ، أعني في أن يوجد للموضوع موضوعٌ ، وذلك إلى غير نهاية .

[Page 470] 
ثم قال : « وإذا كان ذلك هكذا ، وكانت الأشيِاء التي هي محصورة بين
حدّين هي دائماً متناهية ، فيلزم من ذلك أن فكون للبرهان مبادئ ، ولا يكون
البرهان على كل شيء » - يريد : وإذا تبينّ أن الحمل ينتهى إلى طرفين محدودين ،
فبيّن أنه ليس يمكن أن يوجد بين طرفين محدودين أوساط لا نهاية لها . وإذا كان ذلك
كذلك ، وجب أن يكون كل برهان ينتهي إلى مبادئ أُوَل ليمس تحتاج إلى برهان .
وإنما قال ذلك لأنه قد كان وضع أن ما بين الطرفين المتناهيين يجب أن يكون ضرورةً
متناهياً . وإذا كان هذا هكذا ، فقد يلزم ألا يكون كل شيء يحتاج إلى أن يقوم عليه
برهان .

ثم قال : « وهذا هو ما تقدّمنا فحكينا عن أقوام أنهم يسوغون القول به .
وذلك أنه إن كان توجد مبادئ غير مبرهنة ، فلا يكون كل شيء مبرهناً » - يريد :
وهذا الذي تبيّن بطلانه من أنه ليس يقوم على كل شيء برهان - هو ما تقدمنا فحكينا
عن قوم من القدماء أنهم يقولون به ، وهو باطلٌ ، من قِبَل < أنه » يبطل أيضاً
الإمعان إلى مالا نهاية » - >
[١١٦ أ = ١١٢ أ] : يريد : أن كان ظاهراً
أن هذه المقدمات لا تظهر بالبرهنة بل معروفة < بأنفسها بأنها هى > مبادئ
البرهان بالطبع ، فليس كل شئ يقوم عليه البرهان . ولا يمكن أن يحمل شئ على
شئ إلى غير نهاية .

ثم قال : « فإن وجود أحد هذين - أيهما اتفق » - ليس هو أكثر مما يتوجب أن مقدمات
البرهان كلها ذوات أوساط ، وأنه ليس فى مقدمات البرهان مقدمة غير ذات وسط »
يريد ، فيما أحسب ، بأحد الأمرين : وضع الواضع أن الحمل يمعن فى البراهين إلى
غير نهاية ، والثانى : وضع الواضع أن البرهان يقوم على كل شئ . وذلك أن كل
واحدٍ من هذين الوضعين يلزم عنه ، ليس بأكثر مما يلزم عن صاحبه ، أن تكون

[Page 471] الأوساط فى البراهين تمّر إلى غير نهاية وألا توجد مقدمات غير ذوات أوساط .

وقوله : « وهذا بأن يكون بين كل حدين حدُّ أوسط ، لا كيف اتفق ، لكن
بأن يكون للحدين شركة ، لا لأحدهما حَسْبُ » - يريد : وهذا الوضع ، أعنى قول
القائل إنه لا يمكن أن توجد مقدمة غير ذات وسط ، أو أن الحمل يمرّ إلى غير نهاية ،
بوجب أن يكون بين كل حدين أخذا فى القياس حدّ أوسط ، أو بين ذلك الحدّ
المأخوذ وأحد الحدّين حد آخر ، ويمرّ الأمر إلى غير نهاية ؛ لكن ليس كيفما اتفق أن
يؤخذ الحد المتوسط بغرض قياس ، بل وأن يكون مشاركاً ، لا لواحد من الطرفين ،
بل لكليهما . وإنما اشترط فيه كونه مشاركاً لكلا الطرفين ، لأنّ بذلك يبين وجود أحد
الحدين للآخر .

ثم قال : « وفى البيان الذى قد مضى كفاية فى أنه لو كان الإمعان إلى مالا نهاية
يمكن ، لقد كان يمكن أن يوجد بين كل حدين أوساط لا نهاية لها » . وهذا اللزوم
الذى قاله ظاهرٌ بنفسه ، وذلك أن الذى يضع أن الإمعان فى الحمل الى فوق وإلى
أسفل يمكن إلى غير نهاية ، فهو يضع أنه يمكن أن توجد بين كل حدين أوساطٌ لا
نهاية لها . وذلك أن الذى يأخذ بين [ احد] حدين حدّاً أوسط ، وبين ذلك الحد
الأوسط المأخوذ وأحد الحدين حدّاً أوسط آخر ، يمرّ ذلك إلى غير نهاية ، فهو يضع
ضرورةً إمعاناً فى الحمل على حدّ واحد إلى غير نهاية . ولما كان هذا اللزوم منعكساً ،
وهو أنه إن كان بين كل حدين حدُّ أوسط ، أن يكون الامعان إلى مالا نهاية فى الحمل
ممكناً - قال : « لكن هذا غير ممكن ، إذْ كان الإمعان من كلا الطرفين يقف
وينقطع » - يريد أنه إن كان الإمعان فى الحمل لا يمّر إلى غير نهاية ، فليس يمكن أن
يوجد بين كل حدين حدود وسطى لا نهاية لها .

ثم قال : فقد تبين فى كلا البيانين : المنطى والبرهانى : أما المنطقيى فآنفاً ،
وأما البرهانى فالآن ، أن مبادئها تقف وتنقطع » - يريد : فقد تبين من كلا البيانين
اللذين أتينا بهما ، أعنى [١١٦ ب = ١١٢ب ] البيان المنطقى الذى أتينا به قبلُ ،

[Page 472] وهو البيان الذى يعمّ القياس المنطقى والبرهانى ، والبيان البرهانى الذى يخصُّ
القياس البرهان الذى أتينا به الآن ، أن مبادئ البرهان تنتهى إلى مبادئ معروفة
بنفسها ، أى غير معروفة بحد أوسط .

٢٣ - < لوازم >  

قال أرسطاطاليس :
« فإذ قد تبينت هذه الأشياء ، فإنه يظهر إذا كان شئ واحد بعينه موجوداً
لشيئين ، بمنزلة أ ل ح - و ل د ، ولم يكن أحدهما محمولاً على الآخر : إما على
الإطلاق ، وإمّا ألا يكون أحدهما على كلّ الآخر ، فإن هذا لا يكون وجوده لهما
بشىء عام دائماً ، مثل زوايا المثلث المعادلة لقائمتين الموجود للمتساوى الساقين
والمختلف الأضلاع شئ يعمّهما ، وذلك أن هذا المعنى موجودٌ لهما بما هما مثلثان ؛ لا
بما كل واحد منهما . وهذا ليس هو دائماً على هذه الحال . وإلاّ فلتكن ب هو الشىء
الذى يوجد بتوسط أ ل ح و ل د ، و ب أيضاً يكون موجوداً لهما بشىء عام ، وذلك
الشىء بشىء آخر ، فيقع بين حدين حدودٌ بغير نهاية - لكن ذلك غير ممكن . فعلى
طريق القانون ليس يلزم ، إذا كان شئ واحد موجوداً لأشياء كثيرة ، أن يكون
موجوداً لها بتوسط شئ آخر . لكن قد توجد أيضاً مقدمات غير ذوات أوساط ،
وحدود المقدمات غير ذوات الأوساط يجب من الاضطرار أن تكون ذاتية غير
متخطية للطبيعة التى هى فيها هكذا ، سواء كانت المقدمات عامية ، أو كانت
خاصّة ، من قبل أن مقدمات البرهان لا يمكن نقلها من طبيعة إلى أخرى . »
التفسير  

لما بيّن أنه ليس يمكن أن يمّر الحمل إلى غير نهاية - يريد أن يعرّف أن هذا يلزم
فى كل موضوعين يحمل عليهما شئ واحد بتوسط محمول عام مشترك لهما ، أعنى أنه
ينتهى ذلك المتوسط العام المشترك ، وذلك أنه إذا كان ذانك الموضوعان ليس يحمل

[Page 473] أحدهما على الأخر إمّا بإطلاق ، وإما بأن حُمل أحدهما على الأخر بحمل جزئىّ لا كلى
فقط مشترك لهما . وليس هناك شئ بهذهِ الصفة . وأمّا أن كان أحدهما يحمل على
الثانى ، فبيّن أنه إنما يبين الأخص بتوسط الأعم . مثال ذلك : أمّا فى حمل الشىء
الواحد بعينه على شيئين فى مرتبة واحدة من الجنس الذى يدخلان تحته ، مثل حمل
الزوايا المساوية لقائمتين على المثلث المختلف الأضلاع والمثلث المتساوى الساقين .
فإن مساواة الزوايا لقائمتين إنما يحملان على المثلثين من قبل أمرٍ عام لهما ، وهو كونه
مثلثاً . وإذا كان ذلك كذلك فبيَّنٌ أن مساواة زوايا المثلث لقائمتين إنما يحمل على
المثلثين بوسط ، وهو كونهما مثلثاً . وهذا [١٠٩ أ = ١١٣ أ] الذى هو المثلث
واجب فيه ضرورة أن يحمل عليهما من غير وسط ، وأن ينتهى إلى شئ عاملٍ عليهما
بلا وسط ، و إلاّ مرت الأوساط إلى غير نهاية .

وإذا كان الأمر هكذا ، فواجب أن ينتهى الأمر فى تحليل المقاييس المركبة إلى
مقدمات غير ذات وسط . كذلك يلوح الأمر أيضاً إذا كان الحد المطلوب إمّا يحمل على
أحدهما بوساطة الثانى ، أعنى أنه يجب أن ينتهى الحمل فى ذلك إلى مقدمة غير ذات
وسط .

وقد يُشكّ فى هذا الذى قاله من أنه متى كان شيئان .يحملان على شيئين فى
مرتبة واحدة إنما يحملان عليه بالطبع من قبل طبيعة مشتركة لهما من قِبل حمل الجنس
على الأنواع التى ينقسم إليها أولا . لكن إن وضعنا هذا ، لم يكن حمل الأجناس على
موضوعاتها بما هى . وأرسطو يشترط فى الحمل الذاتى أن يكون بما هو .

وأنا أقول : إن حمل الجنس على أنواعه القسيمة هو ضرورة بوسط هو بالطبع
هنالك موجود ، وهو الفصل المساوى لذلك الجنس . وإنما كان ذلك واجباً فى كل
حمل ، لأن العلل القريبة المساوية لمعلولها ليس بينها وبين معلولها وسط هى خاصة
- ضرورةً - بمعلولاتها . ومتى لم يقم عند الإنسان البرهان بهذه العلّة ، فلم يعلم بعد

[Page 474] ذلك الشىء بما هو ، ولا أمكن أن يعمله إن كان صناعياً ، ولا أن يكون علمه مطابقاً
لعمل الطبيعة ، وهو الشرط الذى يشترط فى البراهين ويرى أنه ليس < موجوداً >
فقال : « فإذ قد تبينت هذه الأشياء ، فإنه يظهر إذا كان شئ واحد بعينه موجوداً
لشىء ، بمنزلة أ ل ح و ل د » - يريد : فإذ قد تبين أنه لا يمكن أن يمرّ الحمل إلى غير
نهاية ، فإنه يظهر أنه إذا كان شىء واحد يوجد لشيئين ، أو يحمل على شيئين ،
بمنزلة ما توجد أ ل ح و ل د .

وقوله : « ولم يكن أحدهما محمولاً على الأخر إمّا على الإطلاق ، وإمّا ألا يكون
أحدهما على كل الأخر » - يريد : ومن شرط هذين ألا يكون أحدهما محمولًا على
الآخر إمّا بإطلاق وإمّا بالكلى . فمثال ما يحمل على شيئين ، وليس يحمل أحدهما على
الثانى بإطلاق : حمل الزوايا المساوية لقائمتين على المختلف الأضلاع والمساويها ، فإنه
ليس يحمل المختلف الأضلاع على المتساوى الأضلاع ، لا حملاً كلياٌ ، ولا جزئياً .
ومثال ما لا يحمل حملاً كلياً أحدهما على الثانى ، أعنى من الشيئين اللذين يحمل
عليهما شئ واحد بعينه : فمثل حملنا الحيوان على الناطق والصامت . فإنه ليس
يحمل الصامت على كل الناطق ، بل بعضه ، أعنى أنه ليس يصدق : كل مائت
ناطق . وإنما الذى يصدق : بعض المائت ناطق . ولما وضع محمولاً واحداً على
موضوعين بهذه الصفة ، قال : « فإن هذا يكون وجوده لهما بشىء عام » - يريد : فإنه
يلزم أن يكون   [١٠٩ ب = ١١٣ ب ] مثل هذا المحمول إذا حمل على هذين الشيئين
أو وُجِد لهما إنما يوجد لهما من قبل شئ عام ، ولا يمر ذلك إلى غير نهاية ، أى يوجد
ذلك العام من قبل شئ عام غيره ، وبمرّ ذلك إلى غير نهاية . وأن بمثال المحمول
الذى يوجد لشيئين من قِبَل شئ عام موجود لهما يحمل أحدهما على الأخر فقال :
« مثل زوايا المثلث المعادلة لقائمتين للمثلث المتساوى الساقين والمختلف الأضلاع ،
فإن ذلك إنما يوجد لهما من قبل شئ يعمهّما وهو كونهما مثلثاً » . ثم أتى بالحجة على
ذلك ، فقال : « وذلك أن هذا المعنى موجودٌ لهما بما هما مثلثان ، لا بما كل واحد
منهما » - يريد : وذلك أن كون الزوايا مساوية لقائمتين هو موجود للمثلثين ، لا بما
هذا مختلف الأضلاع ، أو متساوى الساقين ، بل بما كل واحد منهما مثلث .

[Page 475] 
ثم قال : « وهذا ليس هو دائماً على هذا الحال » - يعنى أن يكون المثلث يحمل
عليهما من قبَل طبيعة عامة أخرى غير المثلث وهذه الطبيعة من قبل طبيعة عامة
أيضاً ، ويمرّ ذلك دائماً إلى غير نهاية ، بل قد ينتهى الأمر إلى طبيعة يحمل عليها لا من
قبل طبيعة أخرى وتلك الطبيعة هى موجودة لهما من غير وسطٍ ضرورة .
وليس ينبغى أن يفهم من هذا أن الحمل الذى بلا وسط ، الذى اشترط فى
البراهين ، هو من نوع هذه المحمولات . وإنما أراد أن يبين أنه يجب ضرورة أن
يوجد حملٌ غير ذى وسط . وكأنه لم يُبالِ فى هذا الموضع أن يكون محمولاً عليه من
طريق ما هو ، أو ليس كذلك .

ولما ذكر هذا أخذ يتمثل فى ذلك بالحروف على عادته ، فقال : « فلتكن ب هو
الشىء الذى يوجد بتوسط أ ل ح ول د . وأيضاً فيكون موجوداً لهما شئ عام ،
وذلك الشىء لشىء آخر ، فتقع بين حديّن حدودٌ بغير نهاية » - يريد : مثال ذلك :
لنجعل علامة المحمول ما عليه أ ، والموضعين اللذين يحمل عليهما ذلك
المطلوب : ما عليه علامة ح ود . ولنجعل الوسط . العام الذى يبين به وجود أ
الذى هو المحمول للموضوعين اللذين هما ح ، د ما عليه علامة ب ولينزل أن
ب أيضاً إنما توجد ل ح ، د بوسطٍ عام ، وذلك الآخر بآخر . فإنّ مرّ ذلك أنى
غير نهاية لزِمَ أن توجد بين حديّن - وهما أ ، ح ، د-حَدودٌ بغير نهاية . وقد
تبين أن ذلك غير ممكن .

ثم قال : « فعلى طريق القانون ليس يلزم إذا كان شئ واحد موجوداً لأشياء
كثيرة ، أن يكون موجوداً لها بتوسط شئٍ آخر . لكن قد توجد مقدمات غير ذات
وسط » - يريد : فعلى هذا الذى تبيّن ، ليس يجب إذا كان شئ واحد موجوداً فى
أشياء كثيرة أن يكون موجوداً لها بتوسط آخر ، لأنه لو كان ذلك كذلك ، لوجد بين
حدّين [١١٠ أ =١١٤ أ ] أوساط لا نهاية لها . فإذا امتنع ذلك ، وجب أن تكون
مقدمات غير ذات وسطٍ ضرورةً . ولما كان الحمل ينتهى ضرورة فى مثل هذه
المحمولات إلى مقدمات غير ذات أوساط ، وكانت المقدمات التى ينتهى الحمل فيها

[Page 476] إلى غير وسطٍ فى أمثال هذه الموضوعات ليست محمولة على الموضوع من طريق ما
هو ، إذْ كان المحمولُ أعمَّ منه - وقد كان أخذ فى مقدمات البراهين أنها محمولة بما
هو ومن غير وسط ، عرَّف هذا المعنى لئلاّ يظنّ أن المقدمات ذوات الوسط ، التى هى
مبادئ البرهان ، هى بهذه الصفة فقال : « وحدود المقدمات الغير ذوات وسط يجب
من الاضطرار أن تكون ذاتية وغير متخطية للطبيعة التى هى فيها » - يريد بالذاتية :
أن تكون محمولة على الشىء بما هو . ويريد بكونها غير متخطية للطبيعة التى هى
فيها : أى لا تكون أعتم من الجنس الذى تنظر فيه الصناعة .

وقوله : « سواء كانت المقدمة عامية أو خاصية » - يريد : وسواء كانت
المقدمات من التى يظنّ أنها عامية ، مثل أن المساوية لشىء واحدٍ فهى متساوية ،
وخاصيّة : مثل الذى وقع عليها الاتفاق أنها ليس تستعملها إلاّ صناعة واحدة .
وإنما أراد أن يعرّف أن تلك العامية قوتها قوة الخاصية . ثم أتى بالحجة التى من قِبلها
وجب أن تكون مقدمات البرهان لا تتخطى الجنس إلى ما فوقه ، أى لا تتعدّاه ،
فقال: « من قبل أن مقدمات البرهان لا يمكن نقلها من طبيعة إلى أخرى » - يريد :
من صناعة إلى صناعة ، وليس ألاّ يمكن النقل هو السبب فى كون المقدمات يجب أن
تكون خاصّة بالجنس الذى تنظر فيه الصناعة ، بل كونها خاصّة هو السبب فى أنه لا
يمكن النقل ، لكن استعمل المتأخر هاهنا فى البيان المتقدم ، وقبل استعمال المتقدم
فى البيان المتأخر حين بيّن أنه ليس يمكن أن تنقل البراهين من صناعة إلى صناعة .

قال أرسطاطاليس :
« فأما إن كانت أ توجد ل ب بوسط ، فإن بيانها إنما يثبت بذلك الوسط ،
وبيانها يتّم بأمثال هذه المبادئ ، أعنى المقدمات الغير ذوات أوساط . وذلك أن
المقدمات الغير ذوات أوساط تجرى فى البرهان مجرى الاسطقسات : إمّا كلها ، أو
الكلية منها . فأمّا متى لم يكن بين جزئي المقدمة وسط ، فإن تلك المقدمة لا يكون
صليها برهان ، بل تكون مبدءاً للبرهان فقط . »

[Page 477] التفسير
لما بينّ أنه من قِبل وجود أوساط لا نهاية لها يمتنع بيان لا نهاية له ، أعنى وجود
برهان لا نهاية لحدود الأوساط - يريد أن يعرّف مطابقة الوجود [١١٠ ب =١١٤ أ ]
فى هذا المعنى للمعارف الإنسانية الطبيعية ، فقال : « فأما إن كانت أ توجد ل ب
بوسط ، فإنّ بيانها إنما يثبت بذلك الوسط » - يريد : وكون البرهان فى هذا المعنى تابعاً
لحالة وجود الموجود فى نفسه يوجب - إن كان فى الوجود شئ وُجِد لشىء بتوسط شئ
آخر - ألا يتبين ذلك الشىء على المجرى الطبيعى إلاّ من قبل ذلك المتوسط . وهذا
إنما يصدق حيث يتفق أن يكون المتقدم فى الوجود هو المتقدم فى المعرفة الذى هو شرط
البرهان المطلق . ولذلك أطلق القول هاهنا . وإما فى بعض المقدمات ، فالمتقدم فى
المعرفة عندنا هو المتأخر فى الوجود . وإذا كان ذلك كذلك ، فليس يمتنع أن يوجد
شىء لشىء يبين بمتوسط ويكون وجود معرفة ذلك الشىء لذلك الشىء عندنا بيناً
بنفسه ، من غير أن يحتاج فيه إلى أمثال تتوسط . لكن أمثال هذه ليست محمولاتها
أولاً . ولذلك أوصى أرسطو فى أمثال هذه أن تحسب فى البراهين . ومثال ذلك أن
من المعارف الأول عندنا أن الإنسان حيوان ، وهو إنما يوجد بوسطٍ وهو الحساس .
وأبعد من هذا الأمر فى مقدمات براهين الدلائل ، وذلك أن الوسط فيها بالطبع يُجْعل
طرفاً أكبر ، والأكبر بالطبع وسطاً .
وقوله : « وبيانها يتم بأمثال هذه المقدمات الغير ذوات أوساط » - يريد : وبيان
هذه المقدمات ، التى تبين بوسط ، يكون بالمقدمات الغير ذوات أوساط . وذلك إمّا
أولا ، و إمّا أن يفضي الأمر أخيراً إلى مقدمات بهذه الصّفة ، أعنى أوائل بغير وسط .
ولذلك قال : « أن المقدمات الغير ذوات أوساط تجرى فى البرهان مجرى
الاسطقسات » - يريد أن جميع البراهين المركبة تنحلّ مقدماتها إلى أمثال هذه
المقدمات ، ولا تنحلّ هذه المقدمات إلى غيرها ، كما ينحلّ المركب إلى الاسطقس ،
ولا ينحلّ الاسطقس إلى غيره .

وقوله : « إمّا كلها ، وإمّا الكلية منها » - إنما قال ذلك من قِبَل أنه كلما كانت

[Page 478] المقدمة أكثر كلية ، كانت أدخل فى أن تكون اسطقساً . ولذلك كانت المقدمة الكبرى
أحقّ بأن تكون اسطقساً من الصغرى .

وقوله : « فأما متى لم يكن بين جزئى المقدمة وسط ، فإن تلك المقدمة لا يكون
عليها برهان ، بل تكون مبدءاً للبرهان فقط » - ينبغى أن يفهم منه أن ذلك إنما يكون
فى المقدمات الشىء المتقدم فى المعرفة عندنا متقدم فى الوجود . وذلك أنه ليس يمتنع
أن يوجد شئ لشىء بغير وسط ولا يكون معروفاً عندنا وجوده لذلك الشىء . وإن
كان ذلك كذلك ، لم يمكن أن يتبين لنا ذلك الشىء إلاّ بوسطٍ متأخر .

قال أرسطاطاليس :  

 « وكذلك أيضاً إن كانت أ غير موجودة ل ب [١١١ أ = ١١٥ أ] فإنه ليس
يخلو أن يكون بينهما وسط ، أوْ لا يكون . فإن كان بينهما وسط هو أقدم من ب غير
موجود له أولاً ، فإن البرهان يكون بتوسطه . فإن لم يكن ، فليس يتم البرهان .
وصورة المقدمات الغير ذات أوساط التى هى مبادئ البرهان واسطقسات له صورةُ
الحدود . فكما أنه قد تحدث مقدمات غير ذات أوساط على طريق الإيجاب تتبين
بتوسطها المطالب التى هى على طريق الإيجاب - كذلك قد نجد أيضاً مقدمات غير
ذوات أوساط على طريق السلب تتبين بتوسطها المطالب التى تجرى على طريق
السلب ، فتكون بعض المبادئ تتبين بها المطالب التى على طريق الايجاب ، وبعضها
تتبين بها المطالب التى على طريق السلب . »
التفسير
لمّا بيّن أنه قد يوجد فى الحمل الموجب محمولات بغير وسط فى الوجود وفى
المعرفة ، وهى اسطقسات البراهين الموجبة - يريد أن يبين أن مثل ذلك يلزم فى
الحمل السالب . وذلك أنه لما كان المحمول الموجب الذى يحمل على الموضوع دون
وسط هو الذى يوجد له ، لا من قِبَل طبيعة أخرى ، وجب أن يكون المحمول الذى
يسلب عن الموضوع دون وسط والذى يسلب عن الموضوع لا من قِبَل طبيعة أخرى

[Page 479] محيطة بالموضوع ، أو من قِبَل سلب طبيعة محيطة بالمحمول يسلب عن الموضوع
نفسه ، أو من قِبَل طبيعة محيطة بأحدهما تسلب عن طبيعة محيطة بالأخرى ، أومن
قِبَل سلبه عن سبب الموضوع : وذلك يتفق فيما كان من الموضوعات ليس لها
أسباب ، أو كانت الأسباب هى الموضوعات أنفسها .

فقوله : « وكذلك أيضاً إن كانت أ غير موجودة ل ب ، فإنه ليس يخلو أن
يكون بينهما وسط ، أو لا يكون » - يريد : وكذلك أيضاً إذا يُسلب شئ ما عن
شىىء ، فليس يخلو أن يُسْلَب عنه : إمّا من قبل وسط ، وإما بنفسه أى من قِبَل غير
وسط ، إذ كان حاله فى كونه غير موجود له حاله من هذه الحال ، أعنى أنه إمّا أن
يكون غير موجود له من قِبَل أنه غير موجود لشىء آخر ، مثل كون الحيوان غير موجود
للنخلة ، من قِبَل أنه غير موجود للنبات الذى هو جنس النخلة . وإما أن يكون
غير موجود له نفسه ، مثل كون الحيوانية غير موجودة للنبات .

ثم قال : « فإن كان بينهما وسط هو أقدم من ب : أ غير موجودة له أوّلاً ، فإن
البرهان يكون بتوسطه » - يريد : فإن كان سلب أ عن ب هو من قِبَل سلبها عن
طبيعة أخرى أقدم من ب : إمّا محيطة ب د ، وإمّا سبب لها - فإن سلب أ عن ب
يكون ببرهان . والبرهان يقوم على أن أ مسلوبة عن ب بتوسط تلك الطبيعة .

ثم قال : « فإن لم يكن ، فليس يتم البرهان » - يريد: فإن لم
[١١١ ب = ١١٥ ب ] يؤت بهذا الوسط الذى هو أقدم من ب ، أى من
الموضوع ، فإن البرهان لا يتم على سلب أ عن ب .

وقوله : « وصورة المقدمات الغير ذوات أوساط التى هى مبادئ البرهان
واسطقسات له هى صورة الحدود » - يريد : ب « الحدود » : أجزاء المقدمات . وإنما
أراد أن حال المقدمات فى البرهان هو حال الحدود بأعيانها ، إذ لا فرق بينهما : إلاّ أن
الحدود تزيد على المقدمات بواحد ، كما تبين فى كتاب « القياس » .

[Page 480] 
وقوله : « فكما أنه . . » إلى قوله : . . على طريق السلب » - يريد : وكما أنه
توجد مقدمات بوجبة غير ذوات أوساط تبين بتوسطها المطالب الموجبة ، كذلك توجد
مقدمات سالبة دون وسط تتبين ، بتوسطها ، المطالبُ السالبة ، فتكون إذن بعض
المقدمات الأوائل تبين بها المطالب الموجبة ، وبعضها تبين بها المطالب السالبة .

قال أرسطاطاليس :  

 « فمتى رُمْنا إقامة البرهان على أن أ ل ب ، فواجبٌ أن يوجد شئ محمول
على ب أولاً ، بمنزلة ب ، ويحمل على هذا الحد أ . فإذا نحن فعلنا ذلك عندما
نروم إقامة البرهان على أن أ ل ح أمّا حد خارج عن أ فلا يمكن أن يوجد . لكن
بين حدّى أ ج توجد أوساط حتى ينتهى إلى حدود لا فرجة بينها ومقدمة واحدة
بسيطة . وهذه تكون كذلك متى لم يكن بين حدّيها وسط . والمقدمة الواحدة على
الإطلاق هى التى لا يكون بين حدّيها وسط . وكما أن فى سائر الأمور قد ينتهى إلى
مبدأ هو شئ بسيط ، وهذا يكون فيها مختلفاً ، فإنه قد يكون في الثقل مِنا507 ، وفى
اللحن ربع طنينة ، وكذلك فى كل واحدٍ واحدٍ من الأمور سوى هذين . كذلك
فى القياس أيضاً قد ننتهى إلى مبدأ على غاية البساطة ، وهو مقدمة غير ذات وسط .
[85 a]*. وفى البرهان والعلم ينْتهى إلى مبدأ هو العقل . »
التفسير
إنه فى هذا القول يروم أن يأتى بحجة من طريق الاستقراء أن البرهان ينبغى
أن ينحلّ إلى مقدمات غير ذات وسط . وهو مع هذا يعرّف كيف وقوع الحدود
الأوساط بين حدّين مفروضين فى القول القياسى . لأنه إذا تصور ذلك على كُنْهه ،
كان تصور امتناع أن يوجد بين حدّين حدودٌ لا نهاية لها ، أفضل وأوضح أنه لا يتم
إلاّ به . وذلك أن البرهان المتقدم على أنه ليس يمكن أن يُلفى بين حدين حِدودٌ لا
نهاية لها إنما انبنى على وقوع الحدود بين الطرفين ، أعنى الحدين المفروضين . فقوله :

[Page 481] « فمتى رُمْنا إقامة البرهان على أن أ ل ب ، فواجبٌ أن يوجد شئ يحمل على ب
أولاً ، بمنزلة ح » [١١٢ أ= ١١٦ أ] - يريد : متى أقمنا البرهان على أن شيئاً
موجودٌ لشىء ، مثل أن نقيم البرهان على أن أ موجودة ل ب ، فواجبٌ أن يوجد .
شئ يحمل على ب بإيجاب . وإنما كان ذلك واجبا لأنه لا يكون البرهان إلا
بقياسٍ ، ولا يكون قياسٌ إلاّ بحد أوسط ، ولا يكون قياس فى الشكل الأول بأن
تكون الصغرى موجبة . ولذلك قال : « فواجبٌ أن يوجد شىء محمول على ب ، أولاً
بمنزلة ح » .

وقوله : « ويحمل على هذا الحد أ » - يعنى على الحدّ الأوسط الذى أخذ بدله
ح .

ثم قال : « وإذا نحن فعلنا ذلك عندما نروم إقامة البرهان على أن أ ل ح إما
حد خارج عن أفلا يمكن أن يوجد » - يريد : فمتى أخذنا أن أ محمولة على ح من
قبل حد آخر أوسط ، فليس يمكن أن يقع هذا الحدّ خارجاً عن حدّى أ ، ج .
وذلك أنه إما أن يكون محمولاً عليهما فيقع خارجاً عن أ فى المقدمة الكبرى ، وذلك
يكون فى الشكل الثانى ، والشكل الثانى لا يُنْتج فيه موجبٌ . أو يكون موضوعاً
لكليهما ، فيكون خارجاً عن ب ، أعنى الطرف الأصغر فى المقدمة الصغرى ؛ وذلك
يكون الشكل الثالث ، والشكل الثانى لا ينتج فيه كلّى ، فضلاً عن موجب .

فإذن واجبٌ - إذْ كنا مزمعين أن ننتج موجباً كلياً - أن يقع الحد الأوسط بين
الطرفين فقط فى المقدمتين جميعاً . وليس يمكن أن يمّر مثل هذا الوقوع إلى غير
نهاية ، على ما تبيّن قَبلُ . وهو الذى أراد بقوله : « لكن بين حدّى أ ، ح توجد
أوساط حتى يُنتهى إلى حدود لا فُرْجَة بينها » - يريد : لكن يلزم فى مثل هذا
المطلوب ، أعنى الموجب ، أن يقع الحد الأوسط فى كلتا المقدمتين بين الطرفين ،

[Page 482] وكذلك فى كل واحدة منهما ، إن كانت ذوات أوساط ، حتى ينتهى الأمر إلى مقدمات
ليس لها وسط - وهو الذى أراد بقوله : « لا فرجة فيها » ومقدمة واحدة بسيطة ، أى
ليس فيها موضع لوقوع الحد الأوسط ، ولا هى مركبة من قِبَل الحد الأوسط ، فإن
المقدمات التى تتبين بحد أوسط هى مركبة .

وقوله : « والمقدمة الواحدة على الإطلاق ، وهى التى لا يكون بين حدّيها
وسط » - إنما كان ذلك كذلك ، لأن المقدمة التى تتبين بحدّ أوسط هى مقدمة لما يؤخذ
فى بيانه ، ونتيجة للمقدمات التى تتبين بها . فإذن هى مقدمة من جهة ، ونتيجة من
أخرى . فليست إذن مقدمة على الإطلاق ، إذ كانت المقدمة على الإطلاق هى التى
هى مقدمة بالإضافة إلى جميع الأقاويل ، وهى المقدمة المعروفة بغير وسط .
ثم قال : « وهذا يكون [١١٢ ب = ١١٦ ب] فيها مختلفاً . . . » إلى  

قوله : « . . وهو مقدمة غير ذات وسط » - يريد : وهذا موجود فى جميع الأجناس
التى تختلف بالمتقدم والمتأخر . - الأشياء موجودة فيها ، أعنى أن بعضها تكون
أسباباً ، مثلما يوجد الأمر فى الأثقال وفى الألحان ، أعنى أنه كما يوجد فى الأثقال ثقل
يسمى رطلاً ، وهو الأول ، وكما قُلْتُ هو المسمّى رطلاً ، وفى الألحان لحن بسيط هو
الأول وهو الربع طنينى ، وفى غير ذلك من الأشياء التى هى من هذا الجنس ، كذلك
يلزم أن يوجد فى المقدمات مقدمة أولى بسيطة غير مركبة . وكون المقدمات داخلةً فى
هذا الجنس هو من جهة ما يوجد أن بعضها أعرف من بعض وعللٌ لبعض . فإذا
صح أن كل ما هذا شانه ففيه بسيط ، ووضع أن المقدمات هكذا شأنها ، أنتج عن
ذلك أن المقدمات فيها بسائط . وجميع هذا هو بحجج على جهة الاستظهار ، لا
حجج طبيعية ، لأنه من المعروف بنفسه أن هاهنا جنساً من المقدمات بهذه الصفة .

وقوله : « وفى البرهان والعلم يُنتهى إلى مبدأ هو العقل » - يريد : والمقدمات
الأول البسائط ترجع إلى مبدأ وهو العقل ، أى : ولنا أن نسلم لمن يقول إن كل
مقدمة تحتاج إلى مبدأ عموم هذه القضية ، ونقول مع هذا فى المقدمات الأوائل إن
مبدأها هو العقل ، لا أنها تتبيّن بمبدأ هو مقدمة على ما يزعم الخصم .

[Page 483] 
قال أرسطاطاليس :
« أما المقاييس التي تبين الإيجاب ،فإن الوسط ليس يقع فيها خارجاً . وأما
المقاييس السالبة فإنه إذا كان الأوسط موجوداً للأصغر ، فإنه لا يقع خارجاً ، مثل أن
أردت أن تبين أن أ ل ب بتوسط ح ، فإنه أن كانت ح موجودة لكل ب ، و أ ولا
على شئ من ح ، فإن دعت الضرورة إلى أن تبين أن أ ولا على شئ من ح ،
فيجب أن يؤخذ حدُّ أوسط بينهما يتبين به ذلك ؛ وعلى هذا المثال دائما . فأما إن كان
البيان فى الشكل الثانى ، بمنزلة ما يتبين أن ح غير موجودة لكل ه ، وكانت ح
الوسط تؤخذ موجودة لكل ح ، فإنها تكون غير موجودة لشىء من ه ، أو غير
موجودة لكل ه ، فإن السلب لا يكون خارجاً عن الطرف الذى هو فى وقت من
الأوقات . وأما فى الضرب الثالث ، فلا سبيل إلى أن نأخذ السلب خارجاً عن
الطرف المسلوب . »
التفسير
قوله : « أما المقاييس التى تبين الإيجاب ، فإن الوسط ليس فيها خارجاً »
يريد : فإن الوسط فيها ليس يقع فى كلتا المقدمتين خارجاً عن أحد الطرفين : الأصغر
والأكبر . . وإنما يقع بينهما . والعلة فى ذلك هو ما قلناه مِنْ قَبْلُ من أن الموجب لا
يُنتج [١١٧ أ] < إلاّ فى الشكل الأول ، والحد الأوسط يقع فى كلتا المقدمتين فى
هذا الشكل بين كلا طرفيها ، أى بين الأكبر والأصغر . >
وقوله : « وأما < المقاييس > السالبة فإنه إذا كان الأوسط هو موجوداً
للأصغر ، فإنه لا يقع خارجاً » - يريد : والمقاييس التى تنتج السالبة الكلية فإنه إذا
كان تأليفها فى الشكل الأول ، فإن الحد الأوسط يقعٍ بين الطرفين فى المقدمتين .
وأخذ بدل هذا قوله : « فإنه إذا كان الأوسط موجوداً للأصغر» - يريد : والأكبر
محمول بسلبٍ على الأوسط ، لأنه قد يكون الأوسط موجوداً للأصغر ، ومسلوباً عن
الأكبر فيقع خارجاً عنه . وذلك فى الشكل الثانى .

[Page 484] 
ولما ذكر هذا ، أتى بمثال ذلك من الحروف ، فقال : « مثل أن أردت أن تبين أن أ
ليست ل ب ، بتوسط ح . فإنه إن كانت ح موجودة لكل ب ، و أ ولا على شئ
من ح » - يريد : مثال ذلك أنه إذا أردنا أن نبين أن أ موجودة ل ب بتوسط ح .
فإذا كانت أ مسلوبة عن كل ح ، وح موجودة لكل ب ، فإنه ينتج أن أ مسلوبة عن
كل ب بحد أوسط يقع بين أ ، ب ، وهو ح .

ثم قال : « فإن دعت الضرورة إلى أن يبين : أ ولا على شئ من ح ، فيجب
أن يؤخذ حدٌّ أوسط بينها ليتبين به ذلك ؛ وعلى هذا المثال دائماً » - يريد : فإن
كانت المقدمة الكبرى من هذا الشكل ، وهى قولنا : « أ ولا على شئ من ح » ،
تحتاج أن تبين بحدّ أوسط يقع بين الطرفين ، فينبغى أن يوجد بينهما حد
أوسط يكون موجوداً لكل ح ومسلوباً عنه أ . وهكذا أيضاً إن احتجنا فى
مقدمة هذا القياس إلى بيانها ، أعنى أنه نأخذ بين حدّيها حدّا بهذه الصفة ،
ونعمل ذلك دائماً حتى نصل إلى مقدّمة معروفة بنفسها ، لا بحدّ وسط .
ثم قال : « فأما أن كان البيان فى الشكل الثانى ، بمنزلة ما يبين أن ح غير
موجودة ل ه ، وكانت ح تؤخذ موجودة لكل ح ، فإنها تكون غير موجودة لشىء
من ه ، أو غير موجودة لكل ه ، فإن السلب لا يكون خارجاً عن الطرف الذى هو
فى وقت من الأوقات » - يريد : فإما إن كان البيان للسالب ، الكلى أو الجزئى فى
الشكل الثانى الذى صغرى مقدمتيه موجبة ، أو كبراهما موجبة ، مثل أن يبين
أن ح غير موجودة ل ه ، وتكون ج موجودة لكل ج ومسلوبة عن كل ه أو
عن بعضها ، فإنه ينتج أن ب مسلوبة عن كل أ أو عن بعضها .
وكذلك أن كانت الموجبة هى الصغرى ، فإنه ينتج هذه النتيجة بعينها وفى كلا
الصنفين لا يقع الحد الأوسط خارجاً عن الطرف الموجب : كان هو الأصغر أو

[Page 485] الأعظم . وهو الذى أراد بقوله : « فإن السلب لا يكون خارجاً عن الطرف الذى هو
فى وقت من الأوقات ، أى فإن الحدّ الأوسط المسلوب لا يكون خارجاً عن الضرب
الذي الحدّ الأوسط موجود له ، لا في وقت من الأوقات . [١١٧ ب ] وإنما كان ذلك
كذلك لأن الحدّ الأوسط يقع فى المقدمة الموجبة فى هذا الشكل بين الطرفين ، وفى
السالبة خارجاً عن الطرفين .

ثم قال :« وأما فى الضرب الثالث فلا سبيل إلى أن نأخذ السلب خارجاً عن
الطرف المسلوب » - يريد : وأما فى الشكل الثالث ، فإن الحدّ الأوسط يقع فى المقدمة
السالبة بين الطرفين ولا بد ، لا خارجاً . والسبب فى ذلك أن الصغرى فيه ، التى
من شرطها أن تكون موجبة ، الحدُّ الأوسط فيها يقع خارجاً من الطرفين ؛ وأما فى
الكبرى فإنه موضوع للأكبر ، فلذلك يقع ولا نجد بين الحدين أعنى الأكبر
والأصغر .

وقد أراد فى هذا كله أن يبين أنه لا يكون قياسٌ إلاّ ويجب أن يكون الحد
الأوسط بين الطرفين إمّا فى المقدمتين جميعاً ، وإمّا فى الواحدة . فإن وجدت
مقدمات لا نهاية لها ، وجب أن يوجد بين شيئين متناهيين أشياء لا نهاية لها - وذلك
مستحيل ، لأن ما بين الأطراف المتناهية متناه ضرورة*
[ هنا كمل السفر الأول من شرح القاضى الأفضل الأوحد أبى الوليد بن

[Page 486] رشد - رضى الله عنه - لكتاب البرهان لأرسطاطاليس - على يدى عبد الكبير بن عبد
الحق بن عبد الكبير الغافقى الاشبيلى ، فك الله أسره ، ويسّر مرغوبة ، لا رباً
سواه ]